الهبوط إلى برج القوس- شعر-دار أروقة 2020

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الهبوط إلى برج القوس
جنايات من  الزمن الشعري
 
قصائد
 
                                    * حاتم الصكَر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
عند العتبة:
  هذه نصوص مستعادة من زمن شعري قديم مررت به ولم أتوقف طويلاً ،رغم أني تركت ظلي  هناك، لذا فهي تجمع الموزون مع قصائد النثر ، فكانت بذا  جنايات أو سوابق تلاحقني حتى أرسلتها -بمفارقة غريبة- إلى النسيان عبر البوح بها، فكأنها أسرار لا تتحقق إلا بهتكها وإذاعتها…جنايات لكنها تؤرخ لزمن مرَّ بي ولم يتوقف…
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المحتويات
 

  • بألسنةٍ أخرى.. وبقلب الشاعر: مختارات
  • أسماء.. وأفعال
  • المعذَّب السومري
  • الطيور لا تقع على أشكالها
  • قصيدتان

 

  • تساؤلات
  • بورتريهات مقربة
  • المراثي:
  • المسمار الثالث عشرفي نعش انتظاراتنا-ذكرى اختطاف عدي
  • موت معلّم العربية
  • القبر
  • قرنفلة نبيل السروري
  • بورتريه شعري وتداعيات: في ذكرى عدنان أبو شادي
  • موت الغزالة
  • السفينة بلا أصدقاء
  • وسيلةٌ ما
  • توقيعات
  • غزالة حلم
  • بداية.. ونهاية
  • ثرثرة العالم
  • الهبوط إلى برج القوس
  • قادم من ظمأ.. وشفتاكِ نبع
  • قبل صياح الحرب
  • احتراق
  • الرحم والشجرة
  • القبر والمكتب
  • من شرفة الخمسين
  • قومي لننفض عن رأسينا غبار الأيام القادمة
  • تعريفات
  • ثلاث تاءات مربوطة
  • بألسنة أخرى.. أيضاً: مختارات أخيرة
  • الخروج من برج القوس: ملاحظات في الولادة والشعر والموت

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
بألسنةٍ أخرى..وقلب الشاعر
                                   مختارات
 

  • .. وقلتُ لها: كوني لي رفيقاً فأنا من أَهلكِ

فأجابتني: لم أعد أعرف لي قريباً من غريب
ولي صدرٌ به نجوى: أأشرحها أم أخفيها؟
* جلال الدين الرومي

  • يا قصوراً في الهواء

مَنْ منّا لا يبنيك وهماً أو عبثاً؟
شِراكٌ نُصِبت لكلّ مجنون وعاقل.
* لافونتين

  • العقول النبيّة مثل الطبيعة

تحيا وتعمل في شبه غيبوبة.
* أدونيس
 

  • أهنالك ماءٌ يروي

ظمأ الماء؟
* أدونيس
 

  • إنه الغول الرقيق.. الضجر

وأنت تعرفه أيها القارئ المنافق يا شبيهي يا أخي
* بودلير
– إلى القارئ-

  • لو كان لي حاضرٌ آخر

لآمتلكتُ مفاتيح أمسي
ولو كان أمسي معي
لآمتلكتُ غدي كله..
* محمود درويش
 

  • تلك غزالة سبقت جنازتها

وطارت في مهب الأقحوان
يا حُبّ! يا مرضي المريض
كفى! كفى!
لا تنسَ قبرك مَرةً أخرى
* محمود درويش

  • أُصغي إلى جسدي

للموتِ فاكهة
وللحياةِ حياةٌ لا تُجددها
إلاّ على جسدٍ..
يصغي إلى جَسَد..
* محمود درويش
 

  • لكن! لا تصدق امرأة سواي.. ولا تصدق ذكرياتك دائماً

وانطلق كالمُهر في الدنيا.. وكنْ مَنْ أنت حيث تكون
وأحمل عبء قلبِكَ وحده.
وارجع إذا اتسعت بلادُك للبلاد
وغيرت أحوالها
* محمود درويش
 

  • ” الطرائق بعدد الخلائق”  * ابن عربي

 

  • ” الهاء واحد والألف واحدة، فأضرب الواحد في مثله يكن الحاصل واحداً، فصحَّ انفصال الخلق عن الحق فبقي الحق” * ابن عربي
  • “الفراسة بريد المؤمن” * أحمد بن علوان

 

  • ” نحن لا نموت من الموت بل من الحياة” * أكتافيوباث
  • الذي يقودني كائناً من كان هو أكثر جنوناً مني. هكذا يتكلم عطشنا

* سيوران

  • أيها الجامحُ المارقُ

ما أمرَّ الطريق إلى الذات، في نشوة العشقِ
يا أيها العاشق.
* أدونيس ( الكتاب I)

  • في أحضان الحب

يصير الموت عشيقاً
* أدونيس ( الكتاب I)

  • أين نحنُ من النهر؟

في أيّ قلبٍ أخبئ أحلامك المورقات
وأكشفُ عن ظمئي،
وعلى الأرض (قابيل)
يقتلنا
ويطارد أرواحنا
بآمتداد الزمانِ اللعين؟
* عبد العزيز المقالح

  • لا أحتاجُ لهذي الشمس

شموسي لا تحتاج إليّ
حَربي في أحشائي
يخرج فيلق أعدائي
من بين يديَّ ومن شفتيَّ.
* أدونيس ( الكتاب I)
 

  • أيها الفجر، متى تمنحني الحبرَ الذي يكتب ليلي.

* أدونيس ( الكتاب I)
 

  • أ: لستُ من الذين يفكرون والقلم في اليد، ولا من الذين يستسلمون لانفعالاتهم أمام المحبرة، جالسين يحدقون في الورقة.. أغتاظ من فعل الكتابة وأخجل منه: الكتابة بالنسبة إليّ ضرورة. يقرفني أن أتكلم على ذلك حتى ولو بغموض.

ب: إذن لماذا تكتب؟
أ:نعم يا عزيزي، كي أعترف لك؛لحدّ الآن لم أجد وسيلة  أخرى
للتخلص  من أفكاري.
ب: ولماذا تريد التخلص منها؟أ:لماذا أريده؟هل يعني أنني أريده؟يلزمني…
ب: يكفي!
* نيتشه:ما وراء الخير والشر،ترجمة محمد عضيمة
 

  • تقولين ما في الناسِ مثلكَ عاشقٌ

جِدِي مثلَ مَنْ أَحْببتُهُ تَجِدي مِثْلي
* المتنبي

  • أعطى الزمانُ فما قبلتُ عطاءَهُ

وأرادَ لي فأردتُ أن أتخيّرا
* المتنبي

  • وغَيْظٌ على الأيّامِ كالنار في الحشا

ولكنه غيظُ الأسيرِ على القِدِّ
* المتنبي

  • جيكور يا جيكور

شدّت خيوط النور
أرجوحةُ الصبحِ
فَأَوْلمي للطيور
والنملِ من جُرحي
* السيّاب
 

  • أوَ هكذا تمضي السنون

ويمزق القلبَ العذاب؟
ونحن من منفىً إلى منفىً
ومن بابِ لباب؟
فقراء يا قمري نموت
وقطارنا أبداً يفوت؟
* البياتي
 
 
 
 
 
 
 
 
أسماء.. وأفعال 
 

  • المتنبي

الشعر
كتابك إلى هذا العالم

  • عابراً فضاءه (على قلق) وفوق حصان الريح-

ملوكه يحاصرون خطاك
ونساؤه
وشعراؤه
وصيارفته
أكنتَ- في طفولةِ اللهب تسوِّي من طين الفرات أحلاماً-
ثم تسقيها دماً ودمعاً
في حمص، حيث السجن أحبّ
وفي التيه إذ تضرب (ضرب القمار)
رملٌ.. رملٌ.. قافلتك تَعبر الزمن
فأين (أرض العراق)؟
وخلفك جيش من الشعراء
وحاشية من المجانين
وشيخ أعمى يقرأ صحائف شعرك
وأنت إذ تجد الكأس يغيب النديم
وإذ يصل النديم تنضب الكأس
في فاصل من” ضَحكِ كالبكاء”:
الناس يحتفلون بأعيادهم مقيدين إلى أسوار المدن
وواسط تطلق أشباحها على موكبك
وليس ما في الكأس خمراً
بل سلافة الندم على ما سيأتي من أيام
 

  • أرثور رامبو

في حجرات بيتك الآهل بالوحشة
على إصبع الجبل، وفي فم البحر المنتفخ بالأمواج
متوسداً (صخرة عدن المحماة) بشمس استوائية
تكتب (فصلاً) آخر في (جحيم) أرضي
خطى البحّارة يُثقلها السكر والتعب
مقيّداً إلى فراشك المهجور كسفينة محطّمة على ساحل
تصيخُ إلى (إشراقات) تلمع في الظلام
وتكتب شعراً بلا قصائد
ثم تطير على محفّةِ الحلم
حيث الموت باسمه الرمزي:
(حَبَل بلا دنس)
وشعر بلا قصائد
سفر أزلي آخر
وفصل يرفع أشرعته في أعراف العالم
بين الجحيم حيث الشعر..
والجنة.. عدن!
 
