قراءة في كناب (البئر والعسل)أ.دعاء عادل

قِراءة في كتاب

البئْر والْعَسل: قِراءَات مُعَاصرَة فِي نُصُوص تُراثِيَّة

لِلنَّاقد العراقيِّ د. حَاتِم الصِّكر

دعاء عادل

لَيْس غريبًا أن يُوَاصِل النَّاقد د. حَاتِم الصِّكر سِلْسلَته النَّقْديَّة الجديدة اَلتِي عني فِيهَا بِنَقد النصوص التُّراثيَّة، وَهذَا الاهتمام جاء نَتِيجَة قِراءَات مُكَثفَة وَواعِية لِلنُّصوص مَوضِع البحْث اَلنقْدِي، وَمِن هَذِه السِّلْسلة، يَأتِي كِتَاب “البئْر والْعَسل: قِراءَات مُعَاصرَة فِي نُصُوص تُراثِيَّة، الصَّادر عن دار الرَّافدين بِطبْعَته الثَّالثة سنة 2022. فِي هذَا الإصْدار نَجِد أنَّ النَّاقد فِي هذَا الكتَاب، عني بِالْحكايات التي تُمَثل أهمِّيَّة اَلنَّص الأدَبيِّ من ناحية البعد التأْويليّ، فالتأويل لأيِّ نصٍّ أَدبِي يفتح أفقاً جديداً للنصّ، ولَقد تحمّل النَّاقد مهمة تأويل النُّصوص والغوص في متاهَات لم تكن له من وَسِيلَة للخروج منها سوى اَلنَّص نَفسه، يقول: “إِنَّ البئْر فِي هذَا الكتَاب هُو اَلنَّص، خبر أو حدث أو قِصَّة عاملتهَا بِكوْنِهَا مُتونًا مَعرُوضة لِقراءة التَّأْويل لا التَّقويل”، إِذْن هُنَا حَاوَل النَّاقد أن يَستنطِق اَلنَّص ويستخرج مَا يحْمله مِن دلالَات خفيّة، فالنَّاقد سَلَّط الضَّوْء على اَلنَّص وكشف خباياه وشرع للقارئ طريقاً يرى فيه جماليات جديدة للنصوص الأدبية.
تنصبُّ فِكْرَةُ الكتَاب كُلِّه على قِراءة بعض النُّصوص التراثية، فَكَان ثَمَّة قَصْد فِي عَمَليَّة تَّأْليف هذَا الكتَاب، وَهِو إِظهَار مقاصد نصِّيِّة رُبمَا غفل عَنْها اَلمُؤلف نفسه؛ فالْقارئ يجد تحليلات مُختلفَة جوهرها تأْوِيل النُّصوص والبحث عن معْنى جديد تبُوح بِه النُّصوص التي تتكلّم للقارئ على الدوام وتمنحه معاني جديدة، فهي لَيسَت خَرْساء، على الرَّغْم مِن شكْلهَا الخطِّيِّ المسْطور على بَيَاض الورق، فمًا تتَضمنه الكتَاب مِن نُصُوص أَرَاد النَّاقد إِعادة الحَيَاة إليها عبر استكشاف كوامن معانيها، وبالنسبة إليه فإن قراءتها وتأويلها ينطوي على لذة يمنحها النصّ أيضاً، إنها (لذة النصّ)، “اللَّذَّة اَلتِي تُتيحهَا القراءة”. بدا الدكتور حاتم الصكر ناقداً من طراز خاص، وهُو يَغُوص فِي بَاطِن النصّ، ويتعَمَّق في البحث عن دلالاته، كَأنَّه عَالِم آثار يَبحَث عن اَلْجَوهر المخْبوء تَحْت بَاطِن الأرْض.
