من التنبؤ إلى التأمل  الخيال العلمي واليوتوبيات المضادة

 
اتحاد النقائض
لا يزال  اقتران الخيال بالعلم موضع نقاش من طرفي المسألة : الكتّاب والعلماء،ولكن علينا  في البدء  أن نجيب  على سؤال مكرر: لماذا تندر كتابات الخيال العلمي في ثقافتنا المعاصرة؟ ولماذا يظل- شأن السيرة الذاتية – مهمشا ونادرا؟ وإذا كانت المحددات الاجتماعية والرقابات السياسية والدينية تقيد العمل السير ذاتي وتمنع انتشاره أو ظهوره مكتملا ، فإن النظر إلى العلم وتنشيط الخيال باتجاهه سيكون السبب المباشر لندرة الخيال العلمي في أدبنا. وسيرينا الاستقصاء اللغوي أن مفاهيم الخيال في موروثنا الثقافي محدودة ، وأن طاقة الخيال ومداه عربيا على المستوى اللساني والثقافي يحددها الموروث واللغة والرؤية السائدة لدور الخيال ومفاهيمه. فمعانيه القاموسية  لا تخرج عن التوهم والظن والاشتباه ، ولا تبعد كثيرا عن الشيء الموجود ، بل يظل الوجود المتعين للأشياء مقياسا للتخيل ومرجعا يتم الاحتكام إليه ، وبذا عدّ نقاد الشعر نسبة صفات الناقة للجمل عيبا ! واستعارة المجرد للمحسوس استحالة  ، كتشبيه أبي تمام للأخلاق بالخضرة وإسناد الملام للماء ، ولا يشفع الفضاء المجازي وتركيب الصورة الشعرية لهذا التجوز المولّد بطاقة الخيال، ومادام  الخيال انعكاسا للشيء بأبعاده الحقيقية،  فقد تقرر أن الخيال المشابه هو ظل الإنسان، وإلباس الخشبة ثياب رجل لإفزاع الطير والحيوان  تشبيها أو خيالا، ويمتد الحقل الدلالي إلى الحلم فيغدو خيال الشخص في المنام صورة مثاله، وطيف الخيال ظل الشخص مصورا في الحلم  ..
حدود وتنويعات
لا يبتعد مفهوم الخيال تبعا لذلك عن الواقع ولن يسمح إلا بظهور تنويعات للخيال وتكييفات قريبة تتيح تمثيل الواقع بصورة أخرى هي التي وجه كولن ولسن في (فن الرواية ) النقد لأشباهها الغربية لمحدودية الخيال الموروثة  فيها ولانشغالها بالعالم الواقعي الكامن تحت الأحلام واستغوارها  له . و يمكن التمثيل لها في تراثنا بألف ليلة وليلة والعوالم الفانتازية التي تضمها حكاياتها لا سيما في المسخ والتحول  أو المشاهدات القائمة على التوهم كرؤية البحارة سمكا بوجوه آدمية ،أو ما يظهر من خيول ودواب لها أجنحة، أو طيور ضخمة الحجم، وعمالقة قساة أو عفاريت مرعبة.
وفي هذا الجو الفانتازي لا يقوم الخيال إلا بتعزيز الأسطورة والخيال المطوَّر عن الواقع بغير نظام ،ولا يحكمه إلا نسق التخريف لذا أفردت كتب النقد فصولا لهذه التآليف التوهمية والتشبهية والمعبرة عن وعي اجتماعي قاصر بالحقائق العلمية  .
لكن الإنسان لم يكف عن التفكير  بالنأي عن الواقع كمرجع نهائي منذ طفولة البشرية  ، وما الحيوانات المختلطة المزايا والمولّفة من أعضاء حيوانات عديدة إلا إحدى مظاهر حنين الإنسان لإطلاق خياله لا على مثال ( الثور بجناحين وخمسة أرجل في النحت الآشوري، وحيوان ( السيزروش) بجسد غزالة وذيل أفعى منتصب وقرنين طويلين  معقوفين على جدران بابل .وتعد اليوتوبيات مظهرا آخر لهذا التمثيل الجمعي للعالم البديل مما دعا لتصنيف أعمال كثيرة ضمن اليوتوبيات  النقيضة أو البديلة أو المضادة والمغايرة ، وهي أوصاف تهدف إلى كشف برامج العمل اليوتوبي واستراتيجياته وتفريقه عن أنماط خيالية أخرى كالحكايات العلمية والفانتازيا .
