قراءة تفكيكية لقصيدة (الهبوط إلى برج القوس)-د.رسول عدنان

 

 

قراءة تفكيكية لقصيدة (  الهبوط الى برج القوس )

 

* د- رسول عدنان

فينيكس أريزوانا

توطئة: أنا لا أعرف لمن هذه القصيدة -هكذا سأفترض- و لا أريد و ليس لي أية علاقة بصاحبها و ليس مهم من يكون فأنا أتعامل مع نص و نص فقط بعيدا عن كل العوامل والمؤثرات التي تقف خارجه – – بعد المجهود الكبير و المضني الذي رافق جمع و أعداد الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر بجهود أستثنائية كبيرة بذلتها ناقدة مثابرة مثل الدكتورة رائدة العامري لخدمة المكتبة الشعرية العراقية فضلا عن العربية في حفظ  ذاكرة  شاعر مهم في الساحة الشعرية العراقية و العربية – – أرى أنّ الشكر وحده لا يفيها حقها في مسعاها النبيل هذا بل انّنا جميعا مدينون لها بالأمتنان لهذا الجهد الأستثنائي في جمع و أعداد هذه الأعمال و بلا شك كان عملا مضنيا و لكنها أتمته على أحسن وجه و قد أخترت منها هذا النص لقراءته قراءة تفكيكية – – حيث أبدأ من مقولة رائد التفكيك جاك دريدا الشهيرة ( اذا كان التفكيك مدمرا حقا – – فليدمر ما شاء من الابنية القديمة المشوهة – – من اجل ان نعيد البناء من جديد )

منذ أن أتخذت التفكيك طريقة نقدية مهنية وأكاديمية دأبت على أن  أقوم بقراءة أي نص او كتاب اريد تفكيكه ثلاث قراءات حتى أتمكن من تحديد وأيجاد التناقضات والثغرات التي سأستخدمها الى الولوج الى عوالم هذا النص – – لا يوجد نص دون ثغرات و هذه ليست عيوب في النص بل مفاتيح له قد توحي مفردة ( ثغرة ) بأنها ضعف او قبح في النص لكن ليس في أستراتيجية التفكيك – – حيث تتحول هذه الثغرة الى منفذ الى عوالم هذا النص لأبراز مواطن القوة و الضعف والجمال والقبح فيه و اظهار ما فيه من روعة  و تكثيف صوري أو ميتالغة او ميتاشعر او أفكار بني على اساسها النص – – هي طريقة ذات نهج مركب مُعقَّد دقيق لكيفية قراءة وفهم طبيعة النصوص المكتوبة  “لا شيء خارج النص” هذا ما أتفق عليه الناقدان الفرنسيان جاك دريدا و رولان بارث صاحب موت المؤلف – – بمعنى لا يمكن ان يعتد بأيّة ظروف خارج النص و هذا يتماشى مع مفهوم ميخائيل نعيمة ( غربلة النصوص ) في التفكيك لا تستطيع ان تكوّن فكرة جاهزة للنص بما في ذلك النصوص البديهية والبسيطة لأنّ فلسفة التفكيك تقوم على مبدأ أنّ النصوص تحتوي على ثغرات وتناقضات ولذا فإن مهمة التفكيك هي إيجاد و تحديد تلك الثغرات والتناقضات ومن خلال أيجاد و تحديد هذه الثغرات يتم توسيع دائرة فهمنا لتلك النصوص – – أذن هي قراءة متقدمة و مجهريّة للنصوص

وإظهار المفارقات والتناقضات الخفية إلى العلن أو بعبارة أخرى اذا كانت بقية النظريات النقدية تقوم على قراءة السطور فأن التفكيك يقوم على قراءة ما بين السطور فهي ليست مجرد طريقة لقراءة الفلسفة اوالأدب بل تحديد و تشريح بنية العلاقة بين اللغة والفكر والأخلاق فالكلمة المكتوبة تُظهِر أموراً لا يمكن للكلمة المنطوقة أن تكشفها – – يرتكز التفكيك على اختراق المجهول من خلال الولوج إلى خفايا النص باعتباره أداة نقدية أو فضاءً فكريًا مستجدًّا مختلفًا في الأسلوب والرؤية الموجودة في النص المقروء و هذا يحيلنا الى اللجوء فقط الى النص وحده فأي أشكال او تفسيراو لبس يعترضنا يجب العودة به الى النص وحده لتفسير هذا اللبس و ليس الى صاحب النص و بذلك نتخلص من صاحب النص و من  شرحه وأعذاره و ظروفه والتي سوف يقوم النص وحده بشرحها لنا دون صاحبه بمعنى أكثر دقة نبدأ بملاحظة التناقضات والطرق المسدودة في النص دون مساعدة خارجية – –  يجب ان نبتعد عن القراءة التقليدية والتاريخية وما تتضمنه من تقسيم للعصور لأنها تبحث في مؤثرات غير لغوية مما يؤدي الى أبعاد الباحث عن الاختلافات اللغوية في النصوص – – حسب هذه الرؤيا  أنّ كل شيء يوجد في المغايرة والتأجيل وسلسلة الاختلافات أي أن النص يخلق واقعه ويفرض نفسه ويُكوِّن مجاله و عوالمه و صوره و جمالياته  من خلال اللغة المكتوبة – – و بالتالي نقوم بتفكيك الياته من داخله عبر وسيلة واحدة هي اللغة المكتوبة  فقط غير مسندة  الى المؤلف او الظروف الخارجية التي أحاطت بالنص – – كل هذا ممكن تعويضه و الأستغناء عنه من خلال طاقة اللغة المضمنة في النص – – القراءة التفكيكية ليست ما يُفهم  بشكل بسيط من النص بل هي أشياء لم تُذكر في ألفاظ النص المكتوبة وهذا يعني إنّ النصّ يحتوي على فراغات فالنص في حقيقته مكّونٌ من متاهات وهذا ما يُبنى عليه الغياب والنسيان وبذلك  فالتفكيك  يعطي السلطة للقارئ وليس للمؤلف ويركز بشكل أساسي على الكتابة بمنح القارئ سلطة القراءة و الأستنباط  ليكون أكثر قدرة على فك شيفرات النص وتركيبه وفقاً لما يريده ولما يمنحه إياه النص من اشارات و عوالم يتمّ فكّ رموزها – – من هنا فقد فتحت هذه المقاربات على النص أفاقاً كبيرة ومعانيا ودلالات لا تتعامل مع النص كونه نص استهلاكي فقط – – يعتمد التفكيك على أربعة عناصر اساسية :

