أطروحة دكتوراه خطاب نقد الشعر عند الدكتورحاتم الصكر علي محمد ياسين

 

جامعة بابل / كلية التربية للعلوم الانسانية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
 
خطاب نقد الشعر عند الدكتورحاتم الصكر
( دراسة في المرجعيات والمفاهيم والإجراء )

                                        أطروحة تقدم بها
                             علي محمد ياسين الأحمد
                                                       إلى
                  مجلس كليّة التربية للعلوم الانسانية في جامعــــة بابـــل
                 وهي جزء من متطلبات نيل درجة دكتوراه فلســـــفة
                         في اللغة العربية / الأدب العربي
                                              بإشراف

  • د عبد العظيم رهيف السلطاني

 
 
 
 
 
إقرار المشرف
أشهد أن إعداد هذه الأطروحة الموسومة بـ(خطاب نقد الشعر عند الدكتور حاتم الصكر – دراسة في المرجعيّات والمفاهيم والإجراء ) جرى تحت إشرافي في جامعة بابل / كلية التربية للعلوم الإنسانيّة / قسم اللغة العربية، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه فلسفة في الأدب العربي.
 
 
الإمضاء
الاسم : أ . د . عبد العظيم رهيف السلطاني
التاريخ :   17 /   9 / 2013 م
 
 
 
بناءً على التوصيات المتوافرة، أرشح هذه الأطروحة للمناقشة
 
الإمضاء
الاسم : د . موسى خابط
رئيس قسم اللغة العربية
التاريخ :   18 /   9 /   2013م
 
 
 
 
 

الإهــــــداءءءء

             
 
 
 
إلى من سقوا وردة النقد
بماء القلوب
وإلى من انتظروها 00 تتفتح
ولو في سندانة الجحيم .
وإلى حاتم الصكر .. الناقد والإنسان
أهدي هذا الجهد المتواضع  000   
 
                                                             علي
 
 
 
 
 
 
 
المقدّمــــة
على امتداد ما يقرب من أربعة عقود ظلّ حاتم الصكر يتابع الأعمال الإبداعيّة المختلفة ساعيا لإرساء ثوابت معرفيّة جديدة للنقد العراقي الحديث من خلال استيعاب منجزه لمتطلّبات الحداثة وتوظيفها بما يلائم واقعنا الخاص، ومن خلال محاولته تبنّي استراتيجيّة تتوخّى التبديل الضمنيّ لمشاريع نقديّة سابقة أو مجايلة، والعمل على اقتراح بدائل أخرى تمتلك وعيا معرفيّا ينسجم وطبيعة العصر الملتبس الذي نعيشه. ومن هنا يكتسب هذا المنجز/ الخطاب قيمته وأهميته وجدارته للفحص والتحليل والمناقشة، وهذا ما دفعنا لاختياره موضوعا للبحث، فقد كان الصكر واحدا من جيل النقاد الكبار في الثقافة العراقيّة والعربيّة في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وهو من الذين تفتّح وعيهم على ضرورة تحديث مناهج النقد الأدبي، وقد تجسّد هذا الوعي من خلال دراساته العديدة الرامية إلى صياغة منهج يستنير بأسئلة النقد الحديث من أجل خدمة النص الأدبي العربي بأجناسه المختلفة، ومن أجل الارتقاء بالثقافة العربيّة المنتجة لهذا النص.
ومن هذا المنطلق تبدّت لنا الأهميّة اللافتة للجهد النقدي عند الناقد سواء أكان على مستوى الهمّ النظري، أم على مستوى الحس الإشكالي للمنهج النقدي بوصفه إجراء معرفيّا يتوق إلى الكشف عن كوامن النص الأدبي، ويتشوّف إلى إماطة اللثام عن أسراره الخاصة. ويتلخّص هذا الجهد في كون التراكم العلمي الحاصل في نتاج النقّاد العراقيين – بما فيهم نتاج حاتم الصكر- يدلّل على ما شهدته المكوّنات المعرفيّة الأدبيّة لهذا النتاج من تحوّلات إيجابيّة عديدة غايتها السعي لتكريس خصوصيّة للخطاب النقدي الحديث في العراق على وفق رؤية موضوعيّة علميّة قوامها بلورة وجهة نظر نقديّة تمتلك قدرا من التميّز وهي تواجه الذات والعالم .
إنّ موضوعنا في هذا البحث هو: (خطاب نقد الشعر عند الدكتور حاتم الصكر، دراسة في المرجعيّات والمفاهيم والإجراء) وهو بحث ينبني على مقاربة المكوّنات الضابطة لهذا الخطاب بأطره المرجعيّة والمفاهيميّة والإجرائيّة.
وربّما تكتسب دوافع البحث جدارتها وشرعيّتها من خلال احتكامها لمجموعة أمور من الممكن أن نُوجزَها بالآتي:
كان للجهود التي بذلها الصكر في تقويم الأثر الفني العراقي والعربي واستكشاف طاقاته الجماليّة حافزٌ كبيرٌ في توجيهنا لهذه الدراسة التي جاءت تلبيةَ لذلك الواجب النبيل الذي تصدّى له هذا الناقد الأديب خدمة لقضايا ثقافتنا العربيّة المعاصرة، واعترافا بجهد غزير شدّتنا إليه عوامل عديدة. لعلّ أهمها ما تثيره تلك الكتابات من إشكالات فكريّة ومسائل نقديّة ذات صلة وثيقة بما يستجدّ على الساحة العالميّة لا العربيّة فحسب.
إنّ صاحب هذه الكتابات المتعدِّدة – فضلا عن كونه شاعرا  أرّقته الممارسة الإبداعيّة – مسكونٌ بهاجس البحث عن مداخل ومقاربات ذات صلة وطيدة بروح العصر، ومؤسسِةٍ بالوقت ذاته لمنظور جديد يرتكز على المخزون الرمزي والثقافي الذي يُوصله الفن أو الأدب من خلال مسالك التخييل ومنعرجاته المتجددة بتجدّد المبدعين وتعدّد أزمنتهم. وبما أنّ الكتابة النقديّة تقع في مركز الإنتاج الثقافي، ولكون النقد الأدبي نشاطا ذهنيّا تتبطن أعماقه تحوّلات عديدة، فكريّة واجتماعيّة وثقافيّة؛ فإنّ هذه الدراسة تطمح أن تكون كشفا يضيء الملامح الأساسيّة لهذا النتاج كما تبدّت في جهود الصكر النقديّة والفكريّة، وهو ما سيسمح بقياس المكانة المشغولة من جهوده وتقويم مقدار إسهام هذه الجهود في بلورة سمات الخطاب النقدي التحديثي في العراق، ذلك الخطاب الذي عانى من التجاهل واللامبالاة في البحث الأكاديمي الشيء الكثير، وإن وُجدت محاولات شحيحة قاربت هذا الشأن، فهي لا يمكن أن تُقارن بحجم الخطاب النقدي العراقي الحديث المتراكم لما يقرب القرن من الزمان، ولعلّ ما كُتب عن جهود حاتم الصكر النقديّة، وعن جهود زملائه من النقّاد الآخرين خير دليل على ذلك. لذا وجدنا من الضروري إعادة النظر في العناصر المكوّنة لهذا الخطاب وإخضاعه إلى تأمّل يكشف عن مرجعيّاته وأبعاده وآليّاته وأهدافه، ويسعى إلى مساءلته بغية تشخيص هويّته الحقيقيّة من خلال النظر إليه على أنّه كيان نصّيّ  وخطابٌ ينتمي إلى فلك التحديث، أي إلى أفق جديد في الكتابة النقديّة، مع ما ينطوي عليه هذا الوضع ويستلزمه من تخطٍ وقطيعةٍ، إذا ما قيس بمفاهيم وقواعد وأعراف نقديّة سابقة مستقرّة ومعروفة.
لقد عكف الصكر حتى لحظة إعداد هذه الأطروحة على إبراز ثمانية عشر مؤلَّفا نقديا جامعا فيها الأدبي والفنّي، المحلّي والعربي والعالمي، الشعري والحكائي والسير- ذاتي، فضلا عن العشرات من المقالات والأبحاث والدراسات التي رفد بها صحافتنا العراقية والعربيّة منذ منتصف سبعينيّات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، بالإضافة إلى المقدّمات النظريّة التي كتبها مستفتحا بها بعض كتابات الأدباء والشعراء والمبدعين الجُدُد على اختلاف مشاربهم، ولاسيما هو من أكثر النقاد العرب تبشيرا بالمواهب الأدبيّة والشعريّة الواعدة، ومن أشدّهم اهتماما بإبداعاتهم.
إنّ هذه الإسهامات الكثيرة تؤلّف مادة غنيّة ومتنوّعة، تنقّل فيها الصكر ضمن إطار الثقافة العربيّة المعاصرة من نقد الأدب إلى نقد الفنون التشكيليّة ومن نقد النقد إلى آراء شتى في الفكر والثقافة، وقد آثرنا ألّا نقف عند هذه الإسهامات كلّها، لأنّ هذا البحث ارتضى لنفسه أن يُعنى بمتابعة جهود الرجل في دراسة الشعر، فالشعر – بالنسبة لحاتم الصكر-  كونُه الواسع، وهو سكنُه وبيته وعشقُه؛ قراءتُه والكتابةُ عنه وتعليمُه.
وربّما لا يختلف اثنان إذا ما استقرآ كتب الصكر المختلفة في أمر اهتمامه بنقد الشعر الذي فاق اهتماماته الأخرى، كاهتماماته ودراساته في نقد السرد العربي وفي النقد الفنّي – مثلا – رغم تداخلهما في رؤيته الشخصيّة للعالم وفي رؤيته النقديّة الخاصة، لذا أقصينا نقد الصكر الفنّي ودراساته في الفن والتشكيل العربي المعاصر، فذلك شأن من شؤون المختصّين بهذا المجال، ولم يُؤخذ من هذه الدراسات إلا المقدار الذي يقدّم لنا إضاءة لنصوصه النقديّة ومفاهيمه ورؤاه الشخصيّة، كما أقصينا نقده للسرد لأنّه يشكّل حيّزا كبيرا إلى درجة أنّه ينهض  لتلبية شروط دراسة أكاديميّة قائمة بذاتها، وهذا ما نأمل أن ينبري له أحد الباحثين ليستكمل ما قد انتهينا إليه في هذه الدراسة .
إنّ اشتمال منجز الصكر على آراء شتى في الأدب والنقد والشعر والقضايا الثقافيّة الأخرى المتعلّقة بذلك، وعلى جهود نظريّة (مفاهيميّة) وتطبيقيّة تعرّضت لأعمال الأدباء والفنانين العراقيين والعرب (الشعراء منهم خاصة) بالتحليل والقراءة الفاحصة المستندة للحسِّ النقدي والمعتمدة على توظيف المنهجيّات الحديثة؛ يهيّء لهذا المنجز كي يكون مجالا مناسبا لتحقيق غاية هذه الأطروحة المتمثّل في تبيّن مسار تطوّر نقد الشعر في الخطاب النقدي الحديث في العراق لما يقرب من أربعة عقود، تبدأ من ثمانينيّات القرن الماضي وحتى يومنا هذا مُمثّلا في أحد أهم رموزه، فالصكر من أغزر النقّاد العراقيين نتاجا في حقل نقد الشعر العربي، وهو من أكثرهم تنوّعا في اشتغالات هذا الحقل، ولعلّ هذا التنوّع سيمنح البحث فرصة مناسبة لرصد تطوّر رؤيته النقديّة وتحوّل أدواته وتغيّرها، وهو ما سيكون وسيلة لاستجلاء حلقة مهمّة من حلَقَات تطوّر الإبداع النقدي الذي أسهم إسهاما فاعلا في تأثيث المشهد الثقافي العراقي الحديث، وهذا أقصى ما نطمح إليه .
وتأسيسا على ذلك فقد فرضت خطّة البحث المنهجيّة عقد الأطروحة على ثلاثة فصول، فضلا عن تمهيد تناولنا فيه السيرة الذاتيّة والعلميّة للدكتور حاتم الصكر مع وصف عام لطبيعة المنجز النقدي الذي أبدعه بالاعتماد على عنوانات تآليفه المنشورة بزمن يزيد على الثلاثة عقود، ثم أنهينا التمهيد بوصف لطبيعة المكوّن الثقافي الذي أسهم في صياغة رؤيته النقديّة وتشكيلها جنبا إلى جنب المرجعيّات الثقافيّة التي شغلت مساحة الفصل الأول كاملة، نظرا لأهميتها كونها تشكّل نمط اشتغال الخطاب النقدي عند الصكر، وظروف إنتاجه، وذلك من خلال العودة بهذا الخطاب إلى مراجعه الخاصّة والعامّة، والبحث في علاقته بسياقاته ومصادر ثقافته بالاعتماد على المتن النقدي عند الصكر أولا، مع الاستعانة ببعض الإضاءات الخارجيّة بغية الخروج من وراء ذلك برؤية تركيبيّة لعلاقة هذه المرجعيّات والخلفيّات المعرفيّة بخطاب الصكر النقدي، والتي وجدناها متمثّلة بمحاور أربعة، تجسّد الأول منهما في المرجعيّة التراثيّة التي تعامل الصكر مع مكوّناتها الرئيسة بعيدا عن نزعتي التعظيم أو التأثيم، وكان محورها الثاني متمثّلا في المرجعية الفلسفيّة التي استندت لها رؤية الصكر النقديّة من خلال اهتمامه المركزي بفلسفة القراءة، فكانت بذلك مع المرجعيّة النصيّة بمثابة الخلفيّة التي تحرّك في إطارها العام الفعل النقدي عند الصكر، في حين تجسّد المحور الرابع في المرجعيّة السياقيّة عند الصكر من  خلال المرجع السوسيولوجي الذي كان بمثابة البوصلة المحرّكة لتوجّه الصكر النقدي، ولا سيّما في بداية مشواره الفكري، ومن خلال المرجع النفسي الذي لم يشكّل حضورا قويا في منجز الصكر، وذلك أسوة ببقيّة النقّاد العراقيين في تمثّلهم المعرفي المحتشم لهذه المرجعيّة.
أمّا الفصل الثاني فقد تعقّبنا من خلاله مقولات الصكر النقديّة محاولين لملمتها من شتاتها بغية تكوين برنامج نقدي واضح للقارئ عن المفاهيم العامة لخطاب نقد الشعر عند الصكر المنشغل برصد جماليّة التعبير الذي تحفل بها النصوص الشعريّة العربيّة، ولا سيّما الجديدة منها، أكثر من انشغاله بالتنظير الذي لم يكن موضع حفاوة الناقد بشكل مجمل، ممّا عقّد مَهمّة البحث في هذا الفصل من خلال اضطراره لاستنباط الأحكام والتعليلات في أغلب الأحيان من مصهر الإجراءات التطبيقيّة عند الناقد، لا من المقولات النقديّة النظريّة التي لم يكن الصكر ليهتم بها إلّا في بعض المواضع التي تقتضي ذلك، وقد أخذنا بنظر الاعتبار في هذا الفصل درجة الهيمنة لبعض المفاهيم النقديّة على حساب غيرها في خطاب الصكر النقدي، ومن هنا كان اهتمام البحث في نقاط محدّدة شكّلت مساحة واضحة في اشتغالات الصكر، في حين غابت نقاط أخرى كونها لم تشغل مساحة ذات بال من الخطاب نفسه بحيث تستدعي الاستقصاء ثمّ الوصف والإيضاح .
في حين انصبّت مباحث الفصل الثالث على جهود حاتم الصكر النقديّة في الجانب التطبيقي بوصف هذا الجانب يمثّل المجال الأصلح لاختبار مصداقيّة الفرضيّات التي يشكّلها الجهاز المفاهيمي النظري للناقد . وقد حاولنا خلال هذا الفصل تسليط الضوء على رؤية الصكر النقديّة الخاصّة، كما حاولنا توصيف منهج الصكر النقدي الذي كان منهجا ذا طبيعة حركيّة متطوّرة ومرنة يكتنفها بعد إجرائي ذو أفق تحديثي، وكما أكّدت ذلك مجموعة الدراسات التي نشرها خلال رحلته العلميّة، وقد آثرنا أن نعرض مجموعة منتقاة من دراسات الصكر وتطبيقاته في نقد الشعر العربي لتأتي دليلا على ما ذهبنا إليه من حركيّة المنهج ومرونته. وقد أردفنا التمهيد وفصول الأطروحة الثلاثة بخاتمة موجزة رسمت أهم النتائج التي توصّل إليها البحث .
وبشأن المنهجيّة العلميّة التي اعتمدناها في دراستنا هذه، فقد استندت الأطروحة على منهج لا يرتكز إلى التوصيف المجرّد فحسب، بل يحاول قرن ذلك التوصيف بالتحليل الذي رأيناه مناسبا للحالة المدروسة، ومتوائما مع الفكرة المعروضة للنقاش، مع الالتزام قدر الإمكان بالحياد الذي لا سبيل للوصول إليه كلّيّا في الدراسات الإنسانيّة والأدبيّة. ولعلّ المنهج الذي سلكناه مثّل إحدى الصعوبات التي واجهت البحث، إذ إنّ هذا المنهج وإن بدا وصفيّا في ظاهره، فهو قد اعتمد مدوّنة الصكر النقديّة في شموليّتها وقرأها في ضوء توجّه صاحبها الفكري والنقدي، وفي ضوء منهجيّته النقديّة الخاصّة، وهنا مكمن الصعوبة التي تمثّلت من خلال العرقلة والممانعة المعرفيّة التي يبديها تكوين منهج متماسك قادر على رصد أعمال نقديّة وفكريّة متنوّعة وممتدّة إلى ما يقرب الأربعة عقود، وهي أعمال بحاجة إلى التوفيق بينها وإلى الغربلة وصولا إلى العناصر القادرة على الجمع والتأليف فيما بينها، ثم على استنتاج الأحكام والفروض اللازمة والمناسبة.
أمّا بخصوص المصادر والمراجع التي أفدنا منها في هذه الأطروحة، فتأتي كتب حاتم الصكر وما نشره على صفحات الجرائد والمجلات الدوريّة وعلى مواقع الأنترنت في مقدّمة قائمة المصادر والمراجع التي نهلنا منها، في حين كانت الاستعانة بالمصادر والمراجع الأخرى ثانويّة إلى حدٍّ ما، إذ لم نرجع إلى هذه المصادر والمراجع إلاّ في مجالات محدودة تمثلّت، إمّا من خلال محاولتنا لإنارة فكرة ما من أفكار الصكر، أو من خلال مقارنتها بغيرها من الأفكار الواردة عند الآخرين، أو من أجل إعادتها إلى أصلها الذي وردت فيه.
وبما أنّ عملنا في هذه الأطروحة عمل تأسيسي، فلا مفرَّ من الوقوع بالأخطاء والهِنات في الأعمال التأسيسيّة التي تجعل الدارس كمن يمشي في غابة! ولعلّ هذه صعوبة أخرى عرقلت الباحث، إذ كادت أن تزلّ به قدمه في مواضع عديدة، لولا التجاؤه إلى ناقد أكاديميٍّ فذٍّ هو الدكتور عبد العظيم رهيف السلطاني الذي شرّفنا العمل معه أيّ تشريف، فبفضل آرائه وتوجيهاته العلميّة والمنهجيّة الثاقبة كان لهذا البحث أن يكون كما هو عليه، فله الشكر منّي موصولا بالمحبّة والإكبار.
كما أودّ أن أشكر الدكتور حاتم الصكر الذي كان سخيّا السخاء كلّه في ردوده المستفيضة التي أثارتها أسئلتي الكثيرة من خلال تواصلنا المستمر بالبريد الألكتروني، وإن كنت أنسى فلن أنسى تكرّمه بإرسال ما مفقود، وما لا يمكن الحصول عليه من بعض كتبه ودراساته المنشورة في المطابع والصحف اليمنيّة.
وأخيرا، أتقدّم بشكري الجزيل لقسم اللغة العربيّة في كليّة التربية للعلوم الإنسانيّة رئيسا وأعضاء في هيأة التدريس، وأخصّ منهم أساتذتي الذين تتلمذت عليهم في السنة التحضيريّة لما بذلوه معنا من جهود مضاعفة للتوجيه السليم …
ومن اللّه التوفـــــــــــيق .
 
 
الباحث
 
 
الفصل الأول
( المرجعيّات )

  • إضاءة
  • أولا / المرجعية التراثيّــة
  • ثانيا / المرجعية الفلسفيّة
  • ثالثا / المرجعية النصيّـــة
  • رابعا / المرجعية السياقيّة

 
 
 
 
 
 
إضاءة
يشكّل الخطاب ركنا أساسيّا في مجال الدراسات التي تعالج موضوعات تحليل النصوص، حتى بات كلّ مؤلَّف يتعرّض للغة الإنسانيّة من جانبها التواصلي متضمّنا في جانب من جوانبه مفردات الخطاب ومشتملا على أهداف تحليله، مع الأخذ بنظر الاعتبار اختلاف تلك الدراسات في طريقة التناول وفي زاوية الاختيار بين تركيز على نصّ الخطاب واعتناء به دون سواه، أو من خلال اهتمام بالمتخاطبين أنفسهم أو عبر إيلاء عناية خاصة بمجال الخطاب والاهتمام بمدى مطابقة الخطاب لمقتضى المقام والحال.
وقد أثار مفهوم الخطاب إشكالات متعددة ولبسا واضحا عند الباحثين، فهو مصطلح شائك يواجه من يتصدّى له صعوبة كبيرة، ويجد من يريد متابعته بقصد تحديد دلالته أو إيضاح ماهيّته تمنّعا شديدا([1])، بالرغم من احتلاله لمساحة واسعة وكبيرة من استخدامات الدارسين قديما وحديثا .
وقبل الدخول في غمار الخطاب النقدي عند حاتم الصكر لتحديد معالمه وإيضاح ملامحه، لا بدّ لنا من الوقوف لمعرفة مدلول (الخطاب) بغية استظهار طبيعة العلاقة التي تربط هذا المدلول بما كتبه الناقد من نصوص نقديّة يجوز لنا أن ننعتها به، دون الخوض في التفصيلات الدقيقة التي نرى أنّها قد أشبعت بحثا وتفصيلا من قبل الباحثين العرب والعراقيين في هذا الخصوص([2]) .
تذهب بعض الدراسات المؤصّلة لمفهوم الخطاب إلى أنّه مجموعة الأحداث الكلامية المكتملة بذاتها، المكتوبة أو المنطوقة، التى يرسلها باث ما ويستقبلها متلق ما عبر قنوات وشفرات ومرجعيّات مشتركة، متّفق عليها بينهما، قصد الإبلاغ والتواصل والتأثير. وبهذا، فالخطاب مجموعة من النصوص ذات العلاقة المشتركة، أو هو جملة من المنطوقات أو التشكّلات الأدائيّة التي تنتظم في سلسلة معينة – لتنتج على نحو تأريخي – دلالة ما، وتحقِّق أثرا معينا([3]).
والخطاب مفهوم متسع الآفاق، يمتد من جهة، ليشتمل ثقافة الجماعة أو الفئة أو الحزب أو الأمة أو حتى البشرية جميعها، فنقول: خطاب الجماعة أو الفئة أو الحزب كذا، ونقول: الخطاب العربي والخطاب الأوروبي، ومن جهة أخرى ينسحب الخطاب على المجالات المعرفيّة المختلفة فتُلقى بنفسها فى ظلاله، ومن هنا كان لدينا الخطاب السياسي، والخطاب النقدي، والخطاب الأدبي، والخطاب الإعلامي، وسوى ذلك.
ولنا أن نستأنس هنا بما توصّل إليه د. عبد الله إبراهيم من تحديد للخصائص المشتركة بين تعريفات الخطاب وتحديداته التي عرض لها في أحد كتبه، وهي خصائص تتضمن مجموعة الأشياء المشتركة في مفهوم الخطاب عند اللسانيين وغيرهم من الباحثين، أمّا هذه الخصائص فهي:
أ- الخطاب وحدة لغوية أشمل من الجملة، وهو تركيب من الجمل المنظومة طبقا لنسق مخصوص من التأليف.
ب- وهو نظام من الملفوظات، يفترض ضمنا الاهتمام ببعض مكونات نظرية الاتصال كالمرسل والمتلقي بوصفهما قطبي إرسال واستقبال للملفوظ من الكلام.
ج- وهو فردي المصدر، وهدفه الإفهام والتأثير من خلال رسالة واضحة الهدف.
د- في حين إنّ متلقي الخطاب لابد ان يستشف المقصد الذي ينطوي عليه، وأن يتمثل الرسالة الدلالية التي تكمن فيه، لكي تكتمل دائرة الاتصال مع عناصر أخرى كالشفرة والسياق مع مقاصد المتكلم([4]).
غير أنّ الخطاب الذي يهمّ البحث هنا هو اللغة الشارحة التي تولّى الصكر من خلالها مهمّة الكتابة النقديّة حول الشعر العربي، مصنّفا وقارئا ومفسّرا، بهدف تعديل القناعات والآراء السائدة مدّة تجاوزت الثلاثة عقود، ثمّ محاولة العثور خلف عبارات تلك اللغة الشارحة نفسها على مقاصد الذات الكاتبة في مجموعة آثارها وتآليفها، مما يمكن أن نطلق على تلك الكتابات (خطابا ) آخذين بنظر الاعتبار أنّ الخطاب (نسق تكويني مهمّ وأصيل في بنية الثقافة الحديثة والمعاصرة وممارسة نوعية دالّة تتضافر مع الأنساق الأدبيّة والثقافيّة الأخرى في سعيها لاكتشاف الذات وطموحها في تشكيل صوت أدبي ونقدي خاص ومتميّز)([5]). وبذا، فالنصوص التي تنتظم في متن حاتم الصكر النقدي بما تكوّنه من خطاب متعدد الأبعاد، متتابع، ومستجيبٍ لطموحات صاحبه وتطلّعاته وفلسفته الخاصة، ولما تمثّله من منظومة معرفيّة تتخذ من التحديث النقدي متكأ لها، ومشجبا تعلّق عليه طموحاتها و آمالها؛ هي نصوص من الممكن أن تمثّل أيديولوجيا غايتها التأثير غير القسري بالمتلقّين من خلال ممارستها مسؤولية الكشف عمّا يكتنف النصوص الأدبيّة والشعريّة –  خاصّة الجديدة منها – من إشكالات جماليّة وتعبيريّة بحاجة إلى كشف وتوجيه، خاصّين، ومنسجمين ورؤية تلك الذات الكاتبة.
وغنيّ عن البيان أنّ كلّ كتابة، إبداعيّة كانت أم معرفيّة، لا بدّ أن تحتكم لأصول مرجعيّة تؤطّرها وتُحدّد هويّتها. فلا كتابة تنطلق من فراغ ميتافيزيقيّ مهما كانت اهتمامات صاحبها، ومهما كانت طبيعة انشغالاته الفكريّة والفنيّة، وإذا كانت هذه الحقيقة جليّة واضحة لا يكاد يختلف فيها اثنان، فإنّ ما يمكن الاختلاف بشأنه هو كيفيّة حضور هذه الخلفيّة المرجعيّة، ومظاهر تجليّاتها في نص ملتبس وإشكالي، هو النصّ النقديّ. وبما أنّ الخطاب الأدبي العربي القديم والحديث، سواء الإبداعي منه أم النقدي بحاجة إلى جهود كثيفة لتحديد جذوره المعرفيّة والايديولوجيّة ودلالاته في مراحله المختلفة. لذا، فإنّ النقد العربي الحديث بسبب إشكالاته المرجعيّة المتعددة هو بأمسّ الحاجة إلى محاولات جادّة لتفسير معنى تأثّره بالأفكار الأوربيّة خاصّة، تلك الأفكار التي شكّلت رافدا مهمّا من روافد تكوينه وصياغته([6]). فالنقد العربي الحديث لم يكن يوما ببعيدٍ عن التبادل الحيوي والتواصلي بين الثقافات الإنسانيّة المختلفة، إذ إنّ الفكر العربي يحاول منذ عصر النهضة استيعاب التحديث والتغيّرات التي جرت في الغرب في شتى المجالات متأثّرا بالمنجزات الكبيرة والطفرات التي حقّقتها العلوم الإنسانيّة هناك.
وانسجاما مع هذا التوجّه كان الصكر أحد النقّاد الداعين لتفاعل ثقافي لا يقتصر على التلقّي السلبي لما يُنجزه الغرب، إذ ظلّ في كثير من طروحاته النقديّة يرفض المثاقفة العشوائيّة النابعة من ذات تشعر بقصورها الثقافي إزاء الآخر([7])، داعيا كلّما تهيّأت له الفرصة إلى مثاقفة طوعيّة واعية، كما كان أسلافنا من النقّاد والمفكرين يسلكون في تعاملهم مع الآخر الإغريقي، فيمتحون ما كان منسجما ومتوائما مع واقعهم الأدبي والفكري والنقدي. وهذا ما جعل أولئك النقّاد قادرين على استثمار إنجازات الآخرين كتطويعهم لبعض طروحات النقد اليوناني، لا سيّما آراء أرسطو في كتابه المعروف (فن الشعر) الذي كان متّكَأً لأغلب الاتجاهات النقديّة على مرّ العصور، وقد وجد فيه بعض نقّاد العرب القدامى سندا لهم في بلورة أفكارهم ورؤيتهم النقديّة. ولذا، فالصكر دائم التلميح إلى قيمة التثاقف الذي حصل في التراصّ النقدي العربي القديم مع الفكر اليوناني خاصّة، إذ ترجم العرب قديما وبعدّة صيغ كُتُب أرسطو والفلاسفة اليونان وبدا تأثّرهم واضحا في تلك الكتب بكيفيّات متفاوتة([8]). وعليه، يأخذ الصكر على بعض النقّاد التقليديين الذين يرفضون كلّ جديد وافد بحجّة أنّهم لا يجدون له أصلا في موروثنا النقدي والبلاغي([9]).
ومن خلال محاولتنا الكشف عن مصادر الناقد الثقافيّة ومرجعيّاته الفكريّة التي صاغت خطابه النقدي، وجدنا أن تلك المرجعيّات قد تشكّلت خلال رحلته الطويلة عبر طرق ومسالك عديدة، من الممكن أن نوجزها في أربعة محاور رئيسة هي: المرجعيّة التراثيّة، والمرجعيّة الفلسفيّة، والمرجعيّة النصيّة، والمرجعيّة السياقيّة، وكالآتي:
 
أولا / المرجعيّة التراثيّة
تتمثّل هذه المرجعيّة بثقافة الموروث العربي بضروبه المتنوّعة من تاريخ وفلسفة وفكر ومن فنون الموروث المختلفة شعرا ونثرا، ومن علوم أحاطت بهذه الفنون، كالنقد والبلاغة والنحو والصرف وعلم العروض والقافيّة، فضلا عن كلّ ما له دور حاسم في تشكيل آليّات المعرفة العربيّة، ورسْمِ صورة العالم كما تبدّت للذهنيّة الحاملة لتلك المعرفة، وقد كان الصكر من خيرة قرّاء التراث العربي من النقّاد العراقيين، ومن أكثرهم وقوفا على دقائقه، كما يصفه أحد زملائه من الباحثين والنقّاد الذين جايلوه([10]).
وقد ظلّت الحاجة إلى اختيار الصكر للتراث لاعتبارات أساسيّة عديدة، لعلّ أهمها أنّ التراث يشكّل تراكما روحيّا وأدبيّا ويمثّل خطّا ممتدا تخلّلته انقطاعات وتحوّلات كثيرة، لكنه ظلّ قادرا على إنتاج مفهوم للهويّة العربيّة، مثلما ظلّ رصيدا عامرا بالأسئلة والمعطيات. لكنّ الصكر في الوقت ذاته كان يعيب على الذين ينظرون حاضرهم ومستقبلهم بعيون الماضي، وهو لا يتردد في الوقوف بالضدِّ من الفهم السلفي للتراث، ذلك الفهم الذي سيجعل من التاريخ ممتدا في الحاضر فاعلا فيه، مما يترك المجال للتراث ليحتوينا بدلا من أن نحتويه([11]).
وبوصفه ناقدا ينتمي إلى روح عصره فهو يرفض الوقوف عند تلك الدعوات الرامية إلى القول بضرورة الاعتدال بين طرفي المعادلة ( الأصالة  والمعاصرة ) والعلاقة الجدليّة بينهما، لأنّ مثل هذا القول- كما ذهب – أصبح (معادا، مفرّغا من دلالته، كما أنّه لا ينمّ عن النيّات الحقيقيّة التي تنطوي على رفض مبطّن)([12]). ولعلّ الميدان الحقيقي لاختبار تلك العلاقة الجدليّة سيتجلّى بالتعرّف على الكيفيّة التي يتمّ تقديم التراث عبرها للأجيال اللاحقة بوصفه منجزا، وهذه الكيفيّة ما هي إلا ( ترجمة لرؤانا المنهجيّة، وهي تجليّات نصيّة في المقام الأول، أو هي وقائع نصيّة تراثيّة محدَّدة تُرينا كيفيّة اشتغال الحداثي في التراثي، والتراثي في الحداثي أيضا )([13]).
وبذلك تبدأ عمليّة تحرير الذات من ( تراثيّة ) التراث فلا يعود له ذلك الوجود الكتلوي الخارجي، لأنّ التراث ليس (صفقة واحدة أو جسما واحدا، بل أجزاء تنادي وعينا في لحظة تاريخيّة محددة ، فنتّجه إليه لتمثّله وإدخاله في مكوّنات جسمنا الثقافي المعاصر، فاقدا بذلك لوجوده الخارجي مندرجا في بنائنا الجديد )([14]). وهذا يعني أن الموروث سيكتسب وجودا آخر يتجسّد من خلال تعيينه وقائعَ نصيّةً تُكسبها له قراءتنا المتجدّدة، فتنتج معنى آخر وقيمة مضافة، ومثل هذه القراءة لا يمكنها أن تنهض نهوضا دون استثمار (أضواء المنهجيّات الحديثة التي تهبنا المعرفة الضروريّة لاكتشافه مجددا )([15]) .
إنّ هذا الفهم مرتبط عند حاتم الصكر بشاغلي النهوض والتحديث اللذين كانا هاجسا كامنا وراء تأسيس تلك الرؤية التي رفضت الاكتفاء بتكرير صياغة القراءات القديمة للموروث الثقافي والأدبي وإعادة إنتاجها بما يثبت زيف علاقتنا به، وطبيعة مشاعرنا ونحن نتعامل مع ذلك الموروث، ولا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار اقتراب رؤية الصكر الناقد من  تصوّرات الفكر القومي ورؤاه في ثمانينيّات القرن الماضي، تلك الرؤية التي تدّخلت – إلى حدّ ما – لحسابها في تعديل كفّة الموازين لإشكالية العلاقة بين الأصالة والمعاصرة لديه، إذ شكّلت تلك الرؤية جزءا أساسيّا في صياغة خطابه النقدي الذي وجد له أرضا خصبة في الموروث بشتى امتداداته وأصنافه، وفي المناهج والنظريّات والأفكار المنبثقة من روح العصر، والمنتمية للحظتنا الراهنة.
وفي ضوء هذه الرؤية يأتي كتابه الأول ( الأصابع في موقد الشعر 1986م) مدشّنا بنصوص عديدة من التراث تولّى قراءتها وتحليلها، وهي نصوص من عصور مختلفة جمعت بين عنترة بن شداد والمتنبّي والمعرّي وأبي تمام وابن خفاجة الأندلسي وغيرهم، معلنا في بداية ذلك الكتاب أنّه لا يفرّق بين نص حديث و آخر ينتمي إلى التراث منطلقا من الإيمان بأن ( جوهر الشعر واحد لا يحدّه زمن أو شكل )([16])، مؤكّدا ومعلّلا ذلك بأن الذوق العربي والحساسيّة الشعرية الخاصة به تنتظم بخيط دقيق وتشكّل مجموعة حلقاتها رؤية واحدة([17]).
وربّما  يمتدّ الموروث في الزمن عند الصكر ليصل إلى أعماق التاريخ العراقي، وقد يتنوّع ذلك الموروث كمرجعيّة ثقافيّة كما في كتابه اللاحق (البئر والعسل1992م ) ليقتنص الناقد في إطاره درسا نصيّا ممكنا في تعويذة بابلية أو رُقْية من أور أو خبر عن شاعر جاهلي أو محاورة لصوفي أو نادرة ذات بعد خاص يطلقها مجنون أو قد يجد متنا هائل الضخامة في شعر العميان وتبصّراتهم التي تكاد ترى ما لا تراه أعينهم المطفأة، ثمّ لا يلبث ذلك الإطار أن يصبح سيرورة لا متناهية، تمتد من الأدب العراقي القديم، وتمرّ بالتراث الإسلامي والعربي وتنتهي عند بعض متون السرد الحديثة وكما تلمّح إلى ذلك انتقاءاته هذه في البئر والعسل([18])، وهو الكتاب الذي من الممكن أن نعدّ رؤية الصكر لنصوص التراث فيه رؤيّة نصّية تعتمد النص الأدبي مرتكزا في المقام الأول، وتذوقيّة تبحث عن أدبيّة ذلك النص في المقام الثاني.
وقد ذهبت إحدى الباحثات – وهي تحاول تحديد طبيعة المرجعيّات الثقافيّة عند الصكر- إلى أن الرجل في الكتاب المذكور قد ( تعامل مع النص التراثي تعاملا تطبيقيّا بلا قاعدة نظريّة )([19]) وهو – أي الصكر- وإن اعتمد الاعتدال النقدي في الاستعانة بالوافد الغربي المترجم إلى جنب التراث النقدي العربي القديم، فهو يؤمن بالأحاديّة، أو القطبيّة المرجعيّة!([20])، لذا تجد الباحثة التي سنأتي على مناقشة أفكارها، أنّ هذا الأمر لا يجيز للصكر ( الادعاء النقدي بالجدّة والتجديد والابتكار النظري فنسيان المرجعيّة النقديّة لمصطلحات مثل التوقّع والتقبّل والاستقبال والقراءة وغيرها مما يندرج تحت خانة نظرية القراءة والتلقّي  قد يخلّ بشرط الأمانة العلميّة للناقد )([21]).
إنّ هذه الآراء التي قدّمتها الباحثة ليست دقيقة، فهذا الكتاب لا يفهم إلّا حين يؤخذ بنظر الاعتبار سياقه النقدي العام، فكتاب ( البئر والعسل ) توجّه صوب نصوص متعدّدة الأزمنة متنوّعة الأشكال، لا صوب نصوص تنتمي للتراث فحسب كما ذهبت الباحثة المذكورة، وتشير مقدّمته إلى أنّ الناقد يُخضع تلك النصوص لقراءات حرّة موظّفا مناهج القراءة والتلقي دون الخوض في الفلسفة النظريّة التي تقف خلف تلك المناهج، لا سيّما والجهد النقدي المنجز خلال فصول الكتاب يهدف إلى رفع كفاءة المتلقّي العادي وإشراكه بمتعة القراءة، لا إلى إثقال كاهله بمرجعيّات المصطلح النقدي لنظريّات التلقّي، وفلسفتها ومناهجها الغربيّة.
فضلا عن أنّ طبيعة الرؤية المستبطَنة في فصول الكتاب والفاعليّات النقدية المؤطرة لمباحثه كانتا هما البديل عن المفاهيم والتنظير عند الناقد الصكر الذي عرف أين يقف من تراثنا، وكيف ينظر إليه في كتابه هذا، وهو ما قاده إلى موقف نقدي يرمي إلى تثوير التراث بعد استبعاد مفهومه الماضوي ( أي أنّ كلَّ ماض تراث)  والنظر إليه بطريقة تختلف عمّا كان سائدا ومهيمنا، سياسيّا ومنهجيّا حينذاك،  بغية تحريره من أسْر التقليديين، ومن سوء فهم السياسيّين .
وفي الكتاب – فلسفيّا – انتصار للهوامش والمهمّشين وخطابهم، كالعميان والمجانين والخبّازين والخطّاطين وسوى ذلك. وعليه فالباحثة التي رمت حاتم الصكر بافتقاد القدرة على التنظير النقدي ذي الطابع الفلسفي مموّهة اتهامها له بعدم الأمانة العلميّة، هي – بالحقيقة – لم تستوعب السياق النقدي ( التاريخي) الذي ورد فيه كتاب ( البئر والعسل ) كما ينبغي، ولم تقرأ هذا الكتاب في ضوء تجربة الصكر النقديّة بصورتها الشاملة([22]).
إنّ تحرّك الصكر صوب نصوص من التراث كان نتيجة طبيعيّة لما اكتشفه بأعماق تلك النصوص من نداءات مغرية لا تكفّ عن جذب القرّاء المعاصرين رغم بعدها في الزمن، وما من قارئ يقوم بقراءة سياقيّة للتراث إلا وسيجد في النصوص الإبداعيّة والقضايا التي تثيرها تلك النصوص المنتقاة مناسبة مثاليّة لاختيار رؤاه وإجراءاته النقديّة؛ ولذا فهو لا يتردد في الإعلان بأنّه يجد متعة إضافيّة في رحلته النقديّة المعاكسة، أي العائدة للماضي([23]).
وهذا ما يدعوه لتلبية نداءات تلك النصوص التراثيّة التي يجيد معرفة مناطق الجذب فيها بما يتلاءم وطريقته في القراءة والتحليل والكشف، ولا نحسب أنّه ملزم بتحديد الأطر النظريّة والفلسفيّة والاصطلاحيّة التي تكتنف طريقته الحرّة والخاصّة في القراءة والكشف، أو أنّه محتوم عليه تحديد خلفيّة المصطلح المستخدم وارتباطاته الفكريّة وجذوره الفلسفيّة.
وربّما سيتضح لنا أمر معرفته الدقيقة بقضايا الموروث العربي جليّا عندما نتبيّن طريقة قراءته وآليّة تفحصّه لما في أعماق ذلك الموروث من نوى وبذور جنينيّة لعدد من المفاهيم والأصول النقديّة الحديثة التي ألمع إليها بعض نقّادنا القدامى النابهين، وداروا حولها دورانا اقتضته أزمنتهم وحتّمته ظروفهم ودعت إليه أرواح عصورهم التي عاشوا ضمن أُطُرها الخاصة، فهو مثلا يحاول بيان منزلة القارئ في الفكر النقدي عند عبد القاهر الجرجاني في أحد فصول كتابه النقدي (ما لا تؤدّيه الصفة 1993م) من خلال كتابي الجرجاني المعروفين (أسرار البلاغة ) و (دلائل الإعجاز) من غير أن يُسقط على تراثنا النقدي نظريّات حديثة أو أن ينتحل الحجج والأسباب لإثبات سبق النقد العربي القديم للنقد الحديث، وإنّما كان يحاول (فحص تاريخ التقبّل والتلقي الجمالي الذي هو تاريخ الظاهرة الأدبيّة والشعريّة وموضع الصراع والجدل على مرّ العصور )([24]).وتلك مَهَمّة تقتضي صبرًا وتأمُّلاً  دقيقين فضلا عن ضرورة وجود معرفة علميّة بالتراث، فالوعي بالتراث ومعرفته جيّدا هو مقدّمة ضروريّة ولازمة للتعامل معه في نظر الصكر الناقد، إذ لا يمكن أن يختار الإنسان موقفا صائبا إلا إذا تحقق الوعي في اختياراته، وعليه أن يُخضع الاختيار في المرحلة التالية للفرز الذي يتطلّب وعيا نقديّا موضوعيّا، حيث يرتبط الفرز بمتطلّبات الواقع وأدواته.
وربّما هذا ما يسّر للصكر، وأتاح له وضع يده على مناطق الوهج في ذلك التراث معزّزا قناعته النقديّة التي ترسّخت منذ وقت مبكر على المستوى النظري في عموم تجربته الأدبيّة، وعلى الأخصّ تلك النقطة المتعلّقة بكون ( المهمّة الفنيّة التي ينجزها المبدع تظلّ موجودة بالقوة ما لم تظهرها القراءة إلى الوجود بالفعل أي تمنحها التحقق الجمالي بالتلقي )([25]). وكان ذلك دافعه القوي للبحث عن جذور تؤصّل تلك القناعة، لا سيّما فيما توصّل إليه ناقد فذّ مثل الجرجاني الذي كشف عن أن القيمة المخصصة للقارئ في إظهار شعريّة النص ليست أقلّ أهميّة من الكشف عن مقولة النظم أو المعاني الثواني أو المقولات الجرجانيّة الأخرى، فالقارئ حاضر في المتن النقدي للجرجاني ابتداءً من مستوى عبارته المتوجّهة له، مخاطبا ومحاججا وانتهاء بدعوته إيّاه مشاركتَه في انفعاله الجمالي([26]).
وعلى وفق هذا الرأي يأتي بحث الصكر الموسوم: (مكانة المتلقي في نظرية الجرجاني النقديّة ) في الكتاب المارّ الذكر، ليبيّن بوضوح وجلاء أنّ النقاد القدامى لم يهملوا أحد أهم أطراف عملية التواصل الأدبي – أي القارئ-  بوصفه جزءا مهما من أركان تلك العمليّة، إذ انصرفت له عنايتهم وحاولوا الإحاطة بجوانبه العديدة لأهميّته في مسألة التواصل الأدبي .
والصكر وهو يستدعي مفهوم القارئ من صلب التراث ومن أطروحات الجرجاني النقديّة تحديدا يسعى – في واقع الأمر- إلى تحقيق غايتين، هما : دعم تصوّراته الحداثيّة عن مفهوم جديد للقراءة بوصفها آليّة أو منهجا من الممكن أن يأتي أُكْله للنهوض بوظيفة النقد الأدبي وآليّاته وأدواته كي يُنأى به عن دائرة الانفعاليّة والأحاديث السطحيّة والتعليقات الأيديولوجيّة، وكما سنرى ذلك في صفحات قادمة.
أمّا الأمر الآخر وهو متعلّق بسابقه، فربّما تمثّل بضجر حاتم الصكر الناقد من المقاربات البنيويّة العربيّة الصارمة المتأثّرة بالمناهج ذات الأطر العلميّة الغربيّة التي لا تتفق وروح النص الأدبي العربي، ولا سيما الشعري منه وطبيعته.
وهذا ما دعاه يجوس خلل التراث الأدبي العربي يستنطقه ويبحث فيه عن آراء المفكّرين والنقاد العرب القدامي حول الجذور التي تؤصّل لنظرية القارئ  وملابساتها، وكما تجلّت في فكر الناقد العربي الفذّ (عبد القاهر الجرجاني) ممّا يُسهم هذا البحث في تهيئة الأرضيّة الملائمة للرؤيّة النقديّة المعاصرة عند الصكر والتي توّجتها فيما بعد نظريّات القراءة والتلقّي، وكما ثقَفَها وتأثّر بمعطياتها وإنجازاتها مترجمة من مضّانها الأوربيّة الأصليّة .
وممّا يجب التنبيه إليه: إن ثقافة الصكر التراثيّة هي ليست ثقافة اعتناق تطلب من التراث أن يجيب عن أسئلتنا الراهنة المستجدّة، وإنّما هي ثقافة تدعو إلى تجاوز التراث بعد الإلمام به واستيعابه، ثم محاولة السعي إلى النهوض به وتطويره وإعادة صياغة فهم جديد له ينسجم وطبيعة العصر الذي ننتمي له، ويقرب إلينا محتواه الذي بات ( يغترب عنّا مصطلحا ومفهوما، لأنّه وُضع لغير نصوصنا ووفق تزامنيّة نصيّة تجاوز مستواها وخطابها المنجز المتحقق اليوم)([27])، فلا المصطلح العربي القديم ومفاهيمه، ولا الإجراءات النقديّة، ولا الرؤية الفنيّة قادرة على أن تكفي النقد المعاصر جهد البحث عن جديد يلمّ بالتبدّلات النصيّة وآفاق القراءة معاً- بحسب ما يراه الصكر – الذي  يجد ( أن مجال الاستفادة من المنجز التراثي النقدي يظل محدوداً ولا يقدّم حلاًّ متكاملاً وكافياً حتى للمنهجيّات البلاغيّة أو الأسلوبيّة أو اللسانيّة التي نفترض أنها تجد إرثاً مشتركاً مع اهتمامات النقد العربي، لكنها ستصطدم بالمعاصرة التي لا تتوفر عليها أحكام وأدبيّات ورؤى تكوّنت بوعي مختلف وانطلاقا من مستويات نصيّة مختلفة أيضا )([28]).
إنّ هذا الأمر سيجعل علوم ذلك التراث عاجزة عن أن تكشف قيمة نصوصنا الحديثة المنتمية لروح العصر الذي نحياه ونعيش تحوّلاته وتطوّراته اليوميّة، كما لا يمكنها الكشف عن قيمة النصوص الموروثة ذاتها في زمننا الراهن إلّا بأدوات تختلف عن أدواته وعلومه القديمة عينها، أي بأدوات تنتمي لروح العصر وإنجازته العلميّة ومجمل تحقّقاته الآنيّة([29]).
وتأسيسا على ما تقدّم يرى الصكر أن التقابل بين ما هو عالمي وموروث تقابلا عدائيّا كما يصوّره البعض هو افتراض واهم لا يعكس وعيا حقيقيّا بالتراث ولا بالثقافة العالميّة والرؤى والمواقف المعرفيّة([30]).
كما لا يمانع حاتم الصكر الناقد في سبيل الكشف عن جوهر النصوص الأدبيّة  – تراثيّة كانت أو معاصرة – من الاستعانة بأدوات معرفية جديدة، وإن كانت تلك الأدوات غربيّة مستوردة، لكنه يشترط  لذلك التزام الحذر في التعامل معها([31])، إذ ينبغي ألّا تطبّق حرفيّا، فربّما نجد في هذه الأدوات الغثّ أو السمين فيما يتعلّق بطريقة تكييفها ونصوصنا ذات الخصوصيّة العربيّة، وبمدى نجاح تلك الطريقة في التكييف والتعديل.
إن هذا الموقف النقدي  مرتبط عنده – أيضا- بدعوة أخرى تتمثّل  بضرورة التعمّق بجزئيات ذلك التراث وعدم الاكتفاء بإلقاء نظرة سريعة عليه وصولا إلى قراءته قراءة متعمّقة وشاملة وموضوعيّة، جملة وتفصيلا([32]).
وفي تطبيقاته النقديّة الجماليّة العديدة يؤكّد الصكر موقفه هذا، ويعزّزه من خلال مزاوجته بين المعرفة العميقة بالتراث وبين تبصّره بالرؤى النقديّة المعاصرة المستوردة مستندا في ذلك إلى متابعته لما يصدر من جديد هناك، ولما يجري من كشوفات نظريّة عن طريق الترجمات العربيّة بهذا الخصوص، وكما سنأتي على ذلك في مبحث لاحق.
وممّا ساعد الناقد حاتم الصكر على هذه المزاوجة بين المناهج القديمة الموروثة والمناهج الحديثة في النقد ( أنه ناقد متخصص في نقد الشعر، الذي نمتلك فيه تراثاً نقديّاً واسعاً )([33])  كما ينعته الناقد الدكتور شجاع العاني وهو أحد الباحثين المتابعين للمشهد النقدي والثقافي العربي والعراقي  متابعة جادّة.
وبالعودة إلى بعض تحليلاته للنماذج الشعرية التي انتقاها، سنجد لحاتم الصكر، ولا سيّما في كتاباته النقديّة الأولى مساحة واضحة للتعامل البلاغي مع النصّ الشعري([34]).
وهو تعامل عرفه قدماء النقّاد العرب، وقد انصبّ نظر الصكر في تعامله هذا – بالأساس –  على قضايا بلاغيّة متفرّعة من علوم البلاغة العربيّة المعروفة ومتّصلة بالألفاظ، تأتي منتقاة شريفة أو تأتي خلاف ذلك غير منتقاة ومرذولة، أو باللفظة تأتي ملائمة للسياق أو غير ملائمة([35])، أو بالقول الشعري يَعرى من المحسنات البديعيّة أو من فنون البيان، كتفطّنه – على سبيل المثال  – في أول كتاب له ( مواجهات الصوت القادم ) لاستعارات الشاعر سلام كاظم التي رآها لمّاحة وذكيّة تنبئ عن شاعر يجيد إدراج مقروءاته من الاستعارات القرآنيّة في ثنايا قصيدته([36]).
وقد يخرج عنده التعامل البلاغي من هذه المشاغل أحيانا إلى دائرة أوسع فينظر في مدى امتثال النص الشعري إلى نظرائه من النصوص السابقة له، والتي قد يستمدّ منها قواعد صياغته، أو ينظر في مدى خروج هذا النص – بدافع التجديد والتحديث –  عن نظرائه من نصوص أخرى تقدّمت عليه وسبقته زمنيّا.
ويكاد أن يكون هذا المشغِّل هو الباعث الأول لكتاب الصكر( مواجهات الصوت القادم 1986) إذ إنّ ما تمتاز به القصيدة السبعينيّة ( مدار الكتاب ) من فضائل ومغامرات أسلوبيّة أتاحت له ( مقارنتها بالجذر الذي تتصل به واعية أو غير واعية، والجذر المقصود هنا هو القصيدة الحرّة التي اقترحها الروّاد، فالشعر السبعيني يعيد أجواء تلك القصيدة وروحها مع تفاوت القدرات والمواهب[ التي حاولت مجموعة منها] أن تسير في مغامرة التحديث ولعبة الحداثة مقترحة وصفات انتقلت إليها بالعدوى وخلاف شرط الاتصال الصحيح أو الصحّي بالأجيال السابقة )([37])، وهذا ما استوقف الصكر على مستوى التنظير والتطبيق لمجموعة فصول كتابه المذكور.
وممّا تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أنّ حاتما الصكر لم يكن ناقدا بلاغيّا بمعنى الكلمة، وإنّما كان ناقدا ذا عدّة بلاغيّة تخوّله ضبط الحدود بين البلاغة والنقد الأدبي، وتهيّئ له قدرة على إقامة جسور فاعلة بينهما، تغذّي قراءاته وتمدّها بنسغ الإحساس الأصيل بعذوبة التعبير الشعري، وتدعم طاقاتِه على تعليل ذلك الإحساس، وهذه العدّة – بلا شكّ – لازمة من لوازم الناقد الأدبي، ولا سيّما إن كان ناقدا مفتونا بنقد الشعر العربي عمّا سواه من فنون التعبير الأخرى.
غير أنّ امتلاك الصكر للروح النقديّ جعله ينظر للموروث البلاغي نظرة تاريخيّة لا تسمح لذلك الموروث بتكرار نفسه، واستنساخها معرفيّا في ظلّ ظروفنا الثقافيّة التي نحياها الآن، فهو يرى – على سبيل المثال – أنّ النظرة النقديّة التقليديّة للبلاغة العربيّة تكرّس الطريقة الشفاهيّة لتلقي الشعر العربي مُعليةً بذلك دور الأذن، لاغيةً دور العين في العمليّة، فالاستعارة في معايير تلك البلاغة – كما يلمحها – تتنازل عن المعنى الأول؛ لأنها تؤدي الآخر الجديد الذي يتّضح لصالح زوال الأول وحذفه مع ملاحظة وجود المستعار والمستعار له حتى بعد عمليّة الحذف، بل أنّ الصكر عدّ (الكناية) اختزالا رمزيّا رائعا لصورة متخيّلة، وبليغة لا نكاد نجد لها تحليلا تخيلياًّ مناسباً لدى نقّادنا القدامى، لأنها مندرجة في مفهوم التقابل بين شيئين: محذوف وموجود، لخلق شيء ثالث ينبئ عنهما أكثر مما ينبئ عن تخيّل جديد، وإلا سيدخل باب الاستحالة والتعقيد([38]).
وحين يَقرن الصكر بين الصورة الناجمة عن الكناية أو الاستعارة ذات الذاكرة الشفويّة وتلك الصورة المصمّمة بعيدا عن الأقيسة والأذواق الشفاهيّة، فإنّه يصل إلى أنّ قولهم عن ( الرجل الكريم الذي نستدلّ على كرمه بكثرة ما يوقد لضيوفه من نار، وما تتركه من رماد أنّه ( كثير الرماد ) يعدّ مثلا لكناية مشروعة، مصممة لذاكرة شفويّة لا يشغلها تحليل صورة بقدر ما يشغلها استلام صورة)([39]).
أمّا استعارات أبي تمام كقوله (ماء الملام ) مثلا، فهي عند أصحاب الأقيسة الشفاهيّة ( أمرٌ محالٌ استوجب الإعابة والرفض من معاصريه لاستعصاء إدراك الصلة بين الأول والثاني في خلق الركن الثالث الجديد المتخيّل، ومثل هذا يقال في أية استعارة أو كناية تفلت من شباك الأقيسة المصممة لتناسب الذوق المتكوّن شفاهيّا، وثمة جرس خفي، لا إيقاع صاخب مسموع، خطابي واضح ومباشر، تخلقه عملية التخيّل الممتثلة للقياس البلاغي، ملبيّة حاجة المتلقّي للامتثال لذوق عصره ومعارفه ووسائله الاستهلاكية، وهذا ما يتوفّر في كنايات واستعارات  أبي تمام ومدرسته، تلك التي تؤسس تخيّلا يُدرك بالإحساس المتأنّي الذي يخالف الطبيعة الإنشادية السائدة )([40]).
وهنا نجد الناقد ينبذ بعض آليّات البلاغة العربيّة المكرّسة لذوق شفاهي تقليدي، داعيا إلى ضرورة التخلّص من النظم والقوانين التي أسهمت في صناعة قواعد نقديّة وبلاغيّة متخلّفة ورثتها من المزايا الإنشاديّة للقصيدة العربيّة والمرتبطة بعصور سابقة اقتضتها طبيعة نُظُمها الثقافيّة والتواصليّة الخاصّة([41]).
ويخالف حاتم الصكر – في بعض الأحيان – النقّاد والبلاغيين القدامى الذين أكثروا الحديث في السرقات من الآخرين ودرجاتها، مفترضا أن الشاعر حين يفعل ذلك إنّما يمتح من خزين متراكم في طبقات عقله الباطن يدعوه بـ( الذاكرة الشعريّة )([42])، ملمّحا إلى ضرورة انغمار الشاعر في تجربته الشعريّة الخاصّة، لا الاكتفاء بإعادة ترديد ذاكرة الآخرين التي هي خلاصة تجاربهم ومعارفهم الشخصيّة مستشهدا بمجموعة أمثلة شعرية للبحتري والمتنبّي والسيّاب وأدونيس توضح دور الذاكرة الشعرية الفرديّة في بناء القصيدة وبلورة خصوصيّتها([43]).
وهذا يعني أنّ الصكر كان يحاول أن يضيف شيئا للجهاز المعرفي المتوارث عن السلف معترضا على بعض طرقهم التي مارسوها بالفهم والتفكير بما يناسب عصورهم وثقافاتهم، طامحا لإظهار اللياقة النقديّة والفكريّة التي تناسب عصرنا الحديث.
وممّا تجدر الإشارة إليه أن الصكر قد تجاوز في دراساته اللاحقة ذلك التعامل البلاغيّ الذي شاع في دراساته الأولى إلى مساحات أرحب تنتفع من الأسلوبيّة متمثّلة بالوسائل التي تجسّد فنيّة الشعر الحديث واستخراج قوانين وسمات فنيّة له، بعيدا عن النزعة المنطقيّة الصوريّة التي كانت تعتمدها البلاغة الكلاسيكيّة القائمة على مبادئ صوريّة وقواعد شكليّة يقوَّمُ على أساسها العمل الفني باعتباره محاكاةً للطبيعة أو للمحيط الذي يقع خارج النص.
إذ ظلّ بحث الصكر الناقد عن الوسائل التي تجسّد فنيّة الشعر – ولا سيّما في بعض دراساته الأخيرة كمرايا نرسيس وحلم الفراشة، وفي غيبوبة الذكرى –  قائما في الدرجة الأساس على مبدأ الإحساس بجمال الشعر ذاته، بوصفه إبداعا وفنّا يرتكز إلى مبدأي التجاوز والتجدّد، وعلى عاتق الناقد الأدبي  تقع مسؤولية وضع الحدود العلميّة لقواعد ذلك الفن وتتبع أثره([44]).
ولعلّ الصكر- وهو يردّ مسألة الإحساس بجمال الشعر إلى الذات ( ذات الناقد ) بوصفها مستقبِلا ومقوِّما لموضوع الجمال – يذكّرنا بأهم لحظات الحداثة وهي تحرر الإنسان ليعود إلى ذاته من حيث هو ( ذلك الكائن الذي يتمثّل نفسه بردّه كلّ الأشياء نحو ذاته كحُكم أعلى على حدِّ تعبير هيدغر)([45]) .
ويمكن لنا القول خلاصة لكلّ ما يتعلّق بمرجعيّة الصكر التراثيّة: إنّها مرجعيّة انتظمت بمستويين اثنين وإن اختلفا شكلا فإنّهما متفقان مضمونا من حيث ضرورة العودة للتراث للنهوض بالواقع الثقافي ولضمان سيرورة المستقبل لهذا الواقع، وهذان المستويان هما: مستوى انتقاء النصوص الإبداعيّة من شعر وسرد وحكايات عجائبيّة ومن نصوص مهملة وغيرها، ومستوى آخر تجسّد بتمثّله للآثار المعرفيّة والفكريّة والنقديّة التي خلّفها الأسلاف، ويكاد يشكّل المستوى الأول الحصّة الكبرى في تلك المرجعيّة المشتَغَل عليها من حيث توافر النصوص وتنوّعها من ناحيتي: الزمن الذي تندرج تحته، والنوع الأدبي الذي تنتمي له.
كما هو مستوى يجسّد المقياس النقدي للصكر في نظرته للأدب والشعر وما يقف خلفهما من تأويل فلسفي وجمالي لكلِّ ما تلقّاه الناقد من إبداعات نصيّة جرت عملية استيعابها وتمثّلها وإعادة قراءتها، في حين بدا المستوى الثاني المتجسّد بتمثّل الصكر لمعارف التراث وعلومه ضعيفا إذا ما قيس بالأول من خلال ما تناوله الصكر من دراسات وتعليقات نقديّة. ولعلّ ذلك يعود إلى أن ثقافة الصكر لمعارف التراث هي ثقافة تؤمن إلى حدٍّ ما بضرورة إيجاد نوع من أنواع القطيعة مع تلك الوسائل المعرفيّة التي عولجت فيها قضايا الأدب والشعر بطريقة الأسلاف.
إنّ هذه القطيعة([46]) ما هي إلا بمثابة اللحظة المنهجيّة (التكتيكيّة)  التي تسمح للذات – بحسب الصكر الناقد – بتحقيق وجودها في عصرها الذي وُلدت فيه دون إسقاطات ماضويّة، من غير أن يتغافل عن أنّ كلّ ما يندّ عن التراث من نصوص إبداعيّة تفوّقت على الزمن والنسق السائد والمواضعات الفنيّة والاجتماعيّة يظلّ محل اعتزاز ومراجعة دائمة لكلّ ناقد ينظر إلى المشهد الثقافي العربي بعين مشرفة كعين الطائر([47]).
وهو ما يعني إيمان حاتم الصكر الناقد بضرورة الوعي بالتراث وما يزخر به – فكرا وإبداعا –  من رؤى تستحقّ العناية، مع ضرورة الوعي والإدراك بأن الاكتفاء بما توصّل إليه ذلك التراث من معارف ومسلّمات يشكّل خطورة بالغة تدلّل على قصر نظر من يقتنع بهذه المسلّمة من النقّاد المعاصرين ويطمئنّ إليها .
ونحسب أنّ هذا الموقف النقدي سيؤدي وظيفتين كبيرتين هما المحافظة على الموروث من المعرفة الأدبيّة والإبداعيّة والاستفادة منها، ثم العمل على التقدّم بها في سياق المنظومة الكبيرة للعلوم الإنسانيّة، كي تصير أكثر دقّة وعلمية وأبعد عمقا فالنقد الأدبي، وكذا نظرية الأدب قد شملهما في القرن العشرين تحوّل واضح وملحوظ تحت تأثير العلوم المجاورة مثل اللسانيات والتحليل النفسي وعلم الاجتماع والفلسفة، والنقاد صاروا بفعل ذلك ( لا يترددون في أمر الاستعانة بما يرونه مناسبا سواء أكان إجراء أم أداة، مما يقع أحيانا خارج منطقة النقد الأدبيّ وحدودها الزمنيّة)([48]).
وقد ولّد التحاور الثقافي هذا، رؤى جديدة وضعت حدّا لفكرة أن هناك كيفية واحدة للحديث عن النصوص الأدبيّة والشعريّة كالكيفيّة التي يتحدّث بها أجدادنا من النقّاد العرب، أو من النقاد (السلفيين) المعاصرين السائرين على خطاهم والمعادين للتغيير والتطوّر.
ولعلّ من الجدير ذكره، أنّنا بحديثنا الذي عرضنا فيه لموقف الصكر من التراث، وتفحّصه لبعض نصوصه المعرفيّة والإبداعيّة؛ قد تحدّثنا ضمنا عن استيعاب الصكر للتراث واطّلاعه الواسع على تفاصيله وأبعاده، وهو ما سوّغ لنا عدّ التراث منبعا من منابع خطاب الصكر المعرفي، ومرجعيّة من مرجعيّاته الثقافيّة إلى جانب معارفه العديدة الأخرى التي نحاول من خلالها متابعة مستوى تمثّلاتها ورصد مناطقها في منجزه.
وننتهي إلى أنّ علاقة الصكر مع التراث العربي بصفته مرجعيّة ثقافيّة تعمل إلى حدّ كبير على تشكيل الذات الفرديّة والجماعيّة وصياغتهما وتأطيرهما تأطيرا معيّنا، هي: علاقة شفّافة، غير منقادة لنزعة ما من نزعتي الـتأثيم أو التعظيم، ولم يعكّر صفوها خلطٌ من الوهم والإيديولوجيا، أو شوبٌ من الأخيلة الزائفة والجموح الفارغ. وقد أفرزت هذه العلاقة نوعا من أنواع التأصيل الفكري والأدبي لدى حاتم الصكر الناقد بوصفه ذاتا عارفة، ما الكتابة بالنسبة لها إلا تعبير عن وعي مزدوج بالأنـا في بُعدَيْها، الفردي أو الجماعي.
وقد ساعد ذلك التأصيل على تأهيل هذه الذات – فيما بعد – وتحصينها من خلال تمكينها في الذود عن نفسها ممّا قد ينتابها من وهن أو ضعف وهي تحيا لحظتها الراهنة في بحر الحياة اللجيّ الذي تتقارع فيه الأفكار وتتضارب القناعات وتتجاذب الرؤى .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ثانيا / المرجعيّة الفلسفيّة
بما أن الناقد لا يستطيع أن يُقيم تجربة نقديّة ذات أهمّية وتأثير في الواقع  الأدبي من خلال الإلمام بالموروث وإنجازاته وخصائصه فقط، كما لا يستطيع  أن يكون ناقداً عصريّا قادراً على أن يؤسِّس لخطاب نقدي ذي قيمة حقيقيّة وفاعلة ما لم يكن على إلمام واسع بما أضافه العصر من تجلّيات إبداعية ونقديّة ومن مناهج جديدة واتّجاهات نابعة من روح العصر ومعبّرة عنه، لذا أدرك الصكر منذ وقت مبكر في مشواره النقدي ذلك الأمر وأولاه قيمة وأهميّة كبيرتين  – كما مرّ بنا – وقد عكف على توسيع نطاق مصادره المعرفيّة المنتمية للّحظة الثقافيّة الراهنة بما يتعلّق منها بالثقافة النقديّة، وبنظريّة النقد الأدبي، وبالمعرفة الأدبيّة وبطرائق الدراسة والتحليل، وبأهمّية الخطاب النقدي وموقعه ضمن الخطابات الأخرى، على اعتبار أن الفعل المعرفي هو أمرٌ حتميٌّ لا يجوز رفضه لصدوره عن هذه الجهة أو تلك، فضلا عن كون معرفة الآخر تشكّل مدخلا للمناظرة والفائدة معا، بحسب الصكر([49]) .
ولعلّ الفكرة الكامنة وراء ذلك تهدف إلى الدفع بعجلة النقد الأدبي في العراق للانخراط في مسيرة النقد العربي والعالمي في هذا العصر الجديد الذي شهد احتكاكا واسعا لنقدنا الأدبي العربي بالنقد الأوربي ومعطياته الكثيرة وهي فكرة جديّة وجادّة تنمّ عن غِيرةٍ ثقافيّة قوميّة وعن روحٍ تقدميّة فاعلة ومتطلّعة للرقي والازدهار المعرفي في مجال هام وحيوي كمجال النقد الأدبي، ولا سيّما أنّ الدكتور حاتم الصكر من النقّاد الذين يفاخرون بانتمائِهم الروحي والفكري إلى الثقافة العربيّة الإسلاميّة، ويتطلّعون إلى يوم تستعيد فيه هذه الثقافة صورتَها المشرقة والمؤثّرة بين مختلف الثقافات([50]).
وبالرغم من إدراك الصكر لدور المثاقفة النقديّة في هذا الأمر، فقد ظلّ حذِرا في التعامل مع الوافد الغربي الذي تجسّد له في طبيعة علاقته مع الواقع الأدبي العربي وإشكالات تلك العلاقة صورةً من صور ( الاشتباك المنهجي الحاصل اليوم على جبهة النقد العربي المعاصر)([51]).
وعند الحديث عن طبيعة المرجعيّة الثقافيّة للناقد الأدبي المعاصر ببعديها المفاهيمي المتعلّق بالتنظير النقدي، والإجرائي المتعلّق بتوظيف المنهجيّات في مجال التطبيق، فإننا سنكون بإزاء مسألة  يصعب حصرُها بدقّة، لأنّها من جهة قابلةٌ للتداخل، ومن جهة أخرى، قابلةٌ لأن تكسر حدودها حين تتحول إلى ثقافة يتسلّح بها الناقد أو الدارس الذي ليس بالضرورة أن يكون ملتزما بنسقيّة المعرفة وصرامتها المطلوبة عند تناول العمل الأدبي من زوايا عدّة، سياقيّة ونصيّة.  .
ومن المعروف أنّ النقد الحديث ينماز باستناده الواضح إلى مرجعيّات فلسفيّة، لكن هذا لا يعني تبعيّة النقد للفلسفة بقدر ما يعني حالة انفتاح لحقول المعرفة على بعضها البعض. فالفلسفة مارست – ابتداء من أرسطو وحتى يومنا هذا- تأثيرها الفاعل في النقد الأدبي، إذ لا يمكن نكران أن أول تنظير للشعر تمّ بمباركة فلسفيّة، وأنّ أوّل المراجع التي تحكّمت بالنقد الأدبي هي المراجع الفلسفيّة ابتداء من أفلاطون وأرسطو، ولكن ذلك لا يكفي لأن يكون النقد الأدبي تابعا للفلسفة، لأنّ الفلسفة ( بقدر ما تقتحم مساحات التفكير الممكنة، فهي لا تجعل نفسها مرجعا ومدخلا لكلّ من يفكّر ويبدع، حيث لا تقبل الانتماء إليها إلا بشرط الاعتراف بها وتبنّي نسق من أنساقها ومذهب من مذاهبها، بوعي يحفظ لها تميّزها عن غيرها )([52]).
ولمّا كان الوعي بفلسفة النقد والنقد الفلسفي للأدب وعيا حديثا، بالرغم من وجود تفلسف معروف لبعض الأدباء والنقاد العرب القدامى والمحدثين، ولا سيّما  منهم أولئك الذين شكّل الأدب لديهم موضوعا للسؤال والتفكير والتأمّل رغبة في بلوغ فهمه والإحاطة بدلالاته وغاياته، فإن ظهور هذا الوعي – بصفته وعيا حديثا – يقترن عادة بظهور الفروع الفلسفيّة المعروفة، كفلسفة اللغة وفلسفة الفن وفلسفة العلوم….. إلخ، أو بظهور المذاهب الفلسفيّة، كالواقعيّة والماديّة الجدليّة والوجوديّة وغيرها، بحيث ( صارت هذه الفروع والمذاهب تزوّد الناقد بجهاز مفهومي يعطي قوله انتسابا إلى حقل الفلسفة ويميّزه ويخصصه )([53])، ونتيجة لحصول هذا الوعي وتحقّقه ( صار من الممكن اعتماد الفلسفة مرجعيّة لمحاورة الأدب ومحاورة النقد نفسه في ضوء علاقتهما بالفلسفة )([54]).
وهذا ما يدعونا للقول: بأنّ الناقد الأدبي الحقيقي في عصرنا الراهن لا بدّ أن يستند إلى فلسفة ما، بغضّ النظر عن طبيعة المنهج الذي يمارسه، وسواء وعى ذلك الأمر أم لم يعِه، وإنّ هذه الفلسفة المستَنَد إليها ستؤطّر رؤيته لإدراكه وفكره وسلوكه ووجدانه، وتمتدّ عملية التأطير تلك إلى فهمه للأدب وطبيعته وأبعاده، ثمّ تنسحب على مقولاته النقديّة وإجراءاته وأدواته في التطبيق، وأخيرا إلى الغايات والمقاصد التي ينشدها من دراسته الأدب واحترافه النقد([55]).
وبخصوص التمثّل المعرفي للمرجعيّة الفلسفيّة عند الصكر الناقد ينبغي التنبيه إلى أنّ الرجل ليس من الذين يمتلكون نظرة فلسفيّة متكاملة إلى الحياة وإلى العالم متوصّلا إليها على أسس عقليّة منطقيّة بصورة مستقلّة عن تجربته النقديّة أو الإبداعيّة، وأنّ ما يفعله في خطابه النقدي هو محاولة لصياغة هذه النظريّة الفلسفيّة في قالب نقدي .
بيد أنّ هذا لا يمنع أن نجد الصكر من خلال تتبع جهده الفكري ناقدا يهتمّ اهتماما مركزيا بمسألة القراءة، وما يكتنف أبعادها وجوانبها من أصول فلسفيّة ظاهراتيّة(*) لها رؤيتها الخاصة للفن وللعمل الأدبي الذي عُرض وفقا لنظرية القراءة بافتراض: اشتماله على قطبين، أوّلهما فنّي والآخر جمالي وإنّ قطبه الفنّي يكمن في النص المتحقق عبر النسيج اللغوي وما يضمّنه المؤلف من قيم تعبيرية ومضمونيّة بغية تبليغ القارئ بحمولات معرفيّة وأيدلوجيّة، وبالنتيجة فإنّ هذا القطب مشتمل على دلالة ومعنى وبناء شكليّ، أما قطبه الجمالي فهو التحقّق الذي يُنجزه القارئ عبر عملية القراءة المتأمِّلة القادرة على تأويل النص وإخراجه من حيّزه المجرّد إلى حيّزه الملموس.
وبذلك سيكتسب هذا التأويل قيمة مضاعفة في إدراك صورة المعنى المتخيّل في النص الأدبي واستكناه أعماقه البعيدة الغور والكشف عن أبعاده المتوارية([56]).
وهو ما تحاول أن تثبته الظاهراتيّة – باعتبارها علما وصفيّا يسعى لإدراك الماهيّات الكامنة في الشعور الإنساني اعتمادا على الحدس([57])– في تأكيدها ضرورة التعويل على العمل الأدبي، لامن حيث نصّه  فحسب, بل من حيث عمليّات الفهم التي تمتد إليه لتمارس عليه عمليّة القراءة والتأويل، وذلك لأنّ النص عند الظاهراتيين ( لا يوجد إلّا حينما يتحقق أو يُصبح راهنا، ولهذا ينبغي تبنّي وجهة نظر المؤوّل مرتبطةً بنصّه هو، وبتدخّلاته المحكومة بمكوّناته الثقافيّة والمعرفيّة الخاصّة )([58]).
ولعلّ المتتبع لنظرية القراءة، ولما يكتنف أبعادها، ولما يحيط بآليّاتها من منظور خاص بها؛ لا يغرب عن ذهنه أنّ انشداد هذه النظريّة إلى جذور فلسفيّة معروفة، وإلى أصول فكريّة معلومة كان له الدور البارز في توجّهاتها وفي مواقفها بخصوص آليّة القراءة(*)، وربّما تكفي الإشارة هنا لعلاقة مدرسة كونستانس(*) بـ(الهيرمونيطيقيا ) وبالفلسفة الظاهراتيّة([59]).
 
