استذكار رائد منسي.. شاذل طاقة أحد رواد التجديد في الشعر العربي

 

 

نافذة الثقافة العربية

استذكار رائد منسي.. شاذل طاقة أحد رواد التجديد في الشعر العربي

الكاتب : د. حاتم الصكر

المزيد من المقالات للكاتب

 العدد 100
Feb, 01 2025

يحتل‭ ‬مثلث‭ ‬ريادة‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العراقي‭ (‬السياب‭- ‬نازك‭- ‬البياتي‭)‬،‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬والتاريخ‭ ‬الأدبي‭. ‬ولكن‭ ‬شاعراً‭ ‬رابعاً‭ ‬يغفل‭ ‬اسمه‭ ‬غالباً،‭ ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬إسهاماً‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ذاتها،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بها‭ ‬رياح‭ ‬التجديد‭ ‬تأخذ‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الشعرية‭.. ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة‭ (‬1929-1974م‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأربعينيات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القصائد،‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬التفعيلة‭ ‬وسيلة‭ ‬للكتابة‭. ‬وأصدر‭ ‬عام‭ (‬1950م‭) ‬ديوانه‭ ‬الأول‭ (‬المساء‭ ‬الأخير‭)‬،‭ ‬متضمناً‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ (‬الحرة‭)‬،‭ ‬بحسب‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬تبنَّته‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة،‭ ‬وشاع‭ ‬برغم‭ ‬اعتراضات‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬والنقاد‭.‬

والسؤال‭ ‬المعتاد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة،‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬إغفال‭ ‬دوره،‭ ‬أو‭ ‬تناسيه‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬الريادة‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬الأقل،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بعض‭ ‬قصائده‭ ‬لا‭ ‬تروق‭ ‬للنقاد‭ ‬لتواضعها‭ ‬في‭ ‬بداياته،‭ ‬ومحاولته‭ ‬تقليد‭ ‬أشعار‭ ‬زملائه‭ ‬الرواد‭ ‬في‭ ‬الموضوعات‭ ‬والأسلوب‭.‬

يذهب‭ ‬مؤرخو‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‭ ‬ودارسوه،‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬غياب‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة‭ ‬عن‭ ‬لائحة‭ ‬الرواد‭ ‬بانشغاله‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬العامة،‭ ‬وعدم‭ ‬تفرغه‭ ‬أو‭ ‬انصرافه‭ ‬للكتابة،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬المناصب‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬فيها،‭ ‬واستلزم‭ ‬أغلبها،‭ ‬كالعمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬أو‭ ‬الإداري،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬منأى‭ ‬عن‭ ‬التواصل‭ ‬الفني‭ ‬مع‭ ‬تجارب‭ ‬زملائه‭ ‬الرواد‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬أكثر‭ ‬قبولاً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬احتكمنا‭ ‬إلى‭ ‬تفوهات‭ ‬الشاعر‭ ‬نفسه،‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬وصرّح‭ ‬بأن‭ ‬العمل‭ ‬الوظيفي‭ ‬ومهامه‭ ‬الإدارية‭ ‬شغلته‭ ‬عن‭ ‬الكتابة،‭ ‬وعطلت‭ ‬استمراريته‭ ‬الشعرية‭.‬

إن‭ ‬مقدمته‭ ‬القصيرة‭ ‬لديوانه‭ (‬المساء‭ ‬الأخير‭) ‬موثقة‭ ‬بتاريخ‭ (‬20/7/1950م‭)‬،‭ ‬والموصل‭ ‬محل‭ ‬ولادته‭ ‬ونشأته‭ ‬كمكان‭ ‬لكتابة‭ ‬تلك‭ ‬المقدمة،‭ ‬ونلاحظ‭ ‬أن‭ (‬نازك‭) ‬كتبت‭ ‬مقدمة‭ (‬شظايا‭ ‬ورماد‭) ‬عام‭ (‬1949م‭)‬،‭ ‬وكتب‭ ‬السياب‭ ‬عام‭ (‬1950م‭) ‬مقدمة‭ ‬قصيرة‭ ‬لديوانه‭ (‬أساطير‭)‬،‭ ‬فجاء‭ ‬تقديم‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة‭ ‬لديوانه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تلك‭ ‬التوضيحات،‭ ‬والمنافحة‭ ‬عن‭ ‬الجديد‭ ‬وإثبات‭ ‬أصالته‭ ‬وجدّته‭.‬

