الشعرية العراقية خصبة ولود -وكالة أنباء الشعر – حوار أجراه الشاعر عمر عناز

وكالة أنباء الشعر

حوار أجراه الشاعر عمر عناز

الناقد د. حاتم الصكر للوكالة: الوزن ليس مقترحا نهائيا لكتابة القصيدة.. و

  • الجمعة, 20-ابريل-2012   06:04 مساءا

 
 
حاوره : عمر عناز
يتسع مدى المعنى ويورق دلالات ساحرة حين يجوب ببصره وبصيرته مدائن النصوص، د. حاتم الصكر ناقد عراقي أكاديمي بارع أثرى المكتبة العربية باشتغالات تحفر في العميق من مساحات الثقافة والأدب عبر قراءات نقدية مختلفة، كان آخرها اجتراحه «قراءات استعادية لنصوص شعرية» كتابه الجديد الصادر ضمن سلسلة دبي الثقافية، عرف بانحيازه الثقافي المتميز لمشروع الحداثة من خلال ما قدمه ويقدمه من طروحات تقوم على رؤية علمية ثاقبة أصبحت مرجعا لدارسي النقد الأدبي. معه كان لنا معه هذا الحوار:
 
 
في كتابك الجديد “قراءات استعادية لنصوص شعرية” الصادر عن دبي الثقافية، ثمة أسلوب كتابي يجتذب القاريء ، هل قصدتم إلى ذلك؟
 
نعم لقد قصدت إلى العناية بأسلوب العرض لاعتقادي القديم والمتجدد بأن النص النقدي نص أدبي في المقام الأول، وخطابه أدبي بالضرورة.لقد مرت على النقد دعوات كثيرة تريد أن تجعله علماً بانتهاج الأسلوبية الإحصائية أو بالتحليلات اللسانية الصرف الخارجة من بنيوية متزمتة نسميها مدرسية، ليس فيها هامش للشخصية المحلِّلة أو الناقدة التي يتساقط منها الكثير على النص.والعرض الأدبي لا ينفصل عن الرؤية المنهجية التي تجذرت عندي باتخاذ القراءة سبيلا للاحتكاك بالنص الشعري خاصة ،وقراءته تعني إعادة تشكيله بفحص مستوياته الظاهرة والمسكوت عنها .وهنا يأخذ القارئ دوره في النص النقدي لا بكونه شخصا بل مرجعا للخبرات السابقة في النوع نفسه ومحك أي تغيير او تعديل فهو له افقه كما للنص.
 
 
بماذا تختصر الجديد في الطروحات النقدية تجاه القصائد التي اخترتها في هذا الكتاب؟
 
الجديد هو ما سميته القراءة الاستعادية ، وهي قراءة ليست تذكارية يدعو لها شيء من مناسبة أو ذكرى، لكنها استرجاع لسياق النص ومكانته وسط نوعه وما يحف به من موجهات ومدى ما ظل منه او ما تبقى.تلك القراءة تفحص المنظور النقدي المعاصرأولاً.أنا أرى ان النص في القراءة الاستعادية هو الذي يقرؤنا بمعنى أنه يوجه إلينا اسئلة زمنه وأسلوبه وما طرأ عليها من تجديد ،وما ظل منه صالحا للفحص والعناية .النصوص التي اخترتها – والاختيار نقديا هو انحياز وتصويت- نصوص شعرية تركتْ دويا ما عند نشرها . بدءا بنص نزار ( خبز وحشيش وقمر )ونص أدونيس (هذا هو اسمي) والجواهري (تنويمة الجياع ) ودرويش(خبز أمي) والسياب (انشودة المطر ) حتى نص سركون بولص والبريكان و الماغوط وسواهم.الدوي لا ياتي احيانا من القيمة الفنية للنص بل من تفرد ما في المعالجة او زاوية الاحتكاك بالموضوع وما تركه النص في سياق تداوله .الجديد عندي هو أن القراءة الاستعادية او الارتجاعية تتجه نحو الماضي الذي يمثله النص والحاضر الذي تمثله القراءة الاستعادية. وهو زمن القراءة المسقطة عليه والمستذكرة لآلياته اقترابا شيئا ما من مقولات النقد الثقافي وحياة النص في بيئته وتمثله لها.
 
