قصيدة النثر ثمرة الحداثة الشعرية-رولا حسن- عن كتابي( الثمرةالمحرمة)

قصيدة النثر ثمرة الحداثة الشعرية

رولا حسن -سوريا

مجلة الشارقة الثقافية -العدد 57 يوليو -تموز 2021
يعد د حاتم الصكر من النقاد المهمين و القلائل الذين يتابعون قصيدة النثر وتطوراتها ويزيد الأمر أهمية أنه من أهم مناصريها ومن المتفائلين بمستقبلها ،وذلك لقناعته بأن التقاليد الشعرية العربية ذات جذور تاريخية متقدمة في الزمن تسمح بتوقعات ،وإمكانات لا تطابق الراهن الخارجي، أو السياقي لاشتغالها مستقلة عن ذلك التأثير .لكنها تدفع مقابل عمل آلياتها الدفاعية ثمنا ليس هينا يتمثل في زيادة عزلتها وافتقادها التأثير في الوعي السائد وتحوير أفق التلقي الجمعي وجعله معتقدا بإمكان التحديث ومدياته اللا محدودة. “
يراهن الصكر على جدوى مغامرة كتابة قصيدة النثر رغم ما يعترض مشروعها التحديثي من أزمات ذاتية قد تلعب دورها في التأثير على خطابها في التسمية والوصف والاشتراطات ،
في هذا الكتاب يحاول الدكتور الصكر عرض دوافعه ومبرراته عبر الجانب النظري، ومساءلة مبرراتها وحجج خصومها وذلك عبر القراءات التطبيقية التي يقدمها لنصوص شعرية لحوالي45 شاعرا ودواوين كتبها الجيل التالي للرواد مثل سركون بولس وديع سعادة عباس بيضون قاسم حداد سيف الرحبي وأخرون وصولا إلى كتابات الشبان الأقرب إلى الحداثة القائمة التي شهدت تبدل مرجعيات كتابتها وظهور مؤثرات جديدة على النص.
يقسم الصكر كتابه إلى قسمين القسم الأول نظري وهو عبارة عن بحوث نظرية يناقش فيها راهن قصيدة النثر العربية كما يبني على هذا الراهن توقعاته لمستقبلها فضلا عن مشكلة تلقي هذا النوع من الكتابة لدى القراء.
حيث يلقي الضوء على البلبلة الاصطلاحية للاسم التي كانت ولا تزال مثار جدل في الواقع الثقافي العربي
وهم القصيدة
يشير د الصكر إلى أدعياء كتابة قصيدة النثر فيحذر من أنهم يلحقون بها ضررا كبيرا على مستوى التلقي لما يشيعون من نماذج تحت تسمية قصيدة نثر تتكرس تقليدا ،وهذا أمر شخصه الشاعر السوري أدونيس مبكرا ضمن أوهام الحداثة ، وهو وهم التصور بإن كل ما ليس موزونا هو قصيدة نثر وهم يتبع في جوهره ما شاب الوعي بموسيقى الشعر من حيث إلغاء الأوزان دون البحث عن بدائل ممكنة التي تعوض غياب موسيقى الشعر التي كانت تتمثل سابقا بالوزن بما تقترحه القصيدة ايقاعا ملائما لتحررها من الموسيقى التقليدية ولمقولاتها المتصلة باللغة والسرد والتركيب .
مستقبل قصيدة النثر
عن هذا تحدث الصكر أنه ما يمكن الوثوق به ووضعه في لائحة التوقع ،هو الجانب التقبلي والبنيوي للقصيدة فالقراءة المستقبلية ستدرج قصيدة النثر بشتى أنواعها وأنماطها الدلالية والموضوعية والسردية وسواها ضمن جنس الشعر دون تردد الأمر الذي سيخفف رفضها ويسمح بتراكم نماذجها وتنوع مناخاتها ضمن ذخيرة القراءة وخبرات القارئ بمصطلحات علماء القراءة والتلقي ما يجعل قراءتها قيد الإمكان ممن لا يرغبون بقراءتها حاليا لأزمات وذاتية كتسميتها مثلا ومخالفتها للسائد من الشعر الأمر الذي حدث مع الشعر العالمي نفسه كتجارب يمكننا أن نستخلص منها العبر.
