عن تخطيطات شاكر حسن آل سعيد: أشكال محتشدة في سيمياء العالم

دراستي (أشكال في سيمياء العالم-تخطيطات شاكر حسن آل سعيد) المنشورة في  العدد الأول لعام 2022مجلة ماكو(MAKO) التي يصدرها  إلكترونياًمن لندن الفنان ضياء العزاوي.العدد خاص بالراحل الفنان الرائد شاكر حسن آل سعيد.وفيه دراسات وشهادات ووصائق وحوارات وصور عنه.
PDF (1) (1) (2)
 
نص الدراسة

أشكال محتشدة في سيمياء العالم
عن تخطيطات شاكر حسن آل سعيد
-1- الخط عنصراً مهيمناً
يمنح التخطيط للفنان حرية استثنائية في العادة.إنه لايخضع خلال إنجازه إلى معايير مدرسية كما في اللوحة التقليدية ، ولا يخضع حَرفياً لاشتراطات مدرسة أو اتجاه في الفن والجماليات المتصلة به. نوع من الحرية يمنحها القلم على بياض بِكر يتسع لمرائيه ويختزل انفعالاته بسرعة موازية لإحساسه بها.إنه يستنبط دلالاته وأشكالها – أو الأشكال ودلالاتها – من امتدادت الخطوط ووجودها في هيئات مختلفة – وهي عنصر مهيمن في هذه الحالة – وليست عنصراً ثانوياً يحتاج لسواه من العناصر لاكتمال الرؤية.
تغدو التخطيطات ضرباً من (ممارسة خاصة جداً ، شأنها شأن الكتابة المنسوخة)- بوصف القاص محمد خضير(1 ).ونوعاً من عبادة الخط مثل نسخ المخطوط كما يضيف.وهذا الوصف يقرِّبها من منبتها ومنشئها الجمالي .فهي تقترب من الخط ، بل هي خطوة في سلسلة من التجاذبات والمحو بين الفنون البصرية .ويمكن إيراد تراتبها اللافت والمعبر عن موقف رؤيوي يندمج فيه الشكل مع محموله.هذا الذي يكون في التخطيط بهيئتين:
– توضيحية مصاحبة لعمل ما ، كما في الوسائط والمطبوعات الإعلامية والثقافية والإعلان.
– أوهو خميرة عمل ،أو حالة وهيئة جنينية له، قبل التشكل النهائي في عمل فني مستقل.
وما بين التوضيح كوظيفة، يكون فيها التخطيط تابعاً وثانوياً، يفتقد فيه الفنان حريته، وبين التخطيط كأسٍّ لعمل فني، يتأرجح فهم التخطيط لدى المشاهد، و يجري الإختلاط بين المهمتين .
لقد تراجع التخطيط وجماليات القلم مع تطور أدوات الرسم، بموازاة ماجرى للخط بعد ظهور الحروف الكومبيوترية التي لم تدع للخطاط من وظيفة معلنة مسماة ،كما كان قبل الثورة الرقمية.
والخط ليس وحيداً في سلسلة الإقصاءات الإجرائية.
فقد التهمت آلة التصوير البورتريت الواقعي .
كما جرى للملصق الذي تراجع بعد بروز الإعلان وهيمنته، وتقنياته البصرية الشعبوية، أو المتفننة بدفع البرامج الكومبيوترية.
لقد افتُقد النظر بجدية إلى تخطيطات التوضيح – تلك التي شاعت في الصحافة بصحبة الأعمال الأدبية- وتأخذ مساحة ينظر لها المصممون الصحفيون ومخرجو المجلات ،بكونها تملأ الفراغ من جهة، وتكسر بصرياً تناظر- أو امتداد – المادة المقروءة واتساع مساحتها . لذا كانت قيمتها الفنية غالباً تابعة للمقروء أو المعلن ، وظلت مكانتها هامشية على المستوى البصري، فقامت بتعهد وظيفة تزيينة أو هندسية في الصفحات وحسب. وذلك كان مانعا من عدِّها أعمالاً مستقلة .
-2- موقع التخطيطات في فكر شاكر حسن وأعماله.
لم تحظَ تخطيطات الفنان شاكر حسن آل سعيد بحقها من الدراسة النقدية والجمالية، أو بيان موقعها في خطابه النظري والجمالي.ومردُّ ذلك إلى أنه لم يتخذها على سبيل التوضيح لمادة مصاحبة مقروءة ، كما يفعل فنانو الصحافة والمرئيات الأخرى. بل كانت تتلازم مع إيقاع فكره التأملي أو الجمالي عموماً.
وكذلك تعاني تخطيطات شاكر حسن من قلتها قياساً إلى انشغالاته الأخرى.ولسرعته في إنجازها،وعدم تعويله عليها .هي حدوس وتهيؤات وتصورات، يضعها على الورق غالباً أيّاً كان نوعه . ويؤديها في أوقات وأمكنة لا تختص بالإنجاز الفني ، وخارج ورش الرسم أو مرسمه الخاص .