 
 

  • السيّاب

جيكور متكورة في أعشاش عصافيرها
والعصافير تتمدد في مقبرة القرية
دار جدّك مهجورة

  • عذراً- مملوءة بغائط الجنود

وروائح قتلاهم
أما الغرف ذات الشناشيل
التي طالما أومأت منها لفتاة أو قصيدة
فهي مسكونة بأشباح الخوف
وصرخات الموتى
وأصوات المدافع
النخيل.. شجرك الإلهي الذي تحتمي به
كلما عزف المطر أنشودته الحزينة
أو راودتك قصيدة نهاراً بأكمله..
أو طلبت موعداً من أمرأة
النخيل.. لم تعد له رؤوس
القنابل قطعتها كلها
وردمت مجرى بويب الذي لم تعد
تنق فيه حتى الضفادع
السمك الساهر الذي سألت عن ساعات نومه
والأطفال الذين يداعبون أوجه النائمين على السطوح
والماء الذي يتماوج فوق صفحته (بَلَم) العاشقين
كل ذلك صار رماد الزمن الهامد
وموقد اليتامى المطفأ
لا شيء
إلا أحجار متفحمة
لعلها أجساد أولئك الغرقى الذين
رأيتهم يقاومون بالمجاذيف غضب الأنهار والعواصف والأمطار
وتئن تحت خطاهم القرى
وأنت بأذنيك الخارجتين عن نحول خديك
تسمع الحصى يصلّ في القرار
والقرى تئن
وتسمع السحاب يشرب المطر
ولا شيء بعدُ سوى العقم
غيمة بلا مطر
ونار بلا لهب
طلق بلا ميلاد
وشعر على شفة خرساء
ومقبرة
 

  • أدونيس

تحدَّرتَ من سلالاتهم فكنت منهم بالجسد
إنما، هناك الروح، بعيدةً تخفق
في (أقاليم النهار والليل)
تُرتّب الفصولَ ثانيةً
صيفهم شتاؤك
وخريفهم ربيعك
وأسلافك المجانين يقفزون من حاشية التاريخ وهامش المكان
يمدّون لك (الكتاب):
(أشياءهُ الواضحةُ) تلمع ببهاء الغموض
وغموضه البهيّ يشعّ عن سحاب المعنى
أُضرب بعصا الشعر
بحرنا المغطى بالأشنات والحجارة
لعلّه ينشق عن طفل الرؤيا
أميّاً لا يفقه لغتنا
….. ومجنون في هيئة بهلول يعلّمه (أبجدية ثانية)
 

  • عبد العزيز المقالح

ينبش نار الشعر بعودٍ أخضر
ويرى جمراً يتأرجح
هذا جسد آخر (عائد من الموت) ينثر أوراقه
ينقّب في خلاياه الجديدة
عن دمٍ (أجدّ) دائماً..
عيناه الغائمتان بالحزن تنعيان بلا كلام:
عصراً خؤوناً
وزمناً أعمى
ورجالاً باعة
كل فجر.. يحاور (طفلة البنّ)
ويسألها ميلاداً آخر ويراها
تجتث قاتها وتوّزعه (عشباً للصداقة)
إنها صنعاء راجفةً خلف جبال التاريخ
السفر إليها طويل كسنين يوسف،
وشاسع الخطى كليلة شتاء في قطار بلا نهاية
ويعلم أنْ سيطول السفر
ولكنْ (لابدّ من صنعا)
… بالعود الأخضر ينبش نار الشعر
فتغدو خضراء
تلتمع في ألسنتها (أبجدية) أخرى للروح
تعبر أسوار صنعاء وتدخل بيوتها من أبوابها المقفلة
زمن لوضّاح هربت ساعاته من تقويم آلامه
وسكنتْ في قصائده متدثرة بنبضه الخجول .

  • أمجد ناصر

(سُرّ من رآكَ)
أو رآها، بل سُرّ من رآكما في قميص الليل
هي القصيدة ممددةً عارية
جسد يطرزه النمش
(منذ جلعاد) أصدقاؤك (رعاة العزلة)
لا يمشون إلا لكي يضلّوا
هم (الغرباء) الذين (لا يَصِلون)
إلاّ لتخوم سجن أو منفى
أو يبتلعهم فراغ آخر في مدن الشيطان
… البادية هناك في البعيد كجرح مخبّأٍ في جثة
تنام في يقظتك كل ليلة
وتمحو بياض النمش عن الأجساد البرصاء
والأفواه المكممة
وصباحات لندن الشاحبة
… وتهمس لك وحدك
سُرّ من رآك
( سُرَّ من رآكِ)
يا عباءاتٍ ومناديلَ ومغازلَ وأشعاراً تطير في خيمة البدو الوحيدة.
 
 
 

  • حسب الشيخ جعفر

   (الطائر) الذي من خشب
حطّ في غرفته العارية
فقام ليغلق الشبّاك
نجوم بغداد لامعةٌ في سماء صيفها
والسطوح الفارغة يبترد في فضائها كوز ماء
الجوع يضئ وجه (السيدة السومرية) ألقاً شاحباً
وآخر الكتب التي باعها في مزاد الجمعة
اشترى بثمنها أسطوانةٌ تحكي غواية شهرزاد
تلك التي احترق في نارها (الدرويش)
وصارت لحيته (رماداً)
شهرزاد التي تبع برق عينيها من قصب الأهوار
حتى ثلوج موسكو
(نخلة الله) الجنوبية قطعت القذائف رأسها
وظلت واقفة على جذعها المسود
تحكي عن حضارات تولد سفاحاً
وأقمار تذبل في جوف الحصار
يغلق الشباك خلف جثة ( الطائر الخشبي)
ويتمتم كلماتٍ لا يسمعها هو نفسه.
_____________________
* هامش: كل ما بين قوسين في النصوص، هو أقوال منهم، وأفعال، وعناوين من أعمالهم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المعذَّب السومري
 
إنه لم يمت عطشاً
لكنه لم يرتو بعد
أيامه كالحصى
وجسده ليس فيه متسع لجرح
يلجأ إلى زقورة أور
تلاحقه الطائرات (الحليفة)
تعوي كذئاب جائعة
يغفو
فيقتسم مع جلجامش أرغفة الخبز المتيبسة
وإذ يستيقظ
يجد الحية قد سرقت عشبته
حيث لا مكان ثمة لجرح آخر
الجسد كله قد صار أثيراً
وسكن في فجوة على رصيف حلم..
صنعاء/1998م __________________
(*) المطلع والعنوان من رقيم سومري بالعنوان نفسه
 
