الضفاف الكندية

الضفاف الكندية

 الضفة الكندية من نهر ديترويت  تبدو في  نهار من شهر نوفمبر 2013 لقادم مثلي بسيارة مستأجرة ووسط نثيث مطر متواصل طوال اليوم حاجزا جغرافيا علينا الوصول إليه عبر جسر امباسودور من ولاية متشغن ومدينة ديترويت تحديدا؛ لنجد أنفسنا وسط مدينة وندزور الكندية التي تلوح للعين من الضفة الأمريكية على النهر.تقدم ديترويت التي تقابل  الضفة الكندية  مشهدا عصريا  حداثيا ،فهي مدينة السيارات كما تعرف عادة تذكيرا بمواطنها  ساكن ديربون القريبة هنري  فورد ومصنع السيارات الذي دشنه خلال حياته مطلع القرن الماضي ، وظل علامة على المدينة التي يحمل اسمه كثير من  مؤسساتها  وشوارعها وساحاتها وجامعاتها. وتحول بيته إلى متحف لمقتنياته ولنماذج أولى  من السيارات التي اقترنت باسمه .  وراءنا تظل ديترويت العمائر والمشاهد العصرية ومعالم صيرفية وسياحية تتفرد بها .خليط من جماليات بصرية وروحية وشواهد على الثقافات الممتزجة في فضائها .يستقبلنا علم كندا الذي تتوسطه الورقة الأكثر شهرة ووجودا في كندا: ورقة شجرة القبقب أو الأسفندان بلونها الأحمر، والتي تغطي في أيام الخريف المتأخرة هذه المساحات كلها في الشوارع والمزارع على السواء ،

تكنسها الريح وتذروها طبقة طبقة فتغطي الأرض وتصبح سطحا أليفا تعتاده العين.

اخترنا الجسر للعبور وتجنبنا  النفق الأطول والأكثر تعقيدا .الجسر يمثل علامة التآخي بين الضفتين والبلدين .وللعابر العربي حسرة يتركها كلما عبر الجسر، فالإجراءات الرسمية لا تستغرق إلا دقائق ، بينما تحمل ذاكرته عناء انتظاره الطويل  في المطارات والحدود العربية. وسيلفت انتباهنا وجود ثلاثة أعلام تعتلي البنايات بكثرة لافتة:علم كندا وامريكا وبريطانيا.لقد احتل البريطانيون أجزاء كثيرة من كندا منذ العام 1763 ووسمت  بريطانيا المقاطعات المحتلة بثقافتها، لذلك يتكلم كنديو الجنوب الانجليزية كلغة أم. وكدولة من الكومنوولث تحتفظ كندا بكثير من معالم الاحتلال الذي انتهى رسميا في عام 1931 وظلت معالمه شاخصة حتى في التسميات .ونزور اسم تحمله عدة مدن في العالم استرجاعا للعائلة الملكية الحاكمة بعد الحرب الكونية الأولى .وتليها مدينة لندن الأقرب لتورنتو المقاطعة الأكبر والتي تعج بالمهاجرين من قارات العالم المختلفة.وبعد اجتياز ونزور مدينة الورد الأحمر كما يسمميها الكنديون سندخل مدينة لندن ويستوقفنا ريفها المتناظر السمات والحافل بالمزروعات ما يجعلنا نلاحظ الانتقال من صناعية ديترويت إلى فضاءات الزرع الكندي .سبيل لا بد من عبوره صعودا نحو الشمال برفقة المطر دائما. ذي هي أنتاريو إذن التي تردد ذكرها كثيرا في الأسابيع الأخيرة فالفائزة بنوبل هذا العام أليس مونرو من مواطنات هذه المدينة.تكرر الأسم كثيرا في سياق نبأ فوز مونرو ككاتبة قصة قصيرة.وفهمنا لماذا قضت بعض سني حياتها في أمريكا القريبة من الجنوب الكندي لكنها لم تستوطن فيها بينما ظل مواطنها النوبلي الكاتب سول بيلو في أمريكا منذ بلوغه التاسعة لذا يعد كاتبا أمريكيا في الحقيقة. هي إذن أول أديبة كندية تكافأ بنوبل لجهودها في كتابة القصة القصيرة ذات البعد الواقعي، واستلهامها المرائي والحيوات الكندية في الريف خاصة والمدن الصغيرة.صحبتني تقارير فوزها واستعدتها وأنا في التراب الكندي حيث عاشت مونرو طويلا.ولكن خبرا آخر كان يوازي ضجة الفوز النوبلي.عمدة مدينة تورنتو روب فورد يواجه فضيحة تعاطيه المخدرات  وإنكاره ثم اعترافه بالتعاطي . ونحن في وابل المطر المرافق لنا حتى توقفنا في لندن  رحنا نقارن ما جلب السياسي الحاكم لمدينته، وما جلبت الكاتبة النوبلية لمدينتها. التقارير العالمية كلها تتحدث عن ريف تورنتو ومرجعية قصصها في فضائه وعن إصداراتها في حقل القصة القصيرة التي أفرح كتابَها وقراءَها خبرُ فوز القاصة مونرو بنوبل، وكأنها بذلك تسهم عمليا في تغيير وجهة النظر التي سادت مؤخرا عن ذبول الكتابة القصصية إزاء تسيد الرواية للكتابة والقراءة معا.تتصادى على جانبي الطريق رؤى السرد والواقع الذي أرادت القاصة أن تدونه؛ فألهبت مخيلتنا وصرنا نراها في كل منعطف . غدت الرحلة أشبه باقتفاء أثر وصفها وشخصياتها وحبكاتها..ننتهي ورقيا فيما  تشرئب في الخارج  معالم لندن ممزوجة بتلك الأصداء.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*