الوجه الآخر
الناقد الكبير الدكتور حاتم الصكر:
ووقفة مع “ الثمرة المحرمة – ونقد الحداثة”
– عقيل هاشم
الكتابة عن الدكتورحاتم الصكر هو الاحتفاء بالأدب والإبداع والمدرسة النقدية الجديدة. لطالما ارتبط الأدب والنقد الرفيع بالرسالة الإنسانية السامية، فالمبدعون الكبار هم من يحملون لواء القضايا الإنسانية العادلة، مضيئين بكلماتهم شمعة الأمل بعالم واعي يقود المجتمع إلى بر الأمان ..
يأتي دور الشاعر والناقد د. حاتم الصكر، حاملا هموم الثقافة – الوطن وأحلامه بالعيش بعالم جميل تسوده الحرية والعدالة ، كاشفا بجرأة عن المسكوت عنه لما تمر به بلداننا من تراجع في الوعي أمام عطب الحياة والثقافة لذا نراه دائما يشدد على أهمية دور المثقف.
وبرؤيته وإدراكه العميقين، يقرأ حال الثقافة والفكر في واقعنا المعاصر، مبرزا أوجه القصور والإخفاق، سواء على صعيد دور النقد أو كتابة النصوص دفاعا عن حريّة الفكر واستقلاليّة الإبداع.
عُرف الناقد العراقي الدكتور حاتم الصكر في الأوساط الثقافية العراقية والعربية باشتغالاته الرصينة والمختلفة، رؤية ومعالجة، وبآرائه الموضوعية، وكتب الكثير من النقود التي ما زالت مصادر دراسة الباحثين والمثقفين، وواكب أجيالاً أدبية مختلفة في العراق وخارجه..
يقيم حاليآ في الولايات المتحدة منذ 2011، وأصدر العديد من الأعمال ما بين النقد والشعر وله رؤية خاصة في النقد الأدبي.
بدا شاعرنا متمرسا ينظم الشعر ثم أدرك ان النقد مجالا أرحب ويتسع كل الأجناس وكان يرى إن قراءة الشعر تنحسر في العالم كله لابتعاد الأجيال الجديدة عن الشعر لصعوبة فهم تركيبته، موضحا أن تلك الأجيال تستبدل الشعر وتتجه نحو قراءة الروايات الخفيفة والمشوقة.
وكأن يرى الحروب والأحداث الكبرى في تاريخ هذه البلدان العربية قد مهدت وشجعت انتعاش الرواية وربما اخذت ماخذا من الشعر.
وللاطلاع آكثر على ناقدنا الكبير الدكتور الصكر نقول هو من مواليد بغداد 1945 حاصل على دكتوراه في الآداب بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في الأدب العربي الحديث والنقد، وعضو اتحاد الكتاب العرب واتحاد الأدباء العراقيين ورابطة نقاد الأدب.
ويعمل ككاتب متفرغ، وأصدر العديد من الأعمال ما بين النقد والشعر، منها “حلم الفراشة: الإيقاع الداخلي والخصائص النصية في قصيدة النثر”، و”نقد الحداثة بواكير الخطاب النقدي العربي” و”في غيبوبة الذاكرة – دراسات في قصيدة الحداثة”، و”أقنعة السيرة الذاتية وتجلياتها”، وله 3 تجارب شعرية منها “بريد بغداد”، و”الهبوط إلى برج القوي”
اصدر أربعة دواوين شعرية، واثنان وعشرون كتابا نقديا، أحدثها: “أقنعة السيرة وتجلياتها ـ البوح والترميز في الكتابة السير ـ ذاتية”، و”نقد الحداثة- قراءات استعادية في الخطاب النقدي المعاصر وتنويعاته المعاصرة”، و”الثمرة المحرمة – مقدمات نظرية وتطبيقات في قراءة قصيدة النثر”، و”تنصيص الآخر – المثاقفة الشعرية والمنهج ونقد النقد..
يمتلك الشاعر والناقد الدكتور حاتم الصكر تجربة نقدية مهمة راكمها عبر ما يقرب من نصف قرن، وانعكست فيما قدمه للمكتبة العربية من كتب حول الشعرية العربية، وبشكل خاص قصيدة النثر، وآخرها كتاب «الثمرة المحرمة… مقدمات نظرية وتطبيقات في قراءة قصيدة النثر» الصادر عن مجلة «نصوص من خارج اللغة» الثقافية في الرباط. في الكتاب بحث الصكر في قصيدة النثر العربية، مع اختيار تجارب بعض شعراء هذه القصيدة..
