الفضاء النصي -قراءة تأويلية في شعر حاتم الصكَر-كتاب جديد للدكتورة رائدة العامري

رائدة العامري

عن دار أبجد للنشر في بابل-العراق، صدر كتاب  جديد للأستاذة الدكتورة رائدة العامري أستاذة الأدب والنقد الحديث في جامعة بابل،  بعنوان(الفضاء النصّي -قراءة تأويلية في شعر حاتم الصكَر)-

أثبت هنا محتويات الكتاب.

ومقدمة الدكتورة العامري للكتاب.

ضمت محتويات الكتاب الفصول والأجزاء البحثية التالية:

 

المحتويات

 

المقدّمة: (حاتم الصكر الناقد شاعراً)

فضاء العتبات النصية

  • العتبات النصية: الرؤية والمفهوم
  • عتبة العنوان: هوية التشكيل النصي
  • عتبة التصدير: فعالية التأويل والتحليل
  • عتبة التقديم: الدفاع عن النموذج

الفضاء النصي البصري: جماليات التشكيل الشعري

  • مدخل
  • اللون دالاً شعرياً تشكيلياً
  • فضاء اللوحة النصية

المكان التشكيلي النصي

  • مدخل
  • المكان بوصفه مسرحاً للحدث الشعري
  • الفضاء الشعري المكاني

فضاء الشخصيّة النصيّة

  • مدخل
  • الشخصية الشعرية التراثية
  • شخصيّة (الآخر) الشعري
  • شخصية الريادة الشعرية
  • الشخصية الشعرية الحداثية
  • الشخصية الشعرية المكانية
  • الشخصية الشعرية التأملية
  • الشخصية الشعرية الطائرة

المقدّمة

(حاتم الصكر الناقد شاعراً)

 

يقدّم الناقد حاتم الصكر صورته الشعرية بخطاب تقديمي يدافع فيه عن طبيعة الفضاء النصي لتجربته الشعرية، وهو دفاع نقديّ عن هويّة الشاعر يتضمّن دفاعاً شعريّاً عن هويّة الناقد في آن واحد، داخل نوع أفقي وعمودي من الالتحام التشكيلي المكوّن لهذا الفضاء في درجة مهمة من درجاته وتجلياته، وقد تصدّر هذا الخطاب إصدار مجموعاته الشعرية الأربع مؤخراً بعنوان “ربّما كان سواي”ـ إذ يبدأ العنوان بلفظة “ربّما” الاحتمالية التي تفيد التشكيك وعدم التحقق من حصول الفعل أو إمكانية حصوله في المنظور الاحتمالي.

يشير العنوان في هذا السياق إلى اعتذار ضمنيّ عن بساطة وأوليّة أشعاره الأولى، فمفردة “سواي” العازلة تريد أن تفصل الذات الشعرية القديمة -ما قبل الوعي الحالي- عن الذات النقدية الحديثة بوعيها العالي، لكنّ الشاعر يصرّ في خطاب المقدّمة هذا على إثبات التجربة في تطورها التاريخي كما هي بلا تدخّل؛ حفاظاً على صورتها الطبيعية من دون إجراء أية تحسينات لاحقة على وضع سابق، وهي مسألة فيها نقاش حتماً لكنها تعود في نهاية الأمر على خيارات الشاعر بحسب طبيعة رؤيته الخاصة لتجربته.

إنّ هذه المقدمة التي وضعها الصكر هي بمثابة رؤية شعرية تختصر كثيراً من الكلام حول جوهر تجربته، وتحاول أن تضع الأشياء في مساراتها الطبيعية لكي يتعرّف القارئ بدقّة على الهوية الشعرية للشاعر حاتم الصكر، بكل ما يحيط بها من سمعة نقدية واجتهاد نقدي ومنجز نقدي فاق كثيراً سمعته واجتهاده ومنجزه الشعري، بحيث لم يعد من المناسب وضع التجربتين في ميزان إبداعي واحد، لأن حجم الإنجاز في كل مسار هو من يحدد القيمة الاعتبارية والمعرفية والأدبية للصورة الإبداعية التي تناسب صورة المبدع.