وإذ‭ ‬نطالع‭ ‬مقدمته‭ ‬لديوانه،‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬ثيمات‭ ‬مشتركة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬السياب‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬تشاكلاً‭ ‬مع‭ ‬مقدمة‭ ‬نازك‭.. ‬فقد‭ ‬عُني‭ ‬الشاعران‭ ‬بالدفاع‭ ‬العام‭ ‬عن‭ ‬الشكل‭ ‬التفعيلي‭ ‬الجديد،‭ ‬وبحثا‭ ‬صلة‭ ‬الشاعر‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬وصلة‭ (‬الشعر‭ ‬الحر‭) ‬بالتراث‭ ‬الشعري‭ ‬العربي‭. ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬نازك‭ ‬أكثر‭ ‬حماسة‭ ‬في‭ ‬خطابها،‭ ‬مستخدمة‭ ‬الحِجاج‭ ‬وإعلان‭ ‬الثورة‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭ ‬ومباشر،‭ ‬وبجرأة‭ ‬تحسب‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬الأسلوبي‭ ‬والجمالي‭.‬

يتوجه‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬ديوانه‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭.. ‬ويكتب‭ ‬باندفاع‭ ‬الشباب،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬حينها‭ ‬واحداً‭ ‬وعشرين‭ ‬عاماً،‭ ‬فيكتب‭ ‬مخاطباً‭ ‬القارئ‭ ‬بالقول‭: (‬لم‭ ‬أدفع‭ ‬بالديوان‭ ‬إلى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أساتيذ‭ ‬الأدب‭ ‬ليقدمه‭ ‬إليك،‭ ‬لأني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬يقدم‭ ‬الشعر‭ ‬إلى‭ ‬القارئ،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬صاحبه،‭ ‬فإنه‭ ‬أعرف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬غيره‭…).    ‬

