قصيدة المشهد البصري-

مجلة الفيصل -ملف خاص بالشاعر سيف الرحبي- 1 يناير 2021
قصيدة‭ ‬المشهد‭ ‬البصري

حاتم‭ ‬الصكَر  

1-

سأطلق على قصيدة سيف الرحبي تسمية موجزة ودالّة : قصيدة المشهد البصري، ذلك أنها تتقدم للقراءة عبر هذه التقنية التي اقترحتها الحداثة الشعرية في مراحلها التالية للرواد، وخصوصاً منذ الستينيين والجيل التالي لهم  الذي ينتمي إليه سيف الرحبي(1956-).

لقد ازدحمت المرائي في مخيلته وتغذت بما اختزنه بصرياً من مشاهد غنية بالتفاصيل التي وجد نفسه داخلها، بل مراقباً لها وهو يعيشها .وقد منحه ذلك قدرة على استحضار الأمكنة  بجزئيات يشكل وجودها الشعري عنصرا  الترقب والرصد البصري الممتزج بمشاعر مسقَطة على تلك الأمكنة.و من ثم تغدو الموتيفات التي يجمعها في القصيدة متسلسلة  عبر زاوية نظر موازية للمنظور التشكيلي.فتلك المَشاهد فضلاً عن هويتها البصرية  تتقدم باسترسال لا يحكمه رابط لغوي صارم ولا حدود أو نهايات ، وتتجاور فيه الأشياء متضادة أو متناظرة في هارمونية وإيقاعات خاصة تحيل إلى لوحة شعرية  مبصَرة أكثر منها قصيدة لغوية الأداء.إنها تثير من جديد علاقة الشعر بالتشكيل التي كانت من ثمار الحداثة الشعرية وانفتاحها على الأجناس والأنواع.حيث تمَّت عملياً فرضية التداخل النصي  بين الأجناس والأنواع  ما يمكن تسميته بالتناص النوعي أو الإجناسي.

ولما كانت قصائد  سيف  تتوسل السرد كميزة لقصائد النثر ، فإنها تعتني كذلك بالمشهد وعناصره التشكيلية  بشكل متواتر يدعو للتحليل والرصد عند القراءة .

وهذه العناية بالبصري في القصيدة واعتماده أساساً في التوصيل، يأتي من خزين بصري موازٍ تحفل به القصائد .وترد معضدات له وبطاقات قراءة مساندة من تفوهات سيف في مقالاته، والكِسَر السيرية التي دوَّنها عن حياته وبيئته ،والمرائي التي شكّلت وعيه الأول وصلته بالمكان .

لقد درجنا أن نبحث في قصائد النثر عن تعيين مكاني وتحيين زماني، حيث يستعين الشاعر بقدرته على استحضار العناصر المكانية في ترتيب خاص داخل القصيدة ليخلق التكوين المقصود بالمشهد السردي-المكاني، وهو يُسقط على المشهد رؤيته المتكونة من وعيه به ، ثم يتعزز التعيّن  المشهدي- المكاني بالتحيين الزماني، وهو جناحٌ موازٍ للمكان، يعمل على تأطير العناصر المكانية بذاكرة زمنية ،تستحضر المفردات أو العناصر  التي  تقوم بتحيينها لإنجاز مشهد غائب يمتلك حضوره في هذه العلاقة بين غياب العنصر كفعل ، وحضوره كمفردة شعرية ضمن مفردات القصيدة. وسيكون لعلاقات الغياب والحضور أهمية كبيرة في قراءة قصائد سيف.

وكما أن لكل مشهد تشكيلي منجزٍ خلفيةً، فإن التلازم المكاني -الزماني سيكون خلفية المشهد الشعري الموصوف بالبصري في قصائد سيف الرحبي.

فالصحراء هي الخلفية العامة للمشهد: تحضر لا بتجسيداتها المعروفة التي تحضر في الذاكرة كالرمال والفراغ والعزلة والحياة البدئية وعناصرها، بل بتعويم المكان ليغدو إيهاماً أو موجوداً ظلّياً يوحي بأكثر مما يعني في القراءات التقليدية.إن الصحراء  فضاء لا يتم نقله مشهدياً بطريقة فوتغرافية تماثل ما يفعله الرسامون الواقعيون المنهمكون في دقة المماثلة للمرسوم والتفنن ببراعة في نقله وكأنه هو بهيئته ذاتها على سطوحهم التصويرية بعلاقة إيقونية تتعمد المطابقة بين المتخيل والمرسوم.