 
وسط توصيفات شتى ..هل تعدّ النقد مغامرة جمالية؟
 
النقد نشأ اصلاً في حاضنة فلسفية ، وصلته بعلم الجمال صلة وثيقة .النقاد الأوائل كانوا فلاسفة .نستذكر هنا بويطيقا أرسطو المترجم عندنا ب(فن الشعر) مثلا،والنظريات حول المسرح والفنون والخطابة،كلها تدين للفلسفة.النقد استقل وصار خطابه أدبياً بفعل التنوع الأسلوبي في الفنون الأدبية ذاتها وصار ضروريا وجود مقاييس ومعايير ونظريات جمالية ترقى لهذا التنوع.فانغمر النقد الادبي في ما هو مهيمن من حيث البناء والوظيفة في النص الأدبي.لكن العلاقة الجمالية على مستوى التذوق والتداول ظلت تعاود الظهور باشكال شتى : لفظية لدى النقاد القدامى وفكرية لدى النقاد الجدد . ودراسة مشكلات التلقي والتبدلات في الذائقة والمزاج الثقافي والفني هي مهمات جمالية تلي الكتابة وتتصل بقراءة النصوص التي يندرج فيها النقد لا سيما في جانب الأسلوب والأثر الفني والبحث عن صلات النص بسواه من النوع نفسه وبتأثير الفنون المجاورة فيه.
 
 
هناك من يقول بانطفاء جذوة الأجناسية عبر تقديم نصوص لا تحمل موجها قرائيا..ما تعليقك؟
 
موجهات القراءة لا تتعلق بجنس او نوع ليتم تجاوزها أو الغاء دورها في تعيين النص وقراءته.بل هي إحدى علامات التجنيس .وما تداخل النصوص واقتراضها من بعضها ودخولها في علاقات تناصية ببعضها إلا ثمرة التجنيس وترسيخ الأنواع ثم محاولة الطفر عليها لتوليد نصوص مستفيدة منها كلها ولكن انطلاقا من نوع محدد. وهذا ما يساء فهمه غالبا كوظيفة السرد في الشعر ووجود الراوي والواقعة ووجهة النظر والحوار والزمان والمكان في نص شعري.فالأولى ان تتم قراءته بكونه قصيدة استضافت عوامل أو عناصر من نوع آخر لتعزز بنيتها ودلالاتها وإيقاعاتها أحيانا.
 
وكذلك ما يحصل في نص السيرة الذاتية حيث تمتزج السيرة بالتاريخ والسرد لكنها تظل استراتيجيا مقولات شخصية وتلفظات فريدية لكشف السير ذاتي .
 
 
لعل من ضمن الأسس التي تقوم عليها قصيدة النثر نزوعها الى التجديد في الشعر العربي، وهذا اصطلاح مازال محل نقاش في الوسط النقدي، فلكل رؤيته لماهية التجديد في الشعر، إزاء ذلك ما هو تعريفكم للتجديد ؟
 
في مناسبة نقدية سابقة كتبت عن سلسلة التغيير في القصيدة العربية وزعمت أو تصورت وجود مهمة إحيائية ارتبطت ببدء التنوير عندنا، ثم بعد التنوير هناك التجديد وهو المهمة التي أداها الرواد وقدمت رضات وتعديلات مفيدة وجذرية لكنها ليست شاملة،فتلتها المهمة التحديثية التي أنجزتها الأجيال التالية للرواد.
 
بهذا التعاقب: إحياء- تجديد- تحديث نصل إلى المهمةالقائمة اليوم وهي (تحرير ) الكتابة من التقليد بأشكاله المختلفة . وهذه مهمة نصية تتآزر لإنجازها جهود الشعراء والكتابات النقدية المستضيئة بالمنهجيات الحديثة والمستفيدة من ثورات عصرنا على الواقع والانظمة وكذلك في التقنية والتواصل .
 