 
 
 
 
وتجدر الإشارة بهذا الشأن، إلى أنّ فهم حاتم الصكر الناقد للنص الأدبي مثلا، لا يبتعد كثيرا من حيث دلالته عن مفاهيم نظرية القراءة، فهو – أي النص – بنية أو شبكة معطيات؛ ألسنية وبنيويّة وأيديولوجيّة كلُّها تسهم في إخراج النص
إلى حيِّز الفعل والتأثير، وإنّ النص قائم على التجدد بحكم قابليّته للقراءة، وقائم على التعدد بحكم خصوصيّة عطائه وتأثيره، تبعا لكل حالة يتعرّض لها في مختبر القراءة([60]).
والنص الأدبي لا يفتح أفقه للقارئ من أول مراودة، بل لا بدّ من محاولات كشف عميقة يقوم بها الناقد مستنفرا مناطق الإثارة في ذلك النص للوقوف على دلالات ملائمة سواء أكانت تلك الدلالات في حالة تجلٍّ أم في حالة كمون وصولا إلى نص مواز للنص الأصلي، إن لم يكن متفوّقا عليه من الناحية الإبداعيّة([61]).
يتّسم وعي الصكر بكونه وعيا ثقافيّا معاصرا، وكان ذلك الوعي أساسا لهذا الاهتمام بمسألة القراءة منطلقا في ذلك من ثقافة لصيقة بالتراث العربي القديم – كما بان لنا – ومن موقف نقديّ يذهب إلى أن أغلب نقّادنا العرب المعاصرين لم يهتموا باستراتيجيّة القراءة في العمليّة الإبداعيّة، لأن اهتمامهم كاد أن يكون منحصرا في العناصر الثلاثة التي شغلت أذهانهم وجهودهم، وهذه العناصر هي المؤلف والسياق والنص، وبذلك فإن هؤلاء النقاد قد أهملوا دور القارئ في العمليّة الإبداعيّة، فانصبّت جهودهم الفكريّة على قصد المؤلف، أو الطريقة التي تشكّل بها النص، أو على المعنى التاريخي أو الاجتماعي أو النفسي للنص([62]) ، في حين إنّ فعل القراءة في حقيقته مرتبط بخبرة القارئ / الناقد.
وخبرة القارئ ستمنح القراءة – بوصفها منهجا إجرائيّا – حضورها الفعلي وفاعليّتها الإبداعيّة في التجربة الأدبيّة والشعريّة. وهذا عينه ما حاولت نظرية التلقي في ألمانيا إعادة تصحيحه من خلال تركيزها على قيمة النص وأهمية القارئ بعد انقطاع الخيوط الممتدة بينهما بفعل الرمزيّة والماركسيّة، إذ كان تركيز مفهوم استقبال النص وقراءته لدى أصحاب نظريّة التلقي على ركنين رئيسين، هما القارئ والنص، وكان الأول منهما هو المحور المقدّم والأهم، لأنّ علاقته بالنص ليست علاقة جبريّة موظّفة لخدمة نظام أو طبقة كما هو الشأن في الماركسيّة، وليست علاقة سلبيّة كما هو الشأن في الرمزيّة، وإنما هي علاقة حرّة غير مقيّدة([63]).
ولذلك فإنّ الصكر بوصفه ناقدا – قارئا يقترح في مقدمة رسالته للماجستير (عددا من الإجراءات التي تترجم التصوّر النظري وتجعل حوار القراءة مع النص ذا هدف استراتيجي بعيد، لا يتوقّف عند جماليات النص- في المناهج الفنيّة الخالصة- أو مراميه أو خططه الدلاليّة – في المناهج الخارجيّة – ويتمثّل هذا الهدف النصّي في إنجاز فعل قراءة للنص، ذي محرّك أو مشغّل ظاهراتي، يسقط فيه المحلل الشعور والوعي الذاتي على النص بوصفه موضوعا قابلا للتمثّل والنظر)([64]) محاولا أن يتبنّى اقتراحه هذا في قراءاته اللاحقة الكثيرة التي نلحظ في الكثير منها سعيه ومحاولته للتحرر من النزعة المنهجيّة الصارمة، لأن طبيعة المشغّل الظاهراتي ترتكز – أصلا – على كونه منهجا ( يعوّل على وصف الظواهر كما تبدو في خبرتنا المباشرة )([65])، وهذا ما يجعل غاية اهتمام الناقد كامنة في معنى الأشياء والظواهر كما تُعطى لوعيه وخبرته الإنسانيّة، حتى لو ابتعد عن أحكام المنهج الصارم الذي يقوم على القواعد والقياس والإحصاء متوخّيا الدقة العلميّة والموضوعيّة المحايدة، كما هو الحال في مناهج العلوم الطبيعيّة .
وقد أولى الصكر عنايته الفائقة بالقراءة بوصفها إجراء نقديّا يمكن التعويل عليه للخروج بنتائج إيجابيّة تقرّب النقد الأدبي من ضفاف الإبداع دون أن تبتعد به عن الموضوعيّة والعلميّة في دراسته، فالممارسة النقدية بحدّ ذاتها ظلّت تمثّل لديه قراءة في معرفة النص، وتحديدا لمستوى ما من مستوياته المتعددة، لأنّ كلّ قراءة نقديّة هي بالضرورة معرفة جزئيّة للنص الأدبي. والناقد الموضوعي حينما يقرأ النص بأدوات معرفته يدرك مسبقا أنه يستكشف مستوى ما من المستويات المتعددة في النص المقروء، الظاهرة أو المسكوت عنها.
وهنا يأخذ القارئ دوره في النص النقدي لا بكونه شخصا فحسب، بل بكونه مرجعا للخبرات السابقة في النوع نفسه، وبوصفه محكّا لأي تغيير أو تعديل، فهو شأنه شأن النص المنقود كلاهما يمتلك أفقه الخاص، وهو ما جعل القارئ، كما يقول الصكر: ( يكفّ عن الحديث عن النصوص أو التحدّث إليها، مستبدلا بذلك الحوار معها )([66]).
إنّ القراءة ليست صدى للنص على وفق فهم الصكر لها – إذن – وليست منتهى الفهم له، بل هي احتمال مقترح من بين احتمالاته المتعددة. وقد وقف الصكر مرارا إزاء ما تثيره القراءة في القارئ من رغبات واشتهاء([67])، فتحدّث عن الافتتان بالنص الأدبي والانغمار بإغراءات جماله، عادّا إياها – أي القراءة – نوعا من أنواع إعادة كتابة النص وإطلاق إنتاجيّته، إذ هي: (فعل خلّاق كالكتابة نفسها، ونشاط إبداعي يعيد صياغة النص عند تلقيه، ويصبّ على النص وعي القارئ وشعوره، وذخيرته المتكوّنة بقراءته، وخبراته وتذوّقه وقدرته على استنباط المعاني المغيّبة خلف نظام النص الظاهري )([68]). لكن ليس كلّ النصوص قادرة على أن تفعل بالمتلقي ما يفعله النص الباعث على إحداث تلك اللذّة أو الدهشة الجميلة، وهو نص سيُربك القارئ ويُقلقُه ويزلزل قناعاته الثقافيّة والنفسيّة واللغويّة([69])، وبالنتيجة، فهو نصّ قادر على اقتناص وعي المتلقي من خلال نظامه الدلالي الخاص، ومن خلال القدرات الفنيّة واللغويّة المبثوثة فيه حين يكون نصّا فنيّا متميّزا.
قرأ الصكر بعض نصوص شعراء مجلة ( شعر ) مثلا، فوجد أنّها تميّزت بتقنية لم تكن معروفة من ذي قبل، وبصياغة أخرى لمفهوم علاقة مغاير بين اللغة والقصيدة حوّل الرؤية والممارسة الإبداعيّة حتى صارت اللغة على وفق هذا المفهوم تقول ما لم تتعود أن تقوله من ذي قبل . ولذا، فإنّ قصائد أدونيس وأنسي الحاج وسعيد عقل، ومن ثمّ قصائد سركون بولص وطالب عبد العزيز، وسواهم شكّلت مثالا حيّا عند الصكر على ذلك الانحراف الذي لا تحافظ فيه اللغة على المسافات الواقعة بين الدال والمدلول، وهو ما يدعو إلى إرباك القارئ العادي، وإلى خلخلة حساباته الواقرة في وعيه([70]). غير أنّ هذا الشعور الذي يخالط القارئ العادي سرعان ما يتبدد مع وجود قارئ متمرّن يدرك أبعاد تغيّر النظرة النقديّة الجديدة لتلقي النص الشعري، أو النص الإبداعي إجمالا .
ولعلّ هذه النقلة النوعية التي ينجزها نقد الحداثة بالمقارنة مع الاهتمامات النقديّة الكلاسيكية السابقة ترجع الى وجود منظورين مختلفين للفن وللأدب عموما، ومن ثمّ للّغة الأدبيّة خاصّة. إذ إنّ الفكر النقدي الكلاسيكي كان يعدّ الفن محاكاة وتقليدا، وإنّ هذه المحاكاة تنهض على نوع من التماثل بين الأدب والواقع الخارجي الذي يعكسُه الأدبُ كما تعكسُ الأشياءَ المرآةُ ، في حين أصبح المنظور النقدي الحديث يتعامل مع الخطاب الإبداعي الفنّي أو الأدبي على أنّه كيان مستقلٌّ يشيّد عالمه الخاص به بعيدا عن التشاكل والتطابق، وذلك لأنّ وظيفة الفن أو الأدب اعتمادا على المنظور ذاته، ليست معرفة العالم فحسب، بل أيضا، إنتاج  تكميلات أخرى جديدة للعالم، فالمبدع إذ يقدّم عملا للمتلقي، فإنّه ينتظر – في الوقت عينه – من متلقّيه أن يُكمل عملَه، ممّا يعني ذلك أنّ الفن عمليّة إبداع لأشكال مستقلّة تضاف الى ما هو موجود في الواقع، غير أنّ هذه العمليّة تمتلك حياتها وقوانينها الخاصة بها بمعزل عمّا هو موجود – أصلا – في الحياة الواقعيّة([71]).
لقد حاول الصكر أن يتصرّف مع مثل تلك الأشكال الفنيّة، أو النصوص التي تستولي على لبّ القارئ وتُخلخل موازينه من منطلق يجد القراءة مشتملة على فضائل ومزايا تفوق ما للنصوص من طاقات، بل قد لا يكون للكتابة الإبداعيّة منهما شيء([72]). وستتجلّى تلك الفضيلة وذلك الامتياز في  قدرة الناقد / القارئ على استئناف حياة جديدة للنصوص بعد اكتمال إنجازها بشرطها النصوصي، وخروجها للقارئ مستنداتٍ نصيّةَ صامتة، وهذا ما سيدفع الصكر إلى أن يجعل مَهمَّة  القارئ في مثل هذه الحالات متمثّلة بإحداث تقابل تعويضي يستبدل من خلاله الناقد صمت النص بكلام القراءة! وسيسوقه هذا الاستبدال إلى رأي طريف يتجسّد بمزاحمة القارئ للمبدع في خلقه للنص الأدبي([73]).
وكأنّ النص الأدبي – والحال هذه – تعلّة لإعلاء فعل القراءة على فعل الكتابة ما دامت الأولى هي القادرة على النفخ في روح النص، وذلك ما نلمح الصكر آخذه بعين الاعتبار منذ ظهوره الأول قارئا حقيقيّا للنص الأدبي .
إذ يسجّل الصكر في كتابه (البئر والعسل 1992م) قائلا: (إن النصوص ليست خرساء لكي نستنطقها رغم شكلها الخطي المسطور على بياض الورق الذي يغرينا بالمساءلة والتحقق من المعاني. إنها [ النصوص ] إذ تبدو مأوى لجثت الكلمات الراقدة في سلام ظاهري، تكون في الوقت نفسه قد امتلأت بالنداءات الغامضة الموجّهة صوب منطقة القراءة لتستعيد حياتها التي فارقتها بالفراغ من الكتابة، فما تضمّه صفحات هذا الكتاب من نصوص، تمثّل محاولة مني لإعادة حياة النص ليس لأنه يأتي أحياناً من الماضي البعيد، بل لأن حياته كفّت عن الحضور بسبب اكتفائها بالمتحقّق من بناء النص)([74]).وبهذا لا تُصبح القراءة عند الصكر الناقد مجرّد بحث عن معنى داخل النص، وإنّما هي فضاء مفتوح أمام القارئ لما يمكن أن يضيفه للنص ممّا لم يكن متضمّنا فيه أو مشتملا عليه ([75]).
ومما لاشكّ فيه، فأنّ هذا الهدف المتمثّل بإنجاز فعل قراءة للنص الأدبي قد أفرزته المناهج النقديّة الجديدة المعروفة بمناهج ما بعد البنيويّة، بما فيها مناهج القراءة والتقبّل التي تنطلق من المشغّلات المعرفيّة التي تولّد النص وتحدّد كيفيّات التعبير وأشكاله ودور المتلقي في تلمّس ذلك كلّه، وهي بذلك تحاول إعادة التوازن للعلاقة بين القارئ والنص بعد إقصائه ضمنيّاً في المنهج البنيوي الذي أغلق النص بعدّه نسقا لغويّا صرفا، أو المناهج الأخرى التي أولت عنايتها الفائقة للسياقات وما يحفّ بها من علاقات كالمنهج النفسي والتاريخي والاجتماعي.
وتأسيسا على ذلك، فقد تعدّدت الوظائف النقديّة التي اضطلع بها الصكر كتمهيد الطرق وتذليل الصعاب القائمة بين النصوص الإبداعيّة المتنوّعة والأشكال الفنيّة وبين مختلف القرّاء، وتهيئة الكتابات الأدبيّة والأعمال التشكيليّة كي تصبح قابلة للاستهلاك. كما لم يغفل الصكر الناقد الحرص على الحديث عن الأبعاد الجماليّة التي تصدر عنها الفنون وتتغاضى عنها الفلسفات النفعيّة، وتغيّبها القيم الأخلاقيّة المتوارثة والأعراف التربويّة والأيديولوجيّة المألوفة([76])، أو ما يصطلح عليه بـ( رقابة الجماعة )، تلك الرقابة التي تتوارى متخفّيةً في المقدّس والموروث والاجتماعي والأخلاقي([77]) .
إنّ الصكر – بوصفه متلقّيا ذا وعي حداثي – لم يكن دوره سلبيّا في استقبال الفن والأدب الترويج لهما، لأنّ الفنون – في أعراف هذا الوعي – كانت قضيّة المبدع، وقضيّة المتلقي التي لا قضيّة لهما سواها([78]). وقد ظلّ الصكر في مسيرته الطويلة يلتقط العمل الفني من خلال عناصره المباشرة وسياقه الحضاري، لا من منطلق كونه تقليدا أو محاكاة لواقع ما، فالواقع يتغيَّر – دون شكّ –  ولابد أن تتغيّر – تبعا لذلك –  طرق تمثيله وتقديمه وتقبّله، وهذه القناعة هي ما جعل من الصكر الناقد المتحمّس للتحديث شديدَ الاحتفاء بطرق التعبير الجديدة التي تظهر بين آونة وأخرى في ساحة الإبداع الفنّي والأدبي، ولا سيّما في ميدان الشعر العربي الحديث. وبهذا الخصوص يجب ألاّ نغفل الدراسات النقديّة العديدة التي كتبها الناقد حاتم الصكر محاولا دعم النصوص الإبداعيّة الوليدة من خلال المساهمة في إنماء شجرة الشعر الجديد ممثّلا بقصيدة النثر، وخصوصا في مرحلتها التاريخيّة التالية لمرحلة الروّاد من كتّاب هذه القصيدة، وذلك من خلال البحث عن قوانين قصيدة النثر المغايرة والمقترحة، ومن خلال تقديم قراءات جديدة تضيء ما يغمض منها ويلتبس على القارئ الذي ظلّ أفقه معتمداً على اشتراطات القصيدة العربيّة القديمة وقوانينها السائدة. لأن الناقد – كما يراه حاتم الصكر –  قارئ وشريك لا محيص عنه للمبدع، يسلّط ذخيرة قراءته ويعدّل من أفقها ليرى أفق النص فيعطيه – بذلك – وجوده الجديد، وليس هو – أي القارئ – محض فضوليٍّ زائدٍ، لا أهمية لوجوده، ولا جدوى لقراءته، كما قد توحي بذلك المدارس البنيوية المتشددة في زمن صعودها الأول([79]).
يؤمن الصكر بأنّ نظريات التحليل النصّي المعاصرة تؤكّد دور المهيمنات النصيّة وتدعو لاستخدام مقتربات مناسِبة، مثلما تدعو إلى عدم الركون إلى عنصر واحد والتمحّل في البحث عنه، ثم ليّ عنق الجُمل والمفردات والصور والدلالات لتندرج بعد ذلك تحت ذلك العنصر، وهذا التأكيد على دور تلك المهيمنات سيتيح صعود المناهج المستندة إلى جماليّات القراءة والتلقّي أو التأويل والتفكيك، لكون هذه المناهج تطلق طاقة القراءة لاكتشاف مستويات نصيّة قادرة على تعزيز شعريّة النصوص وإجلاء فنّيّتها([80]).
والقراءة – على وفق المنظور السابق – ستكون نشاطا ذاتيّا اشترط فيها الصكر أن تعاين النص لإجلاء تعدّدية معانيه، وأن تتعامل معه لا بوصفه موضوعا لفقه اللغة، أو تفسيرا معجميّا لألفاظه، بل بوصفه فضاءً لغويا تكتنفه مجموعة من القوانين المعرفيّة التي تعتمل داخله([81]). وبذلك سيكون الناقد الحقيقي خالقا لعملية القراءة ومتمركزا – بحسب رؤية الصكر – في بؤرتها، وهو  أيضا، المتلقي الحصيف الذي يُحتكم إليه في رصد سيرورة النصوص وحياتها وانتقال أثرها وكشف جماليّاتها ومراجعها وصلتها بسواها، وفي إضاءة ما غمض منها وما ظلّ متروكاً كفجوات سيردمها تأويل القارئ / الناقد، لكونه متلقيّا خاصا مجهّزا بذخيرة ومعرفة وخبرة مدرّبة على الغوص في جواهر النصوص المخبوءة، وكأنّها الدرر الكامنة في الأعماق([82]).
وهو ما أجهد الناقد الصكر نفسه من أن أجل الوصول إليه من منطلق أن القارئ بإمكانه أن يحقق تأويلا موضوعيّا (أوليّا ) للمعنى الذي يعبّر عنه المؤلف أو الشاعر، وهذا المعنى كثيرا ما سعى الصكر وراءه معتقدا بكونه معنى قابلا للتحديد ولو بعيدا عن نوايا المؤلف ومقاصده([83]). غير أنّ الصكر بالرغم من جهده الواضح في مجموعة من تطبيقاته النقديّة التي وظّف فيها مبادئ القراءة بوصفها نظريّة نقديّة ذات بعد فلسفي ظاهراتي يُسقط فيه الناقد – القارئ شعوره ووعيه الذاتي على النص بعدِّه موضوعا قابلا للتمثّل والنظر، وبالرغم من سعيه الدائم والحثيث لإدخال القارئ عنصرا فاعلا في العمل الأدبي([84])، فإنّه لم يُلمّح إلى الكيفيّة التي يُفترض بالقارئ أن يبدو عليها، ولا إلى الطريقة المثلى التي يجب أن يتعامل بها مع النص، ولم يحدد الهيأة التي يتحقق بها فعل القراءة بوصفه فعلا  يشتمل على منظومته الخاصة. ولعلّ ذلك يعود لأمرين، أوّلهما كون (الناقد الصكر من أكثر نقادنا اشتغالا في مناطق الإجراء النقدي بدءا من قراءاته المبكرة للمشهد الشعري العراقي وصولا إلى مناطق اشتغاله الجديدة ومقارباته لتحوّلات النص الشعري ومستوياته البنائيّة في إطار فضاءات الحداثة والبنيات المفتوحة في الكتابة الشعرية)([85]). وهذا ما جعل الصكر يصرف وكدَه إلى القراءات التطبيقيّة التحليليّة التي جاءت في الأعمّ الأغلب منها هادفة مسؤولة وساعية لدرء الفوضى الناجمة عن إشكاليّة اقتران العلاقة بين الدال بالمدلول. إذ لم تكن هذه القراءات  بالمنغلقة انغلاق بعض القراءات البنيويّة، ولا هي بالتي تسمح لنفسها بانفلات كانفلات (الحقائق) عند التفكيكيين، وهي تتيه في صيرورات الاختلاف والإرجاء موحية باستحالة وجود معرفة يقينيّة([86]). وعليه فإنّ أغلب تلك الجهود هي أقرب ما تكون إلى حقل النقد التطبيقي لاضطلاعها بمَهمّة قراءة النصوص والمتون الإبداعيّة المتنوّعة، وبعمليّة سبر دلالاتها الجماليّة والفكريّة والتاريخيّة من أجل التأسيس لحساسيّة نقديّة جديدة تتوخى إعادة النظر في شروط القراءة وأدبيّة النص المقروء وإعادة تشكيل أفق تلقّيه ضمن منظور نقدي تحديثي. أمّا الأمر الثاني، فيكمن في كون حاتم الصكر الناقد غير منشغل بالتنظيرات البعيدة عن حاجة واقعنا الأدبي ومتطلّباته الضروريّة، وهو لا يأبه مع اطلاعه الواضح على فكر الآخر وخطابه،  إلّا بالقضايا المرتبطة بهذا الواقع فيما يخصّ جانب التنظير النقدي الذي كان منبثقا عنده – وكما سيتّضح لنا – من طبيعة النصوص الإبداعيّة الجديدة، ومنسجما مع الواقع الثقافي الجديد والمغاير الذي أنجبها، فاختلفت بذلك سبل استجابته وتعامله وتلقّيه لتلك النصوص التي ظلّ يعدّها محفلا أو مهدا وحاضنة حقيقيّة للحداثة، إذ لها وحدها – أي النصوص – يعود الاكتشاف والريادة، لا للفكر السابق عليها([87]) .
ونرى أنّ هذه نقطة مهمة في الفكر النقدي ونظرية الأدب، فالنقد الأدبي بشتى فاعليّاته وتنوّعها يقدّم المبررات والأفكار النظريّة والتقبّل وسياقات القراءة لتلك النصوص وللأشكال المقترحة ولفتوحاتها الحداثيّة وخروجها على السائد وتعديلها للمفاهيم والرؤى والتصوّرات الأدبيّة السائدة. وربّما ستّتضح لنا رؤية الناقد حاتم الصكر في جانبها الإجرائي جليّا من خلال تحليلاته المختلفة وقراءاته المتعددة التي شكّلت الميدان الحقيقي لاختبار قناعاته النظرية التي سعى الى تحقيقيها والترويج لها.
ونحسب أنّ جهود الصكر النقديّة في تسويغ اتجاهات القراءة والتلقّي والتأويل تأتي ضمن جهود بعض مجايليه من النقاد العراقيين الذين حاولوا انتشال النقديّة العراقيّة من وحل الدراسات السياقيّة والانطباعيّة التي هيمنت عليها آنذاك. وذلك من خلال السعي لتوظيف المناهج والآليّات والرؤى التحديثيّة، وقد برزت ميول الصكر بين أقرانه مبكرة من خلال مجموعة كتبه التي أفرزت وتيرة متصاعدة لمنهجيّته في القراءة والمقروء، إذ ظلّ التأويل قاعدة تستند عليها هذه القراءة. وهو ما يؤكّد – بعد ذلك – رؤية الناقد الخاصة المستندة إلى شرطها الحداثي في طريقة احتكاكه وتعامله مع النصوص الأدبيّة. ولاحقا توّج تلك الرؤية من خلال تبنّيه طروحات مدرسة جماليّات التقبّل، وكما تبلورت لديه في منهج القراءة والتلقّي وما يمثّله من سعي لإعادة التوازن والتوافق الوسطي بين الاهتمام بلسانيّات النص ومشغّلاته اللغويّة، وبين جماليّاته التي تتبدّى للقارئ، وتضع له حسابا كبيرا في عمليّة رصدها واستكشافها([88]). ولعلّ دافعا آخر دفع بالصكر إلى تبنّي طروحات القراءة والتلقي، إذ إنّ هذه الرؤية توفّر للناقد قدرا كبيرا من الحريّة الذاتيّة وفرصة للحوار والانتقال من وهاد النص الأدبي وضروراته إلى أفق الحريّة المفتوح، ويتمثّـّل ذلك الدافع – كما ذهب الصكر نفسه – بعسف المؤسسة السياسيّة وتخلّفها في حقبة الثمانينيات والتسعينيات؛ ممّا هيّأ الأجواء الملائمة لبعض المثقفين والكتّاب العراقيين للتحمّس لأطروحات الحداثة وما بعدها وأفكارهما كردّ فعل طبيعيّ على ذلك العسف والتخلّف([89])، وكأنّما سيجد الناقد  في النصوص المشرعة لقراءة حرّة لا يحدّها شيء أو يقيّدها مقيّد تعويضا للحرية المفتقدة في واقع حياته اليوميّة. وتأسيسا على ذلك، فلا غرابة أن ترتبط بعض تلك النصوص بعلاقة عاطفية مع الصكر بوصفه ناقدا، خصوصا تلك التي وجد فيها معادلاً مبرّءاً ومثالياً للحياة وللوجود، مما ستجعل هذه العلاقة من الناقد متحمّسا لتلك النصوص أكثر من كاتبها الذي أبدعها([90]). وهنا ستكمن رسالة عمل الصكر الناقد التي شدَّدت من خلال تبنّيها لأطروحات القراءة والتلقّي على ضرورة الحوار الإنساني بين المبدع والمتلقي وعلى أهميّة وضرورة المقاصد النبيلة التي سيلبّيها التواصل الإنساني الناجم عن هذا الحوار. كما أنّ هذه الرسالة تنمّ عن موقف حضاري يضع في الصدارة البعد الديمقراطي، وما ينجم عنه من تصوّرات تلتزم بضرورة الدعوة إلى الليبراليّة والتعدديّة السياسيّة. إذا أخذنا بنظر الاعتبار ( أن قيمة الأثر الفني بين المبدع والمتلقي توجد في هذا السلوك الحرّ والمشيّد للمعنى الذي يُنتج حقائق خارج كلّ الما قبليّات )([91]). فضلا عن أن جنوح الصكر النقدي للتشديد على القراءة والقارئ يمثّل – كما يرى البحث – مسعى حقيقيّا باتجاه إعادة تحديد وتجديد أهداف الدراسة الأدبيّة ومناهجها في العراق، وذلك من خلال تنبّه الناقد، ومجموعة من مجايليه من النقّاد العراقيين بكدٍّ ذاتي وجهد شخصي لأهميّة منجزات المناهج النقديّة الجديدة في العقود الثلاثة الأخيرة، وتعويلهم على ضرورة إحداث مجموعة إبدالات وتغييرات معرفيّة لتجاوز الآليّات والوسائل القديمة التي تتم فيها معالجة النصوص الأدبيّة ودراستها دون أن تقود هذه الدراسات إلى نتائج حقيقيّة وملموسة في فهم الظاهرة الأدبيّة وتأويلها تأويلا ينسجم وقيمة هذه الظاهرة وأثرها في الحياة العامّة. وقد شكّل ذلك إعلاناً واضحاً عن التحوّل من النزعة الأكاديميّة بموضوعاتها وأساليبها البحثيّة التقليديّة إلى أفق معرفي أكثر انفتاحاً وحيويّةً، وهو أفق تتيحه المناهج النقدية الحديثة التي لا تمثل مناهج القراءة والتلقي واتجاهاتها المتنوعة إلا رافداً واحداً من روافدها الممكنة. وقد بدا لنا استنتاج ما، يمكن أن نخرج به من اقتفاء الصكر آثار الآخر وإنجازاته في حقل القراءة والتلقي. فهو اقتفاء وإن رجّح تحقيق تراكم معرفي مرتبط – غالبا- بالأطر الأكاديميّة في المدوّنة النقديّة العراقيّة، فهو يؤكّد أيضا تبعيّة هذا النقد أسوة بالمدوّنات النقديّة العربيّة للنقد الأوربي والغربي، ولكنها ليست تبعيّة سلبيّة تكرّس الخضوع لذلك الآخر، وإنّما يمكن تأويلها على أنّها تبعيّة حركيّة ترفض السكونيّة، وتنبذ الاستكانة النقديّة، رامية إلى حوار الثقافة الوافدة والسعي لتكييفها بما يخدم معرفتنا الأدبيّة والنقديّة. وهذا تكييف وتحوير تُجيزانهما قوانينُ تطوّر التراث المعرفي الإنساني القائمة على فتح أبواب هذه المعرفة على بعضها البعض وتوظيفها من أجل الارتقاء بالمعارف الإنسانيّة جمعاء في كلّ زمان ومكان.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ثالثا / المرجعيّة النصيّة
تجاوزت المناهج النقدية الحديثة الوقوف عند حدود دراسة النص الأدبي وتفسيره اعتمادا على علاقته بالتاريخ أو المجتمع أو على علاقته بالمؤثرات الخارجيّة الأخرى، منتقلةَ إلى العناية بالعالم الداخلي للنص الأدبي في بنياته اللغويّة والفنيّة والرمزيّة وإلى البحث عن العلاقات والقوانين الباطنيّة التي تحكمه وفقا لتلك البنيات.
ولمّا  كانت علاقة النقد الأدبي باللغة علاقة طبيعيّة وراسخة عند إنجاز الأدب وعند التفكير فيه، فإن التركيز على الزاوية اللغويّة في الأدب، بمستوياتها (الصوتيّة والتركيبيّة والدلاليّة )  يأتي نتيجة طبيعيّة وثمرة من ثمار الثورة التي أحدثها علم اللغة الحديث، بدءا بمنجزات اللغوي دي سوسير صعودا إلى إضافات الوعي اللغوي البنيوي وما تلاه.
وقد تجلّى ذلك فيما أكّدته التحليلات اللسانيّة من تداخل وترابط بين المستويات المذكورة، إذ سعت إلى الكشف عن وظيفة كل مستوى ودلالته منفردا ومجتمعا مع غيره من المستويات على صعيد النص الأدبي، رغم تجاوز تلك التحليلات لعتبات نصيّة كثيرة وإهمالها – على أهميّتها – عند التحليل، كالعنوانات وبنى الإهداء والهوامش وسواها([92]). لكن هــذا الخروج من البحث في المحيط والعوامل الخارجية إلى البحث في بنيات النص قد تمّ بفعل توظيف نتائج اللسانيّات في حقل النقد الأدبي. وقد كان ذلك الخروج ضروريا وحاسما في تبديل وظيفة النقد الأدبي ووظيفة الناقد معا، إذ أسهمت هذه النقلة النوعيّة الجديدة في التعامل مع الظاهرة الأدبيّة بإغناء العمل الأدبي عموما والتحليل النقدي بخاصة .
ولعلّ الناظر لمسار الدرس الأدبي الحديث يرى بجلاءٍ ما أفاده ذلك الدرس نتيجة التزاوج بين نظريّاته وما استجدَّ في علم اللُّغة، فلقد تطوَّرت العلاقة بين عُلوم اللُّغة، إلى درجةٍ أصبحت معها – لا سيما في التجلِّيات النقديّة للحداثة عند البنيويين والتفكيكيين – البوَّابة الرئيسة للمشاريع النقديّة الحديثة، يضاف إلى ذلك أنَّ الدراسات اللُّغويّة ( البنيويّة ) واللسانيّة كانت بمثابة الجسر الذي عَبَرَه الأدب إلى العلميّة والصرامة المنهجيّة مبتعدةً به عن التعليقات السطحيّة والمداخلات النقديّة الساذجة([93]).  ودون الخوض في الإرهاصات الأولى لنشأة البنيويّة ومرجعيّاتها الفلسفيّة والنظريّة، يمكن لنا القول: إنّ البنيويّة – بوصفها منهجا قادرا على تأسيس تصوّرات دقيقة عن كلّ الظواهر والقضايا – قد تخلّقت في أحضان الثورة اللسانيّة التي ترسّخت منذ بدايات القرن العشرين، وقد استطاعت هذه الثورة بجدارة ( أن تخترق مختلف الأنظمة الفكريّة والثقافيّة السائدة، وأن تُصبح مظلّة نظريّة ومنهجيّة – باختلاف قراءات الباحثين – تلجأ إليها تلك الأنظمة لاكتساب العلميّة وللدخول في النسق الفكري الذي تمخّض عن الفكر البنيوي )([94]).
وتكمن قيمة هذا الفكر ومنهجيّته واختلافه عن المناهج السابقة له في طريقة نظرته للأدب وتعامله معه عل أنّه تشكيلات لغوية خاصّة، و هي تشكيلات مستقلة كليّا أو جزئيّا عن الذات والمجتمع، مما يستدعي إنجازات علوم اللغة الحديثة وتحققاتها لاستكشاف مكوّنات الأدب أو خباياه خلل تجليّاته اللغوية.
والبنيويّة بذلك اقتربت من كونها منهجا وصفيّا مستندا إلى خطوتين أساسيتين هما: تحديد الهدف بالوصول للبنية، والنظر للنص الأدبي بوصفه بنية مستقلة، ومن ثمّ السعي لتحليل تلك البنية من خلال الكشف عن عناصرها وعلاقاتها وعن الأنساق الفكريّة التي انتظمتها([95]) .
كما أنّ التزامها المنهجي هذا بثوابت علميّة محدّدة سوف يجعلها لا تولي المضامين عناية مباشرة، بل تركّز على شَكل المضمون وعناصره وبناه التي تشكّل نسقيّة النص في اختلافاته وتآلفاته. ويعني هذا أن النص في أعرافها ما هو إلّا لعبة للاختلافات، ونسق من العناصر البنيويّة التي تتفاعل فيما بينها وظيفيّا داخل نظام ثابت من العلاقات والظواهر التي تتطلب الرصد المحايث والتحليل السكوني (السانكروني) الواصف من خلال الاقتطاع والتركيب([96]) ، أي عن طريق تفكيك النص الأدبي إلى تمفصلاته الشكليّة وإعادة تركيبها من أجل معرفة آليّات اشتغاله ومولّداته اللغويّة العميقة بقصد فهم الطريقة التي يبني بها نفسه. ولذا، فالبنيويّة منهج ونشاط وقراءة وتصوّر فلسفي يُقصي الخارج ولا يحفل بكلِّ ما هو مرجعي وواقعي، ويركّز على اللغوي معتمدا على استقراء الدوال الداخليّة للنص دون الانفتاح على الظروف السياقيّة الخارجيّة التي أبدعت النص من قريب أو من بعيد. ويعني هذا أن المنهجيّة البنيويّة متعارضة مع المناهج السياقيّة كالمنهج النفسي والمنهج الاجتماعي والمنهج التاريخي والمناهج الأخرى المنفتحة على المرجع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وقد اختلفت درجة تمّثل النقَّاد العرب والعراقيين للبنيويّة بوصفها منهجا، بين متحمّس لها أوشاكٍّ بجداوها رافض لها أو ناقد ذي موقف حيادي منها، وإن افتتن ببعض إجراءاتها.
غير ان الملاحظ على حضور البنيويّة منهجا في نقد الشعر العربي، هو حضور يتباين ما بين المباشرة في تبنّيها أو في تبنّي اتجاه ما من اتجاهاتها أو من خلال ظهور أثرها في بعض الدراسات التي لم يُلزم أصحابُها أنفسَهم بالتقيّد في تصوّراتها الدقيقة([97]).
وبما أن الصكر كان من النقّاد المفتونين – شأنه شأن بعض زملائه من  النقاد العراقيين المعاصرين – بالفكر البنيوي، وبنتائجه وأفكار منظّريه ونقّاده بخصوص إمكانيّة قيام علم لمادة الأدب قوامه: مكوّنات النص اللغويّة، وما يتوصّل بينها من علاقات، وهو ما سيؤول – نتيجةً لذلك – إلى انتظام الخطاب النقدي عند هؤلاء النقّاد، ورفضٍ للإنشاء والانطباعات والأحاديث الفارغة حول النصوص([98]).
وبدافع هذا الافتتان، وبسبب ترجيعات أصداء إعجابه القديم الذي كان يشدّه إلى ما في فكر اليسار من التزام وتيقّن بضرورة الترابط بين بِنى التصوّر والاعتقاد وبين أنماط علاقات الانتاج السائدة في المجتمع وجد الصكر نفسه مدفوعا للانخراط ضمن قائمة النقّاد العراقيين في التحوّل إلى مناهج وإجراءات تدرّس الأدب وتحلّله من داخل بنياته ومكوّناته الصوتيّة والمعجميّة والتركيبيّة والدلاليّة، وهي مناهج وإجراءات انبنت – كما هو معروف – على ركائز لسانيّة وبنيويّة في الأساس.
إنّ حاتم الصكر – كما يراه د. شجاع العاني – كان أحد النقّاد النصّيين الذين تبنّوا في العراق منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي موقفا وسطا بين اتجاهي الرفض والقبول للبنيويّة بوصفها مظهرا من مظاهر تجديد الفكر النقدي عند أولئك النقّاد، وهو أي – الصكر – وإن تنكّر لأيديولوجيّة البنيويّة، لكنه أفاد منها ومن بعض مفاهيمها الإجرائية منهجا علميّا([99]).
يرسّخ الصكر – نتيجة تعويله على المعطيات اللسانيّة – في أحد كتبه المتقدّمة نسبيّا (الشعر والتوصيل 1988م) قناعاته الفنية والأدبيّة مبكرا، مذكّرا بالطابع الفكري والاجتماعي والسياسي لمسألة توصيل الفن أو الأدب اللذين بدوا منساقين  من خلال كتابه هذا في ما يشبه الصراع حول امتلاك السلطة في مجال التواصل والتوصيل.
إذ يستثمر الصكر- على سبيل المثال – معطيات  الخطاطة (الجاكوبسونيّة)([100]) في تحليل عملية التوصيل الشعري على اعتبار أنّ (الإبلاغ أو توصيل الرسالة حاضران في افتراض وجود متّصل ومتّصل به ووسيلة اتصال)([101])، وإنّ أي تغيّر في وسيلة الاتصال التي يصبّ الصكر تركيزه عليها دون غيرها من بنود الخطاطة في كتيّبه المذكور ، لا بدّ أن يترتب عليه تغيّر في كيفيّة التوصيل([102]).
ويفترض الناقد أنّ مشكلة التوصيل لا تتعلق بالخطاب الشعري بوصفه بنية متحقّقة في رسالة فقط، وإنّما من خلال كونه استجابة معمّقة لسبل الاتصال التي أصبحت من أهم موجّهات القراءة ومكوّنات القارئ الحديث.
ولعلّ ما يرمي إليه الناقد من وراء ذلك هو: إنّ وسائل الاتصال الحديثة التي عرفها العصر قد أثّرت بشكل أو بآخر على بنية القصيدة، فالمخترعات الاتصالية السمعيّة والبصريّة (هاتف أو برق أو تلفزيون ، أو سينما، إلخ) كانت ذات أثر مباشر انعكس لا في التعامل مع هذه المخترعات كآلات توصيل فحسب، بل في مزاياها التوصيليّة التي تركت أثراً في القصيدة الشعريّة من ناحية بنائها الفني([103]).
إذ إنّ انتقال القصيدة – بتأثير تلك المخترعات – من وسيط شفوي إلى وسيط يدوي واتجاهها إلى العين، لا الأُذن (لم يكن يعني تغيُّر الأداة وظيفيّاً، بل يشمل كذلك ميزة التخييل التي يقوم عليها الشعر)([104]).
ومعنى ذلك إن إخضاع الشعر لاشتراطات الاتصال السمعي أو المنظور (إذاعة وتليفزيون وقنوات بصريّة أخرى مشابهة ) فيه إرغام للشعر على أن يتكيّف وفق هذه القنوات التي تتمحور أساسيات عملها (آليّاتها) على المباشرة من جهة، والاستعانة بوسائل غير شعريّة تحمل معها اشتراطات خطيرة، بعضها يعمل علي تسطيح الشعر وإفقاده هُويّته اللغوية الخاصّة، من جهة أخرى .
ولا يمكن – عند الحديث عن مرجعيّة الصكر النصيّة – إغفال حماسته وانحيازاته النصيّة المبكّرة في النقد العراقي الحديث، ولا سيّما أنّه  كان واحدا من تلاميذ الرعيل الأول من النقّاد العراقيين، كجبرا ولؤلؤة وعلي جواد الطاهر وعناد غزوان وجلال الخيّاط، وسواهم، ممّن تأثّروا بالثقافة الأنجلوساكسونيّة ونقدها الجديد ذي النزعة المؤكّدة لـ( أهميّة التنظيم الداخلي في الأعمال، أكثر من تأكيد الأبعاد التاريخيّة لها )([105])، ويمكن وصف حماسة الصكر وموقفه هذا بأنّه: جزء من الاصطفاف النصّي الذي وجد فيه الناقد وبعضُ زملائه من مجايليه إنقاذا للنقد العراقي من ( الدردشة ) والتعليق السياسي المضموني أو الحديث العاطفي الفجّ.
لكن الصكر الناقد – وهو يفيد من معطيات المنهج البنيوي المتشبّثة بالبعد النصي-  لم يتصرّف على أساس أن الخطاب الأدبي مجرّد بنية شكليّة لا روح فيها، ولعلّ هذا الأمر ذو صلة بما تمليه عليه طبيعةُ النص الأدبي العربي ذاته، وخصوصيةُ التجربة والواقع الاجتماعي، وهو ما جعله – مع إفادته تلك – يتعامل مع البنيويّة بوصفها إجراءً نقديّا ينطلق من منطلق قابليّة البنية اللغويّة وقدرتها الدائمة على الإحالة إلى بنية أوسع منها، تتمثّل بالبنيتين الاجتماعيّة والثقافيّة.
يتناول الصكر – مثلا – قصيدة ( مأساة النرجس وملهاة الفضة ) لمحمود درويش في محاولة منه لإضاءة بنائها الداخلي وتحديد عناصرها التركيبيّة والعلاقات فيما بين هذه العناصر، وينوّه منذ البداية بالإجراء النقدي الذي سيتّخذه أداة للوصول إلى هدفه، فيضع عنوانا جانبيا لدراسته، هو: ( دراسة في بنية قصيدة مقاومة )([106])، ثمّ يشتغل على وفق هذا الاختيار المنهجي، فلا يتردد – بعد ذلك – في أن يقول: ( لن تحفل هذه الدراسة بالخارج إلّا بمقدار تبنينِه أو اتّخاذه هيأة شعريّة بتحويله إلى واقعات نصيّة يُستدلّ عليها باللغة أولا وليس بالمرجع، من هنا ستأخذ هذه الدراسة مسارا خاصا يفحص بنية هذه القصيدة المقاومة ضمن إطار قراءة خاصّة وإجراءات منهجيّة تشكّل الدلالة عمودها الفقري، كما تفحص المستويات الإيقاعيّة للقصيدة وصولا للخطاب الشعري فيها، وهو عندنا مجموع الأنساق التي كوّنتها كيفيّات التعالق الدلالي جرّاء النَظم المخصوص )([107]) .
لكن الصرامة المنهجيّة التي تؤطّر القراءات البنيويّة، كما فعل الصكر في هذه الدراسة دون لجوء إلى حشد الجداول والأسهم والرسوم البيانية والإحصاءات المجرّدة التي كثيرا ما يلجأ إليها النقاد البنيويون([108])، لم تمنع الناقد من كسر الطوق الذي يضربه المنهج البنيوي من خلال غلق لغة النص على نفسها عند المعالجة النقديّة أو التحليل.
إذ إنّ الصكر على الرغم من زعمه الاحتفال بلغة النص دون سواها، فقد كان مستشفعا بالأساطير القديمة التي تشكّلت بعيدا عن جوّ النص، كإحالته إلى أسطورة نرسيس المحترق بنار حبّه نفسَه في الميثولوجيا اليونانيّة، وإشارته إلى الزهرة التي تحولت إليها جثّته([109]).
وكذلك كان الصكر مستعينا ببعض الإحالات الأخرى الخاطفة إلى مرجعيّات تقع خارج النص اللغوي الشعري([110])، ولعلّه في هذا الخروج الخاطف كان يعطي القراءة بعدا جماليّا وذوقيّا. ولعل هذا، يؤكّد أيضا أنّ رؤية الصكر النقديّة كانت رؤيّة قادرة على تجاوز مواضعات المنهج المعمول به بما تمتلكه هذه الرؤية من مرونة ومطاطيّة مؤدّاها: أنّ حاتم الصكر ناقد لا يرفض المعطيات الخارجيّة (كالسيرة والتاريخ والأثر النفسي والاجتماعي ) إذا ما فاض بها وعاء النص أو انعكست منه، كما أقرّ – هو نفسه – بذلك في إحدى المناسبات([111]).
وهذا ما سيجعل تحليله لهذا النص الشعري وغالب النصوص التي توجّه إليها متّكئا على المقتربات البنيويّة، تحليلا معتمدا على التأويل الذي يتأسّس على التركيب المستند إلى مداخل ومقاربات أخرى تعينه فيما يريد الوصول إليه كالمداخل والمقاربات النفسيّة والاجتماعيّة والسياقات التاريخيّة والشخصيّة والثقافيّة الأخرى.
وربّما لا يعدّ من المعيب أن يخرج الناقد عن جزئيّات منهج من المناهج أو حين يتجاوز إطار المنهج الذي يشتغل تبعا لآليّاته وخطواته إذا ما حقق له ذلك غاية مرجوّة، فما الفن إلّا ( شيء موضوع للتجربة، ومهمَّة النقد – على الجملة – أن يُسعف على بلوغ تلك التجربة )([112]).
وقد اهتم الصكر الناقد بالمعالجة البنيويّة للنصوص الأدبيّة في خطابه النقدي على المستوى التطبيقي- الإجرائي، مع ملاحظة عزوفه عن الحديث عمّا يتعلّق بالأسس النظريّة للبنيويّة بوصفها منهجا أو فلسفة خاصة.
لكننا نجد الصكر مع ذلك العزوف يستثمر كثيرا من معطيات المنهج البنيوي ومبادئه العامة وأدواته في مجموعة من دراساته وقراءاته المنشورة، كتوظيفه لمبدأ العلاقات ومبدأ الثنائيّات([113])، ومبدأي التضاد والتقابل([114]).
في حين أفاد الصكر الناقد من آراء الشكلانيين الروس و تصوّراتهم للخطاب السردي القائمة على ضرورة التمييز بين المبنى الحكائي والمتن الحكائي، مستثمرا بذلك آراء البنيويين الفرنسيين الذين امتصّوا هذه التصوّرات فيما بعد، ولا سيّما آراء الناقد الفرنسي ( رولان بارت ) في مسألة التفريق بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي، إذ ثمة نسخة واقعيّة خارجيّة – كما يذهب رولان بارت – في كلّ سرد قصصي وثمة نسخة أخرى ورقية فنيّة، وهو ما يعني أنّ الواقع سيُصبح في الفن أو الأدب شيئا آخر، وعليه فإنّ الشخصيّة في عمل فنّي ما ستختلف – كليّا – عن الشخصيّة الموجودة في الحياة الواقعيّة([115]).
كما حاول الصكر الناقد في أطروحته للدكتوراه المنشورة بالعنوان ( مرايا نرسيس، الأنماط النوعيّة والتشكيلات البنائيّة لقصيدة السرد الحديثة ) أن يستخلص بعض القوانين البنيويّة التي تنتظم القصيدة العربيّة الحديثة على وفقها، ولا سيما فيما يمكن أن يهبه السرد لهذه القصيدة بوصفه نزوعا وموقفا ورؤية خاصّة للنص الشعري الحديث من الممكن أن تغنيه وتقوّي خطابه ([116]).
وقد ظلّت معطيات الدرس البنيوي خلفيّة أو إطارا تتحرك فيه جهود حاتم الصكر النقديّة في المستوى المذكور، لكن دون أن تتبنى معطياته تلك أو تتقيَّد بحذافيره كما وردت بنسخته الغربيّة التي مالت إلى غلق اللغة على كينونتها الذاتيّة وهي تعالج العمل الأدبي([117]).
ولا غرابة أن نجد الصكر بسبب من ذلك الموقف مسجّلا مآخذه على الألسنيّة في زمن افتتان النقّاد العراقيين والعرب بها بعدّها ( تقصّر عن استيعاب النص بكونه وحدة تحليل متكاملة، أي أنّها تهمل كليّته ومزاياه الدلاليّة ومقامات تقبّله وتوصيله)([118]) وذلك لكون اللسانيين يعالجون الكلام العادي والخطاب اليومي لا النصوص الأدبيّة([119]).
لكننا مع هذا، لا نعدم التفاته إلى ضرورة الإفادة من منجزات الدرس اللساني ودعوته إلى ضرورة التخلّي عن الأساليب ( القديمة ) في تحليل الأثر الأدبي استنادا إلى السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أو مفاهيم الابتكار أو السحر أو الخوارق التي يصعب تحديد بنياتها وأسرارها.
إذ نجد الصكر الناقد – كثيرا – ما يعوّل على الدليل اللساني لاستنباط المعنى الكلّي للنص الأدبي، وهو يتأرجح بين أقطاب متعدّدة يستنفرها الاتساع الدلالي الذي يوحي به تركيب النص، ملمّحا إلى الفائدة المجتناة من اعتماد ذلك الدليل لإنتاج دلالة تراعي كليّة النص وما يحيط به من عتبات وخصوصيّة أدائيّة ومزايا داخليّة لا حصر لها([120]).
أمّا في المجال الأسلوبي، فالصكر لا يختلف عن كثير من النقّاد العرب في ذهابهم إلى أن موضوع الأسلوبيّة هو النظر في الإنتاج الأدبي، بما هو حدث لغوي لساني، أمّا منهج الأسلوبيّة في النفاذ إلى أسلوب النص، فهو منهج لغوي يروم الوقوف على الخصائص اللغويّة فيه، وعلى العلاقة الرابطة بين هيكله اللغوي ووظيفته الأدبيّة([121]).
غير أنّ حاتم الصكر الناقد ظلّ متشكّكا بقدرة الأسلوبيّة – بوصفها منهجا – على تقديم إجابات عن الأسئلة الكثيرة الخاصة بطبيعة التعامل مع النص الأدبي ليس على مستوى مؤلّفه فحسب، وإنّما على مستوى متلقّيه أيضا.
وقد قدّم الصكر مجموعة قليلة من الدراسات التطبيقيّة التي التفتَ من خلالها إلى لغة الشعر العربي الحديث خصوصا، وكما وظّفها بعض شعراء الحداثة مثل محمود درويش([122])، ومحمد الماغوط([123])، ونازك الملائكة([124])، وغيرهم.
لكن الصكر ظلّ يسند للأسلوبيّة باعتبارها منهجا لقراءة النص مخاطر عدة تمثّلت بفقدانها لاستقلاليّتها([125])، وانغلاقها في عملية تحويل النصوص إلى خامات لغويّة قابلة للتصنيف وفق محاور متعددة متّخذة من الإحصاء ما يسبغ عليها علميّتها، غير أنّ استراتيجيّتها العامة تتمحور تمحورا ثابتا حول الشكل في أضيق معطياته المتاحة([126])، كما لم يغفل الصكر – وهو يتفحّص الأسلوبية بوصفها منهجا-  ما عوّل عليه كثيرا في إمكانيّة إغناء أهداف الدراسة الأدبيّة ومناهجها من خلال إحياء دور المتلقي ومن خلال السعي لتنشيط آليّات تلقّيه وتطويرها.
باستثناء أسلوبيّة السياق لا يجد الصكر في المناهج الأسلوبيّة الأخرى أيّة إشارة إلى المتلقّي، وكأنّ النص على وفق ذلك ( مغلق أو مقفل من جهة استلامه. وما المزايا الفنيّة إلّا موجودات مستقرّة في مكانها الذي قصده الشاعر أو الأديب)([127]) وينتهي الصكر إلى ضرورة أن تمنح الأسلوبيّة اعتبارا لدور القارئ ومكانته.
إذ إنّ خبرات القارئ وتوقّعاته ومعرفته بكوامن الإبداع تؤهلُه لإعادة بناء النصوص الأدبيّة دون تعسّف أو إرغام، لأنّ القارئ يظلّ دوما منطلقا من ( بواعث ومن مثيرات نصيّة، وسيقوم في مرحلة من مراحل التلقّي بتحديد الوقائع النصيّة وفق متوالية جديدة يشكّلها من متن النصّ ومبناه، أي ممّا يظهر منه شكلا وممّا لا يظهر، ممّا يوجد داخله، وممّا يُنتظر خارجه)([128]). ومن الواضح أنّ الصكر يهدف في هذا المجال إلى الحثّ على نوع من القراءة تنتفع من البعد الأسلوبي في تحليل النصّ، وإن كانت مرتكزة بالأساس على الانطباع الذي يريد المبدع أن يُحدثه بالقارئ مستفيدا بذلك من اتكائه وتعويله على نظرية التلقّي والقراءة، وكما مرّ بنا. وهذا الموقف الذي يسجّله حاتم الصكر على الأسلوبيّة التي أنكر قدرتها على إدخال الناقد لأجواء النص عبر بناها الجامدة، والنص – قياسا بها – فضاء مفتوح وحياة كاملة!([129]) لعلّه هو ما يفسّر لنا ندرة المعالجة الأسلوبيّة وتشتتها في صفحات متنه النقدي من خلال جهده الإجرائي، وهو يقرأ النصوص الشعريّة المختلفة. وتأسيسا على كلّ ذلك يمكن لنا أن نقول: إنّ إفادة الناقد من الفكر الألسني ومرجعيّاته اللغويّة العامة في تحليل النص الأدبي وقراءته، و تسخير نتائج ذلك في تحديث النصّ العراقي النقدي، يعدّ جهدا تأسيسا جديدا غير مسبوق في نقديّتنا العراقيّة سعى إليه الناقد حاتم الصكر بمشاركة بعض زملائه من النقاد العراقيين، وهو تأسيس لم يكن له حضور يُذكر قبل منتصف ثمانينيّات القرن الماضي وكما يشير إلى ذلك أحد الدارسين([130]) .
كما هو مجهود يشي بارتباط النقد العراقي الحديث عند بعض أفراده من النقّاد بلحظته التاريخيّة الراهنة، وبما تفرزه هذه اللحظة من قضايا فكريّة وثقافيّة ومعرفيّة مختلفة تؤكّد نفي التقوقع على الذات، مثلما تنفي الانفتاح غير المشروط وغير المنضبط على الآخر، ومنجزاته المعرفيّة، فالناقد العربي وبضمنه الناقد العراقي لم يكن إزاء تغيّرات المشهد الكوني سلبيّا أو امتثاليّا، بل كان واعيا وفاعلا، وبشكل خاص، في تمثّله لتضاريس هذا المشهد المنهجيّة والإجرائيّة([131]).
وما نُحبّ الانتهاء إليه هو: إنّ ما يَفِدُ للنقد الأدبي العربي من معارف وعلوم فيه خيرٌ ونفعٌ كبير لو أحسن ذوو الشأن تدبّره والتعامل معه، وإنّ هذا النقد قادر على امتصاص تلك المعارف وتطويرها مع الاحتفاظ بتقاليده الخاصّة وبطوابعه القوميّة المعروفة. ومن هنا تنبثق قيمة الموقف الحضاري الصائب الذي يجب أن يقفه الناقد الأدبي، وتتأكّد ضرورة البحث عن منهجيّة علميّة مستندة إلى رؤية شاملة في طريقة التعامل مع الآخر واجتهاداته وعلومه الحديثة من أجل إخصاب الدرس النقدي العربي والارتقاء به.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
رابعا – المرجعيّة السياقيّة
أ / المرجع السوسيولوجي
ينتمي حاتم الصكر ثقافيا – كما يصرّح في أكثر من مناسبة – إلى جيل الستينيّات في العراق([132])، ويؤكّد سامي مهدي في ( موجته الصاخبة ) حضور الصكر في ظهوره التاريخي الأول أواخر ذلك العَقد مع نقّاد ذلك الجيل، فيضعه من حيث المشاركة الفعليّة إلى جانب طرّاد الكبيسي وفاضل ثامر وعبد الجبار عبّاس ومحمد الجزائري وآخرين في ذيل قائمة نقّاد ذلك الجيل([133] )الخارج من معطف الهزيمة ( نكسة حزيران ) والمعروف بأحلامه الثوريّة وبدعواته إلى الالتزام، وبشغفه بالمبادئ الاشتراكية وروافدها الكثيرة المتأثّرة إلى حدّ بعيد بموجة المدّ الشيوعي التي عمّت أغلب بلدان العالم العربي آنذاك، وقد ظلّت الرؤية الماركسيّة – يومها – بمثابة البوصلة التي توجّهُ معظم الأدباء والمثقفين والنقاد لفترة طويلة، وبضمنهم حاتم الصكر الذي لم يستطع أن يُخفي إعجابَه بالرؤية الماركسيّة وتحمّسَه لها في أيام شبابه الأولى([134] ).
ولعلّ تشرُّبَه لأبعاد هذه الرؤية ذات التوجّه الاشتراكي جليٌّ واضحٌ لمن يقرأ كتاباته النقديّة الأولى، ولا سيّما كتابيه: (مواجهات الصوت القادم 1986 ) و(الأصابع في موقد الشعر 1986)، إذ نجد في الأول منهما أصداء الستينيات والسبعينيات وأجواءهما التي تشدّ مجموعة مقالاته إلى ظرفها التاريخي وإشكالاتها المعرفيّة، كمسائل الالتزام والتعبير عن واقع المجتمع, والبحث عن تشكّلات الحياة والواقع والفكر في النص، بما يناسب تواضع أدوات الصكر النقديّة ومحدوديّتها آنذاك، وهو الأمر الذي دعا ناقدا كسعيد الغانمي أن ينعت هذه الكتابات بالانطباعيّة المُمنْهجة متناسيّا بعدها الواقعي المستجيب لمتطلّبات المرحلة، ولأثر الفكر اليساري المعتدل الذي كان يكتنفها([135]).
ولا غرابة أن  تتردد في الكتابين – مارّي الذكر – أصداء أعلام مثل بيلنسكي وأرشيبالد ماكلش، وكولن ولسن، ومايكوفسكي وغيرهم، فضلا عن المفاهيم والمصطلحات ذات الأرضيّة الماركسيّة كمفهوم الأداة ومفهوم المضمون الاجتماعي والانعكاس والبطل الجماعي والمرآة وتحوّلات الواقع والأجيال الشعريّة والأدبيّة، وغيرها.
وبما أنّ خطاب علم الاجتماع الذي هو عدّة السوسيولوجيين في تفسير الظاهرة الإبداعيّة ينطلق من عدّ الأدب ظاهرة اجتماعية، أو انعكاسا بصيغة ما لوضع اجتماعي، أو لواقع اجتماعي في لحظة تاريخيّة خاصة أو عامة، ولذا فلن تتأتى دراسته بتلك الكيفيّة إلا بالاتّكاء على علوم الاجتماع بصيَغِها المختلفة لكونها المؤهّلة لدراسة الظواهر الاجتماعيّة وإفرازاتها الماديّة والمعنويّة المختلفة([136] ).
ولمّا كان الأدب في عرف النقاد السوسيولوجيين تعبيرا عن المجتمع، وإن المجتمع هو الذي يشكّل العمل الفني في الكتابة الأدبيّة ويحدد قيمتها الجماليّة  فالمنهج ذو الرؤية الاجتماعيّة سيكون المنهج الأمثل لتناول النصوص الأدبيّة على أساس أن الممارسة الإبداعيّة والأدبيّة ليست في حقيقتها إلا امتدادا للمجتمع الذي تُكتب عنه, وتُكتب فيه معا، أو يكتبها، لأنّ من العسير – في ضوء هذه الرؤية – فصل الظاهرة الأدبيّة عن الظاهرة الاجتماعيّة، وهذا يعني أن على الناقد الأدبي تتبع المضامين الاجتماعيّة في الكتابة الأدبيّة لإصدار أحكامه, ومن ثمّ فإن الأحكام التي يصدرها لا تعدو أن تكون أحكاما معياريّة, وقيميّة, قد لا تفيد الكتابة الأدبيّة في شيء, وفي أحسن الأحوال تقوم بنزع جماليّاتها التي هي أوكد ميزاتها وأخصّها, وستحشرها في عالم الأفكار جانحة بها نحو تخوم المضمون، لأن رسالة النقد – على وفق الرؤية الاجتماعيّة، ولا سيّما الماركسيّة منها – تقضي بحصر العمل الفنّي في مدى اتفاقه أو اختلافه مع الأهداف المباشرة لصراع الطبقة العاملة أو القوى التقدميّة ليس إلاّ([137] ) .
وهو ما سيجعل من الأدب – تبعا لذلك – رسالة للنهوض بالمجتمع – كما بدا للصكر –  في كتاباته الأولى التي وقع فيها تحت ضغط رؤية منبثقة من خلفيّة ذات بعد اجتماعي، وستكمن وظيفة الناقد عبر مساهمته الفاعلة في إيصال هذه الرسالة إلى المجتمع بأيسر الطرق وأسهلها عن طريق هداية الأدباء والشعراء وإرشادهم إلى ما يجب أن يعملوا به([138]).
وبذلك يريد الصكر من الأدب أن يؤدّي هذه الرسالة الاجتماعيّة المنطوية على أبعاد سياسيّة جمّة، كي يستجيب من خلالها لمقتضيات الواقع الجديد الذي أصبح ينظر للأديب أو الشاعر على أنّه طليعة المجتمع، ويطوّقَه بعد ذلك بمسؤولية إيقاظ الوعي الجماعي واستنهاض الهمم من أجل الثورة على القيم الفاسدة والرواسب المتخلّفة، وإقامة بديل لها يتلاءم وتطلّعات ذلك المجتمع وتحوّلات بنيته الجديدة في سبعينيّات القرن الماضي، وهي تحوّلات (ستهيء يوما بعد آخر قاعدة ماديّة جيدة تفرز معطيات فكرية جديدة تشكّل الفكر الأدبي لفترة ما بعد الستينيّات وأبرزها دون شكّ سقوط صورة البطل الفردي الذي سيطر على الشعر والقصة في الستينيّات وحلول البديل الممكن الوحيد الذي بدأنا نتلّمسه في الفترة الراهنة وهو البطل ضمن الجماعة التي تعيش اندفاع عجلة الحياة مما لن يترك مبررا لزوايا النظر الفرديّة المذعورة التي شكلت أبعاد البطل السابق )([139]).
وعلى النحو الذي دأب عليه الصكر في مجمل نقده ذي التوجّه السيسيولوجي، ينبري – وعلى نحو دالّ أيضاً –  لمواجهة الأيديولوجيا التي يصدر عنها بعض شعراء السبعينيات في العراق بأيديولوجيا مضادة، تكتفي بمعارضة بعض الشعراء الشباب، مع محاولة مبادلتهم الأسئلة والقناعات، وبسبب من ذلك سنجد في مواضع كثيرة من كتابيه المذكورين تمجيدا ومدحا لبعض تجارب الشعراء الشباب آنذاك، وثمّة تبخيسا وقدحا ببعضها الآخر، إذ يحاول الناقد حين يتناول بعض التجارب الشعريّة أن يغدق عليها بعض الصفات الحسنة انطلاقا من قناعته الفكريّة السابقة، ومن القناعة ذاتها نجده يسلب بعض التجارب الأخرى مثل تلك الصفات ([140]).
ومن الإشارات الدالة على توظيفه للرؤية السوسيولوجيّة احتكام الناقد إلى مقياس الحرية والالتزام في التعبير عن قضايا المجتمع؛ مما جعله يفضّل الشعر العربي الحديث والمعاصر على غيره، حيث سيجد الصكر في هذا الشعر ضالته، ولذا شغل الاهتمام بالشعر الحديث – تنطيرا وتحليلا – حيّزا واسعا في منجزِه النقدي والفكري قياسا بشعر العصور الأخرى المختلفة.
ونرى أنّ هذا الموقف النقدي ينمّ عن حسّ نقدي تفاضلي لدى حاتم الصكر الناقد، ولعلّ ما شجّعه على هذا الموقف هو كون حركيّة النقد الدائرة حول الشعر الجديد عند أغلب نقاد الحداثة العرب – بمن فيهم الصكر-  تابعة لديناميّة الشعر العربي الحديث ذاته، من حيث كونها ديناميّة ناتجة عن تفاعل الشاعر العربي المعاصر مع واقع الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة خلال العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين. ولذلك رجّح الصكر هذا الشعر على غيره من الأشعار المنجزة في عصور أخرى سابقة؛ إذ يتناول في أحد كتبه المتأخّرة لحظات تحديث القصيدة العربيّة رابطا هذه اللحظات بطبيعة العوامل الاجتماعيّة والثقافيّة التي أفرزتها، وقد رآها متمثّلة في ثلاث مراحل: هي مرحلة الروّاد، ومرحلة قصيدة النثر، وصولا إلى المرحلة القائمة التي اصطلح عليها (الكتابة الجديدة المحتكمة إلى النص)، إذ يقول مقدّما لكتابه ( في غيبوبة الذكرى ): ( لن نُسائِل النصوص المنجزة كتجلّيات لنيّاتهم[أي الشعراء] التجديديّة، بل نراجع الخطاب الذي صدرت عنه تلك النصوص  والمنطلقات النظريّة، والمبررات التي صاحبت الوعي بضرورة التحديث في تلك اللحظة من مسيرة القصيدة العربية، وعلى خطّها المتميّز بالتحوّل والحنين إلى التجديد، امتثالاً لظروف داخلية (فنيّة) وأخرى تتعلق بتغيّر أفق التلقي ومكوّنات الشاعر وبعناصر أخرى في الخطاب التجديدي، تحفّ به وتضغط على وعي صانعيه من الشعراء والمتلقّين – نقاداً وقرّاءً- )([141]).
ولقد كان المنظور النقدي المستمد من الرؤية السوسيولوجيّة التي ثقفها حاتم الصكر، ومن وعيه لدوره كمثقف دافعا له في بداية مساره النقدي لرصد كثير من التصوّرات الأدبيّة ومتابعة مواقف أصحابها والبحث عن مستويات التزامهم في ما يكتبون منتهيا بعد تحليل أعمال هؤلاء الأدباء إلى مرحلة نهائيّة تتعلق بتقييم تلك الأعمال رافضا الاكتفاء عند مستوى وصف العمل الأدبي الذي لا يتجاوز الجوانب الشكليّة الخارجيّة إلى مقوّمات العمل الأدبي ذات الدلالة التي تحيل على معادل موضوعي في الواقع انطلاقا من كون موضوعيّة الدارس المشروطة تلزمه بأن يكون واقعيّا في تحليله ورؤيته([142])، لأنّ مَهمّته الحقيقيّة تكمن في استلهام الأساليب الفنيّة والتمظهرات الأدبيّة من أجل الوصول إلى حقيقة البعد الإيديولوجي الذي يتضمّنه النص الأدبي.
فما النقد – على وفق  الرؤية الاجتماعيّة – إلّا ممارسة معرفيّة لا يمكن أن تُبَرَّأَ من التفسيرات والتأويلات التي يتدخّل فيها وعي الناقد وأيديولوجيّته ، مثلما لا يمكن الفصل بين جماليّات النص الأدبي وما ينطوي عليه من معانٍ وأفكار ومواقف؛  لأن هذا النص يعكس الواقع من زوايا معيّنة ويفترض أن يؤثر فيه سلبًا أو إيجابًا.
إن رؤية حاتم الصكر النقديّة وإن كانت مُنْصبَّة في كتابيه ( الأصابع في موقد الشعر، ومواجهات الصوت القادم ) اللذين يمثلان بداية المسار النقدي في رحلته الطويلة على كون الأدب تعبيرا عن جوهر الواقع والوعي بحركته وبقوانين هذه الحركة؛ فهو في الحقيقة لم يتبنّ موقفا جماليّا أيديولوجيّا يَعبُرُ من خلاله إلى مقاربة النص، تلك المقاربة التي كانت في مجمل تجربته النقديّة ذات طبيعة تحليليّة جماليّة توظّف ما تستطيعه من مرجعيّات معرفيّة متنوّعة، سياقيّة ونصيّة، للتحليل الفنّي والقراءة الواعية.
وقد كانت الرؤية ذات البعد السوسيولوجي هي إحدى وسائل الناقد في مقارباته التي حاول أن يتخلّص فيها من النزعة (الحرفيّة) المتشددة التي سعى لترويجها بعض النقاد العرب الماركسيين، مثل حسين مروة ولويس عوض وعبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم وآخرين([143])، في صور مختلفة تُنقص من قيمة الأشكال الفنيّة لحساب المضامين وإن كانت مضامين فجّة وساذجة!
وهذا ما سنجده واضحا في كتبه اللاحقة التي وإن استثمر فيها إنجازات الدرس البنيوي، لكنه في الوقت ذاته سعى من خلالها لتفادي المخاطر والمزالق والآفات التي قد تنشأ بسبب المواقف النقديّة التي ترى الظاهرة الأدبيّة ظاهرة لغويّة صرفة، إذ ظلّ الصكر على مستوى تجربته النقديّة الطويلة يتعامل مع النص الأدبي من منطلق إمكانيّة اشتماله على التعدديّة واتّصافه بالغنى والوحدة معا، وهذه الأمور لا يمكن أن تتحكم بها قوانين لغويّةٌ فقط، بل هي قوانين لغوية وأدبيّة واجتماعيّة ثقافيّة.
وهذا التعامل يندرج ضمن تصوّر سوسيولوجي للأدب لا يعدّ النص مجرد تشييد لغوي وبنية منفصلة عن الخارج الذي يحيطها، بل يقرّ بوجود حيّز أو فضاء مفتوح بين الواقع والنص يسمح بتحوير الأول، وبإعادة تشكيله مرمّزا من جديد، مما يجعلنا نشعر بعبث التدقيق في مصداقية تلك الوقائع التي تشكّل منها النص الأدبي حتى وإن حدثت بالفعل([144])، لسبب بسيط جدّا، هو أنّ وجودها داخل النص، هو وجود مغاير تماما لوجودها في الواقع، وعلى هذا الأساس أخذ الصكر يطوّر تصوّراته السوسيولوجيّة كما بدا في مؤلّفه السادس (كتابة الذات، دراسات في وقائعيّة الشعر 1994)
إذ بدأ يتعامل مع النص الإبداعي ليس بوصفه انعكاسا للواقع أو ترجمة أمينة لمنشئه، أو لحياة الجماعة التي يشاطرها الوجود، وإنما بكونه تشخيصا مغايرا لعناصر الكون، وتعبيرا عما تَستضمرُه ذات المبدع من أحلام أو تطلّعات محبطة، وحقائق ملتبسة وغامضة([145]).
أي أنّ هناك تحوّلا على مستوى الرؤية الاجتماعيّة عند الصكر، يبدو في تجاوزه لهاجس التحليل المضموني الواضح في كتاباته النقديّة الأولى التي غذّتها الميول اليساريّة، ويتجلّى ذلك التحوّل من خلال احتفائه في دراساته المتأخّرة بإشكالات حضور الواقع في النص على مستوى البناء اللغوي، وعلى مستوى طرق الصياغة، ومحاولة بلورة موقف نقدي من التشكيل الجمالي للنصوص ([146]).
ويدخل ذلك – كما نظنّ – ضمن محاولة الصكر وزملائه من نقّاد الحداثة في العراق للبحث عن مخرج نقدي يعيد بناء النقد العراقي وفق رؤية ترتكز على أدبيّة النص وليس على وظيفته الإيديولوجيّة.
ولقد ظلّت المرجعيّة الثقافيّة ذات البعد السوسيولوجي محفّزا للناقد في طريق البحث عن مغزى الأشكال التعبيريّة، لا عن مضامينها فحسب، كما ظلّت مثيرة لتساؤلاته الكثيرة عن مدى مطابقتها للبنيات الاجتماعيّة، واستجابتها لهموم المجتمع وتطلّعاته. وهذا ما سيتّضح لنا ونحن نتابع رصد تنظيراتِه ومتابعاتِه النقديّة للأشكال الإبداعيّة الشعريّة العربيّة الجديدة وتحوّلاتها الكثيرة، ودرجات تقبّلها، والعوائق التي تحول دون ذلك التقبّل بسبب من طبيعة المجتمع العربي وبنيته الثقافيّة، وكما ناقشها في كتبه ودراساته المتأخرة التي أخذت منها تلك الأشكال، ولا سيّما قصيدة النثر مساحة كبيرة من البحث والتقصّي.
دون أن ننسى أن إيلاء الناقد لمنطلقات العوامل السوسيولوجيّة في قراءة الأدب قد خفّت حدّتها في نتاجاته اللاحقة التي كتبها في ظلّ الظروف التي واكبت حركة النقد العراقي وهو يعيش حومة الاحتدام مع النظريّات والمناهج والأفكار الوافدة التي انتقلت بالنص الأدبي  وميّزت بين (تاريخ الأدب) الذي  يختصّ بعلاقة النص بواضعه، و ( نقد الأدب ) الذي يتّصل بعلاقة النص بمستقبله، في حين باتت ( حياة المؤلف أو الصراعات الاجتماعيّة، أو الأيديولوجيا المهيمنة، أو التطوّر الاقتصادي للمجتمع، ليست أساس التحليل النصي لأنّها لا تدخل ضمن عناصر بنيته المتحقّقة )([147]).
لكن دون أن يعني ذلك إلغاءً تامّا لتك العوامل التي كثيرا ما كان يستحضرها الناقد حاتم الصكر في قراءاته وتحليلاته المتنوّعة لتضيء له الجوانب العديدة المعتمة للنص الأدبي والشعري منه خصوصا، بما في ذلك كتبه الأخيرة، ولا سيّما ( في غيبوبة الذكرى- دراسات في قصيدة الحداثة- 2009 ) و كتابه التالي: (قصائد في الذاكرة – قراءات استعاديّة لنصوص شعريّة –  2011) اللذين حفلا بتحرّك واضح إزاء النصوص الشعريّة الواردة فيه بعدّها أنساقا تعبيريّة منفتحة على مجمل ظروفها التي تدخّلّت في صوغ خصوصيّتها. مما يعني هذا إمكانية قراءتها وتحليلها وفهمها، لا بالارتكاز على مستوى بلاغتها النصيّة واللغوية فحسب، وإنما من خلال إدخال الشرط الاجتماعي الذي ظهرت فيه تلك النصوص في فترة زمنيّة محددة كعامل من العوامل التي تُسهم إلى حدّ كبير باشتراكه ودراسة البنى الداخليّة للنص في إيجاد قراءة مثمرة تُنجز من خلال ربطها بالمدار الأوسع للعلاقات الأخرى المحيطة بها، وهو ما سعى إليه الناقد في كتابيه المذكورين اللذين تؤكّد مقدّمة أحدهما ما ذهبنا إليه، إذ يقول فيها: (…فاخترت مما استرجعت الذاكرة قصائد لها دويٌّ وصدى، وقدّمتها بتحليل نصي يحتفظ بسياقها ويحتكّ بها نقديا لشرح تلك السياقات وما ولّدته من محايثات فنيّة وجماليّة)([148]).
وقد حفلت قراءات هذا الكتاب وتحليلاته في مواضع كثيرة منها – على الرغم كونه من كتبه المتأخّرة – بالمواضعات الاجتماعيّة والسياقات التاريخيّة التي ظهرت فيها تلك القصائد المنتقاة على مستوى قراءة النص أو على مستوى تقبّله([149]).            وممّا استثمره الصكر من معطيات الرؤية السوسيولوجيّة أيضا، سؤال الوظيفة التي يحقّقها الأدب ودوره في الحياة الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة للمجتمع العربي، ذلك السؤال الذي كان كثيرا ما يتداخل في خطاب الصكر النقدي بسؤال آخر، هو سؤال الماهيّة ( ماهيّة الأدب وأنظمته الداخليّة وقوانينه الخاصّة ) التي حاول الناقد أن يَقرنَها بالبنيات الاجتماعيّة التي تحتضن ذلك الأدب.
وقد أسهم هذا الأمر بإفراز مقاربة نقديّة ذات حدود أقرب ما تكون إلى البنيويّة التكوينيّة التي تسعى بطبيعتها المنهجيّة إلى التوفيق بين الشكل والمضمون في معالجة النصوص الأدبيّة، ويعمل هذا النوع من المقاربات بطبيعته على دفع التحليل الجمالي المحايث لاستخراج الدلالة الموضوعيّة للعمل الأدبي لغرض الكشف عن علاقته بالعوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة للمرحلة الزمنيّة التي ظهر بها العمل، وبغية إدراك رؤيته الخاصة الكامنة في وعي الجماعة التي تحتضن الأديب([150]).
وربّما يتّضح ذلك جليّا في معالجة الصكر الناقد لبعص النصوص السرديّة العربيّة الحديثة ، ولا سيّما الروائيّة منها والقصصيّة، وذلك من خلال محاولته جعل المضمون والشكل وجهين غير منفصلين للعمل الأدبي، ومن خلال البحث عن تماثل العمل الأدبي وموازاته لواقعه الذي أفرزه، بصفة ذلك العمل شكلا من أشكال التعبير عن الواقع الاجتماعي العربي في الظروف التي حددتها أزمنة وأمكنة خاصة([151]).
ويمكن لنا الخلوص بعد هذا إلى : أنّ الصكر، وإن تأثّر في مساره النقدي بمبادئ الواقعيّة ورؤيتها في الإبداع الأدبي؛ فهو لم يرتمِ في أحضان القراءات والإجراءات الأيديولوجيّة الفجّة التي لا تتجاوز الموقف السياسي وتنويعاته في النص الأدبي . وقد ترك ذلك الأمر بصمته – تاليا – على رؤية الصكر النقديّة بهذا الخصوص، تلك الرؤية التي أخذت على عاتقها العناية والاحتفاء بمبدأ خصوبة الفن والأدب وتعاليهما عن الآفاق الضيّقة والجزئيّة وتعلّقهما من حيث الغاية والمغزى بما هو كلّي وفلسفي وإنساني رحبٌ قد تحبل به التجارب الإبداعيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
ب /  المرجع النفسي
يعدّ المدخل النفسي لقراءة الأدب وتحليله أحد المداخل التي حاولت أن تستخدم أدواتها ووسائلها في دراسة النص الأدبي، وترجع جذور هذا المدخل إلى عصور قديمة جدا، فقد تنبّه آرسطو إلى طبيعة العلاقة التي تربط بين النفس الإنسانيّة وبين الأدب، فأشار إلى فاعليّة (التطهير) كوظيفة ناجمة عن متابعة المسرحيات المأساوية، إذ يستطيع متلقي تلك المسرحيات نبذ مشاعره الضارة من خلال إثارة المشهد المسرحي المأساوي لعاطفتي الخوف والشفقة، مما يترتّب على ذلك نزع تلك المشاعر عن المتلقي([152]).
ولكن التعامل النفساني([153]) الجاد والحقيقي مع الآثار الأدبيّة ظهر مطلع القرن الماضي مع (سيجموند فرويد) عبر مجموعة مقالاته وبحوثه التي وقف فيها على  الفن والأدب ( ينشد فيهما السند لنظريته في اللاوعي وفي الشخصيّة ويلتمس مزيدا من الاتساع لدائرة الميدان الذي يتناوله العلم العلاجي التقني الذي استبدّ باكتشافه)([154]).
وينطلق هذا التعامل من مفهوم معيّن للأدب يفيد تعبيريتّه عن الذات الفرديّة أو الجمعيّة للأديب، وصدوره عن قواه النفسيّة الواعية أو اللاواعية، أو اعتباره نشاطا سلوكيّا بواسطة اللغة، وسيقتضي ذلك – بالطبع – الارتكاز على العلم الإنساني الذي اهتم بدراسة الذات أو الشخصية في أبعادها المختلفة، بوصفها أكثر تأهيلا من غيرها لفهم الظاهرة الأدبية وتجليّاتها النصيّة من جهة، ولإكساب الدرس الأدبي طابعا علميّا من جهة أخرى([155]).
ولعلّ المتتبع لمسيرة هذا المدخل في النقد الأدبي الحديث؛ يجد أنه قد تنقّل بين اهتمامات متنوّعة وأقانيم مختلفة، إذ حاول عبر توظيفاته واشتغالاته تحليل شخصيّات المبدعين في بادئ الأمر، ثمّ انتقل إلى تحديد علاقة شخصيّة الأديب بإبداعه، لينتقل بعد ذلك إلى استجابة القارئ للنص، منتهيا عند الدراسات السايكولوجيّة للأجناس الأدبيّة ذاتها([156]).
وقد أثّر المنهج النفسي في الدرس النقدي العربي الحديث، فاختلفت درجة استمداد النقّاد لأدواتهم المنهجيّة وتصوّراتهم النظريّة من ميادين علم النفس وحقوله المتشعّبة، وتباينت طرق تعاملهم بتوظيف آلياته وإجراءاته تباينا شديدا مع ما يرافق ذلك من إشكالات تتعلّق بالمفاهيم والمصطلحات المترجمة([157]).
ومن الملاحظ أنّ النقد النفسي قد شهد نشاطا واضحا في بعض البلدان العربيّة، لا سيّما مصر التي ظهرت فيها الدراسات النفسيّة للشخصيات ابتداء من دراسات العقّاد في كتبه التي أفردها لعبقريّاته المشهورة مرورا بالنويهي الذي ظلّ وفيا في كتاباته النقديّة للتفسير النفسي للشعر وظواهر الأدب العامة، إذ أخضع شخصيتي بشار وأبي نؤاس للاستبارات  النفسيّة محاولا الكاشف عن عوامل التركيب النفسي لشخصيّة بشار مشيرا للعوامل المتأصّلة في لاشعوره منتهيا إلى نبذ المجتمع له بسبب قبحه وأصله غير العربي مما تسبب ذلك في عدوانيّته وسلاطة لسانه على الجميع([158]). وفي تناوله لأبي نواس فقد طوّر النويهي أدواته في التحليل النفسي موظّفا مفاهيم عديدة أخرى كحديثه عن عقدة أوديب واللا شعور الجمعي خصوصا في تفسيره لقضيّة تعظيم الخمرة والوصول بها إلى درجة العبادة والتقديس الصوفي عند شاعر كأبي نؤاس([159]).
وقد وصلت تلك الدراسات في مصر مرحلة من النضج على يد عزّ الدين إسماعيل في كتابه: التفسير النفسي للأدب، وذلك من خلال تحديده لبعض مصطلحات التحليل النفسي كالعصاب والنرجسيّة والعبقريّة والدوافع إلخ، وكذلك من خلال تحليله – وفق المنهج المذكور-  لنماذج سرديّة وشعريّة هامة([160]).
وإذا كان هذا المنهج قد شهد نوعا من النشاط في مصر وفي بعض البلدان العربيّة الأخرى، فإن وضعه على يد النقّاد العراقيين يكاد يكون مختلفا، إذ لا تتجاوز الدراسات النقديّة الحديثة التي وظّفت المداخل النفسيّة في قراءتها وتحليلها للنصوص الأدبيّة في العراق أصابع اليد!
يعزو بعض الباحثين ضعف اهتمام النقد العراقي بالمدخل النفسي في تحليل الشعر؛ لافتقار النقّاد العراقيين إلى (عدّة ثقافيّة خاصة قوامها التخصص في هذا الجانب، فضلاً عن أن الصياغات الإنشائيّة الجاهزة ستكشف عيوب الناقد الذي يريد تحليل دوافع الإبداع وتفسيره على وفق رؤى علميّة وشبكة من المصطلحات ذات الدلالات المحددة التي ترفض مثل هذه الصيغ الإنشائيّة )([161]).
ولعلّ ما ذهب إليه الزبيدي مردود لعدّة أسباب، إذ إنّه  يطلب من النقّاد – كما يبدو من كلامه – أن يتخصّصوا بعلم النفس، وهذا أمرٌ غير مستساغ لأنّ المتن النصّي ظاهرة نفسيّة، لا خاصيّة تتطلب المساءلة المَرَضيّة! فضلا عن كون الناقد العراقي الحديث استطاع التسلّح بعدّة ثقافيّة أهّلته لولوج مناطق وحدود أعقد بكثير من حدود النقد النفسي وآليّاته، وأعني بها مناهج النقد البنيوي والثقافي والتفكيك والتأويل، وسوى ذلك من آليّات تستدعي ذخيرة ثقافيّة تفوق ما ينبغي أن يمتلكه الناقد المتسمّر في دائرة النقد النفسي، ولذا نرى أنّ انصراف النقد العراقي الحديث وعزوفه عن تطبيقات المنهج النفسي وإجراءاته ربّما يعود إلى أمرين هامّين، هما: إنّ العراق من الناحية السياسيّة قد هيمنت على أدبائه ونقّاده ومثقّفيه – ولعقود طويلة – الرؤية الاجتماعية التي تُعلي من سلطة المجتمع في المقاربة الأدبيّة أو النقديّة أكثر من غيرها، وقد تمّ ربط الأدب بالواقع بسبب الوعي السياسي للمثقفين ورؤيتهم وارتباطاتهم الإيديولوجيّة بالفكر اليساري أو القومي، ونظرا لكون النقد النفسي يشتغل في منطقة لا يرضاها أيّ من الفكرينِ المذكورينِ اللذينِ تميّزت طبيعة التبدّلات المتحقّقة في رؤيتهم بكونها جمعيّة لا فرديّة، في الوقت الذي ظلّ النقد النفسي يعدُّ النصَّ انعكاسا للداخل الفردي المأزوم لصاحب النص أو لباطنه المتأثّر بطريقة التنشئة النفسيّة، واستنادا إلى ذلك، فإن طبيعة التوجّهات السياسية وكيفيّة ارتباطات المثقف العراقي بها كانت من العوامل المؤثرة التي وصّلت بين طبيعة الخطاب النقدي ودواعي مشغّلاته لدى عموم النقّاد العراقيين الجدد.
أمّا الأمر الآخر، فربّما تمثّل بآليّة المنهج النفسي ومُشغّلاته ذاتها، إذ تنهض هذه الآليّة في جانب هام من جوانبها على الإحساس الأوديبي (عقدة أوديب) المضمِرة لنزعة كراهيّة الأب وتحيُّن فرصة الخلاص منه.
إنّ هذه النزعة لا تتماشى – وإن كانت إجراءً علميّا بحتا –  وطبيعة المجتمع العراقي الخاضعة لهيمنة نظام أبوي، متوارث وعريق، وهي طبيعة عُرفت بتقديسها للأب، وإذعانها لسلطته. وبمعنى آخر فإنّ ذلك النظام الأبوي (البطريركي) الذي توارثه المجتمع العراقي كان – كما نرى – عائقا من العوائق التي حالت دون ترسيخ جذور المنهج النفسي وآليّاته في المتن النقدي العراقي الحديث، قياسا بالمتون النقديّة العربيّة الأخرى التي ترعرعت في ظلّ مجتمعات تمكّنت – إلى حدٍّ ما- من كسر هذا الحاجز مقارنة بالمجتمع العراقي الأكثر أبويّة وعشائريّة من بين المجتمعات العربيّة الأخرى.
وربّما هذا ما يفسّر لنا الحضور المحتشم وشبه الغائب للمعالجات النفسيّة للنصوص الأدبيّة في متون النقّاد العراقيين خلال تلك المرحلة الحسّاسة من تاريخ النقد العراقي الحديث.
ولكن بعد تحديث المناهج النقديّة برز من النقّاد العراقيين من يهتم أو ينتفع من الخطاب النفسي في النقد والأدب معا، تصاديا مع دعوات في مصر ولبنان  والمغرب، من غير أن يحظى هذا المدخل باهتمام يلبّي الطموح، وظلّ مستخدموه أقلّ من أن نعدّهم على الأصابع.
ومن هؤلاء النقّاد حاتم الصكر الذي يقرّ بأن الرؤية النفسيّة في قراءة الأدب وتحليله هي رؤية تجزيئيّة ( تفتت بنية النص لتلتقط من عناصرها المجزّأة عنصرا واحدا، له أهميته إلى جانب سواه، فتعزله لأغراض التحليل، وتجعل نشاط المحلِّل محصورا فيه، مُهملا ما سواه )([162]).
وبما أنّ العمليّة الشعريّة عمليّة إبداعيّة؛ فهي لا بدّ أن تتصل اتصالا وثيقا بحاجات الذهن البشري الشعوريّة والنفسيّة، لأنّ الإبداع تتحكم فيه مثيرات شتى ومؤثرات نفسيّة عديدة منها ما يتعلّق بالرغبات والخبرات الوجدانيّة الممتدة إلى زمن الطفولة الباكرة، كما أنّ للأحداث المختلفة التي يمرّ بها الإنسان دورَها في إثارة الوجدان وتحريك العواطف في تلك العمليّة، فضلا عن طريقة التربية التي يخضع لها المبدع وسط مجتمع له ذوقه الخاص في التأثير([163]) .
ولعلّ بعض المبادئ العامة في تفسير عمليّة الإبداع تفسيرا نفسيّا هي التي حدت بالصكر للأخذ بها على أنّها منطلقات من الممكن أن تؤكّد مشاكلة الإبداع لدواخل نفسيّة المبدع ومخالطته لحشاشاته.
عندما يقرأ الصكر – مثلا – مقصورة المتنبي المعروفة، والتي قالها حين فراره من مصر إلى العراق :
ألا كلّ ماشية الخيزلى       فدى كلّ ماشية الهيدبى([164])
فإنّه يقرأها على وفق تلك المنطلقات .
ولغرض فَهْم أبعاد النص المذكور، يرى الصكر ضرورة ( الإحاطة بالجوّ النفسي الذي ولدت فيه القصيدة، وتلك المؤثّرات التي تقف وراءها، ذلك أنّ شاعرا كالمتنبي كان يعطي – عادة –  للحالة الشعوريّة حقّها ويحمّل المفردة شحنات نفسيّة هائلة تعدّ امتدادا لمشاعره )([165]).
وبعد أن يستعرض الناقد وجوه تلك المشاكلة بين المبدع ونصّه الشعري، ينتهي إلى الإفادة من التعبيرات الفنيّة النصيّة التي تخدم فكرة المشاكلة تلك، فيرى أن البحر( المتقارب) الذي نظّمت فيه القصيدة يتيح بتفعيلاته القصيرة المتتابعة ملاحقة نبضات قلب الشاعر المضطرب الخائف وسط التيه والمجهول في بيداء شاسعة، ويهيء له متابعة ( قلق نفسه المسكونة بتوقّع موت محتّم )([166])، كما أنّ القافية التي اعتمد الشاعر فيها على حرف الروي ( الألف المقصورة ) تنفتح هي الأخرى عند القراءة باعثة على الاحساس بامتداد الأرض التي يقف عليها المتنبي وعلى انفتاح المسافة التي يأمل قطعها على مدى شاسع ومتّسع اتّساع ما بين الموت والحياة([167]) .
إنّ هذه القراءة ذات التوجّه النفسي للأثر الفني عند الصكر، وربطها بالإيقاع الشعري لم تكن تتم إلّا من خلال العودة لسيرة صاحب النص، ولما أثّر في وجدانه من أحداث ووقائع بغية اكتشاف وقع ذلك على النص الشعري، وبيان مغزاه من خلال المزج بين دلالات النص الأدبي، وبين العوامل الخارجيّة الدافعة لتكوينه، ثمّ محاولة سبر التفاعلات النفسيّة للمبدع بوصفها الدافع الأهم لإخراج النص على صورته النهائيّة التي وصلت للقارئ، وهو ما رصده الصكر الناقد مُحيلا على ما تنتفع به قراءته وما يدعمها من تلك السيرة الخاصّة بالمبدع([168]).
ولمّا كان الصكر في فترة ما من فترات مشواره النقدي مقتنعا بكون النص مجالا من الممكن أن يتيح لهيمنة عنصر بنائي واحد أكثر من سواه، لذا فإن تلك القناعة ستجرّ الناقد إلى مقاربة ذات صلة بذلك العنصر المهيمن([169]). وعليه، سنجده – انطلاقا من تلك القناعة –  يعالج بعض النصوص بمقتربات نفسيّة ترصد ذلك العنصر المهيمن متابِعةً طريقة تشرّبه في النص، كدراسته لقصيدة (جيكور أمي) للسيّاب التي استند فيها على معطيات المنهج النفسي العامة في الحرمان والتعويض، وانطلاقا من سيرة السياب الذي كانت الأم في شعره (رمزا لحرمان قدري رهيب لازم الشاعر منذ سنواته الأولى )([170]).
ومن أجل أن يحقّق  الصكر عنصر المعادلة بين (الأم) و (المكان) في قصيدة السيّاب (جيكور أمي), فإنّه يرجع إلى عنوان القصيدة ومقطعها الأول منها :
تلك أمي, وإنْ أجئها كسيحا
لاثماً أزهارها والماء فيها, والترابا
ونافضاً, بمقلتي, أعشاشها والغابا ([171])
ليصل من خلال ذلك إلى أنّ ( أي استبدال سيصبح ممكناً حتى تغدو: أمي جيكور, وأمي تلك , فتصبح القرية والأم شيئاً واحداً )([172]) .
وهذا ما سيُدفع الناقد – مرّة أخرى – إلى السيرة الشخصيّة للسياب الذي يتبادل شعره وحياته دور الوثيقة والتاريخ للبحث عن معادل تعويضي للأم المفقودة التي حُرم منها الشاعر منذ طفولته الأولى، إذ سيصطنع السياب -بحسب الصكر – أمّا أخرى في شعره، هي جيكور يعود إليها كلّما أثخنته الجراح، وكلّما استبدّ به الألم ([173].
إنّ هذه الفكرة ذات الصلة بالعنصر المهيمن أكثر من سواه و- كما يلمحها الناقد الصكر في بعض النصوص التي تعرّض لها – ستؤدّي به إلى مقاربات أخرى يطوّر خلالها أدواتِه النقديّة في استثمار معطيات المدخل النفسي، كما في قراءته لقصيدة (أنا لنازك الملائكة) في كتابه الرابع (كتابة الذات 1994م)، وفي معالجته – فيما بعد – لظاهرة صمت وعزلة حارس الفنار، لمحمود البريكان([174]) في كتابيه ( غيبوبة الذكرى 2009م) و(قصائد في الذاكرة 2011م) .
وفي تحليل الصكر الناقد لنص ( أنا ) لنازك الملائكة، والموسوم (حروف الذات الأربعة، تحليل نصّي لقصيدة نازك الملائكة ) نجده غير عابئ بعدّ النص الأدبي وثيقة تؤكّد التحليل المقترح حول الشخصيّة المبدعة، أو حول تجسيد سماتها النفسيّة، وهو المنطق الذي ساد الدراسات النفسيّة التقليديّة للكشف عن التجليّات النفسيّة لشخصيّة المبدع المحلَّلة من خلال إثبات السمة النفسيّة المنعكسة في نصّه حسب ظروف إنتاج النص، مع التنبيه إلى محاولة واضحه أبداها الصكر للاقتراب من طبيعة العلاقة بين النص الأدبي ولا شعور مؤلّفه([175]).
وينطلق الناقد في قراءته لهذا النص الشعري من ( أنّ نازك تجعل الذات مركزا، وتعبّر بالضمير العائد إلى المتكلم (أنا) لتنقله بعد ذلك من مستواه النحوي واللغوي، إلى مستوى آخر دلالي، مستثمرة طاقته الرمزيّة في التعبير عن الكائن الإنساني إنسانا لا مفردا؛ أو إنسانا فردا وليس (واحدا) في مجموعة متماثلة من البشر)([176]).
ويحاول الصكر توظيف المعطيات اللسانيّة في تحليله هذا منتهيا إلى أن الشاعرة في نصّها قد أكّدت انشغالها بمقولات الحركة الرومانسيّة وتكييفاتها العربيّة حول الحزن والخيبة مع مركزيّة الذات التي عبّرت عنها الأنا بحروفها الأربعة([177])، والذات – وفقا للرؤية السايكلوجيّة – دائمة التوق نحو فرض وجودها عبر الأنا، وهي بهذا تعبّر – حسب الصكر – عن نقص في وجودها فتحاول أن تحقق كمالها عن طريق الكلام([178]).
وقد سعى الصكر في قراءته هذه لتجاوز آليّات النقد النفسي إلى محاولة الكشف عن تناسق التمثّلات الاستيهاميّة المشتركة بين الكاتب ( نازك الملائكة ) والقارئ ( حاتم الصكر) من أجل الوقوف على تميّز التجربة السيكولوجيّة في النص المقروء.
إذ إنّ الثيمة الأساسيّة التي يمكن رصدها في نص نازك هذا، وفي عموم شعرها، هي مسألة الوجود والحياة، وما ينبثق عنهما من قلق إنساني لا يريم([179]) ومن عذاب وإحساس كثيف بوطأة الحياة، وهو ما يمكن أن يشترك به بنو آدم بمستويات متفاوتة، ولا يخفى على القارئ أن مسلك حاتم الصكر في تصوراته النقديّة، وهو يقرأ نص الملائكة المذكور، قد نحا منحى غذّته الفلسفة الظاهراتيّة التي يتكئ عليها، لا في ما يمكن أن يمدّه النص من أسباب فحسب، وإنّما في ما يمكن أن تسعفه فيه عمليّات الفهم والتأويل، والإسقاط الخاضع للمجاذبة بين المبدع من خلال نصّه، والقارئ من خلال الفهم والتأويل.
والناقد هنا لم يتّخذ من نصّ نازك مطيّة لتحليل شخصيّة كاتبته، بل حاول البحث عن مجال آخر لفعّاليّة الكتابة وتأويلها دون الخروج عن فضاء النص إلاّ بمجالات محدودة اقتضاها السياق العام لقراءته، وهي قراءة تبدو مغايرة لتلك القراءات التي سجن النقد الفرويدي بصيغته العربيّة نفسه فيها من خلال تأكيده على سياقات معرفيّة معيّنة وثابتة تقع خارج النص .
ولعلّ ثقافة الصكر وقراءاته في ميدان التحليل النفسي كانت عاملا مهمّا في انجذاب الصكر – فيما بعد – للتأويل بوصفه ( نشاطا قرائيّا ذاتيّا يتجاوز مقاصد النصوص التي أرادها لها كتّابها، ويقترح مقاصد أخرى تُنتجها القوة التأويليّة المسلّطة عليها)([180]).
وهكذا ظلّ الصكر – رغم قلّة معالجاته النقديّة وفقا للمدخل النفسي – يعدُّ علم النفس مجالا معرفيّا يمكن الاستفادة منه مثل سائر أنواع المعرفة التي يمكنها أن تخصّب ثقافة الناقد أو الباحث الأدبي بغية رسم صورة متكاملة عن العمل الذي يقوم به دون تعنيف للنصوص، أو إسقاط تأويلات غريبة عليها، بل كان يعمل من أجل أن تمتدّ معاني تلك النصوص فيه أولا، بوصفه قارئا، وأن تنطلق منها – بعد ذلك – عناصر أخرى لمعرفة جديدة.
وتأسيسا على ما عرضناه في هذا الفصل من مرجعيّات ثقافيّة متعددة شكّلت أرضيّة معرفيّة واضحة لخطاب الناقد حاتم الصكر؛ يمكن لنا النظر إلى هذا الخطاب على أنّه واحد من خطابات النقاد العراقيين المعاصرين الساعية إلى تأسيس ممارسة نقديّة جديدة ومغايرة، تتجاوز سِمتي المعياريّة والانطباعيّة اللتين ترسختا في النقد الأدبي العراقي قبل ثمانينيّات القرن الماضي([181]). وهذه الممارسة كانت منفتحة على النظريّات والمناهج النقديّة الغربيّة في أفق تحديث النقد الأدبي العربي لغرض إكسابه طابعا علميّا في ذاته وفي طبيعة دراسته لـ(موضوعه) ظاهرة ونصوصا، وهو ما لا يتأتى لذلك الخطاب إلا بتوسّله أسسا منهجيّة مستمدّة من العلوم الإنسانيّة المعروفة التي عرَضْنا لها، والتي قطع (الآخر) شوطا كبيرا في سبيل تذليلها وتسخيرها خدمةً للدرس الأدبي والنقدي([182]).
ولعلّ قضية انفتاح النقد العربي الحديث في العراق على العلوم الإنسانيّة المجاورة لم يولِها النقّاد والمهتمون بالمشهد النقدي نصيبا مناسبا من الفحص والتحليل والمعاينة – خصوصا- وأن مثل هذا الانفتاح يعدّ تحوّلا جذريا في آلية تفكير النقد العربي الحديث، لا النقد العراقي فحسب. وهو تحوّل يرتكز في استقلاله المنهجي عن الأدب، وذلك من خلال اعتماده معطيات تحليليّة ومنطلقات علميّة ترتبط بتطور العلوم الإنسانيّة، وتصلح للتطبيق على أيّ إبداع أدبي، دون تمييز في انتمائه الزماني أو المكاني، فالنقد الأدبي قد دأب على استثمار المعطيات العلميّة وتوظيفها خارج حدود نشأتها ونموّها.  وبالنتيجة، فإن مفهومات وإجراءات كثيرة من علم النفس، ومن علوم الاجتماع، ومن علوم وميادين أخرى مجاورة، ستتحول عن حقولها الأولى، ويتمّ توظيفها توظيفا جديدا ومختلفا في الدرس الأدبي، إذ صارت تلك المفاهيم وإجراءاتها -فيما بعد – تشكّل نظريّة واضحة في النقد الأدبي مركبةً، ومتماسكةً وإن كانت متباينة المصادر([183]).  وفي هذا الشأن فقد انبنى وعي الصكر في إدراكه لطبيعة علاقة الذات بالآخر على جدل حيٍّ وخلّاق بين الموروث بجانبه الإبداعي والفكري بوصفه منجزا قابلا للقراءة والتمثّل والتأثير، وبين المنهج النقدي الحديث بمرجعيّاته المتنوّعة، بوصف ذلك المنهج معطى من معطيات الآخر، وإنجازا علميّا من إنجازاته، سعى الناقد إلى توظيفه مؤمنا بقدرته على النهوض بواقع نقدنا العربي الحديث، وكما عرضنا لذلك. وقد انعكس هذا الجدل متجسّدا بضرورة الوعي بالموروث من جهة، وبضرورة تجاوزه منجزا متحقّقا من جهة أخرى، وهو ما سيبدو واضحا لمن يستجلي فكر الصكر الناقد العاكف على مشروع نقدي مقيم في قلب العصر، ومنتم لّلحظة الراهنة التي عاش آفاقها دون تنكّر أو استبعاد للموروث. كما إن اندماج الصكر في خضم التفاعل الثقافي والمعرفي مع الغرب يشكّل لبنةً أساسيّةً في ثقافته للاستفادة من مكاسب الآخر ومنجزاته المعرفيّة من جهة والسعي إلى المجاوزة والمغايرة وفق خصوصيّة النصوص العربيّة وحمولاتها الثقافيّة من جهة ثانية، فـ( الناقد العربي التائق إلى بناء نقد عربي أصيل ومتقدّم ومنافس ملزمٌ بأن يقوم بعمليّة غربلة للمنجزات الأجنبيّة ولمخلّفات التراث العربي إذ بدون الغربلة تلك فإنّه سيبقى – بلا شكّ – أسيرا للجهتين )([184]). وقد جنى الصكر الناقد ثمار مثاقفته أفكار الآخر مبديا بعض المرونة اللازمة التي يقتضيها اختلاف السياق الحضاري بين البيئة التي ظهرت فيها تلك الأفكار وبين البيئة التي سيعاد فيها استنباتها طروحاتٍ جديدةً ستفرز لديه أساليب وطرق تحليل مختـلفـة ومتنوّعة تحاوّل إعادة الاعـتبار للنص الأدبي باعتباره لغـة تـتـميـز بخـصائصها النوعـيّة التي تفارق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، لتشكّل عالمها المتفرّد، الذي يلزم تعاملا علميّا، وتحليلا خاصّا، يقلّ فيه الخلط بين المبادئ ويضمحلّ المزج بين النظريات المتباعدة من حيث المبدأ والتصوّر. ولم تكن المثاقفة النقديّة بوصفها جزءا هامّا من المثاقفة الثقافيّة عملا تبسيطيّا اختزاليّا، بل هي معاناة منهجيّة تطمح إلى بعث الروح النقديّة العربيّة وإلى استنبات تجربة نقديّة جديدة، وهو ما سعى الصكر أن يقرّره مبدأ أصيلا في تصوّر الممارسة النقديّة القائمة على التفاعل الإيجابي مع الآخر الغربي. وبذا يمكننا القول: إنّ هذا التوجّه الفكري يمكن موقعته ضمن توجّه حضاري لا يتنكّر للذات ممثّلة في تراثها الواسع العريق، ولا ينغلق – في الوقت ذاته –  على ثقافة الآخر الوافدة، وذلك عبر حوار نقدي ما فتئ الصكر يدعو له منبّها إلى أهميّة عقده بين تلك الذات التي ننتمي لها وبين الآخر الغربي المتوسّل بالمعرفة والمنهجيّة([185]).وهو ما سيُسهم في بلورة تصوّر نقدي يتوخّى صاحبُه منه تمثيل شخصيّته وإبداعه الفكري الخاص مستعيدا موقفا حضاريا دعا له بعض نقادنا القدامى عندما طالبوا بضرورة الاجتهاد والابتداع وعدم الاكتفاء بالنقل من الثقافة اليونانيّة أو الغربيّة([186]). وممّا يزيد من أهميّة دعوة حاتم الصكر – هذه –  كونه ناقدا ينتمي للحظة الصحوة الحواريّة التي انتعشت فيها أفكار (باختين) ومجموعة من النقّاد العالميين الآخرين وترجماتهم في النقديّة العراقيّة  منذ مطلع الثمانينيّات والتسعينيّات من القرن الماضي([187]).
لحظة الصحوة الحواريّة تلك تشير إلى حدوث منعطف معرفي في المشهد النقدي العراقي الحديث الذي حاول بفعل التحديث النقدي الاتجاه إلى صياغة بديل نقدي جديد يحرر الممارسة النقديّة من سلطة الأيديولوجيا والانفعال والقراءات التقليديّة بهدف إعادة الاعتبار للنص الأدبي بعيدا عن قيود المرجع والقراءات الاختزاليّة الإسقاطيّة أو المعالجات الانفعاليّة أو التقليديّة التي سادت الساحة الأدبيّة العراقيّة قبل ثمانينيّات القرن الماضي. وهذا ما جعل من خطاب بعض النقاد العراقيين قادرا على مقابلة بعض إشكالات التراث وبعض مسائل الحداثة المنهجيّة بما تمتلكه توجّهات هذه الخطابات من نزوع وانشداد لقيم العلم والتقنية والتجريب([188]). وقد كان لعامل المثاقفة مع الغرب دورٌ بارزٌ في هذا التوجّه سواء عن طريق مباشر أو عن طريق الوسيط الترجمي الذي أسهم في تأسيس بدائل معرفيّة باعثة على خلخلة طبيعة التفكير الأدبي السائد, وعلى ملامسة مناطق مختلفة في مستويات التحليل النصي وتأويلاته ملامسة مختلفة عمّا سبق من محاولات نقديّة تعرّضت للنصوص الأدبيّة والشعريّة في المدوّنة النقديّة العربيّة والعراقيّة .
 