وله اطلاع واسع على حركة الشعر العربي الحديث، والذي قدم للمكتبة العربية كتباً نقدية لافتة اهمها: «الثمرة المحرمة، مقدمات نظرية وتطبيقات في قراءة قصيدة النثر»
والصادر عن شبكة أطياف الثقافية للدراسات والترجمة والنشر، الرباط 2019
يتناول الكتاب كل هذه الإشكالات، والطروحات والمسميات، في كتابه هذا، متطرقاً في فصوله الأولى إلى بدايات حركة التجديد لقصيدة النثر، مشيراً إلى روادها وإلى رواد شعراء المدرسة الحديثة للشعر، وكاشفاً في الوقت عينه عن أهم مراحل تطوّرات قصيدة النثر، على يد روّادها من الشعراء، ومشيراً في رحلته النقدية هذه، لكل ما مرّ بالشعر العربي من تطوّرات، على صعيد الكشف الجديد والتأثر بالمدارس والمنابع العربية والمرجعيات الشعرية الغربية، كل ذلك حدّده في مقدمة الكتاب التي قسّمها إلى أبواب ومحطات، ليصل فيما بعد المقدمة إلى تناول بعض الشعراء الذين كتبوا في هذا المضمار، وهو حسب تفحّصنا للكتاب وتمحيصه، قد قدّم قراءات وليست دراسات لشعراء عرب، منهم مَن رحل عن دنيانا اليوم، كتناوله للشاعر الأردني أمجد ناصر، وللعراقي سركون بولص ولليمني محمد حسين هيثم، والمصري محمد عيد إبراهيم، هذا إلى جانب لفيف من الشعراء الأحياء، من بينهم وديع سعادة، عباس بيضون، صلاح فائق، قاسم حداد، سيف الرحبي، صلاح بوسريف، أحمد الفلاحي، ياسين عدنان، خزعل الماجدي، عبده وازن، جرجس شكري، عبد الفتاح بن حمودة، باسم فرات، هاني الصلوي، عبد الزهرة زكي، طالب عبد العزيز، وغيرهم من الشعراء الذين تناولهم الناقد، خلال العقود الماضية، ووجد أنهم يمثلون ما تحدث عنه في دراسته النقدية المتميزة.
من هنا يسعى كتاب « الثمرة المحرّمة « القاء الضوء على بعض التجارب الحديثة، في هذا المضمار، مبيّناً، ودارساً، ومتفحّصاً قدر الإمكان، تجارب بعض شعراء هذه القصيدة، التي حوربت في بدء انطلاقتها من النشر، إذ جوبهت بالرفض من قبل جمهرة من الكتّاب، والشعراء، والنقّاد، والأدباء، واتهموها بشتى التهم، وبأقذع الأوصاف: القصيدة الهجينة، القصيدة المستوردة، القصيدة الخرساء. وكان الهجوم يأتيها من الكتاب اليساريّين واليمينيين، على حد سواء، والكل كان يحمل التهمة الجاهزة لها، ويحاول أن يسبغها على هذه القصيدة التي مضت في خطها التجديدي والتصعيدي نحو الأفضل، وشقّت طريقها، ولكنها بقيت حتى الآن تحارب من هذا وذاك، وإن بطريقة أخف وأقل من السابق.
كانت الشاعرة والمنظرة العراقية نازك الملائكة قد وقعت في خطأ التسمية منذ بدء حركة الشعر العربي الحديث، وكان إطلاق «القصيدة الحرة» على الشعر الذي جاءت به هي وقريناها السياب والبياتي، يعد خطأً تاريخياً فادحاً، فشعرهم الجديد لم يكن حراً مطلقاً، فله قيوده وأوزانه وقوافيه، والتجديد الذي طاله هو انتقاله من وحدة البيت إلى وحدة القصيدة، وكان من المفترض في هكذا مقام أن تسمى قصيدة النثر بـ «القصيدة الحرة» كونها متحرّرة كلياً من القيود الشعرية، ومن هنا ساد الخطآن اللذان أطلقا على ثورة الشعر الحديث التي قادها الشعراء الرواد العراقيون، وعلى قصيدة النثر التي تبناها أدونيس وأنسي الحاج وشعراء مدرسة «مجلة شعر» اللبنانية، لكن الذي حصل بعد ذاك، هو رسوخ مصطلح «قصيدة التفعيلة» كما يسمّى حالياً، ليتعايش على مضض، مع مصطلح «قصيدة النثر» العربية .
