النسوية المفرطة!نسيانcomلأحلام مستغانمي

 
 
النسويّة المفرطة!
يحذّر الروائي  وعالم السيميائيات الإيطالي  أمبرتو إيكو في أحد كتبه مما يسميه ( التأويل المفرَط ) الذي يبالغ فيه المؤوِّل بإسقاط ذاته على المتن المؤوَّل،  وتحميله أو تقويله ما لا تسمح به عناصره البنائية وإشاراته ومستوياته اللسانية .
وقد استدعيت  وصف كاتب اسم الوردة (التأويل المفرط ) لألخص دلالة  عمل الروائية أحلام مستغانمي الأخير(نسيانcom) لمناسبة صدور طبعته الرابعة هذا العام ، فقد اتضح في العمل ما يمكن وصفه بالنسوية المفرطة التي تذكّرنا ببدايات الحركات  النسوية ، وتكتل النسويات في جبهة تتمترس خلفها لتحارب (الرجال )  كذكور يقومون باحتلال النساء كما يفعل المحتل ويميزونهن كما يفعلون مع السود والهنود الحمر!سأستبق التحليل مستشهدا  بقول مستغانمي  لقارئاتها مريضات النسيان(ما الفرق بين الحبيب والمحتل وقد أقام مستوطنة في مساحة كيانك؟).
ولكن ذلك التطرف والإفراط في النقابية تخطته الدراسات النقدية  والأعمال النسويّة  اللاحقة ، لكون الوعي  النوعي وفهم  الدور الاجتماعي والثقافي للمرأة هو المقياس للانتصار لها .
تتأكد لنا  النسويّة المفرطة  في عمل مستغانمي بدءا من العنوان وغلاف العمل –المفتقر للتجنيس فلا هو سرد ولا تحقيق ولا مقالة- فقد وضعت على الغلاف ختما دائريا بالأحمر في وسطه عبارة (يحظر بيعه للرجال) كما أن نسيان comهو العنوان المقترح لموقع افتراضي تقدمه الكاتبة حصرا  للنساء اللواتي يقدمن شكاواهن من الرجال ، ورغم استثناء الكاتبة من تسميهم الرجال الرجال! فإنها ستنساهم في رفضها  الرجال كافة من بعد ،  فيما  تتكتل النساء كملائكة مغدور  بهن  يفتقرن إلى صلابة الرجال في النسيان ، وتجاوز مشاعر  الحب تحديدا ؛لأنه – وليس سواه من مواقف- المحك الذي تختبر فيه مستغانمي شخصية نسائها ورجالهن بالضرورة ! بل اختارت الكاتبة شعارا آخر على ظهر الغلاف  تطالب المرأة بأن تحب الرجل كما تحب النساء ،وأن تنساه كما ينسى الرجال؛ وهي عبارة تكررت في صفحة منفردة  داخل الكتاب كموجه قوي من موجهات قراءته. فأسندت الطبائع بشكل قطعي وشامل: الحب للنساء والنسيان للرجال.وصار الكتاب مجموعة وصايا  طريفة وخفيفة في النسيان ، وتحول العنوان بعد التعريب  ( نسيان.كم ) والمخاطَب هم الرجال طبعا! وكأن مستغانمي بهذا التطرف ترد عنها تهمة اجترار الخطاب الذكوري وإنتاج صورة للمرأة بوعي لا نسوي  في ثلاثيتها الروائية ولا سيما (ذاكرة الجسد) وهي تهمة لا نشارك مروجيها وقراء أعمال مستغانمي بضوئها ، لكن ردة الفعل المتشنجة كما لخصها ( نسيانcom ) تدعو لتأمل ما أصاب العمل من تسطيح واستعانات مباشرة تبدو ناشزة في عمل حداثي مكتوب بوعي معاصر، فضلا عن اللغة التي لا تترفع عن استعارة هواجس مراهقة و خطابات متداولة في تصورات جاهزة عن  الحب كتلك التي تقدمها المواقع والهواتف النقالة .
(ما هذا الكتاب سوى إغراء بالنسيان) تقول الكاتبة في فصل بعنوان هكذا تورطت في هذا الكتاب ، ومصدر الورطة في ظني وكما جرى بين سطور الكتاب هو اتخاذ الأديبة موقف الناصحة والمرشدة وباتجاه واحد هو النسيان – وذلك ما ستستكمله أغنيات السيدي المرفق بالكتاب والمعنون (أيها النسيان هبني قبلتك) ؛ ليصبح العمل الصوتي والخطي معا تصويتا ضد الحب ودعوة صريحة لتعلم فن النسيان.
تكثر في الكتاب عتبات قراءة تشدد أغلفته وتعلن هدفه منذ البدء، فثمة شعار يسبق الإهداء المتبوع ببلاغ رقم واحد ، تخف فيه اللغة حتى تعود لخطبة جاهلية(أيها الناس اسمعوا وعوا، لا أرى لكم والله من خلاص إلا في النسيان)  ولاستكمال النبوءة توصي الكاتبة في بلاغها من يقرأ الكتاب أن يخبر من لم يقرأه، وتعنون فصلا آخر بعنوان تنبؤي استعلائي هو (ليشهد الأدب أنني بلغت).وفي توضيح للرجال المتسللين إلى هذا الكتاب تصف الكاتبة عملها بأنه (جردة نسائية ضد الذكورة) تصل حد وصف الرجل كالآتي(اعلمي يرحمك الله أن الرجل أرنب ،  أمام أول مواجهة يهرب) وتعتبر عملها  (صدقة جارية ) للنساء ؛ فهي (محررة نساء غوانتنامو الحب) ، ومطلقة أسراهن من سجون الرجال، وستستعين بكسرات سردية ليلتئم نسيج الكتاب ؛ فتذكر صديقتها التي تراها بحاجة لدواء النسيان  علاجا من خيبتها العاطفية مع رجل ستعود له آخر الكتاب !  كما تهدي (شغالتها) وصفة تصفها بالسحرية للنسيان، وترمم تمزق الكتاب بإلصاق مقولات مجتزأة وحِكم وأشعار من عصور وحاضنات وألسنة مختلفة، قديما وحديثا ،شرقا وغربا ،شعرا ونثرا..لذا بدت الكاتبة في مواقع فكرية مختلفة متحررة حد اختبار الرجل في عواطفه ، ومحافظة حد نصح قارئاتها باختبار تقوى الرجل وأخلاق قلبه ، ونصحهن كذلك بالصلاة (ففي سجود قلبك نسيانه)!
في حالة واحدة نأخذ الكتاب على محمل الجد :أن  نقرأه كما فعلت الكاتبة نفسها بكونه (فتح شهيتها للضحك) عكس أعمالها الروائية ص40،وبذا نخرج من الكتاب بقراءة ميثاق شرف أنثوي مطلوب من القارئات أن يوقعن عليه ، كمعاهدة للاعتراف بعدم وجود حب أبدي ، وتوقّع كل شيء من الحبيب (وأن تكون جاهزة للنسيان)!
 
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*