وأحسب أن عدم الإلتفات إليها دراسياً ونقدياً يعود إلى أسباب مختلفة عما ذكرتُ في ما يخص الفنان. وأهمها الخلط بينها وبين الخطاطات( الإسكيتشات ) السريعة التي يعملها الفنانون عادة لأعمال قادمة ، أو لرصد حالة تلفت انتباههم، فيوجزونها في تلك الخطاطات. وكذلك الصورة النمطية عن التخطيطات ، وأنها تابعة للمقروء، أو ذات وظيفة تزيينية أحياناً، يلجأ إليها المخرجون الفنيون في المطبوعات لموازنة الهدف البصري المراد من المادة .
و لكن لتخطيطات شاكر بُعد دلالي لا يخلو من التعمق في الفكرة .
ويمكن معاينة بعضها بالنظرة ذاتها التي نعاين فيها لوحاته وأعماله الأخرى؛ كالجدرانيات والمجسّمات. وردّ فعل مشاهديه حتى من النخبة ، وتفوهاتهم حول دراساته أيضاً ، ويكفي مثالاً لذلك؛ ما كتبه جبرا إبراهيم جبرا في تقديم كتاب شاكر حسن (الحرية في الفن)،
إذ رأى الكتابَ (مُضنياً أو معتماً شديد الكثافة) لذا يضع في الختام عذراً لمن (لن يرى من خلال العتمةِ الكشفَ والإضاءةَ المرجوة).(2)
في كتابه (الحرب السلام) 1986 يتحدث شاكر حسن آل سعيد عن التخطيطات التي ضمها الكتاب، فيتمنى أن تتم قراءتها(لذاتها، لابكونها توضيحاً لنصوص مقروءة) (3) ..ولعله يعني بالنصوص هنا الوقائع .لتدخل فيها مشاهد الحرب كطرف في المعادلة التي وضعها ، طرفها الآخر هو السلام المسكوت عنه إلا بإشارات سريعة ، كون تخطيطات الكتاب هي سوانح من زيارات الفنان المباشرة لميدان معارك الحرب العراقية الإيرانية، في قاطع مندلي عام 1983،وفي البصرة وخانقين عام 1985.
لقد أخذت التخطيطات في موضوع الحرب والسلام مكانة بارزة في عمله التخطيطي ، لأنه قدَّمها في معرض خاص ، تزامناً مع صدور كتابه بالعنوان نفسه. ولا أحسب أن المخزون البصري للفنان كان حاضراً في تلك الأعمال؛ لأن ما شاهده في قواطع المعارك الطاحنة في حرب الخليج الأولى، كما عُرفت الحرب العراقية الإيرانية، لا تشي بمؤشر سلمي ، بل انبنت تعبوياً في فترة الحكم الدكتاتوري على أساس تمجيد الحرب، وعدّها بسالة وميزة بطولية ،لا ترقى إليها جماليات السلام والدعوات إلى ضرورته .هي إذن معادلة كان محورها أو طرفها واحداً، هو الحرب(4) ، تلك التي صيّرها إعلام البعث والدكتاتور ضرباً من البطولة والرجولة، فلم يعد في عصف هديرها المدمِّر من جدوى لحنان السلام وأفيائه ، فظل مسكوتاً عنه في التلفظات ،وكذلك في معادلة شاكر المفترضة: الحرب /و/ السلام!
وقد حرص الفنان على تحيين زمن التخطيطات، فوضع في بداية التخطيطات تاريخ 4-9-1980 زمن بدء الحرب ، بحسب السردية السائدة إعلامياً ؛ليربطها بالدلالة الآنية، وليس بالبعد الإنساني، كما جرى في رسوم عالمية عن الحروب ووحشيتها. تلك التي صار لها بُعد كوني، فشوهدت بكونها لا تخص موقع حدوث تلك الحروب التي أوحت بها. وربما انعكس ذلك التحيين الزماني لواقعة الحرب على المنجز من تلك التخطيطات الأحادية. فغاب أفق السلام كطرف فاعل ومثير للمعاينة البصرية.
– .3- التوضيح المعرفي كوظيفة للتخطيط.
رغم نفي شاكر أن يكون لتخطيطاته وظيفة توضيحية، نجده يستخدمها أحياناً في بيان جوانب من توصلاته النظرية.إنها تُعينه أثناء شرح أفكاره غالباً.وتسد فراغ العبارة، فتقوم بذلك بدور توضيحي ،لكنه معرفي ومفاهيمي. كما أنها توضح أفكاره وتوصلاته هو، وليست لبيان أو تزيين مقروءات سواه. لذا قرأتُها بكونها استكمالاً لآرائه، أو مايريد إثباته والتدليل عليه ، حتى وهو يشرح أفكاراً اعتنقها ونقلها من قراءاته ، فآمنَ بها وأجراها في خطابه، ووجد أن العبارة لا تفي غرض عرضها وتوصيلها.لاسيما وهو يتبنى بحماسة واضحة أفكاراً فلسفية من خلال قراءاته لفلاسفة ما بعد الحداثة خاصة، أو تصوفية فيها شأن أدبيات الصوفية تعويضاً وغموضاً ، بسبب استقدامها من قاموسهم الخاص، وطببيعة خطابهم الإشراقي..