هذا الجدل الذي أمتد إلى أكثر من سبعين عاماً، سيبقى مستمراً لعقود أخرى، حتى تحل أشكال جديدة أخرى وتمحو، أو تؤسس لمفهوم شعري مغاير ومختلف وجديد عابر للأنواع .
تحت ضوء هذه التجارب يأتي كتاب «الثمرة المحرّمة» ليضيف تجلياته ومسمّياته، ونظرته النقدية التي يطرحها ناقد له باع، وخبرة، ودراية بحركة الشعر العربي الحديث وتياراته الفنية الجديدة والمتباينة .
يتناول الناقد الدكتور حاتم الصكر كل هذه الإشكالات، والطروحات والمسميات، في كتابه هذا، متطرقاً في فصوله الأولى إلى بدايات حركة التجديد لقصيدة النثر، مشيراً إلى روادها وإلى رواد شعراء المدرسة الحديثة للشعر، وكاشفاً في الوقت عينه عن أهم مراحل تطوّرات قصيدة النثر، على يد روّادها من الشعراء، ومشيراً في رحلته النقدية هذه، لكل ما مرّ بالشعر العربي من تطوّرات، على صعيد الكشف الجديد والتأثر بالمدارس والمنابع العربية والمرجعيات الشعرية الغربية، كل ذلك حدّده في مقدمة الكتاب التي قسّمها إلى أبواب ومحطات، ليصل فيما بعد المقدمة إلى تناول بعض الشعراء الذين كتبوا في هذا المضمار.
خلاصة القول الكتاب قدّم قراءات وليست دراسات لشعراء عرب، منهم مَن رحل عن دنيانا اليوم، كتناوله للشاعر الأردني أمجد ناصر، وللعراقي سركون بولص ولليمني محمد حسين هيثم، والمصري محمد عيد إبراهيم، هذا إلى جانب لفيف من الشعراء الأحياء، من بينهم وديع سعادة، عباس بيضون، صلاح فائق، قاسم حداد، سيف الرحبي، صلاح بوسريف، أحمد الفلاحي، ياسين عدنان، خزعل الماجدي، عبده وازن، جرجس شكري، عبد الفتاح بن حمودة، باسم فرات، هاني الصلوي، عبد الزهرة زكي، طالب عبد العزيز، وغيرهم من الشعراء الذين تناولهم الناقد، خلال العقود الماضية، ووجد أنهم يمثلون ما تحدث عنه في دراسته النقدية المتميزة هذه التي أصبحت مقدمة لهذا الكتاب.
أفرد الناقد لمقدمته التي تعد بمثابة دراسة معمّقة لقصيدة النثر، مصحوبة بثورة الشعر الحديث وتطوّراته، ونقلاته، وتمظهراته الجمالية، الفنية، والأسلوبية، والشكلية، عبر أنساقه اللغوية واللفظية والإيقاعية، وتجلياته التعبيرية خلال السنوات والعقود التي صاحبت هذا الشعر، منذ ولادته وحتى الآن، أفرد أقساماً ومداخل وأبواباً ومنافذ لغرض الدخول لهذا الشاعر أو ذاك، أو لتناول ظاهرة شعرية وأدبية معينة، لغرض تسليط الضوء عليها وكشف حيثياتها وتمفصلاتها المعرفية.