إن ذلك لا يخلق منظوراً مشهدياً بل نقلاً دقيقاً قد يبهر المبصر، لكنه لايزيد معرفته بجماليات المكان أو ما يخبئ من دلالات .وهذا ما تجنبه الفن الحديث والأسلوب التجريدي خاصة.

ولكن زمانية الفن الشعري تختلف في المعالجة البصرية لموضوعها دون شك ؛ لأنها ليست معاينة مكانية كما في الرسم .ولذلك تتجاوز الصورة بمعناها التقليدي وعناصر التشبيه المألوفه لتبتكر سلسلة خيالية تقتات على منظور تصممه الذاكرة ،ولكن الكلمات والجمل الشعرية تنزاح عنه إلى ما يوحي به كأثر. وهذه الإنزياحات تمثل طريقة في النهايات التي تقترحها قصائد سيف على قارئها كما سنبين.

 

2

 

تنبني قراءة قصيدة سيف الرحبي على هذين المركزين المتجاذبين فيها:

أ-  استدعاء عناصر المكان من الذاكرة ودمجه بالحاضر الماثل ثم دفعه إلى مشهد بصري متكون من تلك العلاقات المتوترة بين الذاكرة وما تعنيه من موجودات ودلالاتها ،وبين الإبتعاد عنها والإنغماس في حاضر مؤسٍ وحزين يقرب من الإغتراب، وهو ليس غريباً عن مجال  اشتغالات الشعر الحداثي في مراحله التالية للكتابات المبكرة في الشعرية العربية، لتأثره بما جرى من أحداث  مفصلية ،ومن تبدلات الوعي بفعل تبدل مؤثراته ومكوناته، وشهادة الشعراء على لحظات من أشد الأزمنة دراماتيكية وحزناً وخذلاناً.

ب – إقامة أو تأثيث المشهد البصري بالعناصر اللونية المنبثقة من  انعكاسات وجود الأشياء في النص، والظلال المنبثة في المسكوت عنه او المغبّب ، والخطوط المتكونة داخل  العمل كآمتدادت أو تمددات للمخيلة .والتأكيد على خلفية العمل ونهاياته المفتوحة ، وكأنها لوحات بلا أطر أو حدود ، مشرعة على شتى إمكانات التأويل عند المعاينة البصرية. والأهم من ذلك موقع الشاعر في معاينة المشهد لتمثله ثم إعادة تمثيله نصياً. وهو من آليات الإستيعاب البصري، وتشبه إنجاز أو تحديد المنظور في اللوحة، واتخاذ هيئة  مناسِبة لرؤية المشهد تتنوع بحسب زاوية النظر.

وفي شعر سيف إشارات صريحة للمشهد تشجع على تبني استنتاجنا حول مشهدية قصائده.وسأمثّل لذلك ببعض أبياته:

يذوب المشهد في رأسك /كما يذوب السكر بين  شفاه عذراء/خلَّفها الطوفان

وقد استخدم المشهد في نص بصري قصير  يفيد عنوانه ( الغرباء في مرآة المكان) بوجود الوعي التصويري البصري لا القائم علىى آليات البلاغة المألوفة:

كانت البواخر تعبر المضائق باتجاه برمودا، البواخر التي تحمل الجرحى والمهجّرين

كان يرقب المشهد ، كان كمن يرقب المشهد والضباب،كانت البواخر التي تبحر في أعماقه وحناياه.

لكنه يوسّع المشهد ويصرح به في آخر بيت في قصيدة ( مدينة تستيقظ):

تستيقظ آخر الليل،
تُلقي نظرة على الشارع الخالي، إلا
من أنفاس متقطعة، تعبره
بين الحين والآخر.
وحده النوم يمشي، متنزها بين
قبائله البربرية،
تتقدمه فرقة من الأقزام.
وهناك رؤوس وهمية تطل من النوافذ
على بقايا الثلج الملتصق بالحواف وكأنما
تطل على قسمتها الأخيرة في
ميراث الأجداد.
المصابيحُ تتدافع بالمناكب، قادمة
من كهوفٍ سحيقةٍ
لا تحمل أي سر.
السماء مقفرة من النجوم
الجمالُ تقطع الصحراء باحثة
عن خيام العشيرة
القطاراتُ تحلُم بالمسافرين.
لا أحد… لا شيء…
أغِلقِ الستارة
فربما لا تحتملُ
مشهد مدينةٍ تستيقظُ.