شخصيا شهدتُ على تنفيذه لتخطيطات سريعة أنجزها ،وهو يشرح بعض توصلاته النظرية التي سأوردها لاحقاً .لكنها كانت جزءاً من انشغالاته الكتابية. كان شاكر ينجز تلك التخطيطات بالقلم ،وعلى أي سطح يراه قريباً منه. وقد أنجز بعضها على ظهر صفحات مكتوبة الوجه ، أو مطبوعة.كأنْ يمد يده في حقيبته ، ويستخرج أية ورقة، أو قصاصة، أو رسالة ، أو مراسلة رسمية ، ثم يرسم الشكل السيميائي الذي يراه مُعيناً لتبسيط أو بلورة فكرته.وغالباً ما كان يفعل ذلك في طور انغماسه في الثقافة السيميائية المؤثرة في أعماله وأفكاره الجمالية. وهي تناسب الشكل التقليدي
للأوفاق و الجفر، والتعاويذ والرُّقى
-جمع رُقْية- ، وتعطيها شكلاً سحرياً يؤثر في المشاهد . لكن لعب الأعداد والحروف وتجانسها الدلالي سيميائيا،أغراه باستخدام هذا النوع من التخطيطات السريعة.فاستقلت الأشكال الثلاثية بجانب المربع السحري ، مع الحفاظ على شكل الهرم المثلث المقلوب الذي سنوضح وجوده في التخطيطات المصاحبة للدراسة هذه. ولشاكر ذاكرة جمالية مصاحبة للمثلث، كما جسَّده في أعمال منها مجسَّم ،أو مثلث الفاو.
لقد احتشدت حدَّ الإختناق صفحات تخطيطاته ، بتلك الإشارات المستلة من سيمياء العالم اللغوي والرياضي ،وما يتصوره مجرداً مطلقاً عن العالم.
-4- اختزالات و دلالات
تتسم التخطيطات بميزة الإختزال التي شخّصها الفنان التشكيلي عمار داود ،كونه قريباً من الفنان شاكر حسن وتتلمذ على يديه، وفهم أعماله بعمق قرائي يناسب خطابه. في وقت يعوز فكر شاكر وخطابه وجود طلبة يتفهمون ويتفاعلون، ولا يكتفون بالإنفعال أو استنساخ تجربته بتقليد مشين لم يكن يرضاه هو نفسه.إذ أصبحنا نرى بعض أعمال من يدعي التلمذة لشاكر تتطابق كلياً مع أسلوبه ورؤيته معاً.
يسمي عمار في دراسته المطولة عدداً من أنواع الإختزالات التي أجراها شاكر حسن : ومن بينها، أو في صدارتها :اختزال الفكرة (بالتقشف في التعبير عنها بأقل المفردات وأكثرها تركيزاً ووفاء للمعنى).(5 ),
وفي الدراسة ذاتها يشير عمار داود إلى تقنية اختزال العالم بواسطة ( التعبير عنه بالجدار، ..واختزال أشيائه بواسطة الأوفاق، واختزال المكان من خلال جعل اللوحة عيّنة لكل الأمكنة.. واختزال الزمان من خلال الحرف المكتوب ..وجعْل الأشياء ترسم ذاتها ،عن طريق إفساح المجال لها لتترك اثرها بذاتها ).
لكنني لاحظت استطراداً سردياً لدى شاكر حسن في بعض التخطيطات ذات المضمون الأدبي خاصة، وقبل ذلك في تخطيطات واقعة الحرب، كما عرضها في ثنائية الحرب والسلام، وأبعادهما الحياتية لانتزاع الدلالة منها.وأظنه لم يمنع نفسه من استكناه الجمالي في واقعة الحرب، رغم بشاعتها وقسوتها.ولا غرابة في ذلك فقد كان شاكر يبحث مثلاً في جماليات الجدار ، مضمناً في ذلك ما يناله من وسخ وتشويه وتعرية.فهو يوسع معنى الجمال ودلالة الجمالي، تأثراً بالمفاهيم الظاهراتية التي لا ترى الجمالي في الظواهر، بل في إسقاطات المشاهدة والقراءة وبالتالي يصبح الجميل مشاعاً لا محدداً، متجاوزاً البنى التقليدية الموضوعة له في الفكرالجمعي. وتتشكل الظواهر تبعاً لذلك بالوعي والإدراك والشعور المسقط عليها فتتباين، ولا يعود لها شكل قارّ أو هيئة مطلقة.
وهي دون شك أقل أهمية من التخطيطات التي تكون بالقلم، دون ألوان غالباً في موضوعات مستقلة، وذات بُعد إشاري أو دلالي يستلُّه المتلقي من انتظام عناصر التخطيط.
لكن تخطيطات الفنان شاكر حسن آل سعيد ذات بنية فنية مستقلة ،يمكن قراءتها بصرياً لاكتشاف دلالاتها المستقلة عن أي عامل خارجي محايث لها.فهي عمل فني متكامل إذاً ،جدير بالقراءة فنياً وجمالياً..
