أغلاط القراءة

يشكو الأدباء  أحياناً من( القراءة الخاطئة )لنصوصهم أو سوء فهم مقاصدها .وعند البحث عن جذور المصطلح والمفهوم نراه قد تعرض مثل كثير سواه لتعميم وتسطيح، كما نقله التداول إلى دلالات ليست من حيّزه؛ فكانت قراءات مغلوطة له ،كاستخدام الفهم الخاطئ في التداول اليومي غربيا ، للتعبير عن عدم التواصل بين مرسِل ومستقبِل في حوارعادي.
لكن دارسي  المفكر بول ديمان ومفكّكي خطابه التفكيكي! يرون انه يفرق بين قراءة  مغلوطة  وأخرى خاطئة – لعلها تلك التي كرّس لها هارولد بلوم كتابا كاملا هو ( خريطة للقراءة الضالةّ- ترجمه للعربية الشاعر عابد اسماعيل). وضمن (قراءة الغلط)  تقع التفسيرات والتأويلات القاصرة عن فهم الدوال، أو الابتعاد عن مدلولاتها لأسباب في مقدمتها العي و العجزاللغوي ،لكون النصوص-الشعرية خاصة- تستخدم اللغة بخصوصية تقربها من الغموض بفعل السياق الشعري وفضاء المجاز والصور والخيال في عملية الكتابة الشعرية.وأذكر هنا أن أكاديميا متعصبا للقديم دوّن لطلابه نقدا ساخرا للسياب، متهما إياه بأنه تنكّر لرمزه الأثيرويعني المسيح ؛ لأنه قرأ بيتيْ السياب  في مطولته ( بورسعيد) قراءة مغلوطة تستجيب لتقطيع البيت الشعري لا استمرارية المعنى.فقول السياب( ليت المسيح الذي داجى بشرعته/ مَن باع مثواه،راءٍ فيك عن كثبِ/ خُرسٌ نواقيسك الثكلى ،وداميةٌ/ فيك الأناجيل،والموتى بلا صلبِ) فهمه الاستاذ تنكراً للمسيح كرمز أثير لدى السياب،  واتهاما منه  بمداجاة المسيح للشريعة التي أتى بها ،غافلا عن فاعل الفعل داجى وهو  (مَنْ قبل الفعل  باع) وخبرليت (راءٍ) وهو غلط سببته اللغة والتقطيع الشطري للبيت دون ملاحقة المعنى المدوّر في الشطر التالي ،أو لغياب علامات  الترقيم عن القصائد إن شئنا تلمس عذر لغلط القراءة .
وفي ندوات نقدية متخصصة جرى النقاش حول قرابة مصطلح عبدالقاهر الجرجاني ( معنى المعنى) وعنوان كتاب ريتشاردز(معنى المعنى)وأن عبدالقاهر سبق رتشاردز في اجتراح المصطلح. وبين المصطلحين  فرق، حيث يتحدث الجرجاني عن العبارة وما تحمله من معان ثوان لا تظهر بداية او في القراءة المتعجلة،
رغم أنها هي المقصودة في النظم، فيما  يتركز  كتاب  ريتشاردز حول دور المعنى في بناء النص واتجاه التراكيب اللغوية صوب إبرازه، وأهميته في النظرية النقدية.
ثمة أمثلة أخرى سوّقتها القراءات المدرسية المغلوطة ،كتفسير بيت المتنبي ( لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يراق على جوانبه الدمُ) بأنه حديث عن الشرف بمعناه الاخلاقي الذي ضيقته المفاهيم الاجتماعية المتخلفة ،وحصرته في دوال ضيقة  خاصة في مقدمتها شرف المرأة الذي قد يمسه الأعداء،  أو ما تجلب من عار لا يمحى إلا بالدم المراق. بينما قصد المتنبي بالشرف علو النسب والمكانة ، بدليل وصفه له بالرفعة.وكذلك قوله(إذا أنتَ أكرمت الكريم ملكته/ وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا) المفسر سطحيا بنسبة الكرم إلى الميزة الأخلاقية –ضد البخل- فيما عنى المتنبي بالكريم  من كرمت طباعه وتهذبت. إذ لا معنى لإكرام الكريم غير المحتاج أصلاً لمكرمة .
ولو تعقبنا أغلاط المؤوّلين لرأينا مفارقات غريبة ؛ فقد ابتعدت جنة عدْن عما تعني من دلالة على بساتين خالدة  الثمار، باعتبار كلمة عدْن تعني في المعاجم الإقامة في المكان وعدم الزوال منه، وليس نسبة للمدينة التي لم ير رامبو في جوّها إلا حمما تقربه من الجحيم! وكذلك تفسير مفردة الأولاد بالذكور في قول الشاعر: وإنما أولادنا أكبادنا تمشي على الأرضِ. وهي في اللسان العربي تدل على البنين والبنات.لذا فلا تفضيل للذكور على الإناث في البيت الشعري.
أغلاط القراءة ليست بجسامة الضرر الذي تفعله أغلاط الأطباء مثلاً .لكنها في السياق اللغوي والفهم والتفسير والتأويل مدعاة لرصد وتتبع وتأليف لما يصاحبها من شيوع مفاهيم مغلوظة تؤدي لها تلك القراءات المغلوطة.
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*