يوم ميلاد وذكرى غائب-محمد شنب.24-12-2022

 

لمناسبة ذكرى رحيل الشاعر بدر شاكر السياب كتب الصديق الأديب  والفنان اليمني الأستاذ محمد شنب في صفحته على الفيسبوك كلمات تقدم  رأياً ، وتنم عن الوفاء والمحبة والقدرة على القراءة المقارنِة ،كما يأخذه لها تأويله..والنصوص والوقائع التي اعتمدها .

شكرا ً جزيلاً له على كلماته المنبثقة من حسٍّ شاعري راقٍ..

يوم ميلاد حاضر وذكرى غائب
محمد شنب
………………………………….؛
تنهيدة ذكرى غياب نتنهد بها للشاعر العراقي ذات الوجه الغريب الحزين الذي تزحلق في الخليج والذي نال منه مرض عضال مثلما نالت الحروب المتواصلة على (الرافدين) الشاعر الذي سبق عمره بأكثر من مائة سنة وهو يتنبأ على لسان رموزه الشعرية عن عراقنا الحديث انه بدر شاكر السياب الذي توفي في الكويت 1964/12/24م وشمعة ووردة حضور وتألقا وعطاء وعمر طويل نهديها في عيد ميلادة السبعة والسبعين الشاعر والناقد والمفكر العراقي حاتم الصكر 1945/12/24م
السياب والصكر أرواح متشابهة من حيث الانتماء الإنساني والعروبي والابداعي وهم رموز تموز الخصبة للإبداع العربي حيث وهم من وطن واحد (العراق) العراق الذي ألهم الكثير من الباحثين والفنانين وأدباء وغزاة وطغاة وهكذا فالعراق أرض خصبة في الإبداع والاقتصاد..
ذكرى لروح ترقد بسكينة بعد أن اشتغلت وأبدعت فهي عاشت في (٣٨) سنة ليعد من أهم الشعراء في العالم العربي
لقد كان السياب يعيش الغربة وهذا الحالة التي عاشها الفنان ظهرت في قصائدة وكيف تنقل بين الأدب والسياسة والحياة الذاتية التي تفنن بها الفنان كان يعلم جيدا انه سيموت صغيرا ولهذا ظل يكتب ويترجم قصائد للشعراء الغرب فهو من أوائل المساهمين في وضع حجرة الأساس في الشعر العربي الحديث (الشعر الحر) وظل يكتب كل شيء يطرق جدران جسده النحيل وخزنة ذاكرته وروحه المثمرة كنخيل عراقنا الحر.
السياب عمل على توضيف الأساطير والرموز في شعره كثيرا كما قال عنه الناقد والشاعر حاتم الصكر في أكثر من دراسة عن تجربة الشاعر السياب
عندما أقول أرواح متشابهة بين السياب والصكر وهو أن السياب توفي 1964/12/24م عن عمر ٣٨ عاما حينها كان عمر الصكر ١٩ عاما فهو من مواليد 1945/12/24م
حينها استقال السياب ليكون الصكر صاحب العمر ١٩ حتى يكمل ملحمة واسطورة وحكاية (جيكور) قرية السياب حيث عمل منها السياب أيقونة إبداعية جيكور القرية الصغيرة التي ألهمت وأعطت السياب حروف خضراء وطاقة وحيوية رغم روحة الذي ذبلها المرض وجعلته نحيل يشبه نخيل قريته جيكور التي تعد أسطورة حية كما في أسطورة (كلكامش) في حضارة العراق القديم..
قال مرة فاروق شوشة الشاعر والناقد المصري الكبير عن السياب وقريته جيكور “ولد السياب في قريةجيكور في جنوب العراق. وهي قرية كانت خاملة الذكر، شأنها في ذلك شأن كثير من القرى المنسية في الريف العربي،ولكنها بعد ولادة السياب ونبوغ شاعريته غدت من أكثر القرى العربية ذكرا في أوساط المثقفين بعامة، وقراء شعر السياب بخاصة، ذلك أنه اتخذ منها رمزا غنيا للريف مثقلا بالدلالات والإيحاء”
ويأتي الشاعر والناقد حاتم الصكر ليصف جيكور اليوم لو السياب عاش فترة لا تتجاوز ٣٨ عاما لكن استطاع أن يلخص تاريخ العراق الحديث في معظم قصائدة التي توقع الحرب والمأمرة على العراق من حصار إلى الاحتلال ٢٠٠٣م.
الصكر يحل محل (غيلان_ ابن الشاعر السياب)
السياب يقوم باشتغال عمله الإبداعي بمفردتين هي الوطن بجيكور كمكان وغيلان المستقبل..
“جيكور من شفتيك تولد، من دمائك، في دمائي فتحيل أعمدة المدينة أشجار توت في الربيع.
ومن شوارعها الحزينة تتفجر الأنهار، أسمع من شوارعها الحزينة
ورق البراعم وهو يكبر أو يمص ندى الصباح
والنسغ في الشجيرات يهمس، والسنابل في الرياح تعد الرحى بطعامهن. “
“يا ظلي الممتد حين أموت، ياميلادي عمري من جديد:”
هل الصكر حل مكان غيلان العنصر الفني والإبداع؟
يسرد السياب بوحه على ضفاف نهر جلة والفرات