-5- المرجعيات الفاعلة
كمرجعيات يمكن القول إن التخطيطات بالقلم تنتمي إلى النزوع الحروفي لدى شاكر حسن.فهي تمثل في لا شعوره صلة نموذجية بين الأشكال التي نوَّه عنها في تجربته ، وجماعة بغداد منذ بيانهم التأسيسي الذي قام هو بكتابته.فقد أبرزوا قيمة الاشكال البدائية والشعبية والتلقائية.
وكذلك للتخطيطات صلة بموقف شاكر حسن مما يسميه (العالم اللغوي)، حيث يفصل بين وجودين: حسّي ولغوي، فيقول في رسالة موجهة لي نشرتُها في كتابي ( المرئي والمكتوب):( إن شغفي بالعالم اللغوي لم يكن أمراً عرضياً ، وأعتقد كما هو شأن (هنري ميشو) أن استخدام (الحبر) و(الكتابة) و(الورق) (وهو “مفصل” مهم من مفاصل اللغة المشتركة بين الرسم وفن التدوين) جزء من شخصيتي ككاتب ورسام في آن واحد.).(6 )
تلك المعاشرة اللغوية الخصبة ،تكمل ما يتيسر في شخصية شاكرحسن من التفات خاص لكل من : الحرف والعدد والشكل .فعالم الأعداد والحروف يتوحد في الوفق الذي هو التقاء الحرف بالعدد، واعتبار الوفق ( نوعاً من الفناء بين الحرف الذي يعبر عن خواص المادة ، أي ما هو مقترن بالظاهر، و بين العدد كحامل لسرِّية الحرف أي باطنه..) (7)،أو الجفر الذي يجسّد القيم العددية للحروف.وهو ما كان يحلو لشاكر حسن أن يرجع إليه في مقارباته النظرية .وقد وضع لهذه الفكرة شكلاً في التخطيطات أيضاً.فتوقف عند كلمة الفاو ومساويها العددي في علم الجفر مثلاً. وأفاد من انعكاس رقمي 7 و8 في موضوع الفاو، استناداً إلى مثلثين مقلوبين يشكلان سنة الإنجاز87، وهي سنة احتلال إيران لشبه جزيرة الفاو العراقية.
وأثبت شاكر إمكان اتساع التخطيط كسطح تصويري مختزل، كي يستوعب ويستضيف الرؤى ذاتها التي شكلت لبَّ أطروحته حول الحرف، ودوره في الفكر الحروفي واللوحات المنجزة باسمه.وهو يقصد دون شك ما أسماه القيمة التدوينية للحرف لا التجويد(😎 ، وبذا نزع عن الحرف بُعده الفني كما في فن الخط.كما نزع عنه دلالاته الجزئية ضمن الكلمة لأداء معنى.فلجأ إلى كتابة كلمات غير منتجة معنوياً ، كي لا تشوش قراءتها على وظيفتها التعبيرية عن ذاتها داخل العمل.وإن اخترق هذه القاعدة في بعض تخطيطاته التي ظهر فيها أسماء، كما في أعماله الثلاثة المرفقة مع الدراسة حول الشعر والنقد.
ويربط شاكر حسن بين الرمزية اللغوية للحرف وبين ممارسة (البعد الواحد) من نقطة انطلاق حروفية، وسيلتها هي التجريد والكشف عن النظام الداخلي لحركة هذا الرمز اللغوي المفصول عن قيمته الأولى كوسيلة تكوينية. أي أنه مفرغ من محموله الدلالي ومعناه.(9).
وهكذا انسل شاكر في تخطيطاته إلى ماكان عليه محمول لوحاته في المرحلة التأملية. وبالتركيز على عنصر الخط بشكليه: وجوده اللغوي ، وقيمته التشكيلية.
ولابد من الإشارة إلى التنقيط الذي يحتل مساحة واسعة من فراغات التخطيطات . وتمثل تأثراً بالزخرفة التي يعول عليها في تشكيل الحروفيات. ولعل أهم مرجع يحضر عند القراءة البصرية لمكانة التنقيط في تخطيطات شاكر هو المنمنمات الإسلامية ،وما كان ينجزه الفنانون في الريازة ،وتفاصيل العمل الزخرفي المتسم بالصبر في تكرار الثيمة البصرية، وهي تناظر بعض طقوس التعبد لدى الزهاد والمتصوفة ، كفعل الإستغفار القائم على تكرار عبارة ( أستغفرالله وأعوذ بالله) مئات المرات .والتنقيط يمثل علاقة جدلية بالفراغ والفائض الذي يتركه في السطوح.فتأتي النقطة مكررة بكثافة لتسد ذلك.
والنقطة إحدى ركائز الإستدلال الصوفي على وحدة الوجود الذي يمثل عند المتصوفة خطّا تجريدياً ،هو في حقيقته متشكل من عدة نقاط. .وكل واحدة منها تحمل مزاياه. وإذا مُحي الخط برز هيكله التنقيطي. و بذا يمكن مسح أية نقطة من مسار الخط لتكون ممثلة له؛ لأنها انبثقت منه أو فاضت عنه..
النقطة إذن هي أم الخط وابنته معاً.