يوتوبيات تقليدية
كانت اليوتوبيا كما طوّرها اصطلاحيا توماس مور عن الأوتوبيا اللاتينية التي تعني اللامكان ، قد انشغلت بالعالم البديل الممكن بتغيير الموجودات والأشياء لتحقيق العدل والمساواة والحرية ، لكنها في جوهرها لم تبتعد عن مرجعين : الأول- مدن الإنسان الفاضلة نقيضا لقسوة المدن القائمة وغياب العدل فيها  كما في الجمهورية لأفلاطون ، والثاني – الواقع نفسه الذي يجري تعديله وإصلاحه ، ويقدم  لنا توماس مور نفسه  أمثلة على ذلك فلما كان  الحصول على الذهب حمّى وسحرا جاذبا لمغامرات معاصريه ومؤامراتهم فإنه يجعله حلية للعبيد والأطفال ، كما يتخيل الجزيرة بلا نقود ولا محامين لتوخي العدل الطبيعي والزهد بالمال  لتحقيق التوازن الاجتماعي ، وهو ما تؤكده الدراسات الحديثة التي تفرق بين الفكر اليوتوبي وعلوم المستقبل القائمة على التخطيط  ، لأن اليوتوبيين معنيون (بخلق أفكار وتصورات للإنسجام الاجتماعي صدورا عن الخيال الأدبي والتصور الفلسفي) كما تشخص ماريا برنيري مؤلفة كتاب رحلة مع اليوتوبيا الذي أسمته المترجمة عطيات أبو السعود: المدينة الفاضلة عبر التاريخ ، كما تؤكد تشابه مخلوقات اليوتوبيات  كبشر من نمط واحد ، مجردين  من العواطف الذاتية   ، وهذا يدفعنا للحكم على اليوتوبيات العربية والمدن الفاضلة بأنها واقعة أيضا  تحت ثقل المرجعين : اليوتوبيات الموروثة عبر التاريخ ونمطيتها  ، والواقع المعيش كمادة قابلة للتعديل والإصلاح والتغيير، لا بالنأي الخيالي عنه ومفارقته  كما تقترح اليوتوبيات المغايرة أو الأعمال القائمة على الخيال الحر، وهو أمر تشترك فيه مع اليوتوبيات والأعمال الخيالية الغربية المبكرة ، رغم أن القاموس الغربي يوسع مدى الخيال ولا يحدده بمرجعية الشخص وصورة الشيء كما في المعاجم العربية ، بل يماثل الخيال عندهم الصبّ والتشكيل من مادة خام – دراسة حبيب سروري حول الخيال والخيال الذاتي في الرواية الذي يقتبس مقولة اينشتاين( الخيال أهم من المعرفة )  – معللا ذلك بأنه خالقها  وصانعها فهي تليه في الأهمية ولا وجود لها بدونه.
ويمكن التذكير هنا بأن هذا النقد لليوتوبيات القديمة سيدشن عصرا جديدا للفكر اليوتوبي المجسد بأعمال أدبية تنقل الخيال العلمي من التنبؤ إلى التأمل ، وتستبق الاختراعات والاكتشافات العلمية كأطفال الأنابيب في( عالم جديد شجاع ) لألدوس هكسلي، والغواصة لسبر أغوار البحر لدى جول فيرن قبل اختراعها، وكذلك المنطاد لاختراق الفضاء القريب ، والسفينة فائقة المقدرة لإنجاز رحلة حول العالم كله في ثمانين يوما، وتلك الرحلات الجماعية خارج الغلاف الجوي للوصول إلى القمر قبل تفكير العلماء بذلك .
لقد كانت فضيلة الأعمال الأجد أنها تسعى لتقبل عقول البشر لحتمية التطور –أدب القرن العشرين-الخيال العلمي لمحمود قاسم- وهذا ما ضمن لها انتشارها الجماهيري لأنها منهمكة في ما يوصف بتحديد شكل المستقبل الذي يخص حياة البشر ولو على المستوى الافتراضي . وهو نفس ما تقوم به العلوم في مجال الفرضيات النظرية.