1 أقصاء المؤلف و الأحتكام الى النص

2 الدخول الى النص عبر اللغة المكتوبة من خلال الثغرات والتناقضات

3 تعدد زوايا النظر للنص وأشراك القارئ في أنتاجها

4 هدم البناء القديم للنص و أنشاء بناء جديد بأستخدام ألفاظ و صور النص الأصلي

أولا: أولى الخطوات في تفكيك هذه القصيدة انّني قمت بتقطيعها إلى خمسة مقاطع ثم جزأت المقاطع الى جزيئات صغيرة تتضمن الألفاظ والتراكيب والرموز والصور الفنية

ثانيا : عملت على إعادة تركيبها و بنائها من جديد لاكمال الصورة الجديدة لها

بعد هذه التوطئة أستطيع ان أبدأ العمل و أقوم بتفكيك هذه القصيدة و التي قمت بتقطيعها الى مقاطع خمسة بعد ان وجدت ان التناقضات والثغرات ممكن ان أحددها من خلال هذا التقطيع و سوف أدخل الى كل مقطع من خلال تناقضاته التي سوف أحددها من خلال الية اللغة المكتوبة او حتى الميتالغة او الميتاشعر ان وجدت في النص و ذلك بين ما يقصد النص قوله ظاهريا وبين ما يعجزعن قوله ظاهريا

الجو العام للنص:

  • انّ مراتع الصبا والشباب طالما كانت موئلا للكثير من الشعراء و مادة خصبة و موضوعة شفافة يستعيدها الشاعر كلما يتعرض له من متاعب ومشقات في الحياة نتيجة لصعوبات الحياة و تطورها سواءا أتخذت جانبا أيجابيا او أنزلقت به الحياة الى جانبها السلبي و كلما تعرض الأنسان بشكل عام و الشاعر بشكل خاص الى هزات أجتماعية او نفسية او سياسية تولد لديه نزعات نفسية حادة يحاول ان ينقل بها الدرس والعبرة في نصه الشعري ثم يقدّم  بكلمات وجيزة و صور يستنبطها من عقله الباطن ألوانا من المعاني الخفية والتي تعكس ما عاشه من تجربة شخصية في طفولته رابطا أياها بالتجربة الحاضرة وكأنما هو يعكس الزمن الحالي على زمانه دون وعي أو بوعي وإدراك حقيقي متخذا من تلك التجربة حيزاً للحكاية التي تقصّ فرضية نشأته مع تأثير عاطفي ودرامي يتلاءم مع الدخول إلى المجهول في الحياة – – فالحياة  تتراى مخيفة  بل غريبة غير أنّها مليئة بالأشياء الجميلة والسيئة فلكل شاعر أسطورته يوظفها في أنساق خطابية تتحوّل الى شيفرة شعرية ساحرة لها طاقة أيونية  نجح الشاعر في توظيفها في قصيدته فحشد لها مفردات ذات دلالات خاصة كأنها تكرار لا ينتهي فهي العودة إلى الميلاد مرة أخرى و كأنّها محاولة لأستحضار النسيان من خلال طاقة اللاوعي للوصول او في محاولة للوصول الى ما بقي من جماليات الحياة عن طريق محاورته للأشياء التي يختزنها عقله الباطن عن طريق العودة الى البداية حيث النقاء و الصفاء و البساطة و بالتالي كان هنالك مبرر الى الهبوط الى برج القوس الذي شهد ميلاد الشاعر وطفولته – – اذن هي فعلا محاولة لترميم «ما تبقى من حياة وما ظل من طاقة في الروح التي أثقلها السير في ظلمات الوعي وشقائه وشظايا الجسد المجروح في أعماقه» – –

دلالة العنوان (  الهبوط الى برج القوس ):

  • العودة الى طفولة الشاعر من خلال برجه القوس و مفهوم الهبوط هنا يعني النزول أما مفهومها الدلالي الأستذكار او الرجوع الى عالم الميلاد الأول من خلال العودة الى البداية تأتي من خلال تثوير طاقة السرد من خلال دلالة المحكي الخاص بطفولة الشاعر وسيرته الذاتية التي لعب عقله الباطن دورا بأستحضارها عن طريق أداء بياني ممتع و تكثيف سردي صوري استطرادي لجأ فيه الى توظيف طاقة التقطيع السينمائي في عملية السرد والتي وظفها عبر الصور الشعرية التي بدأت تنساب بشكل تلقائي عفوي داخل النص مع الحفاظ على طاقة الشعر من خلال مفهوم الدفقة الشعرية التي تأخذ مداها في جميع مقاطع هذا النص لكن يبقى الشاعر ممسكا بلجامها دون ان تنزلق الى التعبيري التقريري العفوي – – أنّها حكاية عبر صور شعرية  أخّاذة  تنساب بتلقائية  يتحكم  بها و يحركها الشاعر حسب الحاجة الى رسم صورة ما يسعى لها و كأنه كمن يرسم  بالكلمات التي تكتنز طاقة الشعر عوالم تلك الطفولة و يرمم ذكرياتها بالسرد الشعري مستخدما طاقة  اللغة حينا والميتا شعر في أحيان أخرى – – هل هذا الأستذكار جاء بمناسبة عيد ميلاد الشاعر ؟ ام أنها تبعات المنفى ؟ ام غربة الروح فتحت شهية الشاعر الى البوح عن طريق ملاحقة طفولته التي خرج فيها كعصفور شوكي ليسكن برج القوس ؟ حيث أنقطع الشاعرالى تجسيد أفكاره ومشاعره بما يمتلك من قدرة على رصد تفاصيل الجمال المضمر و أستكناه بواطنه بأسلوب فريد لإنشاء صور بصرية مذهلة بهدوء وتلاحم وتوازن ليرسل الجمال للمتلقي بصوره الشعرية البسيطة التي تكتنز قوتها من شاعرية الشاعر و شعرية النص و أنسيابية  الدفقة الشعرية التي يتحكم بها الشاعر صعودا و نزولا حسب متطلبات رسم الصورة و أكتمالها فقد نجح  في أسترجاع  كل المعاني الجميلة و البعيدة في ان معا من خلال أبيات هذه القصيدة  تاركا  للذكريات نايا  ينوح  ليعيد ذاكرة الزمكان حيث قريته الطينية الرستمية و التي عمد الى وصفها بتجرد واقعي في المقطع الثالث حسب تقطيعنا من هذه القصيدة مســتعيدا فضاء القرية  التي كان الشــاعر قد ُولد فيها وغادرها مكرها ثم عمد الى أستذكارها في نصوصه تعويضا عن خســارة كبرى حدثت ذات يوم  فهي مكانه الذي بدأت به لغته و أختلطت لغته مع لغة القرية واســترجاعاته ُّ و تلك الذاكرة التي رسمت أحلامه ليحدد الشاعر البداية في النــص بتحديد جغرافيــة المـكان الــذي كان قد ولد  فيــه الا وهو القرية البسيطة بأهلها الطيبين البسطاء التعساء او كما وصفهم الشاعر ب ( دزينة فقراء ) هذه العوالم التي رسمها الشاعر تحمل لغة خاصة حافظت على مسافة بين الشعري و التقريري بحذاقة الصانع الأمهر مستفيدا من الدفقة الشعرية التي تحكم بأنسيابة أخّاذة أبيات هذه القصيدة التي عمدت أنا- كناقد – الى تأطيرها بأطر تفكيكية لتظهر كلوحة تزّين جدارن الشعر العراقي و العربي معا