‭ ‬وبذلك‭ ‬يتجاوز‭ ‬الوصاية‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬كبار‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬الشعراء‭ ‬ليقدموا‭ ‬شعره،‭ ‬فهو‭ ‬يعدّ‭ ‬الشعر‭ ‬لصيقاً‭ ‬بذاته،‭ ‬ومعرفته‭ ‬به‭ ‬تفوق‭ ‬أية‭ ‬معرفة،‭ ‬ولذا‭ ‬زهد‭ ‬بتقديم‭ ‬أحد‭ ‬سواه‭ ‬للديوان‭. ‬كما‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬ضمور‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالشعر،‭ ‬نظراً‭ ‬لطبيعة‭ ‬العصر‭ ‬والوقت‭ (‬العصيب‭) ‬كما‭ ‬يصفه،‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الاضطراب‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الكونية‭ ‬الثانية‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭. ‬لكنه‭ ‬يستدرك‭ ‬منوهاً‭ ‬بأن‭ ‬الشعر‭ ‬مازال‭ ‬له‭ ‬مكانته‭ ‬و‭(‬خطره‭). ‬كما‭ ‬أن‭ ‬للشاعر‭ ‬مكانته‭ ‬في‭ ‬إرشاد‭ ‬الناس‭ ‬وتقويم‭ ‬طباعهم‭ ‬وأذواقهم‭.. ‬فهو‭ ‬يعتقد‭ ‬إذاً‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬الجمالية‭ ‬للشعر،‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الشاعر‭ ‬بوقاً‭ ‬من‭ ‬أبواق‭ (‬الإصلاح‭ ‬الاجتماعي‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬يخدم‭ ‬المجتمع‭ ‬بطريقة‭ ‬الصحافة‭ ‬السياسية‭ ‬المباشرة،‭ ‬وهو‭ ‬المحذور‭ ‬الذي‭ ‬ردده‭ ‬السياب‭ ‬ونازك‭ ‬في‭ ‬مقدمتيهما،‭ ‬اعتقاداً‭ ‬بأن‭ ‬صلة‭ ‬الشاعر‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وقضاياه‭ ‬لا‭ ‬تتم‭ ‬بطريقة‭ ‬الارتباط‭ ‬الآلي،‭ ‬والتعبير‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬يسلب‭ ‬الشعر‭ ‬فنيته‭ ‬وجمالياته‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة‭ ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬مناوأة‭ ‬النثرية‭ ‬المباشرة،‭ ‬متخذاً‭ ‬مثاله‭ ‬من‭ ‬الصحافة،‭ ‬وأسلوب‭ ‬عرضها‭ ‬للمشكلات‭ ‬بشكل‭ ‬تقريري‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الفنية‭ ‬والعواطف‭ ‬والمشاعر‭. ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬رفضه‭ ‬إلى‭ ‬نوعية‭ ‬قراءة‭ ‬متلقيه،‭ ‬فيطلب‭ ‬من‭ ‬القارئ‭ ‬ألا‭ ‬يقرأ‭ ‬أشعاره‭ (‬كما‭ ‬يقرأ‭ ‬الجريدة‭).. ‬إنه‭ ‬يدعو‭ ‬القارئ‭ ‬لتلمس‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والمشاعر‭ (‬وما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬شجن‭ ‬وحزن‭). ‬ونلمح‭ ‬هنا‭ ‬تأثير‭ ‬شعراء‭ ‬المهجر‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الشعري‭ ‬للرواد،‭ ‬فقد‭ ‬ركزوا‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬منطلَقاً‭ ‬لمعالجة‭ ‬مضامين‭ ‬الشعر،‭ ‬حتى‭ ‬الوطنية‭ ‬منها،‭ ‬كما‭ ‬اعتنوا‭ ‬بالصور‭ ‬والألفاظ‭ ‬التي‭ ‬يتخذونها‭ ‬بعناية‭ ‬للتأثير‭ ‬الوجداني‭ ‬والعاطفي،‭ ‬وفي‭ ‬تأكيد‭ ‬جماليات‭ ‬الشعر‭ ‬وفرادته‭ ‬في‭ ‬التعبير‭.‬

وتستمر‭ ‬مشاكسة‭ ‬الشاعر‭ ‬للثوابت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬رفض‭ ‬المباشرة‭ ‬والتلقي‭ ‬النسقي‭ ‬للنصوص‭ ‬الشعرية،‭ ‬ثم‭ ‬ينوه‭ ‬بالأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬فيه‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬الديوان،‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬بجانب‭ ‬قصائد‭ ‬العمود‭ ‬التقليدية،‭ ‬فيخبر‭ ‬القارئ‭ ‬أنه‭ ‬سيجد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القصائد‭ (‬ضرباً‭ ‬جديداً‭ ‬قد‭ ‬تراه‭ ‬غريباً‭ ‬عن‭ ‬عمود‭ ‬الشعر،‭ ‬الذي‭ ‬تغنى‭ ‬به‭ ‬نقادنا‭ ‬القدماء،‭ ‬ومازال‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يتغنون‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬الساعة‭). ‬ويبسط‭ ‬للقارئ‭ ‬باختصار‭ ‬طريقة‭ ‬الشعر‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬الإيقاع‭ ‬الوزني‭ ‬المختلف،‭ ‬الذي‭ ‬يجرّبه‭ ‬في‭ ‬قصائده،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أبرز‭ ‬عنصرين‭ ‬إيقاعيين‭ ‬وهما‭: ‬القافية‭ ‬التي‭ ‬يصفها‭ ‬بأنها‭ (‬تأتي‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬منطلق‭ ‬لا‭ ‬يتقيد‭ ‬بقافية‭ ‬موحدة،‭ ‬ولا‭ ‬يلتزم‭ ‬عدداً‭ ‬معيناً‭ ‬من‭ ‬تفعيلات‭ ‬البحور‭..)‬،‭ ‬ولكي‭ ‬يطمئن‭ ‬القارئ‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬يصدمه‭ ‬هذا‭ ‬التجريب‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الشعرية،‭ ‬يخبره‭ ‬أن‭ ‬لهذا‭ ‬الشعر‭ ‬الجديد‭ ‬جذوراً‭ (‬ممتدة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الأندلسي،‭ ‬وكان‭ ‬شعراء‭ ‬الأندلس‭ ‬موحين‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬شعراء‭ ‬المهجر‭).‬