الطيور.. لا تقع على أشكالها
 
الطيور
تلك التي صاغها جنون أحلامنا
على ضفاف عمرِ هائج
 
الطيور
تلك التي وهبتها أشعارنا
الأجنحة.. والحواصل.. والمناقير
 
تلك الطيور الغريبة
طيور طفولتنا
وأحلامنا
وقصائدنا
لا أشكال لها.. ولا نظائر
تقع كل صباح على ظلالها
مستوحدة.. غريبة
بأجنحة متكسرة.. وريش متناثر
تأوي إلى الريح.. والوديان.. والمنافي
حتى تدهمها عاصفة
تلك الطيور
لا تقع على أشكالها أبداً
لأنها دون إلف أو قرين
سوى صورتها المحترقة في مرايا العاصفة.
صنعاء/9 199
 
 
 
قصيدتان
طيور (2)
طيور الصبا.. والأحلام
طيور المساء الحزينة
وتلك الهاربة من البرد
أو المتفيئة شجراً
أو المثرثرة شجناً..
في سمائي المشتعلة بالنجوم والأشعار
الطيور التي نحب
نحسدها لأنها تسير
وتطير..
وتحلم دون حدود
أو رقيب
طيور تشبه بياضاً يمتد من قلبك إلى السماء
 
قلب
قلبي الذي تخرمته السنين
وأهوالها..
وطرزت حاشيته الأشعار
وصورها
هو.. بين يديك الآن
بِنُدوبهِ
وكُوى الأمل التي
فتحها قلبك
والسماء التي رفعتها يداكِ
قلبي.. هنا في فضائها بين يديكِ..
 
20/12/2004م
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
تساؤلات
 
 

  • إذا كنتَ- في قلب العاصفة-

لم ترتو بعد من الحياة
فكيف سيطفئ الموت
ذلك الظمأ الحارق في جوف الروح؟
 

  • تأتين مبكرة على ولادتك

وأجيء متأخرا عن أمسي
فكيف إذن سيلمّ التراب
شتات أصابعنا المرتبكة
وأنين صراخنا الضائع في بريّة العالم؟
 

  • في البئر يبكي يوسف الجميل جَوْر إخوته

وفي مزودٍ مهجور يغفو الناصري
هارباً من قبلة يهوذا
وفي التيه تخبط عصا موسى عشرة من
أفاعي زوجة العزيز
فأين يخبئ المتنبي قلق قوافيه
وخطاه الشريدة في رياح المدن؟
 

  • الأمس: عصف ليس فيه ما يؤكل

والغد: نبأ مجهول في رحم عاقر
فإلى من تستند الروح الذاوية
وهي تسبح غريقة في عماء الكون؟
 

  • في الكتاب حروف سود لا تبصرها

الأعين
ورسائلهم أضاعها سعاة بريدٍ أميّون
والصور محترقة في غرف مظلمة
فبمن تستجير لحظة تغرس الكآبة أنيابها
في لحم وحدتك؟

  • يمضون إلى مجزرة بسعة الأرض

ونسير إلى فردوس مفقود
تتقاطع خطانا.. ولا نلتقي
فكيف يظل الغرب غرباً
والشرق شرقاً
دون أن تنهار قبة العالم
فوق حطام الرؤوس المتصادمة في غبار
الحروب؟
 
صنعاء/1999م
 
 
 
 
 
 
بورتريهات مقَرَّبة!
 
-1-
امرأة
 
الحزن
بعلها الوحيد الذي من أجله
تحوك صوف الانتظار
وتقتل بالصمت خطّابها المائة
الحزن
قرين لياليها التي لا يُدركها صباح
أخيراً
اصطدم بمغزلها في الظلام فانغرز في صدرها
الحز…
 
-2-
خُطى جلجامش
(إلى الشاعر: عبد الرزاق الربيعي.. وعنه)
 
إذ يمشي
يتخيل أنه يعبر نهراً لا مرئياً
بخطى جلجامش المضاعفة
ولحيته العنكبوتية تؤطر وجهه الحزين
تنيرها في الليل قصيدة
يلم في أول الصباح
رمادها، عن البساط الوحيد في غرفته
فتصعد بصعوبة بالغة إلى فمه المحاصر
بالحزن وسواد لحيته الكثة
فيضيع نصفها في الطريق إلى قامته
ويمشي متوقياً أسماكاً ميتة
في نهر لا مرئي يجري في صحراء وحدته
 
-3-
باب اليمن
 
ليست مدينة تفتح لك بابا
بل هو الباب ينفتح عن مدينة
وإذ تتبع طرقاتها الأفعوية
سيسلمك سوق إلى بستان
وواجهة صنعانية طويلة إلى فضاء قمري
اختر أي منعطف..
وستجد أهوال زمن جميل
لا يريد أن يلقيه عن ظهره: ذلك الجمل
النائم في المعصرة.
 
 
 
-4-
عدن
 
بحرُها الذي يضيق بالسفن
وأرجل السيّاح
يلوذ بالجبل
منحنياً على مياهه كأمّ ترضع صغيراً نائماً
ويدور حول الساحل كذراع تحتضن حبيباً
في خيط الفجر الأول
تلتمع فوق صفحة الماء زوارق الصيادين في (صيرة)
عائدين بأهازيج الصيد ولقاء البيت
وأسماكهم الملونة
يطردون عنها أسراب الغربان..
والرمل.. والقطط
عدن تكافئ بحارتها
ببخارٍ يطلع من أعماق صدرها
ودخانٍ  يتبدد عند خرطوم (الفيل)
الذي نحتته على ساحلها الذهبي
أصابع الزمن..
وثرثرةُ الأمواج
التي لا تكف عن
عناقها الصخور
في ليالي (شمسان)
وصباحاته
 
 
 
 
 
 
 
المراثي اللابثة في فضاء النص
 
 
 
 
1-
 
 
المسمار الثالث عشر في نعش انتظاراتنا
إلى  ولدي عدي- الذي انتزعته أيدي التكفيريين الأوغاد من وجوده بيننا مخطوفا في 28-10-2006
 
أصابعنا التي نعد عليها غيابك كلما هبط ليل وآختليا بأوهامنا.
أصابعنا التي نعد عليها السنين كما لو ننثر الحصى في جبال حزننا.
أصابعنا تكسرت وظل كل منها يشير إلى جهة ..لعلك تأتي منها
تدلف هكذا في عباءة الليل وتعيد ما كنت تبدأ به مكالماتك
وأسئلتك وتنثر ضحكاتك
 
قلوبنا التي تخبئ صورك طفلاً يوشك على الخروج من لفائف ولادته
وصبياً يلتقط الفرح من الشجر والكتب والأصدقاء
قلوبنا التي أطَّرت تلك الصور بدمع كثير وأمل قليل
قلوبنا الحبيسة في قفص متهدم من الحزن والألم
هاقد اخترمها الإنتظار وسال الصبر كمعدن صهرته الشمس حتى احترق
 
 
عيوننا التي ابتلت حتى الغرق بدمع معلن وآخر يجري كالنبع تحت الجفون
عيوننا التي ابيضت حزناً وترقباً وتحديقاً في ظلامنا المغلف بالكوابيس والأضرحة
عيوننا التي انطفأ وهجها ولم يُعِد لها النورَ قميصُك الوحيد الذي أواريه عن صغارك بين كتبي وألبوم الصور
لاتزال تصوّب النظر إلى الزوايا والأبواب لعلك تطرق أو تهل فجأة كوعد أو طيف
 
صدورنا يعرّيها الحزن ثلاثة عشر موسماً من عواصفه العاتية
صدورنا ينبت بين أضلاعها ثلاثة عشر سهماً تمزق الشغاف
صدورنا تلتهب فيها جمرة الإنتظارثلاثة عشر خريفاً                           تمزق ما يتركه الأمل الشحيح من بصيص
 
ذكرياتنا التي تجف في شمس الأسى والحسرات والندم
ذكرياتنا التي أَسَرتْها الصورُ والأخبار والمنافي
ذكرياتنا التي تأخذ القلبَ من طمأنينةٍ وتلهمه الحزن
صارت ملاذاً كما يلجأ الجندي إلى موضعه والأسير إلى قيده والخائف إلى هزائمه
لا هي تبتعد ولا نحن نقترب من نسيانها
تظل هكذا معلقةً بمسمارٍ يخترق القلب ويمشي في الدم ذاهباً وعائداً
 