 

 تقطيع النص و تفكيكه

 

المقطع الأوّل

صباحا طلعت

متشبثا بمشيمة فلاحة

هبطت بها من بغداد

الباصات الخشبية

و قحط المزارع

و الجراد

على حد عام يحتضر

كما لو كنت أنتظر صمت المدافع

و أنتصاف القرن

و أكتمال الأولاد الخمسة

قبل أن يصبحوا دزينة فقراء )

————–

سأقسم هذا المقطع الى قسمين :

الأول وصول تلك الفلّاحة في باصات خشبية قادمة من بغداد الى قرية زراعية يخط ملامحها القحط و النأي عن المدينة  فالزراعة و الريف تعني أشياءا كثيرة منها الطيبة و التلقائية و الجهل و البساطة و الفقر و القحط – – لكن من هي هذه الفلاحة التي جاءت بالباصات الخشبية ؟ هذا هو التناقض الذي أنتظره كي أدخل الى النص- – هل هي الأم التي تحمل بمشيمتها ذلك الطفل الذي ولدته صباحا في قرية طينية يلفها القحط و الجراد ليصبح من مواليد برج القوس- – ام أنّه يتحدث عن أمرأة مجهولة محاولا أستدراجنا الى أستنتاجات من خلال التجريد الدلالي او المحكي المستنبط من خلال الأيحاءات و الأشارات التي جاءت بها أبيات هذا المقطع فكل ما نعرفه عنها : أنّها فلاحة جاءت من بغداد  بباصات  خشبية – – اذن لا بد من فكّ شفرة هذه الدلالة من خلال الجزء الثاني من هذه المقطع الذي يبدأ ب ( على حد عام يحتضر ) من خلال هذه الجملة التي أتخذناها ثغرة الى فهم الدلالة في الجزء الأول من هذا المقطع – – فما هو مفهوم العام في هذا البيت ؟ هل هو العام الذي ولد به الشاعر؟ ام انّه يصف عام اخرغير معرّف كواحد من الأعوام – – لكن وصف العام ب يحتضر يحيلنا الى الدلالة الأولى وهي المعاناة في الولادة و هذا ما يفسر لنا أنّ المرأة التي جاءت في باصات خشبية هي الأم التي قضت عام يحتضر وهي فترة الحمل و هذا ما سيقود دخولنا من ثغرة ( لغوية ) هذه المرة متمثلة بالفعل الماضي الناقص ( كنت ) حيث أنعطف الحديث الى الشاعر من باب السرد ( كما لو كنت أنتظر صمت المدافع ) و انتصاف القرن الذي ولد فيه الشاعر

و أكتمال الأولاد الخمسة و هذه دلالة أخرى قد نفهم انّ هؤلاء الخمسة من الأولاد هم أخوة الشاعر الذين تحوّلوا فيما بعد الى عدد مضاعف ( دزينة ) و مفهوم الفقر الوارد في البيت هو الفاقة و العوز اللذان طالما يعاني منهما المجتمع الريفي الفلاحي من أهمال و عدم أهتمام لكونهم بعيدون عن مركز المدينة التي تعج بالخدمات و الأعمال – – الواضح في هذا المقطع هو تلك التوليفة من الفكرة و طاقة السرد التي تكتنزها هذه الأبيات مستفيدا من التقنيات الأسلوبية كتوظيف السرد الحكائي و العلاقات اللغوية  ببعديها الدلالي و النسقي معا رابطا كل هذا بالزمكان عبر المكونات البنائية مستنفرا الميتالغة في نسيج متماهي متماسك لنسج خيالي أخاذ يأخذ من الماضي أيقونة للحاضر في محاولة لرسم مشاهد درامية عن حياة ماضية تمّ أستحضارها عبر ألية السرد الدلالي مستفيدا من التقنيات الأسلوبية و المكونات البنائية التي وظفها بعناية فائقة عن طريق رسم الصورة عبر الية  التقنيات التعبيرية التي نجح الشاعر في توظيفها للأرتقاء  بأسلوبه السردي  هذه التقنيات حولت هذا السرد الى رفض للتصور التقليدي من حيث الأرتقاء في رسم عوالم منظومة  شعرية تأخذ حيزاً في فضاء التركيب النسقي حيث يتم تحديد مستوى الكثافة للصورة الشعرية تبعاً لذلك التركيب النسقي الذي ترك آثاره الواضحة في هذا المقطع

 

المقطع الثاني :