 
ثمة فرق نتوخى أن توضحه لنا بين مصطلحي النص النسوي والأنثوي؟
 
بعد احتفاء الخطاب النقدي بالمعالجات الخاصة بالكتابة النسوية دخل الكثير من المجتهدين والمجتهدات في تدعيم تلك الكتابة والترويج لقبولها في الثقافة العربية القائمة على أساس ذكوري واضح الهيمنة. وأعتقد البعض أن مقابلة الذكورية رفضا وإدانة تتم بالتنويه بما هو انثوي تكتبه الأنثى شاعرة أو كاتبة.وهذه ثنائية تقليدية رفضها الغربيون قبلنا وعدّوها تذكيرا بالدور الاجتماعي القديم للمرأة كأنثى تحمل وترضع وترعى للمحافظة على النوع البشري فحسب، والرجل الذكر هو صانع الخطاب وهو الذي يفرض عناصره اللغوية والتقليدية الشائعة في الأمثال والآداب والقوانين والعادات، لذلك يسيطر عليها وتقدم له التكاثر النوعي المطلوب وتلبي حاجاته اولا.
 
النسوية هو المصطلح الأكثر دلالة على طبيعة التغير في النظر لكتابة المرأة وايضا لما تحمله من دلالات في النص عامة سواء كتبه رجل أو امرأة بمعنى انك في النقد النسوي تفحص وعي كاتب ما في عمله بصدد وجود المرأة ودلالة ذلك.وتفحص بالمقترب نفسه كتابة المرأة برؤية نسوية تبحث عن الوعي بالنوع لدى الكاتبة والدور الاجتماعي الذي تؤديه.
 
 
تنتصر لطروحات الحداثة عبر منجزك النقدي بمقابل من يعتقد بأنها ( الحداثة ) اشتغال تخريبي يعمد إلى تقويض الثقافة العربية عبر استهداف موروثها .. ما قولك؟
 
الحداثة اختيار فكري وثقافي قبل أن تكون انضواء تحت لافتة نقدية أو أدبية خالصة. ورفضها يؤكد – إذا ما تفحصنا هوية الرافضين فكريا – أنها تؤشر للمستقبل والحياة والتقدم .هي ليست عينة دم تخص الناقد ويتمسك بها ، لكنها موقف ورؤية لذا فالتهم بالتخريب والتقويض وجحود الموروث لا تتصل بالحداثة القائمة فحسب.لنذهب إلى المحاولات التجديدية في مطلع القرن الماضي كمثال برغم التخفيف الذي تحمله في تمردها ومصالحة الواقع لحد ما، ولننظر كيف قوبلت بالرفض والتخوين والتآمر.إنني أجد في هذا الخوف من الحداثة إهانة للثقافة العربية نفسها .وتصويرها بهذا الضعف والهشاشة هو تحقير لمنتجها الحضاري ولجهود المثقفين والمفكرين العرب .ولا أريد التذكير بما قدمه الحداثيون العرب من منهجية ورؤى جديدة للتراث نفسه الذي يغالي التقليديون في الذب عنه كوصية مقدسة من ميت، وليس كشجرة حية تواصل العيش في الحاضر.
 
 
تتقاطع الأصوات وتتداخل كلما حضر مصطلح قصيدة النثر في وسط شعري، فهذا يعدها شعرا متجاوزا وإن لم تقم على وزن ظاهري وذاك يعدها ميدانا يبرر العاجزون فشلهم الشعري بالانتساب إليه وأن لا شعر بلا وزن خليلي… أين يقف حاتم الصكر من هاتين الرؤيتين؟
 
كتبت مؤمنا في أكثر من مناسبة وكتاب منشورما يفيد بانحيازي لقصيدة النثر ورهاني على نصوصها كخلاص للقصيدة العربية من مآزقها في لحظة شعرية معينة.أعلم أن الأدعياء كثر وأن الرداءة والاجترار والتماثل الصوتي والاستعراض اللغوي والصوري توجد في صميم التجربة كلها منذ انطلاقتها، لكن ذلك ليس كافيا لحذفها وتهميشها ،فالتجارب الشعرية كلها نالتها الآفات المذكورة نظما وادعاء وتزييفا وضعفا،سواء في الكتابة العمودية والشعر الحر ، او حتى ما يعرف اليوم بالنص.لكنني أراهن كذلك على أن الجسم الشعري العربي محصن ضد الرداءة ويقوم بفرزها وإهمالها.خذ أمثلة ما أرادت الأنظمة الدكتاتورية أن تفرض من شعر متزلف وشعراء مداحين وانظر مصير تلك النصوص المتكلفة والبائسة.
 