في عام غيابك الثالث عشر
كبرَ الجميع
وكبرَ معهم الحزن
في العام الثالث عشرمهجور بيتنا
وبرد المَهاجر يعصف بأرواحنا
ذبلَ الأمل
وشاخ َالرجاء
وأنت واقف بين الدمعة والعين
بين الشجن واسمك
بين أولادك وماضيك
وليس غير الصدى
 
………وفي وادي السلام شاهدة من صخر
فوق فراغ آهلٍ بالحسرات
تشير إلى غيابك الصلد
وبيت شِعر قديم  نقشتْه المواجع على سطحه
كلام يبل قلبي الممزق ولكن لايرتقه
بيت لمحزون اخترته علامة على صخرتك:
((فإن ينقطع منك الرجاء فإنه
سيبقى عليك الحزن مابقيَ الدهرُ))
 
2-
 
موت معلّم العربية
 
.. الرجل
الذي
كان
على سبورة سوداء
يرفع الفاعل
وينصب المفعول
أو يجرّ- حتى الجبل- بِكَسْرةٍ
صغيرة
 
.. الرجل
مات، هذا الصباح
ولم يعد أحد، على سبورة سوداء
يرفع فاعلاً
أو ينصب مفعولاً
أو يجر حتى النملة بحرف أو
يدين
 
.. الرجل
مات
يداه (مضمومتان)
وقامته (منصوبة)
ورجلاه (مكسورتان)
أما القلب
فكان (ساكناً)
.. مقيداً إلى قفصه الصدري..
.. في المساء
القبر وحده كان (مفتوحاً)
وكل شيء
خلف نقطة النهاية..
(ساكن) بلا حراك
 
بغداد 5/1/1991م
 
 
 
 
 
 
 
3-
القبر
                                       ( مرثية موقَّعة.. إلى  نفسي)
في هذا القبر العربي المفتوح
من يترك انساناً  كي يحيا
من يترك انساناً ليموت
 
في هذا القبر المفتوح
عفن غطّى الأجساد
وناءت منه الروح
 
دعني لمصيري
سألاقي أنكيدو.. خلّي وأخي
مرمياً في الجبّ ينوح
وأناديه فلا تسمع إلا أحجار القبر
ندائي
وترد صراخي المجروح
بيني والدمعة عيناها
مسهدتان من الأرق المرّ
بعيداً قلتُ سأرمي كتبي
واللوحاتِ.. وشعري
أبني لهشيمي تمثالاً أعمى
عيناه محاجر جصّ
ويداه سلاسل
وعلى قدميه يسيل الدمع
في قبرٍ شرقيّ دلّيتُ لساني..
ورميتُ إليه ثيابي
ودفاتر شعري.. والعنق
المذبوح
وغداً بالسّر إذا قمتُ أبوح
يا قاتل نفسي..
يا اسمي..
يا رسمي في المرآة
أجبني..
فسواك أراه يجاور ظلّي
وسواك يغطّي بالصمت الصرخات
.. في هذا القبر الواسع
مَنْ منّا لم يولد..
مَنْ منّا مات؟
مَنْ يحيى؟
أمْ نحن سُبات
والحلم طويلْ
وطريق الموت ينادي…
28/12/1990م
 
 
 
4-
قرنفلة نبيل السروري
– بعد الدفن مباشرة-
 
خطانا تتخبط في الطريق التي شطت بنا، هاربين..
هذا طير آخر يهجر شجرة الشعر
ويترك ريشاً متناثراً
وعقب سيجارة مدعوكاً
وساق قرنفلة مكسوراً.. وكأساً فارغة
كلّما دخل على أصدقائه بقرنفلة حمراء
قالوا: العاشق تفضحه الوردة يا نبيل
ويقول: والوردة يفضحها العطر
ونقول: الشاعر يسحبه الشعر كالغريق
صوب المجهول.. وخزيمه
خزيمه: اسم يليق بكارثة تراثية
بل هي اسم ترابي يليق بأرض مقبرة
لكن فيها من الخزامي شيئاً.. ورنيناً صدئاً..
هكذا في الصباح واريناه في بيته الجديد
ونفضنا عن اكفنا التراب
لا عويل.. أين النسوة؟
سيزعجه الأمر كثيراً
لشدّ ما كان يحب الشعر والورد والنساء
والفوضى الشعثاء من الرأس حتى حروف القصيدة
خرجنا مقهورين.. والموت يضحك منتصراً
فرغت الآلة الحدباء التي حملناه عليها
تركناها عند باب المقبرة
لكن صغيريه استراحا فيها دون خوف
وأنزلا أرجلهما الصغيرة من فتحاتها
كأنما ليلهوا مع الموت
ليثأرا منه
بالنسيان والتناسي..
ابتعدنا سريعاً نحن الذين هُزمنا دائماً بمرارته
وخسائره.. وكمائنه المفاجئة
وعدنا من طرق متفرقة
يسوقنا شبح يعقوب لا قميص يوسف وأنياب ذئب لا مرئي
كنّا نتعثر بقرنفلة سقطت من حقيبة الشاعر
رفيقة طوافه اليومي كتعويذة
في دروب صنعاء الطويلة
ومقاهيها المعتمة
تلك الحقيبة  التي لا يدري أحد
أين خبأها الأهل بندوبها وأوراقها البيض
… لم يعد ثمة نسوة
ولا شعر
ولا قرنفل
صمت (زرياب) فلا صوت  يعلو ولا نغمة تأتي
فضاء (الشجرة) مسكون بفراغ آهلٍ بالحزن
وأصداء تراب خزيمه
وعويل خافت يطلع من جوف الروح
 
صباح الخميس
29/ 5/ 1997م
* نبيل السروري شاعر يمني توفي شاباً في صنعاء .. وزرياب هو طفله، والشجرة اسم الكافتيريا التي نلتم عندها في الجامعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5-

  • بورتريه شعري

وتداعيات
– في ذكرى عدنان أبو شادي-
 
 
النحيل ذو الشعر المسبل  حتى جفنيه
ذو السيجارة الكسلى والمشية العلائية: خفيفة الوطء
يتكئ الآن على قبره
ويدير الصحن اللاقط ليرى جنازته الجديدة
ويخط على الرمل حروف قصيدة ناقصة.
 
النحيل ذو الشعر المسبل يكتب:
الحضارةُ
آلاتٌ تخترق القلب
سائحة بوجه مجدور
حيوان منوي ضرير
وبيوض ملاريا تفقس في التراب
وصواريخ…
صواريخ هوجاء تهب في حضن العاصفة
تساوي أطفال ملجأ العامرية بالجدران
أجساداً متفحمة
ولحماً يلوذ ملتصقاً بالأرض
والشَّعر معلق بالسقوف المتداعية
-عودي إذن أيتها الحضارة
إلى بيتك الأول في كهف الماموث
ودعيه ينام بلا أدواء
ولا مواجع –
 

  • متكئاً على قبره

يسافر- أعني جثته المستريحة في ظل القبر-
إلى الأندلس
يؤاخي ابن خفاجه
يهديه وردة كاذي من سهول (شرجب)
فيرد عليه صديقه الأندلسي بريحانة من جزيرة (شقر)
يحكي له عن ليل عربي طويل
أسود كغراب
وكثيفٍ كجبل أرعن
ذوائبه حمر كالدماء
ليل حزين.. صامت مثل كاهن غريب
تنتحر في صدره النجوم
[ جاءك الموت إذا الموت همى
يا زمان الحلم في صنعا اليمن
كنتَ وهماً.. مرَّ ليلاً فصحونا
ووجدناهُ أسيراً في الكفن ]  

  • في الحديقة: يلاحق العابرون

أضغاث أحلامهم
ويعبئون رغباتهم كالرصاص
في مسدسات حرماناتهم
بينما هو يلاحق برقاً يمانياً
ينشق من عيني امرأة
لثامها سحاب يغطي فضاء الجسد
وعيناها تضربان بالبرق
جبال رغباته
فيتساقط عنها عقيق أحمر
له عينا شاعر وحيد
ما إن يلمسه حتى يستحيل ترابا
-أيتها المرأة
لا تفجري دمامل روحه
وبثور أمانيه
تلك التي طفت على وجهه
اذهبي في الريح
وآهطلي في ثوب سحابة أخرى
في سهول (تهامة) –

