في غيابك السادس عشر

 

في العام السادس عشر لغيابك: كـأنك تكبر بيننا فتىً من جديد

  لقد كنت  أحسبُ قبل فقْدك أن الألم يصغر كلما بعدت ذكراه.
الآن في يوم كهذا..خريفي جارح.. تكون في عام غيابك السادس عشر( لاحظ أني لا أستخدم لفظة: موتك.وهكذا كلنا أبناءَك وأسرتك نتكلم عنك ،كأنك بيننا، ذاهب لمكانٍ موقنين أنك عائد منه). أمكنة سحرية قد تفاجئنا من حيث لا ندري ، بك طالعاً هكذا، تسبقك ضحكتك ،وطيبةٌ تسيل من صوتك وهيئتك..
ألم فراقك يكبر..لا تبدده التعلّات والآمال التي تواطْأنا عليها ،كي لا نحسَّك هناك في مجهولٍ لا يشير لشيء.
ذهب القتلة بأحلامهم الواهمة وفشلهم، ونثار رؤوسهم المحشوة حقداً وكراهية للحياة.
..وأنت الغائب ماثل تورثنا وجع الحرقة لرؤيتك.لكنا نرقب الأبواب والرسائل، ونسائِل الهواء والمكان والماء والسماء عنك.ونريدك منها.من وطن جارح جريح.أسلمَنا لحبه ،ولحزنٍ نلفّه رايةً تشير لنا حيث نكون: قريبين من نيرانه، أو تائهين في متاهات الغربة.
2-
للغربة مخالب وأسنان تقتلع الجذور.لكنها لاتقوى على نسيانك.
يوم هَدر دمَك الطاهر شرذمةٌ من قتلة تكفيريين، لم تكن قد بلغتَ عامك الرابع والثلاثين.ذهبتَ متوسداً ربيع عمرك ، ومتدثراً بمحبة لا يهزمها جهلة متعطشون لسلب الأرواح من أبناء جلدتهم .
ها أنت تبلغ في حياتك المستمرة في تقاويمنا عامَك الخمسين. سرمدية بقائك تدحر القتلة. بقيت أنت في الذاكرة. تحاورك في عنائها المستديم .وتدبّر حوار أرواحنا مع التراب ..
لقد عدتَ لتحيى بيننا . نسميك باسمك، وكل شيء يعود إليك . نراك في عيون صغارك.لقد كبروا يا عدي.أخاطبك وحدك اليوم لأهنئك ..فقد وضع زيد أولى خطواته في طريق الحياة بعد تخرجه..وستلحق به ريمة بعد أشهر.
وأحمد الذي لم يرك،اكتفى بمحبة الأرض التي تضمك.. يبحث عنها في الخرائط و يحفظ تفاصيلها.. يقدس ما فيها حضارة وثقافة .. كبر حتى صار يبحث عن نفسه في شبيهين متخيلين في الروايات. يتابع خطى هولدن كولفيلد بطل (الحارس في حقل الشوفان) في غضبه وعزلته. ويتأمل (غاتسبي العظيم) في تحولاته وخساراته، و(جلجامش) في بحثه عن عشبة الخلود.
وأنا أعالج ما ظل لي من حياةٍ، بأمل قليل وألم ممض لا أفلح في إخفائه.
لهذا الألم وجوه وأقنعة ، لكنها كلها تشف عن الأصل الممزق بالخسارة والوجع. كالضرير في ليلة معتمة ،محجوب عنه النور مضاعفا.أهجس وأتلمس. وأنت في حلم عصيّ تربتُ على كتفي مواسياً أو واعداً ..وتبتسم.. ثم تواصل غيابك….
قد ينقطع يوما ما رجاءُ عودتك . لكن الحزن سرمدي أبد الدهر..
28-10-2022

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*