 
يبرر المشتغلون في قصيدة النثر نزوعهم لهذا الشكل باستنفاذ الشعر العمودي أو التقليدي عموما لطاقاته غير القادرة على المواكبة.. ما تعليقك؟
 
الشكل لا يستنفد أو يحدد له كالمنتوجات تاريخ صلاحية ينتهي فيها السياب كتب في نص واحد عمودا وحرا.وكتب ادونيس وزنا ونثرا في الكتاب ،ولكن الشكل يعبر في جوهر الحماسة له والتعصب إيديولوجيا محددة نخففها بالقول إنها رؤية أو موقف . نسبة الافتعال والتكرار والنظم في الاشكال المكرسة أكثر احتمالا ، أما في قصيدة النثر فلغياب موسيقاها المالوفة تكون مسؤولية الشاعر اخطر واختباره أعسر.
 
ولا أحسب أن جدل الأشكال والأنواع الشعرية يخضع لثنائية الناسخ والمنسوخ. أي أن الشعر الحر ينسخ العمودي.وقصيدة النثر تنسخ الحر وهكذا.والطريف أنها لو تنسخ لنسخت الشعر الحر القريب إلى تاريخ ظهورها، وليس التقليدي كما افترض سؤالك.
 
تعبر الاشكال عادة عن إيديولجيات ومهيمنات. وأعتقد أن الكتابة الشعرية اهتدت بيقين إلى أن الوزنية – بكتابة الشعر عمودا أو حرا- ليست المقترح النهائي لكتابة القصيدة. هنالك شعر يفرز أعرافه وتقاليده الفنية والجمالية . وهناك قصيدة تخرج على ذلك وتؤسس لجديد هو الآن متعين في قصيدة النثر.
 
 
ألا ترى أن الدفاع المستميت عن قصيدة النثر وعدها النموذج الأمثل والأكمل أوقعنا في تقليدية جديدة ؟
 
بالرجوع إلى القوانين الفاعلة في تجدد النوع الادبي وحياته وذبوله يعلمنا التاريخ الأدبي أن التقليدية تتسلل إلى جوهر النصوص بالتراكم والتقادم . وميزة القصيدة انها تناور ذلك وتداوره وتتغلب عليه بتجديد مداخلها ونقاط التقائها بموضوعها، بلغتها وإيقاعاتها وبآلياتها البنائية وتمددها صوب الخارج واستعارة نظم وشعريات مجاورة.
 
هذا التشخيص في السؤال سليم تماما ،وهو ذو أصل أو دافع جمالي يتعلق بترسخ الشيء ثم الملل من ثباته وتجاوزه إلى سواه.لكن ذلك قد يصدق على أنماط من كتابة قصيدة النثر كالمغامرة اللغوية والسوريالية التي اقترحها بعض رواد كتابتها ثم انطوت كصيحة أو موضة ، لكن كتابة قصيدة النثر لا تخضع لهذا الاستبدال كشكل كامل فقد تعددت أساليب كتابتها .أمثل لذلك بالإفادة من السرد وتقوية الجانب البنائي بواسطته.
 
