حوار أجراه معي الأستاذ علاء المفرجي-ثقافة-جريدة المدى -الثلاثاء 12-1-2021

الحوار الذي أجراه معي الأستاذ علاء المفرجي-صفحة (ثقافة) جريدة المدى-بغداد -الثلاثاء 12-1-2021

الناقد حاتم الصكر يتحدث عن الحداثة العربية، والنقد الثقافي، في حوار معه أجريته ل(المدى)

الحوار

-1- الى ما تعزو شحة الحضور النقدي في الساحة الشعرية، ؟

هل ترى النقاد يتحملون وزر ذلك؟ ام انه خلو الساحة الشعرية مما هو استثنائي ومختلف؟

–  الشحّة والوفرة مقياسان زئبقيان.معارض الكتب والصفحات الثقافية والمواقع تكتظ بالدراسات النقدية  إذا شئنا اعتماد قياس الكم، والمجلات تخصص ملفات عن النقد بتنويعاته الكثيرة: نقد النقد، النقد الثقافي ، النقد البيئي، النسوية ، قصيدة النثر، مناسبات واستعادات قراءةٍ لمنجز الشعراء ، فضلاً عن مساهمات النقد الأكاديمي.

الإشكال في ظني متحصل من تشتت المراكز الثقافية ، لا بمعنى الهيمنة النوعية أو المدينية على المشهد كما جرى سابقاً ، ولكن بمعنى غياب تواصلها مع الكتاب والقراء، وموسميتها. و انقطاع الحوار واللقاء والمنتديات الفاعلة .المهرجانات رغم  ما لدينا عليها من ملاحظات، تظل مناسبة لمعاينة المشهد، في البال حلقات نقدية في المربد ، وعربياً في جرش و ندوات اتحاد الكتاب العرب والقاهرة والمغرب العربي  و الخليج سواها.. وهذا يزيد تباعد النقد والنصوص.

لكن السؤال ينبهنا إلى نقطة أعمق في الإشكالية:مسؤولية نقاد الشعر، وغياب الإستثنائي والمختلف.

في الشق الثاني من الفرضية أجدني أختلف قليلاً؛ لأن( الإستثنائي والمختلف)  موجودان كظواهر في الكتابة الشعرية.ثمة أجيال تطلع من شجرة الشعر وتتفرع عنها.وثمة مظهر أسلوبي أو شكلي لها يعتمد تقنيات جديدة ، لكن النقد يعامل الكتابة الشعرية بما أنها تنمُّ عن حركة أو زحزحة للسائد وإضافةِ جديدٍ للقصيدة ، لتعديل مسار الكتابة الشعرية،واقتراحِ طرق  واساليب ،وفتح آفاقِ تفاعلٍ ومرجعيات متجددة.

في القراءة النقدية – وحتى  في قراءة الشعرعبر متلقّيه- نبحث عن قصيدة مختلفة تُراكِم ظاهرة ولا تطابق أفق انتظار قرائها – باصطلاح جماليات التلقي- ، لا تكتفي بكتابة الهايكو مثلاً، أو استضافة أسماء غربية في العناوين، أو شحن القصيدة بالشعبويات والسير الصادمة ابتغاء تلبية أفق المتلقي .ذلك عمل غير حداثي، كان التقليديون يفعلونه بطرق أخرى لمداعبة أذن المتلقي وإبهاره بالبلاغة الفجة والموسيقى الشعرية الزاعقة .

2- البعض من الشعراء يتنكرللنقد.. أو يجده حاجزا أمام الابداع.. الستينيون مثلا قالوا: نحن جيل بلا نقاد! وكأنهم ليسوا بحاجة الى الممارسة النظرية في الدفاع عن مشروعهم الشعري؟

