حاتم الصكر يتابع مشروعه حول مفهوم الحداثة- عزت عمر-

 

تعريف شامل بكتابي (تنصيص الآخر-في المثاقفة الشعرية والمنهج ونقد النقد) الصادرعام 2021 عن دار خطوط وظلال -عَمّان، وعرض واف يحيط بأطروحة الكتاب.نشره الأستاذ الكاتب عزت عمر في العدد الأخير من مجلة الشارقة الثقافية.له وللمجلة شكري وامتناني.
* يمكن مطالعة الموضوع في (المجلة) أيضاً، على الرابط المثبت أسفل المقال.
المقال:حاتم الصكَر يتابع مشروعه حول المثاقفة والتناص
عن (دار خطوط وظلال، عمّان، 2021م)، صدر كتاب الباحث والناقد العراقي المقيم في أمريكا، د. حاتم الصكر(تنصيص الآخر/ دراسات في المثاقفة الشعرية والمنهج ونقد النقد). وقد تضمّن دراسات نظرية ونقدية، استكمالاً لمشروعه في تتبع مفهوم الحداثة والنصّ والتناص، وتفاعل الثقافات في مجال الكتابة الشعرية وبعض مشكلاتها.
من وجهة نظره كباحث له حضوره المهم في المشهد الفكري والإبداعي العربي. ومن المعروف تاريخياً أن النصوص السردية والشعرية كانت تتفاعل مع بعضها تؤثّر وتتأثر منذ أقدم الأزمان،
تبعاً لفاعلية التجاور أو انتقال النصوص بواسطة الرحّالة والتجّار والبحارة وسواهم، ممن كان يخالط الثقافات الأخرى؛ بمعنى أن الشاعر لم يكن بمقدوره الانعزال عن ثقافة العصر المديني أو الحضاري السائدة، كما وضّحته وأكّدته دراسات الأدب المقارن، فكان من الضروريّ أن يؤسس الباحث فاعلية التأثير والتأثّر من خلال مفهوم التناص، تناص النصوص باعتباره ضرورة لتكوين الشاعر (الذي لا يمكن أن يكتفي بموهبته)، ولا بد في هذه الحال من تعزيز الموهبة بالثقافة الفكرية والقيم الجمالية السائدة أو المستحسنة في زمانها، وعلى حدّ تعبيره، فقد جرى في التقليد الشائع في دراسات الشعرية العربية أن تمّت المقارنات داخلياً، بين نصوص ذات حاضنة واحدة، برغم أن تاريخ النقد العربي ترك لنا مدوّنات، تؤكد تأثر الشعراء بالنتاج الشعري أو الفكري للثقافات المجاورة والبعيدة، التي تم التواصل معها بطريق الترجمة، وربما من المكرر القول إن أشعار المتنبي وحكم أرسطو تصلح لذلك، ومثلها ما شاع في الشعر العباسي من تأثر بمقولات فلسفية يونانية، ومن حكم الهند وسرد الفرس، وهو ما أتاحته الصفة
الكوزموبوليتية للمدينة العربية، وانفتاحها على الثقافات الأخرى، وكذلك تأثر العلوم اللغوية والبلاغية والفلسفية بالمنطق اليوناني.
وبالانتقال إلى العصور الحديثة، رأى الباحث أنها شهدت كيفيات أخرى للمثاقفة، تمت عبر التماس المباشر مع الآخر بالدراسة والتعلم، وبنشاط الترجمة وفق ثلاثة مستويات هي: المستوى المقارني، وفاعلية التأثير والتأثّر، كما في النموذج الفرنسي الذي طرح هذه القضية من خلال جملة من الأسئلة: أين يتجلّيان؟ أفي اقتباس الشكل أم المفردات والأسلوب؟ أم تقليد اتجاهات الشاعر الأخلاقية وآرائه المختلفة؟
والمستوى الإيديولوجي والاستشراق مع آراء كمال أبو ديب وإدوارد سعيد اللذين اعتمدا آراء ميشال فوكو في مواقف بعض المفكّرين الغربيين من الآخر، في إطار نقده لثقافة التنوير.