 
يقول المغاربة إن الإبداع النصي مشارقي فيما يبقى التميز النقدي مغاربيا بفارق كبير .. ما رأيك؟
 
هذه المقولة من الشائعات الكبرى في الثقافة والصور النمطية ،كالقول بأن مصر تؤلف ولبنان تطيع والعراق يقرأ . وهي مقولة ثبت بطلانها عمليا. النص الشعري المغاربي وصله التحديث متأخرا عن المشرق ولم يستفد كثيرا من التيارات الفرانكفونية ومنهجياتها إلاباستثناء اتقليلة.ولكن التزود المعرفي من اللغات الأجنبية- الفرنسية خاصة والإسبانية إلى حد ما -جعل النص النقدي يبادر متزودا بالمشغل المعرفي الأجنبي و أن يطرح حلولا كثيرة لا سيما في مجال نقد السرد ، واليوم ملأت الترجمة ذلك الفراغ وصار للنقد المشرقي ايضا مرجعيات واضحة ومتنوعة.
 
 
متى يتفوق النص على ناقده؟
 
النص يهب مفاتيحه لمن يقترب منه ويخلص في الكشف عن طبقاته ومواضعه الكامنة. وأعتقد جازما أن الناقد احيانا يكون اقرب للنص من صاحبه . وهذا ما حصل معي كثيرا في قراءات تحليلية. لكن تبقى في النص أسرار لا تهبها بناه اللغوية والإيقاعية بعد اية قراءة نظرا لطبيعته ونظامه.
 
 
عبر اشتغاله النقدي، في أي مساحة صمت حاتم الصكر ولم يستطع الإفصاح أكثر؟ ولماذا؟
 
.ربما كان موقفي من الشعر السياسي – لا الوطني – بحاجة لإفصاح اكثر ففيه من اليومية والمواقف الزائلة ما يزهدني فيه ، وأقول بصراحة إنني أمقته تماما ؛لأنه.يلاحق اليومي العابر ثم يُرمى بعد زواله بزوال المناسبة تلك.تتذكر قصائد بعض الشعراء العراقيين في هجاء حافظ الأسد ثم ذهابهم لسورية في شهر العسل القصير بين النظامين وطيهم لقصائدهم خجلا ،وكذلك ما حصل في اجتياح الكويت واحتلالها وما كتب حول ذلك ثم حين اعترف صدام بها دولة بعد الحرب ذهبت قصائدهم إلى ما لانعلم من مكان مهمل.
 
لكنني للأسف لم أكتب إلا متأخرا في كتابي غيبوبة الذكرى عن هذا الموضوع .والسبب معروف لمن عاش ظروف العراق وما يجر الرأي على قائله من اذى. لكنني كنت بطريقة واخرى أقول رأيي بالصمت عن تلك القصائد أو بتمجيد الذاتي والشخصي والمختلف.
 
 
بعد عقود من عمر الانقلاب في شكل القصيدة العربية وتحديدا منذ نازك والسياب، إلى أي مدى نجحت قصيدة النثر في ترسيخ وجودها بمقابل ما تمتلكه القصيدة بشكلها التقليدي من حضور راسخ؟
 
النصوص تثبت أن الوجود الراسخ لقصيدة النثر لا خلاف حوله. ودليل ذلك تنوع مناخات كتابتها وأساليبها وتقنياتها.
 
 
في حديث لفاروق شوشة يقول : لا يوجد ناقد عربي تنطبق عليه التسمية منذ القرن الرابع الهجري.. ما قولك؟
 
للكل الحق في ما يرى ولكن فقط يجب ألا نغمط حق الآخرين. ففي بلد الشاعر فاروق شوسشة وحده مئات التجارب في الحرث والكد والمواجهة عبر النقد منذ كتابات طه حسين حتى اليوم. ما أخشاه من إلغاء الشعراء للنقد ونكران جهودهم انطلاقهم من مواقف خاصة مرة، او من ازدراء دور النقد حضاريا مرة أخرى.
 
 
خارج إطار المقدس، هل يمتلك مثقفونا بنى ثقافية تؤهلهم لمشاكسة حضور الآخر؟
 
لماذا نفترض مشاكسة الآخر ؟.و لست أدري بالضبط كيف نؤهل انفسنا ؟لكن للآخر طرقه في تمثيلنا وتصويرنا ونحن أحرار في الصلة به على أساس متكافئ ومعرفي لا تبعية فيه ولا شعور بالنقص. مؤهلاتنا منجز ثقافتنا في الماضي وما تقدمه اليوم عبر الترجمة والإعلام والاتصال..
 