هكذا

و المطر يغرق الشوارع

و يزيد كانون الأوّل بردا و شحوبا

طلعت صباحا

نحيفا كعصفور شوكيّ

لأسكن برج القوس المكسور دائما

و لكن – – أمام الصفوف

في طوابير الصباح المعذب بالنعاس والجوع

و البرد

————-

يبدأ المقطع الثاني ب هكذا و التي تعني فيما تعنيه الأستمراية او كلمة وظيفيَّة مركَّبة من (ها التَّنبيه )( و ك) التَّشبيه و (ذا) اسم الإشارة ومعناها: على هذا النحو او على هذا المنوال أمّا  وظيفتها  فهي الأستمراية أستخدمها الشاعر ليستمر في سرده و تتبع ذلك السياق البلاغي في النص الشعري وتركيبه من الناحية الإسلوبية  وحضور مكوناته البلاغية  داخل سياق تركيبي ثم تحديد المستوى الدلالي من حيث الأرتقاء في رسم عوالم منظومة شعرية متجانسة – – و في محاولة لرسم صورة أكثر وضوحا في نصه يعمد الشاعر الى وصف حالة الطقس في كانون الأول وهو من الأشهر الباردة في فصل الشتاء حيث أغرق المطر الشوارع و زاد الوجوه والحياة  شحوبا في هذه الأجواء و في هذا الفصل و في هذا الوقت و اقصد ( الصباح )  ولد الشاعر الذي أستفاد من طاقة حرف التشبيه ( الكاف ) ليصف لنا طريقة مولده

طلعت صباحا

نحيفا كعصفور شوكيّ

و بما أنّ مواليد شهر كانون الأول هم من مواليد برج القوس حسب التقويم الفلكي- – هذا ما دعا الشاعر الى ان يصرّح بقوله ( لأسكن برج القوس ) مستعينا بالأداء الصوتي للمفردات و الحركي للصورة الشعرية التي تحاول جرّنا الى تساؤل قد نطرحه هل هي محاولة من الشاعر الى خلق ميثولوجي  يتخذ من طاقة  السرد و شعرية الصورة أساسا الى تأثير عاطفي  يوظفه في  فكرة القصيدة التي  يسيطرعليها ؟ أبتداءا من المكان ( القرية ) الى الخوف و عدم الطمأنينة من  المجهول في ظل العوز الذي تفسره هذه الثغرة التي أتخذناها مدخلا الى تحليل هذه المقطع :

أمام الصفوف

في طوابير الصباح المعذب بالنعاس والجوع

و البرد – –

الأحالة في أستكناه هذا السرد تقودنا الى المصير المجهول و الى عدم الطمأنينة من مستقبل غامض تساؤل طرحه الشاعر واصفا ما ينتظره من غموض في معترك الحياة المقبل حيث عمد الى استخدام المؤثرات الصوتية و البصرية التي تعكس جو الغموض و الخوف والأيحاء بالخطر الخارجي في صباح معذب بالنعاس و الجوع و البرد و ما ينتظر تلك الطوابير – – و هذه الأشارة قد تقودنا الى أكثر من تفسير – – هل هي صفوف و طوابير الصباح المدرسية التي أنتظم بها الشاعر في قريته الطينية ؟ ام هي طوابير الناس الذاهبين الى أعمالهم وهم يواجهون معترك الحياة في البرد أتقاءا للجوع ؟ وبما أنّ التفكيك  يعنى بالبحث عن التناقضات في النص الأدبي، حيث وجود أي تناقض في النص سيكون بمثابة معول لهدم معناه القديم لبناء معنى جديد – – سأتخذ من هذا سببا لأشراك القارئ في تفسير عوالم النص بعد أن قدمت له أكثر من قراءة لأيّ من مقاطع هذا النص بتعدد زوايا النظر و أستكانه معناه أنّ النص بهذا الشكل ممكن تفسيره لأكثر من معنى و ذلك عن طريق القراءة التحليلية له حيث يمكنّنا من الكشف عن حضور الدلالة و كذلك من خلال  تفكيك  بنية الشخصيات أو بنية الحدث أو بنية  اللغة و يتم تركيبها في معان و تفسيرات جديدة من خلال تأويلات تعدد زوايا النظر اليه و أشراك القارئ في تحديد المعنى – – اذن تحويل الدلالة المركزية للنص الى دلالات متعددة عن طريق تفكيك الدلالة الوحيدة في النص هي التي ستقودنا الى أعادة بناء النص و تشكّله بحلة جديدة

المقطع الثالث

سأنشد شوقي

( و للحرية الحمراء باب

بكل يد مضرجة يدقّ )

و لا افقه المسالة

فلم أبصر الأيدي

و هي تلوي على ذلك الباب

مكسرة الأصابع

كنت أقول بصراخ بائس و كأنني أتمدد خارج جسدي

بلادي

فتفتح في الذاكرة

كوى الجب – – يدخله ألف يوسف

و الحب

———-

عمدت الى تقسيم المقطع الثالث الى جزئين للضرورة التحليلية مستعينا بتقنية التقطيع السينمائي للصورة اوالحدث معا يبدأ الجزء الأول بتضمين شعري لأحمد شوقي كمدخل الى الجزء الأول بأن الحرية لا يمكن ان تنالها الشعوب الا بالنضال و الدم و الثغرة التي أوجدتها في هذا الجزء هو التساؤل الذي يطرحه الشاعر:

و لا افقه المسالة

فلم أبصر الأيدي

و هي تلوي على ذلك الباب

هذا التساؤل يقودنا الى ما يرمي اليه الشاعر؟ فعن اية حريّة يتحدث؟ هل هي حريته الشخصية ؟ ام حرية الوطن الذي كان يقبع  تحت حكم  دكتاتوري صارم؟ فهو يقف متسائلا في حيرة أين تلك الأيدي و هي تلوي او تهوي على باب الحرية التي صاردها الحكم الأستبدادي؟ من سيفتح هذا الباب الذي أوصدته الأجهزة القمعية حيث تركت الشاعر يصرخ خائفا على بلاده – – و من خلال فجوة أخرى أستطيع ان أربطها بالحدث ان هذا النص كتب عام 1998 في منفى الشاعر ( اليمن ) بعيدا عن وطنه الذي أضطر الى مغادرته  نتيجة لفقدان الحرية التي لم ير شعبه يدق بابها و نتيجة للوضع المادي الذي الت اليه الأمور الأقتصادية في بلاده ( العراق ) في تلك الفترة مما أضطره الى مغادرة البلد الذي يرزح تحت وطأة دكتاتور أتى على كل شئ فيه – – و هكذا نستطيع ان نربط الحدثين معا مغادرة الشاعر لوطنه و تساءله عن غياب الحرية و عن الشعب الذي يطالب بها!! مستفيدا من الميثولوجيا القرانية من خلال قصة يوسف و كيف ألقاه أخوته في البئر الذي قاده فيما بعد الى ان تتعلق زليخة زوجة العزيز به و هو ما يفسر أيراد الشاعر الى مفهوم الحب – -و لعلّ مفهوم البئر هنا هو المنفى او المصير الذي قاده اليه أبناء بلده الذين يتسلطون على الناس بالقوة و يصادرون حرياتهم و يمثلون بهم في طرق شتى منها التشريد الطوعي او القسري هو جزء من هذا المنفى الذي وصفه الشاعر بالبئر والذي جعل من الشاعر ان يختار منفاه الطوعي للعمل في اليمن و هو ما يبرر سؤاله عن الحرية و أستشهاده ببيت أحمد شوقي تحيلنا هذه الأشارات الى فكّ شيفرة هذا المقطع بجمعها سوية

