الميتاشعري في نماذج من قصيدة النثر العراقية

ضمن منشورات اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق-المركز العام ببغداد صدر كتابي الجديد(إيكاروس محدقاً في شمس القصيدة- الميتاشعري في نماذج من قصيدة النثر العراقية).يتضمن الكتاب دراسة عن أنماط من قصيدة النثر التي تتخذ القصيدة موضوعاً لها بحالات شتى رصدهالكتاب ، ثم جاءت النماذج التي تعدد شعراؤها بمقترحات نصية تتفاوت في قربها من الموضوع وتأملها للقصيدةة داخل القصيدة وفهم الكتابة وعرض عنائها وقلقها.

النماذج التي تيسر لي الحصول عليها كعينات للتحليل على وفق الفرضية النظرية لأنماط من التعامل الميتاسردي لشعرتء من أجيال وأصوات متنوعة .هي:

سركون بولص.صلاح فائق. فاضل العزاوي.

عبدالرحمن طهمازي.عبدالكريم كاصد.لطيف هلمت

طالب عبدالعزيز. عبدالقادر الجنابي.شاكر لعيبي.

وسام هاشم.هاشم شفيق.عدنان محسن. جواد الحطاب.خزعل الماجدي.أحمد هاشم.هاتف جنابي. أحمد عبدالحسين.دنيا ميخائيل.باسم فرات.عبود الجابري.عدنان الصائغ.سهيل نجم .عبدالرزاق الربيعي .فضل خلف جبر.هادي ياسين.

عبدالعظيم فنجان.محمد تركي النصار.

زعيم نصار.فليحة حسن.منذر عبدالحر.

علي فرحان.زهير كريم.إيهاب شغيدل.

عباس السلامي.أديب كمال الدين.علاوي كاظم كشيش.علي وجيه.عادل مردان.كريم جخيور.علي نوير.هادي الحسيني.

حمدان طاهر .قاسم محمد مجيد.علي حبش.

*من مقدمة الكتاب.

في البدء

 

في دراسة سابقة نوَّهت بما تتميز به قصيدة النثر العراقية بناء على ما جرى في كتابتها  من تبدلات على مستوى المؤثرات الفاعلة و المرجعيات المؤثرة، والتغيرات والتحولات المتنوعة  في موضوعات نصوصها وكيفيات التعبير، تصادياً مع كثير من التغيرات الحياتية التي فرضت أولويات تعبير خاصة، كالحروب وتداعايتها ، والمنافي التي تشظى فيها الكثير من المثقفين والكتاب ، وما شهد العراق من  حقب متنوعة: دكتاتورية واحتلال  وحروب متتالية،لكن ذلك لم يوقف تجدد الشعرية العراقية، واستمرار النصوص التي ترفد النوع الحديث، وتعمق الوعي باشتغالاته وآلياته، بجانب كون قصيدة النثر  خاصىةً، قد أخذت مكانتها في الكتابة الشعرية في سياق  الشعرية العراقية التي اعتادت التغييرو التحول بدرجات متفاوتة ، عبر موجات متلاحقة زمنياً وفنياَ ،حتى عرفت في الشعرية العربية ودراساتها أنها دائمة التجدد الذي  ترسخ  عبر منجزات الرواد وأجيال الشعر التالية لهم، وبقاء المساحة مفتوحة للكتابة التقليدية- الملتزمة بتقاليد فنية وجمالية موروثة- .ولكن كتابة قصيدة النثر اندغمت في الحداثة الشعرية وسجلت  استباقها التنظيري ، حيث صدرت في العراق  أول ترجمة كاملة لكتاب سوزان برنار( قصيدة النثر من بودليرإلى أيامنا )  بترجمة الدكتور زهير مغامس بعد  نشره عدة كتيبات ضمت فصولاً من الكتاب.

رغم أن لبنان كان أسبق في اقتراح قصيدة نثر عربية، فكانت بعض آراء  سوزان برنار، المجتزأة من كتابها ، كما ظهرت في مجلة (شعر) اللبنانية  بتعليق وتعقيبات وتحمس من أدونيس وأنسي الحاج،  أشبهَ بمانفستو، تمترس خلف المقتطفات منه شعراء قصيدة النثر في جيلها الأول ومن تلاهم إلى حد كبير.