تشتمل الأبواب على الثيمات، والسبل المعرفية النقدية التي تناولتها هذه المقدمة، وهنا بعض منها: إشارات في البنية والراهن والمستقبل ـ في البنية والتشكلات النصية ـ في الراهن الشعري، هل ثمة أمل؟ مستقبل قصيدة النثر ـ قصيدة النثر وحجاب التلقي ـ قراءات في المقترح والنصوص ـ المهمات الجماليةـ البلبلة الاصطلاحية وفوضى التسميات ـ تناقضات ذاتية ـ الموقف النقدي ـ تجربة مجلة «شعر» ومأزق التلقي، ليختم بقصيدة النثر في العراق، مشيراً إلى بداياتها وأبرز محطاتها، والأسماء التي كتبتها وأبدعت فيها، وجعلتها فناً شعرياً معترفاً به في الأوساط الصحافية والأدبية والثقافية العراقية.
أما عن كتابه الاخر نقد الحداثة يستحضر الدكتور الصكر في منجزه النقدي الجديد “نقد الحداثة” عوالم النقد العربي الحديث، منذ مطالعه الأولى، وبزوع التجارب النقدية الوليدة على يد النقاد العرب الأوائل الذين أرسوا مفاهيم نقدية ونظرية وأسلوبية باكرة، مكتنهاً بخبرته الوفيرة واطلاعه المتمكن على سبر البكوريات في عالم النقد العربي وتشكلاته وفجر التأسيسات الباكرة لهذا الفن الذي أصبح بمرور الوقت، خطاباً نقدياً واسعاً، ومتفرعاً، وذا أصول ومدارس وتيارات وموجات، بدأت منذ مطلع القرن الفائت، ونمت لتتوسع في الربع الأول منه، ولتمضي وتيرتها بالتصاعد في فترتي الخمسينيات والستينيات وصعوداً باتجاه العقود الأخيرة من القرن المنصرم وحتى أيامنا.
حيث يبحر في المراحل التأسيسية من مطلع القرن العشرين وربعه الأول، كاشفاً الرموز النقدية في كل من البلدان العربية مصر والعراق وتونس ولبنان، متمثلاً بالمهجر، بدءاً بعصر النهضة والتحديث ورواده المعروفين، كأعمال مدرسة الديوان في مصر، والممارسات النقدية البدئية للناقد العراقي رافائيل بطي، ومحاولاته الحثيثة في إرساء بناء نقدي يواكب مجرى النقد في العالم الأوروبي والأمريكي، وحفريات كل من “الرابطة القلمية” وميخائيل نعيمة في المهجر، في تأسيس وتوطيد وأنشاء بنية نقدية عربية وليدة وحديثة في كتابه اللافت “الغربال”، ومحاولات الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي في كتابه “الخيال الشعري عند العرب” ونقده للموروث الشعري، مضافاً إلى ذلك الخطاب المخترق واللاذع والجديد عهد ذاك لكل من الكاتب الكبير طه حسين، في “الشعر الجاهلي” والعلامة العراقي علي الوردي وكتابه “وعاظ السلاطين” .
حيث يلتفت الناقد الدكتور الصكر إلى المرحلة التجديدية في فترة الأربعينيات والخمسينيات ليشير إلى جهود محمد مندور النقدية الرائدة، ونازك الملائكة وتبشيرها بالشعر الحديث عبر تنظيراتها العديدة في كتابها المثير للجدل “قضايا الشعر المعاصر”، ومن ثم نكوصها وتراجعها في بعض المواضع، وإلى الجهود المتميزة لكل من جبرا إبراهيم جبرا في كتبه النقدية البارعة عن الحداثة الشعرية وتحولاتها، وكذلك الجهود الكبيرة والمبكرة والمدشنة لسياق الحداثة النقدية، تلك التي قدمها الناقد إحسان عباس، في كتاباته المتعددة حول الشعر الحديث، ككتابه “اتجاهات الشعر المعاصر”، وكتابه البارز عن السياب، وصولاً إلى التجارب الأحدث، كتنظيرات أدونيس النقدية ورؤاه حول الشعرية بوجه عام، والمدونات الرائدة والكشوفات النقدية الأجد لكل من كمال أبو ديب وجابر عصفور، وأسماء أخرى أحدث برزت في عالم النقد العربي لاحقاً مثل عبد الله الغذامي وسعد يقطين وعبد العزيز المقالح، وحركة النقد الحديث في العراق.