تلقي قصيدة النثر
يعتبر د الصكر صعوبة تلقي قصيدة النثر منذ البدايات (تجربة مجلة شعر ) الى أمور متعددة
أبرزها البلبلة الاصطلاحية للاسم ، وفوضى التسميات بالإضافة الى العيوب التي عانت منها القصيدة وهي تضخم الذات، وتكبير الأنا وتعالي خطابها عن المتلقي الذي يعاني أصلا من مشكلة في تلقيها ناهيك عن عوامل كثيرة أخرى تعيق هذا التلقي ،أو التواصل التقليدي مع قصيدة النثر ،وتقبل كافة نماذجها فالرهان الأن بحسب الصكر على القارئ لكون قصيدة النثر تجربة فردية وعلى القصيدة ذاتها وما تنجزه الأجيال الجديدة من تعديل قوانين الشعر، وأنساقه ولغته وايقاعاته.
فالشاعر الجديد يتطلع إلى القصيدة المنفتحة الزاخرة بممكنات كثيرة ،والقصيدة المنفتحة ذات الشكل المنفتح تتضمن مبادهات ، ومقاربات تغير باستمرار مقايسنا الشعرية، والجمالية الأمر الذي تحدث عنه أيضا أدونيس في كتابه مقدمة الشعر العربي *.
يشير د الصكر إلى مجلة شعر حيث يعتبر أنها تجربة مهمة في الشعرية العربية كتابة ونقدا وقراءة تستحق التوقف عندها بعد مضي بعد مضي خمسين عاما على الشرارة الأولى التي أشعلتها التوجهات النظرية والنصوص ،والرؤى التي زخرت بها المجلة رغم سنوات عمرها القصيرة التي بقيت مجال خصام ونقاش دليلا على أهمية ما جاءت به .
ويعتبرأن أكثر الجنايات فداحة، والتي ارتكبتها تجربة المجلة هي ما بشرت به وبحماسة غريبة لأفكار سوزان برنار في أطروحتها عن قصيدة النثر (من بودلير إلى أيامنا ) ،إذ ليس الخطأ بحسب تعبير د الصكر في تبني أفكار برنار ،والقوانين التي استقرأتها بل التلخيص المخل ،والبسترة التي ضمنها كتاب المجلة لتلك الأفكار .
قصيدة النثر في العراق –المرجعيات الفاعلة والهيمنه الموضوعية
يتحدث في هذا البحث عن هوية القصيدة، والمقصود هنا بالبحث عن الهوية هو البحث عما يرسخ ملامحها، ونصها في سيرورة التراث الشعري العراقي وفق خطه البياني المتصاعد قصيدة تقليدية –شعر نثر – شعر حر.
لقد انشغل رود رواد قصيدة النثر في العراق بأمرين، وهما بلبلة التسمية ومصطلحها الملتبس، و البحث عن جذور وامتداد لها وكأنها بشر لا بد لها من سلالة في الوقت الذي أغفلت فيه المماحكات البحث عن ماهية قصيدة النثر، ومقترحها الكتابي وكذلك قصور النقد المرافق لها عن سن قوانين واصفة أو رؤى لشعريتها .
النص والمؤثرات الفاعلة فيه .
يرجع الصكر المؤثرات الأساسية في النص الشعري العراقي إلى
مجلة شعر بتياراتها الثلاث
الماغوطي شعر حر
قصيدة النثر الفرنسية سوزان برنار
المؤثر الأنجلوسكسوني المتمثل في تجارب يوسف الخال .
لفت د صكر الى تداخل الأجيال الشعرية العراقية حيث تبدأ عملية التآخي بين الأجيال فلا تتعارض، أو ينسخ بعضها بعضا أضافة إلى انتهاء دعاوى التقابل العدائي بين تجربة شعراء الداخل والخارج
السرد في القصيدة العراقية.