  • صديق يضمّد جراح الغربة

وهي تتفتح في مطلع الجلجلة
يمسح الدموع بالسؤال
ويكشط عن الجلد أنين الروح التعبى
 
– بيتي هذا
فتعالوا إليّ
زادي قليل
راحلتي تحتضر
ورحلتي طويلة –
 

  • حول عشبة القات

يسأل جلجامش عن صديقه أنكيدو
أكان موته حلماً
أم كانت حياته كلها وهماً
هذا الذي صارعَ الموت وامسكه من قرنيه
حتى غاب في جُبّ السؤال
مفّرقاً دمه كخبز منذور
تفيض به سلال وبيوت
– أصحاب قيصر
                                     يوقّعون أسماءهم على جسده الطعين
                                         بل هم أصدقاء أنكيدو
                                               يتعوذون من موته
                                             بالدمع والكؤوس
 

  • أخبَرني عدنان ذات مزحةٍ أن ندمانه وخلّانه المتواطئين

على موته
كانوا يهيئون وليمةً لغيابه
ويمشون بعيداً عن جسده المسجى عليلاً
أحدهم جاءه عبر الهاتف
فَرِح وقال :سأخالفُ هواجسي ودبابيس شكوكي
– فالصديق جدار حيث لا مُتكأ
ويد حيث لا حبلِ نجاة-
لكنّ الصديق القادم عبر الهاتف
كان يسأل- فقط- عن هاتف صديق ثالث!
*   *   *
متكئاً على آجّر قبره
يدير صحن موته اللاقط
لينام في حضن قروية عجوز
يداها تستريحان على شعره المسبل حتى القلب
تهدهده منشدةً:
” نم.. أيها الشقي في حياته وموته”(*)
“نم.. حتى البحر يموت يوماً ما!”(**)
_________________________
(*) الماغوط
(**) لوركا
(***) عدنان أبو شادي  أديب وأكاديمي يمني توفي بعد مرضه في تعز، حين كان يتهيأ للسفر إلى أسبانيا لإكمال الدكتوراه في الأدب الأندلسي..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6-
موت الغزالة
( إلى ابن طفيل)
حين تحسستها راحتاه الصغيرتان
أدهشه أن جسدها لا يزال حاراً
وأطرافها الأربعة في مكانها من الجسد
لماذا إذن هي هامدة..
فكّر حي بن يقظان،
أهو النوم الذي نختبر فيه قيامتنا بعد كل ميتة؟
 
من أطراف الغابة
يأتيه صوت معلّمه
الغزالةُ ليست نائمة
وما يطوف على عينيها ليس حلماً
بل هو الموت، يا حي
درسنا هذا الصباح
قاس ودمويّ..
لكنه حقيقه
إنه الموت
الرحلة التي لا يعود منها أصحابها
يا ابن يقظان
– إذن، حتى أنتِ أيتها الغزالة
يقول حي
ويطوي آخر صفحات دفتره
على موت الغزالة.
صنعاء/1998م
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                        السفينة بلا أصدقاء 
 
في عرض بحر بلا سواحل
والسفينة تنوء بما تركته على الشاطئ
من أحزان المارة
وتلويحات المودعين
ودموع الراحلين إلى نقطة غامضة في أفق مفتوح
.. كان على اثنين منا أن ينزلا
لكي تستمر السفينة
في اتجاهها- يقول القبطان
كنا في اللجّة غرقى
أيدينا بين الموجة والموجة
تطفو على السطح
مستنجدةً
والقبطان يرد علينا
بوداعٍ لا طعم له
ويصرّ على أسنان الرغبة
ويقلقنا..
كي نمضي
وتصل سفينتنا إلى برّ ما
مثقلة بأحزاننا.. ودموع المودعين
ولكن.. فارغةً بلا أصدقاء!
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
وسيلةٌ.. ما
 
لا بد من وسيلة ما
لاكتشاف دمعة على الورق
لاستدعاء ذكرى من بئر
للوصول إلى ذرى شعرها الطويل كرحلة جلجامش
للإحاطة بنبضها ودفء صدرها واستدارة العين
.. لابد من وسيلة ما
للحياة بعد موت القصيدة
للقصيدة بعد الحياة
لها بعد خريف طويل كأصابعها
وصباح بعيد كصوتها كل صباح
نائماً يوقظُ رغبة العناق
وأرق القبلة المؤجلة
.. لابد من وسيلة ما
في سفرٍ طال
حيث لا نجم في الأفق البعيد
وراء وجهها مضخماً بسمرته
مجنوناً بالرغبة ومغسولاً بالحب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
توقيعات
 

  • الضحكةُ: دمعةٌ ذاتُ صوت

والدمعة ضحكة صهر الحزن معدنها الرخيص

  • الجسر: أضلاع قتلى مهشمة.. وأياد لا تلتقي كي لا تتصافح
  • الغابة :أشجار هاربة من مهودها

وصغار يكبرون في بريّة خوفهم

  • بغداد: مدوّرة وزمنها دائري ولذا

تدور عليها الدوائر

  • الدكتاتور: بعين السيكلوب يرى نفسه في كل شيء

ولا يرى الآخر في داخله
إلا عدواً له رأس حان قطافه
وهو صاحبه

  • ولادة هتلر وهولاكو

موت المتنبي والسياب:
أقدار تتصادم في عماء الحرب
ويأس الخليقة

  • نمشي مقيدين في حلم مطفأٍ ونستيقظ في عاصفة.
  • الموتى: لا يسمع شكواهم إلا التراب.. فيسد أفواههم ضجراً
  • نولد خفيفين.. أثرياءَ بلا ديون

لأننا بلا ثياب
ونموت عراة مفلسين
لأن الأكفان بلا جيوب

  • العراق: جغرافية يحدها الحزن من الجهات الأربع في فصول خريفها الأربعة..
  • لحظة انطفاء الرغبة

هي لحظة اشتعال العالم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
غزالة حلم
 
آخر الليل
في حلم كالكابوس
بدأت أكتب مطلع قصيدة موزونة:
” غزالةٌ
بأرجل ستة
قفزت من شبك الصياد
إلى هاويةٍ”
في الحلم نفسه رأيت حلماً ثانياً:
دخل إلى غرفتي عروضي ولغوي وعالم
قال العالم وهو يوجه نحوي مشرطاً بطول رمح:
من أين جئت بالأرجل الست لغزالة؟
وقال اللغوي الذي يحمل كتاباً مجلّداً بحجم محيط له لسان:
الرجل مؤنثة..
أما العروضي الذي رماني بعيار ثقيل يزن طناً فقد قال:
ألم تلاحظ الانكسار في الوزن؟
من بعد
كنت- في حلمٍ ثالثٍ في الحلمِ نفسه-
ألاحقُ غزالة جريحة تشرد من شِباك القصيدة
وأنا أقول للعروضي واللغوي والعالم، مبعداً المشرط والمجلد والميزان:
ولكنها
غزالةُ حلم بلا أرجل
غزالة من دمٍ وكلمات!
 
 
بداية ونهاية
( من آواخر القرن العشرين..)