لقد وسعت الحكايات العلمية كما يرى ألبيريس في ( تاريخ الرواية الحديثة )-ترجمة جورج سالم-تلك الموضوعات التي كانت أدبيات الفانتازيا والخيال العلمي القديم  منشغلة بها ، كما يؤشر ذلك جرد اهتمامات كاتب شهير في هذا الحقل هو ه.ج.ويلز مؤلف( آلة الزمن ) والتي يلخصها ألبيريس بالرحلات في الزمان ورؤى المستقبل واكتشاف الكوكب الأخرى واجتياح الكائنات الغريبة للأرض والاختراعات الجهنمية كشعاع الموت والآلات الشبيهة،  وهي في مجملها تحرر الإنسان من راهنية زمنه وتستثمر قوانين النسبية  والتراجعات في الزمن أو استباقه لتحقيق الأحلام البشرية .
وهي ما سيتم تعديله لاحقا على وفق ما توصل إليه الإنسان من معلومات حول الحياة خارج كوكبه ، وربطها بمخاوفه من الفناء والكوارث البيئية  .
الهيتروتوبيات –البديلة
ولكن التوسيعات اليوتوبية خارج حدود المدن الفاضلة ذات المرجعيات الموروثة والواقعية سمحت بظهور هدف آخر يلخصه ميشيل فوكو بإمكان تخيل وجود اللامكان في قلب  المكان  الحقيقي مما يتيح ظهور الهيتروتوبيات ذات المرجع المكاني ، ويورد أمثلة منمطة بحسب الوظائف لأنواع إنسانية مقترحة كالمرايا ، وفنادق شهر العسل، والقطارت، والسكن الداخلي، والسجون والمقابر والحدائق ودور السينما ، وكذلك أماكن تجميع الأزمنة المختلفة كالمتاحف والمكتبات ودور المخطوطات والعملات والاختراعات القديمة وسواها..- يراجع تلخيص القاص  محمد خضيرفي (بصرياثا) لمقالة فوكو(أماكن أخرى) التي ترجمها رعد مهدي.
هذه الأماكن يمارس فيها الخيال طاقته القصوى تحقيقا لوجود اللامكان في المكان الأرضي المعهود ، فالمقبرة مثلا تمثل مجاورة رمزية للحياة في قلب المكان التقليدي وهي فضاء غامض سمح للبشرية برؤية مصائرها المقبلة عبر تهذيب المدفن كمكان خارج وظيفته النمطية ، فصار بوجوده مجاورا لعيش الأحياء وبصرهم اليومي مناسبةً لاختراع ثقافة المقبرة المتمثلة بالزيارات والنذور والشموع والورد ، والعناية بالمكان وزراعته وإضفاء الفن المعماري عليه،  واستخدام الخط على الشواهد والتعريف بالموتى حتى بناء الأضرحة الفسيحة التي تصلح للسكنى في استعادة للاعتقاد بحياة الموتى ، وهي مظاهر لتنشيط الخيال وتحريره .
لم تعد الحاجة قائمة إذن لرحلات من أي نوع خارج الزمن  كما في رحلات جلفر ولقائه بالأقزام والعمالقة، ولا خارج المكان كالرحلات في العالم العلوي : المعري في رسالة الغفران ومشاهد الجنة والنار والأعراف ولقاء الموتى من العلماء والشعراء ومحادثتهم، و عمل دانتي -الكوميديا الإلهية  المشابه في خطته وتفاصيله العروجية .
إن قليلا من الأعمال المذكورة يمكن وصفها بالتأملية فيما تنصرف أغلب مؤلفات الخيال بأنواعه –العلمي والفانتازي واليوتوبي –إلى التنبؤ استنادا إلى فهم خاص للقوانين العلمية أو توسع في تفسيرها وتشغيلها وإجرائها.
النقد السياسي
يستخدم الكتاب الفكر اليوتوبي الجديد لمقاومة المظالم والحجر الواقع على الإنسان  ،  وتمده خيالاته هنا بفكر معاكس يهول ما يمكن أن تصنعه الديكتاتوريات لمقاومة الفكر ، وهو ما تجسده رواية ري برادبري 451(فهرنهايت ) وهي الدرجة التي يشتعل فيها الورق فتحترق الكتب مُدينا ما كانت  تفعله محاكم التفتيش وأعادته المكارثية بصدد الكتب وحرقها بشكل علني ومعاقبة مقتنيها ، فيسبب كتاب ديفد كوبر فيلد في تعاطف رجل الإطفاء مع مقتنيته التي أهدته الكتاب ، ويرفض حرقه الذي يعرض على شاشات التلفزيون التي أدمن عليها الناس  بديلا للكتب ، ويهرب بعد قتل رئيسه إلى المكان الذي يتجمع فيه أنصار الكتب لإحياء الكتاب رمزيا ومقاومة حرقه الذي يمثل تدمير الفكر فيقوم المجتمعون بإطلاق أسماء الكتب على شخصياتهم .