كما دأبت مجلة (الكلمة )التي تصدر في النجف على نشر نصوص من قصيدة النثر وبعض التعليقات والمقالات والآراء  حولها ، حين لم تكن المنابر الرسمية تسمح بذلك لفترة طويلة ، معتبرة قصيدة النثر نوعا لا شعرياً ، أو مشاغباً ومخالفاً للأعراف الشعرية في أفضل الحالات.

وكذلك لم تكن الجامعات تقبلها موضوعاً للدراسات الأكاديمية ، أو فصلاً في مناهجها المقررة ،والمناهج الدراسية عامة فضلاً عن الرسائل  والبحوث الجامعية.

ولم يكن التقلييديون وحسب هم المعترضون على كتابتها، بل أسهم المجددون شعراء التفعيلة (الحر) في ذلك. ودونت نازك الملائكة ذلك في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) مفندة شعرية قصيدة النثر ونافيةً عنها صفة الشعر.واعترضت على هيئتها الخطية لأنها تعدها نثراً، يجب كتابته سطرياً كالنثر، وليس  بيتياً كما في الأنواع الأخرى،فترى( أن القصيدة إما أن تكون قصيدة وهي إذ ذاك موزونةوليست نثراً،وإما أن تكون نثراً فهي ليست قصيدة).(2)

لكن الشعرية العراقية المعروفة بتعرضها للتغيرات والتجدد والتحديث في تاريخها الطويل ، تمكنت من تقديم مقترح قصيدة النثر بإصرار ومثابرة ، ماجعلها بعد جيل ريادتها مقبولة بشكل واسع. وتعددت مناخاتها وأساليب كتابتها ، كما تعددت وتنوعت مرجياتها المؤثرة التي كانت  فاعلة في كتابات الأجيال المتلاحقة من الشعراء العراقيين. كما  ابتكرت موضوعات ليست تقليدية، لتكون مندرجة ضمن كيفياتها البنائية .وهذا يؤكد كون المحتوى في قصيدة النثر هو جزء من شكلها وأسلوب كتابتها .وليس غرضاً منفصلاً. فظهرت النصوص المستفيدة من السرد، والتي تجعل اللغة محورها،أو تتبنى الأشكال والتراكيب النوعية التي تخف منترهل الملفوظ النصي وتكثف دلالاته؛ كالهايكو والشذرات.كما برزت أنواع كتابية تسغني عن الديوان كمجموعة قصائد ، مكتفية بنصٍّ واحد مجزأ أو متصل. فضلاً عن جمالياتها المتنوعة التي سنقف عند بعضها في الصفحات التالية.

ومن ذلك الانتباهُ إلى القصيدة في حال تشكلها واصطناع الحوار معها، أو وصف تخلقها وبسط مفهوم الشاعر لكينونتها ، مما يدخل في الميتاشعري ،ولكن في مجال القصيدة تحديداً ،كنص ذي ملموسية وتعينات بنائية .

وهنا نفرق بين الشعر الذي تستهلكه المنظومات التقليدية حتى المعاصرة منها، وتصطف خلف تصوراته المتوارثة لغة وإيقاعاً واشتراطات  خطّية ،أي البيت بشطريه وقافية القصيدة الموحدة،و بين القصيدة التي تتبنى النص ولوازمه الحرة من القيود المسبقة ،والتي تنصرف إلى راهنها وما تقترحه التبدلات النوعية من كتابة

تحاول  الانغماس في حداثة، تجد موضوعاتها في كثير مما لم تعهده الشعرية العربية التقليدية، وبأشكال لا تكرر أو تستعيد القوالب الجاهزة.

وتحاول هذه الدراسة بيان ما قدمته قصيدة النثر العراقية من خصائص فنية وموضوعاتية في مجال الميتا شعرية.لا سيما وأن فيها محصولاً نصياً كثيراً ، وتنوعاً في  المعالجة ، وفي الهيئة التي تبدو فيها قصيدة النثر المكتوبة عن القصيدة.

إذ كما أعيدت الهيبة لذات الشاعر وحضورها في القصيدة من زاوية الرؤية الذاتية ووجهة النظر الخاصة ، أخذت أنا القصيدة حظها من ذلك الحضور.وكأنها معادلة متوازنة: يحضرفيها صوت الشاعر لا الجماعة، كما تبدو القصيدة شيئاً متشكلاً متعيناً بملموسية ، فتجترح شكلها ،وتغير آفاق القراءة والتلقي،  فضلاً عن برنامج الكتابة الشعرية نفسه. فالقصيدة هنا تفكر بنفسها أو يضعها الشاعر داخل ذاتها النصية ، فتتكون عندنا قصيدة داخل القصيدة.وتتكلم أو تستجيب لحوار الذات الشاعرة، وتلتفت إلى الذات القارئة ، وتتساءل , ويتم سؤالها بصوت الشاعر،والبوح بهويتها المتخيلة ، وشروطها غير المدونة.