لقد حمل النص مواصفات المشهد كلها:  البداية باليقظة ثم التفاصيل ( النوم، الرؤوس

الوهمية ، المصابيح، السماء، الجِمال ، القطارات ثم الخلاء: لاأحد. فتنغلق الستارة تحاشياً لمشهد كهذا(مشهد مدينة تستيقظ) .وهو فعل لم يحصل دلالةً على هجاء المكان الذي يرتهن عالمه بالسكون، وكل شيء فيه  خاوٍ ومطفأ ومقفر.

وفي نص آخر سنجد تجسداً لحركة جماعية لمهزومين  مخذولين بزمنهم الذي يعيشون، فيكون مسار سيرهم عناءً، كما يسير الجنود الأسرى العائدون من الحرب أو الذاهبون إلى سجونهم.فهم:

يحملون الأيام الثقيلة

يجرجرونها كسلاسل السجين

هي التي حملتهم عبر غابات عصية

وجبال تسرح في أمدائها أحلام الوعول

تتركب  هنا الصورة البصرية المتخيلة والممكنة التصور من غائبين (يحملون) أعمارهم(الأيام الثقيلة ) لكنهم لتعاستهم (يجرجرونها) كما يفعل السجين ،ثم ستكون الأيام تلك مسؤولة عن شقائهم ،فقد أخذت خطاهم إلى(غابات عصية) تتعب فيها خطاهم، و(جبال) يعانون وعورتها رغم أنها تخبئ في الغياب (أحلام الوعول) التي تسرح في أمدائها.

 

3-

تلك التشخيصات النظرية هي نتيجة قراءة عينات من قصائد كتبت في مراحل مختلفة من تجربة سيف الرحبي.وهي تؤكد في التحليل الحس البصري في القصائد.

سأذكّر هنا بالمهيمنة التشكيلية أو المشهدية البصرية في نصوصه ، وأنه يبث رسائله البصرية بطرق شتى،تعقبتُ بعضها وحصرته في كيفيات تؤشر لهذا الحس الذي أزعم وجوده مشغِّلاً مهماً في الكتابة الشعرية لديه ،وفي فعل القراءة بالضرورة.

ومن ذلك :

– مشاكلة البورتريه المعروف في الرسم بنوعيه الشخصي للفنان ذاته، والغيري لشخصيات يرسمها. وسأتوقف عند نماذج وضع لها في العنوان وصف( بورتريه).  والعنوان كما نعلم في برنامج القراءة والتلقي من عتبات النص، ومن أهم موجهات قراءته .ولدى سيف من النوع الثاني : بورتريه ل(سرور) وهي القرية التي ولد فيها.وهي تصلح لمقايسة مدى المشاكلة لعناصر البورتريه ومكوناته، وما جرى عليها من تعديل. وثمة بورتريهات لأصدقاء حاول أن يستعير آليات الصور المرسومة لهم بشواخص شعرية يؤطرها الخيال.كهذالبورتريه ليوسف الخال الذي يدلنا العنوان عليه : يوسف الخال.

أما زلتَ بهيئتك الأبوية

تقرأ صحف الصباح

وتحاور الأصدقاء؟

ميمماً وجهك شطر المغيب

– واستخدام النظر وسيلة لتوصيل الدلالة كما في عنوان قصيدته(أُسرح النظر)، وفيها هذا المقطع الذي يؤكد أن محصول النص متأتٍ من النظر للأشياء لآحتوائها زمانياً ومكانياً في سطح القصيدة و متنها الصوري:

 

أُطلق سراح النظر الى آخره

فأرى القوم على المواقد

يرتبون الأيام والشعاب

أمام شمس نازفة في العيون

صامتين ثكالى

يخبط الموج أقدامهم

لقد أقام سيف المشهد البصري على أسِّ النظر الذي توسل به لآستعادة زمانية المكان،ثم اصطفت مفردات المشهد التي يمكن تخيلها : الجماعة حول المواقد بما توحي تلك الكِسرة المشهدية من آلتئام ،ثم ما يفعلونه في جلستهم تلك: يرتبون أيامهم وكذلك الشعاب التي تعرفها جبالهم.والترتيب هو انزياح ذو أهمية في القراءة ،يتصل بزمانيٍّ هو (الأيام) ومكانيٍّ(الشعاب).ثم يستمر في بيان ملامح المرسومين في البورتريه الجماعي هذا: صامتين ثكالى والموج يكاد يغرقهم، بينما يكتمل المشهد بخلفية الشمس المشرقة بحدة وكأنها تنزف.