 
 
 
 
         الفصل الثاني
            ( المفاهيم )
أ / في المفهوم، والمفهوم عند الصكر
ب / مفهوما الشعر والقصيدة
ج / مفهوم اللغة الشعرية
د / مفهوم الإيقاع
هـ / مفهوم الصورة
و / مفهوم الحداثة
ز / مفهوم الأصالة والمعاصرة
ح / مفهوم قصيدة النثر
 
 
أ /  في المفهوم، والمفهوم عند الصكر
       يمكن لنا القول إنّ النقد الأدبي عبر تاريخ طويل ممتد من أرسطو وحتى يومنا هذا لم يعثر على وسيلة تستطيع أن تصوغ ماهيّته الفعليّة صياغة تامّة مكتملة ونهائيّة، مّما يعني أنّ هذا النشاط في جوهره تساؤل مستمر، فتاريخ النقد يؤكّد أنّ هذا الحقل المعرفي كان ولا يزال من الحقول الحيويّة القليلة القادرة على تجديد معارفها ومفاهيمها بسبب ما يعتري بناءه من تحوّلات وتبدّلات تجعله لا يركن الى الحقائق المطلقة والنهائيّة،  فهو مجال مفتوح ودائم للأسئلة.
      أنّ النقد نشاط ذهني قادر على أن يعلّمنا ومن خلال تاريخه الطويل بعض وجوه ما تعلّمنا إيّاه الفلسفة التي أعارت النقد طابعها الإشكالي، فكلاهما يقوم وبشكل مستمر بإعادة النظر بالمسلّمات والمفاهيم والفروض وتمحيصها من خلال وضعها في دائرة التفكير والفحص المتجدد!
       إنّ أسس النقد الأدبي ومفاهيمه الرئيسة ليست بالحقائق المطلقة التي من الممكن أن تصدق في كلّ زمان ومكان، ولا أدلّ على ذلك الأمر من تعرّض هذه الأسس والمفاهيم الى التغيّر والتبدّل المستمرّين تبعا للتغيّرات التاريخيّة والثقافيّة والاجتماعيّة([189]) .
       ولمّا كانت طبيعة الفكر النقدي متشكّلة من أفكار وتصوّرات منتظمة في إطار مفاهيم ومصطلحات، ولكون هذه الأفكار والتصوّرات لا تصدر عن فراغ ميتافيزيقي، بل عن مرجعيّة نظريّة معيّنة، ما هي إلّا ( جسم من المفاهيم ينطلق من فرضيّات لإيجاد قوانين أو قواعد لتفسير ظاهرة أو لإيجاد حلّ لمشكلة نوعيّة في حقل العلم والفكر والفلسفة )([190])، لذا فإنّ كلّ فعل نقدي، وكلّ فكرة، وكلّ مفهوم([191]) أومصطلح، سيكون مبنيّا و مؤسّسا تأسيسا ذهنيّا، مرتبطا ومنتميا إلى تلك النظريّة التي هي بمثابة المرجعيّة التي تشكّل طبيعة الفكر النقدي ومرتكزاته تلك .
       وتأسيسا على هذا فإنّ المفاهيم النقديّة لها مزية تتمثّل بوجود شروط خاصّة من الممكن أن تُولَد تلك المفاهيم على وفقها وتنبثق تبعا لحيثيّاتها، كما أنّ تلك المفاهيم من الممكن أن تخضع لإكراهات التاريخ، فتتبدّل بمفاهيم أخرى إذا فقدت قدرتها على تفسير المواضيع المستجدّة وتوصيفها([192]) .
      وبما أنّ فعل التنظير النقدي ( المفاهيمي ) ( فعل معقد يتمّ ضمن حقل المعرفة بوصفه مشروعا يستهدف إيجاد نظريّة أو تصحيحها، وهذا المشروع لا يمكن أن يرى النور دون وجود أسئلة ملحّة مستجدّة، إذ من طبيعة التنظير أن يكون تفكيرا مغايرا لما سبقه، يعي نفسَه أولا، ويعي ثانيا، جملةَ المبادئ التي تشخّص هذا الوعي بدءا من تمثّل موضوع التنظير والغاية من إعادة التفكير فيه)([193]) .
         لذا فإنّ بناء المفاهيم في الثقافة النقديّة الحديثة حين يتحرك بوعي منهجي متوخيّا الدقة والبساطة في تحديد المفهوم وصوغه وإظهاره بما يجعله في ذهن المتلقي واضحا غير ملتبس؛ لهو أمرٌ من الصعوبة بمكان، وذلك لمجموعة أسباب، يتمثّل أوّلها بكون الخوض في طبيعة المفاهيم الحداثيّة ليس بالأمر الهيّن لأنّه خوض فيما هو معقّد وغامض ومتداخل وغائب يستقضي الاستدعاء الدائم([194]).
         فضلا عن سبب آخر يكمن في طبيعة النقد الأدبي وماهيّته الجوهريّة المرتبطة بالتحوّلات والتبدّلات الكثيرة – المشار إليها – والتي صارت سمة من سمات عالمنا الثقافي المعاصر، وهو ما جعل من النقد الأدبي – بوصفه كدّا ذهنيّا متواصلا –  ملتقى اجتهادات وممارسات لا تكتفي بعدم تحديد موضوعها، بل أنّــــه – بتلك الصفة التي هو عليها-  سيلجأ مرغما لاستعارة مفاهيمه ومقولاته من حقول ومجالات شتى، وهو ما يؤكّد بالنتيجة ، أنّ ( المفاهيم النقديّة هي مفاهيم غير نقديّة أساسا، أي أنّها مفاهيم مستعارة من مواكبة النقد الأدبي للواقع المعرفي، فكلّما ظهرت معارف جديدة مناسبة في حقل من حقول العلم والمعرفة، إلّا وجد الناقد فيها أدوات تساعده على إنتاج رأي أو موقف من الموضوع الذي يتّصل به، آخذا منها حجّة وقوة إقناعيّة )([195]) بحسب ما يذهب إليه محمد الدغمومي.
         وإذا كانت المفاهيم النقديّة هي مفاهيم ليست نقديّة – كما يرى الباحث المذكور-  فلنا أن نسأل: أليس للنقد الأدبي مفاهيمه الخاصّة التي اقترضتها منه الفنون وأدرجتها في مجالاتها وأنشطتها المتعددة، كتوظيفها لمسألة الإيقاع البصري عبر الوحدات، أو لمبدأ التوازن والاسترسال وبيت القصيد، وسوى ذلك من أمور أخرى تنتسب بالأصل إلى حقل النقد الأدبي؟
       إنّ مثل هذا الالتباس سيعقّد مَهمّة الناقد الأدبي الخاضع – بطبيعة الحال – لجاذبيّة الاعتقاد والتسليم ببعض المفاهيم إلى درجة تصل – أحيانا – حدّ اليقين المطلق عند بعض النقّاد في ما تشتمل عليه تصوّراتهم ومعتقداتهم من قناعات فكريّة وأدبيّة ونقديّة خاصّة، وهو ما سيُسهم – دون شكّ – بتعطيل مَلَكة القراءة والتحليل والتوجيه عند أولئك النقّاد، ويحدّ من مدى التفاعل الحيوي اللازم بين النقد وصنوه ( الإبداع )، ولعلّ مثل هذه الأمور هي بمثابة الآفات والمزالق التي ظلّ يعاني منها النقد العربي الحديث كثيرا([196]) .
       ومما يزيد الطين بلّة هو أنّ هذا النقد حين تبنّى ( مقولة التنظير النقدي وإشكالاته ) فإنّه قد اعتمد في أغلب الأحيان على مقولات النقد الغربي معوّلا على إمكانيّة استعارة المفاهيم النقديّة الغربيّة، وإعادة توظيفها من أجل تجديد الأفكار الأدبيّة والنقديّة وتحريكها بما يخدم الواقع الثقافي والنقدي العربي([197]).
      ويبدو أنّ بعض النقّاد العرب الذين توجّهوا هذا التوجّه معوّلين على تحقّقات النقد الغربي في هذا الشأن قد استعاروا الإشكاليّة من منبعها الخاص بها، لكن بدون أن يستطيعوا سبيلا إلى الإضافة إليها، أو بدون أن يرتقوا بها لخدمة الحياة الثقافيّة العربيّة كما ينبغي، أي أنّ هؤلاء النقّاد قد أضافوا بهذا التعويل إشكالا آخر إلى أصل الإشكاليّة، وهو أمر تمثّل واضحا بعدم قدرتهم على الإبداع والابتكار، وهم يلوكون أفكار الآخر لاهثين وراء أوهام مفاهيمِه النابعة من واقع مغاير غير واقعنا، والصادرة عن ثقافة مباينة غير ثقافتنا دون تدقيق أو تمحيص([198]).
       وهذا الأمر هو من الأمور النقديّة الثقافيّة التي أشار لها الناقد حاتم الصكر ونبّه على خطورتها كثيرا في وقت مبكّر من مسيرته النقديّة، من خلال بعض مقالاته التي نشرها في مجلة الأقلام أواسط الثمانينيّات من القرن الماضي، أو في الجرائد والدوريّات العراقيّة الأخرى في أزمنة مختلفة ([199]) محاولا أن يُنجز مفاهيمه النقدية على وفق مبدأي: ضرورة الوعي بتلك الإشكاليّة، وضرورة عدم الوقوع تحت وطأة الانبهار بثقافة تختلف كثيرا عن ثقافتنا ومعضلاتها الخاصّة، وذلك حينما تيقّن أنّ النقد العربي المعاصر في جانبه التطبيقي الذي يُظهر ثقافة الناقد وجرأته هو نقدٌ مضمحلٌّ ( لحساب الهرطقات النظريّة التي لا تُؤسّس ولا تبتكر، بل تقلّد وتُترجم ! )([200]).
        و لعلّ أشدّ ما يزعج الصكر في النقد الحداثي الآخذ من الغرب هو تكثير المصطلحات والخلاف المفاهيمي حولها، ولاسيما المتعلّقة منها بالسرد.
       ولذلك حين يقرن الصكر بين الناقدين الغربي والعربي في تعاطي الدرس البنيوي منهجا ونظريّة، يجد الأول قد تهيّأت له وسائط مناسبة تعينه في تفحّص الأسس النظريّة التي راح الناقد الغربي على إثرها يشتغل على نصوص محددة لاختبار تلك الأسس، باعتبار أن التطبيق نشاط نقدي يهدف فيما يهدف إلى اختبار صحة المفاهيم النقديّة، في حين لم تتوافر تلك الوسائط للنقّاد العرب بنفس الدرجة، وهو ما جعل أولئك النقّاد ( العرب ) يصطنعون فضاءً خاصّا للنص سرعان ما يتّضح بعد المتابعة والتحليل أنّه من صنع النقّاد أنفسهم لا من صنع النص، أي أنه فضاء الناقد وهو يتعامل مع النص قبل أن يكون فضاء النص نفسه([201]).
      وانطلاقا من هذا التصوّر  يجد الصكر أنّ  النص الأدبي  بوصفه المحكّ الذي تُقاس به النتائج سيكون الخاسر الوحيد نهاية الأمر بسبب كلّ تلك الهرطقات المشار إليها، فالنص عند المهرطقين من النقّاد ما هو إلّا ( الضحيّة التي ينساها المُنظّرون، وهم يجدّفون بعيدا عن شواطئها الوعرة )([202])
         إنّ هذا الموقف النقدي الذي يقفه الصكر المؤمن بالقيمة المعرفيّة للنقد([203]) يمثّل ردّ فعل على التخمة التي أصيب بها النقد الأدبي العربي والعراقي قبل ثمانينيّات القرن الماضي بسبب طبيعة المناهج المدرسيّة التي كانت تفرض في البحوث الأكاديميّة أمورا لا تمتّ بصلة أو رابطة حقيقيّة إلى النص، وقد عبّر الناقد الصكر عن هذه المسألة بوضوح شديد حين حدّد – لاحقا – ما لا يمت للنص الأدبي بمثل تلك الصلة، مثل كثرة الحديث في تلك الدراسات عن أمور أخرى غريبة عن النص، كالحديث عن: ( حياة الشاعر وسكن زوجاته وأبنائه، وما قد مرّ به من أمراض وعلل، وسوى ذلك، ثمّ يتضاءل النص – على إثر ذلك – إلى زاوية معتمة من الدرس الأدبي )([204])، ولعلّ ردّ الفعل القوي هذا، هو ما جعل حاتما الصكر ينظر إلى النص على أنه المرجع الوحيد الذي يُقتضى أن يُنظر إليه بالاعتداد الذي يستحقّ ساعيا من خلال ذلك إلى إبعاد أي تنظير متمترس خلف أيّة نظريّة (قويّة) خشية على النص الأدبي نفسه من الضياع والذوبان في حومة الاحتدام التنظيري، لا رهبَة من التنظير لذاته([205]).
      وتبيّن لنا من خلال صفحات البحث السابقة أنّ الصكر تأثّر بمنهج الاستقبال وطروحات نقّاده الفلسفيّة، وكان تأثّره قد تجلّى واضحا قويّا في منتصف التسعينيّات، وبسبب هذا التأثّر والانحياز لمنهج الاستقبال راح الناقد يعدّل من مجمل قناعاته النقديّة، وهذا يظهر جليّا من خلال صفحات كتابه ( ترويض النص ) الذي كان بالأصل رسالته المسجّلة للماجستير، إذ بدت له أهميّة التعاطي مع النظريّات الفلسفيّة المختلفة، وضرورة استيعاب أسسها العامّة، لأنّه يرى أنّ ذلك يمكّن من إقامة جسور فاعلة بين الثقافات المتنوّعة، ويهيّء للناقد المطّلع استيعاب البعد التجريدي لتلك النظريّات، ممّا  يُسهم في إغناء العمليّة النقديّة برمّتها([206]) .
       ومن نافلة القول إنّ مجموعة دراسات الصكر وتطبيقاته الكثيرة تؤكّد حقيقة تيقّنه من أنّ المفاهيم النظريّة لدى الناقد، إذا كانت تشتق قوانينها وإجراءاتها ومصطلحاتها ومفاهيمها المتعلّقة بذلك من حاضنة النص نفسه، فإنّ ذلك سيمنحها مصداقيّة كبيرة بشرط عدم تحوّل تلك المفاهيم إلى جهاز نظريٍّ قويٍّ يلتهم النص، ويقزّمه.
         وهو ما يجعلنا نذهب إلى أنّ الصكر لم يسعَ من خلال خطابه النقدي إلى خطاب فلسفي يؤدّي بمن يتذرّع به من النقّاد إلى هدر التشكيل الجمالي الذي تتحصّن به النصوص الإبداعيّة لإثبات كفاءتها وجودتها، مُسلّمين بأن البارع من النقّاد هو من يستخلص مواقفه واصطفافاته النقديّة من آفاق التشكيل الذي تزخر به تلك النصوص، لا من التصريحات والمقولات الفلسفيّة البعيدة عن جوهر الأدب والموضوعة لفكر مجرّد يجافي طبيعة الصورة واللغة الشعريّتين.
      إنّ افتتان حاتم الصكر وانحيازه للنص قابله عدمُ اكتراث من الناقد المؤمن بالقيمة الاجتماعيّة للنقد بالتنظير الذي يبتلع النص، ويغيّب طاقته الجماليّة، وقيمه المعرفيّة والفنيّة، وهنا لا نعدم أن نجد لموقف الصكر هذا آراء وقناعات تغذّيه عند بعض الذين قرأهم وأفاد منهم من النقّاد الغربيين المعاصرين المهتمّين بشؤون النظريّة الأدبيّة والنقديّة، مثل الناقد الإنجليزي الماركسي تيري إيجلتون الذي يرى بهذا الشأن: أن النظرية – بمعناها الواسع- عندما تتجاوز الممارسة، فإنّ ذلك يشير إلى وجود مشكلة في الواقع الاجتماعي العملي، وهو ما سيدفع النظريّة إلى الالتفات إلى نفسها بأشكال أخرى قد تكون غير منتجة وغير مثمرة، وهذا يعني: أنّ النظريّة ستُصبح – حينئذ – فعّاليّة مكتفية بنفسها، ومولّدة لذاتها بعيدا عن النصوص الإبداعيّة التي يفترض أنّها هي التي تشغّل آليّات التنظير([207]).   
       ولعلّ هذا الموقف الذي يتّخذه الصكر هو ما يفسّر لنا خلوّ متنه النقدي، أو يكاد، من التنظير النقدي الخاص بالتيارات والمناهج النقديّة الوافدة، كالبنيويّة والتفكيك، والسيميائيّة، وسوى ذلك من مناهج ونظريّات، على الرغم من اعتماده على كثير إجراءاتها وآليّاتها  عند تحليل النصوص الأدبيّة.
       وبذا يسعى الصكر لكي يقيم تصوّراته النقديّة بمنأى عن تلك الآفات والمزالق التي أشرنا إليها، إذ كانت تلك الآفات والمزالق تقلقُه وتربك حساباته عند التمعّن في واقع النقد العربي ومستقبله، ولا سيّما في بلد مثل العراق([208]). وهو ما دعاه كي ينظر بواقعيّة شديدة لإشكاليّة المفاهيم ودورها في رصّ الجهد النقدي بشقّيه التنظيري والتطبيقي، وذلك من خلال زجّ تصوراته المفهوميّة لتنصهر في بوتقة الإشكال الجمالي القريب من جوهر قضيّة النقد الأدبي، وهو حيّز متمثّل في رصد نماذج التعبير الفني الذي يعتمده المبدع بغية تخييل تجاربِه وتصوراتِه تخييلا مؤثّرا ومنسجما، ثمّ تحليل هذه النماذج، وبيان مواطن جماليّاتها وأسرارها.           
      وهذه قيمٌ – كما نرى- جديرةٌ بأن يتطلّع إليها الناقد الجاد ليستثمرها بعيدا عن قضايا ومفاهيم ومنطلقات هي في حقيقة أمرها وليدة واقع حضاري آخر يختلف عن واقعنا العربي اختلافا ليس بقليل، دون أن يعني ذلك – بطبيعة الحال – عدم  حاجتنا لما توصّل إليه النقد الغربي في هذا المضمار من تقاليد راسخة، وهي تقاليد قائمة على أسس علميّة ومستندة إلى رصيد من الأعراف والنظم ذات القواعد الحيّة([209])، وهو ما نجد الصكر ملتزما به في الموضع الذي يلحّ عليه مطلب البحث أو الفكرة وطبيعتها في متنه النقدي من أجل مواجهة النصوص وقراءتها على وفق وعي مفهومي هو بالضرورة مقدمة من مقدّمات الإجراء([210]).
       بمعنى آخر أن حاتما الصكر ظلّ في وعيه المفهومي والتنظيري ناقدا وفيّا للواقع الثقافي الذي عاش تفاصيله الدقيقة، وذلك من خلال انبثاق جهده التنظيري واحتكامه إلى حاضنة النصوص الإبداعيّة العربيّة وارتباطاتها واشتراطاتها التاريخيّة والاجتماعيّة والثقافيّة. ولهذا، نجد الصكر يعترض على المراجعات التي قام بها الغذّامي مثلا، في بعض نقده الثقافي للنصوص الشعريّة وأصحابها، المتنبي، أدونيس، نزار قباني([211])، إذ صوّرت هذه المراجعات النقد الثقافي واشتغالاته كأنّها ارتداد على الأدبي في تلك النصوص، وقد صار الاقتراب من الأدبيّة فيها دليلا عند الغذّامي على الفهم القَبْلي لوظيفة الأدب وجماليّاته كما يذهب الصكر([212]). ولذا يلمّح الصكر لهذه المناوأة في مساهمته ضمن الكتاب التذكاري الذي صدر عن الغذامي  بمداخلته المعنونة: عبد الله الغذّامي: الشبيه المختلف([213]).
      إذ إنّ ما ينتهي إليه الصكر في مقالته هذه تمحوّر في كون الروح النقديّة الغالبة على جهد الغذّامي في مرحلة ( النقد الثقافي ) قد حوّلت القراءة الثقافيّة إلى محاكمات أخلاقيّة بالمعنى الفلسفي، وبذلك فقد تراجعت بالنقد الأدبي إلى نبش في السِّير، وإلى استدلال بالنصوص الشعريّة على ضِعة المتنبي وأنثويّة نزار قبّاني ونرجسيّة أدونيس وغير ذلك من الأمور، وهو ما أعاد جهود عبد الله الغذّامي للعمل داخل الحياة الخاصة والتاريخ والوقائع الإخباريّة المشكوك بصحتها أصلاً،  والتي كان الغذّامي في أيام حماسته النصوصيّة الأولى  واحدا ( من أكثر النقّاد كراهية لها )([214])
       وبذلك فقد تنازل الغذّامي عن النصوص ذاتها مستعينا بالأخبار وحدها لتجريم الشعراء غير مكترث بكون النصوص مستندات وحيدة يمكن اتخاذها أساسا للتحليل الذي طالما، رآه الصكر الإجراء المناسب للممارسة النقديّة على الرغم من تغيّر العناوين واختلاف المنهجيّات والظواهر والموضوعات([215]).
         وانطلاقا من تعزّز موقف الصكر النصوصي هذا، نجده لا يتردد في عدّ النصوص التي احتكّ بها نقديّا ذاتَ أثر في تيقّنه من قناعاته النظريّة وافتراضاته وحدوسه الشعريّة والنقديّة، بل كان أغلبُ تلك النصوص التي تحرّك صوبها نقديّا بمثابة الشرارة التي أوقدت الفكرة والاستنتاج من بعدُ، وكما يصرّح([216]). وهذا – لا ريب – نزوع نقدي حداثي متمثّل بالسعي لمحاولة استنباط المفاهيم النقدية من النصّ الإبداعي مباشرةً لا من خارجه، فالحداثة ضمن مشروعها المعرفي قد اشترطت هذا الشرط كي لا يُفرض عليها نقد من خارج النصوص الإبداعية التي تُبدعها([217]).‏
       ويؤكّد الصكر في أكثر من مرّة كون النصوص هي المنبع الذي يستقي منه تأمّلاته وتصوّراته وأفكاره ومفاهيمه العامّة والخاصّة، فيقول – على سبيل المثال – وهو يتابع مفهوم الشعريّة في قصيدة النثر: ( إنّ النصوص ذاتها هي التي تهبنا ملامح الشعريّة التي نزعم أنّ قصيدة النثر هي الانتقالةُ الملموسة باتجاهها )([218]). ويضيف في موضع آخر متحدّثا عن قدرة النصوص الإبداعيّة على خلخلة القوانين والحدود الأدبيّة التي ظنّ واضعوها – توهّما – أنّها صارمة، فيقول: ( إنّ التحديدات الأجناسيّة لن تصمد أزاء الممارسات النصيّة، وما تقدّمه النصوص كتحقّقات ملموسة من مادّة تصعب على الانضواء تحت جنس معيّن )([219]) .
       إنّ عناية الصكر الزائدة بالنص على حساب ما سواه – إذن – هي ما أبعده عن التنظير الزائد وعن تكثير المصطلحات وإسقاط النظريّات على الأعمال الأدبيّة، ما دامت تلك الأعمال ( لا تمتلك من الحقيقة العارية المطلقة إلّا جوهرها الخفي الذي لا يخضع لمثاليّة التجريد، ولا لماديّة العلم وتجريبيّته )([220]).
      ولعلّ هذه العناية هي ذاتها التي دعت الناقد إلى عدم تبنِّي نظريّات أو مفاهيم نقديّة نهائيّة، وإلى الحذر من اكتظاظ المصطلحات، وإسقاط النظريّات على النصوص بدون وعي، وهو ما أبعد بحثه ودراساته في معظمها عن التجريد الذي توسم به الأبحاث النظريّة عادة. لأنّ الطريقة التي انتهجها الناقد جعلت تلك الآراء والمفاهيم والقناعات متولّدة من استقرائه للشواهد والأمثلة التي تسترعي اهتمامه، ولا سيّما أنّ الرجل من المؤمنين – كما بدا لنا – بأنّ النقد الأدبي ما هو إلّا ملمح من ملامح الحياة التي إن لم نتفهّمها بالنظريّات المجرّدة والأفكار المتعاليّة تفهّمناها بالمعاناة الحقيقيّة المعاشة. ولذا نجد بعض الدارسين حين تعرّضوا بشكل سريع لمنجز حاتم الصكر النقدي قد شخّصوا تعزّز الجانب النصوصي في رؤيته النقدية وفي ممارساته التطبيقيّة على حساب ما سواه من جوانب أخرى مشيرين إلى عدّه النصَّ مجالَ الدراسة والتوصّلات النظريّة، وما تؤول إليه من إجراءات تؤدي إليها تلك التوصّلات. وهذا ما جعل هؤلاء الدارسين يرصدون غلَبَة التطبيقات في منجزه النقدي على حساب التنظير المجرّد، ومن هؤلاء الباحثين – على سبيل المثال لا الحصر- نذكر: الدكتور أحمد مطلوب([221])، والدكتور شجاع العاني([222]) والدكتور عناد غزوان([223])، والدكتور حسين عبّود الهلالي([224])، والناقد سعيد الغانمي([225]) ، والدكتور عبد الله أبو هيف([226])، والدكتور مرشد الزبيدي([227]).
        غير أنّ احتكاك الصكر بالنصوص وشغفه بها عمّا سواها لا يعني الانحباس داخلها دون النظر إلى دلالة انتظامها وموضوعاتها وأبنيتها، وهذا ما سيدخل الناقد في نشاط أو مجال نقدي آخر إلى جانب تحليل النصوص، هو مجال نظريّة الأدب والتبدّلات الفنيّة والجماليّة في مزايا الأنواع الأدبية وخصائصها الفنيّة الأسلوبيّة، وكذلك تلقّيها وقراءتها.   
       وسنحاول في مباحثنا القادمة التي خصّصناها لعرض مفاهيم حاتم الصكر النقديّة أن نستجلي طبيعة تنظيراته النقديّة ونشاطاته المشار إليها مركّزين على المفاهيم والتصوّرات المعرفيّة التي اضطلع بها الناقد في تناوله للخطاب الشعري تحديدا، لأن مدار هذه الدراسة هو خطاب نقد الشعر – كما تبدّى لنا – في مدونة حاتم الصكر النقديّة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أننا قد نلجأ في مواضع كثيرة من سطور هذه المباحث إلى الاعتماد على تطبيقات الصكر النقديّة لاستمداد الفكرة واستنتاج ما يترتب عليها نظرا لقلّة حجم التنظير النقدي الذي كتبه الناقد إذا ما قيس بحجم التطبيق، وكما أشرنا إلى ذلك في سطور سابقة .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ب / مفهوما  الشعر والقصيدة
       قبل التوقّف لفحص الجهد النظري عند الناقد حاتم الصكر لا بدّ من تأمّل مفهومه للشعر، وهو مفهوم يدور في فلك أفق حداثي مغايرٍ ومتجاوزٍ لما قبله من آفاق تقليديّة خصّصتها مفاهيم نقديّة سابقة، ثابتة ومستقرّة .
         مارس الصكر – وكما نوّهنا إلى ذلك – كتابة الشعر فأصدر أربع مجموعات شعريّة هي : (مرافئ المدن البعيدة  في عام 1974) (طرقات بين الطفولة والبحر 1980) ( ملاذ أخير ) وأخيرا  ( الهبوط إلى برج القوس ) .
   وعلى الرغم من إحجام النقّاد عن التعرّض لهذه المجاميع الشعريّة والكشف عن قيمتها الفنيّة([228])، فإنّ الصكر كتب شعر التفعيلة كما يتّضح من ديوانيه الأولين المطبوعين، وكتب شعرا متحرّرا من الوزن والقافية كما أبان ذلك ديواناه الأخيران، اللذان وإن تحرّر فيهما من الوزن والقافية فقد ظلّ حاتم الشاعر محتفلا بإيقاع داخليّ ينبع من داخل حركة القصيدة، وينبثق من تركيبها الداخلي ومن عناصر بنائها الفني، وكأنّ الصكر يجعل – بذلك – من شعره محكّا لرؤيته العامّة بحيث ستجسّد قصائده التي كتبها كثيرا من تصوّراته التي سنعرض لها .
       وإذ نشير هنا إلى مسألة كتابته الشعر، فإن الأمر لا يعدو كون تلك الكتابة تمثّل الممارسة العمليّة التي جسّد حاتم الصكر من خلالها مفاهيمه النظريّة لماهيّة القصيدة الشعريّة التي تعامل معها إبداعيّا خارج قيدي الوزن والقافية تجسيدا تكاد تتماهى فيه الكتابة الشعريّة مع السمات الجوهريّة المكوّنة لها، وكما رآها، في حين إنّ مسألة التعرّف على الدرجة التي حقّق فيها نصّ الصكر الشعري مستوى ما من مستويات التمثيل والاستجابة لمنطلقاته النظريّة ومفاهيمه الخاصّة، هي مسألة تقتضي معاينة منجزه الشعري كاملا بمجموعاته الأربع معاينةً تكشف عن عناصر تطوّر تجربته الشعريّة، وعن المستوى الذي تمّ من خلاله تنفيذ تلك المنطلقات والمفاهيم ودرجة تحقّقها في عموم ذلك المنجز، وهو ما يتطلّب دراسة قائمة بذاتها ومنفصلة عن أطروحتنا هذه . وعلى أيّة حال فإنّ حاتما الصكر ناقدا أكبرُ منه شاعرا، وأكثرُ حضورا وشهرةً وتأثيرا، بالرغم من إلحاحه  في حديثه عن نفسه أنّه كاتب أو قارئ للنصوص أكثر من كونه ناقدا أدبيّا([229]).
     يُبدي الصكر إعجابه ببعض الشعراء العالميين وبقصائدهم التي تعدّت حدودها النصيّة لتعيش في الذاكرة الشعريّة الإنسانيّة علامةً على التحوّل في الرؤية والذائقة، لأنّ قصائد مثل ( المدينة لكافافي، والنمر لوليم بليك، وأربعاء الرماد والرجال الجُوف لإليوت من الأمثلة الحاضرة على فعل النص وتأثيره، لكن (أغنية نفسي) للشاعر الأمريكي  (وولت ويتمان) تدعو للوقوف عند دلالاتها ذاتياً بالنسبة لكتابتها، وموضوعيّا باعتبار أثرها في الكتابة الشعريّة )([230])، وبذا فإنّ اطلاع الصكر على شعراء الطليعة والتحديث في الغرب وإعجابه بهم كان له دور في إنضاج مفهومه لقصيدة التفعيلة ولقصيدة النثر فيما بعد، وفي ممارسته الإبداعيّة في كتابة هذا الشعر، إذ لم يكتب الصكر – فيما كتب من شعر- قصيدة واحدة تنتمي للشعر العمودي .
        ولا شك، إنّ الشعر المترجم إلى العربية أو المقروء بلغاته الأصليّة قد ترك تأثيرا بيّنا في تغّير الفهم الفنّي والجمالي للقصيدة العربيّة، ويبدو تأثير الشعر الأجنبي واضحا منذ بدايات التجربة الرومانسيّة العربيّة التي جسّدتها جماعة الديوان وأبوللو والمهجر من خلال انفتاح أصحاب هذه الجماعات على الأدب الرومانسي الأمريكي والإنجليزي . وهو ما نلمسه – كذلك – في تجربة الشعر الحر، إذ ليس مصادفة – كما يرى الصكر – أن يكون روّاده الأوائل من المطّلعين على تجارب الشعر الغربي في عصوره المختلفة([231])، فضلا عن كون ذلك الشعر    – أي الشعر المترجم – قد حقق هدفين مهمّين: أولهما بنائي يتمثّل باقتراح السطر بديلاً للبيت الشعري، وثانيهما جمالي يتجسّد عبر ترسيخ نوع شعري لا يندرج ضمن النمط المنتظر لدى القارئ وزناً وقافية، لكنه سيترك (أثر) الشعر في نفس القارئ، وبذا سيتّسع مفهوم الشعر ليشمل ما لا يمتثل للتقاليد الشعريّة السائدة ([232]) .
        وهنا نجد موقف الصكر على النقيض من بعض المواقف النقديّة المحافظة كموقف نازك الملائكة في كتابها: قضايا الشعر المعاصر، وذهابها، مثلا، إلى أنّ الشعر المترجم إلى العربيّة هو أحد الإشكالات المسيئة التي واجهت حركة التحديث الشعري العربي([233]).
        في حين يرى الصكر أنّ الترجمة الشعريّة من لغات أخرى أسهمت كثيرا في بلبلة منظور القارئ وفي أفق تلقّيه لأنّها عملت على منحه إحساسا أو ( أثرا ) شعريّا غايته روح الشعر وجوهره لا قشرته أو مظاهره الخارجية، وذلك من خلال نوع من الكلام غير الخاضع للقواعد التي عهدتها خبرة القارئ بالنوع الشعري المعروف([234])، ولذا يعدّ حاتم الصكر الترجمة الشعريّة للّغة العربيّة من لغات أخرى ( تمهيدا لقبول النثر في الشعر )([235]). وما يقصده الصكر بالنثر هنا، هو النثر الفني المستجيب لشروط إبداعية تعتمد المجاوزات الفنيّة والعواطف والانفعالات، أي النثر المولّد للرؤى والصور والمواقف والحالات الشعريّة، وهو ما موجود في تاريخ العلاقة بين النثر والشعر في الكتابة الأدبيّة عموما([236])، كوجود نصوص نثريّة تحسب على الشعر بسبب إشراقيّاتها وإيقاعاتها ولغتها وقدرتها على أن تخلق من الأثر ما لا تخلقه الأشكال الشعريّة الرسميّة، ولذا يطلق حاتم الصكر على عمليّة جلب صياغات النثر إلى منطقة الشعر أو إلى مركز القصيدة مصطلح ( استراتيجيّة النثر في القصيدة )([237]) إذ يتمّ – على وفق هذه الاستراتيجيّة –  اقتراض صياغات النثر وإدراجها في سياق شعري، وليس العكس، أي ليس من خلال الذهاب بالشعر إلى منطقة النثر([238]).
        وهنا يصطف الصكر مع من يقلب المعادلة المألوفة في الكتابة الأدبيّة العربيّة، القديمة والحديثة، إذ يمدّنا التراث عند العودة إليه بسند نصّي ليس بقليل تمّ من خلاله الذهاب بالشعر إلى منطقة النثر، فإيقاعات الشعر في شعريّة الكتابات النثريّة للتوحيدي والنفرِّي والخرّاز وابن حزم وغيرهم، هي إيقاعات من الممكن الوقوف عليها وتشخيصها، سواء من حيث بروز عنصر الإيقاع أو غيره، وكذلك الحال في ما فعله كتّاب النثر أو الشعر المنثور في العصر الحديث مثل جبران وأمين الريحاني وروفائيل بطي وغيرهم.
         ويقترب الصكر في وعيه لفن الشعر من مفهوم مثالي ذي نزعة رؤيويّة رومانسيّة جعلته يعتقد بمبدأ الإلهام وضرورته، ولا سيّما في دفقته الأولى لحظة انبثاق القصيدة([239]).
       لا ضير – على وفق هذا التصوّر –  في بقاء الشعر فنّا للنخبة، فمنذ العصر العباسي وأبو تمام – بحسب الصكر – لا يُفهم وكان يحتاج إلى شروح من المهتمّين بالشعر ومن النقّاد العلماء، وفي العصر الحديث مازلنا نُواجَهُ بأسئلة من قبيل: ماذا يقصد أدونيس بكذا؟([240])
      في إحدى دراساته المعنونة: ( قصيدة القراءة وشعر الجمهور، أعراف تلقٍّ وشعريّات متغيّرة ) ضمن كتابه: ( في غيبوبة الذكرى ) يسعى الصكر لتفنيد  آراء نازك الملائكة في كتابها: ( قضايا الشعر المعاصر) وهي تعالج علاقة الشعر بالجمهور المجافي لحركة التجديد الشعري عند الروّاد متعلّلة بأن هذا الجمهور مرتبط بتراث قديم وأصيل كتراثنا العربي، وعليه فالجمهور عند نازك الملائكة ( لا يعدو أن يكون أحد اثنين: إما أنه متأخّر في ثقافته ووعيه الشعري والأدبي وذوقه بحيث لا يستطيع أن يصل إلى فهم حركة جديدة مازالت تبدو له غامضة، وإمّا أنه محقٌّ في رفضه لهذا الشعر لسبب وجيه ما)([241]).
         والصكر إذ يناقش رأي نازك في هذه المسألة يرى فيما ذهبت إليه مطلباً تراجعيّا ومحاولة لتطمين أفق انتظار الجمهور وإرضائه دون صدم أو بلبلة لمنظوره، وكأنّ ( نازك نقضت في شرح الأسباب ما كانت شخّصته في إجمال تلك الأسباب والعوامل؛ إذ رأت أن موقف الرفض يعبّر عن نمط من التفكير العام الذي يقابل به الجمهور- أيّ جمهور- كلّ حركة مجددة، ومنها حركة الشعر الحر… لكن نازك بدلاً عن الدعوة لتغيير أفق الجمهور وتعديله بما تقترح النصوص الجديدة تذهب إلى تخطئة تلك المحاولات المعدّلة والمحوّرة والمجددة في شكل النص )([242]). وينتهي الصكر إلى أنّ الجمهور ليس الرأي الشعبي العام المتلقّي للشعر والرافض له بسبب كثافة الجسم الشعري المتكوّن عبر تاريخ الشعريّة العربيّة، بل هو ( الرأي النقدي أو الأدبي المتسيّد لا على فكر الجماعة التي انتحلت لها نازك الأعذار بتأخّرها المفترض عن وعي الشعراء أنفسهم؛ بل على فكر الخاصة من المهتمّين بالشعر ودارسيه ومؤرّخيه ومدرّسيه ونقّاده)([243])، وإنّ ترحيل هذا المفهوم الأخير إلى صلة الشعر بالجمهور المتلقي ستعمل على (تجميد دم الجسم الشعري فنيّا، وكسل طاقة التلقي جماليّا، كما ستراكم على مستوى تبدّلات أعراف الأجناس والأنواع الأدبيّة واستحداث شعريّات جديدة مزايا وخصائص تتحصّن خلفها قناعات وثوابت تصبح شيئاً فشيئاً مصدّات ومحددات لأي تجديد أو تحديث )([244])، وهو ما سيكرّس الشعر ركاما من النصوص التي لا تمييز أو تباين بينها، في حين ستختفي النصوص المتفرّدة أو القصائد – كما يسمّيها الصكر- لأنها اندرجت في وعي الذات الغائبة والملغاة من عمليّة التلقي بمستواها الجمعي (الجماهيري)([245]) .      
       من الجدير بالذكر أنّ عملية قراءة الشعر وتلقّيه ستُصبح هنا قراءة جمعيّة لا فرديّة، لذا نجد الصكر يقترح القصيدة بديلا  للشعر، أمّا الذاتَ القارئة التي لم تعد تتلقى الشعر في محفل عام مستمِع، وإنّما في خلوة تامّة مع الديوان أو القصيدة، فإنّه سيضعها بمقابل القصيدة التي هي وحدة نصيّة تنتمي إلى النوع الشعري بوصفه جنسا أدبيّا([246]).
      وبما أنّ الجمهور – بحسب الصكر – هو الوسط الذي يتوجّه إليه الشعر محمّسا ومبشّرا ومنددا، لذا فإنّ الشعر حتى يكسب رضا هذا الجمهور لابدّ أن يتنازل عن ضرورات الفن لإرضاء المجموع من خلال تكرار الصياغات والتراكيب والإيقاعات والصور([247]). في حين إنّ القصيدة  ذات خصوصيّة، صياغيّة، وجماليّة، وإيقاعيّة، ودلاليّة تتطلب قراءة خاصة بما تضيف أو تعدّل من ثوابت الشعر القارّة في نفس المتلقي عبر الزمن وتعليل تذوّقه الجمالي، ولعلّ هذا التراتب الذي يلجأ إليه حاتم الصكر يكشف لنا عن وعي دقيق تحصّل للناقد نتيجة لتغاير المواقع التي درج عليها المتلقّي، أو القارئ لإيجاد تعليل للمتعة المصاحبة لقراءة الشعر وتلقي الفن، وهو ما يمثّل ديدن النظريات النقديّة الحديثة المنطلقة من حاضنات فلسفيّة جماليّة في محاولاتها للوقوف على أبعاد هذه المتعة التي ستكون مبتورة من وظيفتها الاجتماعية إذا بقيت علاقة الجمهور بالعمل الفنّي منغلقة ضمن حلقة مفرغة([248]) . لذا، فإنّ نخبويّة الشعر فنيّة جماليّة على مستويي كتابته وقراءته، وهي لا تُلغي عند الصكر إنسانيّة الشعر أو اجتماعيّته أو وطنيّته؛ بل إنّ الشعر كثيرا ما ( ينمّي بخصوصيّته وتبدّلاته الأسلوبيّة الحسّ الإنساني لدى الفرد، ومن بعد لدى الجماعة ذاتها، كما يسمح منظور التحديث في القصيدة باستيعاب اللغة اليوميّة والشخصيّات والمواقف دون سلطة مسبقة لنموذج محدّد )([249]). ومن أجل أن يتحقّق للأدب وللشعر وللفن – عموما – إنسانيته وجدّته، فقد دعا الصكر الناقد إلى حريّة المثقف أو الأديب المبدع، وهو يواجه السلطة بشتى أشكالها وبمختلف وسائلها، فالفنّانون والأدباء والشعراء – كما رآهم الصكر – أصحاب رؤى، وهم قادرون من خلال وعيهم الحاذق على تجاوز الراهن واستشراف المستقبل، والشاعر الحقّ لا يكفّ عن إبداع الأشكال وتغيير الأزياء  من خلال تجريب اللغة والوصول بها إلى رؤية جديدة للعالم متجاوزة الرؤى القديمة، فما العمل الشعري إلّا سلسلة ( من النصوص، وهي تتجاوز نفسها، وتتوالد مفترقة عن بعضها )([250]).
       وقد تحرّك الصكر في قراءاته وتحليلاته التطبيقيّة صوب نصوص شعريّة عديدة ومتنوّعة، فتناول شعراء عديدين من اتجاهات وأزمنة مختلفة، إذ تصدّى لشعراء من عصور عربيّة قديمة، مثل (عنترة العبسي، مالك بن الريب، أبو الطيّب المتنبي، أبو تمّام، ابن خفاجة الأندلسي، وبعض المتصوّفة ) وقرأ نصوصا شعريّة أخرى حديثة مختلفة كان أغلبها لشعراء كتبوا شعر الشطرين ( الزهاوي، الجواهري، إليا أبو ماضي، أبو القاسم الشابي، البردوني، وسواهم ) ولشعرء التفعيلة كـ(بدر شاكر السيّاب، نازك الملائكة، أدونيس، البياتي، البريكان، رشدي العامل، محمود درويش، سامي مهدي، وغيرهم)، كما درس الصكر نصوصا مختلفة لشعراء آخرين تحرّروا من كثير من القيود الشكليّة، فكتبوا قصيدة النثر، مثل (أدونيس، أنسي الحاج، محمد الماغوط، سركون بولص، طالب عبد العزيز، وسواهم )، كما تناول الصكر الناقد – انطلاقا من قناعته بأنّ الشعر بأثره لا بقصده – إشارات الخرّاز وابن عربي ومواقف النفرّي ومخاطباته على أنها شعر لما فيها من التشكّل الفني الذي يترك أثرا كأثر الشعر المتواطَأ على اصطلاحه ومفهومه، وانطلاقا من كون تلك النصوص تمتلك القدرة في أن تترك أثرا أكبر ممّا تقدّمه عديدٌ من النصوص المتكاثرة اليوم من حولنا([251]). ومن خلال إلقاء نظرة سريعة على أسماء الشعراء الذين قارب الصكر نصوصهم الشعريّة في عموم مدوّنته النقديّة، يبدو لنا بوضوح ظاهر أنّهم لا يشكّلون مجموعة متجانسة ولا يمكن معالجة أعمالهم والنظر إليها بصورة واحدة، سواء على مستوى حقبهم الزمنيّة أم على مستوى طرائقهم في التعبير، لأنّ الاختلاف بينهم في الواقع كبير، وربّما توحي بدرجة هذا الاختلاف المدارس الأدبيّة والمذاهب الفنيّة التي توزّعت عليها الأعمال الشعريّة للمعاصرين من هؤلاء الشعراء الذين استرعوا اهتمام الصكر نقديّا، وهو اهتمام قائم بالأساس على الاستجابة للأثر الذي يتركه النص الإبداعي على ذاته بوصفه قارئا، وعلى ما ينتاب هذه الذات من بواعث وإغراءات لحظة اندماجها بالنص المقروء، ولعلّ هذا هو ما شكّل الخيط الذي تنتظم فيه كلّ تلك النصوص غير المتجانسة والمتباعدة عن بعضها زمنيّا وفنيّا. وليس من المصادفة أن يتنبّه الصكر – في هذا الخصوص – لآراء جاكوبسن الذي استند إلى نظام (المهيمنة )* في الرسالة الشعريّة بحسب الوظيفة التي تتصدر العمل الفنّي أو الأدبي، فـإذا كانت الشاعرية ( أيّ وظيفة بلغت في أهميتها درجة الهيمنة في أثر أدبي، فإننا سنتحدّث حينئذ عن شعر )([252]). ويرى الصكر أنّ هذا التوسيع الذي يقترحه جاكوبسن سيمهّد الطريق لقبول ما ليس منضوياً ضمن إطار النظم، إذ إنّ أهم ما يميّز الأدب أو الفن ويمنحه خاصيّته هو وظيفته التي تهيمن عليه، وهذه الوظيفة – بحسب رائدي التنظير الأدبي الحديث – ستظل في المحصّلة النهائيّة وظيفة ذات طبيعة جماليّة بالرغم من وجود عناصر جماليّة أخرى لا تقلّ أهميّة داخل النسيج العام للعمل الفنّي كالأسلوب والتأليف مثلا([253]). أمّا تلك الوظيفة المؤدّية إلى طبيعة جماليّة فقد تقتضي عند حاتم الصكر الناقد – في بعض الأحيان – تحويلا نوعيّا في المعنى الشعري الذي تصوغه الأعمال الشعريّة، وكما يظهر في بعض اشتغالاته على مجموعة من نماذج التجارب الإبداعيّة المهمّة لدى بعض شعراء الحداثة العرب([254]).
       من هنا كان توسيع جاكوبسن المستند لنظام المهيمنة في الرسالة الشعريّة بحسب الوظيفة المتصدّرة للعمل الأدبي مُثيرا انتباه الصكر إلى وحدة الفنون وتداخل الأجناس الأدبيّة وتنافذها، وإلى انتشار روح الشعر في أشكال وأعمال لم تكن على لائحة المهتمّين بتوليد قوانين الأدب وتقصيد أساليبه([255])، وهو ذاته ما وجّه جهود الصكر الناقد واهتماماته صوب أعمال نثرية تراثيّة متنوّعة، ونماذج متعددة من قصيدة النثر الحديثة ليقتفي آثار الشعر فيها. ويؤكّد الصكر الناقد – في هذا الخصوص – أنّ الدراسات المعمّقة، ولا سيّما تلك الدراسات الحديثة في الشعريّة قد استطاعت التخفيف من حدّة التطرّف في مسألة الفصل بين الشعر والنثر، إذ صار بفضل تلك الدراسات تقبّل مصطلح إشكالي مثل مصطلح ( قصيدة النثر ) وقبولها – كذلك – على أنّها كتابة شعريّة جديدة قادرة على تذويب الحدود، وإزالتها بين منطقتي الشعر والنثر، خصوصا، وأنّ تلك الدراسات – كما يرى الصكر –  قد أشارت إلى أنّ النص الشعري لا يستجيب لقوانين جاهزة، وإنّما هو شكل فردي، وهذا هو عينه ما وجد الشعراء الجدد مصداقيته في قصيدة النثر([256]) .
        وبذا فإنّ الصكر يعرب من خلال اختياراته لتلك النصوص التي تحرّك صوبها عن انحيازه إليها واصطفافه معها نقديّا، وتصويته لها فكريّا، وهو تحرّك من الممكن أن يشير إلى أنواع التفضيل وضروب من الميول التي تُظهر استعدادات الصكر ووسائله التي شكّلت مواقفه النقديّة المنطلقة من استنتاجات سبق للفكر العالمي النقدي أن توصّل إليها، فالصكر يشير متّفقا مع جماعة الشكلانيين الروس – على سبيل المثال – إلى ( أنّ الخطاب يمكن أن يبقى شعرا حتى مع عدم المحافظة على الوزن )([257]). وهو ما يعني – أيضا – أن الصكر الناقد يوسّع من دائرة النصوص الشعريّة من خلال توسيعه مفهوم الشعر غير مكترث بشرطي الوزن والقافية اللذين لم يبرحهما كثير من النقّاد المعاصرين وهم يتعاطون هذا المفهوم متمسّكين بالهيكل الخارجي له دون ملامسة الجوهر الحقيقي للشعر.
          وبالنتيجة، فالصكر بذلك التوسيع لا يسيء الظنّ بأي نوع من النصوص التي تحرّك صوبها على اختلاف مشارب أصحابها وعلى اختلاف أزمنتهم! إذ ما دامت تلك النصوص – على تنوّعها – مشتملة على الإشارات والالتماعات التي تُحدث أثرا ما؛ فمن الواجب أن تحلّ مهَمَّة التأويل والفهم وإنجاز فعل القراءة بدل مَهمَّة النقد ذي النيّات المسبقة (التقويميّة والتصحيحيّة ) التي تحسب حسابا كبيرا لكاتب النص وأهدافه وانتماءاته، لأنّ في أعراف أصحاب المَهمَّة الأولى لم يعدّ للجغرافيات والأعراق والأشكال الفنيّة ولعامل الزمن دخلٌ في إقصاء نصّ شعري ما أو تقريبه.
       وفي هذا الشأن نجد الناقد يجتهد اجتهادا شخصيّا يحسب له، وهو مما يجب التنويه إليه، لكونه جهدا نقديّا منجزا يتميّز به الصكر عن منجز مجايليه من النقّاد العراقيّين على الأقل، وذلك من خلال تعويله على الأثر لا القصد بوصفه مركزا مهمّا عنده للافتراق عن النظريّة السائدة، ومبررا لقبول النثر في الشعر مادام النثر قادرا على أن يفعل في النفس ما يفعله الأثر الشعري ذاته([258]).
        الأثر لا القصد سيفتح دائرة النصوص التي اشتغل عليها الصكر بحيث لا يبيت الوزن أو القافية حافزا وحيدا لتوجيه بوصلة الناقد صوب ما يختار من نصوص إبداعيّة، ولا معيارا وحيدا – في الوقت عينه – لتحديد ما هو شعري وما هو غير شعري في نظره، إذ إنّ الأثر الذي هو من أكثر مصطلحات الناقد دورانا([259]) سيجعل العمليّة الشعريّة عند الصكر إحساسا وتأثّرا، شعورا وتفكيرا مستقلّا، مثلما هي فنّ الكلمة الأعلى، سواءً أجاءت تلك الكلمة محض صدفة عابرة أم جاءت ثمرة لتخطيط مسبق، وسواءً أقيلت مراعيةً الأسس والأعراف أم كانت ناسفة لها .
         غير أن الصكر – مع عنايته ببعض النصوص الشعريّة القديمة –  ظلّ ينقض مسألة ثبات الأشكال القديمة المستقرّة، والتي تحدد مفهوم الشعر استنادا إلى مبدأي الوزن والقافية، ساعيا للوصول بالشعر من خلال جهوده في قراءة بعض نماذجه إلى غاية تعزّزها الأشكال المتعددة الجديدة والآفاق المنفتحة، أو ما يُطلق عليه النص المفتوح الذي لا يعني انفتاحه إلّا تعقّب ما يحتويه من استعانات و توصّلات بالسرد أو بالوسائل الفنيّة المستعارة من أجناس فنيّة وأدبيّة مجاورة قادرة على أن تُسهم إسهاما فعّالا في البناء الدرامي لهذا النص ([260]).
         وعليه سنجد منجز الصكر النقدي خير شاهد على ذلك التحرّك الذي سيعيننا في استكشاف طبيعة مفهومه لفن الشعر الذي أقرّ – علنا وصراحة –  في أحد كتبه، وفي بعض حواراته أن تعريفه والوقوف على حدّه غاية لايمكن أن تدرك، وهو سيظلّ عصيّا على أيّ وصف أو تعريف([261]).
        ولعلّ مسألة العجز عن وضع حدٍّ مانع جامع للشعر ليست بجديدة على النقد والنقّاد إلى درجة أن أرسطو نفسه – كما يقول موريس بورا – لم يجد تعريفا كافيا شافيا للشعر([262]) . وهو ما يؤكّد كون الشعر فنّا ليس من السهولة وصفه وتحديد كنهه أو إدراك أبعاده، وهو ما يذهب إليه الصكر الذي يأتي عنوان كتابه النقدي الخامس (ما لا تؤدّيه الصفة ) دالّا بهذا الخصوص، إذ كثيرا ما يلمّح الصكر الناقد في كتابه هذا، فضلا عن تلميحه في بعض حواراته – أيضا – إلى أنّ الشعر ليس له وجود قائم بذاته من الممكن أن يُستدلّ به على ماهيّته أو جوهره بمجموعة من الخصائص والميزات الثابتة([263]) ، ونرى أنّ الصكر – في هذه النقطة –  يقترب من آراء حركة شعر، ومن منظّرها الأول أدونيس الذي يرى أن الشعر لا يمكن أن يُحدّد، لأنّ أي تحديد له لا بدّ أن يستند إلى قواعد ومقاييس، والشعر هو خرق مستمر للقواعد والمقاييس([264]).
      غير أنّ الحديث عن الشعر – بوصفه فنّا لغويّا – سينصرف بالضرورة إلى نوع من إعادة إنتاج الموضوع الواقعي الخارجي – وكما مرّ بنا – عبر أداء لغويّ نوعي لا يتمّ النظر إليه من خلال الاقتصار على منظار المعنى، فثمّة أمر آخر يتمثّل بالاحتكام إلى فضاء نسيج النص الشعري كاملا، وإلى الإصغاء لانتظام الخطاب ذاته. واستنادا إلى ذلك المنطلق فإنّ الشعر لا يعيد إنتاج الواقع فحسب، بل يبتكر عالما آخر بديلا تحدسه التجربة الشعريّة الموفّقة.
      وهذا عينه ما يكرّس له الصكر الناقد جهدا علميّا بيّنا من خلال القراءة التي مهما أوتيت من قوّة فإنّها لن تأتي – في النهاية – إلّا على بعض الوصف لذلك الانتظام، وربّما هذا ما جعل الناقد يصدِّرُ مبحثَه الموسوم (ما لا تؤدّيه الصفة، حول الإيقاع والإيقاع الداخلي في قصيدة النثر خاصّة) والذي يحمل ذاتُه عنوانَ الكتاب الرئيس بعبارة نسبها لإسحاق الموصلي هي: ( إنّ من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة، ولاتدركها الصفة )([265]). بيد أننا نستطيع – مع ذلك – أن نعدّ تلك النصوص الشعريّة التي تحرّك الصكر صوبها ذاتَ أثر في تيقّنه من قناعاته وحدوسه وافتراضاته، لأنّ أغلب تلك النصوص كان بمثابة ( الشرارة التي أوقدت الفكرة والاستنتاج من بعدُ)([266]).
      إذ مع إقرار الصكر بتمنّع الشعر عن الوصف والحدّ، فإنّ مفهومه لهذا الفنّ قد يتّضح لنا متجلّيّا عبر اهتمام الناقد وتمثّله نقديّا لبعض المسائل والثيمات التي تراعي ضرورة التلاحم العضوي بين ذلك الفن وبين اللغة التي يتشكّل منها. ومن هذه المسائل التي استدعت عناية الصكر، ولا سيّما في الشعر العربي الحديث: الأسلوب والإيقاع والتحوّل في اللغة الشعرية خاصّة، بوصفها تجربة متكاملة تختزل كلَّ مكوّنات القصيدة الشعريّة من خيال وصور موسيقيّة ومواقف إنسانيّة.
     ولعلّ التعويل على دور القارئ الذي يجعله الصكر داخل عقل النص حتّى قبل خلقِه، من الممكن أن يُجلي لنا بعضا من فهم حاتم الصكر الناقد لفنّ الشعر. فقد استوقف التحوّلُ الشعري الكبير الذي قاده شعراءُ الحداثة العرب – على اختلاف مشاربهم –  خطابَ الصكر النقدي؛ إذ استدعى ذلك التحوّل وسائل أخرى مغايرة في طريقة تلقّي ذلك الشعر، وآليّات جديدة للنقد في اكتشاف حركة النص، وكشف عوالمه، ولذلك كانت وقفات الصكر النقديّة – بما فيها وقفاته الأولى([267]) – مع ذلك الشعر ملفتةً للنظر في مسألة تغيّر العلاقة بين الشعر الجديد ومتلقّيه الذي ينبغي أن ينزع عن نفسه كلّ لبوس لا ينسجم وهذا الشعر الجديد كي يستطيع التفاعل معه.
        وهذه الاستعانات – ربّما – ستفسّر لنا التنقّل أو الاستعارة من مناهج متعددة وآليّات متنوّعة سخّرها الناقد للتعامل مع النصوص الشعريّة الجديدة  تعاملا نصيّا يذهب به حيث يأخذه النص قارئا، فيتّفق أفق انتظاره للمعنى واللغة والإيقاع مع أفق النص، أو يخذله بحسب الموقف من النص نفسه وبما يعطيه من علامات ومواقف ودلائل.