تتجلى‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬المقدمة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الريادة‭ ‬التاريخية‭ ‬للتجديد،‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬هاجساً‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬توجهات‭ ‬الشعراء‭ ‬الرواد،‭ ‬وشاذل‭ ‬طاقة‭ ‬منهم‭. ‬ويتمثل‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬العاطفة‭ ‬والشعور،‭ ‬ومخالفة‭ ‬الأسلوب‭ ‬النثري،‭ ‬المتسم‭ ‬بالمباشرة‭ ‬والبرودة‭ ‬والتقريرية‭ ‬في‭ ‬الصوغ‭ ‬وتقديم‭ ‬المضامين‭ ‬للقارئ‭.‬

ولعل‭ ‬الناقد‭ ‬المتحري‭ ‬لفكرة‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬سينتظر‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة‭ ‬في‭ ‬مقدمته،‭ ‬وإبرازها‭ ‬في‭ ‬النصوص،‭ ‬وفي‭ ‬الحق‭ ‬إن‭ ‬الشاعر‭ ‬اجتهد‭ ‬في‭ ‬انطلاق‭ ‬تجربته‭ ‬أن‭ ‬يوغل‭ ‬في‭ ‬التجديد‭ ‬وتنويع‭ ‬تجربته،‭ ‬واستمرار‭ ‬التجريب‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عنه،‭ ‬لكنه‭ ‬قدم‭ ‬شأن‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬بواكيرهم‭ ‬بداياتٍ،‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬لاحقاً‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬الفني‭ ‬ما‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬التجديد‭ ‬والفاعلية‭ ‬الحيوية‭ ‬لحركة‭ ‬الشعر‭ ‬وتطوره‭.‬

في‭ ‬ديوانه‭ (‬المساء‭ ‬الأخير‭)‬،‭ ‬وبعد‭ ‬تلك‭ ‬المقدمة‭ ‬ذات‭ ‬الدلالة‭ ‬برغم‭ ‬قصرها،‭ ‬بدا‭ ‬مهتماً‭ ‬بموضوع‭ ‬الرحيل‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وقصائد‭ ‬الحب‭ ‬الرومانسية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬ويرصد‭ ‬النقاد‭ ‬تأثره‭ ‬بالسياب‭ ‬والبياتي‭ ‬خاصة،‭ ‬ومشاركته‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬النظر‭ ‬والإيقاعية‭ ‬الغنائية،‭ ‬لكنه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التجريب،‭ ‬تُحسب‭ ‬له‭ ‬محاولته‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬على‭ ‬البحور‭ ‬المركبة‭ ‬أو‭ ‬الممزوجة،‭ ‬كالخفيف‭:‬

‭(‬سوف‭ ‬أنسى‭ ‬فلا‭ ‬تعيدي‭ ‬عليا‭/ ‬ذكرياتي‭/ ‬ودّعيني‭ ‬وأنت‭ ‬بين‭ ‬يديا‭)..‬