والمستوى الفنّي، سرقات المحدثين، ليؤكّد أنه عند هذا المستوى تضيق مساحة المؤثرات، حتّى تغدو استقصاء لما يتركه كاتب في نصّ، وكيف يمكن للناقد كشفه والإشارة إليه في إطار عملية المثاقفة وأثرها في النصّ الشعري العربي، وعلى سبيل المثال، يذكر المؤلف مدى تأثر صلاح عبدالصبور في مسرحيته الشعرية (مأساة الحلاج) بمسرحية (جريمة قتل في الكاتدرائية) لـ ت. س. إليوت، ومدى تأثّر بدر شاكر السيّاب في قصيدته (أنشودة المطر) بقصيدة الشاعرة إيديث سيتويل، (ما يزال المطر يسقط).
ومن جانب آخر، تناول الباحث مسألة الخصومات وأثرها في المشهد الشعري المعاصر، فتوقّف مطوّلاً عند أدونيس لكونه من (أكثر الشعراء العرب تماساً مع الغرب عيشاً وكتابة وترجمة)، وترصد الكثير من النقاد ما اعتبروها تناصاً أو نحلاً، ومنهم المنصف الوهايبي وكاظم جهاد. وفي هذا الصدد أكّد المؤلّف أن مثل هذه الأعمال، إنما كتبت لدوافع انتقامية؛ بسبب الخصومات بين الشعراء، ولم تهتم بجانب المثاقفة والتفاعل الإبداعي.
وعلى غرار ما سبق، تابع الباحث مسألة المثاقفة في فصل خاص أسماه (النصّ والصورة/ المدينة في مرايا المثاقفة الشعرية)، فتابع بضع قصائد لشعراء عرب وأجانب اتخذوا موقفاً هجائياً أو بالأحرى عدائياً من مدينة نيويورك، لدوافع إيديولوجية أو نفسية، على الرغم من أن نيويورك مدينة كسائر مدن العالم،
مكان حيادي حافل بالجمال والحياة، لكن الشعراء لم يتحمّلوا ألاّ تكون مدينة الحلم الفاضلة الموجودة في خيالاتهم، بمن فيهم ابن المدينة ذاتها والت وايتمان في ديوانه (أوراق العشب)، إلى جانب روّادها الأوائل من المهاجرين العرب؛ كجبران خليل جبران، وأمين الريحاني، و والأجانب الزائرين، من مثل غارسيا لوركا، وليوبولد سنغور. والشعراء العرب المعاصرون من مثل أدونيس، البياتي، راشد حسين، سركون بولس وسواهم، وعلى حدّ تعبيره (فهذه المدينة تبدو مدينة تلتهم رؤى الشعراء وتصوّراتهم عنها). أما محمود درويش الذي كتب قصيدة عن نيويورك وأسماها (طباق)، وكان قد أهداها إلى إدوارد سعيد، ووصف فيها لقاءه الحميم معه كمفكّر فلسطيني وعربي، ويقدّم المدينة على أنها (سدوم) الجديدة التي غزت بابل، ولعلّ افتتاحية القصيدة تبيّن موقفه من المدينة: (نيويورك، نوفمبر، الشارع الخامس/ الشمس صحن من المعدن المتطاير/ فوضى لغات/ زحام على مهرجان القيامة/ هاوية كهربائية بعلو السماء/ قصائد ويتمان/ تمثال حرية لا مبال بزوّاره/ جامعات/ مسارح / متاحف للغد/ لا وقتَ في الوقت / قلت لنفسي الغريبة:/هل هذه بابل، أم سدوم؟).
ويجد القارئ في هذا القسم تحليلاً نقدياً للقصيدة، من قبل الباحث والنصّ الكامل للقصيدة. وبدوره كتب أدونيس قصيدة أسماها (قبر من أجل نيويورك) اعتبرها د. الصكر نموذجاً للرؤية الفكرية المتشعّبة، فهي مدينة لا إنسانية، بينما كتب عبدالوهاب البياتي قصيدته (قدّاس جنائزي إلى نيويورك)، وعنوانها يقترب من عنوان قصيدة أدونيس، ولعلّه الموقف ذاته يتكرر في صورة نمطية معتادة في سائر النصوص، التي تناولت المدينة للشعراء العرب والأجانب.