       وقد التحم الصكر مبكّرا في كتابه ( الشعر والتوصيل)  بنظريّة التلقّي ومناهج القراءة القادمة عبر الترجمة للغتنا العربيّة، إذ ظلّ القارئ جزءا مهمّا من رؤيته يضيف إليه ويعيد تشكيله حتى لو كان التأويل سبيلا إلى ذلك.
        إنّ ما كتبه الصكر مبكّرا في كتابه – مارّ الذكر- حول الشفاهيّة والإلقاء والتشويش على النص من خلال الصلة بقارئ افتراضي مستمع يتوجّه إليه النص برنينه وموسيقاه لإشباع فضوله الجمالي وتكريس ما وقر في نفسه عن الشعر بوصفه مفهوما، والقصيدة على اعتبار أنّها التجسيد الحي لهذا المفهوم([268])، إنّ هذا خير دليل على ذلك الالتحام . إذ إن المتلقّي، لو كان قارئا تقليديّا فسيحفل بالموسيقى التقليديّة الصاخبة وسيُصغي للهَيَجانات الصوتيّة المصاحبة للتلقي الشفاهي، وأمّا إن كان قارئا حداثيّا، فسيُولي اهتمامه للبنية ومكوّناتها ومستوياتها قبل موسيقاها وتوصيلها شفاهيّا برنين عال، وبمنافقة القارئ ومغازلة إحساسه.
          والقارئ يرد – هنا – كما تتصوره رؤية المشافهة والمباشرة التي حاول الصكر تعريتها في كتيّبه المارّ الذكر وإقامة بديل عنها من خلال الدعوة إلى تغيير طرق تلقّينا للشعر العربي الحديث بما ينسجم وروح العصر الذي نعيش نواميسه ومقتضياته وتبدّلات أدواته وآليّاته، وذلك من خلال إحلال العين محل الأذن([269]). وهي دعوة تجسّد فهم حاتم الصكر الناقد للشعريّة الجديدة وتومئ إلى فعلها الراهن في ظلّ تغيّر أنماط الاستهلاك ووسائله وتبدّلها في عصرنا الحاضر، إذ إنّ (انتقال القصيدة من وسيط شفهي إلى وسيط يدوي، واتجاهها إلى العين لا إلى الأذن، لم يكن يعني تغيّر الأداة وظيفيّا، بل سيشمل – كذلك – ميزة التخييل التي يقوم عليها الشعر )([270]).
         إنّ حاتما الصكر الناقد بدعواته التي اشتمل عليها كتابه المذكور – ضمنا وتصريحا-  كان مستجيبا للنداء الذي ظلّ يجول بخاطره والمتعلّق بإمكانيّة تغيير مسار الشعر العربي عبر الانتقال به وبلغته من دائرة ثقافيّة إلى دائرة أخرى مباينة لها تماما، أي بإمكانيّة الانتقال بالشعر من دائرة الزمنيّة أو جماليّات المسموع إلى دائرة المكانيّة أو جماليّات المرئي، وهو ما يدعونا إلى القول: إنّ الناقد الصكر حاول من خلال آرائه المبثوثة في كتابه أن يدفع التوجّه الساعي لإعلاء شأن جماليّات الإبداع في المدوّنة النقديّة العراقيّة. مثلما يدفع بمثل ذلك بجماليّات تلقٍّ لفن الشعر العربي مختلفة ومتميّزة وملائمة لروح العصر. وهو في الوقت الذي تحدّث فيه عن ضرورة تأهيل المتلقي ليواكب مستحدثات الفن والكتابة، لم يتناس ضرورة أن يتسلّح المبدع أيضا بالعدّة الثقافيّة الكفيلة بتقوية دمّ نصوصه وتعميق رؤاها([271]) .
        وبما أنّ الصكر ناقد ذو توجّه حداثي، فهو يؤسس مفهومه للشعر متبنيّا فلسفة الحداثة – بوصفها فلسفة قائمة على العقلانية والتطوّر([272])– ، ومن هذا المبدأ ينبثق إيمانه بالأشكال الشعريّة الجديدة والدعوة إليها.
       إنّ اهتمام الناقد بالتحديث الشعري العربي وحماسته له جعلاه يتقصّى أثر الحداثة وتجلّياتها أنّى يجدها دون عُقَد أو أحكام مسبقة، فقد أولى الصكر عناية فائقة بالأجيال الشابّة([273]) وبالأشكال والأساليب الشعريّة الجديدة، ولم يمنعه ذلك من الكتابة حول أية تجربة تلفت انتباهه، ولذا فهو من أكثر زملائه النقّاد العراقيين الذين جايلوه احتكاكاً بالنصّ الإبداعي الشعري الجديد، لا في العراق فحسب، وإنّما في عموم البلدان العربيّة، ولعلّ ذلك الاهتمام هو ما يفسّر لنا كثرة المناسبات التي كتب فيها حاتم الصكر الناقد عن أعمال ونصوص تثير انتباهه، لا عن أسماء أو أجسام شعريّة معروفة([274]).
        ونحسب أنّ اهتمام الصكر بالأشكال الشعريّة الجديدة، واعتقاده بأسبقيّة الشاعر وبأسبقيّة قصيدته للشعر -بوصفه نوعا أدبيّا قارّا –  سيُدخلنا في صلب جدليّة الثابت والمتغيّر في مفهوم الشعر بعدِّه فنّا ظلّ الناقد الصكر يُحجمُ – عبر رحلة نقديّة ناهزت الأربعة عقود – عن إيراد تعريف واحد له، ولعلّ ما يقف وراء ذلك الإحجام هو إدراك الصكر لمبدأ كون الشعر فاعليّة إنسانيّة مبدعة، متحوّلة غير ثابتة وغير مستقرّة، مثلما هو ( غرابة وافتراق عن المألوف )([275]).
        فالصكر، في الوقت الذي لا يحدّد فيه، ولا يحاول أن يضع تعريفا للشعر نجده يصف ما يلمسه – كما سيتّضح لنا – من أثر الشعر ومن تأثيره وفتنته وقدرته على النفاذ إلى أعماق النفس البشريّة والتعبير عن كينونة الإنسان، فضلا عن وصف طبيعة الشعر وأدواته وطرائق تشكّله وتميّزه عن غيره من الأنساق الفكريّة والثقافيّة، وبما يمنح هذا الفن حقَّا وجدارة في الانتساب إلى عالم مفتوح على أفق البقاء والخلود. وبذا، فإذا كانت ماهيّة الشعر أمرا لا يمكن إدراكه ووصفه تمام الإدراك والوصف، فإن تناول كيفيّته وما تنهض به هيأته من تشكّلات دلاليّة ومن قيم فنيّة لا حصر لها، هو أمر أكثر جدوى وأحسن نفعا في تقديم مقولات معينة بخصوص حدود الشعر وماهيّته ومفهومه، ذلك المفهوم غير الثابت والمتغير مع تغيّر الزمن([276]). وتأسيسا على ما سبق، فإنّ القصيدة أهم من الشعر – كما يرى الصكر – فهي تعدّل وتغيّر ما يسود في الشعر من رؤى ومفاهيم، وهي التي  تتيح المجال للشاعر أن يكتب ما لم يقله الآخرون من قبل، وهي التي ( تمنح جسد الشعر دما متجددا وتهبه فاعليته وحيويته )([277])، والقصائد الكبرى كقصيدة ( أنشودة المطر) المشهورة للسيّاب، وقصيدة ( هذا هو اسمي ) لأدونيس، وغيرها من القصائد الكبيرة الأخرى قد غيّرت الرؤية للشعر، لا على أساس ما هو سائد، بل على أساس ما هو مغاير ومغيِّر، لذا يجد حاتم الصكر الشعر – بصفته تراكما نصيّا يذخره القارئ ويحميه على أنّه نوع قارٌ – مدافعا بشدّة عما يردّ إليه عبر النصوص ( القصائد ) من تعديلات وتغييرات وتحديث([278]). وهكذا فإنّ الشعر يثبّت القواعد التي تخرقها القصيدة في لحظة ما لتنجز الطفرة التي تتهيأ هي ذاتها لتكون موضع اختراق لاحق، وهو ما سيجعل دورة التجديد والتحديث لا تكفّ عن الكرّ. إذ إنّ القصيدة كلّما تمرّدت على الشعر المكرّس بثوابت وسماتٍ معينة ومعروفة، أي بوصفه نوعا قارّا، تغيّرَ بهذا التمرّد شكلُ الكتابة ومحتواها، وصار احتمال تقبّلها ممكنا بأعرافها الجديدة([279]). وبذا يفرّق الصكر بين مصطلحي الشعر والقصيدة، على اعتبار أنّ الشعر خطاب والقصيدة نص، والشعر – بوصفه خطابا – سيراكم التقاليد ويحصّن نفسه بمرور الزمن مدافعا دفاعا غريزيّا عن تقاليده وأعرافه، لكن القصيدة – بوصفها نصّا – ستنشق على ذلك الخطاب وتتمرّد – كلّما تمادى- مؤسِّسةً بذلك تقاليدها  ومنزاحةً عن مساره، ولذا يعلن الصكر أنّه لا يُحبّ الشعر بل القصيدة، لأنّ الشعر – على العكس من القصيدة – تحفّ به شفاهيته وإيقاعه الصَدى وخطابه الكلّي الواسع([280])، أمّا القصيدة فهي وحدة نصيّة، وإن انتمت إلى النوع الشعري وجنس الشعر عامة؛ فإنّ لها خصوصيّتها الصياغيّة والجماليّة والإيقاعيّة والدلاليّة التي تتطلب قراءة فطنة بما تضيف أو تعدّل من ثوابت الشعر في نفس المتلقّي. وربّما يرجع أمر تفضيل الصكر القصيدة على الشعر إلى موقف نقدي تبلور عند الناقد بمرور الأيام، وباختمار تجربته النقديّة خلالها، وهو موقف يتجسّد من خلال عزوف الناقد في عنوانات كتبه المتأخرة عن استعمال كلمة ( الشعر ) التي ابتُذلت في الدراسات النقديّة والأدبيّة التقليديّة، سواء أكانت فنيّة أم تاريخيّة. ولعلّ العودة إلى قائمة عنوانات كتب الصكر ترجّح كفّة هذا الرأي الذي يذهب إليه البحث، إذ تشير هذه القائمة التي تضمّنت ثمانية عشر مؤلّفا إلى غياب كلمة ( شعر ) من العنونة الرئيسة أو الفرعيّة، ابتداء من كتابه التاسع ( ترويض النص، دراسة للتحليل النصّي في النقد العربي المعاصر- إجراءات ومنهجيات ) وحتى كتابه الأخير ( بريد بغداد ) مع حضور واضح لكلمة ( قصيدة ) بديلا عن كلمة ( شعر ) سواء أعلى مستوى العنونة الرئيسة أم على مستوى العنونة الفرعيّة. في حين نجد كلمة ( شعر ) ضمن العنوان الرئيس لكتبه الثلاثة الأولى، وضمن العنوان الفرعي لكتبه ( السادس والسابع والثامن ) في تلك القائمة([281]) .  وقياسا على ذلك، فالشعر – كما يراه حاتم الصكر – خطاب له عناصره ورؤاه، أمّا القصيدة فستكون مظهرا نصّيا متجلّيا عن ذلك الخطاب، ويحسب الصكر أنّ هذا التفريق الذي يتابع فيه آراء الشاعر والناقد المكسيكي ( أكتافيو باث 1914- 1998م )([282]) سيهيء فرصة ملائمة للدارس والمتابع لفحص كميّة الشعر وكيفيّة وجوده في نصّ شعري ما بغية كشف الرؤية والموقف والفن معاً. ويزعم الصكر للتدليل على ذلك أن قصائد السياب – بوصفها وجودا نصّيا- يتراكم فيها الشعر – بوصفه خطابا – بسبب التداعيات والتفاصيل والاندفاع الفني بأكثر مما يتطلبه وجود القصيدة بوصفها مظهرا شعريّا أو تجلّيا للشعر ضمن نص محدد، وهذا الأمر يتّضح في شعر السيّاب من خلال اتجاهه إلى الخارج وشيوع المناجاة والاتّصاف بطابع الغنائيّة التي وسمت شعره([283]).
         يتخّذ حاتم الصكر من قصيدة السيّاب (أنشودة المطر) مثالا يقرّب من فكرة نزاع الشعر والقصيدة، إذ إن المحور أو المركز البؤري المهيمن على هذه القصيدة ( يتمدَّد إلى أطرافها، ليلتمّ على نفسه بهيأة المطر المنتظر المستحيل كانتظار الطفل لأمّه الغائبة غيابا أبديا… وذلك ما تريد القصيدة من دلالة، و يتطلّبه نظامها الرمزي وكلّيّتها التي تندرج فيها جزئيات عدة منها: جزئيّة الأم الغائبة والطفل )([284]).ولذا، فإنّ الشعر الذي تزخّه شاعريّة السياب في هذه القصيدة وفي قصائد أخرى له كثيرة هو ( كالنزف من دون انقطاع، يكتسح ما تريد أن تبنيه القصيدة جزئيّاً لمصلحة كلّيّتها، فينصرف الشاعر – وقارئه من بعد – الى الجزئيّة المتمدِّدة حدّ الانفصال عن المركز النصّي لها )([285]). أمّا ما ينهض به الشعر من هيأة وتشكّلات دلاليّة وفنيّة تجسّدها القصائد فقد كان مثيرا رغبة الصكر الناقد منذ انطلاقته النقديّة في (مواجهات الصوت القادم ) للبحث عن أبوّة النص الشعري، إذ حاول أن يتقصّى بتأثير هذه الرغبة بنوّة النص السبعيني في الشعر العراقي الحديث، وصلته بمراجعه من الآباء الشرعيين وغير الشرعيين([286]). فيما حاول في كتاب  لاحق (البئر والعسل ) أن يقتفي أرومة أحد النصوص التي كتبها الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر (الراعي والجرّة) وأن يتابع مولّداته التي أسهمت في صياغته وتكوّنه، ابتداء من عتبته الأولى (عنوانه) وإيقاعه ولغته وتشكيله اللفظي وبنائه التركيبي، وانتهاء بمستوى الدلالة فيه، وقد توصّل الصكر الناقد إلى أنّ هذا النص( الراعي والجرّة ) ينبني على تضافر اشتغالات (تناص ) متعددّة المرجعيّات، تتوزع بين مرجعيّات أسطوريّة وتاريخيّة وأدبيّة تعمل على تخصيب بنية النص وتوجيه فاعليته صوب آفاق قد تبدو لامعة للرائي على سطح النص، لكنّها تظل تحمل في أغوارها دلالات ثريّة تفتح الباب أمام القارئ للتساؤل عن علاقة نص الشاعر حسب الشيخ جعفر والموسوم بـ( الراعي والجرّة ) بالنصوص الأخرى ذات العلاقة معه([287]) . بينما يلتفت الناقد إلى تداخل النصوص وتعالقها من خلال جدل الذاكرة والخطاب في شعر محمود درويش، الشاعر الذي لا يُخفي  مراجعَه و تناصاتِه، بل يسمي تلك المراجع ويُدلُّ على منابعها، ويتحرر في تطويرها أو تحويرها، ولذا يضع الصكر التناص أو ( آباء النص الدرويشي ) كما يصطلح على ذلك مقترحا أو مدخلا من الممكن أن يقرأ على وفقه شعر الشاعر المذكور([288]) .
          شعر محمود درويش في رأي الصكر كانت بداياته سيابيّة من خلال تدفّق اللغة وتحرّره المقيّد، إلّا أنّ درويش تابع – بعد ذلك – بسبب دوافع أيدلوجيّة طريقة سعدي يوسف، ثمّ ركن الشاعر إلى الأليف واليومي ليغادره فيما بعد للتراث الذي قرأه قراءة خاصّة، ثمّ وظفه في شعره توظيفا ثقافيّا ورمزيّا([289]) . في حين بات الصكر في دراساته المتأخرة، ولا سيّما، دراساته: حلم الفراشة، وفي غيبوبة الذكرى، وقراءات استعاديّة، متنبّها للمستوى الخطّي في القصيدة: تكدّسها، واصطفاف أجزائها، وكيفيّة ظهورها على الورق، بدءا بعنوانها وبالعتبات المماثلة الأخرى، مرورا بالنصوص المخفيّة والقريبة منه، وانتهاءً بالهوامش وإشاراتها الداخليّة، كتنبّهه – مثالا – إلى البياض الرامز للعدم في قصيدة (جداريّة ) لمحمود درويش([290])، وكإشارته للبياض الذي يعقده أدونيس في قصيدته ( رقعة من تاريخ سرّي للموت ) منذ مقطع القصيدة الأول:
يسأل      لا جواب…..إلخ
وهو بياض مقصود يشير إلى الزمن اللابث بين السؤال والإجابة المنتظرة([291]). وحين يقرأ الصكر قصيدة أنسي الحاج يتفطّن للفراغ الطباعي الذي يلجأ إليه النص، والذي يهيء انتقالا زمنيّا فيه، وتغيرا في صوت السارد، مما دعا الناقد للقول: ( وفي هذا المستوى يتوجّب علينا مراعاة فاصل البياض بين البيتين السادس والسابع. وهو عندي يأخذ رقما في تسلسل الأبيات رغم أنّه مقطع كامل. فما يبدو للقارئ بياضا يفصل بين مقطعين هو في حقيقته زمن يستغرق فعل القيام من الحلم  وملاقاة المصير بالتمزّق )([292]). كما لم يغفل الصكر الناقد أن يلتفت إلى الهيمنة الخاصة لشيء محدد في النص، والسعي لتحديد دلالة ذلك، مثل ملاحقته لهيمنة التكرار بوصفه بنية نصيّة دالة في  ديوان ( كزهر اللوز أو أبعد ) لمحمود درويش([293])، أو لهيمنة السؤال والاستفهام بوصفه بنية رئيسة على مستوى ديوان شعري كامل كديوان (تقريظ للطبيعة) للشاعر العراقي عبد الرحمن طهمازي، والإلماع إلى دلالات هذه البنية([294])، وبوصفه – أي الاستفهام – بنية دالّة في قصيدة واحدة كقصيدة (غياب الشاشة ) لمحمود البريكان([295]) ، لا في ديوان بأكملِه. وكذلك فعل حين رصد دلالة النفي في بعض قصائد الشاعر أنسي الحاج([296])، وفي تتبّعه لدلالات علامات الترقيم التي  يحرص عليها الشاعر محمود البريكان ويقلق في سبيل تعيين حدود الأسطر والجمل الشعرية التي يكتبها بخط يده، وهو ما سيأخذ في قراءة الصكر النقديّة لها موضعا خاصا كما يقول([297]).
       إنّ هذه الاهتمامات تعكس لنا – بلا شكّ – جانبا مهمّا من جوانب إيمان الصكر الناقد بكون الشعر فعلا لغويّا أصلا، وإنّ شعريته قائمة على الكيفيّات المستخدمة في صياغته وتركيبه، وليس في أفكاره أو معانيه فحسب . وهنا يعود بنا الصكر ويذكّر بالناقد الفذ ( عبد القاهر الجرجاني ت 471هـ ) الذي مال إلى نوع من الشعر نعته النقّاد المتزمتون في عصره بالمفرّغ من المعنى، وبأنّه لا فائدة منه إلّا بلفظه، وذلك حين دافع عن أبيات كُثير عزّة المشهورة التي أوّلها:
       ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة         ومسّح بالأركان من هو ماسح([298])
       إنّ مطلب الصكر الناقد في الشعر هو قصيدةٌ مغايرةٌ، لا تكرر أو تعيد دلالات سواها، ولذا ينفر الناقد من الشعر السياسي، كما يصطلح عليه كتابُه: (في غيبوبة الذكرى) مفرّقا بينه وبين الشعر الوطني الإنساني([299])، لأن القصيدة في النوع الأول منهما ( قد تنجح مؤقتا في كسب الجماهيريّة التي تتلخص في إثارة المشاعر والعواطف لكنها ذات مفعول سريع الزوال، بسبب اعتمادها جماليّا على ركائز غير فنيّة – غالبا – ولا تهتم بالبناء العضوي للنصوص قدر اهتمامها بالمضامين والإيقاعات المثيرة للتوترات والمشاعر فحسب )([300]).
      إنّ الشعر السياسي عند الصكر يبقى شعرا يدور في فلك المناسبات ليموت بانتهاء المناسبة، وهو شعر كتبه أصحابه في لحظة عابرة، في حين أن الشعر الحقيقي هو الشعر الخالد الداعي إلى التمرد والحرية والإبداع على مستوى اللغة. وهو ما يؤكّد إيمان الصكر بتصوّرات حداثيّة ترفض أيّة وظيفة تحريضيّة للشعر. ولعلّ هذا الرأي هو الذي دفع شاعرا كبيرا كمحمود درويش – بحسب الصكر- إلى التنكّر لبعض أعماله الشعرية التي من الممكن أن تُقرأ قراءة سياسيّة نضاليّة، وذلك من أجل ألّا تتنضّد تلك الأعمال في صورة نمطيّة تصادر خصوصيّتها الشعريّة وتعامل على أنها أعمال ذات طبيعة سياسيّة تحريضيّة فحسب([301]).
     إنّ الشعر يغيّر ويتغيّر – برأي الصكر الناقد – وإذا كان الناقد متردّدا في عدّ التغيير مَهمّة من مهمّات الشعر([302])، فهو مأخوذٌ بالمتغيّر فيه ومستثارٌ بما يصدم أفقه، بوصفه قارئا مستعينا بالرؤية والتوصّلات، ومتحمّسا للفن والتحديث، وداعيا ليكون ذلك الأمر في القصيدة موازيا لضرورته في الحياة وخضمّها الواسع الحي المضطرب، إذ ( إن وجود الشاعر في العالم، والقصيدة في الشعر، والنثر في القصيدة، ليس تراتبا رأسيا يتم بعفوية في التسلسل الآنف، بل هو تلازم وجودي يشترط كل عنصر منه وجود الآخر كضرورة لوجوده، فالعالم المتغير باتجاه الحرية يستلزم وجود شاعر مماثل في رغبة التغير، وكذا وجود الشعر خارج قوانين الثبات والتحجّر )([303]). وهذا ما يفسّر كون الشكل الفنّي عند حاتم الصكر الناقد منحازا للرؤية المشار إليها، والتي تكتنف تصوّرات الناقد النظريّة ومفاهيمه الفكريّة والنقديّة الخاصّة، إذ ظلّ الصكر – خلال مسيرته النقديّة الطويلة – غير متّفق مع  العموديين الجُدُد في اصطفافاته ومواقفه، وليس بحافلٍ بأعمالهم الإبداعيّة الشعريّة حتى وهم يُلبسون نصوصَهم وقصائدهم ثيابَ حداثة صوريّة أو لفظيّة مبهرجة خادعة! وهكذا، فالشعر ببنائه الفني – بمفهوم الصكر – معرضُ رؤى ومجلى دلالات تفيضان على إيقاعه ولغته وصوره وعلى هيأته أيضا، وبهذا فلا يقول الشعر من خلال القصيدة كلَّ ما نقرأ فيه أو نفهم منه، وإنّما يضطلع القارئ بهذا الدور الجمالي الذي يمثّل التحقّق المُنْجز خلال عملية القراءة المتأمِّلة القادرة على تأويل النص وإخراجه من حيّزه المجرّد إلى حيّزه الملموس، وهو ما سيُكْسب هذا التأويل قيمة مضاعفة في إدراك صورة المعنى المتخيّل في النص . 
      إنّ ذلك الدور الجمالي الذي يقع على عاتق القارئ هو دورٌ مزدوج: حقُّ له في فهم النص وتأويله، وواجب عليه يقدّمه للنص كي تظهر بنيتُه لا كما تُبنْيَن ظاهرا، بل بما يُضمره ذلك النص من إشارات وعلامات بين طيّاته وطبقاته المختلفة . وهذا ما يعلّل رغبة الصكر بتحويل وظيفة الناقد إلى متلق واع يرصد استجابته الجمالية إزاء النص المقروء، لأنّ تلك المَهمّة هي من صلب عمل الناقد الحصيف المبدع، وهو ما يحاول الصكر الاضطلاع به حينما يذهب مع النقّاد الجدد إلى أن دور الناقد ليس الحكم على النصوص أو القضاء بشأن جودتها أو رداءتها، بل عبر تحليل شعريّتها وتفكيك طرق انتظامها وكشف أنساقها وأبنيتها ومستوياتها المختلفة : معجميّة وتركيبيّة وإيقاعيّة ودلاليّة([304]).
        وهنا، يبدو لنا أنّ مفهوم حاتم الصكر الناقد لفنّ الشعر هو مفهوم لا تقف خلفه المرجعيّة المعرفيّة للناقد وحدها، وإنّما تحرّكه – كذلك – الآليّات الثقافيّة والاجتماعيّة التي وجّهت الناقد عبر إحياء دور القارئ وفعل القراءة الذي نبّه إلى دور الأثر وفاعليته في تقدّم أشكال فنيّة على حساب أشكال فنيّة أخرى، من منطلق أنّ الشعر يوجد حيث يوجد أثره في النفوس، لا من منطلق انتمائه جنسا أدبيّا إلى أعراف وتقاليد وقيم فنيّة راسخة وثابتة .
      ونحسب أنّ هذا التوجّه هو توجّه حداثي أسهم في إثراء الفعل النقدي العراقي وتخصيبه، وأكّد انتماء صاحبه للّحظة التاريخيّة الراهنة التي أفرزت تحوّلا نوعيّا في الوعي بالشعر العربي، مفهوما وتلقيّا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ج / مفهوم  اللغة الشعريّة
         كان مجمل توجّه النقاد العرب التقليديين في درس الشعر المعاصر يتّخذ من آليّة المقارنة سبيلا لبحثه ومتابعته، لذا، كان يقارن مباشرة أو ضمنا بين لغة هذا الشعر ولغة الشعر العربي القديم، ومن هذا التوجّه انتهى إلى ( بيان ضعف الموقف اللغوي للشاعر العربي المعاصر، وذلك من خلال مقابلة لغة هذا الشعر مع لغة الشعر العربي القديم)([305])، وهذا ما جعل الشعر المعاصر في نظر أولئك النقّاد متّهما بالمروق والخروج على مجمل ثقافتنا العربيّة وثوابتها الراسخة([306]).
        أمّا مفهوم لغة الشعر في المنظور الحداثي، فهو مفهوم مغاير تماما، إذ غدت تلك اللغة أطروحة أساسيّة لكلّ المتحمِّسين للوعي الجديد، حتى اقترنت الحداثة الشعريّة بمسألة الموقف من اللغة الشعريّة وبطريقة النظر إليها وتوظيفها. إذ إنّ الفكر النقدي الحديث الذي أرسى دعائمه الشكلانيّون الروس مع بدايات القرن العشرين يقوم على ضرورة انبناء أي تنظير للأدب على أهم مكوّناته وأخصّها أي اللغة.
       ولعلّ أهم ما ميّز الشعر المعاصر هو توجُّهه إلى لغة شعريّة تنتهك لغة الأسلاف وتتمرد على قوانينها الموروثة عبر مئات السنين([307]). ولكن ماهي اللغة الشعريّة؟ وهل هناك لغة شعرية، وأخرى غير شعرية؟
     إنّ الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي تحديد اللغة بمعنى من المعاني، ذلك أنّ اللغة الشعرية  لا تتحقق إلا على مستوى التركيب، الذي يقوم على خرق منطق العلاقات المألوفة في اللغة العادية، عن طريق الانزياحات التي يحدثها بين الكلمات والجمل والمقاطع([308]).
        ومن هنا، فإن اللغة الشعرية لا تتحدد إلا من خلال وظيفتها البنائية داخل نسيج القصيدة، وهذه الوظيفة مزدوجة في طبيعتها، إذ ترمي من جهة الى التواصل بحملها مضمونا ما، وتهدف من جهة أخرى الى التأثير الجمالي والنفسي على المتلقي .
     وهذا الأمر سيجعل من الأديب – عموما – وسيجعل من الشاعر – على وجه الخصوص – مختلفين عن الآخرين في لغتهما التي يتحدّثان بها عن الأشياء، وعن العالم، فالشاعر لا يتحدّث كما يتحدّث الناس جميعا، بل إنّ له لغته الخاصّة، وهذه الخصوصيّة هي التي تكسبها أسلوبها المتفرّدَ .
         ولمّا كانت القصيدة في الأساس بناءً حلميّا يقوم على تكوين عوالم مدهشة باللغة([309]) فكيف لنا – إذن – أن نحدّد النقطة الفاصلة التي تستحيل عندها اللغة شعرا أو أن تبقى في مضمار الكلام العادي ؟
       لا يختلف حاتم الصكر – إجابة عن ذلك – عن نقّاد الحداثة، وهم يعدّون لغة الشعر تغييرا وانحرافا عمّا هو مألوف من تعبير، وهي غير وظيفة اللغة في استعمالها العادي، إذ وظيفتها في ( الاستعمال العادي ) إبلاغيّة وإفهاميّة وتواصليّة للتعبير عن الحاجات في إطارها التبادلي، في حين لغة الشعر بناء مقصود لذاته، كفّت عن أن تكون أداةً فأصبحت غاية؛ أي أنها ليست مجرّد وسيلة للخطاب الشعري، بل غاية له، إذ ستتحول اللغة – هنا – إلى صانعة تخييل وإدهاش ضمن آليّة لا يحدِّدها سياقٌ منطقي معيّن([310]).
        إن لغة الشعر ( لغة الإبداع ) هي لغة على الضد من من اللغة العاديّة ( لغة التوصيل ) فالأولى تنحرف عن قوانين اللغة العاديّة لتموّه الرسالة على القارئ، ثم تعود لنفي هذا الانحراف لتصل بهذا القارئ إلى الدلالة. وهو ما يعني أنّ الدلالة في الشعر تختلف عنها في الكلام العادي، إذ هي في هذا الأخير دلالة مطابقة، بينما هي في الشعر ذات وظيفة إيحائيّة([311]).
        وبما أنّ حاتم الصكر – وكما نوّهنا لذلك – لا يحفل بالتنظيرات الفلسفيّة المجرّدة، وإنّما بما تقوله وتؤكّده النصوص الإبداعيّة في مساراتها وتقلّباتها كونها مظهرا من مظاهر النشاط اللغوي البشري الذي يمثّل إعلاء لمهمّة الكلام خارج وظيفته اليوميّة النفعيّة المحددة بأداء متطلّبات التواصل المعيشي الإنساني بين أفراد الجماعة، وبكون النصوص تأكيدا للطاقة المجازية للغة واستثمارا لها في إبداع ما يتجلّى للروح والعواطف والانفعالات والأحاسيس([312]) .
      لذا، لا يضع الصكر تصوّراً ما لمفهوم اللغة الشعرية، بل يبحث عن طبيعتها في تجربة الشاعر وطريقته في توظيفها بحيث تكون قادرة من خلال هذا التوظيف على تحريك سواكن الناقد، فاللغة الشعريّة لديه ليست منفصلة عن تجربة الشاعر وعالمه لأنّها جوهر تجربته، وقد ربط الصكر – في بداية مسيرته النقديّة – لغة الشاعر وتجربته الشعريّة الخاصّة بطبيعة علاقته بالحياة، لكن دون أن يعني هذا أنّ الشاعر حين يوظّف اللغة في التعبير عن واقعه فأنّه يقوم بنقل الواقع كما يراه، بل إنّه يصوّر ذلك الواقع كما سينعكس على وجدان الشاعر ولغته ورؤيته([313])، أي أنّ اللغة الشعريّة قد لاتقول ذاتها وإنّما تنقل لنا رؤيا الشاعر للواقع.
         وحينما يرفض الصكر – وكما مرّ بنا – محاولات تنميط القول الشعري في قضايا قوميّة وسياسيّة، فإنّه ينطلق من عدّ ذلك التنميط جناية وافتراءً على الشعر ذاته، وتعطيلا لحريّة اللغة في الانعتاق والتجلّي، لأنّ هوية الشعر كامنة في الانعتاق والانبثاق المستمر، وفي اغتصاب العالم باللغة كما ينقل عن الشاعر الراحل عبد الوهّاب البياتي في حديثه عن تجربته الشعريّة الخاصّة([314]) .
     ويقترب مفهوم الصكر للّغة الشعريّة من المفهوم البنيوي، الذي يعدّ الدلالة حقيقة شيئيّة لعالم التجربة الموضوعي([315]) .
         وعليه، فاللغة تفكّر بنا – كما يرى حاتم الصكر – وتنفذ من خلالنا بوصفها خطابا، أي أننا حين نتكلّم أونكتب أو نعبّر، فإنّ اللغة تكشف ما نُضمر مانحة القارئ – بذلك – موقفنا ورؤيتنا للأشياء وللوجود من حولنا، ولذا يواجه الصكر – كما يصرّح – نفسَه باللغة، ويتفحّصها ملتفتا إلى مرامي الألفاظ، وإلى علاقات القرائن، متوصّلا في إحدى حلقات دروسه مع طلبته إلى السبب الذي دفع الشاعر أحمد شوقي في إحدى قصائده الشهيرة لأن يقول ( شيّعت ):
         شيّعت أحلامي بقلب باكِ         ولممتُ من طرق الملاح شباكي([316])
ولم يقل ودّعت أو فارقت، علما بأنّ الوزن يتيح لشوقي ذلك، فضلا عن قوله: لمَمْت، لا جمعتُ أو لملمتُ – مثلا – ويستدرك الصكر تحليله لاستعمال الشاعر للغته الشعريّة منتهيا إلى أنّ التشييع وداع بلا عودة وهو ما يوافق حال شوقي في شيخوخته وهرمه، وأن صيغة (لممتُ) الصرفيّة تعبّر إلى حدٍّ ما عن هذه الحال الواهنة، ولعلّ طبيعة اللغة التي عبّر بها شوقي كشفت لنا أبعاد فكره ( أي أنّها كشفت عن وظيفة ما ) حين كان شوقي شيخا هرما عند كتابته لقصيدته  المشهورة زحلة([317]).
        إنّ هذه الالتفاتة قادرة على أن تعطينا صورة عن خصوصيّة اللغة الشعريّة وعن طبيعة الشعر في مفهوم الصكر النقدي، تلك الطبيعة التي تقتضي وجود وظيفة ما للشعر ذاته، إذ لابدّ من تلازم طبيعة الشعر ووظيفته، لأن استعمال الشعر ينتج من طبيعته، مثلما أنّ طبيعة الشيء تنتج من استعماله، وأن لكلّ نتاجٍ مصنوعٍ البنيةَ الملائمةَ لتنفيذ وظيفته، كما يقول رينيه ويليك([318]) .
          ويهتم الصكر الناقد بقرائن المعاني ودلالات الألفاظ والمفردات وإيحاءاتها الخفيّة التي تدفع بالفكرة الشعريّة نحو استفزاز المتلقي وإرباكه، وتأخذه بعيدا عن معجميّة المفردات المجرّدة والهاجعة في القواميس، وإنّ هذا الاستفزاز وذلك الإرباك هما اللذان يضمنان نضارة الإيناع المتوقد في ذهن المتلقي، وهو استفزاز ( يكمن في العلاقات التي تبنى بها هذه المفردات وهي تتجاور أو تتضايف أو تتواصف )([319])، ولعلّ هذا الأمر سيؤكد ضرورة انتقال الكلمة في الشعر من معناها العادي إلى معنى آخر إشاري إيحائي، وهو ما لن يتأتى للشاعر إلا من خلال الثورة على المعاني القاموسيّة والخروج عن التعبيرات والقوالب الجاهزة والمعدّة سلفا . وهذه المزية ستجد تجسيدها الحي في توظيف شعراء ما عرف في النقد العربي بالشعر الحر، إذ يعدّ الصكر تلك اللحظة  ( أول محاولة قصديّة لتحرير لغة الشعر من الرتابة وتطوير الإيقاع وهدم التناظر البيتي والتقفية الصارخة لصالح توسيع النص الشعري لاستشعار ما هو حياتي وثقافي وأسطوري بنبرة ولغة مغايرة ومخيّلة تصويريّة جديدة )([320]) وقد أسهم – فيما بعد – بعض شعراء قصيدة النثر في ذلك التوظيف بشكل أكبر، ولعلّ الانحرافات والانزياحات التي تخلقها لغة شعريّة كلغة الشاعر العراقي الستيني سركون بولص هي خير دليل على ذلك في رأي الصكر([321])، كما أنّ اللغة التي مهرَها شعراءُ السبعينيّات في العراق هي مثال حي على ذلك التوظيف، ولا سيّما عند الشعراء الشباب الذين صاروا أجرأ في التناول وفي اللعب باللغة وكسر الحواجز والأنصاب والجمل البلاغية المعدّة سلفاً. وذلك من خلال مجيء هؤلاء الشعراء بعناوين جديدة، ومن خلال عبورهم  الى آفاق لم تعرفها القصيدة الستينيّة السابقة المنشغلة بهدم الصروح الكلاسيكية العريقة، في حين وجدت القصيدة السبعينيّة الطريق معبداً لتمضي بعيدا بها لغتهم في أحضان شعراء آخرين جدد([322]). وبالرغم من كون الصكر لايخصص لموضوعة اللغة الشعريّة بابا أو فصلا أو مبحثا نظريّا واحدا في كتبه المتعدّدة، لكنه يتعرّض لتلك الموضوعة في سياقات كتبه المختلفة، ولاسيّما في قراءاته للنصوص الشعريّة التي استوقفته، وفي تحليله لها، ولعلّ ما توصّل إليه حاتم الصكر الناقد في تحليلاته هو: أنّ اللغة تؤدي خدمات نصيّة مزدوجة، وهي ذات وظيفة دلاليّة، وذات وظيفة فنيّة وجماليّة ( أدائيّة وتقبليّة ) وهذا مبرر كاف لشيوع المجازات والانحرافات والانزياحات الأسلوبيّة في لغة الشعر، وهو ما يؤكّد لنا – بالنتيجة –  أن النص الشعري له خصوصية متميّزة، إذ لا تكون له هوية إلا بلغة شعريّة متفرّدة  تجسّد فكرة كون الشعر عملاً لغويّاً وإبداعيّا، من جهة، وعملاً جماليّاً من جهة ثانية، أي في كونه طريقة نوعيّة في استخدام اللغة الشعريّة وتوظيفها، وطريقة نوعيّة في الاستكشاف والمعرفة.
        كانت وقفات حاتم الصكر أمام لغة النص الشعري الحديث بمثابة انتقاء لنماذج تطبيقيّة على نظرته في تشكّل اللغة في الشعر، فاشتغل الناقد على هذا المستوى للّغة الشعرية في مجموعة من كتبه، ولا سيّما المتأخرة([323]) منها بالاتكاء على مبدأ كون هذا الشعر قد فرض لغة جديدة تستدعي آليات جديدة من التلقي. وهنا نجد الصكر يحاول الانتقال بأفق تلقي الشعر العربي الحديث إلى مستوى آخر، إذ إنّه لم يعد يرى التوقّف عند إشارات اللغة الأولية الماثلة في معجمها مجديا مع طبيعة اللغة الشعريّة في ذلك الشعر الذي يستدعي آليّات مغايرة من طرق التلقي، حين ميّز بين لغتين: ( لغة الإبداع ) في الشعر، و( لغة التواصل) في التبادل اليومي، والصكر حاول بذلك أن يجعل للنص الشعري الحداثي تعاملا مختلفا في طريقة تلقّيه، إذ إنّ الاضطراب والاختلاف في تحديد أسرار شعريّة النص، والشكوى من الغموض في الشعر الحديث بحسب الناقد حاتم الصكر لا يأتيان إلّا نتيجة للتسوية بين اللغتين في النظر والتلقي([324])، وإجمالا فإنّ أهم ما يرتكز عليه مفهوم الصكر للغة الشعر من حيث مبادئها يمكن أن يتمثّل بالآتي :
– ترتبط اللغة بالرؤيا، إذ تفترض الرؤيا لغة أخرى مغايرة، وألفاظا مختلفة لا تؤطّر بدواع ونوايا خارجيّة كالضرائر الوزنيّة والصرفيّة، ولا تستجيب لرنين خارجي تحتّمه قافية موحّدة، تضحي فيها الألفاظ بجزء كبير من دلالاتها([325]).
– يرفض الصكر ميوعة الكلمات والألفاظ، وينفر من التعابير الجاهزة والتراكيب المتخشّبة والمباشرة، ويدعو إلى ألفاظ شفافّة ومشحونة بالدلالات والإيحاء.
– يقرن الصكر بين عملية التغيير التي شهدتها المجتمعات العربيّة المعاصرة ووسيلة التعبير المتّبعة، وبذلك فقد تجاوز مفهوم الشعر لديه حدود الشعر ذاته وصولا إلى الحياة العامّة وإلى اقتراب اللغة الشعريّة من إيقاع الحياة العصريّة([326]) وضرورة انبثاقها من ( جسد الشاعر )([327]) ومن تجربته الشعريّة الخاصّة، لا من أساليب محكيّة ومن تعابير جاهزة و ( كليشهات تراثيّة ممجوجة )، وعليه سيجد الصكر اللغة الشعريّة في المهجريّة الجديدة – مثلا –  ذات وجود حيّ ( يعضّد الذاكرة أكثر من خدمة المخيلة، وبذا ترتفع سقوف النصوص لتلامس المدى التصويري الممكن دون إيغال أو تصنّع في صنع فضاءات شعرية سابحة في مخيلة هرمة، بل هناك تعمد لتخفيف حدّة العبارة والصورة، وتبسيط التراكيب، والتبسط مع القارىء وإشراكه في تمثّل النصوص ومخاطبته كقرين وشريك في النص، وذلك يقطّب هذه النثريّة المغايرة للبلاغات الفاقعة والصور الحادّة )([328]).
– يدعو الصكر – نظريّا – إلى ضرورة تحقّق الصياغات العربيّة الصحيحة والسليمة في الشعر، إذ لم نعثر في متنه النقدي على دعوة إلى لغة محليّة أو إلى توظيف لهجة شعبيّة، وما إلى ذلك من الدعوات التي تبنّاها بعض النقّاد المنتمين إلى حركات أو مؤسسات ثقافيّة دعت إلى مثل ذلك .
– يتبنّى الصكر الناقد في كثير من طروحاته الفكريّة الدعوة إلى التخلّص من سلبيّات الشعر العربي الكلاسيكي، ومن أساليبه البلاغيّة الجاهزة، ومن زخارفه اللفظيّة الثابتة في العمود والمرتبطة بالتقاليد الشفاهيّة القديمة المتوارثة التي لا تتلاءم وروح العصر، ولا تتماشى واللحظة الراهنة التي نعيشها. وهو ما يتميّز به شعر الإلقاء الحافل بالقيم والممارسات الشفاهيّة المصاحبة لإنشاد الشعر وتداوله في المهرجانات والمحافل الشعبيّة العامّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                     د / مفهوم  الإيقاع
         يُعدّ الإيقاع ركنا مهمّا من الأركان الفاعلة قي تشكيل الخطاب الشعري إجمالا، والعربي على وجه الخصوص، فالإيقاع بما يمتلكه من مقوّمات وخصائص ومزايا فنيّة له القدرة على الكشف عن الجوانب الدلاليّة في الرسالة الشعريّة والإبانة عمّا يكتنفها من أسرار وغموض، كما له القدرة على الوصول لأحاسيس المتلقي وانفعالاته النفسيّة وتوجيهها، فضلا عن كون  الإيقاع – كما يذهب الصكر – محكّا للتحديث الشعري ومشجبا ظلّت تتعلق عليه الآراء المتصارعة حول إشكالية القصيدة العربيّة الجديدة من خلال خروجها على نظام البيت الشعري الكلاسيكي القائم على تفعيلات محدّدة سلفاً. وكانت الطريقة التي يُرصف على وفقها هذا البيت المشكّل لنواة القصيدة العربية الكلاسيكيّة من الناحية الموسيقيّة تُحيل على نمطيّة عروضيّة إيقاعيّة لعلّها لم تعد تلائم الذوق المعاصر من جهة، ولم تعد تتلاءم وطبيعة الانفعال الشعري عند الشاعر المعاصر من جهة ثانية.
          إنّ الخروج على ذلك النظام، وعلى تلك النمطيّة هو في ذاته دخول في الحريّة التي تميّز التجربة الشعريّة العربيّة الحديثة([329])، وهذا ما جعل الصكر الناقد ينظر للإيقاع على أنّه: ( شاشة نبصر على سطحها تصارع وجهات النظر إلى الشعر، وتحديد عناصره، وصلته بالنثر والنظم والوزن الموسيقي، وموقعه في الإنشاد والإلقاء أو الكتابة والقراءة )([330]) .
         وعليه، فقد ترك لنا الناقد الصكر آراء عديدة ونزعة تنظيريّة واضحة في مسألة الإيقاع([331]) – إذا ما قيست بغيرها من مفاهيم خطابه النقدي – وهي نزعة تدلّ على وعي بأهمية الإيقاع بوصفه بنية مؤثّرة في الشعر على وجه الخصوص، وإن لم نعدم أثرها في أنواع الفنون الأخرى، ومن الممكن أن نوجز مفهوم الناقد حاتم الصكر لموضوعة الإيقاع من خلال الأمور التالية :
          إنّ الإيقاع خاصيّة لكلّ الفنون سمعيّة كانت أم بصريّة، وهو ليس حكرا على النصوص الأدبيّة وحدها، بل هو ظاهرة توجد في الحياة بصفة عامة قبل وجودها بالنصوص الأدبيّة([332])، ولذا صار من الطبيعي الحديث عن إيقاع الحياة وإيقاع اللوحة وإيقاع المقطوعة الموسيقيّة، وسوى ذلك([333]) .
       يدرك الصكر أنّ مفهوم الإيقاع مفهوم ملتبسٌ، وهو إشكال مثير للجدل والاختلاف بين عموم الدارسين لما يكتنفه من غموض محيط به، ويجد إنّ هذا الغموض الذي يحيط بمفهوم الإيقاع ليس مقتصرا على آراء الدارسين والنقّاد العرب وحدهم، وإنّما وجد أصداءه حتى عند الدارسين والنقّاد الغربيين الذين أشاروا إلى اللبس المحيط بموضوعة الإيقاع رابطين بينه وبين اللبس المحيط بمفهوم الشعر ذاته، بوصفه مفهوما غير ثابت، ومتغيّرا تغيّر الزمن([334]) . ولذا عدّ دراسة الإيقاع إشكاليّة تدخل ( ضمن ما لا يوصف رغم أنّه يدرك بالمعرفة )([335])  .
     ويدرك أيضا أنّ الوزن غير الإيقاع([336])، إذ مع وجود روابط  كثيرة بينهما لكنهما يتنافران أكثر مما يتجاذبان، إذ إنّ الوزن مرتبط بالإيقاع الخارجي الذي عرفه النقّاد والدارسون القدماء من خلال العروض الخليلي والقافية وما يرتبط بهما، أمّا الإيقاع فغالبا ما يربط بعنصرين هما: الموسيقى والزمن.([337])  
     ومع هذا، فالصكر لا يوافق تشكيك بعض الموسيقيّن العرب بجدوى علم الخليل في ميدان العروض الذي جعل من الشعر كلاما يستغرق التلفظ به مُددا من الزمن متساوية الكميّة، ويرد على هذا التشكيك بأن علم الخليل الفراهيدي بالموسيقى ( واضح في استباط  زمنيّة الصوت ومدّته وطبيعته التكراريّة في البيت الشعري )([338]) .     
       وانطلاقاً من ذلك يتحسّس الناقد النتائج السيئة التي ترتبت على مثل هذا الأساس الموسيقي لنظم الشعر العربي في حال انه مجرد تردّد ظاهرة صوتيّة على مسافات زمنيّة محددة النِسب([339]).
        ثمّ يخلص إلى أنّ هذه النتائج سوف تدفع الى فهم الموسيقى الشعريّة على انها الموسيقى الخارجيّة دون سواها، وهو ما سيفضي إلى عدّ بحور الشعر العربي المعروفة نماذج وأمثلةً يقاس بها الشعر, إذ إنّ كلّ ما كتب على غير وفق هذه البحور سيُحسب من البعض على أنّه ليس بشعر. وبالنتيجة ستتوسع ظاهرة التفاصيل الشفاهيّة التي يجسّدها الإلقاء، كما ستُربط المعاني النفسيّة بصور بحور الشعر مثلما ترتبط الموسيقى بالحالات النفسيّة. وبذا سينفصل الشعر عن النثر، وستشيع المباشرة في الشعر ويتكرّس النظام البيتي الذي يؤطّر القصيدة دون أن يسمح بأيّة استطالة خارج وحدته، ولا بأيّ امتداد للمعنى والدلالة والإيقاع خارج بنيته المستقلّة([340]). ولذا، يميل الصكر إلى مبدأ كون الايقاع ليس خاصّا بالشعر وحده، وإنّما هو بنية من الممكن أن تكتنف أمورا من الحياة أخرى غير أدبيّة، وكما أشرنا إلى ذلك ولعلّ هذا ما دعاه إلى مناقشة الإيقاع في النثر مبيّنا إمكانيّة تقصّي أثر هذه الظاهرة داخل النصوص النثريّة والأنواع الأدبيّة الأخرى غير الشعر، ولا سيّما قصيدة النثر التي استرعت اهتمامه النقدي، فأفرد لها كتابا خاصّا من كتبه ضمَّنَه مبحثا خاصّا عن إشكاليّة الإيقاع، فضلا عن مباحث أخرى عدّة عقدها حول هذه القصيدة وتوزّعت هنا وهناك([341]).
         إنّ الحديث عن مفهوم الايقاع – بحسب رأي الصكر – لا يمكن أن يتمّ بشكل صحيح، ولا يمكن أن يُفهم دور الإيقاع الحقيقي في الشعر خاصّة؛ ما دام النقّاد والمهتمّون بالأدب واقعين تحت هيمنة مفاهيم الوزن الخليلي ومقولاته التي سجنت موضوعة الإيقاع داخل أطر شكليّة محددّة لا يمكن بحال أن تمسّ جوهر الشعر الحقيقي أو تقترب منه([342]) . فالوزن لا يصنع الشعر، وهو، وإن تخلّل القصيدة فإنّه لا يمكن أن يبلور شعريّتها، فالوزن ليس الإيقاع، وإن كان في حالات مخصوصة يمثّل أحد عناصره، غير أنّه لا يمثّل الإيقاع تماما، فـ( الإيقاع أشمل من الوزن والموسيقى الخارجية المتحققة بالبيت الشعري والقافية. فهو خط عمودي يخترق النص وينتظمه. أمّا الوزن فهو عنصر من عناصره وحسب، إلى جانب اللغة أو المعنى والقافية وأجزاء البيت الشعري. وهو لذلك [ أي الإيقاع ] يشتمل على الوزن ويتعدّاه ليعترض الشكل الخطّي للقصيدة )([343]) . ولذلك، يرى حاتم الصكر أنّ النص الجديد – بطبيعته – سيتنازل عن اشتراطات النموذج الوزني، وعليه فإنّ عناية الدارسين يجب أن تتجه صوب حركة الإيقاع الداخلي، تلك الحركة ( التي تنمو وتولّد الدلالة عبر مكوّنات النص كلّها، وليس في جزء منها: البيت أو التفعيلة. فارتباط مفهوم الإيقاع الداخلي بمفهوم كليّة النص يستجيب لدعوة الحداثة الشعرية في الانتقال من الشفويّة إلى الكتابة الشعريّة، حيث الإيقاع الداخلي قائم في النص، في حركة مكوّناته ونسيج علاقاته)([344]) . ويركّز الصكر على مسألة الإيقاع الداخلي في النص الشعري، ولا سيّما قصيدة النثر منه، وما توصّل إليه الناقد بهذا الشأن لم يكن محدَّدا بوضوح بحيث يمكننا من خلاله أن نفرّق بين الإيقاعين الخارجي والداخلي، إذ كثيرا ما يشير الصكر إلى طبيعة البنية التي يقوم بها كلّ من الإيقاعين، واختلاف آليّة هذه البنية في كلّ من الإيقاعين الخارجي والداخلي، ولا سيّما حين يركَّز على اعتبار الإيقاع الداخلي نتيجة لحركة مكوِّنات النص بكلَّيّته، أو بتعبير آخر، نتيجة لكيفيّة العلاقات القائمة بين هذه المكوِّنات. دون أن يعطي المبررات الكافية لافتقاد الإيقاع الخارجي المؤطّر للقصيدة العموديّة لمثل هذه الحركة التي من الممكن أن يوفّرها الإيقاع الداخلي([345])، والتي سعى الصكر لإيضاح أبعادها في النصوص التي من الممكن أن تُجلي مفاهيمه وأفكاره عن الإيقاع الداخلي([346]).
           ثمّة معيار لإثبات صحة مفاهيم الصكر لموضوعة الإيقاع الداخلي نجده يلجأ إليها، كدراسته التي يرصد فيها بعض علاقات التوازي والتضاد بين مكوّنات نص صوفي للنفرّي من ( كتاب المواقف والمخاطبات ) فضلا عن رصده لنسقي التكرار والتعاقب في النص المذكور وصولا إلى ما يصطلح عليه الناقد: ( إيقاع الفكرة )([347]) الذي بإمكانه تحرير النص من مبدأ البيت، ومن جزئيّة التعبير والموسيقى التقليديّة، وبهذا فإن بؤرة نص النفرّي الذي يتّخذه الصكر مسطرة يقيس عليها مدى صحة فروضه، هي بؤرة صالحة ( لرؤية صراع الضمائر والأضداد لينبني بها عالم يقوم على التوازي بين الإرادة والاختيار؛ ساهم إيقاع الفكر في تجسيده وتوصيله )([348]). وفي دراسة أخرى لقصيدة محمد الماغوط المعنونة ( أغنية لباب توما ) يحاول الصكر تقصّي بنائها الإيقاعي من خلال وضع يده على علاقات التوازي والتكرار التي أسهمت مع إيقاع الحزن الذي يكلل النص في إفراز إيقاع عام ساد القصيدة، وهو إيقاع التناقض القائم على صور حادّة ومتنافرة يختصرها الصكر بما يطلق عليه ( جمال الفقر وألفته )([349]) . وعلى المنوال نفسه يتحرّك الصكر عندما يحلل – تحليلا إيقاعيّا – نصّين آخرين، أحدهما لأنسي الحاج وعنوانه ( خطّة )([350]) والآخر لأدونيس ( رقعة من تاريخ سرّي للموت )([351]) ، ليتلمّس من خلال هذه النماذج – جميعا –  خيطا واحدا من الممكن أن يشدّها إلى مفهوم متأسس في مجمله – كما يذكر الصكر نفسه([352]) – على مقولة ( إيقاع الأفكار ) عند ريتشاردز التي تقوم في كتابه (مبادئ النقد الأدبي) على مبدأ خلق المفاجآت التي يولّدها سياق المقاطع المعوّض للنَظْم الغائب والمستثمر للمستوى الدلالي الذي وظّفت فيه عناصر النص([353]). وهكذا، فإنَّ الإيقاع الداخلي – حسب الصكر- يأتي على الأغلب ( تعويضا عن الإيقاع الخارجي الغائب في النصوص الحديثة، وعدم توفّره في نماذجها المتنازلة عن صدى القافية ورتابة التفعيلة، مما يجعل الإيقاع الداخلي يؤدّي وظيفة تكوينيّة بإزاء المَهمّة الإطارية للإيقاع الخارجي)([354]).
        ولا يخفى أنَّ مقولة الإيقاع الداخلي لقصيدة النثر العربية قد بدأها أدونيس في مقاله الرائد: (في قصيدة النثر) المنشور في أحد أعداد مجلة (شعر) البيروتية عام 1960م، وقد ذهب فيه إلى أنَّ هذه القصيدة، وإن كانت قد تخلّت عن الوزن فإنها لم تتخلَ عن الجانب الإيقاعي للشعر، منطلقا من مبدأ ( أنَّ الشعر لا يحدد بالعروض، وهو أشمل منه، بل إنَّ العروض ليس إلا طريقة من طرائق التعبير الشعري)([355]). ثمّ ينتهي أدونيس إلى أنّ لهذه القصيدة إيقاعا جديدا مختلفا عن الإيقاع القديم المؤطّر للنص الشعري من خارجه، وإنّ هذا الإيقاع – كما رآى أدونيس في مقاله المذكور – متجليّا ( في التوازي والتكرار والنبرة والصوت وحروف المدِّ وتزاوج الحروف، وغيرها )([356]). ويطوّر الصكر أفكار أدونيس ومفهومه عن الإيقاع الداخلي في بعض نماذجه التطبيقيّة التي لمحّنا إليها، وفي مفهومه العام لهذا الإيقاع، فيقترح شكلا توضيحيّا يجسّد كيفيّة تحوّل الإيقاع الداخلي بوصفه – مكوّنا يهب قصيدة النثر مزاياها الشعريّة الخاصّة – عاملا إيجابيٍّا يحتوي عناصر النص كلّها، كما يمكن – بالنتيجة – تقصّيه، ومراقبته في البياض الورقي والمغيّبات من الدلالات التي تحيل إليها الألفاظ، لأنّه خطٌّ عمودي يخترق النص وينتظمه، أمّا الشكل الذي يقترحه الصكر، فهو كالآتي:([357])
الإيقاع الداخلي