-1-
يُبدأ الحبُّ بوردٍ..وهدايا
قُبُلات
ثم  ينُهى.. بمقص القابلات
 
-2-
يُبدأ الكأس بنشواتٍ.. و
ثم يُنهى – رغوةً- في آخر الليل
 
 
-3-
تُبدأ الحربُ خطاباً
جامحاً فوق المنابر
ثم تمشي
في جنازةْ
تعتلي عرش المقابر
 
-4-
يُبدأ الشعر ببيت
عن عصافيرَ.. تهادتْ
في فضاء العاطفة
ثم يُنسى في غبار النثر
يسقط ريشاً في هبوب العاصفة
 
-5-
تبدأ الشمس صباحاً
سيرها!
وهجاً من ذهبِ
فأقول:
احضنيني مثلما تمتد في القلب خريطة..
فتغيب
شفقاً من دمّ قتلاها على وجه البسيطة!
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ثرثرة العالَم
 
” إن الله يتكلم في القلوب الصامتة”
أحمد بن علوان
 
– إليك أيها الشيخ المنتبذ أقصى (يفرس)
تندفع كلمات هذه الورقة العذراء
– بانتظار عرسها الدموي-
في هذا الفجر الآهل بالصمت
وراء ثرثرة عالمنا المقدود من صخر..
ودمٍ..
ودمع
مَنْ ألقى في فمك لسان العارف
وجملة المعرفة؟
من أورثَك لغة الصمت
في صخب صحرائنا
وأشواك أرواحنا المقفرة..
وحده- قلبك المتكلم بصمت السماء- ينبض بالمحبة
وروحك السائرة في معراج الوجد
تنزع عنها لغات العالم
وترتدي خرقة الاحتراق.
 
 
 
 
 
 
 
الهبوط.. إلى برج القوس 
[ إلى ميلادي مرة أخرى ]  
صباحاً طلعتُ
متشبثاً بمشيمة فلاّحة
هبطت بها من بغداد
الباصات الخشبية
وقحط المزارع
والجراد
على حدّ عام يحتضر
كما لو كنتُ أنتظر صمت المدافع
وانتصاف القرن
واكتمال الأولاد الخمسة
قبل أن يصبحوا دزينة فقراء
هكذا
– والمطر يغرق الشوارع
ويزيد كانون الأول برداً وشحوباً
طلعت صباحاً
نحيفاً.. كعصفور شوكي
لأسكن برج القوس المكسور دائماً
ولكن.. أمام الصفوف
في طوابير الصباح المعذّب بالنعاس والجوع
والبرد
سأنشد (شوقي):
(.. وللحرية الحمراء بابُ
بكلّ يد مضرجة يُدقُّ )
ولا أفقه المسألة
فلم أبصر الأيدي
وهي تلوى على ذلك الباب..
مكسّرة الأصابع
كنتُ أقول- بصراخٍ بائس وكأنني أتمدد خارج جسدي:
( بلادي)
فتفتح في الذاكرة
كوى الجبّ.. يدخله ألف يوسف
والحب
– بوردة دفلى فقيرة-
وبرد شباط
 
–  ولكي ندفأ
كنا ننفخ عبثاً في راحاتنا
ونضربُ أفخاذاً يكشفها سروالٌ مهترئٌ..
ووحيد –
ثم نسير صفوفاً كخيط نمل يبحث عن حبّة
ندخل قاعات الدرس الطينية
نتشمم رائحة البيض الفاسد
وحبوب زيت كبد الحوت الكريهة
وبقايا الخبز
في فسحة التغذية المجانية
ثم نغني- رافعين رؤوسنا الحليقة إلى سقف
طيني تشاركنا فيه العناكب والأرضة..
نغني لذلك العلم المترنح في الريح:
( عشْ هكذا في علوّ أيها العلمْ)
عش هكذا..
ولتنخفض سقوف بيوتنا المضاءة بالفوانيس
ولتنهدم قرانا
يأخذها الفيضان يوماً في 1954 لنصبح في
عداد (المنكوبين)..
(وأذكر هذه الطرفة)
عام 1957- كثير منكم أيها الأعزاء لم يكن قد ولُد بعد-
أخبرنا مدير المدرسة
– والأرض لا تسع قدميه فرحاً-
أن الملك سيزور قريتنا
بعد أن يحضر حفلاً لصيد ابن آوى
تغير كل شيء في قرية (الرستمية) وأزقتها
الترابية
ودُعيت لأكون ضمن فرقة الإنشاد
معلّم الإنجليزية القصير بجثته الضخمة
الآثوري الذي يتكلم انكليزية صافية تثير
ضحكنا
ألّف نشيداً ولحنّه
( وي آر سكول بويْز
    إنْ رُستمية
– إنْ بغداد- إن إِراك
    أوَر ْكنغ فيصل..)
هذا ما ظل عالقاً على جدران الذاكرة.. من النشيد
لكننا- أطفال القرية-
وبعد أن ألغيت زيارة الملك لأسباب لم نعلمها
حتى الآن
صرنا نقرأ النشيد كل عاشوراء
حين يضاعف السوادَ كآبة ليالينا
وسط مواكب العزاء
موقعّين على صدورنا العارية
بين دهشة الكبار ولعناتهم:
  (وي آر سخول بويز)
………..كان ذلك كله
قبل أن ينغلق إلى الأبد باب (شوقي)
وتنكسر سارية العلم
كان ذلك
قبل أن تتهدم القرية
ويكبر الصغار.. وتتفرق بخطاهم الطرق..
وتشيب السوالف.. والأرواح.. والأفئدة.
صنعاء/ كانون الأول/ 1998م
 
 
 
 
قادم من ظمأ.. وشفتاك نبع
 
كيف أجد طريقي إليك وغابة شعرك تضيعُ فيها خطاي صوبَ شفتِيك
أتحسس وجهك بكفي: صغيراً وَلدِناً كعصفور..
تندى أصابعي وأزيح خصلات عن عينيك
– تلتمعان في ظلام رغبتي وشجني وحبي-
حبك يؤجج يديّ فتغدوان وحشيتين تبحثان عنكِ في عناقٍ قاسٍ
فأستدلّ على نفسي فوق شفتيك
– صغيرتان هما كالكرز
وشهيتان كنبع بارد
بينما ساعداي يهصران قامتك ويضمان ترف جسدك ولدونته
وإذ يندفع لساني ليقول حبي
يلفظني خجلك ويصبح الصمت وحده صدىً كمواءٍ مكتوم
أتحسس قممك وأتابع نهراً يجرف عطشي
نهراً أرتمي فيه فيسع اشتهائي
وأسبح خفيفاً منتعشاً.. تغمرني قبلاتك القليلة الحارقة
أستحم بالنار التي يبعثها صدرك
وألتهم كمثّراكِ… باعثاً نداء عطشي
فتستجيب أعماقك بمزيد من الكوثر
قربَ نيرانِكِ أتكور كطفل
وأرقب نعومة جلدك.. وشاماته وبياضه
وأنسى ما لا تراه يداي من أقاصيكِ
وأغفل عن سحركِ وهو قابع في جوف خوفك
وانثنائك خجلى خائفةً مثل جنينٍ في رحمٍ مغلق
وأعود لأقضم كمثراكِ وخصلة شعر وأمتص شموع أصابعك..
كَعَليلٍ أمسّدُ كتفيك ورقبتك..
وإذ يتكور بين كفّي كتفاحة ذهبية..
أشتعل.. أشتعل.. وينبعث مني لهب عاصف
جسدي يتأجج صراخاً وألماً ورغبة..
يصلني نشيجُكِ وأنت تبكين فتزدادين عذوبة وجمالاً واشتهاء
وأحس وأنا أنطفئ كم احبك وأعشق………
 
الأربعاء 15/ 2/ 2006م
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
قبل صياح الحرب
                                                                         * إلى بغداد
بعيدة .. في هذا الليل
أيقظتك معي قبل صياح الديك.. وقبل عواء الحرب
كل شيء هادئ تحت غرفتي
عمال وقتيون يتركون أَسرتهم الخاوية ليقفوا عند
باب لوكندة المواسط ينتظرون المقاول
وإذ لا يجيء كالعادة، يرجعون إلى أَسرتهم التي تصبح مقاعد يتسمرون فيها
ويأكلون القات
والعديني يرتب أشياء دكانه القليلة مغنياً
” عمل…. عمل يا جماعة
نشتي عمل…..”
ويوسع خطاه خارج جسده الضئيل
بعيدة… في هذا الليل
من يوقظك كل صباح
وأنت وراء الأسوار
لا يدنو منكِ صباح
ولا يُسمع لِديكِ قراكِ الأرمل
إلاّ شكواه… يبحث في المزابل الفارغة
عن حبّة..
حبة واحدة
لا شيء.. سوى صوت ارتطام جسده الجائع
بجدار البيت المتهاوي.
 