غير أن المرجعية الشعرية للناقد ظلّت حاضرة بأشكال مختلفة لتعلن حضور الشعري في النقدي دائماً، ويمكن معاينة هذه المقدمة معاينة دقيقة للكشف عن قدرة الناقد على تلخيص صورة الشاعر ووضعها في مكانها الطبيعي، وهو لا يخفي ما مرّ به من إشكالات -وربّما إحراجات- على مستوى الظهر بمظهر الشاعر في حضرة الناقد العالي الحضور في المشهد الأدبي العام، ومن هنا تتشكل صورة الازدواجية التشكيلية لصورة المبدع بين النقدي البارز من جهة، والشاعر الخجول من جهة أخرى، على هذا النحو:

“كان عليّ أن أتردد قليلا حتى أتبع نداءات القصيدة، وهي في أجنّة وعيي، وبواكير لغتي، وطفولة رؤيتي، واحتمالاتها المتجسدة في تقويم إحساسي وتفاصيل أيامه.. إحساسي بها، قبل مفارقتها إلى سواحلها التي تنتهي عن موجاتها. فلا يظل لنا سوى قراءتها: بما تضمّ من فضاء شعري تخبو فيه نجومها أحياناً، أو تتكاثف فوقها سُحب الشعر، فتحجبها، أو يغرقها فائض من مطرها، وما يختبئ في أعماقها من رؤى، وما يطفو فوقها من زَبد أحياناً.

لكنّها -أعني ما تضمّ الدواوين الأربعة- من أشعار وقصائد أفرّق بينهما عامداً-

تجد لها مكاناً الآن، وأنا أعيد حسابات حياتي وإرثها الشحيح، وجراحها الوفيرة، ليس من الادّعاء الزعم بأنّ الشعر بشغبه، أحد جناياتها. والقصيدة بقلقها من بعد، إحدى ملاذاتها. ويكرّس هذا التصوّر ما عشته من زمن الكتابة النقدية، وسورت نفسي- بقناعات نظرية لاحقت يقينها وأوهامها في نصوص سكنت مخيلتي. فصار لهذا الميراث النقدي ثقل يتجاذب مع نزق الشعر وخيالاته التي سيبدو لبعضها مفارقا لقناعاتي النظرية حول حداثة الشعر. تثقلها وزينة عالية أو انسياق وراء الموسيقى الخارجية وقت لم يكن الإدراك كافياً للبحث عن إيقاعات بديلة.

ولم أشأ حذف تلك النصوص الأولى، ولا تجميلها فظلت صدى لسواي الذي كنته.

بهذا التردد بين قوسين لا ينغلقان، وبينهما يتأرجح الوعي والشعور والإدراك، كان الآخر الشعري، ينظر في صفحات، ليست مدوّنات بل أجسام في مجرّة بعيدة، كأنّما في مشهد لا يعنيه، ولم يعش في تفاصيله الحارقة”.

ترتبط إشكاليّة الناقد الشاعر أو الشاعر الناقد بالشخصية التي تجمع هذين النشاطين الإبداعيين في سلّة واحدة، ويمكن هنا على سبيل الحوار والسجال استعادة مقولة (الناقد شاعر فاشل) على سبيل مقاربتها من خلال هذه التجربة، فهي مقولة ليست دقيقة ولا صحيحة على صعيد فعالية الحضور بين النقدي والشعري، فثمّة الناقد الشاعر مثل نموذج حاتم الصكر هنا يجعل منه ناقدا عارفا بأسرار الشعر أكثر من الناقد غير الشاعر، فهو في جذوره الشعرية يتمكّن من معرفة كثير من أسرار العملية الشعرية مما لا يعرف غيره من النقاد.