الشكل الخطي للنص
 


 
البيت

الوزن
القافية
اللغة
المعنى
         وبذلك يصبح الإيقاع الداخلي عاملا إيجابيّا يجسّد كليّة النص لأنه يحتوي العناصر الفنيّة في النص، كما يمكن تقصّيه ومتابعته على البياض الورقي([358]). ويبدو لنا أنّ آراء الصكر ومفاهيمه التي انبنت عليها تطبيقاته حول الإيقاع والإيقاع الداخلي متعلّقة بهاجس القراءة المستندة لآليّات التقبّل، والتي طالما شغلت الناقد، فأرته – هنا – عناصر الإيقاع ومفرداته حيث يتخذ الناقد / القارئ موضعا قريبا من أفق القصائد والنصوص ذاتها، هذا الأفق المتلوّن بذاتيّة الإبداع وحريّته وارتباطه بنبض الوجود.  ولذا يعلّق الصكر في نهاية مبحثه عن الإيقاع والإيقاع الداخلي في قصيدة النثر – المارّ الذكر – بقوله: (ما أن نحاول تسمية أحد عناصرها [ مسألة الإيقاع ] بعد تجسّده نصيّاً حتى يدخل في الغياب ليغدو طيفاً أو هاجساً )([359]).
      مما يعني أنّ الصكر حين يقرأ بعض قصائد النثر لاستجلاء إيقاعها الداخلي، فإنّ عنايته تتجه صوب حركة الإيقاع الداخلي التي تنمو مولّدة للدلالة عبر مكوّنات النص كلّها، وليس في جزء معيّن منها.
      حركة الإيقاع الداخلي هي حركة خفيّة جدا، كثيرا ما تقاوم من يترصّدها من الدارسين والمتابعين، فتتخفى في مكوّنات النص ونسيج علاقاته، لكن القراءة المتأنيّة قادرة – إلى حدٍّ ما – على الاقتراب من تحديد مفهوم الإيقاع الداخلي الذي يظلّ الإحساس به إحساسا شخصيّا، متغيّرا ( يدخل ضمن ما لا يوصف رغم أنه يدرك بالمعرفة )([360])، كما يقول الصكر.
ولعلّ أهم  آراء الصكر حول المفهوم الكلّي للإيقاع والإيقاع الداخلي خاصة، من الممكن أن نوجزها بالآتي :

– الإيقاع أسبق من العروض والوزن وأشمل، ويتغيّر كليّا بتغيّر البنى المكملة ثقافيّا، ولذا، فلا عجب من أن يتفطّن الناقد إلى أنّ السياب قد كتب أعظم قصائد القرن (أنشودة المطر ) وأكثرها إثارة وحظوة للتحليل النصّي على تفعيلات أضعف بحر في الأوزان العربية المعروفة، وهو بحر الرجز([361]).
-لا ينظر الصكر إلى الوزن على أنّه هدف في ذاته وإنما ينظر إليه بوصفه أداة لإنتاج الإيقاع، أي أن الإيقاع هو الغاية المستهدفة، والقول الشعري له حقٌّ مشروع في اختيار ما يُوصله إلى هذه الغاية من أدوات مختارة، سواء أكانت هذه الأدوات من تفاعيل العروض أم من سواها من الحِيَل والأمور المولّدة لإيقاع داخلي .
-لا يحدد الإيقاع الداخلي تحديداً حصريّاً، لأنه شخصي ومتغيّر، وهو لا يظهر من خلال الإنشاد الحافل بغنائيّة واضحة، بل من خلال القراءة المتأنّية وما يترتّب عليها من مزايا، وبذا فهو مَهمّة فنيّة ، تأليفاً وجماليّة، استجابة وقراءة وتلقيّاً .
-يكمن إثراء الإيقاع  من خلال هدم أسوار الشعر والنثر للانتفاع من إيقاعات متنوّعة ومختلفة. 
-لكل قصيدة إيقاعها الذي تصنعه المهيمنة سواء على المستوى الدلالي أو الصوتي أو التركيبي([362]) .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ه / مفهوم  الصورة
         تعدّ الصورة ركنا مهمّا من الفعل الشعري، ويكتمل جمال الصورة وتأثيرها من خلال انسجامها مع العنصرين الأخرين لهذا الفعل، وهما: اللغة الشعريّة والإيقاع الموسيقي .
         واذا كانت البلاغة العربيّة القديمة قد نظرت إلى طبيعة الصورة الشعريّة من خلال مبدأ الفصل بين طرفيها الأساسيين (المشبّه والمشبّه به)، فإنّ النقد الحديث تعامل مع الصورة باعتبارها كلاّ واحدا يعتمد بالدرجة الأساس على انبثاق معانٍ جديدة من خلال تداخل طرفي الصورة، بعيدا عن شروط تقاربهما أو درجة واقعيتهما([363]).
         ونتيجة لهذا الفهم ستكون العلاقة بين طرفي التشبيه نوعاً من أنواع الكشف القائم على قوة التركيز ونفاذ البصيرة التي تدرك مالم يسبق إدراكه اعتماداً على قوة المخيلة فـي التصوير، إذ ليس من باب المصادفة أن أفضل شعراء العربيّة من المصوّرين كما يذهب الصكر([364]) .
      وتستمد الصورة الشعريّة أهميتها مما تتمثَّله من قيم إبداعية وذوقيّة ومن تعبير موح متوحّد مع التجربة الشعرية ومجسِّدٍ لها، وليس غاية الشعر تشكيل صور مجرّدة لاترتبط في روحها مع عاطفة الشاعر الذي يرسمها من خلال الكلمات، كما تعتمد قوّة الصورة الشعريّة على قوّة الخلق عند الشاعر، وهي – برأي الصكر – عبارة عن قوّة فعل مستمر ومتفاعل بين الذاكرة والخيال([365]).
       يتتبّع الصكر مظاهر متفرّقة لبعض الصور الشعريّة في كتاباته النقديّة الأولى، ككتابه الأصابع في موقد الشعر([366])، ويدرس مصادر هذه الصور، فيشير إلى مصدرين يبرع فيهما الشاعر هما: ذاكرته الشعريّة، وأدواته التي من خلالها يخرج الشاعر صوره من ربقة الذاكرة الشعريّة، ويحررها من سلطة صور شعريّة لنصوص سابقة .
        ويرى الصكر أنّ غاية التصوير الشعري تكمن في القدرة على الإيحاء منبّها إلى أنّ نقّاد العرب القدامى ومتابعيهم من المعاصرين تصدّوا إلى موضوعة الصورة الشعريّة بمفاهيم النثر والخطابة، لا بمفاهيم الشعر ( فحاكموا محاولات شعراء الصورة بمقاييس علم البيان المألوفة التي صار لها قوانين أشبه بالمعادلات، كلّ ما لا يدخل في حدودها يعدّ خارجا عن حدود الشعر )([367]).
         ويشدِّد الصكر على الصورة التي تتراكم داخل القصيدة متشكّلة من مجموعة صور جزئيّة تتآزر فيما بينها لتعطي صورة كليّة تمنح القصيدة فرادتها وتميّزها، ويجد الناقد بعض قصائد يوسف الصائغ تجسيدا رائعا للصورة الكليّة التي تجعل من النص الشعري جملة شعريّة واحدة، لا مجموعة جمل([368])
        وهو  أيضا، ما يتنبّه له الناقد في بعض قصائد النثر – خاصّة – إذ يجد الصورة في تلك القصائد قائمة على اختراق مناطق جديدة ومبنيّة على علاقات تركيبيّة مغايرة تؤدّي إلى دلالات جديدة لم تكن مطروقة من قبل([369]).
      ولعلّ هذه المسألة شكّلت أحد الحجابات الحاجزة للتلقي الصحيح لهذه القصيدة التي لا تتعامل مع حدود المنطق في رسم الصورة، ومن هنا اتّهمت بالغموض والتعمية، في حين أن غموضها متأت من سياقات معرفيّة ووجدانيّة جديدة حاول شاعر قصيدة النثر أن يقتحمها(([370] .
     وتأسيسا على ذلك، فالصورة الشعريّة جزء من تقنيّة القصيدة، وإنّ هذه التقنية قد برع بها بعض شعراء قصيدة النثر من خلال ارتكاز أعمالهم الإبداعيّة على شيئين، هما: الصورة الكليّة المتآزرة والإيقاع الداخلي الذي ينتظم النص، ممّا يسهم ذلك في خلق الجو الشعري داخل القصيدة([371]) .
        ويتوقّف الصكر عند الفنون البصريّة وثقافة الصورة والإعلان والمشاهد الأخرى([372]) التي يمكن أن يراها الإنسان المعاصر حين دخلت عنصرا معرفيّا تأثّر بها الشعر تأثّرا واضحا، ويذهب إلى أنّ دراسة الصورة عندما تتم بمقاييس البلاغة التقليديّة كأركان الصورة والتشبيه والتمثيل، وبين الصورة الشعريّة باستعمالاتها الرمزيّة اليوم، فإنّنا سنجد بونا شاسعا، وسنصطدم بنقلة كبيرة لا تستوعبها الاستعارة ولا تخضع لشروط التشبيهات وغير ذلك من أمور البلاغة القديمة، وهو ما يؤكّد انتقال النوع الشعري – كما يذهب الصكر – بقوانينه وشعريّته الخاصّة إلى الانفتاح على المشاهد الحياتيّة المختلفة([373])
      وعلى العموم فإنّ مفهوم الصورة الشعريّة عند الصكر – وكما تبدّى لنا من خلال تطبيقاته – لا يخرج عن مستويين اثنين هما:
1- المستوى الحسّي المباشر الذي يتمّ من خلاله تصوير الأشياء كما هي في الواقع، بعيدا عن الزخرفة والصنعة، إذ يتساءل الصكر – مثلا – حين يقرأ الصورة الشعريّة التي اشتملت عليها الأبيات المعروفة للشاعر العبّاسي ابن الرومي:

ما أنس لا أنس خبازاً مررت به
  يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبـصـر
 
ما بين رؤيتها في كفّــــــــهِ كـــرة
 
  وبيـــــــــــــــــــــــن رؤيتها قـوراء كالقمر
 
إلا بمقدار ما تنــــــــــــداح دائــرةٌ
 
  في صفحة الماء ترمي فيه بالحـجر([374])
 

   هل فعلا كان الشاعر المكثر من ذكر الطعام منهوماً في المآكل، كما روي عنه ؟ ثمّ يستدرك الناقد قائلا: إن أبيات ابن الرومي في الخبّاز مأثورة في باب الصورة من خلال التشبيه الحركي، منتهيا إلى أنّ سرعة دخول الرقاقة إلى تنّور الخبّاز مثل اللمح بالبصر، وليس بين تحوّلها من كرة في كفّ الخبّاز إلى رغيف مدوّر كالقمر أبيض ناصع، إلّا الفترة اللازمة لصنع الدائرة التي يشكّلها الحجر في الماء، ليتيح لدائرة أخرى أن تظهر على السطح، وهي صورة حسيّة مباشرة ([375]). والصورة بالرغم من جماليّتها لم تستطع التخلّص من حسّيتها ومباشرتها، غير أن صورة رغيف ابن الرومي ستشهد حياة جديدة يهبها له السيّاب الشاعر الذي استعار من ذاكرته الفعل( يدحو) وصورة الكرة المستديرة حين قال:
      قلبي هو السنبل
     موته البعث: يحيا بمن يأكل
     في العجين الذي يستدير
     ويدحى كنهد صغير، كثدي الحياة…([376])
فالرغيف في نص السيّاب – بحسب الصكر – مسيحي وبابلي معا، وصورته حين يستدير بالنار ليحيا من جديد، وليهب الحياة كثدي جميل منقولة إلى مستوى آخر غير ما عهدناه عند ابن الرومي([377])، فهو ليس قرباناً فحسب، بل هو ( رسالة حياة إلى أحياء يعيشون بالخبز ويحصون أيامهم به، رمزا عراقيّا يختزل اسم الحياة ومعناها )([378]).
        ويمكن إيراد مثال آخر من نص للشاعر اليماني ( عبد الرحمن فخري ) رأى فيه الصكر اعتماد الصورة الشعريّة على تشبيهات تقريريّة مرتكزة إلى تقنية بلاغيّة شائعة هي التشبيه عندما يقول:
         ويسقط الثمر على الجسد
         نقياً كآهات البحر
         يافعاً كالنشوة
         نابهاً، كأنّه الضمير
       إنّ هذه التشبيهات – كما بدا للصكر – محلّقة في خيال شعري مكرور وتقليدي، ومنضبطة في الإطار التقليدي للتشبيه في البلاغة العربية (مشبّه – أداة تشبيه – مشبّه به) كما أن الموقف العام في القصيدة يخلو من السرد، لأنه ينطلق من زاوية غنائيّة([379]). ولذا لم تستطع الصورة الشعريّة في هذه القصيدة أن تخلق إيحاء شعريّا يحرّك المتلقّي للتفاعل معها ([380]).
2- أما المستوى الثاني، فهو المستوى الاستعاري الذي يتفاعل فيه التصوير مع الواقع الخارجي تفاعلا مجازيّا، إذ يجد الصكر – مثالا على ذلك –  الصورة الشعريّة التي عالجها البلاغيّون القدماء في قول الهذلي عند رثاء ابنه: ( وإذا المنيّة أنشبت… البيت ) غير مستحقّة لأكثر من تحليل الاستعارة التي يشبّه من خلالها الشاعر المنيّةَ بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة([381])
      ويستدرك الناقد أنّ هذا التحليل غير مُلفت إلى المعاني الخفيّة التي خلّفتها الصورة هنا، فالفعل ( انشبَ ) وما يوحي به من قسوة، وأظفار مفترسة قد أُلصقت إلصاقا بالموت فصار له وجود حسّيٌّ، أي أنّ الموت بتأثير هذا التصوير (غدا كائنا مفترسا له صفات الوحش، ورهبة الخطر الدائم، وما يريده الشاعر المصوّر ليس عملا إدراكيّا مباشرا، بل الإحساس بالأثر، والإحاطة بالانفعال الذي تطمح الصورة إلى توصيله )([382])، وهو ما يعني أنّ التصوير هنا تجاوز السطحيّة والمباشرة التي ألفناها في المستوى السابق إلى مستوى التفاعل المجازي مع الواقع الخارجي. وكذلك يفعل الناقد عند تحليله للصورة الشعريّة التي يقتنصها الشاعر العراقي ( سلمان داود ) فيجدها صورة فريدة تكاد ( وحدها تكفي للإفصاح عن شاعريّته في أعلى درجات اشتغالها النصي)([383])، إذ يقول الشاعر:
                 غير أني عديم اللمس كـ(لا شيء)
        مخلصٌ في اعتقال الذكريات كألبوم صور!
      ولا يتردّد الصكر في الذهاب إلى أنّ هذه الصورة الشعريّة ( ذات دلالة أشدّ بلاغة من مناطق أغلق النص فيها على نفسه بالشعبويّات والرؤى الصادمة كلَّ باب للتأويل، وأفلحت في جرّ المتلقي إلى مغطس النص )([384]).
      في حين يسجّل الناقد بعض المؤاخذات على الصورة الشعريّة التي يرسمها أحد الشعراء حين يقول: 
 الفجر أغمض راحتيه…([385]).
        إذ يرى هذه الصورة الغريبة التي يجسّدها التعبير الشعري المذكور غير متفاعلة مع الواقع الخارجي تفاعلا مجازيّا ناجحا، ولذا أخفقت في إثارة الانفعال عند القارئ ( فالفجر المغمض راحتيه لا يخلق انطباعا محددا بظلام خارجي، كما أنّ إبدال العين بالراحة، وإسناد الإغماض إليها، لا ينجح في تشكيل صورة ما )([386]).
      وربّما يستوجب التنبيه، ونحن نختتم مبحث الصورة الشعريّة إلى أنّ حاتما الناقد في متابعته النقديّة للصورة الشعريّة قدّم مجموعة استقراءات نابعة من فهمه لوظيفة الصورة في الشعر العربي دون أن يفرّق بين أشكال الشعر العربي وتوجّهاته في التصوير، وكما عرضنا لنماذج قصيرة منتقاة للتوضيح. وهو – في واقع الأمر – لم يولِ الصورة الشعريّة اهتماما كبيرا بالرغم من أهمّيّتها في تجربة الشعر العربي، ولعلّ هذا لا يعدّ قصورا من الصكر في هذا المجال، بل هو داخل ضمن تحوّل الناقد إلى مباحث جديدة إذا ما أخذنا بالحسبان أن الحداثة قد استغنت في برنامجها نظما ونقدا عن محور الصورة الذي تفتت في حقول مجاورة تولي عنايتها بالتركيب والمفردة والانزياحات والإيقاعات، وغيرها.
و / مفهوم  الحداثة
        لم يتبلور مفهوم الحداثة على مستوى الوعي والاصطلاح في النقد العراقي الحديث، ولم تتضح معالمه إلّا بعد الستينيّات من القرن الماضي([387]) . ولقد استوعب شعراء التحديث ونقّاده العديد من المفاهيم الجديدة مثل مفاهيم الواقع والذات والإبداع، وأصبحت الحداثة عندهم تحمل تصوّرا مغايرا جديدا للإنسان وللوجود والمجتمع وتختزن رؤية جديدة في التفكير وطريقة أخرى في التأمّل والتعبير .
      ولم يكن مفهوم الحداثة والدعوة إلى التحديث بغائبين عن وعي الصكر وعن ممارساته النقديّة، إذ إنّ لديه قناعة راسخة ظلّ يعبّر عنها في أكثر من موضع ومناسبة، وتتمثّل هذه القناعة بأن الانخراط في الحداثة والتحديث لن يتمّ بشكل صحيح دون ممارسة النقد بشتى أشكاله داخل المجتمعات العربيّة، ودون امتلاك القدرة على صدم العقل العربي وزعزعة ثوابته الجامدة، مؤيدا – كما يصرّح بذلك-  الأطروحات الفكريّة التي يتبنّاها أدونيس بهذا الشأن([388]) .
      وبالرغم من كون الصكر لم يتوغّل في تعريف الحداثة وتحديد أبعادها، فهو يضع مفهومه لها اعتمادا على كونها اختيارا فكريّا وثقافيّا قبل أن تكون انضواءً تحت لافتة نقديّة أو أدبيّة خالصة([389]). وهي بهذا موقف، ورؤية تشير للمستقبل والحياة والتقدّم.
         وللحداثة عند الصكر  اشتراطات فنيّة أكثر مما لها – بوصفها مصطلحا – دلالة على المعنى الزماني، فهي مصطلح فنّي لا زمني، ومن هنا أمكن لنصوص ليست من نصوص عصرنا الذي ننتمي إليه، أن تنتمي للحداثة بوجود الاشتراطات الفنيّة المعروفة، كما يُصبح ممكنا أن تُسلب تلك الصفة من نصوص معاصرة لنا بافتقادها للاشتراطات ذاتها([390]) .
        يوافق الصكر أدونيس في تشخيصه لبعض أوهام الحداثة التي تتداولها الأوساط الشعريّة والثقافيّة العربيّة والمتمثّلة بوهم الزمنيّة، أيّ: التصوّر بأنّ الحداثة مرهونة بزمننا وبعصرنا، أو بالراهن من الوقت، وبوهم المغايرة، أيّ: أن التغاير مع القديم – موضوعاتٍ وأشكالا – هو الحداثة أو الدليل عليها، وبوهم المماثلة، أي الاعتقاد بأنّ مصدر الحداثة بمستوياتها المادية والفكريّة والفنيّة هو الغرب، وأنّ الحداثة لا تكون إلا بالتماثل معه، فضلا عن وهمين متّصلين بالتشكيل البنيوي للنص، أي: التأكيد على الأداة والتجريب أولا، ووهم استحداث المضمون، أي: انتساب النص للحداثة لمجرَّد تناوله إنجازات العصر ثانيا([391])، وهذه مجموعة أوهام  تكمن خطورتها في كونها تسكن العقل والحسَّ والذوق، كما يعتقد الصكر([392])
     يرى الصكر الحداثة حركة متواصلة تبحث عن الجديد في اللغة والرؤيا والأسلوب وفي الانفتاح على ثقافة الإنسان الآخر أينما وجد، ولعل أفضل تجسيد لها في التعبير الشعري برز من خلال مشروع الروّاد الإبداعي، وتجارب قصيدة النثر التي تلخّص سؤال الحداثة ومصيرها بعد سلسلة من الرضّات والمحاولات التي لامست شكل القصيدة العربيّة وتطوير أغراضها([393])
         يجد الصكر في مشروع الروّاد الشعري مشروعا مغايرا مثّل لحظة الحداثة الأولى([394])، كما وجد السيّاب الشاعر فاتح طرق، ومنبّها الى حداثات كامنة موجودة بالقوة، أخرجها اللاحقون الى الفعل والتحقّق النصّي، وذلك لأنّ قصيدة السيّاب ظلّت قادرة على أن تخترق متن عصرها وترسل إشارات تشفُّ عن ضوء باهر يكشف ويهدي([395]). وبذا يكون البحث عن قيمة السيّاب كامنا لا في نصوصه فحسب، بل في التقاليد التي أرساها وطوّر بها بناء القصيدة الحديثة التي (حفر لها مجرى دافقاً تمرُّ منه سفن الحداثة صوب هدفها الغامض البعيد، متدرجاً من القدرة الشاعريّة المرهونة بحلم التجديد بواسطة الشعر، وصولاً إلى الإنجاز النصي ( الشعريّة) عبر التحديث كهمّ أساسي لإنجاز القصيدة باختراق النسق السائد وإرساء طموح شعري يجدد نفسه محفوفاً بصخب الحياة ذاتها، واكتظاظ مفرداتها وازدحام رؤاها )([396]).
        إنّ الحداثة – كما يذهب الصكر – تمرّد مستمر، غير مرتبط بزمان أو مكان، ولا متعلّق بنوع أدبي دون غيره، ولعلّ هذا التمرّد لا يجد نفسه إلّا في سلسلة من المغامرات الحرّة التي تتحدّى التقاليد والقيود التي كان الشعر العربي من أكثر الأجناس الإبداعيّة تقيِّدا والتزاما بها([397]).
       وعليه، فقد كانت مواجهة تلك القيود والتقاليد، ثمّ التمرّد عليها – بحسب الصكر – من أبرز ملامح الحداثة في الشعر العربي المعاصر، وقد وصلت هذه المواجهة ذروتها فيما يطلق عليه الناقد لحظة الحداثة الثانية([398])، وذلك عندما تمّ توليد جنس إبداعي محايد جامع بين الشعر والنثر، ويعني به: ( قصيدة النثر) التي كثيرا ما حاول الناقد تحديد أبرز إشكالاتها، وإبراز دورها في تلخيص سؤال الحداثة، لا سيّما وأنّ اشتغالاته واهتماماته بقصيدة النثر ( لم تتوقف عند المهمة التطويريّة، أي تحريك الأغراض والمعاني والشكل الخارجي للقصيدة، بل امتدت لجوهر الكتابة الشعريّة من حيث هي معرفة وصلة بالعالم عبر وعي خاص مختلف, وبرؤية تحديثيّة تنسف تماما كل ما استقرّ في جعبة القراءة ذاتها من تصوّرات عن مفاهيم الشعر وتشكّلاته )([399]). لإنّ هذه القصيدة – بحسب الصكر – جاوزت ذلك إلى جوهر الكتابة الشعريّة من حيث هي معرفة وصلة بالعالم عبر وعي خاص ومختلف، وبرؤية تحديثيّة تنسف كلّ ما استقرّ في ذخيرة القراءة ذاتها من تصوّرات عن مفاهيم الشعر وتشكّلاته البنائيّة وعلاقته بالأجناس الأخرى([400]) .     
        وإذا كانت الحداثة عقيدة ملتبسة ومفتوحة للأسئلة والحوار والاختلاف باستمرار([401])، فهي عند الصكر في تجليّاتها الأدبيّة قرينة الجدّة والمعاصرة، فما  بين ( يوم القديم الأول – أي الجديد – ويوم الجديد الأخير الذي سيغدو قديما تنجز الحداثة برنامجها النصّي الذي غالبا ما يكون تجريبيّا واختباريّا )([402])، وبذلك فإنّ أدلّة تجريم الحداثة وتسفيه خطابها الفكري تمثّلت – كما يذهب الصكر – من خلال القول بأنّ ( الحداثيين لم يضيفوا في الشعر العربي ما يصل إلى قامة روّاده أو سابقيهم، فلا نكاد نعرف قمما، أو ذُرى يشار لها أو تشير إلينا، كما اعتدنا في غابر عصور الأدب )([403]) .
        إن هذه المسألة في مظهرها النقدي والاجتماعي متّصلة عند الناقد بموقف تفضيل الأوائل الذين يطوي الزمن منجزهم فيعجز المتأخّرون عن مباراته أو مجاراته، وهي نظرة تقوم عليها دعاوى السلفيين ( الذين يُوقفون العلم  والعدل والصواب على السلف، فلا يظل للخَلَف إلّا ما يتاح للمُلحق والمقلّد من إبراز براعته في تكرار السالف وإعادته للحياة، لا أنموذجا من نماذجها، بل بكونه الأنموذج الأوحد )([404])، ولعلّ هذا الموقف النقدي عند أولئك النقّاد السلفيين سيعطّل الابتكار ويبثّ الشلل في الجسد الثقافي كلّه، لما يحتويه من معنى فكري، وبُعد أخلاقي، يتمّ بموجبهما تكفير المجدِد أو المُحدَث لما بينه وبين السلف من اختلاف يفرضه الواقع، ولا ذنب فيه للمجدِّد سوى أنّه يعيش عصره ومقتضياته وتبدّلات أدواته ونظرته للحياة وطبيعة تفكيره ([405]).
        ويجدُ الصكر في الخوف من الحداثة إهانة للثقافة العربيّة الجديدة، جازما بأنّ تصوير هذه الثقافة بالضعف والهشاشة تحقيرٌ لمنتجها الحضاري ولجهود المثقّفين والمفكّرين العرب، وكثيرا ما نجده بسبب من موقفه هذا دائمَ التذكير بما قدّمه الحداثيون العرب من منهجيّة ورؤى جديدة للتراث نفسه الذي غالى التقليديّون بطريقتهم في الذبِّ عنه وكأنّه وصيّة مقدّسة من ميت، لا كأنّه شجرة حيّة تواصل العيش بيننا في الحاضر([406]). وهنا يُبرز لنا الصكر أطراف المعادلة، فنقّاد الحداثة ودعاة المناهج العلميّة الجديدة هم أكثر قدرة على تجديد الوعي النقدي بالحياة والفن معا، أمّا العاجزون عن إدراك ضرورة التواصل فلا يملكون سوى اجترار الذات والتعصّب الأعمى الذي لا يقود إلى معرفة حقيقيّة. لذا يدافع الصكر في كتابه ( ترويض النص )([407])، وفي بعض مقالاته الأخرى عن جهود النقّاد العرب الجدد الذين عكفوا من خلال دراساتهم على قراءة النصوص، واستخرجوا منها الظواهر، ومهّدوا لها، واضعين قواعدَها لها، مدافعين عن توجّهاتها الحداثيّة الجديدة، لافتين نظرَ المتلقّين والدارسين إلى ما في التحديث والحداثة من إنجاز على المستوى الشعري والسردي معا ([408]).
        وبوصف الصكر ناقدا حداثيّا ينتمي إلى هؤلاء النقّاد، فقد سعى الرجل جاهدا لإبراز جهود الجيل الراهن من المبدعين والشعراء وكتّاب قصيدة النثر، لكون هذا الجيل هو أفضل شاهد على التحوّلات الفنيّة والجماليّة، وقد كانت متابعة الصكر لهذا الجيل تنمّ عن محبّة حقيقيّة، وتنطوي على رهان غير خاسر كما يقول([409]). وعطفا على ذلك، يذهب الصكر إلى أنّ تجليّات الحداثة  تبرز في تجارب الجيل الأكثر شبابا رغم ما ينتاب تجاربه – في بعض الأحيان- من امتثال للظاهرة، ومسايرة للموضة التي يُظنُّ أنَّها تجسيدٌ للحداثة. إذ إنّ هنالك هدفا جماليّا  ظلّ صوب أعين أصحاب هذا الجيل يبرز من خلال البحث عن أشكال شعريّة جديدة تمثّل ضرورة ملحّة لما كانوا يستشعرونه من عجز القصيدة التقليديّة عن استيعاب تجارب العصر، ومتغيّرات الواقع المعيش وصولا إلى ملاءمة الشكل للمضامين المراد التعبير عنها، والتي غالبا ما تكون مضامين جديدة ولّدتها عوامل حضارية جديدة([410]) .                             
       والحداثة من منظور الصكر هذا تبدو لنا ثورة على جمود الشكل ومحاولة لبناء عالم شعري جديد مليء بمعطياتٍ آنيّة تستطيع أن تستبدل القديم، أو أن تنفخ الروح فيه لتستولد منه جديدا قادرا على إعادة الحياة والقيمة للشعر العربي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ز / مفهوم الأصالة والمعاصرة
        تجدر الإشارة إلى أن سؤال الأصالة والمعاصرة قد برز في أعقاب اصطدام العرب بالغرب إبان فترة الاستعمار التي تعرّضت لها البلاد العربيّة واستهدفت فيما استهدفته فرض ثقافة الآخر المحتل والتبشير بقيمه ومفاهيمه الخاصة مما دفع المستعمَر للتشبث بكينونته والاحتماء بتراثه كنوع من أنواع التصدّي والمجابهة. وقد واجهت توجّهات التحديث في النقد العربيّ مآزق عديدة إسوة بالتوجّهات التي حاولت تحديث المجتمع العربي في مفاصل مختلفة، كالفكر والسياسة والاقتصاد والدين، وذلك حين عالجت قضيّة العلاقة مع الماضي الذي ليس ثمة مهرب منه، حتى بالنسبة لأولئك الذين أعلنوا قطيعتهم معه ضمن برنامج رفضهم لكلّ ما قد يوحي بالتخلّف والتقهقر([411]). وهذا الأمر سيقودنا إلى سؤال جوهري، هو: ما موقف الصكر الناقد من الأصالة في الفن، ومن إشكاليّة العلاقة بين التراث والمعاصرة؟ وإلى أي مدى ساهمت آراؤه في تجاوز هذه الإشكاليّة والحثّ على تأسيس مفهومي واع ينطلق من موقف نقدي واضح ورصين؟ 
      إنّ الأصالة من السمات الأساسيّة التي أكّدتها حركة الحداثة، وهي بوصفها نزعة حداثيّة، فإنّها حركة باتجاه المستقبل لا مجرّد انبثاق عن ماض تليد([412])
      وإذا كانت الأصالة في إطارها الفكري تؤكّد حضور الموروث، وابتغائه نموذجا يُحتذى، فإنّها في إطارها الفنّي لا تتنكر لهذا الموروث، بل تتّخذه منطلقا تشحذ من خلاله أدواتها، وتهذّب حاستها للانطلاق به بعيدا في أجواء من التّجريب الحرّ بالاعتماد على تجديد أشكال الإبداع التقليديّة([413])، ولعلّ هذه المسألة كانت بمثابة الحافز الذي وجّه الصكر منذ كتاباته النقديّة الأولى، في حين أشار إلى أنّ الأصالة موجودة بوصفها نزوعا فنيّا في بعض الأعمال الفنيّة والإبداعيّة منذ عهد الانطباعيّة في الرسم والفن، ومنذ عهد الواقعيّة  والطبيعيّة في الأدب، وذلك من خلال رغبة هذه المدارس الفنيّة في أن يكون الأدب والفن خلقا جديدا ينبع من أصل خاص بهما هما، لا من غيرهما([414]). غير أنّنا نجد الصكر يستعمل هذا المصطلح – أحيانا – للدلالة على الشيء العريق الذي يتمتّع بجذور وأصول تعود به إلى زمن بعيد، فيكون لديه بمقابل الحداثة مرّة([415])، وبمقابل الابتكار مرّة أخرى([416]).
        يجد الصكر شعر الجواهري – مثلا – من النماذج التي تجسّد الأصالة في الشعر العربي الحديث من خلال ( قيام قصيدته في بنائها وموضوعاتها على جدل حيٍّ فعّال وخلّاق بين الموروث بجانبه الشعري كمنجز ماثل للقراءة وقابل للتأثير، وبين المستقبل الذي يهفو إليه الشاعر، ويعتقد بإمكان حصوله في الفن كما في الحياة، ويسعى غالبا، ويعمل كي يراه متحققا )([417]). أمّا بشأن طبيعة الوعي الشعري العربي الحديث بالتراث، فالصكر يشخّص ذلك في وجهات نظر ثلاث هي : نظرة الإحيائيين في عصر النهضة المتّخذة من التراث مثالا يُحتذى، وما للأديب من غاية سوى محاكاته والنسج على منواله. ونظرة المجدّدين المتطرّفين التي أدارت ظهرها للتراث وناصبته العداء. ونظرة أخيرة توفيقيّة ( واقعيّة) رأت في التراث رافدا لإضاءة الحاضر واستكشاف المستقبل([418]) . وفي تلمّسه للوعي الشعري بالتراث عند جيل ما بعد الرواد يستبعد حاتم الصكر قدرة النظرتين الأولى والثانيّة على تقديم صورة صحيحة لطبيعة الصلة بالتراث ( لأنّهما [ النظرتان] لا يقدّمان وعيا إبداعيّا، أي أنّهما يطفئان وهج الإبداع ويقطعان طريق المراجعة والاستلهام مما يضعهما خارج العوامل المؤثّرة في التجارب الشعريّة )([419])، إذ إنّ النظرة الأولى يحتويها التراث وهي غير قادرة على احتوائه متنازلة عن وعي الحاضر وضروراته، في حين تؤكّد النظرة الثانية استلاب الذات بوصفها حاضرا وحضارة ([420]).  ويميل الصكر إلى ترجيح النظرة التوفيقيّة بين المعاصرة والتراث لمحاولة تمرير نماذج التحديث الشعري عند جيل الروّاد وما تلاهم من أجيال أخرى عبر قناتين هما: الانفتاح على الغرب على اعتبار أنّ إنجازات الشعراء العرب الروّاد ومن تلاهم هي إنجازات وليدة المثاقفة مع الآخر الغربي([421])، وعبر دعم حركة شعر جيل الروّاد وما بعدها من أجيال شعرية – ولا سيّما كتّاب قصيدة النثر- بمسوّغات فنيّة وتعبيريّة من أصول تراثيّة، فالصكر يرى ( كلّ شاعر بلا ميراث شعري لا يمكن أن يجد طريقة واضحة إلى جمهوره، فهو يخاطب أفراداً بلا ماض شعري ولا ذاكرة شعرية ولا خبرات قراءة، كما أن شاعراً في عالم تسوده الأميّة والإدراك الجزئي الساذج لا يستطيع أن يبلغ مرحلة التأثير في الآخرين لأنه غير مفهوم، منعزل وغريب )([422])، على أن الارتباط بالتراث عند أصحاب ذلك الجيل والأجيال التي تلت لا يعني الخضوع لـلماضي والانكفاء تحت عباءته، فذلك تقليد أوّل ما يميت الماضي نفسه، ويقتل القصيدة الجديدة وكلّ إبداع جديد، وإنما الارتباط يتمّ عبر الحوار معه لتملّكه، أولاً، ولتجاوزه وإثرائه، ثانيّاً.
      إنّ الشاعر الحديث ينفصل عن الماضي, دون أن ينقطع عنه, فهو – أي الشاعر – ينقد ويحلل ويختار, وهذا الانفصال العفوي هو انفصال عن القيم الجماليّة القديمة المتعلّقة بالشكل والقالب، وهذا الموقف سيؤدي بالشعراء إلى زيادة في وعيهم الشعري المتأسس على الفهم العميق والجديد لهذه القيم، وضرورة العمل على تجاوزها بعد أن ينهل من منابع التراث وأصوله، بما يزيد ارتباطه به، وعياً ونقداً، ومن ثم تجاوزاً، إلى الأشكال وطرق التعبير الجديدة . ولذا، فالتراث عند حاتم الصكر موغل في الزمن حيث يمتد إلى حضارة السومريين، وهو قادر على الانبعاث عندما تتهيء القدرة للوعي الإنساني على استعادته وخلقه من جديد، وإنّ هذا الانبعاث لا يتحدّد في إحياء التراث فقط، مثلما أن الحداثة والمعاصرة لا تعنيان إلغاء التراث واستئناف المستقبل بالقطيعة مع الماضي، لأنّ ( النظر إلى التراث كإبداع إنساني ذاتي هو الذي يمنح الإنسان الإيمان بجدواه في المستقبل)([423]). وبذلك يلتقي الصكر – كما يعلن – مع ت . س إليوت في مسألة ( الحاسة التاريخيّة )([424]) التي تشمُل في ما تشمُل إدراكا لمضي الماضي، ولحضوره في آن معا، وذلك من خلال إحساس الأديب بأنّه مسكون أثناء الكتابة بأدب أسلافه حدّ العظم([425]).
     أمّا بشأن المعاصرة، وهي كلمة تحيل على العصر، فالصكر يرى أن مصطلح ( معاصر، معاصرة ) له إشكالاته الخاصّة بوصفه مقولة زمنيّة لا تعني سوى الانتماء للزمن الراهن أو الحاضر.  وعلى الإجمال، يمكن لنا أن نلخّص رأي حاتم الصكر الناقد في مسألة العلاقة بين الأصالة والمعاصرة  بالأمور الآتية:

  • على الرغم من انحياز حاتم الصكر الفنّي والفكري للتجديد والتطوّر ووقوفه إلى جانب الأشكال الفنيّة والدعوات النقديّة المناصرة لذلك، إلّا أنّ انحياز الصكر هذا لا يلغي اتّكاءه على القديم، ودعوته إلى تجاوزه بعد الانطلاق منه، كونه يشكّل قاعدة أولى لأيّة حركة تجديد .
  • اهتم الصكر الناقد بالتراث الثقافي المتنوّع بوصفه مجموعة النماذج الثقافيّة التي يتلقّاها جيل من الأجيال عمّا سبقه، إذ عن طريق دراسة ذلك التراث وتفحّص مكوّناته، ومشغلات وعي أصحابه ثم تجاوزه وتخطّيه، يصل المبدعون الى التجديد والابتكار المطلوب .
  • إنّ عمليّة الانتقاء من التراث عمليّة نقديّة ومنهجيّة، لأن التراث يشتمل على الكنوز الثقافيّة والإبداعيّة، مثلما يشتمل على أشكال فنيّة مترديّة غير مقبولة([426])، وبذلك يقترب الصكر من مفهوم سابق لأدونيس في هذه النقطة([427]).
  • يرى الصكر أنّ اقتراب بعض الشعراء المعاصرين من التراث بوصفه منجزا حضاريّا، هو اقتراب قد حصل بسبب جاذبيّة الحريّة كونها همّا أساسيّا لجيل التحديث، وذلك بهدف:( البحث عن فضاءات لمفهوم الحريّة والعدالة والكرامة والاستقلال، وهي مفاهيم تتقدم لها الأدلّة والوقائع في التاريخ العربي، وإن في هوامشه المنسيّة، أو في الدلالات المغيّبة عن كتاباته الرسميّة )([428]).

                 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ح / مفهوم  قصيدة النثر
          كان الصكر أحد النقّاد المهتمين بالتراث العربي وبالبلاغة العربيّة التي جسّدها – وكما مرّ بنا-  من خلال صداقته لعبد القاهر الجرجاني وإعجابه به، إلّا أنّ ذلك لم يمنع هذا الناقد من الاعتناء بقصيدة النثر، ودراستها إسوة بالأشكال والأنواع الأدبيّة الأخرى، بالرغم ممّا أثير حول هذه القصيدة من لغط واستهجان بين أوساط النقّاد العرب المعاصرين بما يتعلّق بشرعيّتها وصحّة انتمائها إلى الشعر على وفق مفهوم أولئك النقّاد للشعر .
         يتنبّه الصكر إلى إشكالية مصطلح ( قصيدة النثر ) فيبدو له المصطلح ظاهر التناقض من خلال الاستفزاز المحيل إلى ضدين: قصيدة ونثر([429]). ويبدو الصكر مترددا في قبول هذا المصطلح، إذ يدعو إلى إعادة النظر فيه([430])، لكنّه يعود ويأخذ على أدونيس تراجعه عن مصطلح ( قصيدة النثر) لصالح مصطلح أكثر بلبلة هو: (كتابة الشعر بالنثر)([431]). منبّها إلى الإشكاليّة التي يسبُّبها هذا الخلط الاصطلاحي على المستوى المفهومي، إذ أنشأ هذا الخلط – كما يرى الصكر – خلطا أكثر خطرا في المفهوم، وهو خلطٌ قد زاد من صلابة الجدار التقبّلي لقصيدة النثر ومن كثافته أيضا، وأثار مزيدا من الأسئلة عن حقيقة شعريّة هذه القصيدة الجامعة للمتناقضات ( الشعر والنثر )، لا عن شرعيّتها فحسب([432]).
      إنّ جوهر ما قامت عليه شعريّة قصيدة النثر ونظامها الفني – بحسب الصكر – هو تقريب المتناقضات، والبحث عن الشعر خارج مفاهيمه وتسمياته المألوفة، وهي بهذا لا تنفي الشعر أو تُهينه، بل هي تنتصر للشعر عبر توسيع وجوده وكينونته وجَلبه من مناطق قصيّة تبدو بعيدة عنه أو غريبة في المفهوم الشائع للشعر، والمتكوّن على وفق ذائقة نقديّة قديمة. ويعتقد الصكر أنّ أزمة قصيدة النثر هي أزمة تلق، لا أزمة تعبير، فإذا ما تحققت الظروف المناسبة المتمثّلة بإعداد القارئ وتأهيله لقبولها والتفاعل معها، فإنّ هذه القصيدة ستجد مناخها المناسب للتواصل والتفاعل، أمّا في ظلّ سياق القراءة التماثليّة التي تحتكم إلى ثوابت معروفة، وأسس معلومة قامت هذه القصيدة على هدمها وتكسيرها، فإنّ هذه القصيدة لن تحظى بقبول مطلوب([433]). ولذا، فقصيدة النثر تستوجب قارئا آخر مغايرا ومخالفا للسائد، يقترب منها متلمّسا قوانينها ومناقشا إشكالاتها، سواء، أعلى مستوى التوصيل أم على مستوى الكتابة الفنية، فهي قصيدة رؤيا تستعين بالسرد، وتحكمها الفوضى الظاهريّة، لكن بنظام صارم، وهي خلوٌ من الوزن والقافية، لكنها محكومة بتقاطعات وبتكرارات وتناصّات وفراغات تحكم آليّة بنائها([434]). وبالنتيجة فإنّ قراءة هذه القصيدة مهمّة عسيرة ولكنها ليست مستحيلة([435]) وإنّ قارئها هو: (الطرفَ المطلوب وجوده بالقوة التي ظهرت فيها القصيدة، وبالحساسية ذاتها )([436]). ولذا، ينحو الصكر باللائمة على أصحاب الدعوات المنادية بهدر دمِّ هذه القصيدة، فهي مولود من حقّه العيش مع بقية الأنواع الأخرى من فنون القول الشعري، والناقد وإن ذهب مبكّرا إلى أنّ قصيدة النثر شكلٌ مستقبليٌّ([437])، فهو قد تراجع وعدّ زمن المستقبل الشعري غير مرتهن بها، لأنّها ليست إلّا مجسّا من مجسّات الحداثة التي يمكن مراقبة سيرورة الشعر من خلالها([438])، وعند العودة إلى نصوص قصيدة النثر في التجربة العربية نلحظ أن ما يميّزها عن قصيدة التفعيلة في الشعر العربي المعاصر تعطيلها للأوزان الخليليّة وتفعيلها لبقية عناصر العمود الشعري، برؤى وتصوّرات جديدة تنبني على ما أحدثته نظريّة الإبداع من تغيّرات جذرية في إنتاج النص الأدبي وأعراف تلقيه، إذ إنّ اعتمادها على الترابط المنطقي والدلالي بين جملها وفقراتها، وانبناءها على الإيقاع الذي تتحكم فيه الصورة أو الفكرة جعلها تباين الشعر الحر أو النموذج الجبراني([439]). وقد وجد الصكر في هذا الإيقاع خروجا على الإيقاع الكلاسيكي الذي استهلك نفسه في تكراريّة زمنيّة ومكانيّة لم تعد تشغل الهمّ الإبداعي للشعراء والمبدعين الجُدد الّذين جرّبوا مؤمنين بإيقاعٍ مغايرٍ للإيقاع الموروث. وإنّ هذا الإيقاع الحداثي مطالب بإيجاد بديل لإلغاء الوزن كليّا، وهو إيقاع (سيوائم بين الشعر وسواه، ويوصل عناصر النص ببعضها إيقاعيّا وفق محددات جديدة تناسب ما جرى من تطوير لفهم الشعر وتلقّيه)([440]). ومعنى ذلك، أن قصيدة النثر ستلغي الإيقاع بمفهومه النمطي إلغاء تامّا، لإنّ كلّ إبداع يختار إيقاعه الذي يناسبه، والذي يرتضيه، شرط أن يكون هذا الإيقاع شديد الالتحام بالبنية الدلاليّة والتركيبيّة التي يشتمل عليها النص الشعري؛ لأن الفصل بين البنيتين سيؤدّي إلي خلل في بلورة شعريّة النص، وهو ما يفضي إلى أن الإيقاع لا يمكن حصره في نمط واحد، وبذا فإن مزايا إيقاع النثر متجلّية في قصيدة النثر، وهو ما لم تستطع القصيدة العربيّة – بما فيها المحاولات السابقة من الشعر المقطعي والشعر المنثور والشعر الحر- أن تقترب منه بالدرجة نفسها التي أسهمت من خلالها هذه القصيدة في تحرير الشعر انطلاقا من النثر. في حين استهدف الشعر الحر الغاية ذاتها، لكن انطلاقا من الشعر نفسه، لا من النثر([441]). وهنا مكمن خطورة قصيدة النثر وأهميّتها، وضرورتها الإبداعيّة والحضاريّة، ودرجة اختلافها عن الشعر الحر أيضا. ولمّا كان سؤال ( مستقبل الشعر العربي ) أحد الأسئلة التي أثارت قلق الصكر منذ انطلاقته النقديّة المبكرة ([442]). فلذا استبعد الصكر أسبابا درج النقّاد على اقتراحها علّة لشحّة الوصل بين الشعر الجديد والجمهور([443]) كالغموض والتعقيد والتحديث ذاهبا إلى أنّ من أسباب القطيعة بين الشعر الجديد ومتلقّييه تعود إلى طبيعة الفكر الشعري الحديث المرتكز على الانفتاح الدلالي الذي يُشرك القارئ في العمليّة الشعريّة، وهو ما لا يمكن أن تحققه نُظُم توصيل وأعراف تلقٍّ تقليديّة ما زالت قائمة على التوجّه صوب متلق سمعي لم يرتق بذائقته البصريّة للتخلّص من لوازم المرحلة الشفاهيّة حيث التأليف والإلقاء والتلقي كلّها تتم بوحي المشافهة، أمّا القصيدة الجديدة فهي قصيدة قراءة لا تهدف إلّا إلى إثارة الوعي والفكر والشعور والعاطفة، وهذا لا يتمّ بالموسيقى الخارجية والهيجان الصوتي، وإنّما بالمزاوجة بين الخارج، أي شكل الاتصال، وبين الداخل، أي بنية التوصيل، وإنّ عدم الموازنة بين طرفي المعادلة سيحدث نوعا من الجفاء بين المتلقّي العادي والشعر الجديد([444])، ولا سيّما في أنموذجه الأجد ( قصيدة النثر ). ولذا، ظلّ الصكر مؤمنا
بقدرة الشعر العربي على الإيفاء بحاجة الرؤية العربيّة المعاصرة، ومعتقدا باستطاعته النهوض -فنيّا- بأعباء التجربة الإبداعيّة الجديدة.

        وبعد أن عرضنا لمفاهيم الصكر المتعلّقة بنقد الشعر يمكن لنا الخلوص إلى كون الوصول إلى نص نقدي خلّاق ليس بمسألة هيّنة، ولا يسيرة، إذ لا بدّ لهذا النص أن يستوعب سؤالي المفهوم والمنهج وأن يمثّل على نحو عميق صوت الناقد الحديث بما يتطلّب حساسيّة ديناميّة تتدخل في كشف المضمون الإنساني الجوهري للثقافة([445]). ومن هنا، لم يكن مستعصيا على الصكر أن يبلور مفاهيمه الخاصّة النابعة من واقعه الثقافي، وهو ما لم يتأتَّ له لولا ما تمتّع به من حريّة فكريّة، ولولا اشتمال وعيه النقدي على رؤية خاصّة لم تكن لترزح تحت وطأة سلطة مرجعيّة وحيدة وضاغطة باتجاه بلورة مفهوم نقدي مطلق ونهائي .كما أن حداثة تصوّراته النقديّة، وجدّة مفاهيمه كانتا متلائمتين وحداثةَ أذواقِه الجماليّة ومزاجيّته في تقبّل فنون الشعر العربي، إذ إنّ هذه المزاجيّة وإن تغذّت من ذاكرة العرب الشعريّة الكلاسيكيّة، إلّا أن مستوى الهيمنة فيها كان للنصوص الشعريّة الحديثة بدرجة واضحة
 
 
             الفصل الثالث
            ( الإجـــراء )
      أولا / الرؤية والموقف الكلي
   ثانيا / أفق الإجراء النقدي
   ثالثا / فضاء المنهج
      رابعا / نماذج تحليليّة مختارة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
أولا / الرؤية والموقف الكلّي
      حاولنا الكشف في الفصل السابق عن رؤية حاتم الصكر النقديّة من خلال رصدنا لمفاهيمه العامّة والخاصّة المتعلّقة بنقد الشعر العربي، ولكي نقف على الوجه الآخر لهذه المفاهيم، أي على التطبيق أو الإجراء النقدي([446])، وهو النشاط الفكري الذي يقوم به الناقد بعد تحقّق العمليّة الإبداعيّة وتحوّلها إلى نصٍّ لغوي مكتوب، لا بدّ لنا من تأمّل مفهوم الرجل ورؤيته للعمليّة النقديّة وللنقد الأدبي بوصفه نشاطا معرفيّا تختلف خصوصيّاته، وتتنوّع منطلقاته الفكريّة بتنوع المرجعيّات الفلسفيّة، وتتعدّد بتعدّد النقّاد واختلاف مدارسهم المعرفيّة .
      لقد توقّف الصكر مرّات عديدة عند مفهوم النقد([447])، وأفاض بتصوّراته الخاصّة لهذا النشاط المعرفي المنطلق من قناعات وتصوّرات تشغِّلها في الأساس مواهب وقدرات أدبيّة على استيعاب النصوص، ورصد أنظمتها وشعريّتها أو تقاليدها وأعرافها الفنيّة، وإذا كان الصكر قد أحجم عن حدّ الشعر وتعريفه، فهو لا يتردَّد في تعريف النقد بأنّه: ( فاعليّة ثقافيّة تبتغي التعرّف على ما يتحقّق في النصوص من شعريّة وأنظمة تتعلّق بالجنس الأدبي، وتقوم بالبحث عن مستويات النصوص ودلالاتها وتغيّرات أنظمتها وإبداعها، وصلة ذلك بالكلّ الثقافي، وبالقراءة التي تعطي النص تحقّقا وملموسيّة )([448]).
      إنّ هذه الفاعليّة هي – كما يوحي بها تحديد الصكر- نظام ذو وعي معرفي منهجي، نظري وفلسفي، خاضع لرؤية لاتكتفي بمرجعيّة نقديّة وفكريّة واحدة أو مطلقة، وذلك لارتباطها المستمر والقوي بالعلوم الإنسانية وبالنظريّات الفلسفيّة المختلفة، وبكلّ ما يستجدّ من أفكار ومساجلات في المجالين الأدبي والنقدي محليّا وعالميّا.
        وقد اتّسمت رؤية الصكر النقديّة بمجموعة سمات ثابتة ظلّ يدافع عنها في مدونته النقديّة عقودا متتالية، وقد تمحورت هذه السمات حول محورين ثابتين ومتلازمين، هما: الحس الإشكالي بالمنهج المعاصر والحاجة إلى ترسيخه، والاهتمام بالقارئ، والعمل على تأهيله للتواصل مع النص الحديث مُبصَرا كان أم مكتوبا، بما يتفق والتحوّلات المعرفيّة الكبيرة التي شهدتها الحياة الثقافيّة والأدبيّة في العالم لا في الوطن العربي فحسب.
        تنطلق هذه الرؤية من نزوع ثابت وملح ٍّ لمواكبة التحديث النصّي في الأدب العراقي الحديث، ومن قناعات راسخة في استلهام منطلقات المنهجيّات الحديثة في النقد الأدبي، ومن رغبة حقيقيّة في ضرورة التفاعل مع الآخر وصولا إلى محاورته، وبما ينجم عن ذلك – فيما بعد – من وعي نقدي رافض لهيمنة المألوف، ولسلطة المتكرر، ولعادة الاجترار النقدي.
       وبما أنّ الرؤية بمثابة الفضاء الفلسفي الرؤيوي الشامل الذي يكتنف إدراك الناقد ووعيه في التعامل النقدي على مستوى النص الأدبي ذاته أو على مستوى ما يتعلّق به من مسائل نظريّة وقضايا أدبيّة ذات علاقة، سواء أكانت قريبة منه أم بعيدة عنه، لذا، يتعيّن علينا رصد الأسس والمبادئ العامّة التي ينطلق منها حاتم الصكر في تشكيل رؤيته الخاصّة، وفي تأسيس جهده الإجرائي – التطبيقي على هديها وصولا إلى بصيرة نقديّة نافذة في فهم الأدب وفي محاولة تفسيره.
      يؤكّد  الصكر دور الرؤية في العمليّة النقديّة في مواضع عديدة من مدوّنته النقديّة، وهذه الرؤية سابقة للمنهج النقدي الذي قد يعتنقه ناقد ما، فيتحوّل – بتأثير هذا الاعتناق –  إلى ما يشبه صنف دمه([449]).
        إنّ الرؤية التي تسبق اصطفاف الناقد – منهجيّا- ظلّت هي المحرّك الأهم في تصنيف النقّاد وعملهم المتمركز في قراءة الظواهر كما تقدّمها النصوص، فلا يهمُّ أن يكون الناقد بنيويّا أو جماليّا إلخ، يكرّ على النصوص بآليات منهجه الصارم ومصطلحاته ومفاهيمه, بل الأهمُّ عند الصكر الرؤية التي تسبق اختيار المنهج  الذي ما هو – بالنتيجة – إلّا طريقة تخدم الفكر المشغِّل له([450])، وإن كان هذا المنهج في وجه من وجوهه هو الفكر ذاته .  
       يؤمن الصكر بمبدأ إبداعيّة العمل النقدي وأدبيّته المحتكمة إلى موضوعات الأدب ذاته، وأسلوب عرضه ومحيطه القرائي، وبالرغم من اشتمال العمل النقدي على البعد الأدبي الذي يكتنف أبعاده المختلفة، فهو – أي العمل النقدي –  لا بدّ أن ( يأخذ سمتا علميّا من البحث والتعليل والتأويل والاستناد إلى المعرفة، دون الإغراق في التشريح أو العلمنة الجافّة للإجراءات النقديّة )([451])، وقد يذهب الصكر إلى أبعد من ضرورة اشتمال العمل النقدي على بعد أدبي لازم، فيذهب إلى عدّ الكتابة النقديّة ذات طابع تجريبي كالكتابة الإبداعيّة! لأنّ الناقد قد يعدّل من رؤاه ومواقفه وأحكامه أثناء انغماسه في عمله النقدي، مثلما يصنع المبدع تماما([452]).  وهذا تصوّر معرفي يتماشى ومبدأ تراكميّة المعرفة وخضوعها لمنطق النماء والتطوّر ورفض السكون والنهائيّات .
     ولعلّ هذا التداخل التلقائي بين النقد والإبداع كان واضحا في ذهن الصكر منذ بدايات انطلاقته الفكريّة، فاعتقاد الصكر بأدبيّة النقد هو ما يفسّر لنا كثرة اهتمام الناقد بالتراتب الأسلوبي، وباختيار عنوانات مباحثه النقديّة([453])، وبلغة المقال النقدي، وسواها من أمور أخرى تمّت الإشارة إليها، ليظلّ الناقد – بذلك – ضمن المدار الأدبي الذي رآه ضرورة من ضرورات النقد.
      ولكي يكتمل تحقيق الشرط الإبداعي أو الفنّي للنقد، كان لابدّ أن تتمّ مقاربة النص بخطوات ترتكن إلى التحليل النصّي، لا إلى التقييم الذي يثاب عليه الأديب أو يعاقب بموجبه، إذ إنّ التحليل النقدي كما يراه حاتم الصكر الناقد قائما على افتراض ( تضمنُه الكتابة الشعريّة، فإذا كان التحليل إنجاز قراءة ومحصول احتكاك القارئ بالنص، أي مَهمّة جماليّة خالصة، فإنّ التركيب الذي يقابل هذه الفاعليّة هو التشكّل النصّي الذي ينجزه الشاعر فنيّا، وعلى أساس تقابل هاتين المَهمّتين: الفنيّة والجماليّة، يتمّ تحليل النص الشعري )([454]).
      وبحسب هذا التصوّر، فإن النقد إبداع خلّاق ينتجه الإدراك الواعي، شأنه شأن الفنون الإبداعيّة المعروفة، والناقد مبدع كالشاعر يُغني التجربة بمستواها الجمالي بعد تحقّقها على المستوى الفنّي، كما أنّ هذا التصوّر سيضعنا بإزاء مسألتين مهمّتين هما: مهمّة النقد، ووظيفته.
        وفضلا عن ذلك، فالنقدُ – كما يفهمه الصكر – إبداعٌ مضاعف وحوار مع النص، لا محاكمة له، لأن الحوار النقدي الذي يحقّق مناخا مثمرا وحميما مع النص المنقود، مانحا العمل النقدي حيويّة وجمالا؛ لا يمكن أن يشتمل عليه السلوك القضائي الذي يتورّط فيه بعضُ النقد السائد أحيانا([455]). ممّا يعني ذلك: أنّ الناقد حين يحاور النصَ الأدبي متعاملا معه باعتباره اجتهادا إبداعيّا مقترحا ضمن مدار ذي وضع اعتباري لا يعدو النفس الإنسانيّة بعواطفها وخلجاتها، فإنّه سينشأ بأثر هذه المحاورة توقٌ شديدٌ لاكتشاف هذا الاجتهاد المقترح، ومعرفة عناصر جمال الجدّة فيه، وهي معاملة مغايرة لرغبة محاكمة النص وتشغيل البحث والتمحيص فيه بأدوات جافّة. ومن هنا تتكشّف إمكانيّة أن يصبح النقد فعلَ إبداعٍ مضاعف، وهو ما يسعى إليه الصكر طامحا إلى أن تصطبغ به جهوده أثناء تعامله مع النص الأدبي. فالناقد ليس قاضيا تحتّم عليه أن يصدر أحكام قيمة. ولذا، يعلن الصكر في أكثر من مرّة بأنّه لا يحبّ أن يُوصف بالناقد، ولا يرغب بأن يُنعت عملُه بالنقد، لما يشتمل عليه الوصفان من حمولة اكتسبتها الفعاليّة النقديّة على امتداد مسيرتها التاريخيّة حتى صار سماع اصطلاح النقد يحيل على الحكم والتقويم والتعالي على النصوص، ولذلك يفضّل الصكر ( الناقد ) وصف الكاتب على ما سواه، ويستحسن أن يوصف عمله بالـ(كتابة) على النصوص الإبداعيّة توسيعا لدلالاتها، وكشفا لمستوياتها المختلفة([456]).
       إنّ هذه الرغبة جعلت أحكام القيمة ليست من الاهتمامات التي تشغل حاتم الصكر إلا بقدر محدود تمثّل في تصويب الأخطاء التي قد يرتكبها المبدعون والشعراء، والتي كان كثيرا ما تنبّه إليها مقترحا بعد ذلك إمكانيّة تعديل بعض الأخطاء وتصويبها، وقد توافرت هذه الحالة في كتاباته النقديّة الأولى خاصة([457]) .
     أمّا التقييم بمعنى إطلاق الأحكام الكليّة على الطريقة المدرسيّة، فهو مهمّة تخلّى عنها النقد الأدبي بعد أن غدا علما وصفيّا، يعنى بتحليل النصوص وتركيبها وتأويلها وملاحقة دلالاتها المتخفّية في أبنيتها، ويترصد صلتها ببعضها وبالنوع الأدبي الذي تنتمي له، وما يجري على هذا النوع من تعديلات وخروج من خلال النصوص، وغير ذلك من مَهمّات ابتعدت عن المعيارية وأحكام القيمة.
        وتأكيدا لمجافاة الناقد لأحكام القيمة التي تستبعد كلّ نشاط نقدي لأي نص مرفوض، حتى ولو في مقام تعليل رفضه، نجد الصكر الناقد يتناول بعض النصوص الشعريّة نماذج للتحليل والقراءة والدرس ظافرا منها بنتائج نصيّة ذات قيمة على مستوى القراءة، بالرغم من تسجيله للمؤاخذات والملاحظات الفنيّة على هذه النصوص، كما يفعل -على سبيل المثال- حين يقرأ أحد النصوص الشعريّة للشاعرة نازك الملائكة([458]) .
     والنقد – عند الصكر –  مسؤولية مثلما الإبداع مسؤوليّة، ولذلك فالناقد الحقيقي مطالب بممارسة هذا النشاط الفكري بوعي وتبصّر وحذر. لأنّ الإسفاف والتهوّر في النقد سيسهمان في تعتيم الرؤى الجمالية، وفي إفساد الذوق العام وصرف الناس عن قراءة الإبداع وتأخير ظهور المواهب، ولذا، فإنّ ( الحاجة إلى النقد وقبوله في النشاط الثقافي وضرورة تقبّله، هما علامة حضاريّة ومدنيّة تعكس الإيمان بالحريّة كشرط إبداعي، وبالآخر كشريك اجتماعي وإنساني)([459]).
       وإذا كان النقد مسؤوليّة، فإنّ حجم هذه المسؤوليّة سيتضاعف في مجال نقد الشعر – تحديدا – لاشتمال طبيعة هذا النوع من الممارسة على اشتراطات لا حصر لها، جماليّة وتذوقيّة وأخلاقيّة متعلّقة بالمتطلّبات الذاتيّة الواجب توافرها في شخصيّة الناقد المُنْبري لهذه الممارسة المحفوفة بالمخاطر، والتي لا تقلُّ خطورةً عن التقاط الجمر في موقد متوهّج([460]).
        تنهض هذه المسؤوليّة على قاعدة راسخة تؤكّد ميول حاتم الصكر لمبادئ مدرسة ( النقد الجديد ) وتأثّر فكره النقدي بقواعد هذه المدرسة وصياغاتها الأدبيّة والفكريّة، وتقوم هذه القاعدة على مبدأين، أساسي: متمثّل بفصل النص عن صاحبه واستغوار أبعاده، ومعاملته على أنّه درّة كامنة في الأعماق([461]) تستهوي من أغرمه البحث عمّا هو ثمين ومحجوب بين طيّاتها لاستخراجه، في حين يقوم المبدأ الثاني على إمكانيّة استثمار ما يفيض به وعاء النص من معطيات شرط أن تنعكس من النص الأدبي نفسه، وإن كانت واقعة خارج حدود نسيجه([462])، كالسيرة الشخصيّة والظروف التاريخيّة أو الاجتماعيّة الحافّة لغرض الكشف عن طيّات هذا النصِّ / الدرّة  والوقوف على أبعاده المعرفيّة والجماليّة.
        إذ يقول الصكر  عن هذه المعطيات في مقدّمة أحد كتبه المتقدّمة: ( نحن نستفيد من السيرة والعوامل النفسيّة والاجتماعيّة في إضاءة كثير من زوايا النص المعتمة… إلّا أنّ الحكم دوما هو النص، باعتباره بنية متكاملة تعطي موقفا أو تحدّد حالة يُفترض وصولها للقارئ )([463]) .
        ويدين الصكر – مؤكّدا لنا ترسّخ القاعدة المذكورة – لمجموعة من أساتذته العراقيين، ولا سيّما منهم الذين تشرّبوا مبادئ النقد الأنجلوسكسوني الجديد وأفكاره العامة، كالناقد جبرا إبراهيم جبرا([464])، ود. علي جواد الطاهر([465])، ود. جلال الخياط([466])، ود. عناد غزوان([467])، ود. عبد الواحد لؤلؤة([468])، وغيرهم .
      وقد تأثّرت حركة النقد الجديد إلى حدٍّ بعيد بآراء إليوت وريتشاردز، فيما نمّتها – بعد ذلك – مجموعة من النقّاد الأمريكيين الذين انصبّ اهتمامهم على النص الأدبي دون غيره، وعلى التقصّد في المصطلح وتوجيهه بشكل سليم، وعلى مبدأ إبداعيّة النقد([469])، وفي منظور هذا النقد ستتحول القصيدة إلى غاية في ذاتها، فتنفصل عن كاتبها وقارئها على حدٍّ سواء، وهذا مبدأ يناقض تصورات سابقة تبنّتها نظريات نقديّة تقليديّة، كما ينسجم هذا المبدأ في سيرورته مع ظهور حركات أدبيّة جديدة عرفها الغرب مطلع القرن العشرين، وكان من دعاتها (عزرا باوند) و (إليوت) اللذين دَعَوا إلى تخليص الشعر من الضبابيّة والتشويش وإلى ضرورة اعتماد نقد موضوعي له([470]) يقوم على مبدأ كون الأدب والشعر خصوصا ( ليس تعبيرا عن شخصيّة الشاعر وعن أحوال المجتمع، وإنّما هو خلق، وصحيح أن الأدب قد يعكس ملامح شخصيّة قائله أو بيئته، ولكن وظيفة الفنان هي أن يحيل هذه العناصر كلّها إلى شيء جديد هو العمل الفني المستقل بوجوده عن كلّ ما أسهم في صنعه )([471]).
   في حين غزت أطروحات النقد الجديد الساحة الأدبيّة العربيّة عقدي الخمسينيّات والستينيّات من القرن الماضي إلى درجة جعلت أحد النقّاد المصريّين يقول: ( ولا أظنُّ أنّ مدرسة نقديّة استطاعت أن تثير في مصر من الجدل، وأن تغذّي العديد من المعارك النقديّة مثلما فعلت مدرسة النقد الجديد )([472]).
      وإذا كان الصكر لا يفصل العمل الأدبي عن صاحبه، ولا عن ظروف تكوينه فصلا تامّا، فهو قد تأثّر كثيرا بمبادئ حركة النقد الجديد وأفكارها([473])، ولا سيّما في مبدأ اعتقاده بأنّ للعمل الأدبي أو الفني جمالا مستقلّا عن صاحبه، وإنّ عمليّة تلقّيه لا تقتضي المشابهة والمطابقة مع واقع إنتاجه وظروفه، وإنّما تقتضي رؤية الواقع بعين الفن، وما ترتّب على ذلك من قناعة تالية تمثّلت بأنّ للقصيدة حياةً متعلّقةً بها، وأنّ لها قوانينَها وأعرافَها الخاصة التي تنتظمها، وكما عرضنا لذلك في مفهومه للشعر وتفريقه له عن القصيدة .
      ومع هذا، فإنّ الدور الذي يتصوّره حاتم الصكر في كيفيّة قراءته للنص الأدبي هو دور ظلّ يوازن بين طرفي المعادلة ( النص – السياق ) إذ لا يمكن لنا عندما نتناول نصّا أدبيّا معيّنا أن نتجاهل تأثير سياقاته المختلفة، وإنّما تقتضي النظرة العادلة الموازَنةَ بين الطرفين، إذ لا بدَّ من منطقة وسطى يقف عندها الناقد ناظرا للأمور نظرة كليّة، وإن رجّح أحد الطرفين على الآخر، فعلاقة الأدب بالظروف السياسيّة والاقتصاديّة والحضاريّة التي عاشها الأديب هي علاقة لا يمكن نكرانها بأي حال من الأحوال، ولكن شريطة أن يتحصّن الناقد برؤية تحمي ما بالنص الأدبي من قيم فنيّة وتعبيريّة، وأن يركن إلى موقف يضمن للنص ألّا يتحوّل إلى وثيقة أيديولوجيّة أو اجتماعيّة، أو إلى شاهدٍ على عصره الذي ينتمي له([474]).
      وهنا، لا يمكن إغفال المؤثّرات الأخرى الثقافيّة التي أسهمت في بلورة رؤية نقديّة خاصّة توجّه إجراءات الصكر عند التطبيق، كتأثره – مثلا – بمقولات نظريّة القراءة التي أضافت للنص بعدا تشاركيّا أو تفاعليّا يعطي للقارئ فرصة إكمال فراغات النص وما هو مسكوت عنه في متنه، وتأويل رموزه ودلالاته، إلى جنب ما ألمعنا إليه من ميول الصكر إلى مدرسة النقد الجديد ذات التوجّه النصي المحض.
      ولعلّ مسألة البعد التشاركي بين المؤلف والقارئ، وهي ما منح  القارئ فرصة تكميل الإبداع قد ظلّت عند الصكر الناقد تمثّل اعتدالا بين التركيز على المؤلف ونسيان النصِّ نفسِه، كما هو شأن المناهج التقليديّة، وبين الانحباس في النص والوقوف عنده كأنّه وثيقة مقدّسة لا يمكن أن تنالها قراءة القارئ لا بالتفسير ولا بالتأويل، كما هو شأن المناهج الخارجة من معطف التفكيك، وربّما كان هذا الانحباس داخل النص والاعتداد المغرق في النظر إليه وراء تحوّل الصكر إلى مبادئ القراءة وركونه إليها، واطمئنانها إلى إجرائها النقدي .
       وإذا كان لنظريات القراءة ولمبادئ النقد الجديد أثرهما الواضح في بلورة رؤية الصكر النقديّة، فلا يمكن تجاهل ميوله الشخصيّة وموهبته الذاتيّة الخاصّة، إذ إنّ الناقد كان ينطلق في غالب توجّهاته النقديّة الأولى من منطلق تذوّقي – تأثّري كما يصرّح بذلك([475])، وباختمار التجربة النقديّة أصبح لهذا المنطلق التذوّقي الانطباعي ما يتبعه من خطوات لاحقة موضوعيّة تحاول أن تفسّر أسرار الانطباعات، وأن تصل إلى تسويغ دواعي الاستجابة، فالتأثّريّة وحدها لا يمكن أن تخلق إبداعا نقديّا، ولا يمكن أن تصنع نقدا([476]).
      وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الناقد حاتما الصكر، وإن أخرج الانطباعيّة من دائرة المنهجيّة النقديّة التي تتّضح فيها القواعد والمعايير الثابتة والمنضبطة، وذلك في كتابه ترويض النص([477])، وهو رسالته للماجستير ( 1995)، فهو قد أشاد بدور الوجدان وأهميّته في تذوّق الأعمال الأدبيّة والفنيّة، وفي عمليّة تحليلها([478])، فالوجدان، كما يقول مارك جيمينيز: ( أقلّ إخفاقا من العقل في تقسيم وتحديد قيمة الرسومات والآثار الفنيّة والأدبيّة )([479]).
        وعندما يحدّد حاتم الصكر  وعيه النقدي وطبيعة إجراءاته النقديّة التي يستدعيها ضرورة وجود إعجاب أوّلي في غالب الأحيان([480])، نجده يقول في حوار له يعود إلى ثمانينيّات القرن الماضي: ( وحين أدخل إلى نص شعري ما، ألاحظ ما خطّ على بابه، وما علّق في أعلاه، وما أُسلك إليه من طرق ممهّدة، ولهذا تجدني أهتمّ بحرفيّات قد يراها غيري تزيينيّة كالأغلفة والعناوين والإهداءات والمقدّمات والجمل التوضيحيّة والهوامش، فهي عندي تفصح عن صلتها بالإجناسيّة الأدبيّة، ونظرة الشاعر للعالم والأشياء. لأنّ ضوء الموجّهات قوي يلازم سيرنا في استغوار مجاهل النص وخفاياه )([481]).
       فالصكر – إذن – يعطي النص الأدبي سلطته، ويسلّم في الوقت ذاته بتأثير القيم التاريخيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة إلخ، على الأديب وعلى نصّه الإبداعي، ويعتقد بضرورة الإحاطة بها ودراستها، مع تجنّب إسقاط نتائج هذه الدراسة على النص، كما يجافي فكرة جعل العلاقة حتميّة بين ظروف حياة المبدع ونصّه. مشترطا بذلك ألّا يتحوّل النشاط النقدي إلى معايير وأحكام تقيميّة يقوّم على أساسها النص الأدبي، فيتحوّل الأدب إلى مواعظ أخلاقيّة أو دينيّة يحاكم في ضوء قوانينها وأعرافها([482]).
      إن للأدب – إذن – سياقا خاصا به، ونسقا معيّنا يحدّده، هو نسق الإبداع الذي يحرر الأشياء من واقعيّتها([483])، وعلى النقد تقع مسؤوليّة الفصل عند التحليل بين التجربتين الواقعية والإبداعيّة([484]). والناقد يستطيع من خلال حسِّه المرهف بواقعه من ناحية، وبأصول الفن وقوانينه من ناحية ثانية، أن يوازن بين مرجعيّات النص ووشائجه، وبين قيمِه وأعرافه الجماليّة الخاصة به([485]).
      ونستطيع أن نستجلي من خلال ما عرضناه من مفاهيم خاصّة بالنشاط النقدي وبالرؤية التي توجّه هذا النشاط عند الصكر مجموعة مبادئ عامة سيقوم عليها الإجراء النقدي عند الصكر، وهي مبادئ مرتبطة ارتباطا وثيقا برؤية الصكر النقديّة الخاصّة وبفهمه للنقد. وهذه المبادئ من الممكن حصرها بما يلي:
أ- إنّ أساس استجابة حاتم الصكر للنص الشعري تنهض اعتمادا على الإعجاب به قبل كلّ شيء، وهي مرحلة أولى مهمّة في تذوّق النص الذي اشترط فيه الناقد جدّته وقدرته على لفت الأنظار إليه، إذ لا يلتفت الصكر إلى نصٍّ أدبي شحيح بقيمِه الإنسانيّة والفنيّة إلّا نادرا، وهو ينصّ في كتابه ( ترويض النص ) على الآتي: ( إنّ رأينا الخاص يتلخّص في أنّ بعض النصوص، لا تنطوي فنيّا على ما يؤهّلها لكي تصلح للتحليل، لتفاهة موضوعها وضعف بنائها، وما فيها من أخطاء وثغرات. لذا، نجد أنّ النص المناسب للتحليل هو المستوفي ما تتطلّبه القواعد العامة للبناء اللغوي والإيقاعي والنحوي والدلالي )([486]).
ب- عند الانتهاء من القراءة الاكتشافيّة الأولى التي يستجيب فيها الصكر استجابة أوّليّة للنص الشعري تبدأ مرحلة لاحقة تتمثّل بتأمّل النص الشعري بعيدا عن مرحلته الأولى الاكتشافيّة، إذ يمسح خلالها الصكر جسد القصيدة كاملا، وهو ما توحي به عبارته التي عرضنا لها في موضع سابق، حينما وصف منهجه النقدي في فحص النص قائلا: ( ألاحظ ما خطّ على بابه، وما علّق في أعلاه، وما أسلك إليه من طرق ممهدة، ولهذا تجدني أهتمّ بحرفيّات قد يراها غيري تزيينيّة كالأغلفة والعناوين والإهداءات والمقدّمات والجمل التوضيحيّة والهوامش )([487])، ويشدّد الصكر على هذه ( العتبات ) أو الأغلفة الخارجيّة الحافّة بالنص، ناعتا إيّاها بـ( موجّهات القراءة )([488])، التي رآها ( من أشد علامات الصلة بين القارئ والنص وضوحا )([489]). وقد حظيت هذه العتبات بعناية خاصة، ولا سيّما في مناهج القراءة والتلقي.
ج- ملاحقة الصلات الخفيّة والعلاقات المنظورة وغير المنظورة وصولا إلى كليّة النص والتي هيّ كليّة مفتوحة للقراءات المتنوّعة والحرّة، ومربوطة في الوقت ذاته بالكلّ الثقافي .
د- الانتصار للنص على ما سواه تأكيدا لاستقلاليّته عن الإحالة إلى خارجيّات تتعلّق بالمبدع وعصره ومجتمعه، دون الخروج بأحكام قيمة غالبا، غير أنّ الصكر لم يلتزم لمبدأ الانتصار للنص التزاما حرفيّا، بل استعان في مواضع كثيرة بالعديد من الخارجيّات في إضاءة البناء الداخلي للنص الذي افترض استقلاله مسبقا .
      إنّ أساس رؤية حاتم الصكر في قراءة النص الأدبي  تكمن – إذن – من خلال العودة إلى النصِّ تأكيدا لسلطته بوصفه نصّا أدبيّا، أولا وقبل كلّ شيء، وبوصفه منتجا ثقافيّا ثانيا، وليس العكس، إذ يولي الصكر قيمة كبيرة للنقد الأدبي من خلال ربطه بمجالات الثقافة الإنسانيّة المختلفة، وكما تُنبي عن ذلك بعض مقالاته([490]). ولذا، يعطى حاتم الصكر لناقد الأدب دورا ووظيفة يلائمان موقعه في الحياة العامّة، وفي كون النقد الأدبي وعيا بالتغيير وتبشيرا به، ثمّ ينيطه، أي الناقد بمسؤليّة رعاية الإبداع، وإنعاشه، ومدّه بأسباب الحياة بعد أن يولد أكثر ممّا يمدّه بها مبدعه الذي أبدعه، فالناقد، كما يقول الصكر: ( قابلة النص لا والده، لكنه قد يكون أكثر حنوا منه عليه )([491]). كما ينهض الناقد بمسؤليّة التعريف بالمؤلّفين، ويُنصف الإبداعات المغمورة والمجهولة كاشفا عن العلاقات بين الأعمال الأدبيّة في مختلف العصور والثقافات والتي لم يكن القارئ العادي بقادر على رؤيتها بنفسه، أو الوصول إليها لعدم امتلاكه المعرفة اللازمة بأبعادها وأسرارها. وهو حين يقدّم قراءة في عمل أدبي، أو في نشاط ثقافي لا يتغافل عمّا يُمكن تسليطه من ضوء على عملية الخلق الفني أو الأدبي وما يمكن أن نتحسّسه من روابط قد تشدُّ الفن بالحياة والأخلاق والسياسة وغيرها([492]).
       أمّا النقد – بوصفه نشاطا ثقافيّا ومعرفيّا – فقد أسهم في البلاد العربيّة على وجه الخصوص، بتمهيد الأرض المناسبة لاستقبال الحداثة الأدبيّة والأسلوبيّة وفي رفع قابليّة الجسد الثقافي لتقبّل الأنواع المجتلبة والمقترحة وأفراد النصوص المندرجة تحتها. وتلك مَهمّة ضروريّة لا تقلّ أهميّة عن الكتابة الجديدة ذاتها([493]). وعليه، فقد ظلّ الصكر من المتفائلين بواقع النقد الأدبي القائم، ومن المؤمنين بضرورة الانطلاق من منظورات متعددة ومن ومناهج حديثة متنوّعة قادرة على أن  تُوصل الهمّ النقدي الى حالة الحوار الجاد مع هذه المناهج.
     وقد سعى حاتم الصكر لتجاوز الأطر الضيّقة التي تؤطّر المناهج النقديّة بلونيها، الخارجيّة والداخليّة، بهدف الوصول الى ( ممارسة نقدية ) تعبّر عن رؤية نقديّة خاصّة، وتولي اهتماما مناسبا للإطارين، النصّي والسياقي في الكشف عن قيم النص الجماليّة والمعرفيّة، وهذا ما يجعل من رؤية الصكر النقديّة في عموم تجربته الفكريّة رؤية متوازنة لا تلغي أيّا من المدخلين، وإن مالت للنص أكثر من ميلها للسياق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ثانيا / أفق الإجراء النقدي
      هل تنتظم أعمال حاتم الصكر المعبّرة عن صورة إجراءاته النقديّة بسلسلة متماسكة ومنسجمة، بحيث لا يمكن أن تُقرأ هذه الأعمال منفصلة عن بعضها، أم أنّها عبارة عن مجرّد أشتات متجمّعة لا رابط عضوي بينها؟ ولكي نستطيع الإجابة لابدّ لنا من عرض موجز لأهم هذه الأعمال المتعلّقة بنقد الشعر، ولا سيّما منها تلك التي شكّلت مفاصل رؤية الصكر النقديّة، مع التنبيه إلى طبيعة ( الديناميّة ) التي وجّهت إجراءه النقدي في هذه الأعمال وحفّزته.
     أشارت القائمة التي عرضنا خلالها منجز الصكر الفكري في رحلته النقديّة التي ناهزت الأربعة عقود إلى تدشين هذه الرحلة بكتاب ( الأصابع في موقد الشعر ) الذي كان أسبق ظهورا للأسواق من كتاب ( مواجهات الصوت القادم ) بأشهر قليلة، ولكن عند العودة إلى محتوى الكتابين، وإلى طبيعة المادّة النقديّة الموجودة فيهما نجد أن مباحث الكتاب الأول ( الأصابع في موقد الشعر ) أكثر نضجا ورصانة من مباحث ومقالات الكتاب الثاني ( مواجهات الصوت القادم ) على الرغم من أنّ ظهور الكتابين كان في العام نفسه ( 1986م ).ممّا يدعو إلى القول: إنّ الكتاب الثاني في سلسلة قائمة كتب حاتم الصكر هو في حقيقة أمره، يأتي أولا من الناحية التاريخيّة، من حيث مستوى الأفكار والطرح النقدي العلمي وتوظيف المصطلح، وما إلى ذلك من أمور، إذا ما قيس بقرينه ( الأصابع في موقد الشعر ) إلّا أنّه تأخر في الظهور لأسباب تعلّقت بالطباعة ومشاكلها، أو – ربّما – تعلّقت بأسباب أخرى نجهلها.
        وممّا يؤكد هذا الرأي الذي ذهبنا إليه قيام الصكر بتذييل بعض مقالات هذا الكتاب ( مواجهات الصوت القادم ) بتواريخ يعود بعضها إلى منتصف السبعينيّات من القرن الماضي([494]).  وهذا يعني أن كتاب المواجهات، وإنّ جاء تاليا لكتاب ( الأصابع في موقد الشعر ) من حيث الظهور للأسواق، فهو أسبق منه زمنيّا، وهذا ما يحتم علينا أن نضعه في قائمة ما سنعرض له من كتب الصكر للوقوف على طبيعة أفق الإجراء النقدي عند الناقد، والتي هي طبيعة ذات منحى متطور تصاعديّا في مجموع جهود الصكر العلميّة، مع التزامنا بالأسبقيّة التي سجّلها كتاب الصكر ( الأصابع في موقد الشعر ) من الناحية التاريخيّة، لا العمليّة، وكما أثبتنا ذلك عند عرضنا لمنجزه النقدي في تمهيد البحث .
     لا يحدّد الصكر في كتابه ( مواجهات الصوت القادم ) الذي خلا من مقدمّة تُوضح برنامجَه طبيعةُ المنهج المعمول به، إذ إنّ الناقد الصكر بدا محكوما برغبة ( محاولة النظر إلى شعر جيل ما بعد الستينات في العراق بكونهم مثّلوا إحدى الموجات الجديدة في مسيرة الشعر العربي )([495]) أكثر من كونه محكوما بطبيعة المنهج الذي يعالج من خلاله شعر هذه الموجة الجديدة بالمقارنة مع موجات الأجيال السابقة. ونلحظ أنّ آليّة الاشتغال في ( مواجهة الأصوات القادمة) قد انفلتت لأنّها لا تستند إلى موجّهات منهجيّة وآليّات ملزمة للناقد، وبذا فالمنهج قد ساح وتحرّك في أحيان ومواضع كثيرة، فلا نكاد نجد له صورة ثابتة يستقرّ عليها، فطغت الأيديولوجيا مرّة، وبرزت الانفعالات مرّة أخرى في بعض مواضع المعالجة والتحليل([496]).
     يقول مثلا في أحد هذه المواضع: ( وفي مسألة الفن والأدب بخاصة يرد التحذير من الصلة المرضيّة بالتراث أي الوقوع تحت الانبهار بأضوائه الساطعة وربما استلهامه كلّا دون تمحيص، ولا شكّ أن من البديهيات في موضوع الصلة بالتراث الإشارة إلى عبث تجاهله، أو النظر إليه كجزء من ماضٍ منقرض وقوعا تحت أسر التيارات الرجعيّة، أو الاستعماريّة، إلا أن أغلب الشعراء السبعينيّـن  – وهذه ميزة من الحق أن تثبت لهم- ينطلقون من احترام تام للتراث بسبب انتمائهم إلى الفكر العربي الثوري، وارتباطهم بقضايا الإنسان في وطنهم وفهمهم للتحدّيات التي تجابه أمتهم )([497]).
      إنّ هذه النزعة الانفعاليّة والأيديولوجيّة التي نجدها واضحة في كتاب المواجهات ستخفت قليلا في كتاب حاتم الصكر القادم، ولا عجب في طغيان هذه النزعة إذا ما أخذنا بالحسبان أن الكتاب في بعض جوانبه ردّ فعل على ادّعاءات أبرز شعراء هذا الجيل وتفوّهاتهم التي تتجاهل المنجز الريادي السابق، وأنّه أول كتب الناقد الذي لمّا تكتمل رؤيته بعد، ولمّا تنضج أدواته النقديّة إلى درجة القدرة على خطّ منهج نقديٍّ ثريٍّ وواضح ينأى بالكتاب عن مثل هذه النزعات. وبسبب هذا النزوع الانفعالي في صفحات عديدة من المواجهات، فقد كان الكتاب، وكما يصفه مؤلّفه نفسُه ( مستفزّا لتجارب السبعينيين، ومراجعةً لم تلق هوى لدى جلّهم بسبب الطابع الجدلي للكتاب، وبسبب حكّ المفاهيم والرؤى والتصوّرات وانعكاسها في النصوص )([498]).  لكن ما أنجزه شعراء الموجة المذكورة من نصوص شعريّة كان بمستوى عال من التحدّيات التي تنسجم مع تطلّعات جيل بأكمله، وصفه الصكر فنيّا بـ(الصوت القادم)([499]).
     ولعلّ اعتزاز الصكر بمنجز هؤلاء الشعراء ورغبته في إبراز صورة منجزهم الحقيقيّة كان من بين العوامل العاطفيّة التي دفعته صوب الحماسة والانفعال. غير أنّ هذا لا يحجب بحال من الأحوال السبب الأكبر وراء ذلك الانفعال وعدم الالتزام المنهجي، فنحن نجد السبب وراء ذلك يكمن في حقيقة تجربة الصكر النقديّة ذاتها آنذاك، إذ إنّ هذه التجربة لم تكتمل أدواتها النقديّة ولم يتسلّح صاحبها بعدّة منهجيّة متمثَّلة في وعيه ومنعكسة في منهجه النقدي، وهو لا يقلّل من قيمة الكتاب من الناحية التاريخيّة، ولا من جرأة صاحبه في التصدّي لشعر ما بعد الستينات في وقت مبكر.
    وقد شخّص الصكر في شعر الموجة الجديدة – آنذاك – ظواهر فنيّة عديدة، وقيم أسلوبيّة ميّزت شعر جيل السبعينيات، كانفتاحهم على منجزات الشعر العربي الحديث، وعلى أجزاء من الموروث الشعبي والتراث العراقي، وكاستعانتهم ببعض الوسائل الفنيّة كالسرد والحوار، وتوظيف الشخصيّات والأمكنة، وسوى ذلك من أمور أخرى .
     كما أشار ( مواجهات الصوت القادم ) إلى سلبيّات عديدة وقع بها شعراء جيل السبعينيّات كالفهم الخاطئ للتجريب، وضعف الصلة بالموروث أو الذهاب إليه عبر وسيط آخر، والإتيان بالصور الشعريّة لذاتها، لا لاستجلاء معادل ما يرتقي بالقصيدة بوصفها كلّا واحدا([500])، كما قد سجّل استغراق بعضهم في مواضيع الحياة المختلفة بسطحيّة وتكرار، وأشار إلى ظواهر فنيّة لم ترسخ في شعرهم وظلّت مجانيّة في التعامل مع الفعل الشعري، كتوظيف الإشارات والإهداءات([501])، وكزهدهم في البحث عن أساليب وأشكال فنيّة جديدة ومغايرة لأساليب الروّاد وأشكالهم الفنيّة([502]) .
       وبذلك تمكّن الصكر من استحضار تصوّراته ( ليمارس لعبته في إثارة الكثير من الأسئلة والجدل حول هويّة القصيدة الجديدة وجدّتها في اجتراح نموذجها وقدرته على التمرّد على الشكل الذي كرّسه الستينيون في إطار مغامرة الشعريّة العربيّة في مرحلة ما بعد الرواد )([503]) . أمّا كتاب الصكر الثاني (الأصابع في موقد الشعر، مقدّمات مقترحة لقراءة القصيدة، 1986م ) فقد حدّد الناقد في مقدمة كتابه دوافعه ومنهجيّته التي أورد عنها قوله: ( إنّ المقالات التي يضمها هذا الكتاب في جانبه التطبيقي تقدم مقترحات لقراءة؛ تنطلق من الإيمان بما أسمّيه منهج النص، أي ذلك المنهج الذي يعتمد التحليل والتأويل احتكاما إلى معطيات المنهج )([504]) . ويعدُّ الصكر في كتابه هذا من أوائل النقّاد العراقيين الذين حاولوا توظيف القراءة النصّيّة في الوقت الذي كانت فيه السيادة آنذاك، في المعالجات النقديّة للمناهج السياقية .
      إن منهجا يرغب بمحاولة الاستعانة بالتحليل والتأويل احتكاماً إلى معطيات النص، وما يمكن ان يتركه في نفس قارئه من أثر في منتصف ثمانينيّات القرن الماضي، لهو نقلة حاسمة، وتطويرٌ مهمٌّ لا على مستوى الإجراء الذي يطمح الناقد حاتم الصكر إلى تشغيله في مشروعه النقدي فحسب، وإنّما على مستوى إجراءات النقديّة العراقيّة الحديثة برمّتها التي لم تكن معنيّة عناية كبيرة بهذا الشاغل، وهو ما لم نجد له صدى بهذه القوّة في كتابه السابق ( مواجهات الصوت القادم ) !
      أمّا عن الدوافع التي حفّزت الناقد لكتابة مجموعة دراسات هذا الكتاب ومقالاته، فقد حدّد الصكر منطلقاته وإجراءاته فيها بوضوح، فكانت هذه المنطلقات بسبب إحساس الناقد ( بغربة الشعر – عموماً – والقصيدة الحديثة بخاصة، عن القارئ في عصر يقدّم لنا كلّ يوم عونا جديدا على التقدّم والتحضّر وتغيّر نمط الحياة بما يستلزم ارتفاع حساسيّة الفرد المتلقّي للشعر والفن )([505]). ومن الجلي أنّ ما يعنيه الناقد بالقصيدة الحديثة التي شغلت ذهنه، هو الشكل الفني الجديد متمثّلا بقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر اللتين سادتا في ستينيّات القرن الماضي وسبعينيّاته، فقوّضتا حضور الشكل الكلاسيكي ( العمودي ) وحجّمتا من تأثيره في الساحة الأدبيّة. وقد جسّد الشكلان الجديدان غربة الشعر عن القارئ العادي الذي كانت تستدرجه القصيدة العمودية بأعرافها وتقاليدها ذات الطابع الشفاهي، وبرنينها الصوتي المجلجل، وهذا ما كان يستشعره الناقد  الصكر بوضوح بعد مجيء القصيدة الجديدة التي تسببت بتقهقر القصيدة العموديّة وتراجعها عن الحضور الثقافي والأدبي.
      تفترض القصيدة الجديدة قارئا آخر، وتخاطبه على وفق أعراف جديدة لا تنهض على المشافهة والجلجلة الصوتيّة، ممّا يستدعي ضرورة وجود ( جسر معرفي ) بين القارئ العادي ( الجمهور ) والقصيدة الجديدة المغايرة كي يصل من يرغب الوصول إليها، وهذا الجسر ما هو إلّا الناقد! وبما أنّ لهذا الناقد المؤمن بدور الفن وقيمته وظيفةً لا تقلّ شأنا عن وظيفة المبدع، بل هي مكمّلة لها من خلال أخذه بيد القارئ العادي وتأهيله برفع كفاءته وقابليّاته ليستجيب لشروط الإبداع الجديدة . لذا، يضع الناقد الصكر القارئَ العادي نصبَ عينيه في كتابه (الأصابع في موقد الشعر ) لكونه طرفاً مهماً في العمليّة الشعريّة، وفي ديمومة الحياة الثقافيّة واستمراريّتها، وهنا يكمن دور النشاط النقدي الفعّال الذي ( يجب ان يكون عوناً للقارئ، قبل ان يصدر أحكامه الأخلاقيّة أو ينشغل بالتنظير، وإنّ النقد إذ يفعل ذلك؛ فإنّما يقدم عوناً للقصيدة الحديثة ذاتها، ويمهّد أرضها التي لم تستقر عليها بعد )([506])، وهو ما لا يقوى عليه أيّ ناقد، أو قارئ للشعر ما لم يبدأ من النص وينطلق منه للوصول إلى مبتغاه.
     إنّ انحياز الصكر للمنهج النصي، وسعيه إليه – بوصفه إجراء جديدا في كتابه هذا – لم يكن أمرا عفويّا، أو مسألة ميول شخصيّة، أو تفضيل ذوقي مجرّد، بل هو توجّه منهجي مقصود، واختيار تستهدف فعّاليّته هذا المنهج القادر على الكشف عن درر النص الكامنة، وعن ثرائه الداخلي، ولا سيّما إن كان النص منتميا للقصائد الجديدة المعتمدة على وسائل وطرق غير مألوفة في التعبير والتوصيل، ولذا، سنجد إخلاصا من جانب الناقد للنص والتزاما به، أكثر ممّا بدا لنا موجودا في كتاب المواجهات([507]). غير أنّه مع هذا الالتزام، ومع هذا الإخلاص، لا نلبث أن نجد الناقد منفعلا في مواضع عديدة من الكتاب عند معالجته لنصوصه، إذ قد تتحكّم به الأيديولوجيا تارة، فيقول عن ( العريف عبد العبّاس ) إحدى شخصيّات قصائد حميد سعيد: ( إنّ قصائد الإنسان المقاتل المقدّم في أرقى حالاته إنسانيّةً وبذلا، هي التي ستبقى وتخلد شاهدةً على زمن العطاء من أجل وطن يراد له أن يُستباح… ) ([508]). وقد يستجيب للانطباع تارة أخرى([509])، ولكن بشكل أخف حدّةً بكثير عمّا كان عليه في كتاب ( مواجهات الصوت القادم ) .
     وحين يأخذ الصكر في تحليل وقراءة بعض النصوص التي ينتقيها في القسم الثاني التطبيقي([510])، فإنّ بؤرة تركيزه على الفعاليّة الجماليّة لهذه النصوص ستنصبّ على نعت حاله قارئا للنص، ووصف ما يتعيّن على بقية القرّاء أن يستوعبوه من هذه النصوص، وما يجب أن يفعلوه إزاءها، لأنّ موقف القارئ هو الذي يحدّد طبيعة النص، وليس العكس . ولذا، فإنّ الغاية التي سعى لها كتابه ( الأصابع في موقد الشعر ) تمثّلت في تقريب الأبعاد الجماليّة التي تنطوي عليها النصوص الشعريّة التي انتقاها في الجانب التطبيقي من كتابه بأغلبيّة ذات توجّه حداثي([511])، كما تمثّلت غايته في تحفيز القرّاء العاديين على مشاركته بالكشف عن تلك الأبعاد ، ومن ثمّ في تعلّم كيفيّة التعامل مع نصوص أخرى مشابهة. وما نريد الانتهاء إليه من وقوفنا عند هذا الكتاب هو: إنّ الصكر انطلق من القارئ في كتابه هذا، وانتهى إليه، فكان متوسّلا بالنص منهجا، ومتّخذا القارئ دافعا وغايةً .
       في كتابه التالي: ( الشعر والتوصيل، بعض مشكلات توصيل الشعر من خلال شبكة الاتصال المعاصرة،1988) حاول الصكر ألّا يخرجَ عن الإطار الذي رسمه لنفسه في كتابه السابق، مركّزا على قارئ افتراضي، سواء أكان تقليديّا محتفلا بالموسيقى الصاخبة وضجيجها الصوتي المستجيب للعرف الشفاهي، أم كان قارئا حداثيّا فطنا، يُولي اهتمامه للبنية ومكوّناتها ومستوياتها قبل موسيقاها وتوصيلها شفاهيّا برنين عال ينافق القارئ ويغازل أذنه!
     غير أنّ تعويل الصكر كان مرهونا بالقارئ الثاني الذكي المتوثّب الذي يصل إلى القصيدة بالتأمّل والإصغاء الذهني، لا بالانبهار الذي تصل به القصيدة للقارئ الأول الخامل الذي اعتاد على الاستماع في محفل شعبي أو مهرجان عام.
     ولا شكّ، أن معطيات عديدة ثقافيّة واجتماعيّة وحتى سياسيّة تفاعلت مع بعضها ليستجيب لها افتراض الصكر النقدي المنطلق من استشعار أزمة حقيقيّة في تلقّي الشعر العربي الحديث، وفي آليّات توصيله الحضاريّة، وهو ما جعل وجود هذا القارئ حلما مشروعا يصبو إليه الناقد لاستكمال عملية التواصل الثقافي بشكلها الفاعل، ولذلك نجد الصكر يختتم كتابه ملمّحا إلى حسرته الكبيرة بسبب اللاتكافؤ القائم بين الإبداع الجديد والقارئ الواقعي المتلقّي لذلك الإبداع، وأخصّ – هنا – القارئ  العادي الذي لم يؤهِّل نفسه بما فيه الكفاية ليقف ندّا للشاعر الجديد0
       إذ يقول الصكر في آخر صفحات كتابه: ( إنّ تلك المقترحات رغم دوافعها الحداثويّة لم تفلح في إيجاد صلة معاصرة مع القارئ تلائم طبيعة النص، وتمتثل لشعريّته التي راحت شيئا فشيئا تتفجر، من الأبنية الداخليّة للصياغات الشعريّة، إلى سطوح الكتابة وأشكالها الخارجيّة، وسيظلّ هاجس البحث عن حلول لإشكاليّة التوصيل قائما، ما دامت شعريّة النص نفسها في صيرورة وتحوّل، وما دام العالم من حولنا يبتكر صلات متقدّمة – علميّا – تمسّ جوهر الكتابة في كثير من جوانبها الإبداعيّة )([512]).
     وأمّا كتاب الصكر اللاحق ( البئر والعسل، قراءات معاصرة في نصوص تراثية، 1992م ) فلنا أن نعدّه لحظة التشكُّل النقدي الحقيقي في رحلة الناقد الطويلة، ولا سيّما أنّ الكتاب يأتي على مستوى آخر من اختمار التجربتين النقديّة والحياتيّة عند الصكر، فلا غرو أن يتمّ الانتقال فيه من نزعتي الانطباع والأيديولوجيا اللتين لمسنا آثارهما في المواجهات والأصابع، إلى رغبة الانفتاح ومحاورة النص .
      