 

المنظور المحدد دوماً بميزة خاصة هي كونه يبدأ من الضيق إلى المتسع أو الصغير المحدود إلى المطلق اللانهائي. من اليقظة المموهة بالنعاس أو الصبح غير المكتمل ضياءً .وزاوية المنظور من (النافذة) غالباً. أي من بؤرة بصرية تسمح بتحديد المرئي للتعبير عنه بطريقة ما ، بتسميته مثلاً كما في  قصيدة (أمام النافذة):

 

مأخوذاً بجلبة الشارع

بنداء الباعة وصراخ الشحاذين

والبكاء المر لسكارى منتصف الليل.

الحوذيُّ يجر عربته أمام الغيم

والجزار يفقأ عين الضحية،

بسكين يبزغُ من يده ملتهما

مسافة المكان بين غرفتي وعنق

الخراف.

كذلك الرعودُ وهي تنقر نافذة

بيتي ليل نهار مثل طيور الوادي

مبشرةً بمقدم ضيف

ربما لن أراهُ بعد اليوم

 

و قصيدة (نافذة):

ليس أمامك سوى هذه النافذة

التي يطل منها الأطفال
نحو حربٍ جديدةٍ
غير هذا الأفق الذي يسقطُ
بين قدميك
مغمياً عليه

ليس أمامك غير هذه النافذة

 

–  المشهد الساكن القريب من الطبيعة الصامتة  حيث  يراقبه الشاعر من الأمام ليرصد إيحاءاته وانعاكاسته الشعورية عليه. مثال ذلك:

المرآة النائمة  على الكرسي في بهو الفندق،أيّ هناءة تجرفها في هذه الإستراحة العابرة.

–  المنظر الطبيعي (لاند سكيب) : ويختار له سيف الأوقات غالباًـ لاسيما الصباح -وقت اليقظة ومواجهة العالم وإحصاء أخطاء الأمس أو خساراته،والغروب كتنوع للزوال والسير نحو النهايات بأسىً وخوفٍ أحياناً، ها هو الغروب مثلاُ في نص         ( ضياءُ نجمةٍ في غابة)، حيث نلاحظ انعكاس الغروب كدالٍّ طبيعي على الأمكنة التي تضم  البشر ضمناً ، ويعكس عليهم مدلولاته وأبرزها الموت والإنتهاء.:

غروبٌ على دير الراهبات

يسيل شبقاً على النحور والشفاه

غروبٌ على ثكنةٍ للعسْكر

غروبٌ على ضفاف الأحلام

غروبٌ على مكبّرات للصوت

تنعق بالكوابيس والوعيد

غروبٌ على الصبايا المراهقات

يتقافزن على حبال الأمنيات

غروبٌ على المقابر والجوامع والإسطبلات

غروبٌ على الشعراء والعُشّاق

على الجلادين والسجون

غروبٌ يحمل البلاد إلى حتفِها

في مقبرة السُلالات..

***

بعد قليل: تذهب الأشجار الى غروبها

تعانق الظِلالَ

والأشباح.

***

القرويّات يحملن الغروبَ

في جرار الفخّار على الرؤوسِ

والأكتاف

– احتشاد التفاصيل تماماً كما في اللوحات :

وهي سمة تنقذ النص من رتابة السرد. وقد بينا ذلك في ثنايا الدراسة.ومنها تداعيات النص السابق (ضياء نجمة في غابة) .كالتداعي من الغروب على المكان إلى تفاصيل المكان ذاته من الداخل(غروب على الدير…) ،ثم الإستطراد(يسيل شبقاً  على النحور والشفاه). وممكن التوقف عند التفصيل ومعاينته مكبراً كما في معاينة اللوحات الزاخرة أو المزدحمة بالتفاصيل.

– النهايات المفتوحة كما يرشحها المشهد البصري – وهي تقنية تقترب من التجريد الذي لا يحدد سرداً ذا بداية ونهاية في اللوحة.

 

 

4- حكاية قديمة

 

بين النوم واليقظة

بين الصحو والمطر

كان يمضي حمارُ جارنا القديم

الذي أتذكرهُ الآن تحت شجرة التين

عائداً من أسفاره السعيدة

بين البندر والقرية

كان يمضي القيلولة تحت الشجرة المثقلة

بالظهيرة والعصافير

ناعساً وعلى رأسه تاجٌ من الذباب

لا يتذكر شيئاً

لكنه يسرحُ أحياناً فيرفسُ الجذع

برجلين معروقتين بالألم

وفي المساء يمضي لجلب الزرع من الحقول

المبعثرة كدموعٍ خضراء سكبتها الآلهة.