بهذا تكون المرجعية الشعرية الإبداعية عونا كبيرا للفاعلية النقدية وسندا أصيلا لها، حتى وإن لم يكن شاعرا كبيرا مثل أبناء جيله المتميزين في حقل الشعر؛ لكنّ تجربته الشعرية أسهمت في تطوير أدواته النقدية وجعلته أكثر معرفة وغوصا في بواطن الشعر المنقود على يديه، وما “تردده” هنا في جمع أشعاره سوى بسبب ما بلغته سمعته النقدية من شهرة، أضعفت ربما مصيره الشعري في طبقة معينة من طبقاته، ولهذا هو يتردد في إعادة تقديم نفسه شاعرا على هذا النحو الإشهاري في هذا السياق.

لا شك في أن الهوى الشعري هو الهوى الأول للإنسان العربي مهما كانت ثقافته ومستواه الدراسي، ثم الهوى الأول للمثقف والأديب العربي بحيث ربما لا يوجد عربي لم يجرّب كتابة الشعر بأي شكل من أشكاله، غير أن هذا هو عالم الشعر بعموميته وانفتاحه وانتشاره وتداوله، أما القصيدة فهي شغل الشعراء المكرّسين الذين ينتمون إلى هذا الحقل الإبداعي من خلال تجارب واضحة وأصيلة، فلا مشاحة إذن في يكون ناقد الشعر شاعراً في أساس تكوينه ونشأته الأدبية ومسيرته الثقافية.

إن عملية الانصراف إلى حجم الاستجابة من طرف مجتمع القراءة والتلقي هو الذي يحدد الهوية التي يُعرف بها الأديب، ولا سيما حين يجمع الصفتين معاً “الشعرية والنقدية” مثل شاعرنا وناقدنا حاتم الصكر، إذ إن تجربته هي تجربة عميقة في النقد ومن ثم الدخول في الأكاديمية التي طوّرت كثيرا هذا الجهد النقدي، فضلا عن علاقة هذه التجربة النقدية بالصحافة الأدبية ذات الاستمرارية الكثيفة على أكثر من صعيد، على النحو الذي أسهم في طغيان الشهرة المحلية والعربية بصفة “الناقد” متفوقة على صفة “شاعر”، بما يحمل الكثيرين من قرّائه على الاستغراب من هذه الصفة التي لا يعرفون عنها شيئاً، لكنّهم حين يطّلعون على تجربته الشعرية وقد جمعت بهذه الطريقة التي شملت دواوينه كلها، سيجدون أنهم أمام شاعر موهوب يعرف مداخل الشعر ومخارجه ومضايقه وحالاته وضروراته، مع أن الصفة النقدية هي الصفة الغالبة التي عرّفت جمهور القرّاء به عبر سلسلة كتبه النقدية المهمة.

يبقى الحلم الشعري قائما وفاعلا في الداخل الإنساني والروحي للشاعر مهما ابتعد عنه بفعل عوامل وأسباب كثيرة، وهذا الحلم لا يمكن تغييبه مهما حاول صاحبه لأنه حلم قلق لا يستوي على حال معينة مهما طال الزمن، وهنا فيما يتعلق بالناقد الشاعر حاتم الصكر وعلى الرغم من تردده في نفض الغبار عن وجهه الشعري، إلا أنه في نهاية الأمر وضعنا وجهاً لوجه أمام تجربة شعرية تستحق العناية والقراءة والتحليل والتأويل.

إنها تجربة تحمل في طياتها وطبقاتها هموم الشاعر والعصر ضمن رؤية مثقفة وواعية وخبيرة ومجرّبة، فهو ربما منذ خمسة عقود في العراق ومن ثم خارجه في العقدين الأخيرين لم يبتعد عن الفضاء الثقافي والأدبي أبداً، لا بل كان عنصرا فعّالاً داخل هذا الفضاء على الأصعدة كافة، فهو من صنّاع الثقافة العراقية على مدى عقود أسهم في تطوير مجلة الأقلام العراقية المهمة، وفي كل المواقع الثقافية والإبداعية التي اشتغل فيها من دون تتشوّه هذه التجربة أو تتلطّخ بأي مظهر سلبي.