 
 
      حاول الصكر في ( البئر والعسل ) أن يجد منفذا من خلال الإجراء للارتقاء بمشروعه النقدي الباحث دوما عن تحقيق إبدالات معرفيّة جديدة وإجراءات مغايرة في الميدان النقدي والثقافي، وإن كانت النصوص منتقاة من التراث العربي والعراقي العريض الذي عشقه الصكر، فإنّ رغبة تحليلها ستكون ( أقرب إلى الممارسة النقديّة منها إلى الفهم والشرح والتفسير )([513]).
      يتمثّل هذا الارتقاء من خلال اكتشاف الصكر لسلطة القارئ والترويج لها على أنّها فتح جديد في تاريخ النقديّة العراقيّة الحديثة التي كانت فيها ( سلطة القارئ ) شبه غائبة آنذاك 0 
        إنّ تنشيط دور القارئ في بلورة النص وفي إعادة تشكيله من جديد، وإنّ إيلاء الهيبة للقراءة ذاتها من خلال الخبرة والتأهيل وتنشيط التقبُّل ليغدو فعلا جماليّا يلي المهمّة الفنيّة التي قد تكفّل بها النص عند كتابته، كانتا الإنجاز الأهم في تاريخ النقد العراقي الحديث الذي كان يراوح في مكان واحد  مع نهاية الثمانينيّات ومطلع التسعينيّات على مستوييه الأكاديمي والصحفي لأسباب ثقافيّة وسياسيّة واجتماعيّة كثيرة.
       إذا كان النصُّ هو بمثابة البئر عند حاتم الصكر، فإنّ القراءة ستكون بمثابة العسل، لأنّ عمل الناقد – وهو يقرأ خلال هذا الكتاب مجموعة متنوّعة من نصوص سرديّة وشعريّة، قديمة وحديثة – لم يكن إلّا ( انصياعا لأقدار تلك النصوص مما جعله نوعا من الاكتفاء بالعسل – اللذة التي تتيحها القراءة – )([514]).
    إغراء العسل سيفتح شهيّة الصكر لتفكيك بنى النصوص المُعالَجة والكشف عن مجموعة لا متناهية من علاقاتها ومستوياتها مدفوعا برغبة ( فاعليّة التأويل الذي يُلغي قصد المؤلف؛ لا بهدف فصله عن نصّه فقط دون بديل منتج، بل لمعاينة القصد الحقيقي الذي تبوح به النصوص الخاضعة لمؤثّرات هائلة ليس قصد المؤلف إلّا واحدا منها في حساب الفروض والاحتمالات )([515]) .
       تفترض معالجة الصكر أنّ ما في النص قد انفصل عن مؤلفه، وأنّ قصد هذا المؤلف صار بعيدا عن النص بعد إنجازه وإطلاقه حرّا للقراءة([516]). ومعنى ذلك أنّ الناقد يسعى لتقديم معنى آخر مختلف عن قصد المؤلف، وقد لا يخطر على بال المؤلّف نفسِه! وهنا سيُؤتي العسلُ أُكلَه وثمارَه، فمتعة القارئ – كما يقول فولغانغ آيزر- تبدأ حين يُصبح القارئ نفسه منتجا([517]). ولعلّ العطاء الفكري الجديد في البئر والعسل تمثّل أيضا، من خلال التلميح دون التصريح لنظرية ( موت المؤلف )، وهي النظريّة التي ستفتح الباب على مصراعيه للقارئ لإنتاج دلالات يوحي بها النص ذاته، وإن لم تدرْ هذه الدلالات بخلد مبدع النص.
       لم تُؤخذ هذه النظريّة على محمل من الجدِّ عند التنظير أو التطبيق في النقديّة العراقيّة قبل كتاب الصكر هذا، إذ كان الكثير من النقّاد العراقيين والعرب – وما زالوا – ينظرون الى هذه النظريّة بعين الشك والريبة والحذر، إذا ما استثنينا عددا قليلا منهم، وبضمنهم حاتم الصكر الذي حاول من خلال ( بئره وعسله ) تطويق عنق القارئ، وتزيينه بوظيفة تكميل استثنائية للإبداع عوضا عن وظيفته المعهودة التي كانت وظيفة كماليّة لا تخرج عن الاعتياد، وكما يشير إلى ذلك الناقد بشير حاجم في محاضرة له عن نقديّة الصكر([518]) .
     في كتابه الخامس ( ما لا تؤديه الصفة، المقتربات اللسانيّة والأسلوبيّة والشعريّة، 1993)  يؤكّد الصكر رغبته في البقاء قريبا من المنهجيّة التي حاول أن يلامس تخومها كتاب ( البئر والعسل ) في مجموعة قراءات تطبيقيّة، غير أنّ هذه الملامسة لن تقتصر على قراءة الإبداع فحسب، بل ستتوجه صوب المنطق النقدي ذاته، أي صوب المنهج بالدرجة الأساس، وهو ما يجعل الصكر مفتتحا أولى صفحات كتابه بالإعلان عن الحنين الدائم للإنسان- الناقد إلى المنهج([519]). وبالنتيجة، فإنّ هذا الحنين سيجعل الإنسان لا يكفّ عن توليد المناهج المتفرّعة من سابقتها من أجل الظفر بما تخبّئه النصوص من درّر ثمينة كامنة([520]). وإذا كان ذلك الحنين مشروعا ومقبولا، فإنّه عند الصكر الناقد مشروط بشرطين، هما: أن ينطلق المنهج من النص، أوّلا، وأن تقترن هذه الانطلاقة برؤية نقديّة سابقة لاختيار المنهج  والتصويت له عند اختبار النصوص([521]).
        على وفق هذين الشرطين أو الموقفين يتّخذ الصكر في ( ما لا تؤدّيه الصفة ) موقفا مغايرا ومتجاوزا لبعض التصوّرات الشكليّة ( البنيويّة والأسلوبيّة ) التي تختزل النص الأدبي في تقنياته وأساليبه وبناه الوظيفية الداخلية، مثلما كان رافضا التصوّر الآخر الذي يحصر النص الأدبي في وظيفته الأيديولوجية أو الاجتماعيّة، كما لو كان وثيقة نادرة جيّدة الصياغة، في حين أنّ النص فضاء مفتوح وحياة كاملة([522]).
     سعت الاسلوبيّة، والألسنيّة – كما يرى الصكر في كتابه هذا – للعمل على تحويل النقد إلى خطاب وصفي يقف عند الأشكال والبنى والتقنيات والوظائف النصيّة على أنها هي وحدها موضوع ما عرف بالشعريّة أو الأدبية التي ينبغي للناقد أو للقارئ التركيز عليها دون سواها حتى يمكنَه من تحديد السمات المميزة للنص الأدبي وتحليلها، في حين إن تحديد تلك السمات ( الأسلوب ) في النص دون وصف صلته ( بالمتلقي ودون اعتباره حوارا بين قارئ وكاتب سينسب إلى الأسلوب ميزات صنميّة لا تصلح بوصفها خصائص نوعيّة للنص بالذات )([523]).
     من هذا المنظور جاء كتاب الصكر ليدخل ( مشتبكا ) في حوارية مع المقتربات المنهجيّة المقترحة للوصول الى فضاء النص وبنائه، فالمنهجيّات – كما يصرّح صاحب الكتاب في مقدمته – ما هي ( إلّا عتبات تدخلنا إلى أبنية النصوص، ولا تلزم نفسها باستباق ما سنرى؛ باستثناء تلك المداخل المنغلقة التي لا يمثّل النص لها إلّا مناسبة لاختبار المنهج وإضافة ما يعزّز معتقداته. بينما نرى أنّ النصوص مناسبة مغايرة: تعدّل وتكيّف بتوسّعاتها، وما تقودنا إليه من رؤى، ممّا تطرحه المناهج متيقّنة أو شاكّة )([524]) .
        تجربة الصكر في الانفتاح على المنهجيّات الغربيّة ومحاورتها بهدف تكييفها والواقع الأدبي العربي تأتي مقترنة برؤية نقديّة تسبق اختيار المنهج أو التصويت له، ثمّ اختيار النصوص على أساسه. ممّا يدعونا إلى القول: إنّ الصكر يضع نصب عينيه قارئا استثنائيّا، أو قرّاءً استثنائيين غير عاديين يشاركونه الإحساس الإشكالي بالهمّ المنهجي، وأعني بهم نقّاد الأدب والأكاديميين المتخصصين بفحص الظاهرة الأدبيّة ومعاينتها معاينة علميّة لا تختزل ما يمكن أن تشتمل عليه نصوص هذه الظاهرة من قيم فنيّة وتعبيرية وإنسانية عصيّة على الوصف والتصنيف تحت ضوابط منهجيّة ومسمّيات وأطر جافّة قد تفقد النصوص حرارتها ودفأها وبعدها الإنساني، وبالأخصّ منها تلك الضوابط التي تحيل النص على مستوى النشاط النقدي إلى عيّنة قابلة للتحليل ببرود، وبأقيسة نهائيّة ذات طابع علمي بحت يتنافى وجوهر الأدب.
      هذا الحوار النقدي سيكون وسيلة مثاليّة لتعميق الرؤى وإخصابها عند النظر وعند الإجراء، ولذا يجعل الصكر كتابه من قسمين، الاول: نظري يحاور فيه الناقد المقتربات الحديثة المجاورة للفكر البنيوي، والقريبة منه حوارا مبنيّا على القبول الحذر مع ضرورة الأخذ بالحسبان موجّهات القراءة المحايثة للمتن النصي([525]). أمّا القسم الثاني: فهو قسم تطبيقي سيجد فيه القارئ ( نزوعا تأويليّا لا يخرج عن المنهج النصّي، بل يُفيد من إجراءات عمليّة التأويل وخطواتها في تقوية قراءة النص وتدعيمها حفرا على مستويات غير منظورة يخفيها نظام النص )([526]).
        وقد يرد هنا سؤالٌ مفاده: ألا يعني هذا أن الناقد الصكر يحثّ القارئ في الكتاب المذكور على تجريب إجراءات التأويل، ونبذ الإجراءات التقليدية المُستهلَكة التي لا تعطي نتائج مثمرة وناضجة وهي تقارب النصوص الأدبيّة؟ وألا يقود ذلك – أيضا – إلى أنّ القارئ الذي يقصده الصكر ويتوجّه إليه بخطابه هو قارئ استثنائي غير القارئ المفترض الذي ألفناه ونحن نقرأ كتب الصكر النقديّة السابقة ؟
        في ( كتابة الذات، دراسة في وقائعيّة الشعر، 1994م ) وهو الكتاب التالي لـ( ما لا تؤدّيه الصفة ) يخصص الصكر مساحة واسعة لتوكيد قناعاته المختمرة، وتعزيزها من خلال النصوص التي احتلّت الحيز الأكبر من الكتاب، إذ شغلت مقدمة الكتاب بحدود الست صفحات فقط من صفحاته التي تجاوزت الثلاثمائة والعشرين صفحة خصّصها لقراءات ودراسات متنوّعة، لكنها لا تكاد تخرج عن الإطار الذي رسمه الناقد لنفسه من خلال كتابه السابق ليدعو القارئ في كتابه هذا إلى ضرورة تفطّنه إلى موّجهات القراءة المحايثة للنص بالقدر الذي يتفطّن فيه إلى طاقات النص وقدراته، لأن ما يصل القارئ من النص ( ليس إلّا شكلا أوليّا، مقترحا للصياغة وتدوين الأثر، وعمله[ القارئ ] يشبه عمل من يُكمل بناء ناقصا مليئا بالفراغات، إنّه يُنجز ذلك العمل الخاص به استنادا إلى العمل الناقص الذي يحمله النص، وإلى فكرته عن العمل كاملا دون نقص، فما يأتي من النص إليه ضروري إذن، ولكنه وجه واحد يكتمل بإعادته ثانية إلى النص، مع ما في ذاته هو من المعاني والتأويلات )([527]). فالكتاب لا يعدو إلّا أن يكون توسيعا لمفاهيم الصكر السابقة بخصوص القراءة والقارئ، إذ إنّ ما ينتهي إليه الصكر في مقدمة كتابه، هو أنّ قراءة تحرّر النص من نهائيّته ويقينيّته وتفتحه لتأويل مستمر مستثمرة كلّ السياقات والإشارات الحافّة بالنص جنبا إلى جنب النص وتشكيلاته لهي ( نشاط خلّاق )([528]).
        في ( كتابة الذات ) وإنّ أقرّ الصكر سلفا بوجود العلاقة الوثقى بين الأدب والواقع، وهذا ما يشي به عنوان الكتاب الفرعي ( دراسة في وقائعيّة الشعر )، غير أنّ الصكر لم يكن مشغولا في كتابه المذكور بإقرار هذه العلاقة بقدر ما كان مستجيبا لهاجس فنّي- تشكيلي تمثّل بسعي الناقد لرصد الكيفيّة التي ينبجس بها المرجع الواقعي في شكل أدبي آخر يقوله هذا الواقع المتشكّل فنيّا من جديد، وربّما أوحت لنا بعض العنوانات الداخليّة التي يصدر الصكر بها مجموعة من مباحث كتابه بهذا الهاجس كعنوانه: ( تفاحة اللوحة وتفاحة الشجرة: واقعتان )([529])، وكعنوانه: ( ما بعد إنتاج النص: مقترحات أخرى للقراءة )([530])، والعنوان ( السندباد البحري والسندباد الشعري: شطايا أسطوريّة )([531]). أمّا في الوجه الآخر الإجرائي- التطبيقي من ( كتابة الذات، دراسات في وقائعيّة الشعر ) فإنّ الإجراء النقدي سيتحوّل عن الوقوف عند حدود الاستقراءات الأوليّة للنصوص الشعريّة وارتباطاتها بـما أطلق عليه الناقد ( وقائعيّتها ) ليتّجه نحو محاولة استنتاج ( المبادئ الشعريّة والأدبيّة ) التي تقنن اشتغالات خطاب هذه النصوص الشعريّة المختارة([532])، وتفسّر تحولاتها([533]) وتداولاتها([534]). ممّا يعني أنّ الصكر يتثبّت في دراسات كتابه هذا، وفي قراءاته للنصوص التي اختارها ضمن مباحثه المختلفة الشروطَ المشروعة لحنينه الجارف إلى المنهج، وكما صرّح بهذه الحقيقة كتابه السابق ( ما لا تؤدّيه الصفة ).
        إنّ ما لا يُؤدّى بالصفة على تفرّده من الناحية الفنّيّة، وتأبّيه على المعايير والضوابط الصارمة والمطلقة سيقترب قليلا في ( كتابة الذات ) من دائرة التعليل والتفسير الموضوعي النسبي، من خلال قيام الناقد بإخضاعه لنوع من المبادئ والقوانين عبر القراءة التي لن يكون فيها القارئ ( الناقد المتمرّس ) مجرّد طرف خارجيٍّ، وإنّما من خلال كونه طرفا فاعلا في العمليّة الأدبيّة برمّتها، لتكون – حينئذ – قراءته فعلا([535]) ! ولو اعترض المعترضون على دوره في إبراز أدبيّة النصوص واكتشاف خصائصها الداخليّة بحجّة كونه كائنا خارجيّا مستهلكا، لا يستقبل العمل إلّا كوديعة لديه([536]). و( ترويض النص، دراسة للتحليل النصّي في النقد المعاصر، إجراءات ومنهجيّات، 1998م ) رسالة الصكر للماجستير، وكتابه اللاحق سيشكّل جزءا مهمّا من طبيعة الإجراء وتراتبيّته التاريخيّة في مدونة الصكر النقديّة.
      يعزّز الصكر قناعاته السابق بخصوص قراءة النص الشعري وتحليله، فيهدف في ( ترويض النص ) إلى ( عرض مقترحات إجرائيّة لإنجاز تحليل نصّي للقصيدة بوصفه مظهرا من مظاهر الانتقال بالنقد من التجريد النظري إلى التطبيق والممارسة النصيّة عبر تحليل مستويات القصيدة وكشف عناصرها، وما يمكن أن تضيفه القراءة إلى الملفوظ النصّي )([537]).      
       يقترح الصكر في مقدمة كتابه عدداً من الإجراءات التي تترجم تصوّراته النظريّة، وتجعل حوار القراءة مع النص ذا هدف استراتيجي بعيد، لا يتوقف عند كشف جماليّات النص في المناهج الفنيّة الخاصّة أو مراميه وخططه الدلاليّة في المناهج الخارجيّة، ويتمثّل ( هذا الهدف النصّي في إنجاز فعل قراءة للنص ذي محرّك أو مشغِّل ظاهراتي، يُسقط فيه المحلِّل الشعور والوعي الذاتي على النص بوصفه موضوعاً قابلاً للتمثّل والنظر )([538]).
      إنّ عنوانا كـ( ترويض النص ) الذي يختاره الصكر لهذا الكتاب – كما يذهب أحد الباحثين – هو: ( مدخل معاصر في النقد الإجرائي لتأهيل النص المقروء – النص المتوحّش غير المؤنسن إلى نوع من المقاربة التي تشبه الافتراس  لغرض إدخاله إلى الحالة الإنسيّة – اللذّويّة، لوجود إحساس يقطع البراءة عن كلّ النصوص التي يصنعها الخارج الملتبس! )([539])، أي أنّ هذه القراءة الأولى ستصبح شبيهة إلى حدّ كبير بالمراودة الحسيّة التي تُحيل الناقد عند الإجراء إلى منطقة الكشف التي تشبه التعرية([540])!
        يصف الناقد اهتمامه بعمليّة تحويل صفة النص من التوحّش إلى الأنسنة بأنّها تعكس وعيه بأهميّة القراءة وفاعليّتها التي تحيل النص إلى ما هو سرّي وغامض، ويرى أنّ هذه العمليّة تمرّ من خلال لعبة معقّدة ومتداخلة( الترويض ) التي ستغيّر من المستويات البنائيّة الأولى للنص إلى مستويات أكثر عمقا ضمن خطٍّ تصاعديّ، هو: القراءة ــــ اللذة ــ التفكيك ـــ التركيب، وهو خط يشبه في نظامه الحّسي لعبة صناعة اللذّة ذاتها، فضلا عن كونه يعاكس الشرط القديم للتلقّي القائم على الاستماع واللذة وفحص المعنى وتصويبه وخلوه من الخشن والدخيل!([541]).
      ولأنّ النص الشعري لا يستسلم لبراعة المحلّل ( القارئ ) ويروغ عنه متأبيّا على الإحاطة، فلذا يستعير الصكر الناقد تشبيه ( أكونور )  للقصيدة بالوحش العصي أو ( وحش أوريلو ) الذي ( كلّما قطع السيف منه عضوا، عاد ذلك العضو إلى مكانه من الجسد، وظلّ الوحش مخيفا كما كان )([542]). ممّا يعني أنّ النص له قوة الوحش المذكور في امتلاك القدرة على المراوغة والممانعة والانفلات من يد المحلّل ( الناقد ).
       وتجدر الإشارة إلى أنّ مقولة الترويض هذه قد استعارها الصكر كما يصرّح في مقدمة كتابه بذلك([543]بعد اقتراحها من الناقد الإنجليزي الماركسي تيري إيجلتون في كتابه: ( مقدّمة في النظريّة الأدبيّة )، إذ يرى إيجلتون أن مهمّة محلّل النص تشبه كثيرا مهّمة مروّض الأسود، ويجب على هذا المروّض ألّا يجعل الأسد يشعر بأنه أقوى منه، بالرغم من كون الأسد هو الأقوى فعلا خارج الحلبة، وإلّا ستنهار لعبة الترويض كلّها ([544]).
       ولعلّ عقد المقارنات والتشبيهات التي جرت بين كلّ من الأسد والنص من جهة، والمروّض والمحلّل من جهة أخرى لا تأتي هنا إلّا لغرض تقريب المفاهيم والأفكار التي ينهض بها الكتاب من خلال تجسيدها في أمثولات تدلّ على تلك المفاهيم والأفكار بيسر ووضوح، فعقد المشابهة هو وسيلة من الوسائل المعرفيّة التي يلجا إليها الإنسان لتفسير ما يدور حوله، وفهمه، وتخزينه في الذهن تجربة من تجاربه في الحياة .
      والصكر إذ يستثمر المقولة السابقة عنوانا لكتابه، فهو يريد أن يؤكّد مبدأ: كون النص هو الطرف الأقوى في معادلة التحليل، لأنه يمتلك أسراره ولغته وبنيته ودلالاته وسياقاته، والمحلِّل ( الناقد ) ليس كاتبه، وهو لا ينتمي إليه إلّا من خلال الاحتكاك به نقديّا، ولكن يجب أن تظلّ أدواته الترويضيّة متيقِّظة فَطِنة كي لا يبدو النص أقوى منه، فيعجز عن متابعة شفراته ومستوياته البنائيّة. 
       إن حاتما الصكر في ( ترويض النص ) يقدّم لنا إيذانا بانتقالة حاسمة إلى النص بمنأى عن القارئ العادي الذي طالما سعى لإرضائه، فيكون النص والناقد المتخصّص – هنا – هما طرفا العمليّة الإبداعية الرئيسان، ولا شأن للقارئ المعهود الذي ألفنا الصكر آخذا بيده ليدلّه على أسرارها!
      ويستشف الناقد بشير حاجم في محاضرته عن نقديّة حاتم الصكر التي سبقت الإشارة إليها أنّ كتاب ( ترويض النص ) يدعو الناقد الى حمل الشاعر على الاعتقاد بأنّ الناقد أعرف من الشاعر نفسِه بنصِّه، وهو ما سيولّد لدى الآخرين قناعة بقيمة النقد وبقوّة حضوره في العمليّة الإبداعيّة وتأويلها، أي أنّ النص النقدي – قياسا بما تنجم عنه مقولة الترويض السابقة، وما يهدف إليه الكتاب ذاته – لا يقلّ قيمة وأهميّة عن النص الأدبي، إن لم تكن قيمة الأول تتجاوز قيمة الثاني وأهميّته بكثير!([545]).
    في حين يحصر الباحث صالح زامل في أطروحته للدكتوراه ( مناهج النقد الأدبي في العراق، من 1980-2005م ) آليّة اشتغال كتاب ( ترويض النص ) في ثلاث قضايا هي بمثابة الحاجات اللازمة للمناهج النقديّة العربيّة الحديثة، وقد تابعها الصكر في دراسته المذكورة، وهي:

  1. تطور التحليل النصي تاريخياً.
  2. الإيمان بتمثّل المناهج الغربية والتصريح بالحاجة للتوفيق فيما بينها وتكاملها.
  3. الحاجة للنظريّة في النقد وللممارسة النقدية([546]).

         ويبدو – بحسب الباحث المذكور – أن الباعث لهذه الحاجات ينطلق من منطلق ( أن كل المناهج تحاول قراءة وتحليل النص لكن لا أحد يستطيع أن يحتكر هذه القراءة، ولا توجد قواعد مقررة في أي منهج، وإن كانت موجودة أحياناً، فليست قادرة على قراءة النصوص المتماثلة، فضلاً عن إيمان النقد الحديث بانفتاح النص على تذوق لا نهائي )([547]).  وهذا التوجّه سبق للصكر أن ذهب إليه ودافع عنه متحمّسا، فهو يجد مع مجموعة من النقاد العراقيين والعرب ضرورة الحاجة إلى تحوير المناهج النقديّة وتكييفها بما يناسب متطلّبات الواقع الأدبي العربي في مطلع تسعينيّات القرن الماضي من خلال كتابه ( ما لا تؤدّيه الصفة ) وهو ذاته ما نجد الصكر مصرِّحا به في كتابه ( ترويض النص ) أيضا، حين دعا النقّاد العرب إلى ضرورة إعادة النظر بمسألة المنهج ومقولاته النظريّة وتجاوز مبدأ الأخذ الأعمى بتلك المناهج والمقولات دون مراجعة أو فحص. إذ يقول: ( إنّ نقادنا العرب المعاصرين لا يستطيعون عند تحليل نصٍّ شعري عربي حديث، أن يتجاهلوا الطبيعة الخاصة للشعر العربي، وتكوّنه من لغة ذات ظلال مجازية ودلاليّة خاصة، لذا فهم مدعوون لتكييف المقولات النظرية، بدل الأخذ الحرفي بها، وتطبيق إجراءاتها – المعدّة أصلاً لشعريّة خاصّة بلغات أخرى-  تطبيقاً حرفيّا على شعرنا، فالقول مثلا، أنّه ليس هناك شيء خارج النص يحتاج إلى تعديل عند المباشرة بتحليل نصٍّ شعري عربي منفتح الدلالة، مستلهمٍ لجزء من موروث شعري أو أدبي )([548]).
        أمّا الكتاب التالي لترويض النص، فهو كتاب ( مرايا نرسيس، قصيدة السرد الحديثة في الشعر المعاصر، 1999) وهو في أصله أطروحة حاتم الصكر لنيل الدكتوراه .
        وفي هذا الكتاب يتّضح سعي الصكر في تعقّب النزعة القصصيّة في الشعر العربي الحديث من حيث ( أنماطها النوعيّة وتشكّلاتها البنائيّة )([549]) وذلك من خلال ملاحقة الناقد لتمظهرات ( أنا ) الشاعر، ومحاولة تعيين الأساليب الفنيّة التي تتخذها في الشعر الحديث من خلال وسائل متعدّدة يشطرها الناقد إلى قسمين، الأوّل تمثّل بـما سمّاه ( قصائد السرد الذاتي ) كقصيدة المرايا وقصيدة الرمز المقنّع وقصيدة السيرة، وهو ما تحدّث عنه الباب الأول من الكتاب آخذا بالحسبان المزايا النوعية، والأجناس الأدبيّة لقصائد السرد الذاتي، فضلا عن حديثه عن النظم السرديّة في الشعر، وما يمثّله القصُّ بوصفه أقوى مظاهر السرد، وكيفية إدراج آليّاته في أثناء النص الشعري لتقوية بناء القصيدة، وتعزيز مستوياتها المتعددة، تركيبا وإيقاعا ودلالة، بغية نقل الخطاب الشعري من الغنائيّة بوصفها رؤية وموقف إلى الدراميّة بوصفها حركة وديناميّة .
     وجود القص في الشعر لا يعني – بحسب الصكر – انهدام النصوص الشعريّة وتحوّلها إلى متون قصصيّة، لأنّ القصيدة الشعريّة الحديثة بحاجة لقراءة سرديّة لاكتشاف بنائها الهيكلي، ومستوياتها البنائيّة، وللوقوف عند العناصر السرديّة وملامحها كالتسميات والشخصيّات والفضاء المكاني وموقع الراوي والمروي له ووجهة النظر في المنظور السردي للنص، وطاقة التناص وكيفيّاته، وضمائر السرد ومفرداته، وقد قسّم الصكر السرد بحسب وجود السـارد، أو الشاعـر على قسمين هما: ( سرد ذاتي ) يكمن من خلال تتبّع القص في عيني الراوي وزاوية نظره، و( سرد موضوعي ) يكون الراوي فيه مطّلعا عن كثب على الأحداث عليما بها رغم حياديّته الظاهرة، لكنه يدير تفاصيل السرد، ويوجّه أحداثه من الخارج([550]) . أمّا القسم الثاني من الباب الأول فتمثّل بـ( قصائد السرد الموضوعي ) كالقصيدة المطوّلة وقصيدة الواقعة التاريخيّة وقصيدة الحكاية. في حين تحدّث الباب الثاني عن قصائد السرد الذاتي التي يحصرها الصكر في ثلاثة أنماط هي: ( قصيدة المرايا ) التي مثّلتها نماذج أدونيس، بقصيدتي المرايا والقناع، والأولى بطبيعتها نازعة للاستعانة بالسرد المتجلّي في معمارها، فإذا كان موقع الشاعر في القناع يتحدّد بالبقاء متخفيّا خَلَف قناعه، فإن وجوده إزاء المرايا سيكون أمامها ينظر إليها ويتأمّلها لينبعث من ذلك التبدّل في المواقع تبادل صوري يستفزّ الناقد ويستهويه([551]). والنمط الثاني هو: ( قصيدة الرمز المقنع ) الذي يتخذ السرد فيه وجهة نظر رمزيّة يتقنّع الشاعر من خلالها برمزه المستدعَى لينجز نصّا شعريّا ينهض على السرد، ونماذج هذا النمط تجد تجسيداتها في بعض قصائد عبد العزيز المقالح([552]). أمّا النمط الثالث فهو: ( قصيدة السيرة ) المتمثّلة بالمنحى الدرامي الناجم عن تنازع الذاكرة والمخيلة والشعر والزمن المستعاد وزمن الكتابة، وعلاقة ذلك كلّه بالشاعر أو الكائن السيري، ويجد الصكر بعض قصائد( محمود درويش) في ديوانه: ( لماذا تركت الحصان وحيدا؟ ) خير مثال لذلك([553]). وقد عقد الصكر بابا ثالثا عن السرد الموضوعي الذي تمثّل بقصائد ذات نزوع قصصي بطبيعتها، وهذه القصائد ثلاثة أنماط أيضا، هي:  القصيدة المطولة الحديثة: وهي بناء فني مستقلٌ عن القصة الشعرية، لوجود الشاعر السارد في موضع بعيد عن الأحداث، وموجه لسيرها وتصاعدها وتسلسلها، وأفضل أمثلتها قصيدة ( المومس العمياء ) للسياب([554]). وقصيدة الواقعة التاريخية، وهي القصيدة القادرة على استيحاء حدث تاريخي متكامل لتنقله إلى حالة الحاضر بالتلميح دون التصريح، وقد كانت بعض قصائد الشاعر( أمل دنقل ) أنموذجا على ذلك بحسب الصكر([555]) . وأخيرا قصيدة الحكاية الخرافية، وهي مجموعة القصائد القادرة على استيحاء عيّنة مكانية شعبيّة أو خرافيّة، وتضمينها فنيّا بشكل سردي في النص الشعري، ويجد الصكر أفضل نماذج الحكاية الخرافيّة موظّفة عند الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفـر في بعض قصائده([556])0
       وهكذا يجد الصكر في كتابه ( مرايا نرسيس ) الشعر العربي الحديث من خلال عيّناته ونماذجه التي درسها قائما على مبرّرات نظريّة، ومشتملا على طرائق وأساليب فنيّة  ( تسمح باستضافة مظاهر القص المختلفة وتقنيّاته الأسلوبيّة، من غير أن تخسر القصيدة هويّتها الشعريّة )([557])، وهو ما جعله يصرّح في مقدمة كتابه هذا، أنّه لن يبحث عن قصّة شعريّة ذات نزوع درامي أو مظاهر حواريّة قدر بحثه عن ( نزعة أسلوبيّة تتّحد فيها البنية الفنيّة بالقصيدة، وتكتمل بها أدواتها، بحيث تنصهر في تقنيات القصيدة، ولا تنعزل عن مكوّناتها الأخرى )([558]).
      وبما أنّ العمل الشعري هو موقف ورؤيا خاصة يجسّدها شاعر ما من خلال عمل شعري يتمّ النظر فيه إلى الخارج وعلاقته بدواخل الشاعر، أيّ من زاوية الذات أو الأنا واستجلائها للخارج دون ضديّة أو عداء، وإن كانت هذه العلاقة تقام بمغايرة أو مخالفة، ولكن ليس بالضرورة أن تتم بعلاقة عبادة الذات أو بعلاقة التمحور التام حولها، فإنّ ما يشغل حاتم الصكر من كلّ ذلك في ( مرايا نرسيس ) هو مقدار الانحناء على الذات ورؤية صورتها منعكسة في النصوص، وهذا الانحناء هو وسيلة فنيّة تتم بدرجات متفاوتة ومختلفة، بُعداً وقُربا عن قدرة الشعراء العرب الذين درسهم على رؤية صورة ذواتهم كما تعكسها نصوصهم الشعريّة . لذا، لا ينطلق الناقد في كتابه المذكور من منطلق اعتقاده بـ( نرجسيّة )([559]) الشاعر العربي المعاصر بالمعنى المَرَضي، بل يحاول أن يجتهد في تحديد ما يمكن أن يحدث بفعل منهج التأويل، أي تأويل المقروء أو تحليل الملفوظ الشعري بتوجيه قراءاته باتجاه اكتشاف موقع ( أنا الشاعر ) قياسا إلى صلتها بما حولها من أنوات أخرى مثل( أنا الآخر، أنا العالم، أنا النص ) مع ملاحظة أن الناقد الصكر يحاول أن يُوسع في مفهوم ( الأنا ) كي لا يقف عند المدلول النحوي أو عند عائديّة التملّك أو عند مسألة الرصد الإحصائي لترددات ( الأنا ) وتنويعاتها في القصائد المدروسة([560]).
       كما أن محاولته هذه نأت بنفسها عن رصد المشغّل أو المحرّك الشعوري العاطفي لاستخدام الأنا كعلاقة على المؤثّر الرومانسي مثلما يتجلّى ذلك في الغنائيّة العالية التي عانى منها الشعر العربي الحديث طويلاً. وهذا ما أقصاه الصكر من خطة دراسته لمظاهر النرجسيّة مثلا، في استخدام أدونيس لتقنية المرايا عندما حاول تطوير وظيفة الأقنعة بالمعنى الشائع في الشعر العربي الحديث، وفي استخدام محمود درويش لها في سيرته الشعريّة ( لماذا تركت الحصان وحيداً )([561]) محاولا أن يعين القارئ من خلال تصدّيه لتنويعات الحداثة الشعريّة عبر توسيع طاقات القراءة المشتبكة مع النصوص الشعريّة ذات النزوع السردي بأنماطها النوعيّة وتشكّلاتها البنائيّة بذخيرة الخبرة بالنوع المدروس والمقروء وهي محاولة تحمل في طيّاتها ضمنا تأهيل القارئ العادي ليضع أفقه القرائي معدّلا ومكيّفا بما يتطلّبه أفق هذه القصائد الجديدة المتجددة، كما تؤكّد هذه المحاولة دور الناقد في منح النصوص المقروءة والمدروسة فضاءً أوسع من ذلك الفضاء الذي يمنحه لها مبدعوها.
       هذا الدور الذي يضطلع به الناقد في منح النصوص الشعريّة فضاءات أوسع من الفضاءات التي توقّعها لها أصحابها سيتجلّى في الكتاب اللاحق ( حلم الفراشة، الإيقاع الداخلي والخصائص النصيّة في قصيدة النثر، 2004م ) الذي يعود فيه الصكر مدافعا بقوة عن قصيدة النثر التي أخذت مكانا واضحا في العنوان الرئيس([562]) والفرعي للكتاب، وكما هو بيِّنٌ. وقد حاول الصكر في كتابه هذا إتمام البرنامج الذي ابتدأه في دراسة له ضمن كتابه ( ما لا تؤدّيه الصفة ) عن قصيدة النثر([563]) من خلال البحث عن إيقاعات بديلة تعطي قصيدة النثر موسيقاها وإيقاعاتها الشعريّة الخاصة وتخلق أثرا خاصّا بها، كما كانت الأوزان والمستلزمات الموسيقيّة التقليديّة تخلق أثرها الخاص .
   الأثر الذي تخلقه القصيدة المذكورة وتتركه في نفس قارئها يتحقّق بطرق عديدة ليس الوزن إلا واحداً منها، فهي تعتمد السرد عنصرا أساسا في شعريّتها وبنائها معاً، وتستثمر الفضاء الطباعي في كتابتها وهيأتها الخطيّة على الورق بديلاً عن النزعة الغنائيّة التي كلّلت القصيدة التقليديّة فكان الإنشاد أبرز مظاهرها في نقل الرسالة الشعريّة بمواصفات الموسيقى التقليديّة ومستلزماتها. في حين ستقدّم قصيدة النثر إيقاعات تنجزها نصوصها من داخلها، أو من ورائها، لا أمامها أو خارجها. وهذا الفرق بين موسيقى الشعر التقليدي وإيقاع النثر هو ما سيخلق مساحات الأثر المتحصّل في أفق المتلقي الجديد الذي حلم فيه الصكر وطمح إلى وجوده، فكان عنوان كتابه أشبه بالتماهي اللاشعوري مع أحلامه الشخصيّة الخاصّة.
     يستبق الصكر بدراسته حلم الفراشة كما يقول: ما وصل إلينا لاحقا من مفاهيم القراءة والتلقّي التي جعلت القراءة محور شعريّة القصيدة، ويستشرف دلالات الغنائيّة الزاعقة التي يرى أنّها من آثار التقاليد الشعريّة التي سعت برامج الحداثة إلى إلغائها لصالح المقترحات الجديدة إيقاعا ودلالات([564]). وتأسيسا على ذلك يرى الناقد أن تقنيات السرد المجتلبة من النثر تتطلب تنظيماً يناقض الفوضى الظاهريّة في قصيدة النثر، وهذا مظهر آخر لتناقض قصيدة النثر وصعوبة تقبّلها وتلقّيها، ولعلّ أبرز مظاهر التنظيم في السرد تمثّل في الانضباط الواضح في الضمائر([565]) وتسلسل القص([566])، وإحكام الوصف([567])، وإدارة التلفّظات والمحاورات بكثافة، تجافي الترهّل الصوري، والهيجان اللغوي والسيولة العاطفية في الشعر الموزون، وسوى ذلك من أمور أخرى.
       وربّما كان أوضح تنافر يحسّه القارئ بين الشعر والنثر عند حاتم الصكر الناقد، هو ( رفض الغنائيّة كوجهة نظر أو موقع يتموضع فيه الشاعر بأناه الضخمة، مسلطاً ذاته على الموضوع، مسخراً تراكيب اللغة والصور والدلالات والإيقاعات لإنجاز المهمة الغنائيّة لقصيدته، فيما يدعو السرد لتهدئة مظاهر( أناه) بإزاء ( أنا ) النص و ( أنا ) العالم كقطبين لازمين إلى جانب أنا الشاعر، في كل عمل شعري )([568]). وهذا إجراء  تنبّه له الصكر فنهض عليه أحد كتبه السابقة وهو كتابه ( مرايا نرسيس )، وكما مرّ بنا .
      وللمتلقي العادي حقٌّ كبير في أن يتردّد بقبول هذه القصيدة على أنّها نوعٌ شعريٌّ كالأنواع التي عهدها، خصوصا إن هذا المتلقي قد نشأ في ظلّ مفاهيم وأعراف شعريّة راسخة قد عزّزتها نماذج شعريّة استقرّت في أفق تلقّيه طويلا دون أن تُكسّر، أو دون أن تّعدَّل. وهنا سٍيبرز من جديد دور الناقد ووظيفته في تيسير العسير، وإعادة نظم خيوط المتشابك من أجل صيانة أدبيّات التلقي المنتج.
     يتأمّل الصكر ضمن كتابه اللاحق: ( في غيبوبة الذكرى، دراسات في قصيدة الحداثة، 2009م )  لحظات الحداثة، الأولى ممثّلة ببعض قصائد شعر الروّاد ولحظة الحداثة الثانية ممثلة بقصيدة النثر، فضلا عن لحظة الحداثة الآنيّة  القائمة على النص، ويرى أنّ ما بين قديم الأمس وجديد اليوم الذي سيغدو قديما هو الآخر، تُنجز الحداثة برنامجها النصّي الذي غالباً مايكون ( تجريبيّا أو اختياريّا  وعلينا – كقرّاء- أن ننظم المقروء النصّي للتعرّف على هويّة الخطاب الحديث ومقترحاته، وهكذا تتكون أطياف شعريّة وملامح جديدة تنمو وتتبلور بما نمنحه لها من هواء ضروري، وزوايا نظر جديدة بمستوى ما تتطلبه قراءة هذا المنجز دون أن تزهدنا به ( حداثته) أو ( مغايرته ) )([569])، في حين يحدّد الصكر الموقف النقديّ الملائم لذلك بانطلاقه ( من القناعة بوجود الخط التطوّري ونقاطه ومفاصله وانحناءاته، ومن القناعة بضرورة مخالفة مساره والتقاطع مع ثوابته استجابة للمتغيرات المحيطة، وهنا نصل إلى لحظة المراجعة والتقييم التي تدعونا إليها مناسبة الدخول في الألفيّة الجديدة والتوغل فيها )([570]).
       ويختصر حاتم الصكر حركيّة الشعر العربي بقوله أنّه ( ذو فاعلية حياتية لا يضيق بالوجدان وتجلّيات الذات، كما يتمدّد ليستوعب الخارج، ويتمثل مفردات الواقع والتاريخ، فيضم الحادثة والوقائع اليوميّة، كما يتلمّس ذبذبات الروح وهواجسها: من الرجز حتى المعلقة، ومن الموشح حتى البند، ومن القصيدة الحرة حتى قصيدة النثر، بتلوينات وتنوعات يؤطرها الشعر كروح وايحاء، ولا يحدها بثوابت رغم نزاعها الظاهر وتباينها وخلافها الذي هو جزء من آليّات الدفاع الغريزي عن الوجود )([571]). وانسجاما مع هذا الفهم، فقد اشتمل الكتاب على دراسات متعددة ومتنوّعة، لكنها مجتمعة في منظور واحد هو ( قصيدة الحداثة ) إذ يجعل الصكر – على عادته – الكتاب بقسمين: تنظيري حاول من خلاله توضيح بعض المفاهيم والمصطلحات والمسائل الأدبيّة المتعلّقة بقصيدة الحداثة في مراحلها الثلاث التي أشار إليها. أمّا القسم الآخر التطبيقي فقد اشتمل على نصوص للسياب ومحمود درويش والبريكان وأدونيس وعبد العزيز المقالح وأبي القاسم الشابي وعقيل علي، بمسافة زمنيّة جمعت توجّهات حداثيّة متنوّعة، بنصوص شعريّة متعدّدة وقعت في حيّز الانقضاء زمنيّا، وما ظلّ منها، فهو مندرج تحت ما أسماه الناقد ( قراءة الغيبوبة والتذكار ) حيث تتشبث الممارسة النقديّة بهذا الحيّز المُنقضي لتمنحه الكينونة ولتقاضي حداثته، وتؤولَه على أساسها، وذلك من خلال الاقتراب منه اقترابا نقديّا حميما([572]). ونستنتج ممّا تقدّم أنّ الصكر يعوّل في كتابه هذا على قراءة حرّة لهذه النصوص المتنوّعة، وهو البرنامج الذي أعلن عنه الناقد في كتابه المبكّر نسبيّا، وأعني به: ( البئر والعسل )، غير أنّ الصكر خلال كتابه الجديد هذا، سيطلق العنان لذاكرته كي تسترجع نصوصا شعريّة، لها قدرٌ ما من الصدى الباقي والمتردّد بكيفيّات مختلفة فنيّة وسياسيّة واجتماعية، أملا في أن توافق أفقا مماثلا لدى المتلقي الذي يستنفر ذاكرته ليستعيد لحظة نصيّة ماضيّة أو قريبة العهد أحيانا؛ ليؤلّف من خلالها ( سيرة جديدة للنص تحفّ به حياة موازية تتركب من سياقات ولادته وخروجه للنور ومحاورة المحيط له، وتندغم في ذلك أصداء سياسيّة وثقافية واجتماعية وفنيّة؛ لتعقد صلة الذكرى وآليّات الاسترجاع )([573]).
       إنّ ما يقوم به الصكر من خلال هذه القراءات الاستذكاريّة ليس مهمّة فرديّة تأخذ فيها ذات الناقد دور معلّم النصوص أو قابلتها التي تشهد عمليّة ولادتها كما تشهد القابلة عمليّة الولادة الفيزياويّة فحسب، بل إنّ القراءة ستكون مناسَبة ملائمة لفحص سياق كتابة النص، وموقعه في الوجود النوعي للنوع الذي ينتمي له، ومدى التعديل الذي أضافه، والمهيمنات الفاعلة في إنتاجه، أمّا على المستوى الجمالي فتسعى هذه القراءة لفحص أثر النص في ( الذائقة العامّة وتلقِّي القراءات المعاصرة له، وبذا يتمدّد التحليل النصي والسياقي ليشمل الجانب الثقافي في عملية القراءة، كون القارئ بحسب النظريّات ما بعد البنيوية، ووفق موقعه في التلقّي هو الطرف الفاعل في وجود النص وإعطائه معناه، وكشف بؤرته المشعة في ثناياه وطبقاته المختفّية وراء أو تحت أبنيته )([574]).
    يتكرر هذا المسعى في جهد لاحق لـكتاب الصكر ( في غيبوبة الذكرى ) وهو كتاب: ( قصائد في الذاكرة، قراءات استعاديّة لنصوص شعريّة، 2011م ) الذي يُنبئ عنوانه الفرعي عن رغبة الصكر في استنفار ذاكرة المتلقي، وشدّها إلى بعض النصوص التي تحتلّ في الذاكرة الشعرية ( مكانا لا يَقدمُ أو يهرم، بل يظلّ عالقا  بجدرانها وفي مركز الوعي منها )([575]). وهو ما جعل الصكر يختار نصوصا محدّدة لها دويٌّ وصدى لمحاولة تقديمها بتحليل نصّي يحتفظ بسياقها ويحتكّ بها – كما يقول – نقديّا ( لشرح تلك السياقات وما ولّدته من محايثات فنيّة وجماليّة، وذلك لا يعني أنها أفضل ما كتبَ أصحابُها أو ما كُتب في زمنها من حداثة شعرية، بل هي لا تعبّر أحيانا عما وصلوا إليه من مستوى لاحق في تجربتهم الشعرية – فنيّا وموضوعيّا ورُقيّا كذلك- في مدارج الحداثة وتمثيلها شعريّا، لكن تلك المتون ذات الدوي استحقت منا تلك الوقفات والقراءات الاستعاديّة لما صاحبَها من ظواهر كالتدوير والنثر والرمز والاحتكاك بالمواضعات الاجتماعية، وبالسائد من القناعات والممارسات السياسيّة والقضايا الفكريّة )([576]).
     يصرّح الصكر في مقدمة كتابه المذكور أنّه ينتقّي النصوص التي يستعيد قراءتها انتقاء شخصيّا، غير أنّه انتقاء غير بعيد عن السياق الأدبي العام معتمدا على ذاكرة قارئ ( تحتكم إلى ذاكرة القصيدة وتستمع إليها، لا داخل أسوارها النصيّة وحدودها البنائيّة، بل بعلاقتها بالتداول والقراءة، وما حظيت به من تمركز في التذوّق العام للمتلقين، أو الجمهور وتكتّله التذوّقي والتقبّلي، فانتقى[ الجمهور ] تلك النصوص، وأسكنها في ذاكرته، وراح يقيس عليها، ويحاكم النصوص الأخرى على أساسها )([577]). وبذا، فإن الصكر، وإن نوّع من انتقاءاته النقديّة انطلاقا من إمكانيّة قدرة الذكرى أو القراءة الاستعاديّة على إخراج القارئ من زمن دهشة النص الأولى التي قد تكون سلبيّة في كثير من سماتها ونتائجها إلى زمن آخر يكشف عن قيمة النص ويشهد باشتماله على طاقات جماليّة قابلة للانفجار في كلّ لحظة زمنيّة تتهيّء فيها ذاتٌ قارئة منتجةٌ، فهو، أي الصكر، لا يزال مؤكّدا إيمانه بقدرة الناقد على منح النصوص فضاءات لا نهائيّة، كإيمانه بأن النقد بتكراره ورسوخه سيصبح قيما ومفاهيم تثبت في كتابات النقّاد وأذواقهم، ممّا سيترك انطباعات محمودة في عموم القرّاء وفي الفكر العام للمجتمع، ولعلّ هذا ما حدا بالصكر أن ينشر كتابيه المذكورين ذَوَي المقاصد النبيلة المشتركة في مجلة عامّة تّتاح للآلاف القرّاء في مشرق الوطن العربي ومغربه.
       ولعلّ ما يمكن أن نخلص إليه من حديثنا عن الإجراء النقدي عند الصكر هو أنّ هذا الإجراء عبارة عن مجموعة آليّات محكومة بفضاء القراءة التي ترفض المصادرة التقليديّة للنص الشعري كما تصدّى له النقد الكلاسيكي، داعية إلى ضرورة إحداث نوع من التفاعل الجدلي بين النص والقارئ، على اعتبار أن الأخير له دور واضح في إنتاج الثقافة التي لا تكتمل دورتها إلّا بوجوده طرفا مشاركا وفاعلا، وهو ما أخذه الصكر على عاتقه إيمانا منه بهذا الدور، وبمدى خطورته في الحياة العامة، فكان رفيقا بالقارئ العادي في مواضع الرفق، ملتزما بالنص غير محبوس داخل أسوار نسيجه اللغوي، مؤمنا بالناقد ودوره في رعاية الإبداع، ومخلصا النقد نشاطا فكريّا وفعلّ إنتاج وتغيير، لا فعلا هامشيّا أو شكلا من أشكال الترف.                                  
      في حين جاءت تفاصيل هذا الإجراء من خلال مؤلّفاته التي عرضنا للترتبيّة التاريخيّة والفكريّة التي انبنت عليها هذه المؤلّفات من خلال ارتكازها للقارئ بأشكال متعدّدة، وعبر ثلاث مراحل زمنيّة عامّة تؤكّد تصاعديّة الفكر النقدي الذي اشتملت عليه هذه المؤلفات، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ هذه المراحل لا توجد بينها حدود فاصلة تماما، إذ قد نجد تداخلا بين هذه المراحل في كتاب ما أو في أكثر من كتاب، وهي مسألة طبيعيّة في تراتبيّة الفكر النقدي وتحوّلاته التي لا تخضع بالضرورة إلى الصرامة والحدّيّة النهائيّة، أما هذه المراحل فهي:

  • المرحلة الانطباعيّة والأيديولوجيّة، وهي المرحلة التي شهدت: ( مواجهات الصوت القادم ) و ( الأصابع في موقد الشعر ) و ( الشعر والتوصيل ) .
  • مرحلة مساءلة المنهج والتثبّت من يقينياته الإجرائيّة، وتشمل مؤلّفات حاتم الصكر الأتية: ( ما لا تؤدّيه الصفة ) و ( كتابة الذات ) و ( ترويض النص ) .
  • مرحلة القراءات الحرّة، ويمكن أن نسجّل بدايتها الحقيقيّة في كتابه: ( البئر والعسل ) واستمرارها في ( مرايا نرسيس) و ( حلم الفراشة ) و( في غيبوبة الذكرى ) و ( قصائد في الذاكرة ).

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
ثالثا / فضاء المنهج
       لعلّ إشكاليّة المنهج في النقد العراقي والعربي المعاصرين كانت قائمة بالإساس على الشعور الحاد بوجود أزمة حقيقيّة في الفكر النقدي وفي الثقافة العربيّة بصفة عامة. إذ أثار لقاء النقد العراقي والعربي بالمناهج الغربية ( نزوعاً واضحاً، تضخّم فيه البحث عن الذات عندما وقف النقد العربي أمام المفاهيم العربية الموروثة موقف التساؤل والتفكير بجدواها)([578]). وفي ظلّ هذا الحس بخطورة الموقف، أخذ النقد العربي، وبضمنه النقد العراقي يعي مآزقه وأزماته التي يعانيها، فسعى لتوسيع نطاق مصادره وتنويعها، إذ لم يعد التراث يقوى على مدّه بما يفي من القدرة والقوة للإجابة عن الأسئلة الإشكاليّة الكثيرة والملحّة التي تثيرها مستجدّات العصر ونواميسه المتبدّلة، وما ينجم عنه من تحوّلات وتغيير وقطع على المستوى الإبداعي بما يفضي إلى حاجة حقيقيّة لمناهج ومقترحات تقف ندّا موازيا لهذا الإبداع وتُسهم في تحليله وكشف قيمه المعرفيّة والجماليّة والتعريف به والترويج له.
      انبثق سؤال المنهج في النقد الأدبي العراقي – إذن – بعد التحوّلات والتطوّرات المختلفة – نوعيّا وكميّا- التي شهدها الخطاب الأدبي والنقدي، منذ أواخر السبعينيّات وأواسط الثمانينيّات([579]) من القرن الماضي، حيث أضحى الميدان النقدي مجالا خصبا ومتاحا لاختبار مناهج نقديّة متنوّعة ومختلفة عرفها المشهد الأدبي العراقي آنذاك .وتجدر الإشارة هنا إلى أن حاتما الصكر قد ربط في بعض مقالاته وحواراته بين التحوّلات الشعرية والتحوّلات النقدية، وجعَلَهما متلازمين متزامنين، ممّا يدلّل على إيمانه بالعلاقة الجدليّة الرابطة بين النقد والإبداع([580]). ولعلّ هذه المرحلة ( مرحلة التطوّرات والتحوّلات الكميّة والنوعيّة ) هي المرحلة التي شهدت ظهور نقّاد عراقيين جُدُد حاولوا تحديث المناهج النقديّة من خلال إعادة النظر بما هو سائد من وسائل وأدوات تعالج النصوص الأدبيّة، ومن خلال السعي لإحلال أدوات أخرى بديلة، وهو ما وجدنا له صدى واضحا في متابعات حاتم الصكر ودراساته العديدة التي تطرّق فيها لسؤال المنهج وإشكالاته وهمومه([581]). إذ يرى الصكر أن طبيعة العمل الأدبي وعلاقاته الداخليّة والخارجيّة معاً هي التي تحدد نوع المنهج المناسب لمقاربة هذا العمل أو ذاك وكشف جوانبه وإضاءاتها بما يلائمه، فيقول متحدّثا عن تجربته الشخصيّة في النقد الأدبي: ( إنّي أستفيد من كلّ ما يقرّب النص إلى قارئه، ولذا كان منهجي شاملا انتقائيّا )([582])، وعليه سنلفي الناقد غير خاضع لأُطر منهج محدد بعينه، وإنّما يحتكم – كما يقول هو – إلى معطيات النص الأدبي وما يمكن أن يتركه من أثر في نفسيّة قارئه([583]).
       وإذا كان النصُّ هو الذي يغري باختيار منهجه، فما هو المنهج؟ وهل سار حاتم الصكر على خطى منهج نقدي التزم به في كلّ أو بعض إجراءاته ومعالجاته التطبيقيّة في نقد النصوص الشعرية؟
       لو عدنا إلى المبادئ والأسس النقديّة التي اعتمدها حاتم الصكر، فشكّلت نظرته النقديّة الخاصة لوجدناها خلاصة نظريّة النقد الجديد ممزوجة ببعض المبادئ العامة لنظريّة القراءة والتقبّل، فضلا عن موجّهات أخرى ارتبطت بمؤثّرات انطباعيّة تذوّقيّة، وكما وقفنا مفصّلين في ذلك .
      والملاحظ أنّ الصكر لم يلتزم التزاما حرفيا بمبادئ أي من النظريتين، إذ مع كونه يتناول النص الأدبي معتمدا بناه الداخليّة وعلاقاتها مستبطنا الصلات والوشائج الخفيّة بين أجزائه للوصول إلى مغزى النص، فإنّنا لا نعدم انتفاع الناقد بما يفيض به النص من استدعاءات خارجيّة، كاستعانته بحياة المؤلف أو حياة الشاعر الذي يتناول نصّا ما من نصوصه الشعريّة، أو كتعويله على العصر الذي عاشه الشاعر للكشف عن قيم النص الفنيّة والتعبيريّة([584])، وكما نوّهنا إلى ذلك في صفحات سابقة .
    ويتساءل الصكر في آخر حواراته الأدبيّة عن الصلة بين النص والنقد قائلا: ( أيظلُّ النص كما يريد النقّاد المنهجيّون مناسبة لفحص الأساليب والتغيّرات، أم تكون الكتابة النقديّة كما يريد دعاة النقد الثقافي خارجة على النقد الأدبي المعني بتعقّب النصوص، فيما يريدون فحص الثقافة من خلال الظواهر والمميزات وزوايا النظر التي جاءت بها تيّارات ما بعد الحداثة، فيدرسون قضايا إعلاميّة وظواهر بصريّة وتجليّات اجتماعيّة ونفسيّة عابرة للنصوص المفردة التي يرون أن متابعتها ونقدها من مهمّات النقد الأدبي الذى أعلنوا موته! )([585]) ، لينتهي إلى أنّ الفاعليّة النقديّة مرتبطة بالنصوص وما تفرزه من ظواهر، مثلما هي متعلّقة بنظريّة الأدب والتحولّات في الرؤى والمناظير كالنزعة النصيّة ثم التحليل البنائي للقصيدة، وكشف مستوياتها للمتلقي، مثلما هي، أيضا متعلّقة بكلّ ما يقدّمه النقد من تنظير للنصوص واستباق لتبدّلاتها وتهيئة المتلقي لتقبّل هذه التبدّلات والتفاعل معها([586]).
       إنّ هذه التحوّلات في الرؤى والمناظير جعلت الصكر لا يركن إلى نظريّة واحدة في الأدب أو النقد، وإنّما جعلت الجانب النصوصي هو محور نظريّته النقديّة، ينطلق منه دون أن ينغلق عليه، وذلك من خلال فتح نوافذ عديدة بينه وبين ما حوله من وشائج وعلاقات ممكنة الاستثمار،  كاسرا بذلك الحدود الفاصلة بين المنهجين الداخلي والخارجي ومازجا بينهما في أغلب دراساته وقراءاته للنصوص الشعريّة، ولذلك نجد الدارسين الذين وقفوا لتأمّل منهج الصكر اختلفوا في إعطاء صورة واحدة عن طبيعة منهجه النقدي، وفي تقييم هذا المنهج، فمنهم من جعل الصكر ناقدا تأثّريّا ومنهم من جعل قاعدته المنهجيّة هي ( اللامنهج ) ومنهم من جعله تأثّريّا يستثمر التفكيك والتأويل، وكما سنأتي على ذلك .
     وعودة على السؤالين المطروحين – آنفا – والخاصّين بتحديد ماهيّة المنهج في النقد الأدبي، ومعرفة مدى التزام حاتم الصكر بمنهج ما من مناهج النقد المعروفة، علينا أن نعرّف المنهج أولا، ثم نقف على بعض آراء الباحثين والدارسين الذين أشاروا في بعض دراساتهم إلى طبيعة الإجراءات والتطبيقات النقدية التي مارسها الصكر في آثاره ودراساته الأدبية والنقدية، وهو يقرأ النصوص، لمحاولة الخروج من وراء ذلك بتوصيف لطبيعة المنهج النقدي الذي اعتمده في مقارباته لنقد الشعر.
       بما يخصُّ تحديد ( المنهج ) فقد تعدّدت زوايا النظر إليه، وتنوّعت تعريفاته بحسب الزاوية التي تُري الأشياء والحقائق، إلّا أنّ هذه التعريفات لا تخرج عن كون المنهج: الطريقة التي تكشف حقيقة ما – كما يقول ديفد ديدتش – أو هو طريقة محدّدة لتنظيم النشاط المعرفي، وعلى ذلك فالمنهج ليس طريقة واحدة ولا منحى واحدا، إذا سلكه المرء أفضى به إلى الحقائق المهمّة، بل هو مجموعة طرق أو طرائق عديدة، لكلّ قارئ أو ناقد ما، الحقُّ في ما يراه موصِلا إلى الهدف… من هنا – والكلام لديفد ديتش – فإنّ تراتب مجموعة وشائج من الاستبصارات التي تتمخض عن الطرائق النقديّة المتعدّدة أقدر على إضاءة العمل الأدبي في جوانبه المختلفة، ولذلك، فإنّ الاعتراضات على النظريّات أو المنهجيّات الأحاديّة البعد تأتي من وصفها بأنّها غير شموليّة([587]).
        إنّ اعتماد المنهج يعني – فيما يعنيه – اعتماد الناقد على سلسلة من الخطوات الإجرائية المتّسقة التي توجّه العمل النقدي صوب لون ما من ألوان النقد المنهجيّة، الخارجيّة أو الداخليّة أو كليهما معا، ولعلّ هذا الأمر هو ما يمنح النقد الأدبي – بوصفه نشاطا معرفيّا – وجهته الموضوعيّة المطلوبة. ولقد آثرنا هذا التحديد للمنهج دون غيره من التعريفات الكثيرة بسبب قرب تصوّرات حاتم الصكر المنهجيّة، وآليّاتها الإجرائيّة من حدوده.
       أمّا بشأن الدارسين الذين تعرّضوا لوصف طبيعة المنهج النقدي الذي يسم إجراءات خطاب الصكر في نقد الشعر، فلعلّ الدكتور أحمد مطلوب كان أول من وصف منهج الصكر بأنه منهج يأخذ من القديم بعض وسائله ومن الجديد بعض أدواته، وقد لقي هذا النقد قبولاً حسناً لأنه لا يثقل النص بالإحصاء ولا يرهقه بالإشارات([588])، ثم يضيف د. مطلوب، وإنّ الصكر في نقده، يرجع إلى الذوق يستثيره، وإلى الثقافة يعتمد عليها، وقد دلّ تطوافه النقدي على أنّه ذو ثقافة واسعة وذوق رفيع، وإنّه ليس تابعا لا يفقه من النقد شيئا…، لكن دون أن يحدد الدكتور مطلوب طبيعة منهجيّة حاتم الصكر، أو دون أن يسمّيَها أيضا .
       فيما عدّ محمود جابر عباس في رسالته للماجستير حاتما الصكر أحدَ الذين مارسوا المنهج التأثّري في العراق إلى جانب علي جواد الطاهر وداود سلّوم وعبد الجبّار عبّاس وغيرهم من النقّاد العراقيين([589])، ولعلّ الباحث محقّ في ذلك إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار المدة الزمنيّة التي حدّدت دراسته، وهي بين 1968-1980 إذ كان الصكر – آنذاك- في بدايات مشواره النقدي الذي باشره ناقدا ذوقيّا انطباعيّا، فضلا عن كونه لم ينشر أي كتاب من كتبه خلال المدّة الزمنيّة التي حدّدها الباحث المذكور مجالا لدراسته التي اعتمد فيها على بعض مقالات الصكر الصحفيّة المنشورة هنا وهناك .
       وفي دراسة نشرها في مجلة الأقلام في العام 1989م([590])، ثم أعاد نشرها في كتاب لاحق في العام 1999م دون تعديل يُذكر، يحدّد الدكتور شجاع العاني منهج الصكر بقوله: ( ويمكن القول: إنّ منهج حاتم الصكر هو اللامنهج، وإنّ لكل قصيدة لديه منهجها الخاص الذي تقترحه عليه ومع ذلك، فإن الناقد ينتمي إلى جيل لا يمكن معه الحكم على منهجه النقدي بصورة نهائيّة. فضلاً عن كونه ناقداً دائم التطوير لأدواته )([591]) . في حين لم يحسم الدكتور حسين عبود حميد الهلالي رأيا بتحديد منهج الصكر النقدي، إذ ينصّ في إحدى صفحات أطروحته للدكتوراه: ( إنّ الغالب في ممارسات حاتم الصكر النقديّة يتّجه إلى تبنّي المنهج التأثري )([592])، ثمّ يعود في الصفحة ذاتها قائلا: ( ويميل [ الصكر ] إلى الإفادة من التفكيكيّة والاتجاهات المتمحورة حول القراءة ! )([593]).
        أمّا الدكتور عناد غزوان الذي اتّخذ من أنموذجين تحليليّين للصكر يعودان إلى منتصف ثمانينيّات القرن الماضي مقياسا لأحكامه في تحديد منهج الناقد فقد وجد حاتما الصكر: ( ناقدا منهجيّا ملْزما بالمعيار التحليلي – الفنّي قاعدة يستند إليها في قراءة النص الشعري مع ثقافة شعريّة جديدة فيها ذوق وحسٌّ شعري وتأثّريّة صافية )([594]).
     ويذهب الباحث صالح زامل في أطروحته للدكتوراه مصنّفا الناقد حاتما الصكر ضمن مرحلة الـ( ما بين ) أو الوسطى، كما يسمّيها، وهو مصطلح ربّما استعاره الباحث من حاتم الصكر نفسه، إذ سبق للصكر استخدام المصطلح ذاته حينما صنّف على وفقه قراءات بعض النقّاد العرب الذين سبقوا ركوب موجة المناهج النقديّة الحديثة كالمعداوي ومصطفى عبد اللطيف وغيرهم([595]) .
      ما يقصده الباحث صالح زامل بالمرحلة الوسطى هي: ( مرحلة بين المناهج السياقيّة والنصيّة، وهي مجموعة النقود التي كتبت في أوقات متباينة و( البين أو الوسطى ) لا تخضع للتراتب التاريخي؛ بمعنى أنها نصوص نقديّة كتبت في مرحلة سابقة، بل هي مستمرة ومن الممكن أن تكتب الآن وفي المستقبل )([596])، وقد تابع الباحث ضمن هذه المرحلة إصدارات حاتم الصكر منذ كتابه الأول ( الأصابع في موقد الشعر، 1986م ) وحتى رسالته للماجستير المطبوعة في العام 1998م، تحت عنوان ( ترويض النص ) علما أن أطروحة الباحث المذكور نوقشت في العام 2008م، أي كان بإمكانه أن يتابع إصدارات الصكر اللاحقة، ولا سيّما كتابيه ( مرايا نرسيس، 1999م ) و ( حلم الفراشة، 2004م ) دون أن يتوقف عند ( ترويض النص، 1998م ) ليتمكّن من إعطاء أحكام أكثر دقّة عن منهجيّة الصكر التي حاول الباحث جاهدا أن يُجملها بنقطتين رآى فيهما خلاصة لمنهجيّته التي تكشف عنها مجموعة كتبه التي تابعها الباحث، أمّا النقطتان فهما :

  1. تأكيد الصكر على أن منهجه هو ( النصيّة ).
  2. اهتمامه بنظريّات القراءة والقارئ([597]).

