خوان غويتيسولو : العيش هناك

 
ملاحظة: المقالة نشرت عام 2014 لمناسبة فوز غويتيسولو يجائزة ثرفانتس  للآداب في أسبانيا.توفي غويتيسولو عام 2017
يشير الكاتب الأسباني المستعرب خوان غويتيسولو إلى بلده -الذي هجره قبل قرابة ستة عقود- بكلمة(هناك) حين قال( يصعب عليَّ العيش هناك ) مصرحاً بافتقاده للعلاقات الإنسانية في ذلك البلد كما في الغرب عامة ،مقارنة بما لقيه منذ إقامته في مراكش قبل ربع قرن من اندماج في نسيج المجتمع أفراداً وثقافة .
مواطن في منفى اختياري.هكذا يقدم نفسه وهو يصف خروجه إلى فرنسا ثم عيشه الدائم في المغرب حيث واصل اهتمامه بالتراث الشفوي وتحديدا بساحة جامع الفنا التي سنعلم مدى حبه لها حين نقرأ ما كتبه بعد الاعتداء الهمجي عليها غاضبا ومتألما  .تلك الساحة العفوية تتمسرح فيها الأصوات والأفكار والطقوس والأعاجيب وتتكرر كل يوم مختلطة بالسحر وترويض الحيوانات والطيور والسرد الشفوي للقصص الشعبية.وليس غريبا ان يتحلق السياح حول تجمعاتها ويبهروا بما يرون كما ينبهرون وهم يسرعون لشرفات المقاهي  لمعاينة الشمس الساقطة في الأفق كل غروب محاولين أسر تلك اللحظة بعدساتهم.
ما نخشاه هو أن اهتمامه بثقافتنا وقضايانا لن يلقى ما يستحق في بلداننا .ويكون مثل غارودي الذي لم نتفق حتى على  طريقة كتابة اسمه بالعربية.
الجوائز التي حصل عليها غويتيسولو- وآخرها هذا العام في بلاده نفسها- تلفت إلى إغفال منحه شيئا من مثيلاتها في بلداننا سوى رفضه الجائزة المقترنة بالقذافي عام2009 .تكريمه في المغرب متواصل أكاديميا وثقافيا وهو مطمئن لعيشه تفاصيل اليوم المغربي وجزئياته . ورغم أنه تجاوز الثمانين لا تزال ذاكرته تعمل بحيوية فيسترجع في سيرته الذاتية وكتبه ما رآه من مشاهد الحرب الأهلية في اسبانيا ومقتل والدته ثم ملاحقته لقضايا الحرية في العالم: استقلال الجزائر وحق شعب فلسطين في الحياة وما حصل في البوسنة والعراق وأحداث الربيع العربي في توجهاته الأولى والراهنة ..صداقاته لشعراء العالم وكتابه وزياراته لعشرات المدن في قارات مختلفة لا يوازيها إلا تشعب اهتماماته وأنواع مؤلفاته: روائي ومخرج سينمائي وكاتب ومدرس وجامع للتراث الشفوي واللغاتت الدارجة . وباحث في حقيقة الاستشراق وفكرة الآخر عن الثقافة العربية والشرق كروح وليس كموقع جغرافي فحسب. في دفاعه عن الغجر في بلاده وما يعانون من عزل وتهميش يتضح اتساق مواقفه الإنسانية وتجاوزه لعقدة المواطَنة العاطفية الساذجة.فهو يراجع ما فعلته بلاده بمستعمراتها والبشر الذين بنيت امجادها  على مآسيهم مذكرا بما حصل للمورسيكيين
متمما بمواقفه من الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، ورفضه الشجاع للمقولات التي تسوَق في الغرب لتبرير تشريد شعب فلسطين.
يعُدَ خوان غويتيسولو عمله المعاصر في الجدل بين الشرق والغرب استكمالا لجهود أدوراد سعيد وتنويهه بأن على من يتحدث عن الشرق أن يفهمه اولا. وهذا ما يأخذه غويتيسولو على الفكر الغربي و الاستشراق ما زاد نفوره تجاه العيش في ال(هناك) الذي عانى منه  أدوارد سعيد عكسيا وبالنفي.
يقول غويتيسولو للعرب بصدد تراثهم  في لقاء معه : عاونوني.وكانه يؤوَل ما سيؤول إليه كدَه في المنافحة عن حقوقهم التي باتوا لا يتذكرون!