تحية لحاتم- الشاعر محمد الشيباني-صحيفة التجمع- صنعاء

 
ب

التحية لحاتم  -صحيفة التجمع -صنعاء
attagammua.net
الثلاثاء , 12 أبريل 2011 م
محمد الشيباني
سيغادرنا بعد الغد الى مُستقر جديد استاذنا الكبير حاتم الصكر بعد أكثر من عقد ونصف من الإقامة بيننا استاذا لجيل برمته من المثقفين والأدباء والصحافيين والفنانين التشكيليين.
منذ وطأت قدماه للمرة الثانية (*) أرض اليمن في العام 1995م استاذا في جامعة صنعاء وهو يقدم خلاصة فكره النير لمئات الطالبات والطلاب في أقسام اللغة والاعلام متخذا من الحداثة والفكر الجديد منطلقا مهما لتأسيس وعي مختلف بالحياة.. كان واحدا منا لم نشعر يوما بتعاليه على أحد بسيطا كلغته وحياته ومحبته التي تفيض على كل شيء حولها, مقبلا على الحياة وشغوفا بها, وهي التي عصرته بآلامها وندوبها طويلا, جعلته يغادر بلاده (العراق) تحت ظرف قاس أواسط التسعينيات وتاليا خطفت منه أعز الأبناء الى قلبه. جعلت من أسرته الصغيرة تتناثر في الأرجاء ومع كل ذلك ظل متشبثا بها يقدم لناسها أنبل ما فيها وهو العلم والمحبة.
ناقد عربي كبير تأسس وعيه باكرا على القيمة الجمالية في الاشياء, لهذا تسامت أفكاره الى المساحات المختلفة في الوعي التي تصاغ مقدماتها على التسامح والنبل. اشتغالاته النظرية لأربعة عقود في حقول النقد الأدبي والثقافي جعلته أكثر احاطة بمشروع الحداثة الأدبي في الوطن العربي. متعددا وغزيرا في مقارباته لمكونات الخطاب الادبي والثقافي, لم ينحصر في قالب النقد الأدبي وثباته, ترك لوعيه النبش في كل ما هو مهمل ومغيب في التجارب الشعرية والسردية والفنية والكتابة النسوية لمئات المبدعين العرب. تتبع في تاريخ الادب العربي أهم مسارات الوعي الجديد وتبدلاته.. اشتغل على الموضوعات المقصيّة والمغيبة في مشروع الحداثة الادبية في الوطن العربي ليثبت أن لحظة الجديد لابد وان تنبثق من لحظة السكون والموات, رهاناته دوما على الفكر غير الاقصائي وعلى التعدد وعلى المغايرة والمغامرة وقد أثبتت الأيام صحتها.
حاتم الصكر باختصار مشروع حداثة لم يخبئ يوما, تزيده المعتركات اشتعالا, واحد من قلائل المثقفين العرب الذين أقاموا بيننا وعمل بكل محبة على تقديم المشهد الثقافي في اليمن بكل أطيافه وأجياله وأسمائه الى القارئ العربي في وقت كان ينظر فيها الى اليمن بوصفها هامشا منسيا تحيا خارج الكتابة والتاريخ. عن الكتابة النسوية في اليمن ألف كتابا مرموقا هو الآن من أهم المراجع في أوساط الباحثين والدارسين في منجز الكتابة النسوية في اليمن والكتاب الذي اعنيه هو “انفجار الصمت- الكتابة النسوية في اليمن مقدمة ومختارات 2003”.
وعن القصيدة الجديدة (قصيدة النثر) أصدر عام 2004 كتابا مهما حمل عنوان “قصيدة النثر في اليمن- أصوات وأجيال” أزاح فيه الكثير من الغبار عن تجارب شعرية جديدة صنعت الفارق في الكتابة الشعرية الجديدة.
الفنانون التشكيليون المغيبون وجدوا في كتابة الصكر معرفا جماليا بتجاربهم المميزة, إذ حوت كتبه المكرسة للفن وخصوصا “المرئي والمكتوب” و”أقوال النور” العديد من التناولات لعدد كبير من الفنانين التشكيليين والفوتوغرافيين.
أكثر من خمسة عشر كتابا نقديا هو ما قدمه الدكتور حاتم للمكتبة العربية في واحدة من أكثر تجارب الكتابة النقدية المعاصرة تنوعا وأهمية, سنتذكر منها بعض العناوين لتعريف القارئ بها, وعلى نحو الأصابع في موقد الشعر –مقدمات مقترحة لقراءة القصيدة 1986م, مواجهات الصوت القادم- دراسات في شعر السبعينيات العراقي 1987م, الشعر والتوصيل 1988, ما لا تؤديه الصفة- المقتربات اللسانية والشعرية 1993, كتابة الذات- دراسات في وقائعية الشعر 1994. رفائيل بطي وريادة النقد الشعري, دراسة ومختارات 1995, البئر والعسل, قراءات معاصرة في نصوص تراثية 1992, ترويض النص: تحليل النص الشعري في النقد العربي المعاصر 1998, مرايا نرسيس: قصيدة السرد الحديثة في الشعر المعاصر 1999, حلم الفراشة: الايقاع والخصائص النصية في قصيدة النثر 2004.
هذه خريطة صغيرة لبعض من مؤلفات الدكتور حاتم الصكر التي فتحت أمام الكتابة النقدية آفاقا واسعة للحضور في الذاكرة الجمالية للوعي العربي المعاصر, الذي يعد الصكر واحدا من أصواتها المميزة.
تحية لحاتم.. تحية لحضوره المرح في حياة أصدقائه, المرح الذي أضفى على جلساتنا ورحلاتنا في المدن اليمنية المختلفة البهجة والسلوى.