 
مازلنا نسمع من نقادنا تبرير اتكائهم على النظريات النقدية الغربية عدم وجود نظرية نقد عربية، هل حقا أننا رغم كل هذا التراث الشعري والفكري لم نمتلك نظرية نقدية؟ وهل بالضرورة أن نمتلك؟
 
قلت في مناسبة سابقة الا ضرورة لذلك. النظرية النقدية تعني توحيد الرؤى والمنهجيات وهذا يتعارض مع ديمقراطية الادب والنقد.والاتكاء تماما على الغرب يولد هجنة أو اغترابا عن النصوص نفسها. ويوقع النقد في تجريد نظري لا طائل منه.
 
 
إلى أي مدى أسهم تعدد قنوات الثقافة والمعرفة في تقويض ثقافة المؤسسة الثقافية العربية؟
 
القنوات المتعددة والمتنوعة ايضا هي جزء من حصاد بذار العولمة في جانبها الإيجابي. وهذا يعني إشاعة الثقافة بحرية ووصولها إلى ما لا تصل إليه المؤسسة الرسمية التي يظل خطابها مضجرا وتقليديا ينفر منه المتلقي .وعلينا أن نحسن استثمار ذلك لا أن تكون القنوات تلك مناسبة لبروز ثقافة سطحية وهشة واستهلاكية.
 
 
يُتهم أدونيس بمشاكسته للمقدس .. هل يندرج كتابه (الكتاب) ضمن هذا التوصيف؟
 
أدونيس كأي مثقف منشق – بالمعنى المعرفي -تعرض ويتعرض لحملات شتى ومن مراجع مختلفة ومتناقضة أحيانا- يهاجمه راديكاليون متشددون لإعلانه علمانيته، وحداثيون يهاجمونه لمواقفه وأسلوبه وآرائه.وليست التهم الموجهة للكتاب هي آخر ما وجه لادونيس من تهم مواجهة المقدس كما أسماه سؤالك.الكتاب حورب من عنوانه مع ان أدونيس أراد القول إنه كتاب المتنبي وحياته كلها كما أراد سيبويه أن يجعل الكتاب الذي ألفه كتاب النحو العربي كله ولم يحتج عليه أحد مع قرب عهده بالإسلام. وما طرحه أدونيس من سيرة المتنبي وما حف بها من أحداث ليست تحرشا أو مشاكسة للمقدس ؛ لأن المتنبي نفسه لم يكن كذلك بل شغلته أمور أخرى عبر عنها في شعره تمس الوجود والحياة والموت والناس ..لكن الجزئيات التي يقرا فيها أدونيس وقائع التاريخ العربي ويفسرها ويربط بينها هي التي أزعجت السلفيين خاصة وهم متربصون به في العادة. نختلف مع أدونيس كثيرا في أطروحاته حول الثابت والمتحول والشعرية العربية والموقف من التراث والحداثة، لكننا نحترم تجربته شاعرا مهما ومفكرا جريئا.
 
 
في خضم التغييرات التي تعيشها المنطقة العربية، ينكر البعض على الشاعر توظيفه موهبته في خدمة ايدلوجية النظام، ويطالبونه بالاعتذار عن موقفه، هل توافق على هذا الطرح؟
 
الاعتذار جزء من بروتوكول مجاملاتي ويومي لا يرقى إلى خطورة الموقف الثقافي لا الشعري فحسب.اعتذار الشاعر والمثقف لايكون إلا عبر ذاته.بتوضيح موقفه و مواجهة نفسه ومواصلة مشروعه بعبدا عن الغرضية والتبعية.
 
 
ألا يتسبب اشتغال الناقد ضمن المؤسسة بمحاصرته عقلا، حيث قد يكون محاصرا ضمن خط ترسمه له المؤسسة ما يجعله غير حقيقي في طروحاته ربما؟
 
المؤسسات بذاتها تتطور وتغير آليات عملها والمثقف يستطيع التأثير فيها إذا كانت مهنية وعامة.أما إذا كان سؤالك يخص المؤسسة الحزبية او الحكومية فإن ذلك جزء من أزمة كثر الحديث عنها ولم يعد الخلاص منها مجديا من داخلها بل بإيجاد مؤسسات بديلة تحتويها وتتجاوزها.
 
