حاتم الصكَر ..وخوارزميات الإبداع- د.همدان زيد دمّاج

 

السياسية نت >> أدب وفن جريدة السياسية –صنعاء
حاتم الصكر  ..وخوارزميات الإبداع
الأحد 15 أغسطس 2010

         د. همدان دمّاج 

 
يستطيع الدكتور حاتم الصكر أن يشد انتباهك بسهولة وهو يتحدث عن أية قضية أدبية أو فكرية؛ فعادة ما تجد في كلامه المرّكَز، وفي أفكاره المتسقة، شيئاً جديداً، أو إيضاحاً يضفي على ما تعرفه قيمة جديدة. لا أدري لماذا ينتابني في أحيان كثيرة شعورٌ بأن الرجل جديرٌ بأن يكون عالم فيزياء إلى جانب كونه متخصصاً في الأدب والثقافة! هل لهذا علاقة برؤيتي الشخصية لكل من العلم والأدب؟ ليس هذا انتقاصاً لمكانته المتميزة في عالم الكلمة، بل هو العكس تماماً.
أستطيع أن أتخيل هذا الشاعر وهو ينساب بلطف في منعطفات معادلةٍ رياضيةٍ معقدة، أو محاولاً استنتاج نظريةٍ جديدة لحركة جزيئات الضوء المسافر بين مجرتين حديثتا الاكتشاف. أستطيع أن أتخيله عالماً في الاجتماع يبحث في التغيرات السيكولوجية لفئة مهمشة نُقلت من موطنها الأصلي وأسكنت على ضفاف نهر الأمازون. وأستطيع أن أتخيله في مؤتمر علمي مشاركاً بورقة تحلل نقش أثري يحكي عن محاولة أحد ملوك الدولة السبئية لاستخدام آلات حصاد تعمل بقوة الرياح!
هل سبب ذلك منهجه العلمي الواضح في رؤيته للأشياء، وإدراكه للتفاصيل الدقيقة للمفاهيم الأدبية والعلمية المختلفة؟ أم ثقافته الواسعة المتعددة الاهتمامات، ما بين شعر، ونقد، وسرد، وتشكيل… الخ، أم أن مرجع ذلك كله موهبةٌ لا يتكرم بها الله إلا لعددٍ قليل من مخلوقاته؟!
في بعض الأحيان، يذكرني حاتم الصكر بشخصية “الجنتلمانالانجليزية الكلاسيكية المشبعة بالدقة والتنظيم، ثم أنه في أحيان أخرى يذكرني بشخصية “ابن ماجد”، العالم، المكتشف المغامر، كاتب السير وراسم الخرائط. وفي أحيان أخرى يذكرني بشخصية البروفيسور نيمال نيسانكي، أستاذ علم الحوسبة بجامعة ساوث بانك البريطانية، ومشرفي العلمي في الدكتوراه، وهي شخصية أكاديمية جديرة بأن أكتب عنها مستقبلاً.
أسأل نفسي عادة: ماذا لو عاد الزمن إلى الوراء؟ هل كان حاتم الصكر سيختار الأدب تخصصاً؟ أم لعله الأدب هو من اختار حاتم الصكر! إن أسئلة من هذا النوع تندرج ضمن جدليات الزمن وتأثيره على “نظرية الاختيار” (Choice Theory)… ها أنا أذكر “نظرية الاختيار” وأعرف مسبقاً أن حاتم الصكر يستطيع أن يشرحها بشكل أفضل، فهو واحدٌ من أولئك الأكاديميين والباحثين القلائل الذين يجيدون فن التدريس بامتياز.
لكن أي شخصية إنسانية يا ترى تقف وراء هذا العقل المفكر، واسع الإطلاع؟ الشاعر والباحث في النقد الأدبي والراصد لتطور التجارب الشعرية والسردية، المهتم بالأدب النسوي، صاحب القراءات البصرية للتشكيل المعاصر، مؤلف “حلم الفراشة،انفجار الصمت”، “مرايا نرسيس”، و”ترويض النص” وغيرها من الكتب؟ أي شخصية إنسانية تقف وراء المحاضر في جامعة صنعاء، والمحكم في أكثر من جائزة أدبية وفنية عربية، ورئيس تحرير أكثر من مجلة أدبية رفيعة؟ لا شك أن من يعرف حاتم الصكر عن قرب يدرك أن أكثر الخورازميات الرياضية تعقيداً لا تستطيع أن تشكل تصوراً للفضاء الإنساني الهائل الذي تنبع منه الروح الإنسانية المتقدة التي تسكن جسد حاتم الصكر. لكن هل بالمقابل تستطيع الكلمات أن تفعل ذلك؟ سؤالٌ قد نحتاج في إجابته إلى حاتم الصكر، وإلى أهله المحبين، وطلابه الخريجين، وأصدقائه الحميمين، وقرائه على امتداد الساحة الثقافية العربية.