حيث يعتبر كتاب الصكر هذا نقدا للنقد، لما سوف يوليه الناقد للأسماء البارزة من اعتبار نقدي، وفني وجمالي لأعمالهم ، ولكنه وبحس الناقد الحصيف واللبيب والمُعتبر سيتخذ من النماذج النقدية مختبرا لدراسته، ليقدم بذلك قراءة استعادية للخطاب النقدي العربي، مبرزاً الأساليب والاتجاهات والمفاهيم النظرية التي يتمتعون بها، فضلاً عن المميزات الكثيرة لديهم، عدا الأصول والبنيات والمدارس والتيارات التي نهلوا منها، ليقدموها إلى العربية بذائقة مختلفة وجديدة.
وختاما وقف الدكتور الصكر طويلاً أمام هذا المعمار الهائل للنقد العربي، وهو يرى ما يرى من ثغرات ونكوص وخلل في المنهج النقدي هنا وهناك، لدى هذا الناقد أو ذاك، فوجد ما وجد من تخرُّصات وتعالقات وتشاكل لدى كل واحد منهم، فأوضح عبر مفهومه النقدي ومنهجه البحثي، مراده ومسوغاته ورؤاه النقدية التي يرى أنها صائبة أو دقيقة، إزاء كل من ذكرناهم في هذا الكتاب المستعيد لأسماء برزت في فضاء النقد العربي، ولا يزال البعض منها مستمراً في عطائه النقدي، البحثي والجمالي، ولا يزال يثير الكثير من الآراء والوصايا والتسميات والمشكلات النقدية في كتب تظهر، لتحمل نتاج بعض النقاد المثيرين للإبداع والجدل والمجترحين آفاقاً منيرة، تنضاف لمسيرة النقد العربي المتواصل، والمرفود على الدوام بأسماء جديدة، تسعى إلى توظيف النقد في المجالات السردية، كما هو دارج وبارز وواضح وعلى نحو متواتر في النقد المنصب حول الرواية العربية، وحول نتاجها الغزير، ومن ثم صعودها المدوي في سماء الثقافة العربية، وذلك لم يكن لولا مواكبة النقد العربي الحديث لها، ولولا آراء بعض النقاد العرب المبرزين في نقد الشعر حولها.
وهو في خضم نقده للنقد مسار وتحولات قصيدة النثر، وإلى ما آلت إليه أحوالها ومقاماتها، منذ بدئها على يد محمد الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس ويوسف الخال وشوقي أبي شقرا، وحتى أواخرها، متناولاً البدايات والدراسات حولها، منذ نشأتها، مشيراً إلى أهم من درسها ونظر إليها في مرحلة انطلاقتها الأولى، مركزاً على أنسي الحاج والماغوط على نحو رئيسي، وشارحاً التحولات التي مرت بها على يد منظريها كأدونيس وسلمى الخضراء الجيوسي وخالدة سعيد في بعض وجوهها، ولكنه من ناحية أخرى يعطي لجبرا إبراهيم جبرا المجال الأوسع في تنظيره للقصيدة الخالية من الوزن والقافية، كالقصيدة الحرة التي كتبها الماغوط وتوفيق صايغ، أو قصيدة النثر التي كتبها توفيق صايغ وأنسي الحاج ونظر لها في ديوانه الأول “لن”، وسماها أدونيس تسمية مثيرة للإشكال والانقسام والحيرة بـ “قصيد النثر”، حسب منظرتها الفرنسية سوزان برنارد “قصيدة النثر من بودلير حتى أيامنا”.