– وفّرَ السؤال عليَّ كثيراً مما أردت بيانه.ويطيب لي أن أقسّم مواقف هؤلاء الشعراء المجاهرين في مناسبة ودونها ،عن بغضهم للنقد، وللنقاد أحياناً!فثمة فريق يتعامل ظاهراتياً مع النقد؛ أي أنه لا يراه أو يحسه لأنه لا يلامس أفق نصوصه ، وآخر أشد خطراً منه لايرى (جدوى للكتابة النقدية).ويدعو لأن يكون الشعراء نقاد أنفسهم،وهم بذلك يرفضون ظاهرة حضارية تمس ديمقراطية الأدب وحرية الكتابة.وفريق ثالث متذمر لا يُرضيه ما يقرأ ،مرةً بدعوى أن النقد نظري يستلف من الغرب، ومرة بكونه فقيرأ نظرياُ وبلا منهج. وثمة صنف، يضم شعراء مكرَّسين للأسف، لا يعجبهم حتى الكثير الذي كتبه عنه النقاد والباحثون. عبدالوهاب البياتي وفي لقاءات كثيرة معه في عمان كان يهزأ من دراسات أكاديمية  كتبت عنه عراقيا ً وفي جامعات غربية.ودون أن يسوق أسباباً فنية .إن بعض الشعراء يزعجهم ما يكتب النقاد  من دراسة لشعر زملائهم. البياتي حين كتب عن مايكوفسكي لم يجد إلا شتائم مايكوفسكي للنقاد- وهي حالة محكومة بظروف تداولية خاصة- ليضمنها قصيدته الملآى بشتم النقاد.

أما الستينيون الذين قالوا إنهم جيل بلا نقاد، فكانوايعبّرون عن احترام للنقد، وحاجة له  وبحث عن صيغ جديدة له،وليس تنكراً  أو إنكاراً لوجوده. وربما لآنصراف الدرس النقدي لمعاينة المنجز الأهم حينها ، أعني ميراث الرواد والخمسينييين ،والبحث عن قواعد للشعر الحر . وتعلم أن تصريح شعراء الستينيات بأنهم بلا نقاد،كان جزءأً من مزاج الستينيات وتمرد الشعراء  الذين أنكروا أيضاً أن يكون  لهم آباء شعريون! مع أنهم خرجوا  من عباءاتهم الشعرية في بداياتهم خاصة ، وورثوا تلك الجرأة على نظام القصيدة التقليدية على ألأقل!

لا أود أن يصطف الشعراء خلف متراس حرب وهمية مع النقد وتسفيه خطابه.ولست هنا بمعرض بيان منجزات النقد الشعري ، ولكن يكفي أن نذكّر بمنافحته النظرية عن الحداثة ومشروعها ، وضبط جهازها المفهومي في  التلقي والقراءة..

3- لقد دخلت الحقل النقدي من بوابة نظم الشعر.. هل كان ذلك بسبب تواضع ما كتبت من قصائد؟ وكأنك تؤكد مقولة ان الناقد قاص او شاعرفاشل.. أم أنك دخلته من حساسية نقدية عالية؟

–  غالباً ما أصنّف وعيي الأدبي مرتهَناً بزمنين: زمن شعري مبكر؛ كنت فيه كسائر مثقفي جيلي الذين  تبدأ تجاربهم بالشعر، أقرب الوسائل الممكنة وأسرعها  للتعبير عن الإنفعال والشعور، وهما المتحكمان في الوعي المبكر عادةً. ثم دخلتُ زمناً ثانياً هو الزمن النقدي حيث تهذَّب الإنفعال، وانتقلتُ لمرحلةٍ هيمنَ فيها الإدراك والمعرفة كعمليتين ملازمتين للوعي. وقد  ترتبتْ الأولويات وفقاً لهذا العامل ، فتراجع الإنفعال المطلوب للشعر، وتقدم ما يلزم  عنصريْ المعرفة والإدراك من لوازم، أصبحت القصيدة أبعد مرمى من يديَّ ،ووعيي بالضرورة.لكنها لم تغبْ من اللائحة.ظلت مرجعاً لتفكيري ومعرفتي تقوى بها مداركي . أقول دوما ً إنني لم أُبْحر بعيداً عن الشعر.في قراءاتي واهتماماتي ، وأسلوب كتابتي النقدي فيه من تقاليد  الشعر الكثير ليس الإهتمام بالصياغة والعنونة إلا جزءاً منها.

هكذا تراتبت الأولويات مجدداً.تقدم الوعي بالمكتوب والمعبَّر عنه  بما لا يسمح للتدفق الشعري أن يأخذ مجراه في الكتابة ..لي أربعة دواوين شعرية مزاجها ستيني.  ونشرتُ آخرها  في القاهرة مطلع عام 2020 .لكنني وضعتُ عنواناً ثانوياً للديوان هو (جنايات من الزمن الشعري ) تنويهاً بأنها سوابق! أعود لاقترافها من حين لآخر عبوراً مختلساً للحدود!