ذلك ما يجسّده الحلاج في قوله:
ولدت أمي اباها
إن ذا من عجباتي
وهو تفسير لتمسك شاكر حسن بالنقطة ،ووجودها الكثيف في عملية التنقيط ، بل جاءت في تسمية أحد كتبه بعنوان: أنا النقطة فوق فاء الحرب. وفي دراساته المتفرقة وحواراته التي ضمَّنها كتابه ،يصرح بوضوح أنه اختار العالم اللغوي للحرف ، بل أيقن ألّا وجود سواه.فيقول( اتضح لي أن لم يعد معنى لكل من المحتوى والشكل، فهما مجرد حرفين أبجديين، بمعنى أن اختصارهما إلى حرف يحمل بذرة قراءتهما كمقطع ،وليس ك(كلمة).لم يعد هناك من محتوى وشكل.فكلاهما سيحتويان بعضهما البعض).(10)
إن شاكر حسن يحاول الدفاع عملياً عن مشروعه الحروفي بتوسيع يشمل تخطيطاته . فيسحب الوجود المنشود للعالم اللغوي إلى التخطيط أيضاً ، فيضعه بهيئةِ قيمةٍ عدديةٍ للحرف، أو بشخصِ الحرف نفسه، أو بتشكيل كلمات فوق سطحه.مع ملاحظة أنه لم يتبنَ حلولاً لغوية أخرى لإنقاذ العمل الحروفي مشروعا ومستقبلا ، كأنْ يوسّع وجود الأبجدية ، بمعاينة الخطوط التي تتشكل منها الحروف في الأبجديات القديمة ؛ كالسومرية والهيروغليفية والسبئية وسواها..(11)
ولا شك في أن تلك التخطيطات بعفويتها واختزالها ومضامينها وتشكلها،ستمثل مقاربة بصرية معرفية هامة، بحاجة لمزيد من الدرس النقدي والتحليل الجمالي، كونها وثيقة أخرى على خطاب حداثي، حمله شاكر حسن آل سعيد رسالةً، نافح عنها حتى رحيله المؤسف.
الهوامش والإحالات:
(1) محمد خضير : عبادة الخط- تخطيطات خالد خضير، 2009من صفحة الفنان خالد خضيرعلى النت:
(2) جبرا إبراهيم جبرا: مقدمة كتاب شاكر حسن آل سعيد (الحرية في الفن) ، ط 2 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1994.هي الكلمة ذاتها التي قدّم بها جبرا الطبعة الأولى للكتاب، مديرية الفنون- وزارة الإعلام العراقية ،بغداد 1974
(3) شاكر حسن آل سعيد، الحرب والسلام ،دار الشؤون الثقافية،بغداد 1986، ص8
(4) د.سلمان كاصد:تخطيطات شاكر حسن آل سعيد-الحرب بوصفها بعداً أحادياً .
(5) عمّار داود: شاكر حسن آل سعيد بعين تلميذه- مجلة ثقافات البحرينية ، جامعة البحرين،العدد المزدوج 15 و16 في2005.
ويؤكد ذلك التوصل شاكر حسن سعيد في بحثه( الأثر الفني بكونه مرجعية) في كتابه: أنا النقطة فوق فاء الحرف – دراسات ونصوص في الفن والإنسانية- ،دار الشؤون الثقافية، بغداد 1998ص 35،مؤكداً على أن ما دعاه الحركة الإختزالية ، لاتقف عند حد .
(6) حاتم الصكِر:مراسلة مع شاكر حسن آل سعيد ، ضمن كتاب : المرئي والمكتوب- دراسات في التشكيل العربي المعاصر،دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة2007،ص66
(7) د.نزار شقرون: شاكر حسن آل سعيد-الحقيقة في الفن،دائرة القفافة والإعلام-إدارة الفنون-2009، ص217.وملاحظته عن دراسة الأوفاق لدى شاكر حسن، بكون الوفق شكلاً تدوينياً ،له جذور في فخاريات سامراء الزخرفية.، ص،218،
وكونه نسقاً جمالياً، ص22
(😎 صرَّح شاكر حسن بذلك في حوار شربل داغر معه: حوارات شاكر حسن، جريدة الفنون، المجلس الوطني للثقافة والفنون،العدد 43تموز-يوليو،الكويت 2004،ص52
(9) شاكر حسن آل سعيد: البعد الواحد- الفن يستلهم الحرف،بغداد 1971،ص89
(10) شاكر حسن آل سعيد: أنا النقطة فوق فاء الحرف. ص54
(11) حاتم الصكر: أقوال النور- قراءات بصرية في التشكيل المعاصر، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة2010، ص60
تطبيقات
1-
أحتفظ لشاكر حسن آل سعيد بعمل صغير ذي هيئة فولكلورية ،حيث جعله يشبه التعويذة التي يكتبها المعالِجون ،أو الرّقية التي تكتب للمريض، أو الطفل خشية الحسد.وجعل العمل ينغلق كحجاب أو حرز ؛ لتختفي صفحاته الأخرى.وتمثل كل منها تفصيلاً يصلح أن يكون عملاً منفصلاً.وقد عمد هنا إلى التلوين ،وهذا نادر لم أجده في أعماله التخطيطية التي أقتنيها إلا ثلاثة .وربما أمكن تفسير ذلك بحرصه على نقل الحس الشعبي كمرجع لهذا العمل .
