رماد الحضارة

لن يكون المغول بعد اليوم وهمجية غزواتهم وتدميرهم مثالا نموذجيا .الدواعش قدموا ما يجعلهم جديرين بأوصاف الهمجية والتدمير الحضاري، وهم يقدمون أمثلة على ما يجره فكرهم التكفيري ومنهجهم الوحشي من دمار وخراب.لقد غدت معالم الحضارة بأيديهم المجرمة رمادا: المراقد والمزارات، تماثيل المبدعين التي دمروها كأبي تمام وعثمان الموصلي والمعري ،والكتب التي أقاموا لها محرقة رهيبة والمخطوطات النادرة التي أتلفوها ،وموجودات متحف الموصل الحضاري واللقى والكِسَر والألواح التراثية.بل تلك المدن التي جرفتها معدّاتهم بوحشية لا تصدق: مدن النمرود وخرساباد والحضر وسواها. وما فيها من  تحف فنية نادرة ،وتماثيل ليست الثيران المجنحة إلا بعضا منها.المدن التي خلدت على مدى الزمن و فاقت آلاف الأعوام صارت رمادا.مكتبة سرجون الأكدي بألواحها المكتوبة بالخط المسماري، ومعالم  دولة آشور-واحدة من ثلاث علامات في المنطقة: هي وبابل وسومر ،وأبرز حضارات البشر صارت ركاما وحطاما. نتيقن الآن أن بين الفكر الهمجي للمتطرفين الغلاة والجهل صلة وثيقة. فليست معالم الحضارة عندهم إلا أصناما يجب أن تزال كي لا تعبد ! وهم بعمائهم الفكري وفقدان الثقافة لا يرون جمالياتها ودلالاتها الفكرية ،وشهادتها على إبداع الإنسان في أزهى عصور حضارته وثقافته.
لقد كتبتُ في صفحتي هذه منذ أشهر عن الخسائر غير المنظورة لهجمة المتطرفين القتلة، وعنيت بها هذا الذي حصل مؤخرا ،بما تركوا وما سيتركون من دمار في هوية الأرض التي استباحوها ، وتاريخها ومنجز البشر فوقها ، بجانب ما قتلوا من البشر الذين لا يوافقون منهجهم الدموي وتكفير الاخر ومحوه،وبجانب ما قد أوقفوا من حيوية المجتمعات ومظاهر عيشها في عصرها لا على هامشه أو حواشيه ؛كالفنون والاداب ومشاركة المرأة والعلوم الحديثة والتقنيات والمبتكرات العلمية.إنهم بإيجاز يعيدون الحياة إلى الوراء ؛لتكون أعمالهم هي المثل النموذجي لما يمكن أن يفعله التطرف والفكر الظلامي .وقد يكون من حقنا  جميعا الشعور بالعار الذي ستسجله أجيالنا اللاحقة؛ لأننا شهدنا عصرا تحطمت فيه شواخص الحضارة واستبيح البشر وتاريخهم بهذه الطريقة التي لا يحصرها وصف أو تحيط بها تسمية.
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*