أما عن النقاد الآخرين، والذي أطلق عليه تسمية “نقد النقد” فقد قدم الدكتور الصكر في هذا المجال رؤيته المفاهيمية، وأسلوبه الجمالي النقدي، وتصوره الحداثي وتشخيصاته الفنية، ومحمولاته التعبيرية، على نحو يتسم بالعمق والدراسة والتحليل المنهجي المصحوب بالذائقة الشخصية للناقد، والمطالعة النزيهة والقراءة الواعية والمتأنية، الخالية من التحذلق والعسر النقدي والتقعر المفاهيمي في رسم صورة الناقد الآخر، المُكمِّل والنِّد النزيه والصنو المعاصر المدفوع بالتكامل الرؤيوي والحس المتماهي عملياً مع الآخر، فقدم عبر مفهومة نقد النقد، التحليل المستبطن والمكتنه والعليم لقراءة نهج الناقد الآخر، دون تجنٍ وبهتان وحط من معيار الآخر، بل وضع العلم المنطقي لمباهلة الآخر، بالرأي السديد والحجة المقنعة والدليل المستهدي، والرائق، في سبر عمق المكانة المواجِهة ودرسها بالقرينة الأدبية الرشيدة، ذات التوجه النقدي المتمكن، والواثق من المعلومة ومن النسق الفكري والعلمي والأدبي المسترشد به، وذلك كله جاء بالتخلص من عبادة النص وتأليه المسطور، والافتتان بالقائل والمقول، فناقدة من عيار نازك الملائكة، يرى أنها تقع في خطل حين تراجعت عن مسارها التنويري السباق في كتاب “قضايا الشعر المعاصر”، ويرى أنها تقيم وزناً كبيراً للدور الشفاهي لديها، وترى إلى أن البحور الصافية هي الوحيدة القادرة على كتابة القصيدة الجديدة، أي قصيدة التفعيلة، بينما البحور غير المتجانسة قد كتب بها السياب وشعراء آخرون، ذلك أنها لم تزل حسب الصكر متعلقة بالموروث الشفاهي للقصيدة “لأنها تتخيل جمهوراً مستمعاً وشاعراً منشداً، ثم تشتق هذه الأحكام الذوقية”. وكذلك رؤيتها للقصيدة المدورة فهي تقدم مسوغات غير مقنعة، أو “ربما رمت نازك شعراء القصيدة المدورة بالتعبير عن إحساسهم بالذل السياسي أمام إسرائيل وأمريكا وعن شعورهم بالقهر والكبت والانكسار والافتقار إلى العزيمة والصمود”.
إنه لرأي غريب حقاً أن ترمي شعراء بارزين كتبوا القصيدة المدورة كفن شعري وشكل شعري ينضاف إلى شكل القصيدة العربية التي ابتلت بالنسق الواحد والقالب المصبوب والنهج النغمي المتواضع، لتصمهم في المآل بهذه الوصمة العامة والعادية والخارجة عن أي مفهوم نقدي بارع وذكي ومتزن وله معيار فني وجمالي.
كما أنه يعرج باتجاه ثنائيات أدونيس الرديفة، الثقافية والفكرية والأدبية في كتابه “الثابت والمتحول”، وهي كثيرة كالقِدم والحداثة، الماضي والحاضر، التراث والمعاصرة، الارتداد والامتداد، العرب والغرب، الائتلاف والاختلاف، الخطابة والتدوين، الشفاهية والكتابة، المعروف والغريب، الباطن والظاهر، الوحي والعقل، البادية والحاضرة وغيرها من الثنائيات التي مست الكثير من أعماله الأدبية والشعرية والنظرية والفكرية وتهويماته الكتابية.
ومن هنا “يصح إذن استنتاج الدارسين بأن (الثابت والمتحوّل) هو استكمال لديوان الشعر العربي الذي وضع أدونيس بجانب مختاراته المقدمات النظرية التي ستظهر مستقلة لاهتمامه بها ولأهميتها في كتاب مستقل، لكن تشخيصه في الثابت والمتحول لتقليدية الشعر العربي، وأنه امتداد للشعر القديم يناقض ما قاله تماماً في مختاراته (ديوان الشعر العربي) حيث رصد تحولات واتجاهات شعرية بعضها سحري وسريالي وصوفي”.
الكتاب شامل وجامع ومثمر، كونه تناول جميع الحقب النقدية البدئية، منذ ظهورها في مطلع القرن العشرين وحتى اللحظة.
لا أملك في النهاية الا ان اقول المقال هو نُبذة عن حياة الشاعر والناقد الدكتور الصكر من حيث معرفة أهم نتاجه الأدبي، من ذكر لأسماء الدواوين الشعرية والكتب النقدية وغير ذلك، والاطلاع عن قرب على كتابي الثمرة المحرمة والآخر عن نقد الحداثة اقتضى الأمر ذلك، وربما هذا زاد من قيمة المقال فنيا .



كل التفاعلات:
أنت، ود. رائدة العامري، وعدنان الصائغ و١٨ شخصًا آخر
١٩
أحببته
تعليق
إرسال
مشاركة
عرض المزيد من التعليقات
نشط
سلام لجهدك
-
أعجبني
-
رد
١