ويشير‭ ‬الدكتور‭ (‬مالك‭ ‬المطلبي‭) ‬إلى‭ ‬تجريب‭ ‬آخر‭ ‬لدى‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة،‭ ‬في‭ ‬دواوين‭ ‬لاحقة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البنية‭ ‬الإيقاعية،‭ ‬حيث‭ ‬يمزج‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬واحدة‭ ‬تفعيلات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بحر،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ (‬انتصار‭ ‬أيوب‭)‬،‭ ‬مستخدماً‭ ‬تفعيلة‭ ‬بحر‭ ‬الرمل‭ ‬والمتدارك‭:‬

‭(‬ظل‭ ‬أيوب‭ ‬المدمى‭ ‬يمنّي‭/ ‬نفسه‭ ‬والموت‭ ‬يستل‭ ‬نبضه‭/ ‬والسماء‭ ‬الحزينة‭ ‬تزرع‭ ‬أرضه‭/ ‬مطراً‭ ‬يغسل‭ ‬النهر،‭ ‬يبكي‭.. ‬يغني‭).‬

وتنطوي‭ ‬قصائده‭ ‬على‭ ‬موضوعة‭ ‬الموت‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬شعرياً‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬زملاؤه،‭ ‬بتجسيد‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬أو‭ ‬واقعة‭ ‬الغياب‭ ‬عبر‭ ‬صور‭ ‬ذاتية،‭ ‬ومخيلة‭ ‬حرة‭ ‬تستحضر‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يغدو‭ ‬مؤثراً‭ ‬شعورياً‭ ‬لدى‭ ‬متلقيه،‭ ‬فيكتب‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ (‬المقبرة‭ ‬الخرساء‭) ‬من‭ ‬ديوانه‭ ‬الأول،‭ ‬قصيدة‭ ‬يتصور‭ ‬فيها‭ ‬حاله‭ ‬بعد‭ ‬الموت،‭ ‬مخاطباً‭ ‬حبيبة‭ ‬مفترضة،‭ ‬فيمزج‭ ‬بين‭ ‬الألم‭ ‬والحب‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الشعراء‭ ‬الرومانسيين‭:‬

‭(‬حين‭ ‬أقضي‭/ ‬وإلى‭ ‬المقبرة‭ ‬الخرساء‭ ‬أمضي‭/ ‬ويهل‭ ‬الترب‭ ‬فوق‭ ‬الرمس‭/ ‬حفار‭ ‬القبور‭/ ‬فاذكريني‭/ ‬واسألي‭ ‬النجم‭ ‬الذي‭ ‬يسرق‭ ‬ومضي‭/ ‬عن‭ ‬أحاديث‭ ‬الدهور‭)..‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬لائقاً‭ ‬بتجربة‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة،‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬مداها‭ ‬أسوة‭ ‬بزملائه‭ ‬الرواد،‭ ‬الذين‭ ‬صادف‭ ‬أنهم‭ ‬تخرجوا‭ ‬قبله‭ ‬في‭ (‬دار‭ ‬المعلمين‭ ‬العالية‭) ‬ببغداد،‭ ‬والتي‭ ‬شهدت‭ ‬بدايات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشعراء‭ ‬المجددين‭ ‬وسواهم،‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬حياته‭ ‬القصيرة‭ ‬استغرقت‭ ‬سنواته‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والانشغال‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭.‬

وقد‭ ‬شارك‭ ‬زملاءه‭ ‬الرواد‭ ‬في‭ ‬سمات‭ ‬أسلوبية‭ ‬تتبين‭ ‬من‭ ‬معاينة‭ ‬إكثاره‭ ‬من‭ ‬العتبات‭ ‬والموجهات،‭ ‬التي‭ ‬يمهد‭ ‬بها‭ ‬لدواوينه‭ ‬أو‭ ‬لقصائده‭.‬

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*