ويفرد المؤلّف فصلاً خاصاً للاستشراق، باعتباره مثاقفة مستمرة منذ الترجمات الأولى للآداب والنصوص الشعرية والسردية العربية، ولطالما تعرّض هذا المفهوم للفهم ولسوء الفهم، تبعاً للأهواء الإيديولوجية، والموقف من الاستعمار والعلاقة مع الآخر غير الأوروبي،
التي تحوّلت لدى بعضهم إلى نزعة شبه عنصرية، تناولها كلّ من تودروف، وميشال فوكو من نقّاد الغرب، وبطبيعة الحال إدوارد سعيد الفلسطيني العربي المهاجر إلى أمريكا. وقد تابع الباحث في هذا الفصل جهود إدوارد سعيد، لكشف خطاب الاستشراق، وتعرية عناصره القائمة على تنميط الشرق بصناعة مولّفة من عناصر مفترضة، وقراءات مغلوطة ذات طابع استعلائي وخلفية استعمارية، تأخذ لبوساً اجتماعياً أو سردية أو فنية أو تاريخية، لتغطّي على الجانب الاستعماري، والاستشراق أو بعضه مما تناوله إدوارد سعيد، أسهم في تبني الشعراء لمسألة الهوية والمكان، كما تمّ في لقاء محمود درويش به، وعلى كلّ حال، الموضوع قديم ومختلف عليه في الأوساط الفكرية والثقافية العربية، كما أشرنا أعلاه، وقد تجاوز العالم هذه النظرة من زمان بعيد، سمّي بمرحلة ما بعد الكولونيالية.
ويعقد الباحث في خواتيم بحثه المتعدد الموضوعات فصلاً في نقد النقد، وبعض أعلامه، ليتوقّف أخيراً عند مفهوم أدب المهجر والمهجرية الجديدة، والتمييز بينهما في ظلّ المعطيات الصراعية الراهنة، وتبدّل المفهوم من المهجر إلى المنفى تبعاً لارتفاع وتيرة الأحداث المدوّية، التي أرغمت الكثير من الكتّاب والفنانين على الهروب من أوطانهم، وعلى حدّ تعبيره: يظلّ الشعر هو الوعاء المناسب لرصد حالة المنفى والمنفيين،
وقدّم نماذج شعرية كثيرة عاينت هذه التغريبة، التي تجاوزت بلاد الغرب شاملة قارات العالم، لكن ما يعزّينا هو تقدّم وتطوّر وسائل التواصل التي أعادت اللحمة ما بين المهاجر/ المنفي ووطنه وثقافته، ليسهم عبر الصحافة العربية ودور النشر في استعادة مكانته، فعادوا إلى مواقعهم في ثقافة بلدانهم، واضمحلت والحال هذه اشتراطات الاندماج الثقافي، ومعه انعدم عنصر هجاء المكان الجديد، فيما اقتربت كتابات المهاجرين من هموم مواطنيهم..
كنموذج ظاهر لانعطافة ما بعد الحداثة وانطلاق زمانها، الذي قال لجملة القضايا التي جلبتها الحداثة معها: وداعاً، ومعه بات كلّ مبدع ومفكّر عنصراً مهمّاً، يسهم بدوره في صياغة النصّ الإنساني الكبير، الذي مازالت البشرية تكتبه منذ بدايات وعيها.
ويجدر التنويه أن مفهوم (تنصيص الأخر) الذي جعله د. حاتم عنواناً أساسياً يرتبط بعملية المثاقفة، باعتبارها عملية معرفية سعت لجعل الآخر بمثابة نصّ قابل للتفاعل الراقي، وترك أثر حضوره في التجربة الشعرية للشاعر، ومدى اقترابه من القيم الجميلة المرتبطة بمفهوم الحداثة وما بعدها. https://alshariqa-althaqafiya.ae/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84?I=zekYp4dws5s%3d&m=5U3QQE93T%2f0%3d
أ.د. رائدة العامري، ود.سعد محمد التميمي و١٥٤ شخصًا آخر
٧١ تعليقًا
مشاركتان
أعجبني

تعليق

٧١ تعليقًا

عرض ٣٥ من التعليقات السابقة
الأكثر ملاءمة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*