وقريبا من هذه الفانتازيا الانتقادية يقف عمل جورج أورول ( 1984) وما يفعله الأخ الأكبر لتثبيت فرديته وتحريم الحب والصلات بين البشر وجعلهم نموذجا واحدا في الزي والتفكير والتجسس على ما يحلمون به أو يعتقدون.
ويحلم كتاب عرب قليلون بعالم مضاد بديل لكنهم يعلنون رغبتهم بانبثاق اليوتوبيات المعدلة لعالمهم القائم ،  فيحلم أحد أبطال قصص يوسف إدريس  وهو ينتظر ولادة طفله بأن يولد الإنسان كبيرا ثم يتراجع عمره حتى يدركه الموت رضيعا لا يفقه قسوته، وكما يتخيل توفيق الحكيم ما يحصل سنة مليون في قصة قصيرة تحمل هذا الاسم بأن الناس لا يموتون ، صانعا يوتوبيا مضادة أو بديلة ، موظفا طاقة الخيال ليعبر عن هذا الحلم البشري الذي أشغل الكتّاب منذ زمن الملاحم الشفاهية القديمة .
المواطن الأبدي
تحررت موضوعات اليوتوبيات البديلة أو المغايرة من الموضوعات النمطية حول المواطن الصالح لتسمح  بظهور ما يسميه محمد خضير المواطن  الأبدي الذي لا يغادر مدينته ويعوض ذلك السفر خارجها بالغوص في طوبغرافيتها وتاريخها ومظاهرها المدنية وأعراقها وثقافاتها ويستلهم إشارات المكان فيها ليركّب من ذلك كله هيتروتوبيا أو مدينة لامكانية في المكان نفسه ، مستخدما وعيه المسقط على مفرداتها لخلقها مجددا وإعادة تكوينها أو (  إعادة اكتشافها باستمرار) متناسيا ( أية حقيقة متواترة عنها) بدءا من اسمها   ، إذ يقترح محمد خضير اسما بديلا  لمدينته –البصرة- هو بصرياثا  الذي يلامس جغرافيتها الحقيقية عبر رنين ( البصرة ) والاستدعاءات التاريخية لها ، ومزاوجة ذلك بالأسطورة أو الخرافة حول تاريخها وتجذر الأشياء المختلفة فيها  من نباتات وأشجار كالنخيل ، والطبيعة كالنهر وجداوله، والصحراء وامتداداتها ، ووسائط التنقل –السفينة والقطار والعربات- ومبانيها وساحاتها وأسواقها.إنه تاريخ شخصي للمدينة وموضعة لها في الوقت نفسه .
لكن محمد خضير يكتشف بفعل الحروب التي شهدتها المدينة عبر تاريخها –حتى القريب والمعاصر- تجعله يحصرها في هذه الزاوية من الرؤية التي تلاحق امتداد  المدينة وخلاءها الصحراوي ثم ترصد تصحرها الداخلي بخلوها من البشر بسبب القصف المتبادل خلال الحرب والهرب من الموت المحتمل حتى تصبح المدينة شواخص جرداء من روحها التي يضفيها عليها البشر.
لكنه يتوسع في عمل قصصي لاحق هو ( رؤيا خريف ) لبناء مدينة بديلة  تنهض بعد الحرب وعودة الأسرى والجنود ، محققا المفهوم الهيتروتوبي الفوكوي(إمكان وجود اللامكان في قلب  المكان الحقيقي) وهنا يستعين بالطاقة التي يتيحها الخيال العلمي فصف المدينة من برج متخيل قائم على قوانين هندسة افتراضية يختلط فيها الوهم بالهندسة متناصا مع لغز البناء الذي صممه سنمار ووضع أمكان هدمه في زاوية سرية منه جوزي بالموت لأنه حامل السر الوحيد.
يسمح بناء البرج بظهور كتابات صباحية على أحد وجوهه ، بينما تطلق الساعة الطافية ومضات خضر رنانة بقدر الزمن الذي تشير إليه. كما تسمح المصاعد بالدخول لرؤية الخرائط والوصول إلى القبة الزجاجية للتمثال.