الحرية الحمراء + فلم أبصر الأيدي + و هي تلوي على ذلك الباب + أقول بصراخ = بلادي

الأحالة في هذا المقطع واضحة وهي الأنتماء الوطني الى الوطن الذي أستبيح من قبل الحكم الشمولي و صادر الحريات فلم  تعد هنالك  يد تستطيع ان تطالب او تدقّ باب الحرية لا بشكل مسالم و لا بشكل صدامي قد يقود الى سفك الدماء من أجل نيلها – –  فالشاعر يصرخ من داخله و يتحسر على ما ألت اليه أحوال بلاده و التي قادته الى مغادرة بلده الى منفى أختياري بحثا عن الأمان

——-

بوردة دفلى فقيرة

و برد شباط

و لكي ندفأ

كنا ننفخ عبثا في راحاتنا

و نضرب أفخاذا يكشفها سروال مهتريّ

و وحيد

ثم نسير صفوفا كخيط نمل يبحث عن حبة

ندخل قاعات الدرس الطينية

نتشمم رائحة البيض الفاسد

و حبوب زيت كبد الحوت الكريهة

و بقايا الخبز

في فسحة التغذية المجانية

ثم نغني رافعين روؤسنا الحليقة الى سقف

طيني تشاركنا فيه العناكب و الأرضة

نغني لذلك العلم المترنح في الريح

عش هكذا في علم ايّها العلم

عش هكذا

———–

يبدأ هذا الجزء بوصف واقعي أخّاذ مستنفرا طاقة اللغة الوصفية بتلقائية الدفقة الشعرية دون ان ينزلق الى اللغة التقريرية من خلال ما يكتنزه العقل الباطن من ذكريات يطلقها – – حيث تقود الشاعر الى قريته الرستمية حيث ورود الدفلى المنتشرة على طرقاتها وما يحدثه برد الشهر الثاني من كل عام ( شباط ) حيث تصطكّ أفخاذهم من البرد و كل ما يغطيها سروال مهترئ دلالة على الفقر و العوز الذي يعيشه أهل الريف من خلال صورة الطلاب اللذين يسيرون منتظمين الى قاعات الدرس كخيط نمل و هي استعارة جميلة تصف الطريقة التي يسير بها النمل بشكل منتظم كأنهم  يبدون للناظر اليهم خيط متصل فقد أستعار النمل بصغر حجمه كناية عن صغر الطلاب و أستعار أنتظام مشي الطلاب في الطابور الصباحي بمسير النمل بشكل منتظم – -الملاحظ في هذه الصورة ان الشاعر رفض التصوير التقليدي لمنظر الطلاب و هم يدخلون يسيرون الى قاعة الدرس فحوّل هذه الصورة الشعرية وهي عنصر من عناصر الدلالة دلالة على رفضه للتصور التقليدي  من حيث الأرتقاء في رسم عوالم منظومة شعرية هذه الإزدواجية من الصور وهي تأخذ حيزاً في فضاء القصيدة تعطينا قاعدة بنيوية موازية للبنية الدلالية

هكذا كانت تقاليد الطلاب في ذلك الزمن حيث يستمر الشاعر بسرد واقعي مفصل الى تلك الحياة التي اعادتها له طاقة الأختزان في العقل الباطن فهو يتذكر كل شئ ( القاعات الطينية ) و ( رائحة البيض الفاسد ) و( حبوب زيت كبد الحوت الكريهة) و ( و بقايا الخبز في فسحة التغذية المجانية ) انّه شريط سينمائي يمرّ عبر الية السرد من خلال طاقة اللغة الشعرية دون الأنزلاق في السرد المباشر و هنا تكمن قوة الشاعرية لدى الشاعر في أمساك لجام الدفقة الشعرية دون ان تنزلق الى اللغة العادية التقريرية – – وفي مقطع واقعي ينقله لنا عبر مفهوم أستعادة الحدث بوصف رائع أخاذ

ثم نغني رافعين روؤسنا الحليقة الى سقف

طيني تشاركنا فيه العناكب والأرضة

هذه هي حال القرى النائية عن مراكز المدن تعاني من الأهمال و عدم الأكتراث بل عدم الأهتمام لاحظ وصفه الدقيق تشاركنا فيه العناكب و الآرضة – – فما بالك ببقية الخدمات و التي المفروض ان تكون متوفرة كأبسط متطلبات مفهوم التعليم – – انّ تتابع هذه الصور الداكنة في ذاكرة الشاعر وهو يحتفي بعيد ميلاده تنمّ عن تقنيات تعبيرية نجح الشاعر في توظيفها للأرتقاء بأسلوبه وفقا لمنظور تقني ينطلق منه في بناء نصه حيث تكمن قدرته علي الإفصاح و الأرتقاء بالألتقاطات العابرة موظفا المحسنات البديعية من أستعارة و كناية و تشبيه في رسم صوره الشعرية  بأتقان  تام  صعودا الى الواقعية السحرية

 

المقطع الرابع

 