وهذا يوصلنا لشق السؤال المتعلق بمقولة إن النقاد شعراء أو قاصون فاشلون.وهو ليس حكماً مطَّرداً ليغدو قاعدة، لكنه انتشر بكونه جزءاً من  الشائعة الأدبية أو أوهام المسرح والسوق بحسب تصنيف الفيلسوف  بيكون، التي نعلم أن لها دوافع ومحرّكات شعورية ولا شعورية. وربما هو شبيه بالموقف من شعر العلماء كما يسميه المؤرخون الأدبيون العرب، حيث وجدوه غثاً بارداً، بعدوى الرتابة والمنطق العقلي الذي يهيمن على كتاباتهم. كشعرعبدالقاهر الجرجاني  المتواضع قياساً إلى كشوفاته المميزة والمبكرة في التذوق الجمالي والتحليل والشعرية. .

4- أرى انك تعترف بحداثة عربية، وإن كانت قد استعارت شعاراتها أفكارها من الغرب، ماهي بالضبط رؤيتك في قراءة الحداثة العربية؟

–  أعدّ الحداثة الشعرية العربية مشروع رؤية قبل منهجية الإستلاف أو الإستعارة  أو التجارب  الشكلية للقصيدة.الرؤية تمتزج فيها المؤثرات  والمشغّلات النظرية وتتغذى من تجارب مشابهة في الماضي أيضاً. استعار البلاغيون والنقاد الأوائل كثيراً من المنطق الأرسطي ، والتنظير لأجزاء القصيدة وكلِّيتها .في النقد انتظم الخطاب بذلك الإحتكاك بالآخر. وليست الحداثة العربية استثناء من سواها.تذهب للتفاعل وتعود بما يمكن أن يصيف للقصيدة وقراءتها أيضاً.وهكذا انتقلت الحداثة العربية مثلاً  للعناية بالتلقي وفعل القراءة الذي لم يكن على لائحة النقد حتى البنيوي، وبالظواهر الثقافية والتداخل بين الفنون.بهذا أجد الحداثة العربية تجاوزت الأخذ المباشر والحرفي كما حصل في فترات التأثر بالواقعية ،والبنيويةمن ببعد.

يجري تكييف منهجي للحداثة النقدية المستلفة ،وتضاف لها قناعات وإجراءات تفرضها خصوصية اللغة وجمالياتها ،وما يحف بها من لوازم تداولية تمس الرموز والدلالات والإيقاعات أيضاً. وأعتقد ان ذلك واضح في النقد السردي بما أن السرد ذاته مجتلب بأشكاله الحديثة كالقصة والرواية والسيرة وغيرها من الآخر.لكن حداثة الشعر تبحث دوماً عن جذورلقوة الذخيرة الشعرية العربية وتاريخها الطويل وتراكم نماذجها عبر العصور ورسوخها في ذاكرة المتلقي بتلك الكيفيات التي جاءت إليه فيها. لا غرابة أن نجد شاعراً وكاتباً حداثياً كأدونيس يبحث عن جذور لقصيدة النثر ليبعد عنها الهجنة أو الوفادة.فرآها في النثر الإشراقي للصوفية.كما بحثت نازك من قبل عن جذر حداثي لشعرالرواد فوجدت البند .

5- قلت مرة في لقاء معك((إن حروب العراق  المتتالية والتغيرات والأحداث  الكبرى في تاريخ هذا البلد مهدت وشجعت انتعاش الرواية التي لم يكن الأدب العراقي خالياً منها تماماً. هل برأيك ازاحت الرواية بشكل الشعر من عرشه.؟ وهل فقد الشعر بريقه؟

– تأخُّرُ الإهتمام بالشعر في مراحل عدة من الأدبية العراقية وتلقي نصوصها  يعود إلى ما ذكرته ونتائجه.في الأحداث المدوية -والحروب في مقدمتها- يتأخر صوت الشعر الخافت والهامس.الصوت للمدافع وأدبيات الحرب: حماسات وبطولات وبكائئيات ونسج لسرد خاص ،لا يستقيم معه الشعر ولا ينبغي له!

القصيدة لا تباري الفاجعة أو واقعة الحرب بتفاصيلها.فغلب  الجانب التعبوي في النظم ، والجانب الدرامي  الحزين المتخفي وراء الرموز والغموض خوف انفضاح كراهية الشاعر للحرب، ووقوعه في دائرة التخوين وعقاب السلطة الدموية التي حولت المجتمع بكل مرافقه إلى معسكر، من النشيد المدرسي حتى المهرجان الشعري.