يؤرخ الفنان هذا العمل عام 1997،وهو على شكل مستطيل له غلاف خارجي،
ومكوَّن من أربع قطع داخل المغلف ، مع غلافين خارجيين. عند بسط المغلف نكتشف أنه قطعة واحدة بوجه وظهر.الخارجي ملون، والداخلي بالأبيض والأسود. ويضم آية قرآنية وجدول وِفْقي، تتخلل الصفحات ثقوب تسمح برؤية جزء منها قبل فتحها.البنية الهندسية للتخطيط واضحة تكرر المستطيل والدائرة، وتقاطعات الخطوط المتوازية التي تشكل واحدة من صفحات المغلف .
يمكن أن تقرأ الصفحات كلها بكونها أعمالاً منفردة ، تستكمل دلالة الكل الذي يجمعها مع سواها. وهي تكرر مسألة الوحدة المتمثلة في الجزء، من جهةٍ لها صلة بوحدة الوجود، والإحتكام للحس الشعبي -تقنية التعويذة- ذات الرس البابلي .
أبعاده (6 ×7) سم
تطبيق -2 – –
يحاول شاكر حسن ألا يظهر للكلمة معنى في الرسم الحروفي لوحات ٍوتخطيطات. لأجل ذلك لا يظهر أنّ لجمله أو كلماته وجوداً تاماً..وقد خرج على ذلك في ثلاثة أعمال تخطيطية تميزت بالرصانة، والهيئة التشكيلية من حيث البناء في وحدة واضحة ،ممكن استنتاج الدلالة منها، بجانب الزخرف الشكلي الذي كوّنته الخطوط، والتنقيط، والأعداد، والحروف.
فيبدو في الأول اسم بدر السياب، وعبدالوهاب البياتي. بينما تضاءل اسم نازك الملائكة، وبالكاد يستطيع المشاهد رؤيته في الجزء العلوي. محاطاً بهالات تنقيطية تموّه القراءة. فوق الإسمين في خضم التخطيط و تقاطعات الخطوط بهندستها المتقنة، نجد كلمة نقد مبعثرة(ن ق د)، عكس اسميْ الشاعرين ولقبهما الواضحين-اكتفى باسم السياب الأول ولقبه دون اسم أوسط ، ربما فعل ذلك توزناً إيقاعياً مع اسم البياتي ولقبه . ويمكن للمشاهد أن يتلقى بصرياً اسم نازك أعلى أوفاق الجزء العلوي وأرقامه العددية غير المكتوبة.وبذا يكتمل مثلث التجديد في الشعر العراقي والعربي. فالثلاثة هم رواد الكتابة الشعرية الجديدة التي ستعرف بالشعر الحر أوشعر التفعيلة، والتي أنجزت مهمة التجديد في الشكل الشعري الشطري (العمودي) الذي مثلت أعمال الثلاثة في الأربعينيات وما بعدها ،ثورة على التقليد الشعري الإيقاعي.
هؤلاء الرواد الثلاثة أوحوا في لاوعي شاكر حسن بفكرة استحضار مثلثين متقابلين، الأسفل منهما مقلوب تماهياً مع مهمة التحديث والمخالفة التي حملها مشروعهم. والإنقلاب على الموروث العروضي والإيقاعي لدى الرواد الثلاثة ، ونذكر هنا علاقة شاكرحسن بالحداثة الأدبية ،والشعرية خاصة، وصداقته للسياب والبياتي ،ولقاءاتهما في مقاهي بغداد في الخمسينيات، كما يشير في استذكاره لتلك الفترة.
المثلث الأعلى المفتوج – ولهذا دلالته- تهيمن عليه الروح الزخرفية .فهو بعد الخطين الخارجيين،يحفل بالأعداد المتسلسلة ، ويضم شكلين مستطيلين صغيرين.فالوفق إذن هو مركز الرؤية أيضاً.وترد سنة تنفيذ العمل في الجزء الأسفل من المثلث الأسفل، بهيئته السليمة دون حذف.وتفصل بين المثلثين كلمات اسميْ الشاعرين.ويجدر بنا كذلك معاينة الشكل السابح في بياض الورقة خارج المثلثين، وكأنه إشارة للعقل المنتج للفكر التحديثي.وهو يرسل تلك الومضة العقلية ،عبر سهم مما يكثر في أوفاق شاكر حسن.
أبعاده (25 ×27) سم
2Bتطبيق
لكأن هذ التخطيط نسخة أخرى من ( فكرة) شاكر ورؤيته الأدبية .ففيه ما في التخطيط السابق من استخدام لحروف كلمة( نقد) مبعثرةً ، تعلو التخطيط.