و لتنخفض سقوف بيوتنا المضاءة بالفوانيس

و لتنهدم قرانا

يأخذها الفيضان يوما في عام 1954 لنصبح في

عداد المنكوبيين

و اذكر هذه الطرفة

عام 1957 كثير منكم ايها الأعزاء لم يكن قد ولد بعد

أخبرنا مدير المدرسة

و الأرض لا تسع قدميه فرحا

ان الملك سيزور قريتنا

بعد ان يحضر حفلا لصيد ابن اوى

————-

يبدأ الشاعر أستعادت فضاء القرية التي ولد فيها ذات السقوف  البسيطة المنخفضة التي كانت الوسيلة الوحيدة لأضاءتها هي الفوانيس البدائية – – و بالعودة الى موقع قرية الشاعر الرستمية حيث تقع الرستمية بجنوب شرق بغداد في جانب الرصافة مطلة على الجانب الغربي من نهر ديالي المتفرع من نهر دجلة

الذي طالما كان يفيض و يغرق المدن فضلا عن القرى الطينية البسيطة المطلة عليه و على الأنهر المتفرعة منه و منها قرية الشاعر – – التي تكون هدفا لفيضان النهر حيث تحول أهلها الى مشردين منكوبين داخل وطنهم – – و قد عمد الشاعر الى أدراج التأريخ المعروف لأحد أكبر الفيضانات التي ضربت بغداد و القرى المجاورة لها في العام 1954

ثم يستمر المقطع موظفا طاقة السرد مستفيدا من طاقة اللغة الشعرية دون الأنزلاق الى اللغة التقريرية الى أستدراج الحدث عن طريق الية الميتاشعر في أسترجاع ذكرياته المدرسية و ما قاله مدير المدرسة عن زيارة الملك الى قريتهم التي تحيطها البساتين و تكثر بها الطرائد نتيجة لوفرة المياه و الزرع و الخضروات لذلك كانت هذه الجغرافية المحيطة ببغداد مستجما و مسرحا للخلفاء العباسيين يتخذونها للصيد لذلك وظف الشاعر بفطنة و دراية جملة ( بعد ان يحضر حفلا لصيد ابن اوى  ) في مكانها المناسب حيث توافق الحدث و تستدرج القارئ و تشدّه الى متعة النص و ابقائه في وضع الأنسجام و التهيأ لما بعد – – أي انّ الشاعر يقود القارئ او يهيّأه الى القادم تماما كما تفعل الموسيقى في الدراما أنّها تهيّا المشهد الى المفاجأة القادمة او الحدث المرتقب و هذا ما كنت أعنيه في مفهوم ( التقطيع السينمائي ) الذي يلتجأ اليه الشاعر لأضفاء التشويق و الأمتاع و عدم أعطاء اية فرصه لقارئه قد تقوده الى الملل من قراءة النص و هنا يكمن مفهوم ( الدربة ) حسب تعبير حازم القرطاجني و كما يفعل المخرج الماهر في رصد تفاصيل دقيقة لفيلمه عمد الشاعر الى رصد حالة مدير المدرسة و كيف أخذته النشوة و الفرحة بخبر زيارة الملك الى درجة ( الأرض لا تسع قدميه فرحا ) هذا الرصد الدقيق هو ألتقاطات فنان ماهر متمرس عمد الى توظيفها في لوحته كي تخرج خلقا رائعا أضفى على هذا النص روح الواقعية السحرية ( الحدث زائد تصرف الفنان به ) هذا تماما ما ألت اليه صور هذا النص من وصف دلالي رائع بموهبة و دربة معتقة بالأبداع

 

المقطع الخامس

 

تغير كل شئ في قرية الرستمية و أزقتها

الترابية

و دعيت لأكون ضمن فرقة الأنشاد

معلم الأنجليزية القصير في جثته الضخمة

الآشورية الذي يتكلم الأنكليزية صافية تثير

ضحكنا

وي ار سكول بويز

ان رستمية

ان بغداد ان اراك

اور كنك فيصل

هذا ما ظل عالقا على جدران الذاكرة من النشيد

لكننا أطفال القرية

و بعد أن ألغيت زيارة الملك لأسباب لا نعلمها

حتى الآن

صرنا نقرأ النشيد كل عاشوراء

حين يضاعف السواد كأبة ليالينا

وسط مواكب العزاء

موقعين على صدورنا العارية

بين دهشة الكبار و لعناتهم

وي ار سخول بويز

كان ذلك كله

قبل ان ينغلق ابدا باب شوقي

و تنكسر سارية العلم

كان ذلك

قبل ان تتهدم القرية

و يكبر الصغار و تتفرق بخطاهم الطرق

و تشيب السوالف و ألأرواح و الأفئدة

————-

صنعاء – كانون الأول 1998

——————————————————–

في المقطع الأخير من هذه القصيدة التي أعادت الشاعر الى عوالم قرية كان  قد ولد و نشأ فيها ثم غادرها  حيث عمد الى أسترجاعها  في نصوصه  فهي مكان الطفولة و البراءة و الصبا المتألف مع لغته و نشأته و بيئته واســترجاعاته ُّ التي قادته إلــى الــحلم وقد انتهى النــص بتحديد جغرافيــة المــكان الــذي كان فيــه و هي قرية الرستمية مسميا ايّاها هذه المرة بعد أن أشار اليها في بداية النص رمزا بالقرية دون تسميتها و في هذا دلالتان :

الأشارة الأولى بعدم تسمية القرية لأنّه كان لازال طفل و لا يعرف أسمها فاشار اليها بمسمى عام في بداية القصيدة الا و هو ( القرية )  و الأشارة الثانية:  أنّه بعد انّ كبر عرف انّ أسمها الرستمية لذلك صرّح بالأسم في نهاية القصيدة أي في المقطع الخامس حسب تقطيعنا وهي ألتقاطه في منتهى الذكاء من قبل الشاعر – – في هذا المقطع تنزلق اللغة الى السردية حيث تلاشت تماما الميتالغة في هذا المقطع و كأن النص يأخذنا الى نهاية قصته التي مهدّت لها بقية المقاطع الأربعة – – هذه اللغة السرية ظلت محافظة على قوتها دون ان تنزلق الى التقريرية السطحية – – بل ظلت لغة تكتنز قوتها من خلال أنسيابة السرد و تدفق الصورلا تقريريته – – يبدأ هذا المقطع بتهيأة المشهد عن طريق دلالتين

1 ( تغير كل شئ في قرية الرستمية و أزقتها الترابية )

2 ( و دعيت لأكون ضمن فرقة الأنشاد )