 

في الرواح والمجيء يرسل نهيقه العالي كصراخ أضاعته

السلالة بين الأحراش، فتشرئبُ أعناق الحمير.

مرحاً

مختالاً كطائر كركي بين إناثه

وفي الليل حين يأوي الى شجرته التي

تلمعُ فيها عيونُ الديكة حالمةً بمقدم

الثعالب، يكونُ قد غادر موقعهُ إلى

ديارٍ بعيدةٍ يخوض فيها سهوباً وأودية

بحمله الثقيل وربما حَلَمَ بأنثى لم يطأها

حمارٌ قبله….

بالأمس رأيتُ حماراً هرما تحت شجرة

عتيقة.

هذه القصيدة تصلح موضوعاً لما هو إنساني في شعر سيف الرحبي ،متمدداً من عزلته وشعوره بالأسى، فيرتد إلى ذكرياته ليعزز حالته تلك بما ظل في الذاكرة.

مفردات يوم كامل لحمار القرية التي عاش فيها الشاعر صغيراً، إنه بشكل ما يستعيد وحدته وشجنه وترقبه.يرصد رواح الحمار ومجيئه.حمار قرية تعب من مسيرته اليومية وأحماله الثقيلة(لنتذكر أنه وصف أصحابه بأنهم يجرجرون أيامهم الثقيلة…).

الإستهلال – كما في أغلب قصائد سيف -يستدعي بداية زمنية ذات دلالة على الحياة ذاتها( بين النوم واليقظة) و(بين الصحو والمطر) بتلون الأجواء التي توازي زمن الوقت.ثم يبدأ السرد:  نتعرف على الشخصية (حمار جارنا القديم) ثم ندخل في يومياته:

– في الصباح يعود من أسفاره بين المدينة والقرية

-في الظهيرة قيلولة غريبة: ناعساً وعلى رأسه تاج من الذباب

– في المساء يجلب الزرع من الحقول

– في الليل يحلم عائداً إلى وديان غادرها ويحلم بأنثى بكر

في الخاتمة يضع له سيف مصيراً مختزلاً في جملة شعرية يكون الحمار فيها عجوزاً نكرة( تحت شجرة عتيقة).

في النص تسلسل سردي واضح الدلالة على الرتابة والتعب والهروب إلى الحلم.وفيه انقطاع عن السرد لإيجاد نهاية موجزة، بينما ذهب النص إلى الإنزياحات والتفاصيل لكسر السرد، والرجوع للمركز الشعري المولّد للنص( الحقول المبعثرة كدموعٍ خضراء سكبتها الآلهة).

ولا تخفى المشهدية في النص كله ،لكنها متحركة لا ساكنة بحكم اختيار متابعة يوميات الحمار ومصيره.

 

خاتمة:

تبدأ القصائد كما تبدأ أحداث الحياة عند سيف الرحبي: بين نوم ويقظة قد يعنيان شروقاً وغروباً، صباحا ً ومساءً، ميلاداً وموتاً .لكنها تحدث خارج حيز قدرته أو سيطرته كإنسان، فتنتهي فجأة أو تتوقف دون حركة أو تنقطع.وتلك نقطة الدرامية في شعره التي هي بحاجة لدراسة منفصلة ، بعد أن خصصنا هذه الدراسة للمشهدية البصرية ومكوناتها الجزئية، وكيفيات التعبير عنها، وتوصيلها، وما تحمله من دلالات على عذابات جيل وأحلامه وأوهامه أيضاً.

 

 

 

 

 

 

 

 

تبدأ القصائد كما تبدأ أحداث الحياة عند سيف الرحبي: بين نوم ويقظة قد يعنيان شروقًا وغروبًا، صباحًا ومساءً، ميلادًا وموتًا. لكنها تحدث خارج حيز قدرته أو سيطرته كإنسان، فتنتهي فجأة أو تتوقف دون حركة أو تنقطع. وتلك نقطة الدرامية في شعره التي هي بحاجة لدراسة منفصلة، بعد أن خصصنا هذه الدراسة للمشهدية البصرية ومكوناتها الجزئية، وكيفيات التعبير عنها، وتوصيلها، وما تحمله من دلالات على عذابات جيل وأحلامه وأوهامه أيضًا

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*