الرواية تسد هذا النقص لاحقاً بما تختزن من جزئيات أقرب إلى إيقاع المتلقي المدجج بنداءات نص الحرب.تعكف الرواية بقدرتها على تمثيل الواقع على تقديم مقاطع عرضية للحرب، وسيتأخر الشعر كي يستوعبها ويتمثلها ثم يعيد تمثيلها.

لا أقصد هنا ماكُتب تعبوياً من قصص المعركة وأدب الحرب كما سمي خلال حروب القائد.لكنني أتحدث عن أدبيات سردية ومتون سيرية توفرت على الواقعة الحربية لجلاء الإنساني منها، والألم الذي طبع حياة العراقيين وخواء الحياة وفقدان حيويتها.

في هذا الظرف تأخرت (القصيدة) في أولويات الكتابة والتلقي، وساد(الشعر)  التعبوي وما شابهه .

تسيدت الرواية دون شك ولكن ليس للحد الذي يسمح بالقول إن العصر أو الزمن زمن الرواية ،والإستناد إلى مبررات تسويقية أو للجوائز وإحصاء الإصدارات، كما فعل الدكتور جابر عصفور للقول بأحقية الرواية في التمثيل الخيالي والثوري.وانحسار الشعر.

6- يبدو أن الولادة  كانت متعسرة لقصيدة النثر، حيث رفضها التقليديون، وإشكالاته تبدأ من التسمية ولاتنتهي بالقصور في الاجراءات النقدية.. فظلت تراوح بين الشعر والنثر؟

– هذا صحيح تماماً. ثمة مشكلة في  مصطلحها وتداعياته  ما أدى لفهم قاصر لنثريتها، وميوعة إيقاعها وعدم تعيُّنه كبديل موسيقي ، وزحْف التقليد إلى نماذجها، وكذلك مشكلة تلقيها  من القارئ بأفق تلقي القصيدة الموزونة وأعرافها دون أن  يعي جماياتها الجديدة. لكنها مادامت وليداً، فثمة مشاكل متوقعة في الولادة والنمو ،مرت بها الأنواع الشعرية كلها في أطوار تحديثها.

الإجراءات النقدية اقتربت كثيراً من نصية قصيدة النثر وتحليلها وبيان مشكلاتها وتعددت مكتبتها النظرية وتنوعت بين مؤلَّف ومترجَم..وشخصياً أرى أنها الآن في طور الفرز الجيلي والأسلوبي وصارت لها تيارات ومناخات كتابة ومقترحات شكلية نفنح أفق كتابتها وتُوسِّعه.وصولاً إلى تعيُّنات نقدية وإجراءات قراءة أرى أنها الأكثر إلحاحاً هذه الفترة.

7-  بعد كل هذه الأعوام التي شهدت نفي وهجرة بعض الأدباء.. هل اكتسب الابداع في الخارج توصيفا ما ؟ وماذا عن تجربة حاتم الصكر؟

– المنافي والمهاجر والمغتربات حاضنات جديدة بالنسبة للأدب العراقي ،بدأت مؤقتة مع الرواد ومن جاء بعدهم: كما تجلت  في قصائد  السياب و سعدي والبياتي في الخمسينيات و أعمال سردية لغائب طعمة فرمان والتكرلي  والربيعي في جزء من الستينيات.ثم بدأت موجة الهجرات الكبرى مع خروج الستينين البارزين: سركون بولص وصلاح فايق وفاضل العزاوي،  وهجرة سعدي الثانية وغيرهم ، وتميزت الفترة الأولى بالطابع الإيديولجي للمنفيين والمغترين من الأدباء، وقلة منهم مهاجرون بالمعنى المعروف للهجرة الخالية من القسر والضرورة. لذا كان المحمول السياسي غالباً على نتاجهم. وكان المكان الجديد مأوى وملاذاً جرت فيه  متابعة ما في الوطن، وما يحملون من رسائل عنه للعالم وإلى مواطنيه انفسهم مع تنويعات للحنين والنوستالجيا أحياناً ،بسبب ضعف التواصل المباشر، وحجْب نتاجهم في الأوطان .وهذان العاملان سيحذفان من التأثير على الخارجين الجدد،أعني في العقود الأخيرة.فالوطن مُتاح صوتاً وصورة لا تطاله الرقابات والموانع الجغرافية.