فيما جاءت أسماء رواد الحداثة الثلاثة أسفل العمل.تتكرر كلمة (نقد ) متصلة ومبعثرة الحروف في وسط العمل من جهتيه اليمنى واليسرى.واخترق القلم – كأحد لوازم الكتابة الإبداعية- المستطيلَ العلوي المفتوح-أيضاً- . ويلفت تكرار وصف النقد بكلمة ( أدبي)لغرض سياقي، متصل بالشعراء المذكورين في التخطيط.
لقد حشد شاكر في التخطيط والتنقيط ،والأوفاق، والحروف والأعداد.ويلاحظ هنا الهندسة الشكلية المعتمدة على المربعات وتحويراتها ،وتقسيم السطح إلى مناطق، يفصلها الخط المتصل أو المتقطع بنقاط .وجاء العمل وكأنه معد بعناية على ورق مقوى.
يمثل العمل المنجز عام 1989تأكيداً للنزعة الأدبية لدى الفنان ،واستمراراً لتعويله على الحرف وقرينه العددي. وكذلك توظيف تلك الوسائط ، لغرض توصيل الإشارات التي يحفل بها العمل . ورؤية شاكر السيميائية للعالم اللغوي والأدبي.
أبعاده (25 ×27) سم
2-ج
هذا العمل ثالث الثلاثة في تمجيد الحداثة الشعرية عبرالتخطيط ،وفي العام 1989. نفسه. وأصغرها حجماً.لكن ذلك يخدم النزعة الخطّية للفنان .الجديد هنا استخدام سهم
غامق، يهبط من أعلى العمل مخترقاً المربع .وفي الوسط نستجمع حروف كلمة (ندوة )منفصلةً.وفي الأسفل كلمة (نقد) منفصلة أيضاً.كي تخدم الكلمة المغزى الحروفي في إنتاج كلمات بلا دلالة أو معنى.وهنا يتجنب شاكر التوضيح كي لا يقع في مزلق الرسوم المصاحبة للمقروء.فاكتفى بالإشارة لندوة نقد، يبدو أنها تنعقد ذلك العام.واستضاف الأعداد في منمنمات مصغرة داخل مربعات العمل المتباعدة.بينما جعل للنهايات شكلاً تنقيطياً ،يخلق حدوداً متعرجة.فحافظ على الهندسة الشكلية والوفق، والتآخي العددي الحرفي.
أبعاده (9 ×9) سم
تطبيق 3-
لهذا التخطيط المصغر أهمية بالغة في فكر شاكر حسن. يعود التخطيط إلى عام 1991 ،وهودون توقيع وتاريخ. لكنني سجلت بالقلم تاريخ تسلمي للتخطيط. أهمية التخطيط تكمن في أنه ترجمة لفكرة ،ستنمو لدى الفنان ،ويصرح بها في كتاباته ومحاضراته.وهي الشق الثاني من رغبته المعلنة:
أن أكتب دونما لغة
وأن أرسم دونما واسطة
ولكون اللون واسطة لرسم اللوحة وعنصراً بنائياً فيها ، فإن الرسم دون واسطة يعني التخلي عن اللون ، لا لصالح الرسم بالأبيض والأسود ، بل لترك مخيلة القارئ وبصيرته تسهمان في تصور الأشكال بألوانها.إن ذلك توريط للمتلقي في تنفيذ جزئية العمل اللونية. فيما اكتفى الفنان بتسمية اللون في المكان المقترح .أي أنه جعل تصور اللون في موقعه ،وتوافقاته مع سواه ، أو تعارضاته ،من مهمة المتلقي البصري. وعلينا أن نحلل الإشارة التوضيحية التعريفية وسط العمل (وط ن) المنفصلة الحروف. فالوطن بلا لون مؤكد.وإنما تركه الفنان لاحتمالية التكون. وهو موقف في موقف التلميح إلى العراق، هذا الذي تاهت سفن واقعه ومستقبله .
الأرقام تتصاغر هنا.تقطعها النقاط .وتتضخم هذه النقاط تشتد قتامة في أسفل العمل، وتخرج من حده الخطي.
أبعاده (6.9 ×5.5) سم
تطبيق 4
هذا التخطيط أكثر احتشاداٍ مما امتلك من تخطيطات لشاكر حسن.لقد وضع عملين يكمل بعضهما الآخر .وأدخل رسم الأشخاص ، وهو نادراً ما يفعل ذلك في تخطيطاته.لكن ولعه بالأشكال الهندسية تظهر أيضاً .فثمة مستطيل ضم الأرقام والأعداد، وحفل بالتنقيط.وهي أدوات معتادة .لكن الجديد هو هيئة الشخص في الجزء الكبير الأيمن من التخطيط.وهو يوحي بزمن ماض.ويعزز هذا الإستنتاج كون شاكررسم الإسواستكا العراقية القديمة الي كانت توضع على العملةن في بلاد مابين النهرين .
ولطالما تحدث في محاضراته وبعض مقالاته ، عن أصلها الرافديني، قبل أن يتم تحويرها في العصر الحديث.
