ae3fe42f38cb4b8cbfde344fb3bc0a20fadel_alazawi.jpg

المبالغة العاطفية

 
 
المبالغة العاطفية
 
 
في كتابه  النقدي (بعيدا ًداخل الغابة) ينقل الشاعر فاضل العزاوي عن الجواهري ما كتب في مذكراته حول نفوذ القصيدة في مرحلةٍ من تاريخ الشعر المعاصر، وأنه كان في أربعينيات  القرن الماضي وخمسينياته ينشر قصائده في الصفحات الأولى من الجرائد ، ويستبدل بالافتتاحيات أحياناَ قصائدَه الوطنية والسياسية التي غالباً ما تُحدث ضجة، فيتداولها الناس وتكون حديث المجالس.
يعلن العزاوي وهو محق في إعلانه أن الأمر في ذلك الزمن كان طبيعياً ، لكنه( يشك)  في إمكان تكرار تلك الظاهرة اليوم. وهو لا يُرجع السبب لفقدان التأثير لضعف صلة الناس بالشعر و بالصحافة أيضاً.وإنما يراه في التخلي عن الوظيفة العاطفية للشعر في المواقف والأحداث ، فهو يتطلب اليوم ( معرفة علمية وتحليلا قائما على الحقائق الموضوعية) ويمكننا على سبيل الحِجاج أن نذكر ما فعلته قصائد كثيرة في النصف الثاني من القرن الماضي وما تلاه، من تأثير( عاطفي)  في مناصري الفكرة التي تحملها أو في خصومها. ومنها قصائد للعزاوي نفسه.ولكن ذلك ليس مهماً بقدر مناقشة التوصيف البديل لما يسميه العزاوي(المبالغة العاطفية) التي يرى أن دافعها ارتداد  في الوعي إلى ما قبل زمننا.وإذا كنا نفهم التحذير من المبالغة القريبة مما يوصف عادة بالميوعة العاطفية ( في الغزل خاصة) فإن بنا حاجة لفهم البديل المقترح : (معرفة علمية وتحليل وحقائق موضوعية) وذلك ينقل الرؤية الشعرية إلى الجانب الآخر الذي يجد الشاعر والقارئ والناقد أنفسهم في حصار جفافه وعقلانيته وخلوه من المؤثر المفترض الذي يميزه عن العلم الصرف المستند في بسط الفكرة على( المعرفة والتحليل المستند إلى الحقائق الموضوعية.).إن الخيال أيضا سيناله ما نالت العاطفة من استبعاد في الكتابة الشعرية ،مادامت الحقائق تقيده وتفرض عليه حدودا لا تتسع له. ولعل العزاوي سيحيل مهمة الخيال في النص الشعري إلى الصحافة ،كما أحال الموقف العاطفي بدافع الحذر من التقليد والنمطية والبعد عن روح العصر.كما أن تمثيله للنصوص الدالة على (المبالغة) العاطفية التي نشاركه ضرورة تجنبها ، تؤكد زهده بالصور الشعرية ،كاحتجاجه على وصف الممدوح بالشمس المنيرة، في تلميح لقصيدة المتنبي مادحاً كافور، ووصفه إياه بأنه (شمسٌ منيرةٌ سوداءُ) . وفي التحليل النصي اليوم لا يحاكم الشاعر لأنه مدح الشخص بقدر ما ابتكر في في ذلك وما ولّدَ من صور ارتبطت سياقيا بالممدوح (الدفاع عن سواد كافور)، وكون ذلك المديح استحوذ تاريخيا على جل الشعر المكتوب زمن الخلافة لارتباط الشاعر بدواوين الملوك والخلفاء لوصول صوته.
ولا تقتصرالمبالغة العاطفية على الشعر التقليدي ، فقد شاعت دواوين من شعر الحداثة تعيد موقع الشاعر الغزلي ، باستجداء عاطفي رث ، وتراكيب أشبه بالرسائل الغرامية التي تُعد ليستخدمها العشاق الجهلة ،فتتقمص مشاعرالمراهقين السطحية المباشرة.وهو ما لاحظه العزاوي كتهويم يفتقر للعمق ، ولكنّ ذلك لا يبرراقتراحه  بصدد شعر ينقل الحقائق، مستندا إليها بمعرفة وتحليل.