صنعاء – أوائل 1996
 
 
 
 
احتراق
إلى أصدقاء سوق الكتب في شارع المتنبي ببغداد
 
..وراء بلاط  الرصيف
شممتُ احتراق الورق
تناثر فوق الوجوه
رأيتُ العصورَ تجمّد فيها المدار
ودارت على الموتِ
حتى استدار
……………………………….
رأيت الكتب
رؤوساً من النار تعلو
وتعلو
وتهبط فوق السقوفْ
يبل صداها المطر
قرأت على صفحة الجمرِ
جرحَ الحروفِ
ودمعَ الحروفْ
قرأتُ بجوف الرماد جنوني
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الرحم والشجرة
إلى عبدالرحمن الربيعي
 
بين قوسين لا يغلقان
تسافر بذرة
وتطلع صوب الذرى
وتسكن في رحم فكرة
وبين هلالين لا يلمسان
تكون امرأة
وحلمٌ بأور التي ما احتواها مكان
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
القبر والمكتب
إلى الشابي بعد زيارة لبيته -متحفه في توزر
 
هنا القبرُ والمكتبُ
وتمضي خطاه من البيت للحلم
يمضي ولا يتعب
وتمضي به نحو حتفٍ .. فما  يكتبُ؟
– ((إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة))
تلحَّف بالصمت حتى انكسرْ
وأطفأ منه ((الأماني الكبار))
وأسلمَ للموت رؤيا المطرْ
وذا  القبرُ والمكتبُ
وبينهما الروح عبر ((أغاني  الحياة))
تضج ُّ
تضجُّ
ولا تهدأُ..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
من شرفة الخمسين
 
 
من شرفة الخمسين
يطل فيبدو كل شيء حزيناً..حتى الموت*
وهادئاً
وأصفر
يسمع كالصدى:
عربات تفرغ حمولتها في خلاء
لا يشبه رصيفاً أو ساحلاً
ولا فضاء مقبرة
أو ساحة إعدام
ويقرأ بيديه كالأعمى
مكاتيب لاتصل إلى أصحابها لأنها لم تكتب بعد
 
 
من شرفة الخمسين
كل شيء يبدو قاتماً
كغابة نخلٍ يمر بها السياب ساعة السحر
بعكاز..
وسيجارة مطفأة
وفم أدرد
 
 
من شرفة الخمسين
يتشمم شواظ سنواته
ويرى رماد حرائقه
وبياضاً
بياضاً بارداً يكفن أحلامه التي كانت أوهاماً
 
 
 
 
 
قومي لننفض عن رأسينا
غبار الأيام القادمة
 
قومي.. لننفض عن رأسينا
تراب الأيام القادمة
قومي.. فهذا الذي على رأسك
ليس إلا لهب السنين التي لم نعشها معاً
قومي.. فهذه المسام في جسدي الجدب
مشرعة لتدخلي منها إلى حجيرات دمي
قومي..
غبار الأيام الآتية
يتصاعد مختلطاً بدخان مواقدنا
ودموع الأنهار الثكلى
قومي.. سأسميك أنانا أو عشتار
لأنك امرأة الزمن اللابث فوق مدينة الموتى
قومي..
لسواكِ أن يحسب البياض موتاً
فأنتِ تغتسلين بأسمائك
وأسلافك الأحياء
ونَسْلك الموتى
وحَرثْك المحروق
وتنهضين من رمادك
قومي
قومي
قومي
قو
مي…..
 
 
 
تعريفات
 
 

  • الوسادة:

حجر مقدود من بازولت
والقطن بداخلها أحلام موؤدة!
 

  • الحرية:

قيد يفضي للقبر
بحجمِ فضاء!
 

  • الليل:

بئر من أحبارٍ
وشموع منطفئة
ودخان!
 

  • الحب:

وجهٌ لا عينَ لهُ
ولسان
دون كلام
إلا ما يكتبه القلب على نبضه
في جسدٍ لسواه!
حين ينام!
 
 

  • الموت:

السيد في حقل عبيد
مرهونين بخيط
يسحبه أنى شاء!
 

  • المرأة:

شاهقة ووحيدة
عصية ونافرة
تأتي إذ تأتي
بجيادٍ دموية
 

  • الشعر:

المتأفف من وطأةِ قافيةِ
القافز من كفة ميزان صدئٍ
لفضاء
والغازل ثوب الكلمات
فوق الأجساد العطشى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ثلاث تاءات مربوطة
 
واقفاً في حلم فوق أحجارٍ كان اسمها بلادي/ ترك الطغاة والغزاة والغلاة بتاءاتهم المربوطة مياسمهم الجحيمية فوق جسدها/وأرى – مربوطاً بها بحبل سرة ينقطع عند الحدود- / ما يتناثر من جثث الأشجار وأرفف المكتبة والأسرَّة وصورة الولد المغيَّب وقد غدت كلها رماداً/احتفلْ أيها الوطن البلاد البلاء بما ترى من مِزق قلبي على ترابك تدوسه الأحزان/الطغاة رأيتهم في ذات الحلم يكبّلون ما تبقى من عظام الأيدي ليربطوها مقيّدةً إلى ظهور انسلخ جلدها وتآكل لحمها وتهشمت العظام/ليأتي الغزاة  في الدور الثاني دون فاصل فتسير سُرَف دباباتهم فوق هياكل الشوارع والأضرحة وما تبقى من  عظام البشر ورماد القبوروشواظ الكتب/ ثم تفسح الطريق ليأتي الغلاة/حلّوا أهلاً في خلاء الوطن وشوك الكراهية وعرش قابيل/ ووطئوا أجسادنا وأحلامنا وحدائقنا سهلاً/ليمسحوا دمنا عن السيوف واللحى والدشاديش القصيرة   المشوهة كضمائرهم ،وليحرّموا الماء مظنوناً بالخمر/والمرأة متهمة بالعاهر/والحرية مشبوهة بالكفر/ والسعادة مؤولة بجهنم/ والكلمة مرجومة بالفتنة..والفتنة موصوفة بالقتل الذي أحل لهم الظن..
تاءات مربوطةلا تنفتح فتختل الأبجدية/ ولاتمحى فيظل السطر فارغاً        لا تكفي لملئه أرواحنا ولا حريتنا ولا أسماؤنا/فنعود لنغزل أحلامنا التي نفضّها كل صباح منتظرين ما لا يأتي من طريقٍ يعفّره الغبار/ واقفين فوق أحجار كان اسمها شيئاً كحرف في طرسٍ ممحو، أو سطر في قعر زجاجة في بحر، أو هامش يتسرب من ثقب ذاكرة مغدورة بالنسيان. كخوذة جندي قتيل ليست له بين الأسماء سواها/  اخترقتها  ثلاث رصاصات بتاء وحيدة مفتوحة على فضاء بلا نهاية……
2008
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
بألسنة أخرى… أيضاً!
مختارات أخيرة
 
 

  • ما اليوم إلا ذكرى الأمس، ولا الغد إلا حلم اليوم.

* جبران
 

  • العالم كبير، لكنه عميق في داخلنا كالبحر.

* ريلكه
 

  • إن هدف الفن ليس رَفْعَ مرآةٍ أمام الطبيعة، بل أمام وجهك، ليس وجهك اليومي، إنّما الوجه الكائن وراء وجهك.

* كولن ويلسن
 

  • أنا كان عندي الشمعة

وكان عندك الضوء
فمن الذي سرق الفتيل؟
* جاك بريفير: خيانة العشّاق
 

  • هل تعرف الغابة عدد أشجارها

وهل تعرف السماء عدد نجومها وأقمارها اللامعة؟
حتى أعرف أنا
عدد الهدايا التي تحملها لك حقيبة روحي
وأعرف عدد القصائد والقبل الحزينة
في شفتي الظامئة للمطر.
* الشاعر الكردي: لطيف هملت
من ديوان: السمكة الفضية
 

  • كثيراً ما تخطر ببالي هذه الفكرة الغريبة المرة، وهي أنني وإن كنت سأعمل شيئاً في المستقبل، أو أكون شيئاً، ولكن سأموت بعد هذا الإجهاد الهائل والتعب المضني، أموت، وأنا لا أعرف الحياة.. إنني سأموت ككل البشر، ولكنني لن أعيش ككل البشر.