يمكن لنا رؤية شخصين محدّدين بخطوط خارجية، مستديرين صوب الجزء الأيمن . والعمل خال من الحروف .ولكـنه يشير إلى خلفيته القديمة ، قبل تبني اللغة العربية في العراق القديم. وقام التنقيط بردم المسافات، بينما هيمنت الأعداد في جزء العمل الأيمن. يوثق شاكر عمله هذا بعام 1993
أبعاده (14.5 × 13.4) سم
تطبيق -5-
هذا التخطيط مُهدى لي بإمضاء شاكر في ظهر الورقة المقوى.ومع عبارات الإهداء التقليدية كتب التاريخ16-9-1991.مع توقيع عادي يخالف ما هو مألوف في أعماله التشكيلية. وهو من أقدم مقتنياتي من تخطيطاته زمنياً، حيث أنه مؤرخ في عام 1975.ولا نجد فيه سمات أو أثر الحروفية، واستضافة الأوفاق والأعداد والتنقيط، التي يخلو منها العمل تماماً. ويكتفي باعتماد الخطوط الهندسية وتموجاتها وتعرجاتها. ويمثّل الخط الممتد للأعلى فصلاً بين عالمين يصورهما كانطباع .وفي الأفق تشكلات غيمية أو امتدادت عفوية ،تنوب عن التقنيات اللاحقة التي اعتمدها في التخطيطات.وتلفت هنا الجذور التي ينتهي عندها الخط النازل من السماء.فكأن شاكر ينشئ لوحة، أو يستخدم إنشاء مدرسياً.يمثل الخط شيئاً سماوياً تحتضنه الجذور التي ينتهي في حضنها. ولاشك أن تلك المرحلة في فكر شاكر التشكيلي، لم تكن قد تحررت تماماً من المنظور الواقعي ، أو تمثيل الواقع رمزياً.
أبعاده (16× 25) سم
تطبيق -6-
قدَّم شاكر حسن لي هذا العمل مع أحد مقالاته التي دأبَ على نشرها في مجلة الأقلام ، فترة عملي في تحريرها.وقد أبقى الرسم معي بعد دفعه للنشر .وتتضح في أعلى الصورة القياسات التي طلبتها المصممة عند النشر.
التخطيط يعتمد على تشكيل وجه بشري بواسطة الخطوط الخارجية.وهو يحيل إلى المنحوتات الآشورية ،مركِّزا على شكل العين المميَّز في المأثورات الرافدينية.لكنه آثر أن يحشد في الوجه كل ما عُرفت به تخطيطاته: التنقيط ،والأعداد ،والحروف، والأسهم ،والأشكال المربعة والدائرية.تلفت هنا الأذن التي غدت أشبه بمتاهة خطّية متكررة المحيط .وثمة خطوط دقيقة تتعرج مع امتدادت الأبجدية المتسلسلة الأحرف، بجوار الأرقام المتصاعدة عدّاً ،ولكن بهبوط تنازلي إلى الأسفل.العالم هنا منضبط ومكتمل بالحرف والعدد .وانتظامه إشارة إلى القوة التي أراد الفنان إبرازها في التراث العراقي القديم، وفي حضارته وكيانه بالضرورة.
أبعاده () سم
تطبيق -7-
هذا هو التخطيط الوحيد بالألوان الذي أقتنيه . يتسيد الأزرق والأحمر العمل، بمسحات عفوية تشبه ضربات الفرشاة الحرة..لكن الأحمر يأتي في سردية التخطيط كثيفاً ؛كأنه يريد الغلبة في جدلية الألوان والخطوط.السهمان الأزرقان ينبثقان، كأنما يردّان على وجود الأحمر الكثيف.وفي عنفوان الصعود إلى الأعلى ،يكون السهم الأزرق قد عاد إلى فضاءٍ انبثق منه .
ورغم ما يعكس التخطيط من توتر وحدَّة في الإشتباك على سطحه، كان مشهداً جمالياً تشكَّل من عناق اللونين وجدلهما الأزلي.
أبعاده (11× 21) سم
تطبيق–8
كم من الغضب والإنفعال والتوتر ضجَّت بها روح شاكر حسن، فأجرى القلم على هذه الورقة، ليفرغ تلك الشحنة العاطفية الحارقة؟
لقد ترك قلمه كأنما يمحو وجوداً مرفوضاً ،واشتراطات حياة متعبة، و يكرّس حيرة وجودية لاهبة.
كأنه ينقض بناء.فبدأ من الأسفل ليترك قلمه يتموج في المحو صعوداً.غضب ورفض لا يستثنيان شيئاً. القلم تقوده تلك العاصفة من الهيجان الشعوري المتمثل بالخطوط ، والبقع الكثيفة التي تصنعها توقفاتها ،كغيوم قاتمة وسطها.
العمل مع – مجموعة أخرى- مؤرخ في عام 1991.هل يمكننا إذن أن نحيل إلى سياق التخطيط، ذلك العام الذي شهد قصف مدن العراق ، بعد حماقة صدام ومغامرته المهلكة ، وما حاقَ بالعراق كله من أذى ودمار متواصل، في بنى الحياة كلها؟
أبعاده (12× 25) سم
هشام آل مصطفى، باسم فرات و٣١٢ شخصًا آخر
٦١ تعليقًا
١٠ مشاركات
أعجبني

تعليق
مشاركة