وربما سيطرأ اعتراض على الاهتمام بهذا الموضوع، بحجة أن التفكر في القصيدة وخلقها ونموها وعنائها ورؤياها ، أمور يمكن بسطَها نقداً مكتوباً يقدمه الشاعر في نثرية ، وتظل مهمة القصيدة(شعرية) خالصة، تتسع كوعاء، لنقل الرسالة باتجاه موضوعها الذي يصممه  الشاعر ويختاره لها .

وأحسب هنا أن استخدام القصيدة للحديث عن نفسها يحفز الشاعر على معاينة المشكلات والقناعات أثناء الكتابة ذاتها.وهذا هو جوهر الميتا في القصيدة .أي البناء على بنيتها والتوغل في كنهها ، وصلة الشاعر بها في حال الخلق والتكون. فيغدوالاقتراب منها أكثر صدقاً وحميمية ؛لأنه يتم أثناء معاناة كتابتها.

إنها ستكون في هذا المقام الإيكاروسي قصيدةً، يصدق في وصفها ما كتبه أرشيبالد  مكليش في قصيدته الأشهر ( فن الشعر):

لتكنِ القصيدةُ صامتةً

قابِلةً لِلّمسِ

مثلَ فاكهةٍ مستديرةٍ،

بَكماءَ

كرسومٍ ناتئةٍ قديمةٍ تجسُّها الأصابعُ،

ساكتةً كالحجارةِ الباليةِ

لِعَتَباتِ الشبابيكِ

التي غطّتها طحالبُ الزمانِ.

ولتكن خلوا من الكلماتِ

كتحليقِ الطيورِ.

لتكن ساكنةً عبرَ الزمانِ

كما يصعدُ القمرُ.

لتغادرْ – مثلما يحرِّرُ القمرُ

أشجاراً تعثَّرتْ في الظلامِ

غصناً بعدَ غصنٍ.

وكما يفعلُ القمرُ خلف أوراقِ الشتاءِ-

لتغادرِ الذهنَ ذكرى بعد ذكرى.

لتكن القصيدةُ ساكنةً عبرَ الزمنِ

كما يصعدُ القمرُ.

لتكن القصيدةُ نِدّا

لا حقيقةً.

لتكن أمامَ كلِّ تاريخِ الأوجاعِ

فناءً خاليا ووُريقةَ شجرةٍ.

ولتكن للحُبِّ عُشبا منحنيا وفنارينِ فوقَ البحرِ

….

ليس على القصيدةِ أن تعني شيئاً …

 

عليها أن تكونَ شيئاً

وحين لا يكون للقصيدة معنى محدد تنفتح لشتى القراءات.ولا يعني ذلك عدميتها أو فقرها الفكري.ولا انصياعها للعب شكلية مجانية لم تثبت نجاعتها ؛ كالقصيدة الأوتوماتيكية أو الرقمية أو المكتوبة بتأثير المخدر. وتلك وسواها مقترحات أراها خارج مفهوم الكتابة كتدوين وخلق وتعيين.وقد فشلت لأنها تتصادى مع حركات ظرفية مؤقتة المفعول؛ كالدادائية.بينما تمتعت الكتابة الشعرية السريالية – كما في الرسم التجريدي الحديث-  بمفهومية مناسبة لكتابتها ،فخلف ما يمكن وصفه بالفوضى داخل المبنى في القصيدة،  ثمة متن يتكون من الملفوظ والمحذوف ، والرؤية التي توجه النص . وسنجد تعريفات للقصيدة ومطالب لكتابتها وتصورات لكنهها، تقرّبها من التعيّن المقصود في جملة مكليش الأخيرة في قصيدته، فهي( لا تعني شيئاً ، لكن عليها أن تكون شيئاً).ومن تلك الكينونة تنبثق لتقدم نفسها ، ويبحث الشاعر فيها عن ذاتها ويسائلها كأي متلقٍ لها.وقد يضع لها صفات ومزايا تعلن عن هويتها، ويتفرغ محتواها لمهمتمها الذاتية ، دون انشغال بموضوع خارجي..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*