” فكأن أودية العراق
فتحت نوافذ من رؤاك على سهادي:كل واد وهبته عشتار الأزهر والثمار.”
“هذا خلودي في الحياة تكن معناه الدماء”
“أنا في قرار بويب أرقد، في فراش من رماله، من طينه العطور، والدم من عروقي في زلاله ينثال كي يهب الحياة لكل أعراق النخيل.”
” على المياه، أنت في الورقات روحي والثمار
والماء يهمس بالخرير، يصل حولي بالمحار
وأنا بويب أذوب في فرحي وأرقد في قراري”
“غيلان يصعد فيه نحوي، من تراب أبي وجدي ويداه تلمتمسان، ثم، يدي وتحتضنان خدي فأرى ابتدائي في انتهائي. “
يلخص عراق اليوم السياب
” الأرض يا قفصا من الدم والأظافر والحديد حيث المسيح يظل ليس يموت أو يحيا.. كظل، كيد بلا عصب، كهيكل ميت، كضحى الجليد، النور والظلماء فيه متاهتان بلا حدود وعشتار فيها دون بعل”
يلخص متاهة العراق اليوم
عاشت الصورة الشعرية لقرية جيكور في ذهن السياب من الطفولة حتى الشباب وذبول جسده هنا السياب لم يتعمد على ذكر جيكور بأنها ستحرق وستموت من بعدة ايام الحرب والأفتراء على الحضارة العراقية بأنها حضارة دموية..
السياب يصف قريته “جيكور شدت خيوط النور ارجوحة الصبح.. “
جَيْكُورُ سَتُولَدُ لَكِنِّي
لَنْ أَخْرُجَ فِيهَا مِنْ سِجْنِي
فِي لَيْلِ الطِّينِ الْمَمْدُودِ
لَنْ يَنْبِضَ قَلْبِي كَاللَّحْنِ
فِي الْأَوْتَارِ
لَنْ يَخْفُقَ فِيهِ سِوَى الدُّودِ
هَيْهَاتَ أَتُولَدُ جَيْكُورُ
إِلَّا مِنْ خَضَّةِ مِيلَادِي؟
هَيْهَاتَ أَيَنْبَثِقُ النُّورُ
وَدِمَائِي تُظْلِمُ فِي الْوَادِي؟
أَيُسَقْسِقُ فِيهَا عُصْفُورُ
وَلِسَانِي كُومَةُ أَعْوَادِ؟
وَالْحَقْلُ؟ مَتَى يَلِدُ الْقَمْحَا
وَالْوَرْدَ، وَجُرْحِي مَفْغُورُ
وَعِظَامِي نَاضِحَةٌ مِلْحَا؟
لَا شَيْءَ سِوَى الْعَدَمِ الْعَدَمِ
وَالْمَوْتُ هُوَ الْمَوْتُ الْبَاقِي
يَا لَيْلُ أَظِلَّ مَسِيلَ دَمِي
وَلْتَغْدُ تُرَابًا أَعْرَاقِي!
هَيْهَاتَ، أَتُولَدُ جَيْكُورُ
مِنْ حِقْدِ الْخِنْزِيرِ الْمُتَدَثِّرِ بِاللَّيْلِ
وَالْقُبْلَةُ بُرْعُمَةُ الْقَتْلِ
وَالْغَيْمَةُ رَمْلٌ مَنْثُورُ
يَا جَيْكُورُ؟
السياب لم يقفل قصيدته جيكور ولم يختار كلمات معتمة مات دون أن يعلم بأن الوضع قد تغير وانشودة المطر لم تعد معزوفة حب وسلام لقد تحولت إلى انشودة حرب ظالمة ليكشف عنها لسياب ويصارحه ويحدثه بأن جيكور لم تعد جيكور القرية التي تحبها لقد تعفنت بجثث الأطفال والنساء.
الصكر يخاطب السياب قائلا..
“جيكور متكورة في أعشاش عصافيرها
والعصافير تتمدد في مقبرة القرية
دار جدك مهجورة
-عذرا- مملوءة بغائط الجنود
وروائح قتلاهم
أما الغرف ذات الشناشيل
التي طالما أومأت منها لفتاة أو قصيدة
فهي مسكونة بأشباح الخوف
وصرخات الموتى
وأصوات المدافع
والنخيل.. شجرك الإلهي الذي تحتمي به
كلما عزف المطر أنشودته الحزينة
أو راودتك قصيدة نهارا بأكمله..
أو طلبت موعدا من امرأة
النخيل.. لم تعد له رؤوس
القنابل قطعتها كلها
وردمت مجرى بويب الذي لم تعد
تنق فيه حتى الضفادع
السمك الساهر الذي سألت عن ساعات نومه
والأطفال الذين يداعبون أوجه النائمين على السطوح
والماء الذي يتماوج فوق صفحته (بلم) العاشقين
كل ذلك صار رماد الزمن الهامد
وموقد اليتامى المطفأ
لاشيء
إلا أحجار متفحمة
لعلها أجساد أولئك الغرقى الذين
رأيتهم يقاومون بالمجاذيف غضب الأنهار والعواصف والأمطار
تئن تحت خطاهم القرى
وأنت بأذنيك الخارجتين عن نحول خديك
(تسمع السحاب يشرب المطر)
ولا شيء بعد سوى العقم
غيمة عاقر.. بلا مطر
(ونار بلا لهب)
(طلق بلا ميلاد)
وشعر على شفة خرساء
ومقبرة”
“دار جدك مهجورة – عذرا- مملوءة بغائط الجنود وروائح قتلاهم”
الصكر لوحة فنية فهو ناقد وفنان تشكيلي ويصف لنا بأن قرية جيكور بأنها متكورة في اعشاس عصافيرها والعصافير وتممدد في مقبرة القرية.
خلاصة هذا اليوم كل عام وأنت مبدع..
محمد شنب
:2022/12/24م

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*