ألمَّ د. الصكر بتفصيلات النصّ إلماماً أساسياً لكي يعرف أسرار النصّ، تناولَ في الكتابِ فهمَ النصِ والأهدافِ المعادةِ والكاهنِ الأسودِ ، تأملاتٌ في فضاءِ الغرابِ ، والعصا المبصرةُ ، تجلياتُ التوصيلِ في حاسةٍ غائبةٍ ، والحكمةُ الرعناءُ حولَ القدرةِ التواصليةِ في الجنونِ ، والعينُ تبكي وتضحكُ ، انشطارُ العاطفةِ ، الإنسانُ في السفينةِ ، اتساعُ المشهدِ وضيقِ الفضاءِ ، نصوصٌ بابليةٌ ، غواياتُ المؤلفِ ، طرفُ الحبلِ الخفيِ ، وغيرها … منْ المحتوياتِ .
“السِّرّ” اَلذِي رَافَق الإنْسان مُنْذ اَلخُلق الأوَّل فَإِن ثَمَّة أسْرارًا خَفيَّة كمَا يَقُول اِبْن الفارض أرق مِن اَلنسِيم، وَيظَل السِّرّ فِي سديم الغيَاب، لََا سبيل إِلى إِظْهاره فِعْليًّا إِلَّا بِتغْيِير هَيئَتِه، وإظْهاره إِلى العلن أو إِشْهاره وإذاعته هَكذَا تَتَفجَّر طَاقَة السِّرِّ وَقوتِه الاتِّصاليَّة . واسْتعان النَّاقد بِرَأي الجاحظ ( 255 ) . فَإِن أحد الفقهاء اِطَّلع على أَسرَار لََا يحْتملهَا العامَّة ضاق صَدرُه بِهَا فَذهَب إِلى العرَاء وحفْر حُفرَة أوْدعَهَا دنَا وَرَاح يَختَلِف على هذَا اَلدِن يُحْدِثه بِمَا سَمِع فَيرُوح عن قَلبِه . ويتحَدَّث الجاحظ على مِساوْىء إِفشَاء الأسْرار، فَيقُول إِنَّ صَاحِب السِّرِّ يَبقَى مالكًا لَه حَتَّى يُذيعه أو يُفْلِت مِنْه إِلى أُذُن وَاحِدة، فسرْعَان مَا يُشيِّع ويدْفع إِلى إِذْن ثَانِية فَثالِثة . وعنْدئذ يُصْبِح صَاحِب السِّرِّ عبْدًا لَمِن اِئْتمَنه على سِرِّه وَرَهينَة بَيْن يديْه . فالْجاحظ لََا يُنْكِر أنَّ مِن طَبْع الإنْسان مَحبَّة الأخْبار والاسْتخْبار، إِذْن اللِّسَان أَدَاة مُسْتعْملة لََا حمد لَه ولَا ذم عليْه . وَبهَذِه اَلصفَة تَوَاترَت الأخْبار مِن الماضي إِلى الحاضر، وَمِن الشَّاهد إِلى الغائب . لَقد وَجدَت القارئة مُتَذوقَة فِي نُقُود د . حَاتِم الصِّكْر، أَشيَاء كَثِيرَة وَمِنهَا كالْآتي : يَعتَمِد النَّاقد د . حَاتِم الصِّكْر عَلى مَنهجِية نَقدِية فِي النُّصوص اَلتِي يُخْضعهَا لِبحْثه اَلنقْدِي، وَفْق شُرُوط النَّاقد الإبْداعيَّة، وَأوَّل مَا يَتَبادَر إِلى الذِّهْن أن تَرجِع إِلى النُّصوص وَإلَى طَرِيقَة النَّاقد فِي النَّقْد اَلذِي نظر لَه وَطُبق وَفْق الدَّرْس اَلنقْدِي اَلحدِيث .
قد تكون صورة ‏تحتوي على النص '‏جامعة الكوفة دراسات فكرية حاتم حاتم الصكر البئر والعسل قراءات معاصرة في نصوص تراثية‏'‏

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*