فهنالك شخصية مهمة ستزور هذه القرية و بالتالي يجب أن يتمّ تهيأت المدينة لتليق بزيارة الملك – – هذا التوظيف يخدم الفكرة و يجعل من الصور الأكثر مصداقية ( واقعية ) في مفهوم القص ترتقي بالنص و تقويته مهيّأة ايّاه الى الميتالغة عن طريق الطرفة التي جاءت عبر ( معلم الأنجليزية  القصير في جثته الضخمة الآشورية الذي يتكلم الأنكليزية صافية  تثير ضحكنا ) حيث يحاول الشاعر أستدراج القارئ عبر ألية القص الى منطقته الى ما يريد ان يصل اليه لذلك عمد الى تحويل الجملة الأنكليزية الى العربية محاولا أستغلال طاقة القافية او حرف الروي ( الواو ) فحوّل جملة

We are school boys

In rustumiya

In Baghdad Iraq

Our king faisal

 

وي ار سكول بويز

ان رستمية

ان بغداد ان اراك

اور كنك فيصل

و التي سيتم أستخدامها الى مفهموم المفارقة المتلبسة بالسخرية او عن طريق المزاوجه بين ( سكول و سخول ) فالأولى في لغتها الأنكليزية تعني المدرسة بينما تعني الثانية في لغتها العربية الماعز لكن أستخدام مفهوم طاقة الميتالغة موظفا في الميتاشعر جعل من هذه المزاوجة بين المفردتين بأستخدام طاقة الميتالغة و الميتاشعر كانت نتيجة الحسرة او كردة فعل على عدم أتمام زيارة الملك التي جعلت الحزن يسيطر على الطلاب و يقودهم الى السخرية بالمزاوجة بين المفردتين ( سكول و سخول )  حيث قادهم الحزن فيما بعد الى  أستحضار الطقوس الدينية الشيعية وسط مواكب العزاء من خلال الضرب على الصدور جاء هذا بعد أن أصابت الدهشة الكبار و جعلتهم يصبون اللعنات على عدم أكمال زيارة الملك حيث تبدل الطقس الأحتفالي المفرح الى طقس عاشورائي حزين و أستبدال النشيد المفرح الذي أعدّ للزيارة باللغة الأنكليزية الى أناشيد دينية حزينة متمثلا بما يرافق مناسبة عاشواء من أناشيد حزينة لذلك أستعان الشاعر بالميتالغة ليعبرعن حزنه و سخريته من خلال القافية و حرف الروي ( الواو ) في  ( سكول و سخول )

صرنا نقرأ النشيد كل عاشوراء

حين يضاعف السواد كأبة ليالينا

وسط مواكب العزاء

موقعين على صدورنا العارية

بين دهشة الكبار و لعناتهم

وي ار سخول بويز

 

و لعل النص يحاول اخذنا الى مفهوم عكسي هذا المفهوم ذو طبيعة لغوية متراكبة تجلت في هذا المقطع مثلا ( بين دهشة الكبار و لعناتهم )- – حيث ربط الحزن في عدم أتمام زيارة الملك بالحزن في أيام عاشوراء لدى الطائفة الشيعية المسلمة حيث يستحضرون أحداث معركة الطف و كل الماسي التي دارت بها كتقليد سنوي و قد نجح الشاعر بأيصال الفكرة حول مفهوم الحزن و ربطه بالخيبة التي رافقت عدم أتمام زيارة الملك – – و هكذا يعود الشاعر الى ربط نهاية القصيدة في بدايتها عن طريق توظيف ما بدأه بالأستشهاد بأحمد شوقي و مفهوم الحرية الذي وصفها في بيته الشعري المشهور ثم بتحية العلم الصباحية التي بقي العمل بها الى الآن في مدارس العراق  ( عش هكذا في علم ايّها العلم ) و قد شهدناها جميعا في الطفولة – – و بأسترسال رائع يعيد ربط  نهاية القصيدة ببدايتها عن طريق ألأتسعانة بأستشهاده بأحمد شوقي عن الحرية

(قبل ان ينغلق ابدا باب شوقي) – – الدلالة في هذه البيت ذات أشارات كثيرة منها زوال الديمقراطية التي كانت سائدة في العصر الملكي او اشارة أخرى عن سيطرة الدكتاتورات وأغلاق باب الحرية و لا أيادي تستطيع ان تدقه ( تفتحه ) و هذا ما يجعل الشاعر يوظف مفردة ( ابدا ) و الذي قادت الشاعر فيما بعد الى مغادرة وطنه الى اليمن حيث بدأ بكتابة هذه القصيدة مستنفرا طاقة الشعر عن طريقه ما يختزنه العقل الباطن في بيت  شوقي لكن الأحداث تترى فتزول القرية الطينية و يكبر الصغار و تتفرق بخطاهم الطرق و تنكسر سارية العلم بزوال القرية الطينية التي تضم المدرسة التي تحتضن سارية العلم

عوالم القصيدة

تنقسم هذه القصيدة الى فترتين :

الأولى : هي فترة الولادة و الطفولة و الصبا وهي في قرية الرستمية في العراق أبان العصر الملكي و هذا ما أوحت به أبيات القصيدة حول زيارة الملك و الكيفية التي تمّ التهيّا لها و تبعات ألغاء هذه الزيارة على أهل القرية و مدرسة الشاعر و كيف تحولت طقوس الفرح و أناشيد الأستقبال التي تمّ أعدادها بعناية تليق بالضيف و هو الملك و كيف أنعكس ألغاؤها الى حزن خيّم على القرية و أهلها و كيف قادهم الى السخرية وحتى أنّ طلاب هذه المدرسة و منها الشاعر كانوا يسخرون بحزن و يزاوجون بين اللفظ الأنكليزي لمفردة سكول و التي تحولت من شدّة الحزن و الألم من ألغاء الزيارة الى سخول و كل ما رافق هذه الفترة من وصف لطريقة الولادة و النشأة و أجواء المدرسة و صف سقوها بدقة متناهية و تستمر هذه الفترة حتى هدم القرية الطينية و المدرسة و سارية العلم

