ربيع الثورة الرقمية

 
ربيع الثورة الرقمية
 
 
يبدو أن الخوف المتزايد على مصير الكتاب الورقي  يعود إلى الواجهة.وكأن ما عرف في محافل النشر والقراءة بالثورة الرقمية  باتت تشهد ربيعا هي الأخرى، يطيح بعروش الكتب الورقية  التي تمثل دور النشر متاحفها  ومنازلها، فتهوي الكتب  من عليائها الذي حفظته ذاكرة الشعوب وأدبياتها التي لا تنتهي بحكمة المتنبي عن  الكتاب كخير جليس في الزمان ،غامزا الحكام  وندماءهم ومضحكيهم ،أو بوصف الجاحظ للكتاب  بأنه وعاء ملئ ظرفا وناطق عن غائب هو مؤلفه الذي تنوء به اليوم رياح الثورات الرقمية، ومواقع النت التي تقف وراءها شركات تتوفر لها الخبرة العلمية والدراسات والوسط المطلوب لإحداث تلك الثورة.
يأتي التحذير هذه المرة من الغرب نفسه: رحِم تلك الثورة العنكبوتية الهائلة. فقد
حملت أخبارُ واحد  من أهم  معارض الكتاب هومعرض فرانكفورت الدولي الذي انفض قبل أيام قلقاً باح به منظمو المعرض وضيوفه ، وأوصل لنا مشاعر الهلع والخوف قراءً وكتّابا (ورقيين ).الصيحة هذه المرة لخّصتها كلمة مدير المعرض يورغن بوز الذي عرفناه واحدا من  خبراء الكتاب ونشره ، وعضو الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب ، فقد نعتَ بوز  الشركات الراعية للرقميات والمسهمة في ترويج الكتب الإلكترونية عبر النت والبريد ،بأنها تفتقد للعاطفة في عملها ،كنايةً عن اهتمامها النوعي بالتقنيات الحديثة ، والذي اعترف بوز بأنه خيالي وساحر في مجال اللوجستيات، ولكن تلك الشركات الكبرى كغوغل وأمازون وآبل ليست دور نشر .  فكأنه يلمح إلى ضعف حِرفيتها ، وغياب فلسفة النشر وخطته ،بمقابل ما نعرفه عن هدفها المادي المتقدم على دورها الثقافي وتطوير تقاليد القراءة وترسيخها كعامل وعي مضاف ،يحرر الإنسان والإنسانية من أخطار العنف والتطرف والحروب  ، وما ينمو على هامشها من فقر وجهل وتخلف.
لم تنفع كما يبدو تطمينات البرازيليين -ضيوف المعرض الفخريين هذا العام- وما أوردته توقعاتهم وإحصاءاتهم ،بل ما ذكره ناشرون ألمان أيضا عن صمود الكتاب الورقي وقاعدته القرائية الواسعة احتكاماً إلى معطيات أسواق الكتب وأرقام توزيعها.
نحن مطمئنون إلى حقيقة بقاء الكتاب والحاجة له ،وأن الثورة الرقمية لن تلد حتى في ذروة ربيعها ما ينسخ الكتاب ، شرط تطويره ،وانتباه دور النشر إلى إدخال عوامل تشويق وجذب؛ كالجمع بين فنون الرسم والكتابة ،أو إدخال السمعيات بصحبة الكتب الورقية ، وتغيير نسق نشر بعض الفنون، كالشعر الذي يمكن أن يقدمه ممثلون بأصواتهم ،أو يقرأ الشعراءُ النصوصَ في سمعيات وبصريات ترافق المطبوع.
ومن السبل المقاومة نذكر ما نوه به بوز في كلمته ، وهي ضرورة الحفاظ على التنوع في ما يُقرأ ويُنشر،ونضيف ما يمكن أن يعد مسؤولية المجتمع والسلطات الحاكمة التي تستطيع تعضيد الكتب الورقية بالإعفاءات الضريبية والدعم المادي وتيسير فرص التداول البريدي  وتخفيض كلفته ،وإبعاد شبح الرقابة  الخانق الذي يُلجئ للاستعانة بما يتيحه فضاء النت وإفلاته من الرقباء والمتسلطين..
 
 
 

3 تعليقات

  1. احمد الفلاحي

    الثورة الرقمية وتطبيقها على الادب يجب ان يكون بوعي تام

  2. سلمت يا جدي الغالي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*