 
مازلت مصرا على اعتماد آليات اشتغال نقدي يرى الآخر أنها لم تعد فاعلة في ظل النقد الثقافي .. ما تعليقك؟
 
على العكس فكثير من آليات الكتابة النقدية وأبرزها التطبيقات والاستعادة والجدل النوعي والأسلوبي هي من صميم النقد الثقافي لا كما يفهم منه بأنه إلغاء للنقد الأدبي بل كتطوير لموضوعات النقد ونقاط تماسه بالنصوص.وقراءاتي الأخيرة لقصائد في الذاكرة ومواصلة المشروع بجزء ثان هي شاهد يؤكد ذلك.
 
 
واكبت المشهد الشعري العراقي لعقود ومازلت ،كيف تقرأ راهن المشهد الشعري عراقيا؟
 
أنا عتز دوما بتفاؤلي المبني لا على النيات العابرة إنما على اعتقاد راسخ ولي أسبابي بأن الشعرية العراقية من الغنى والتنوع والإصالة والحداثة والتجدد ما يجعلها خصبة ولوداً .المشهد الشعري العراقي يغتني بتنوع الأصوات وحضور أكثر من جيل يتعاون في صنعه وتعميق مجراه وهاتان حالتان فريدتان لا توجدان في سواه.وهما بجانب الشجرة الشعرية وعمق جذورها ووعي المتلقي وتاريخ علاقته بالشعر، تعمق من تفاؤلي .
 
 
كلمة أخيرة؟
 
الشعر ليس وحده الركيزة الثقافية ونقد الشعر كذلك. ولا بد أن ينفتح على العلوم الإنسانية من جهة ويفيد منها ،كما يفيد من الفنون المجاورة له .
 
المتلقي بحاجة أيضا لمثل هذا الانفتاح لتسهل عملية تلقيه للشعر وتصبح أكثر جدوى وجمالا.
 
وثقافتنا كمؤسسة وممارسة بحاجة للانتباه لذلك، وتأمل تجارب الشعوب في هذا المجال وكيف غدت الثقافة البصرية والتقنيات الحديثة كلها في خدمة تداول الثقافة والخروج بها من أطرها القديمة. ولابد هنا من ذكر المسكوت عنه في أغلب اللقاءات ومنها حوارنا هذا. وأعني به التعليم الذي لا بد ان يناله التغيير والتحديث ليمهد الأرض لشعر قادم وثقافة متقدمة.
 
 

التعليقات

 
 حوار جميل
هناء |   الجمعة 20 أبريل 2012 | 11:55 مساء (بتوقيت قطر)
الشاعر والاعلامي عمر عناز كعادتك دوما تقودنا بحواراتك لبساتين الابداع والجمال لقد أخذتنا في رحلة ممتعة شيقة تعرفنا من خلالها على الاستاذ د. حاتم الصكر ورؤيته الفكرية والنقدية حقا حوار غني وجميل كل التحايا لكما معا
 
 حوار جميل
هناء |   الجمعة 20 أبريل 2012 | 11:56 مساء (بتوقيت قطر)
الشاعر والاعلامي عمر عناز كعادتك دوما تقودنا بحواراتك لبساتين الابداع والجمال لقد أخذتنا في رحلة ممتعة شيقة تعرفنا من خلالها على الاستاذ د. حاتم الصكر ورؤيته الفكرية والنقدية حقا حوار غني وجميل كل التحايا لكما معا
 
 ناقد متميز
سعيد |   السبت 21 أبريل 2012 | 05:30 صباحاً (بتوقيت قطر)
الدكتور حاتم الصكر من افضل النقاد الذين لهم وزنهم وثقلهم في مجالات الشعر والادب نشكر الوكاله على محاورورة هذا الانسان الفذ
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*