* جواد سليم: من يومياته (مرآة وجهي)
 

  • وشأن مثلي أن يُرى خالياً

بنفسِهِ، يبحث عن نفسه
* ابن خفاجة الأندلسي
 
 

  • إلى كم أنت في بحر الخطايا

تبارز من يراك ولا تراهُ
* الحلاج
 

  • إن هدفي هو البحث عن الحقيقة، لا حقيقة العالم أو الحياة، بل حقيقة نفسي، لذا سأظل أغوص إلى الأعماق.

* حسين مردان
 

  • وانظر إلى قلبك أين وقف، فهو من أهل ما وقف فيه، إن لي قلوباً لا تقف في شيء، ولا يقف فيها شيء هي بيتي.

* النفّري: من مخاطبة السر
 
 

  • وإذا لم تستطع أن تجعل حياتك كما تريد

فلتحاول هذا في الأقل
قدر استطاعتك لا ترخصها بعلاقة زائدة مع العالم
لا ترخص حياتك بأن تدور بها
كاشفاً إياها
للاتصال والمداخلة
وغبائهما اليومي
حتى لتصبح حياتك نوعاً من زائر ثقيل.
* كافافي
 

  • يجلس الشاعر على محور الأشياء. يتأمل في سر الكون، ويغذي عواطفه وعقله على مآثر الماضي العظيمة، وإذ يتقلب مع الفصول الأربعة، يتنهد لمرور الزمن…. فإذا اطمأنت روحه حوّل نظرته إلى الغيوم.. وإذا اهتز هزة المنفعل رمى بالكتب بعيداً، وتناول ريشته ليعبّر عن نفسه في كلمات.

* أرشيبالد مكليش: الشعر والتجربة
 

  • إن الأمم تتحطم وتزدهر، بقدر ما يتحطم أو يزدهر شعرها ورسمها وموسيقاها.

* وليم بليك
 
 

  • والشعراء هم كهنة الوحي الذي لا يُدرك. هم مرايا الظلال الهائمة التي يلقيها المستقبل على الحاضر. هم مشرعو العالم غير المعترف بهم.

* شللي
 
– لو رغبتَ فيَّ لاقتربت
لكنها المسافة
– كيف يطير الطير إذاً
عابراً السهول والبحار نحو البلاد الدافئة
وأنتَ لا تستطيع؟!
* بافلينكا ديمتروفا
 

  • إن بلايا الأبناء في هبات الآباء

* جبران
.كم في الطريق إلى منزل ليلى من أهوال، شرط أول خطوة أن تكون المجنون.
*حافظ شيرازي
 

  • أرى صوراً وأتذكر تأثيرها في قلبي، أما عن عللها وشكلها فلا أعرف شيئاً. أرى سلسلة من الصور دقيقة جداً، ولكن لا شكل لها غير ما ظهر لي. بل لست أرى هذا الشكل إلا عن طريق ما أحدثت ذكراه من الآثار في نفسي.

* ستندال
… ووحَده يموت في داخله الإنسان
في العالم الباطن
في مركز السريرة الساكن
يموت في غيبوبة الذكرى.
* محمود البريكان
 

  • يا شيخي الطيبَّ

في أيّ الأيام نعيش؟
هذا اليوم الموبوء
هو اليوم الثامن
من أيام الأسبوع الخامس
في الشهر الثالث عشر
والإنسان الإنسان عبر
من أعوام
ومضى
لم يعرفْه بشر
حفَرَ الحصباءَ ونام
وتغطّى بالآلام
* صلاح عبد الصبور
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الخروج من برج القوس
ملاحظات في الولادة والشعر والموت
 
 
 
ما أريد قوله هنا سيكون أشبه ببيان ختامي لعمل ظل في باطن شعوري وعلى هامش اهتماماتي بدليل تواريخ كتابة نصوصه التي تعود إلا القليل لفترة سابقة من وعي الشعري والنقدي.وها انا أنشره ربما شعوراً مني بأن أوان إطلاق سراحه سيوافق إطلاق سراح الروح من قفص الجسد ،والمغادرة إلى عدم يتوسم فيه الإنسان غداً ا يعرفه لكنه يترقبه كموعد مؤجل..أو محطة يقف فيها القطار ولا ندري مَن سينزل مِنه أو يصعد إليه..
كثيرا ما كنتُ أقول عندما أًواجَه بسـؤال عن الشعر وموقعه  في لائحة الكتابة عندي  : إنني لم أبحر بعيدا عن شواطئه، وأن علاقتي به ليست زوجية بل عشقية ، كان ذلك يعفيني من المهنة وروتينها والتزاماتها ويبعدني من الفهرسة والتصنيفات الجيلية – الجينية؟-  ويبقيني على مسافة أمان من الكتابة الشعرية هي كالمسافة بين المشاهد واللوحة الزيتية : إذا اقترب منها كثيرا ضاعت معالمها واضطرب المنظور وتراتب الألوان. نقد الشعر وقراءته كفيلان  بضمان البقاء في دائرته، تتبدل الأساليب والرؤى والأشكال والأنواع الشعرية ، ووسط ذلك أجدني عند أصنامي وأوثاني:  أبي تمام لاهجاً بصور ملونة بالكلام، المتنبي في القديم اللامع تحت تراب القدامة، والمعري بعذاب جرأته على المسكوت عنه ، والسياب في هبّة التجديد الجذري والتأصيل  ، وأدونيس في شغب الشعر وتحولات القصيدة ، ومع رعيل من قبيلة الشعراء المحدثين الخارقين للمألوف…يخبئ قلبي أشعارهم ونداءاتهم في بيداء القصيدة والحياة والجمال..
مع هؤلاء أجد نفسي وأتلفظ متمتما  بالقصيدة التي قد لا تنتمي للشعر ككتلة وكيان وجسم ثقيل. القصيدة تنحو صوب التميز والاختلاف وسنّ قوانين جديدة ، بينما يميل الشعر كما تكرسه الذائقة والوجدان الجمعي إلى تأسيس أعراف وتقاليد والدفاع الغريزي عنها ، الشعر فحولة والقصيدة تتمرد على أبوته وقيوده لتؤسس ذاتها كوجود خاص،  لها طقس قراءة لا يلتزم بالاجترار المعهود في قراءة النصوص.
هكذا أهبط من برج القوس المكسور دائما لكي أرمم ما تبقى من حياة وما ظل من طاقة في الروح التي أثقلها السير في ظلمات الوعي وشقائه وشظايا الجسد المجروح في أعماقه .
أهبط ومعي الملفوظ وحده منتظما في نثر ما زلت أحسب أنه لا يقدم أثمانا للوزنية المدعمة بالغنائيات المبتذلة ، نثر يضيء الروح ودهاليز الوعي ويعقد صلة بين احتراقات الداخل وتمثيلات الخارج ، بين الشعر والقصيدة ، بين الولادة والموت،وبهذا وحده تتقدم هذه  القصائد المولودة بلا تسميات وبلا تصنيفات مسبقة والمكتوبة في سنوات متباعدة ، يقربها من بعضها ولادتها في ظلال أسوار برج القوس الذي يتراءى مكسورا منكسرا ، منفتح الجرح إلى آخرة لا يبين لها أول، وأول لا آخر له…
 
 
حاتم الصكَر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
للشاعر :جنايات شعرية سابقة!
 
–      مرافئ المدن البعيدة، مطبعة الغري الحديثة، النجف 1974
–    طرقات بين الطفولة والبحر،سلسلة ديوان الشعر العربي الحديث 130،دار الرشيد، وزارة الثقافة بغداد 1980
–       ملاذ أخير ، اللاذقية 1994