تقدم قصيدة النثر في العراق أمثلة للإفادة من السرد الذي احتل موقع البؤرة النصية أو المهيمنة سواء في فنيتها أو كتابتها أو في جماليتها تلقيا أو استقبالا
والانتقال بالعناية الإيقاعية إلى النثر السردي المنطلق من بؤرة شعرية لنصوص تميزت في سرديتها وتخليصها من تشحنات أو توترات الشعر الموروثة ،
الأمر الذ دفع بقصيدة النثر العراقية إلى الامام من الناحية التداولية حيث صار لها قراؤها الذين يتناغمون مع تحولاتها ،واخترقت تابوات المنع ،ووصلت إلى الجامعات وأخذت مكانها في التداول والنقاش كما أخذت حقها في الإنتشار فقد استقرت الذائقة على قبولها نوعا شعريا له تقاليدة ومزاياه وتياراته .
قراءة النص الشعري
أو تحليله
وهو بناء على ذلك يتوخى انجاز فعل قراءة للنص ذي محرك ظاهراتي يعطي للذات شأنا كبيرا في تشكيل النص .وبرأيه أن ذلك يتحقق عبر
الإنتباه إلى العتبات النصية التي تمثل النص
2-البحث عن بؤرة يفترض القارئ وجودها ويتابع انتشارها
3-تعين السياق الخاص للنص وصلته بسياقاته الصغرى
فحص انتظام مستويات النص الممكنة التي تتكامل في إبراز هوية النص .
3- الإستعانه بالأدلة السيميائية واللسانية بافتراض أن النص وجود لغوي اشاري
4- توسيع التناص ليشمل التناص النوعي بين النص ومثيلاته في الأنواع الأخرى لا في نوعه الشعري فحسب .
5- معاينة التكتل الجسدي للنص على المطبوع وذلك نوعا من إعادة الإعتبار لعلامات الترقيم وما يضيفه وجودها على النص من سمات دلالية .
يقدم الصكر اجراءات مقترحة وتطبيقات منطلقا في الاختبار التحليلي من اختيار عينات نصية، ولا يعني اختيار هذه العينات حكما قيما بتفوقها بل كونها تمثل بحسب تعبيره الفرضيات المنطلقة من الاهتمام بالكيفية النصية والتشكيل البنائي للنصوص سعيا لإزالة الوهم القائم حول فوضى البناء النصي ،أو اعتباطيته في قصيدة النثر ،بل هي تشكل نوع من القراءة الكاشفة التي تزيل عن النص ترميزاته وشيفراته ،وتعرفنا على المسكوت عنه في بناء القصيدة ، وهنا وفي هذا القسم التطبيقي يختار عينات تحتوي شعراء عراقيين وعرب وهي على سبيل المثال لا الحصر سركون بولس أمجد ناصر ،عباس بيضون ،قاسم حداد ، سيف الحبي ، طالب عبد العزيز ،عبد الودود سيف ،عبدو وازن ، عبد الكريم الرازحي ،خزعل الماجدي ,أخرون ليلقي الضوء على تجارب 45 واربعون شاعر وشاعرة كما ذكرنا سابقا بالرغم من حضور الشاعرات الشحيح إذ تمثل فقط بثلاث شاعرات عراقيات وهن دينا ميخائيل ، فليحة حسن ،وسهام جبار .
الكتاب على أهميته يواكب نقديا قصيدة النثر في مراحل متعددة ملتقطا تطوراتها ومعاينا لمشاكلها منذ البدايات (مجلة شعر )وصولا إلى ما تعانيه من تكرار واستسهال وضعف في وسائل التواصل الاجتماعي حيث نلحظ لغة هشة وتمثيلات غنائية.
وباعتقادي الكتاب بادرة تنتصر للحداثة الشعرية كما أنه عبارة عن استراتيجية لقراءة النص الشعري وفهم اليته وتطور امكانياته وقراءة متأنية لتاريخ قصيدة النثر العربية ،والبحث عن هويتها نصيا وننتظر كما ينتظر د الصكر أن يساهم كتابه هذا في اطلاق النقاش مجددا بين أوساط شعراء قصيدة النثر والنقاد من أجل تعميق الوعي النقدي بقصيدة  النثر وجمالياتها المتحققة والمنتظرة وحمايتها من الدخلاء غير الموهوبين.
الثمرة المحرمة*مقدمات نظرية وتطبيقية في قراءة قصيدة النثر.* إصدار شبكة أطياف – المغرب 2018
*