وهذه التقنية تتكرر في( صحيفة التساؤلات)حيث يكتمل بناء المدينة من جديد ولكن العثور أول على اسم لها بانتظار العائدين إليها من مهاجرين ووافدين وفي المساء تظهر على شاشة المرقاب الكبير عبارة دونتها يد متسللة على الطابعة تساءل عن الاتجاه الذي تقع فيه بصرياثا المدينة المنقرضة ويقص أمين دار المحفوظات حكاية الكتاب الذي يحل بعض الألغاز وهو كتاب التساؤلات.الذي يحل لغز المدينة عبر كرات مختلفة الحجم تمثل أكبرها  المثال الفيثاغوري –الهندسي لفكرة الكرة ذات القدرات الخارقة والتي بنيت المدينة كجوهرة كبرى على مثالها.
ولقراءة القصة نحتاج لاستحضار سياقها الهندسي هذا والذي يتحكم بفضاءاتها ومداخلها وأقبيتها وغرفها المخبئة للأسرار، وسيلاحظ القارئ استفادة محمد خضير من حقائق  العلم مع إيقاع ثان يسير بموازاته هو استحضار الإطار السحري لمدن الخرافة وما يحصل فيها من أسرار وخوارق ..وهي تقنية يستفيد منها أيضا في قصة ( حكايات يوسف)حيث يعاد بناء المدينة بعد الحرب  وتقام على جزء من أرضها دار للطباعة ويصل القاص عبر مصاعد كهربائية في عمود محوري ويرى لانساخ والمحققين والمؤلفين يعملون في مقاصير خاصة في جو أسطوري وتشي الأسماء الأولى لهم بأنهم كتاب حقيقيون من البصرة نفسها وعنما يسأل الراوي عنهم يعلم أنهم موجودون بأشباحهم لا بأسمائهم وهذا يسمح ببقائهم في جلستهم  الأبدية تلك يؤلفون دون الانتهاء مما ألفوا لأن ما يدونونه على الصفحات يختفي جزء منه وبذا يظلون في مكانهم لأنهم لو أنهوا الكتاب لاختفوا تماما وتنتهي القصة بالعثور على مرآة عجيبة مصنوعة من معدن نادر بحجم هائل تعكس  الشمس عليها صورة المدينة بمراحلها الثلاث: أول الصباح وعند الظهيرة ووقت الغروب ولذا يتكرر مشهد مراقبة الأهالي لحركات المرآة وما يظهر عليها كل وقت.
يطمح  محمد خضير إلى ( الخروج من طبيعة الرواية إلى صنعة الاختلاق ومن وظيفة الإمتاع إلى سلطة التعجيب) ولعل هذا الهاجس هو الذي وضعه قريبا من الخيال العلمي ولكن بتوظيفه لتوصيل الجانب العجائبي والسحري على سطح مدنه المتخيلة بعد نهوضها من رماد الحروب والانكسارات . لقد استبدل بالمدينة المنهارة يوتوبيا كي يحتفظ بحقيقتها الأصلية كما يقول،فكان عمله هيروتوبيا بجدارة وإن اقترض كثيرا من أحلام الهندسة غير التقليدية  والمعمار الغرائبي.
.إشارات
تستفيد الدراسة من مراجع ذكرت بإيجاز في المتن نفصلها هنا بحسب الإشارة إليها في الدراسة:
– ماريا لويزا برنيري :المدينة الفاضلة عبر التاريخ ، ترجمة د.عطيات أبو السعود، عام المعرفة225، الكويت 1997.
– محمود قاسم : الخيال العلمي-أدب القرن العشرين، محمود قاسم ، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة1993.
– حبيب عبدالرب سروري: حول الخيال والخيال الذاتي في الرواية: دراسة مقدمة إلى المهرجان الأدبي بصنعاء، مايو 2005.
–  ر.م.ألبيريس: تاريخ الرواية الحديثة ، ترجمة جورج سالم،ط2،منشورات عويدات ، بيروت1982.
– كولن ولسن:فن الرواية ، ترجمة محمد درويش، دار المأمون ، بغداد1986.
– محمد خضير: بصرياثا- صورة مدينة،منشورات الأمد، بغداد1993.
–  محمد خضير: رؤيا خريف –قصص، مؤسسة عبدالحميد شومان،عمان 1995.