لقد ظلّ يعمل الشاعر الناقد الأكاديمي حاتم الصكر بروح المثقف التنويري والطليعي بقوة واندفاع وهمّة عالية في جميع المواقع التي عمل فيها، مخلصا وحاويا وجامعا ومحرّضا لمزيد من التنوير والتثقيف والطليعية والتقدمية، ومن هنا فإن تجربته الشعرية التي نطّلع عليها كاملة الآن تمثّل هذه الشخصية النوعية الفريدة ثقافياً وإبداعياً، وعلينا أن نقارب شعره انطلاقا من هذه الرؤية الشاملة والمتكاملة التي لا تتكرر كثيراً، والتي يحلّ فيها الشعر ضيفاً أثيراً ومرحَّباً به على صفات وخصائص أخرى مهمة وأصيلة، تسهم في تكامل الشخصية وتطوّر تأثيرها الأدبي على مستويات عديدة ومتنوعة.

لعل من أبرز ملاحظات تأثير الشعري في النقدي داخل هذه التجربة المعطاء هي طبيعة اللغة النقدية التي يمارسها الناقد باقتدار وحيوية ونشاط خلاق، فهي لغة نقدية فيها كثير من الطاقة الشعرية والحسّ الشعري والتشكيل الداخلي الشعري، فلو راجعنا حتى عناوين أعماله النقدية ابتداء من كتابه “الأصابع في موقد الشعر” سنجد أن الصورة الشعرية ذات الدلالة النقدية حاضرة في التشكيل العنواني، ناهيك عن لغة التحليل والتأويل التي نادرا ما تغادر هذه المنطقة الشعرية الصافية والمثمرة والمولِّدة، وهذه فرادة نقدية لا يمكن لأي ناقد أن يتحصّل عليها إن لم يكن شاعرا في أصل تكوينه.

تتجلى هذه الحساسية النقدية التي يمتلكها الصكر على مستوى اللغة في فضاء الرؤية النقدية العامة ذات الحساسية الشعرية، وعلى الرغم من أن هذه اللغة لمن لا يحسن استخدامها واستثمارها على النحو المطلوب والصحيح والمناسب؛ قد تنعكس سلبيا على الأداء النقدي في الميدان القرائي، إلا أنّ كتابات الصكر النقدية ظلّت عميقة وأصيلة وتتناول موضوعات وقضايا وإشكالات غاية في الأهمية والخطورة، ولم تتنازل ابداً عن شروطها الموضوعية التي لا بد منها كي تكون الكتابة النقدية في المكانة التي تستحقها.

من هنا بوسعنا القول إن فضاء الشخصية النقدية -وحتى الحياتية- في تجربة الناقد والشاعر حاتم الصكر هو فضاء ثرّ ومنتِج، يأتي دائماً مشحوناً بطاقة شعرية واضحة وعميقة ومتجلية في الأفعال والأقوال، فهو كاتب متنوّع لا يهدأ ولا يتهاون ولا يصمت مع كلّ المصاعب التي وقفت في طريقه وحاولت عرقلة مسيرته الإبداعية، إنّه بحق كاتب نوعي في كل ما كتب؛ ومنها هذه التجربة الشعرية التي نحن بصدد مقاربتها في هذا الكتاب، بعد أن تشرّفنا بجمعها في مناسبة سابقة كي تكون في أيدي الدارسين والنقاد والمهتمّين بالشأن المعرفي العربي، والشعري منه على نحو خاص في تجربة نوعية من  هذا الطراز.

قد تكون صورة ‏نص‏

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*