الثانية: و هي مغادرة الشاعر الى وطنه و أستقراره للعمل في اليمن 1998 و هناك كتب هذه القصيدة بأستعادة كل مخزون عقله الباطن من ذكريات حول ولادته و نشأته و طفولته و قريته و مدرسته و هنالك أيضا استعادة بيت أحمد شوقي حول الحرية الحمراء و أستطاع أخيرا ان يصرّح بموقفه من الوضع السياسي بوطنه – بشكل رمزي- في أشارات كثيرة منها زوال الديمقراطية التي كانت سائدة في العصر الملكي وكيف تبدّلت الى سيطرة الدكتاتورات وأغلاق باب الحرية و لا أيادي تستطيع ان تدقه ( تفتحه ) و هذا ما يجعل الشاعر يوظف مفردة ( ابدا ) – – هذان الموضوعان هما أبرز ما جاء في قصيدته و التي أستخدمها فيها الواقعية السحرية و قد خلت القصيدة من تعقيد في جانبها البلاغي او البياني او اللفظي بل أستخدم لغة السهل الممتنع في سرب أغوار عالم قصيدته و الوصول الى فكرتها بسلاسة عبر خط بياني من خلال أمساك الدفقة الشعرية بحرفية الصانع الأمهر

الخصائص الفنية للقصيدة

أول شيء يلفت النظر عند قراءة هذا النص هو اللغة او ما تكتنزه او ما تخفيه من دلالات أيونية  حيث اللغة المستخدمة لغة غير عادية هي ليست اللغة المعتادة المستخدمة عادة في كتابة الكثير من النصوص الأدبية بل هي لغة شعرية مملوءة بالصور و الخيالات إلى جانب بعض الرموز و الغموض وهي سمة مهمة من سمات النص الرمزي  ثم النظر إلى مركزية الكلمة أو العقل التمركز حول الكلمة أو العقل هو ما حمله النص من معنى لغوي أو فكري أو وجودي طبيعي من منطلق شخصي وهو المنطلق المبنيّ على القياس في تفسير الأشياء والذي من خلاله يتم إضفاء شرعية على الخطابات أو النصوص من خلال إثبات صحة المعاني وامتلاك الحقيقة  إذ إنّ التمركز حول الكلمة والعقل يعني حرية الرؤية واستخلاص المعنى من خلال السلطة الخارجية للقارئ والكلمات في النص الشعري تتصل ببعضها في ثلاثة مجالات هي:

مجال اللغة بما يتضمنه من معانٍ عبر اللفظ والخطاب والوصف مجال الفكر و مجال العقل بما يتضمنه من عمليات ذهنية وتفكير وتحليل وتعليل وشرح المجال الحسي المتضمن المشاعر والتأمل والأحاسيس الممكن التفكير فيها وقياسها وإظهارها والتعبير عن مركزية اللغة أو العقل لها السمة الإنسانية الخاصة إذ إنّ المُحلّل أو القارئ هو الوحيد المؤهل لاكتشاف اللغة وما تحويه من وصف ودلالة وفكرة بهدف الوصول للحقيقة الجديدة المطمورة ببساطة ما قمت به في تفكيك هذا النص :

أولا قمت بتقطيعه ثم بحثت عن التناقضات والثغرات بغية الدخول الى عوال النص

ثانيا قمت بهدم البناء القديم وبناء نص جديد على أنقاض النص القديم

وأستخدام ذات المواد في بنائه من لغة و صور و ميتالغة و ميتاشعر و محسنات بديعية من كناية و استعارة وتشبيه – – ببساطة قمت بأنشاء نصي أنا من خلال نص الشاعر الأصلي و هذا لا ينفي او يقوض نص الشاعر بل يزيده حلاوة و جمالا و حضورا مستحضرا حادثتين وقعتا في العصر العباسي لأبي الأولى نؤاس و هو يرى المعلم يفسر بيته الشعري لطلابه وسط ذهول أبي نؤاس حتى هوى ابو نؤاس على يديه تقبيلا و الحادثة الثانية للمتنبي القائل أبن جني أدرى بشعري مني لذا قلت إنّ سلطة الحضور الحالي للكلمة الظاهرة في النص الشعري ليست ذات أهمية كبيرة واستخلاص المعنى في التمركز حول الكلمة أو العقل يكون بشكل جديّ أو هزليّ فالحرية بيد القارئ المحلل – – القراءة التفكيكية ليست ما يُفهم بشكل بسيط من النص بل هي أشياء لم تُذكر في الكلمات الموجودة وهذا بمعنى  إنّ النصّ ينطوّي على فراغات فالنص في حقيقته مكّونٌ من متاهات وهذا يُبنى عليه الغياب والنسيان وبذلك فالتفكيكية تعطي السلطة للقارئ وليس للمؤلف وتُركز بشكل أساسي على الكتابة دون الاهتمام بمفاهيم الكلام والصوت وتدعو لتخليص النص من القراءت أو الفهومات الأحادية أن التفكيك يحاول أن يلغي مركزية الخطاب ويلغي أي ميزة ستنشأ من مركزيته أحد أهم أسس التكفيك هو الهدم بقصد البناء – – بمعنى هدم المعنى الذي كان في خلد الشاعر او المؤلف و احلال المعنى الأخر المستنبط من خلال قراءة ما بين السطور و بالتالي يتم تحليل النص من خلال بناءه من جديد بحلة جديدة تماما تعتمد على ثقافة الناقد المحلل و أشراك القارئ في هذا التصور الجديد و لذلك يدعو التفكيك الى أقصاء المؤلف و الأكتفاء بالنص – – أنا غير معني بما يقصده الشاعر في قصيدته هذه بل بما فهمته أنا و بنيته أنا من خلال تفكيكي لنصه بعد أن شرحته وأولته من خلال طاقة اللغة و مفهوم الميتالغة و الميتاشعر و أعادة تركيب النص وفق هذه الفلسفة و الرؤيا – –  فعلى سبيل المثال لو أنّ أيا من نقاد تلك الفترة 1998 الفترة التي كتبت بها هذه القصيدة وصل الى المنطقة التي وصلت اليها في تفكيكي لهذه القصيدة و أوضح أنتقاد الشاعر الى سلطات بلاده أنذاك  فعلينا  ان نتصور المصيرالذي سوف يحل بالشاعر…..

*(ربّما كان سواي- الأعمال الشعرية للشاعر حاتم الصكر) إعداد :أ. د. رائدة العامري، مؤسسة أبجد للنشر، بابل العراق،2022

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*