وهذا للأسف قلل من فرص الإندماج بمجتمعاتهم الجديدة وثقافاته ولغاتها، وظلوا على هامشها مكتفين بديمومة حضورهم الوطني.توجد استثناءات لكتاب عرفوا في مَهاجرهم ومغترباتهم من خلال الترجمة ، وبعضهم الأقل من خلال الكتابة بلغة الآخر.وهنا توسعت آفاق الكتابة ،وأضيفت لها مساحات أكبر من التفاعل والتمثل.كما جرى هدم  ثنائية الداخل والخارج  ..الوهم الذي سيطر لأسباب سياسية ضيقة وسوّق له أادباء مهاجرون ومحليون  في فترة الهجرة الأولى والثانية ،

شخصيا يتم سؤالي عن وضعي المهجري.لقد جئت لاجئاً مع أبناء ولدي المختطف والمختفي قسراً منذ عام 2006.حاولت أن أعوضهم شيئاً من الإستقرار والتعلم بعد أن صدمهم الوطن ،وهم يرون بأمّ أعينهم أباهم  مختطفاً عام 2006مقيداً في صندوق سيارة إلى المجهول.

ولوصف حالتي المهجرية المتأخرة أردد دوماً قول المتنبي : أتى الزمان بنوه في شبيبته/  فسرَّهمْ وأتيناهُ على الهرمِ. لذا ظلت معاملتي بصَرية  للمكان. وهو بالمناسبة جنوبي فيه سَكينة المدن الصغيرة وهدوؤها،.ظل وجودي الجسماني منفصلاً عن وجودي الورقي عبر الثقافة التي أواصل حيويتي فيها بقدر ما أستطيع، مستفيداً من غنائم التقنية. ما وقر من صور في نفسي لأمريكا وحضارتها ومدنيتها ،ولأكتشف خطايا المكان وأخطاءه في الطبائع والسلوك، و حقيقة الثقافة والصلة بالآخر وخرافات العولمة وغيرها,.لكن الفن برهافته  وغرابته هنا يغلب جدية الأدب وجمهوره، ربما موافقةً لإيقاع الناس.

.8- سؤال لابد منه، هو كيف ترى المشهد النقدي العربي الآن؟ وماذا عن تجربة حاتم الصكر؟

– على المستوى الأكاديمي كنتُ متفائلاً لانتقال الدراسات الأكاديمية والدرس الجامعي إلى النصوص الحديثة ،وزوال التابوهات حول الدراسة وموضوعاتها .لكنُ سرعان ما صار المنهج مكرراً، وثيمات الدراسة متشابهة حدَّ الإستنساخ، مثل المنهج عند فلان، أو قصيدة النثر عند آخر، وأسلوب السرد لدى قاص أو روائي.ولا نرى خصوصية في التناول والتوصلات كذلك.

أما النقد الأدبي فهو يعيش صراعاً من نوع جديد ،سيظهر للعلن قريباً دون شك، مع النقد الثقافي، والدراسات التي تتوهم أنها تنهج منهج الدراسات الثقافية، وفهمت العناية بالهوامش والأقاصي فهماً إجتماعياً خالصاً، ما يهدد بزول النقد الأدبي لصالح النقد المتعجل، وحلول النقد الثقافي محله كما نقرأ صراحةً.وشيوع الدراسات الساذجة التي تتناول ظواهر لا قيمة لها في ظنِّ أنها ملمح اجتماعي ،يجدر بالنقد الثقافي أن يتناولها.

لكن الترجمة ردمت كثيراً من فجوات النظرية النقدية ، ودراساتها وتطبيقاتها وتياراتها الجديدة.

أنا من المدافعين عن أدبية  النقد، وضرورة – وجدوى – وجود ( النقد الأدبي  )تحديداً مع تطوير  – وتحديث- مناهجه ومفاهيمه وإجراءاته.  وفي الصلة بين الفنون وكتابة السيرة وانتظام الجهاز السردي.

شخصياً توزع  إسهامي هذه الفترة حول مركزيات الكتابة النقدية .نشرتُ كتابَ دراسات وتطبيقات لقصيدة النثر  وخصائصها النصّيّةهو (الثمرة المحرمة)،و(نقد الحداثة) حول الخطاب النقدي المواكب للحداثة ،و أحدث كتبي (تنصيص الآخر) كما يتجلى في المثاقفة الشعرية ونقد النقد والمنهج. وقبل ذلك كان كتابي عن السيرة الذاتية وتنويعاتها المختلفة بما فيها السيرة الشعرية..