        وينتهي الباحث المذكور إلى أنّ ادّعاء الصكر هذا، والمتمثّل بالنقطتين المذكورتين ( إذا سلمنا به في كتبه المتأخرة، فإنه يصعب التسليم به في كتاب مبكِّر مثل: الأصابع في موقد الشعر )([598])، وعليه فإنّ هذه الأطروحة، بالرغم من إغفالها لكتابين مهمّين من كتب الصكر فهي من أكثر الدراسات وقوفا عند منهجيّة الصكر، واستعراضا لفحوى كتبه إذ شغلت هذه المسألة مساحة تقترب من تسع صفحات ([599])، ولكنها في النتيجة لم تعطِ رأيا حاسما عن منهج الصكر، وإنّما اكتفت بترديد ما يقوله الصكر ذاته عن منهجه النقدي، وكما هو واضح .
     أمّا الباحثة زهراء خالد فقد مرّت رسالتها للماجستير بمنهجيّة الصكر مرورا سريعا بسبب انشغالها بدلالة العنونة في نص معرفي – نقدي هو تآليف الصكر ونصوصه النقديّة، لا في نصوص إبداعيّة، وكما جرت عليه العادة في تناول التدليل العنواني ودراسته، ولذا فقد استدّت الباحثة بوصفها لمنهج الصكر بعبارة مبتسرة دون أن تحدّد أو تسمّي هذا المنهج، إذ اكتفت بالقول: ( فمنهج الصكر النقدي مرن قابل للتغيير والتطوير والتجريب انطلاقا من إيمانه بـأن الكتابة النقديّة ذات طابع تجريبي كالكتابة الإبداعيّة )([600]).
      ويبدو من خلال عرض آراء هؤلاء الدارسين أن رأي الدكتور شجاع العاني هو أقرب الآراء إلى طبيعة آليّة الاشتغال المنهجي عند الصكر بالرغم من كون الدكتور العاني قد تناول كتابا واحدا من كتب حاتم الصكر هو ( الأصابع في موقد الشعر )، إذ إنّ الصكر وإنّ كان ينطلق من اللاقاعدة أو اللامنهج، كما نعته الدكتور شجاع العاني، فهو كان ينتهي إليهما، وكما سنعرض لمجموعة من قراءاته لبعض القصائد التي توجّه إليها. لكن دون أن يعني ذلك بطلان آراء الباحثين الآخرين، فكلّ باحث من هؤلاء الباحثين الذين عرضنا لهم نظر من زاوية ما إلى منهج الصكر، وفي مرحلة زمنيّة معيّنة، وإذا كان رأي الدكتور شجاع العاني هو الأقرب إلى فهم طبيعة المنهج النقدي الذي وجّه اشتغالات الصكر، فإنّه رأي لا ينطبق ايضا، على كلّ اشتغالات الصكر المنهجيّة، إذ نجد الناقد في بعض نماذجه وتطبيقاته ينقاد إلى منهج محدّد كالمنهج البنيوي، وإن لم يلتزم التزاما كليّا بتفاصيل إجراءاته([601]). ومن خلال تتبعنا لحركة منجز الصكر وجدنا أن هيمنة فكرة محدّدة، أو بعد أساسي من أبعاد النص كان هو ما يبرّر موقفه النقدي([602])، وهو الذي يوجّه هذا الموقف فيما بعد، ولا سيّما في دراساته الأولى، إذ حينما يجد الصكر أنّ حياة الشاعر ملتصقة بشعره، فإنّه سيستعين بسيرته الذاتية وبمعرفة ظروفه الحياتيّة، مع ملاحظة أنّ الناقد لا يغفل عناصر الشكل وهو يتحدّث عن المضمون.
      يجد الصكر – على سبيل المثال – أن الشاعر عنترة هو أحد ( أغربة العرب )([603])، لا لسواد بشرتهم فحسب، وإنّما لأن أمّهاتهم إماء سود، فلا يتردّد في الاندفاع إلى هذه الفكرة الأساسيّة التي تحرّك نصوص عنترة وقصائده، إذ نجده ينصّ، وهو يندفع إلى هذه الفكرة الأساسيّة: ( ويبدو أنّ هذا [ سواد عنترة ] هو المشكل الأساس في حياة عنترة، ممّا يترتب عليه أن يكون ثمّة خفايا وتلاوين في شعره أيضا، تعكس هذا المشكل وتجسّده )([604]).
       أو حينما يجد أن ضجر المتنبي وقلقه الفكري هما محرّكا نصوصه الشعريّة الخالدة انطلق صوبهما محاولا تلمّس أبعادهما، الطافية على السطح أو البعيدة الغور في شعره اعتمادا على ما تُرك لنا من أخبار سيرة الشاعر الشخصيّة الخاصّة([605]).وعندما يظفر الصكر بكون الغرض السياسي هو البعد المهيمن في قصيدة الشاعر  أمل دنقل: (مقابلة خاصّة مع ابن نوح ) يندفع نحو هذا البعد مشيرا إلى المضامين العامّة التي اكتنفت القصيدة فصوّرت الفساد كالطوفان الذي يجتاح المدينة- الوطن، وستكون السفينة هي الحل الذي لجأ إليه الخونة، في حين كان الرفض هو الشعار الذي يصوّت له الشاعر داعيا إليه حلّا ثوريّا ([606]) . لكن الصكر وهو يشير إلى مضامين قصيدة دنقل المذكورة لا يغفل عناصر الشكل في حديثه محاولا الانفتاح على كلّ ما يمكن أن يعينه في محاولة تقديمه كشفا وإضاءة للنص الشعري المذكور اعتمادا على هيمنة البعد الذي استهوى الناقد، فجذبه إليه.
       غير أنّ عودة للعلاقة التي تربط الصكر بوصفه ناقدا بالمنهج النقدي بوصفه سلسلة من الخطوات الإجرائيّة المتسقة فيما بينها، والتي ترجّح درجة اتّساقها وانتظامها كفّة ضرب ما من ضروب النقد المتداولة بين النقّاد، ستوقفنا على أن الرجل قد تحدّث عن مدارس ومناهج نقديّة عديدة، تاريخيّة([607])واجتماعيّة([608]) ونفسيّة([609]) وأسطوريّة([610])وأيدلوجيّة([611])، كما تعرّض للنقد البنيوي([612]) والسيميولوجي([613]) والأسلوبي([614]) والتفكيكي([615]) ومناهج القراءة والتقبّل([616])، وذلك عند استعراضه لنماذج عديدة من النقد العربي المعاصر في كتابه ( ترويض النص )، وفي تحليله لهذه النماذج ومدى التزامها نظريّا وإجرائيّا في ضوابط وآليّات المناهج التي تُقرأ النصوص المحلّلة على وفقها، وهذا ما يعني لنا إحاطة الصكر المعرفيّة بالمناهج النقديّة الحديثة، وبارتباطاتها النظريّة والفلسفيّة، وبمدى توفّق الناقد العربي المعاصر أو إخفاقه في توظيف آليّات اشتغال هذه المناهج واستثمار معطياتها العلميّة لقراءة النص العربي الشعري وتحليله، وهي أمور انبنت عليها فصول الكتاب المذكور ومباحثه.
       وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ حاتما الناقد عندما يتحدّث عن منهجه النقدي، فهو لا ينكر اعتماده على المنهج الانطباعي – الذوقي في بدايات ظهوره ناقدا أدبيّا([617])، إذ يعلن أنّه غالبا ما يأتي إلى النص بذوق خاص عارضا إيّاه على القراءة التطبيقيّة الكاشفة([618]). ومع أن الصكر ( قارئ متذوّق ) كما ينعت نفسه في كتاباته النقديّة الأولى([619])، إلّا أنّه لم يقف عند مرحلة التذوّق والانطباع إذ تجاوز الانطباعيّة بعد اختمار تجربته النقديّة إلى ميادين التحليل النصّي متأثّرا بتيارات وتوجهّات متعددة ومتنوّعة، بنيويّة، وأخرى تنطلق من حريّة القراءة ومن نشاط المحلّل وقابليّاته في اكتشاف بنى النص وتفسيره، وبما أنّ هذه القراءات حرّة، فهي لا تتقيّد بخط منهجي واضح، ولا تركن إلى مفاهيم ثابتة ومحددة نظريّا.
        وبسبب تماسّ الصكر المباشر والدائم بالمشهد النقدي العربي والعراقي وبسبب تعامله المنهجي المستمر مع نصوصه وأعلامه لذا، يرى الناقد أن هنالك مجموعة إشكالات تواجه المنهجيّة المتصدّية لنقد الشعر العربي الحديث، وبعض هذه الإشكالات يتعلّق بالشعر العربي ذاته بوصفه فنّا عصيّا على الوصف والتحديد، إذ إنّ الشعر فنٌّ فيه الكثير من الصعوبة المعوّقة لإمكانيّة الوقوف على أسراره، وإدراك كيفيّات قوله وانتظامه إدراكا دقيقا ([620]).
        وثمّة منبع آخر لهذه الإشكالات مصدره طريقة استخدام المصطلح النقدي، وآليّة المنهج النقدي وإجراءاته وطبيعة كينونته الخاصّة، إذ ليست هناك قواعد ثابتة مستقرّة ومقرّرة لمنهج ما من المناهج بحيث يمكن الاستعانة بها في كلّ الأحوال ومع كلّ النصوص الشعريّة، وليس هناك من منهج نقدي واحد له صفة الكمال في تحليل النص الشعري، والوقوف على أسرار إبداعه كاملة غير منقوصة([621]). وانطلاقا من حتميّة انعدام الكمال في أي منهج نقدي، فإنّ حاتما الصكر الناقد لا يستسلم كليّا – من حيث المبدأ- إلى أي منهج من المناهج النقديّة، بما فيها ما يُطلَقُ عليه: ( المنهج التكاملي )  الذي شكّك الناقد في جدواه وفي قدرته على أن يُلبّي متطلّبات إنجاح الممارسات النقديّة مع مرونته ومطاطيّته، وذلك لكونه منهجا انتقائيّا – توفيقيّا يجمع في عيّنته المعروضة توليفات شتى من بنيويّة وماركسيّة ورمزيّة ونفسيّة في آن واحد([622]).
      إنّ المنهج – تأسيسا على ما تقدّم –  ما هو إلّا وسيلة عمل ودليل اشتغال يقودان الناقد للاقتراب من النص الأدبي وتذوّقه، وفهمه، وتفسيره، واستجلاء مكامن الجمال والفن فيه، وبما أن المناهج لا تفتح كلّ أبوابها مرّة واحدة لمن أراد، فإنّ الناقد مطالب بإبداع المنهج، ومحاورته، وإعادة خلقه بالإضافة والتعديل والتركيب وكسر القيود التي يرسمها لمريديه عند اقتضاء الحاجة، وهي دعوة كرّرها الصكر في مناسبات ومواقف كثيرة، وكما مرّ بنا، محاولا الالتزام بها في إجراءاته ما استطاع إلى ذاك سبيلا. ولذا، نجد الناقد يجتهد أثناء ممارساته التطبيقيّة كي يضيف ويعدّل ما استطاع تعديله وإضافته من اتّساق الرؤية وشموليّتها لمنح العمل النقدي الذي يُبدعه قدرا من العقلنة المنهجيّة، وشيئا من البعد الإنساني المثمر في تعامله مع العمل المنقود([623])، وبذا ستغدو دعوة حاتم الصكر المبكّرة إلى ضرورة تكييف المنهج النقدي أمرا لازبا لتكتمل أدواته وتتّفق مع الواقع الأدبي العربي وخصوصيّته الثقافيّة، وليصبح المنهج المكيَّف – بذلك – أكثر عطاءً وأجدى نفعا ورؤيةً. وقد مرّت منهجيّة الصكر وتشكّلت على وفق وعيه بها بمراحل سبق أن نوهنا إليها، إذ ابتدأ الناقد بالانطباع والأيديولوجيا دون غوص في مشغّلات النصوص أو في العوامل الفاعلة في خلق الانطباع نفسه، مرورا بمساءلة المنهج وفرضيّاته العلميّة الصارمة، وانتهاء بالقراءة الحرّة التي أقرّت في وعي الصكر الناقد، وأكّدت كون النقد الأدبي ( عملية قراءة فلا هو تاريخ أو سيرة حياة ولا تفسير للنصوص أو حكم عليها، إنّه – ببساطة – إسقاط للمفاهيم والقناعات على النصوص أولا، ثم مراقبة صلتها بالنوع الذي تنتمي إليه، ومدى ملامستها لأفق القارئ وقراءته المتغيّرة ظرفيّا ونفسيّا وزمنيّا)([624]). وبهذا، فالصكر وإن بدأ في الفترة المبكرة من شغله انطباعيا يبحث عن تشكلّات الحياة والواقع والفكر في النص بما يناسب تواضع أدواته ومحدوديتها في ذلك الوقت، فهو قد عزّز رؤيته النصيّة ونزعته التحليليّة لاحقا بما أتاحه له اطّلاعه على المنهج البنيوي أولا، ثم بانتقاله ثانيا إلى ما أكّدته نظريات القراءة والتلقي ولما خلّفته من دور للقارئ في تشكيل وجود النص بالفعل بعد أن أوجده كاتبه بالقوة، وهذا ما يفسّر ذهابه إلى أقاصي النص وأبعاده وتناصاته وحواشيه، وإلى ما يحيط به من علاقات من خلال ذاكرة قارئ يسلّط على النص ذخيرته ووعيه النقدي الخاص.
     إنّ النقد الأدبي بهذه الرؤية، وبهذا التوجّه سيقدّم خدمات معرفيّة جليلة للنص الأدبي ولقارئه على حدّ سواء، وسيعطي للتفاعل بينهما حيوية وفاعليّة ضمن نظرة متوازنة لا تسمح لأحدهما بأن يتعالى على الآخر.
 
 
 
 
 
 
 
رابعا – نماذج تحليليّة مختارة
      إذا كان حاتم الصكر يحاول من خلال جهده المفاهيمي الذي عرضنا له الإحاطة بما يتعلّق بالعمليّة الإبداعية قبل تحققّها نصّا لغويّا، فإن جهده التطبيقي سينصب – بالتأكيد – على المرحلة اللاحقة لتحقّق الإبداع، أي في حالة كونه نصّا لغوبّا مكتوبا. وقد تناول حاتم الصكر في إجراءاته التطبيقيّة شعراء كثرا، من اتجاهات مختلفة وأزمنة متباينة، لكن من غير أن يخصّص كتابا واحدا من كتبه لشاعر ما من شعراء العربيّة، مثلما جرت عليه عادة كثير من النقّاد.
      ومادام النقد الحداثي قد تخلّى عن مهمّة التصويب والمراقبة والتقويم، وأخذ على عاتقه مهمّة التأويل والتحليل وإنجاز فعل القراءة، فإنّ تعامل الصكر مع النصوص التي جذبته كان يتمُّ في ضوء ما تهبه النصوص ذاتها من فروض وقناعات بغض النظر عن انتماءاتها الفنيّة والزمنيّة والجغرافيّة، وبعبارة أخرى أنه لا يخضع في انتقاء نصوصه لمسلّمات ذهنيّة نقديّة سابقة موجِّهة. وهذا ما يفسّر لنا تعدّد مقاربات الصكر للنصوص الشعريّة وتنوّعها، فمن الموروث الشعري مرّة، ومن عصر الإحياء والنهضة مرة أخرى، ومن الشعر المعاصر مرّة ثالثة .
    ولكي نعطي صورة تقريبيّة عن إجراءات الصكر سنعرض لثلاثة نماذج من تطبيقاته النقديّة التي أولينا فيها عاملين اثنين، هما: التسلسل الزمني للأنموذج المعروض في نقديّة الصكر، هذا أولا، وانتماؤه الفنّي – الشكلي ثانيا، ولذا اعتمدنا في الأنموذج الأول على تحليله لقصيدة من الموروث الشعري القديم هي قصيدة لمالك بن الريب، وذلك ضمن كتابه: ( ما لا تؤدّيه الصفة ) بينما كان الأنموذج الثاني تحليلا لقصيدة من الشعر الحر هي ( المومس العمياء ) للسيّاب ضمن كتابه: ( مرايا نرسيس ) وهو كتاب تال لـ( ما لا تؤدّيه الصفة ) في حين آثرنا في الأنموذج الثالث أن نتناول تحليله لقصيدة من قصائد النثر هي قصيدة ( فتاة فراشة فتاة ) لأنسي الحاج ضمن كتاب للناقد صدر بعد ( مرايا نرسيس ) هو: ( حلم الفراشة ) .
 أ – الأنموذج الأول ( قراءة نص مالك بن الريب )
     يأتي تحليل الصكر لهذا النص الشعري القديم ضمن كتابه ( ما لا تؤدّيه الصفة ) وتحديدا في آخر المبحث المعنون: (الألسنيّة وتحليل النصوص )([625]) الذي يتبنى فيه الناقد فكرة أن اللسانيّة وحدها قاصرة وغير قادرة على استيعاب النص الإبداعي بوصفه وحدة كليّة، أي أن اللسانيّة تهمل كليّة النص ومزاياه الدلاليّة ومقامات تقبّله وتوصيله([626])، وهو ما جعل الصكر يختار النص المذكور ليدعم تصوّره النقدي الذاهب إلى أنّ مبدأ الإحصاء-وهو أحد مبادئ التحليل اللساني- قد يخفق حين يعزو أهميّة للكلمة المتكررة بتواتر في النص إلى درجة ترفع هذه الكلمة لتكون بؤرة للنص، وهذا مبدأ لا يحسم دقّته التحليل اللساني الإحصائي ، ولا يمكن التسليم به مستندا في الاختبار والاستنتاج، ولا يمكن حسم كفاءته النقديّة، بل ( يتكفّل الناقد الأدبي عند تحليل النص بذلك الاستنتاج ليجد أنّ التواتر وحده لا يكفي للحكم على أهميّة الكلمة، فهي داخلة في ثنائيّات كثيرة وتماثلات، وتوازيات إيقاعيّة تتطلبها شبكة الدلالة التي تنتظم النص )([627]). لذا، يحاول الصكر الناقد استخدام الدليل اللساني لإنتاج دلالة نصّيّة معيّنة، ثم السعي لرصد تحوّلاتها من خلال صراع ( مالك بن الريب الشاعر ) مع الموت في يائيّته المشهورة التي يُورد منها الناقد عند القراءة والتحليل اثني عشر بيتا فقط، مكتفيا منها بالإشارة إلى ( الفوائد التي يجنيها التحليل النصّي من اعتماد الدليل اللساني لإنتاج دلالة تراعي كلّيّة النص والعتبات التي تحيط به وخصوصيّته الأدائيّة وخصائصه النوعيّة ومزاياه الداخليّة)([628]).
   لا يتعامل الصكر مع هذا النص من منطلق نقدي محدّد، وإنّما يحاول سبر غور البعد الدلالي الذي لا تقوله جمل القصيدة وتراكيبها مباشرة، بل يمكن استخلاص هذا البعد من متابعة النسق اللغوي وما يفرزه من إشارات تتمّ متابعتها وتنميتها من الناقد عبر كدّ قرائي واضح.
     ويتفطّن الصكر الناقد إلى أنّ هذا النص قادر على أن يرسم لنفسه سياقا داخليّا يستطيع القارئ أن يتّخذ منه علامات للبعد الدلالي، أو للمعنى المتسربل في النص ( الصراع اليائس مع الموت )، وهو بعدٌ يمرّ بمراحل تنازليّة تشتمل وحدة النص وكليتّه أجمع، لا وحدة الجملة فيه([629]).
        يبدأ الصكر تحليله أو قراءته النقديّة هذه بالقول: ( إنّ الدليل اللساني يمنحنا التعرّف على الجو العام للنص[الصراع مع الموت ] من خلال بناء الجمل بـ( ليت ) المكرّرة مع الغضا، باستثناء ( ليت شعري ) لأنّها قالب صياغي يتكرر امتثالا للسائد في النظم الشفوي، ومثلها: للّه درّي، ولا أبا ليا )([630]. وهذه أول إلماعات الناقد لضرب مبدأ الاعتماد على التكرار اللساني الصرف في تحليل النص . فـ( ليت) حين اقترنت بـ(شعري) دلت على صيغة ثابتة، وهي هنا مختلفة في دلالتها عن ( ليت ) التي اقترنت بـ( الغضا). لذا، لا يمكن الاعتماد على الإحصاء اللساني الأعمى دليلا للوصول إلى دلالة كلّية تأخذ بالحسبان مقام البثِّ الشعري، وظروف تلقّيه، وهو ما سعى الناقد للوصول إليه من خلال تطبيقه النقدي الذي اتّخذ من النص المذكور وسيلة لإثبات قناعاته النقديّة.
ثمّ يضيف بعد ذلك: وربّما تبدو البنية العميقة لجملة الشطر ( ليت الغضا لم يقطع الركب عرضه ) وجملة العجز ( ليت الغضا ماشى الركاب لياليا ) واحدة لأوّل وهلة، إلّا أنّ قراءة فاحصة تؤكد الاختلاف – كما يذهب الناقد – بين بنيتي الجملتين، إذ يجعل سياقُ النص الداخلي مفردة ( الغضا ) في الجملة الثانية من البيت:
                       فليت الغضا لم يقطع الركب عرضَه     وليت الغضا ماشى الركابَ لياليا
فاعلا دلاليّا، في حين كانت مفعولا به، لا بالمعنى النحوي، في الجملة الأولى التي يتمنى فيها الشاعر لو أنّ الركب لم يقطع الغضا، أي يبتعد عنه، بينما في الجملة الثانية تمنّى لو ماشى الغضا الركاب، أي تمنّى سير الغضا، وهي صورة أشدّ استحالة من مدلول صيغة التمنّي بالأداة ليت التي تفيد هذا المعنى([631]) .
       ويرصد الصكر اطّراد النفي العادي، والنفي المؤكّد بلا النافية للجنس في النص المذكور، وهو ما يزيد من الشعور بالغياب التدريجي([632]) متنبّها إلى ضرورة استثمار الدليل اللساني والوقائع اللغويّة لإنتاج الدلالة، إذ إنّ هناك ( إسنادا لواو الجماعة ( أقول لأصحابي ارفعوني ) يليه إسناد لألف الاثنين ( فيا صاحبا رحلي دنا الموت فانزلا ) وللمفرد ( فيا صاحبا إمّا عرضت …) وأخيرا السكون أو الإسناد إلى الصفر: ( أقلّب طرفي .. فلا أرى.. )  إنّ ذلك يرينا انقضاء الوجود المادي وانحساره بالموت شيئا فشيئا )([633]) ، ولو كان النسق اللغوي المذكور قد جاء بنسق آخر، أي أن يأتي الشاعر بالإسناد للمثنى فالجمع ثم للمفرد، أو أن يبدأ الإسناد بالمثنى، فالمفرد، ثمّ للجمع لما كان هناك أمامنا من سبيل للوصول إلى هذه الدلالة، أي الشعور التدريجي بالانقضاء والغياب([634]) .
       يتفحّص الصكر صيغ الأفعال الواردة في النص ودلالتها من أجل تجميع الأدلّة اللسانيّة المترابطة الحاملة للمعنى المتسربل في النص، فيستشفّ من خلال هذه الأفعال أنّ ثمّة مكانا ما يصنعه النص ليشي بانحسار الوجود المادي للشاعر الذي ينادي أصحابه: ( أقول لأصحابي ارفعوني ) ممّا يعني لنا أنّ الشاعر في انخفاض ( يودّ معه لو رُفع ليرى سهيلا ) ، كما أنّ الشاعر يخاطب صاحبيه كي ينزلا إليه حيث يُقيم هو.
      أمّا نهاية النص فتكشف عن أن نظر الشاعر أصبح لا يتجاوز الأرض حيث رَحله: ( أقلّب طرفي حول رَحلي فلا أرى)، وهذا التنازل التدريجي في سلّم النظر من الفضاء إلى الأرض ثمّ إلى اللاشيء، ما هو إلّا دليل عجز الشاعر واستسلامه للموت المحتوم([635]).   في حين قد لا يصل الإحصاء اللساني الأعمى إلى مثل هذه الدلالة لأنّه غير معنيٍّ بها أصلا.
ويتوقف الصكر عند البيت الثالث من النص:
                     لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا         مزارٌ ولكــــــــنّ الغضا ليس دانيا
فيتفطّن إلى أنّه قد تمّ قطع السياق اللغوي فيه بـالحرف ( لو)، الدال على امتناع لامتناع، وهو ما عدّه الناقد استباقا للنفي. وهو ما لا يلتفت إليه الإحصاء الذي لا يعير اهتماما إلى عمليّة التجاوب مع النص الشعري قدر التفاته وانشغاله بالجانب الملموس من حركة الدوال داخل النص الشعري أكثر من أي شيء آخر سواها، وهذا ما لا يتّسم وطبيعة النصوص الإبداعيّة ذات الحركة الموّارة الحيّة والمرتبطة بالوجود الإنساني، وهو ما يريد الصكر إثباته من خلال تعامله ونص ابن الريب لاتّخاذه دليلا للوصول إلى ما يريد .
       وأخيرا يجد الناقد الصكر أن النص الشعري قد تلاعب بالأزمنة، وكأن ذاكرة الشاعر شاشة يعتمها الضباب لاسيّما في قول الشاعر: ( تذكّرت من يبكي عليّ فلم أجد… البيت ) فالتذكّر مصوغ بالماضي، لكن الأفعال الأخرى يأتي بها في صيغة المضارع، مثل: يبكي، أجد، يجرّ…إلخ([636])، وهنا سيُربك النص الإحصاء اللساني مرّة أخرى، فتغدو الدلالة في النص بالنسبة إليه منطقة شبه معتمة!
     وكما يبدو من هذا العرض الموجز، فإنّ الناقد حاول في قراءته هذه إنصاف أطراف العلاقة في العمليّة الأدبيّة، أي المبدع والنص والقارئ الذي يُشركه الصكر مع المبدع في إعادة إنتاج الدلالة الشعريّة في حالة تمكّن القارئ من إكمال ما تشير إليه فراغات النص، وقد كان الصكر في دراسته هذه متّكئا بشكل بسيط على بعض معطيات الفكر البنيوي من خلال محور أساسي تمثّل في محاولة الناقد لاكتناه علاقات التجسيد المتبادلة بين الرؤية التي ينبع منها ويجلوها نص الشاعر ( مالك بن الريب )  والبنية اللغويّة التي تتجلى عبر مكوّناتها هذه الرؤية، وكما حاول الصكر الناقد استجلاءها في قراءته هذه دون تعقيد أو تشويش .
ب – الأنموذج الثاني:  ( المومس العمياء للسيّاب )
        تناول الصكر مطوّلة السيّاب ( المومس العمياء ) في كتابه مرايا نرسيس ضمن بابه الثالث ( قصائد السرد الموضوعي ) منطلِقا في مقاربتها من أنّها شيء مستقلّ عن القصة الشعريّة لوجود الشاعر في موضع بعيد عن الأحداث، والشاعر بالنتيجة سيوجّه تسلسل الأحداث ويتابع تصاعدها بمشيئته وإرادته المنفصلة عن الحدث بمسافة ما. وقد ابتدأ الصكر دراسته بالإشارة إلى نزوع السيّاب المبكّر نحو القص في أشعاره، وإلى تطويره  لهذه النزعة وصولا إلى القصائد المطوّلة التي أكّدت رؤية السيّاب ورغبته في تحرير النص الشعري من الغنائيّة والاقتراب به من فضاء السرد والدراما، وهو ما يجعل مثل هذه القصائد التي أحدثت تحوّلا في الكتابة أن تحدث تحوّلا في القراءة وفي التوجّه النظري لها([637]) .
        ويقف الصكر في بداية تحليله للنص عند مطوّلات السيّاب التقليديّة ( فجر السلام، اللعنات، الروح والجسد ) التي اعترض فيها الشاعر على الظلم الاجتماعي والقسوة ومظاهرها محتجّا على معطيات الواقع القائم آنذاك، وهي مجموعة قصائد سبقت ( المومس العمياء )، ولحظ الصكر أنّ السيّاب في مطوّلاته تلك ( تستهويه صورة المومس كضحيّة أولا، وكإغواء للعقل والروح ثانيا )([638])، وأنّه يطوّر نزوعه الدرامي في بناء القصيدة تصاعديّا([639]). فيما ينمّي السيّاب تكريسه للنزوع القصصي في قصائد لاحقة، كالأسلحة والأطفال وحفّار القبور التي يمهّد فيها من خلال تصريحه ( بذكر المومسات، ودار البغاء، والنقود المدفوعة لقاء المضاجعة، لمطوّلة أخرى ستكون المومس بطلتها المطلقة والرئيسة )([640]).     
     ويتابع الصكر ذلك مشيرا إلى أنّ الشاعر الذي يقوم بعملية تناص داخلي بين هذه القصائد سيُنتج شخصيّات وأفكار سبق له معالجتها في مرحلته الأولى([641]).  وهو يرى أن رؤية السيّاب عند كتابته ( المومس العمياء ) لم تكن لتخرج عن الأفق الماركسي الذي انطلق منه لكتابة مطوّلاته السابقة كالأسلحة والأطفال وحفّار القبور، غير أن السيّاب سيتوسع في قصيدته المذكورة متجاوزا الثنائيّات الضديّة الموجودة في القصيدتين السابقتين ليغوص في بيئة الضحيّة وما يتعلّق بها من مشكلات سياسيّة واجتماعيّة وتاريخيّة([642]). ويسجّل الناقد الصكر مجموعة أسباب جعلت ( المومس العمياء ) قصيدة صالحة لمعالجة موضوعها، وهذه الأسباب تتمثّل بالاقتراب من جوّ السرد في رسمها للشخصيّات والحبكات الثانويّة والحوار وتنوّع المكان والزمان([643])، ومن هذه الأسباب تخفّف القصيدة من الوصف والغنائيّة، فضلا عن الغنى الدرامي في شخصيّة (المومس) ذاتها، واستغلال السيّاب لمزاياها وملامحها ومعاناتها في الريف قبل احترافها البغاء([644]). ولذا اشتملت هذه العناصر كلُّها على كثافة قصصيّة ( من جهة الأحداث وأفعال السرد فانتظمتها وجهة نظر موحّدة يقودها السارد الخارجي)([645])، ويلتفت الصكر إلى عنوان النص الذي يجده يهيء القارئ لاستلام قص يتمحور حول ( شخصيّة أنثويّة ذات حرفة مسمّاة، وهذه الحرفة لها مدلول أخلاقي ضمن التصنيفات الاجتماعيّة السائدة )([646])، في حين يأتي وصفها في عنوان القصيدة بالعمى لخلق ( المفارقة في العنصر ضدّه، وليس من ضديّة وجوده بمقابل وجود آخر )([647]). وهذه المفارقة التي ستتعمّق في المطوّلة هي مفارقة متركّزة في شخصيّة المومس نفسها التي تبيع جسدها كي تعيش، إذ يفترض القارئ أن المومس حين تغري زبائنها لتجذبهم سيكون عماها مبرّرا  لنفورهم منها ممّا سيعمّق المأساة التي تحياها إلى جانب إذلالها، وحرمانها من ابنتها، فضلا عن ظروفها الاجتماعيّة الأخرى القاهرة كالاحتلال الأجنبي والإقطاع والظلم الاجتماعي([648])، ممّا جعل عماها ( استكمالا لقدر إغريقي داس بقسوة وعنف مقصودين على كيانها كلّه )([649]). ويعود الصكر إلى الإشارات والتلميحات الموجودة بين مطوّلات السيّاب جميعها فيعقد مقارنة بين ( المومس العمياء ) و ( حفّار القبور ) فيجد بينهما بحرا شعريّا واحدا هو الكامل بتفعيلة ذات مقطعين محتشدين بالحركات والسكنات، فضلا عن اشتراك المطولتين في القوافي المقيّدة (الساكنة ) أو في القوافي المطلقة بالألف في بعض المواضع، وفضلا عن اشتراكهما في الاستهلال([650]) الذي يلتفت إليه الصكر في ( المومس العمياء) التي وجدها ( تبدأ بداية زمنيّة ذكيّة )([651])، إذ يقول السيّاب:
   الليل يطبق مرّة أخرى فتشربه المدينة
   والعابرون إلى القرارة مثل أغنية حزينة …
 فيتفطن الناقد إلى أنّ هذا الاستهلال فيه ثلاث إيماءات، الأولى تشير إلى ( الليل كزمان داخلي يهبط على المدينة ويحاصرها، ويطبق عليه بظلامها المريب )([652]). أمّا الإيماءة الثانية، فهي ذات طابع سردي، فالليل الذي تدور فيه أحداث المطوّلة هو واحد من مجموعة ليالٍ مرّت وستمرّ بالمدينة، فهو ( جزء  من عقاب دائري لا ينتهي، ذي مسحة سيزيفيّة تستكمل قدريّة الأحداث القاهرة التي ستمرّ على المومس، وتصنع مأساتها، وتبرّر استذكار الرموز الإغريقيّة الكثيرة، بدءا بـ(ميدوزا) و(أوديب).. وكذلك ستجعل محور المأساة وبؤرتها، هو ما فعله قابيل بأخيه القتيل هابيل )([653])، في حين كانت الإيماءة الثالثة متمثّلة بالدائرة المكانيّة للحدث، فالمدينة والعابرون إلى القرارة ( سيشربون هذا الليل المطبق، أي سوف يستوعبونه ويتمثّلونه، فلا يعودون يبصرون، تماما كطرقات المدينة المعتمة بالليل، وكالمومس العمياء التي تعتلي النص عنوانا له… فالرؤية كلّها في النص عمياء، ومن كان بنظر أو بصر سيفقده… فالمدينة التي تعدّى إليها عمى المومس، تؤطر الحدث في المطوّلة وينتشر العمى كالوباء )([654]).
     عمياء كالخفّاش في وضح النهار، هي المدينة 
     والليل زاد لها عماها([655]).
وهو عمى أصاب الزناة المخمورين الذين يصفهم الراوي بأنّهم:
   أحفاد أوديب الضرير ووارثوه المبصرون
ثم لا يلبث هذا العمى إلّا أن يتنزّل فيصيب المبغى نفسه، وهو المكان الذي تدور فيه أحداث المطوّلة ليضاعف الراوي (السيّاب ) بذلك جدران الظلام الحقيقيّة والرمزيّة([656]):     
            لا تنقلنَّ خطاك فالمبغى علائي الأديم
      ويتنبّه الصكر إلى إشارة يضعها السيّاب في هامش النص يوضح مقصوده بالأديم العلائي، ممّا يركّز بنية ( العمى ) وتأصّل الشر بوصفه جناية في الإنسان وهي جناية ورثها ابن آدم عن أبيه، وهو ما يلمّح، بحسب الصكر إلى عبارة مأثورة هي: ( هذا جناه أبي عليّ )، وهو قول منسوب لأبي العلاء المعري([657])، وقد أكّد النص وراثة الشرّ هذه في تشبيه العابرين إلى طُرقات المبغى بأحفاد أوديب المبصرين، وهم أبناء المدينة العمياء، في حين يتأطّر نسبهم الشرير ميثولوجيّا من خلال صلتهم بـ(قابيل) الذي يتكرر ذكره في مطوّلة السيّاب رمزا للقتل والغدر والتدمير بإرشاد من الغراب:([658]) 
   قابيل أخفِ دم الجريمة بالأزاهر والشفوف …إلخ
     استثمار السيّاب تركيز بنية العمى بمستواها الحقيقي والرمزي، وقرنه بين الظلام والعمى مظهرا له، بالشرّ المتأصّل بالإنسان يسوّغ للشاعر بحسب الصكر الاستعانة بالرموز، ولو بصورتها المتراكمة التي جاءت عليها في النص([659]).
   ويجد الصكر أن إيغال السيّاب بالرموز جاء تعويضا عن المباشرة التي تومئ إلى الالتزام الصارم زمن انتمائه للحركة الشيوعيّة، إذ كانت هذه القصيدة بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير في علاقة السيّاب بالحركة الشيوعيّة([660]). ولعلّ هذا ما ميّز قصيدة ( المومس العمياء ) عن مطوّلات السيّاب الأخرى، إذ إنّ وجود (أنا الشاعر ) ساردا أو راويا خارجيّا عليما بالأحداث قبل حدوثها وقصّها، بحسب الصكر ( يجعل توجيه السرد بمشيئته المطلقة استباقا وتأجيلا وإيقافا وتسريعا واسترجاعا، وهي أساليب لجأ إليها السيّاب في مناطق مختلفة من المطوّلة )([661]). ولذا، فطبيعة السرد في قصيدة السيّاب هذه كان سردا موضوعيّا، والسارد أكثر علما من شخصيّاته، أمّا صلة السارد بما يرويه فيعدّها الصكر صلة مطابقة لما يرويه من أحداث([662]). ويتوقف الصكر في قراءته للمطوّلة عند علاقة المتن الحكائي بالمبنى الحكائي الذي وجده ذا صلات عديدة يجملها بثلاثة أمور، أوّلها: استناد المطوّلة إلى خبرة الشاعر اليوميّة بالمبغى وأحوال البغايا، حيث كان في بغداد مبغى مشهورا أزيل بعد ثورة تموز 1958 لكونه يرمز إلى إهانة المرأة واحتقارها([663])، أما الأمر الثاني فيتمثّل بمرجعيّة السيّاب الخاصّة المستمدّة من معتقداته الثوريّة التي شكّلها انتماؤه للحركة الشيوعيّة، وما شابه من تمرّد ذهب به بحسب الصكر، إلى الأصل العروبي لهذه المومس والهامش الذي يضعه السيّاب للقارئ حول ضياع مفهوم العروبة بين الشوفينيّة والشعوبيّة([664])، أمّا الأمر الثالث فهو مرجع مباشر، إذ يقول الصكر إنّه عثر مصادفة على مجلة عراقيّة صادرة عام 1930م، وقد نشرت خبرا عن مومس عمياء يمزّق جسدها شخص بثمان وعشرين طعنة، مفترضا أن هذه المجلة ظلّت متداولة في الأربعينيّات، وهي سنوات نزول السيّاب إلى بغداد واطّلاعه عليها([665]). ويخلص الصكر إلى أنّ السيّاب يستمدّ متنه القصصي في المطوّلة من الجوانب المرجعيّة الثلاثة التي أشرنا إليه، ويتلخّص هذا المتن بأنّ امرأة عربية الأصل يتيمة الأب اسمها سليمة، هي المومس العمياء قد فقدت ابنتها الصغيرة وبصرها في المبغى الذي يعرض عنها الزبائن فيه لأنها بلغت سن الأربعين، وهذه الخلاصة المركّزة لما في المتن المروي ستخضع لضرورات المبنى الحكائي التي نصبها السيّاب حينما حوّل الحكاية ببعدها الواقعي إلى مبنى قصصي فنّي في قصيدته([666])
     يعمد السيّاب مثلا، إلى مضاعفة الحبكة الرئيسة هذه بأغلفة ثانويّة من القص، أو بحبكات ثانويّة كإيراده لقصة زوجة الشرطي، وكمجيئه بمشهد بائع الطيور الذي ( كان دخوله مناسبة لإيقاف جريان السرد، وإطلاق التداعي الحر عبر استعادة سليمة لجزء من طفولتها القصيّة، وتذكرها لمقتل أبيها )([667]) .   
   ويلحظ الصكر هيمنة ( أنا ) السارد الخارجي بوضوح على مجريات السرد كلّها، وهو ما تمثّل في بعض الشواهد التي يوردها الصكر، ومنها: ( ما تسلّل إلى وعي المومس أثناء تداعياتها، وهو في حقيقته أكبر من حدود هذا الوعي… إذ ليس من المعقول مثلا أن تتحدّث المومس عن حلمها، قائلة عن الحلم إنّه كالشعر في وزنه وقافيته ومعناه )([668])، وهي الريفيّة المحرومة من كلّ شيء حتى التعليم البسيط!([669])، ولذا يسجّل الصكر بعضا من أشكال الخلل في المطوّلة بسبب تجاوز الراوي ( لموقعه وحدوده نظرا لمطابقته لمرويه تمام المطابقة )([670]). ومن هذه الأشكال ما يجده الصكر على لسان المومس أو على لسان شخصيّات أخرى من تعبيرات غير متداولة في سياقها، كوصف زبائن المبغى بالزناة، ووصف ( رجاء ) إحدى نزيلات المبغى بأنها كانت النقاء في الفجور، وسوى ذلك من أمور أخرى تتمّ بوعي السارد الخارجي كلّي العلم([671]).كما يجد الصكر التسميات في المطوّلة قد أدّت دورا قصصيّا معبّرا عن وعي السيّاب الراوي أيضا، إذ إنّ دلالة التسمية تخدم المفارقة التي بنيت عليها القصيدة، كما أنّها تقدّم ( فهما واقعيّا للتسميات في إطار دلالتها الاجتماعيّة، فأسماء مثل (صباح ورجاء وسعاد وزهور) هي من أسماء المدينة الشائعة فعلا… أمّا سليمة فهو اسم ريفي متداول بكثرة )([672]). وإلى جانب هذه المفارقة في التسميات يشير الصكر إلى مفارقات أخرى تجري في الأفعال والأحداث التي تدور أثناء القص (كدفع المومس أجرة النور الذي لا تراه! )([673])، وكتتابع فعل الموت للأب والبنت، وتعرّض سليمة للاغتصاب بعد مقتل أبيها، ثمّ إصابتها بالعمى وموت ابنتها وهجر الزبائن لها وإعراضهم عنها في المبغى، وكل ذلك عبارة عن سلسلة ميلودراميّة تطورت عن بؤرة واحدة هي ( مجيء البطلة إلى المدينة­ مدنّسة ملوّثة )([674])، وبذلك استطاع السيّاب أن يخرج موضوعا شعريّا ذا جاذبيّة من موضوع موصوف اجتماعيّا بالقبح بعد استعانته بمذخورات رمزيّة وأسطوريّة([675]).
     ويستعرض الصكر مجموعة الرموز والأساطير التي يوظّفها السيّاب في مطوّلته، وهي رموز كثيرة تكدّست بلا بناء دلالي في غالب الأحيان، ويعلل الصكر ذلك بكون المطولة المذكورة، هي البداية الأولى في تعامل السيّاب مع الأساطير والرموز تعاملا حقيقيّا ( وكل بداية لا تخلو من حماسة )([676])، ويحدّد الصكر مواضع للتناص في المطولة جاءت دون تسمية للرموز، كإشارة السيّاب لـ(بنيلوب) في قوله عن الرجال:([677])
    والآن عادوا ينفضون…
  خيطا فخيطا من قلبها ومن الجراح
ما ليس بالحلم الذي نسجوه، ما لا يدركون
وكذلك، كإشارته المختزلة إلى دون كيشوت في قوله:
.. وأنت ويحك يا أخاها
ماذا تريد، وعمّ تبحث في الوجوه؟ ويا أباها
إطعن بخنجرك الهواء… فأنتما لن تقتلاها([678])
في حين يجد الصكر أبلغ الإشارات الرمزيّة الموجودة في النص دون ذكر مرجعها هي الإشارة إلى العناء السيزيفي القائم على تكرّر العذاب الدوري الذي لا ينتهي، وقد تحكمت هذه ( السيزيفيّة ) بحسب الصكر في مواضع عديدة أجملها بالآتي:
       تكرار عذاب المومس هو تكرار ترث من خلاله عبر التاريخ عذاب جنسها بوصفها امرأة، ثمّ انتقال العذاب فيما بعد لابنتها التي تفقد حياتها في المبغى([679])، وكذا، مجيء السيّاب بقصة ( يأجوج ومأجوج ) اللذين ( يلحسان السور بلسانيهما كلّ يوم حتى يصير رقيقا كقشرة البصل، ويتعبان، وفي اليوم التالي يجدان السور كما كان قوة ومتانة.. )([680])، فضلا عن انعدام الإحساس بالزمن من خلال فقدان البصر عند المومس وافتقادها الأمل بهذا([681]). في حين يأتي آخر مواضع هذا العذاب السيزيفي من خلال خاتمة المطوّلة التي ( تشي بالدوران الزمني على الطريقة السيزيفيّة )([682])، إذ لم يجد السيّاب حين أنهى مطوّلته – كما وجده الصكر- سوى التكرار الزمني في قوله:
 الباب أوصد.
       ذاك ليل مرَّ …
               فانتظري سواه .  
   ومعنى ذلك أنّ العذاب الذي تعرضه ( المومس العمياء ) من خلال ليلة واحدة من ليالي ( سليمة ) هو عذاب أزلي يتكرر كلّ ليلة، وهنا يرى الصكر السيّاب يربط خاتمة القصيدة باستهلاله في مقدمتها وكأنّ خط سير القصيدة كان كالآتي:
أطبق الليل         الليل يطبق مرّة أخرى    ذلك ليل مرّ فانتظري سواه([683]).
      إذ إنّ الحركة الاستهلاليّة في النص ( الليل يطبق ) ستقود سرديّا بحسب الصكر ( إلى المحذوف الذي يسبق اللحظة السرديّة القائمة، وقد صرّح السيّاب بذلك في قوله ( مرّة أخرى ). إذن فقد أطبق الليل من قبل.. أمّا النهاية فتوضح العودة إلى زمن البداية عبر انتظار ليل آخر سيطبق مرّة أخرى، كما أن سيزيف  يبدأ كل صباح برفع الصخرة إلى الأعلى لتتدحرج ثانية، وكما تنفض بنيلوب غزلها الذي نسجته، لتعود كلّ صباح للعمل من جديد )([684]).
    وقبل أن يختم الصكر تحليله للنص يشير إلى الحبكات الصغرى في المطوّلة التي ساعد في خلقها تبدّل موقع المروي له، فالسيّاب (يروي للقارئ أولا، ثمّ يستدير ليروي لزبائن المبغى المعرضين عن المومس لعماها، كما يجعلها تروي حياتها لنفسها في مونولوجات مطوّلة، كان المروي له الحقيقي فيها هو القارئ نفسه)([685]). وهكذا فقد تحكّمت في النص رؤية السيّاب الحادّة التي أراد إيصالها للقارئ من خلال السرد ولو بتجزئة الحبكات، وهو ما يشي به مشهد بائع طيور الماء حين يدخل بطيوره التي تهدّلت أعناقها الدامية ليبيعها على المومسات، وهنا قد ( تعدّى الموت إلى كلّ شيء حتى الطيور، كما أصاب العمى الحياة كلّها، فالعين المطفأة بلا نور تقتل شهوة الزبائن )([686]) .
        ويشير الصكر إلى قدرة السيّاب على استثمار منجزات الفضاء الطباعي لدفع النص دلاليّا صوب رؤيته الخاصّة، فحين يستخدم السيّاب الأقواس على سبيل المثال، فإنّه لا يستخدمها للتنصيص كما جرت عليه قواعد الإملاء والترقيم، وإنمّا يستخدمها غالبا ( للتعبير عن بدء الحوار، أو نقل الملفوظات، كجزء من اهتمامه بالسطح الكتابي، او الحيز المكاني على الورق )([687])، وضمن قدرة السيّاب على الانتفاع من قابليّة الفضاء الطباعي يأتي توظيفه للبياض الذي أصبح في المطوّلة ( فواصل كاملة تحدّد الانتقالات الصياغيّة والدلاليّة، فهناك سطر منقّط بنقاط على طول البيت، يعلن نهاية مشهد بائع الطيور. وهناك بياض أكبر يشكّل ثلاثة أبيات، يعلن نهاية القصة الثانويّة عن زوجة الشرطي…)([688]).
       وينهي الصكر تحليله بالتنبيه إلى ثبات المطوّلة إيقاعيّا، أي أن طول الأبيات فيها متساو إلى حدّ ما من ناحية الإيقاع، وقد حافظ الشاعر على قافية مقيّدة ( وكأنّ هذا الثبات الإيقاعي والغنائيّة المجسّدة بالوصف، علامة على تمسّك الشاعر بالقصيدة، ورفضه الانغماس في القص ونسيان جنس القصيدة الذي يتحكّم في قوانينها الداخليّة )([689])، ممّا نشأ بسبب ذلك تعارض قوي علّل به الصكر سبب تأخر ظهور المطوّلة، وعلّة محدوديّتها في الشعر العربي الحديث، أما هذا التعارض فمنشؤه ( بين الشعر وبناه الوصفيّة، ممّا كان الراوي يضخّه تعليقا وشرحا، وبين السرد كما كانت بطلة المطوّلة تريد أن تجسّده، فكأنّ الشعر يؤثّث وصفيّا ما تريد الشخصيّة أن تثبته سرديّا، وهذا جانب تنازعي مهمّ بين القص والشعر في القصيدة المطوّلة )([690])
      وربّما جاز لنا القول بعد هذا العرض لتحليل الصكر لقصيدة ( المومس العمياء ) للسيّاب: إنّ هذه القراءة حاولت أن تشكّل إيضاحا بارزا لعلاقة القراءة بالنص، وأثر ذلك على تفسيره انطلاقا من وجهة نظر حدّدها الصكر في مقدمة كتابه تمثّلت في قيام الشعر العربي الحديث على مسوّغات نظريّة عديدة وتوفّره على طرائق وأساليب فنيّة تسمح باستضافة مظاهر القص المختلفة وتقنيّاته الأسلوبيّة، من غير أن تخسر القصيدة هويّتها الشعريّة، وأكّد الناقد منطلقه هذا في مقدمة تحليله لقصيدة ( المومس العمياء ) بكون السيّاب شاعر رؤيا يقوى على تحرير الشعر من هيمنة الغنائيّة بما يمتلك من وعي ومن طاقات عديدة أحدها تسخير السرد واستضافة تقنياته في القصيدة الحديثة، وهو ما جعل الصكر يصدر قراءته بعبارة للسيّاب حين قال عن نفسه : ( لست شاعرا غنائيّا، ولكنني شاعر ملحمة )([691]) وبذا يحاول الصكر تحليل الملفوظ الشعري بتوجيه قراءاته باتجاه اكتشاف موقع ( أنا الشاعر- السيّاب ) قياسا إلى صلتها بما حولها من أنوات أخرى ( أنا الآخر، أنا العالم، أنا النص ) مركّزا على بؤرة النص الداخليّة المركزيّة ممثّلة بالعناء الأزلي لـ( المومس العمياء )، ومتّخذا من العناصر الخارجيّة للنص فضاء نصيّا يحرّك مجريات التفاعل النصّي الداخلي، ويقوي مرموزاته الفنّية.
      وقد سعت  هذه القراءة أن تصل إلى النص كاملا، بكلّ أبعاده ومراميه انطلاقا من العنوان والهوامش والإشارات التي يذيّل بها السيّاب بعض أبيات قصيدته، مرورا بعلاقة هذا النص بنصوص السيّاب الأخرى، وبصلة متن النص بمبناه، وبطريقة تعامل السيّاب مع الرموز والأساطير التي وظّفها لإحياء فكرة النص المركزيّة وانتهاء باستثماره لمنجزات الفضاء الطباعي، وبتفسير الثبات الإيقاعي الذي لازم القصيدة، ثمّ محاولة تبرير محدوديّة هذه القصيدة في الشعر العربي الحديث قياسا بقصائد السيّاب الأخرى. وهكذا فقد تعامل الصكر تعاملا يؤكّد كون النص مجمع اللغة والفكرة معا، وما كان الناقد ليصل إلى ما يريد لولا توسّله بمنهج منفتح متعدد يعين المتوسّل به، وينهض بما يريده.
 
 
 
ج – الأنموذج الثالث / قراءة نص( فتاة  فراشة  فتاة ) لأنسي الحاج
النص: (فتاة   فراشة   فتاة)

  • حلمت فتاة أنها فراشة (1)
  • وقامت (2)
  • فلم تعد تعرف إذا كانت              (3)        1)
  • فتاة حلمت أنّها فراشة
  • أو
  • فراشة حلمت أنّها فتاة
  • (4)         2)

 
 

  • بعد مئات السنين                           (5)
  • يا أولادي
  • والهواء في الليل
  • فتاة وصبي يركضان كفراشة
  • تحلم أنها فتاة وصبي
  • أو 3)
  • فتاة وصبي يحلمان أنهما فراشة
  • واشتدت الريح على الهواء (6)
  • تمزقت في الخارج (7)
  • يا أولادي
  • فراشة

      النص الأخير الذي أخترناه أنموذجا تحليليّا هو نص ( فتاة  فراشة  فتاة ) لأنسي الحاج، وقد اضطررنا لكتابة النص كاملا مع ما يقترحه الصكر من قراءة مقطعيّة تشير إليها الجداول والأرقام التوضيحيّة التي يثبتها عند تحليله لهذا النص([692]) لما يشتمل عليه النص من تعقيد ظاهري تصبح عملية استحضاره في الذهن أمرا صعبا، ولعلّ الغايّة العامة من قراءة الصكر هذه هي بيان انتظام نصوص قصيدة النثر بالرغم من فوضاها أو ممّا يخيل بأنّه فوضى ومجانية في هيأتها وانتظامها، وهي إحدى التهم التي رميت بها هذه القصيدة عموما، ولذا يمكن تعقّب تنامي النص جمليّا أو مقطعيّا، كما يمكن رصد انضباط ملفوظاته وكليّته من خلال قراءة الصكر التي حاولت نفي تهمة الفوضى والعشوائيّة التي رميت بها قصيدة النثر ممثَّلَةً بأحد أغرب نماذجها على مستوى قصيدة النثر العربيّة. إذ يقترح الصكر قراءة خطيّة لهذه القصيدة فيضع مجموعة من الأرقام والجداول التي تسعفه في إيضاح إجرائه النقدي وكالآتي:
      تشير الأرقام الموجودة يمين الأبيات إلى تسلسلها كما وردت أصلا في النص المنشور في أحد أعداد مجلة شعر اللبنانيّة([693])، أمّا الأرقام الأولى من ( 1 إلى7 ) فتشير إلى التقسيم الجملي الذي يقترحه الصكر، في حين أشارت الأرقام في أقصى اليسار إلى التقسيم المقطعي، وهو مقترح إجرائي من الصكر أيضا([694]) ، أمّا فاصل البياض بين البيتين السادس والسابع فيأخذ بحساب الصكر رقما متسلسلا بالرغم من أنّ الناقد عدّه مقطعا كاملا، لأن ما يبدو بياضا بين المقطعين هو في حقيقته ( زمن يستغرق فعل القيام من الحلم وملاقاة المصير بالتمزّق )([695]). إذ سيتغيّر بعد هذا البياض صوت السارد الذي أصبح شيخا يحدث أولاده بعد مئات السنين، وهذا الانتقال الزمني لن يتم لولا ما هيّأه البياض الفاصل بين المقطعين([696])، في حين يرمي الصكر من التقسيم المقطعي أقصى اليسار ( من 1-3 ) إلى متابعة التقسيم الخطي المسطور على الورق احتكاما إلى هيأة النص الخارجيّة. فثمّة ( مقطع أول يمثل حلم الفتاة وقيامها من الحلم: الأبيات(1-6) ومقطع ثان يبدأ بالبيت ( 8/ حتى نهاية النص) وفيه يدخل الصبي النص ، ثم نهاية الحلم بتمزّق الفراشة )([697])، ولذا عدّ الصكر البياض الفاصل بين المقطعين مقطعا مستقلا يأخذ رقما تسلسليّا لتصبح القصيدة ذات ثلاثة مقاطع. أمّا على الجهة اليسرى عند نهاية كل بيت فنجد التسلسل الجملي المقترح من 1 إلى 7، بما فيها البياض الفاصل بين المقطعين، وهو جملة مستقلّة ( قوامها اللبث أو الفترة الزمنيّة بين جملتين يرشّحهما السياق الذي يدلّ على تحوّل في النسق داخل النص، ويمهّد للوصول إلى الجملة التالية ( بعد مئات من السنين …) لأن ما سيحدث إنما يحدث في الليل أيضاً، ويهيئ لعودة الحلم. لكن ما يحصل أن الريح تشتدّ وتتمزّق الفراشة)([698]).
      وينتهي الصكر من وصف الهيأة المتنيّة للنص إلى أنّه ذو هيأتين: ( خطيّة وجمليّة. والهيأة الخطيّة تتضمن صورتين: التسلسليّة حسب القراءة الترتيبيّة لكلّ بيت والقراءة المقطعيّة. وهنا يتألّف النص من ثمانية عشر بيتا بإضافة بيت البياض، وثلاثة مقاطع بإضافة مقطع البياض. أمّا الهيئة الجمليّة فيتكوّن النص وفقها من سبع جمل شعريّة باحتساب مقطع البياض كجملة مفردة مستقلّة )([699])ويجد الصكر أن هناك هيأة دلاليّة تتخذ من التقسيم الجملي الذي يقترحه (1-7) مظهرا لها، وهذه الهيأة المقترحة لا تنقاد إلى هيأة النص كما هي عليه، ذاهبا إلى أن أسوا القراءات هي القراءة التي تستند إلى الهيأة الخطيّة الأولى التي ورد عليها النص أصلا ( 1-18)، وذلك لأنّ هذه القراءة ( مرهونة بالبيت كوحدة مستقلّة. وعلى هذه القراءة أن تنتج معاني موازية ( وربّما دلالات ) لكل بيت انطلاقا من اعتقاد القرّاء التقليديّين باستقلال البيت ووحدته واكتفائه بنفسه لإنتاج معنى أو دلالة، وهذا ما لا يصحُّ في قراءة قصيدة كليّة قائمة على وحدة النص كقصيدة   النثر )([700])، وهذه الهيأة المقترحة ستقود إلى سبع جمل شعريّة( تتجاوز الترتيب النحوي للجملة العاديّة وللبيت الشعري المستقلّ في آن واحد. فلربّما تكوّنت الجملة الشعرية من بيت واحد أو عدّة أبيات)([701])، وكالآتي:
         إنّ الجملة الأولى هي البيت الأول= حلم الفتاة، والثانية هي البيت الثاني = قيامها، وأمّا الثالثة فهي الأبيات (3 ، 4 ، 5 ، 6) = اختلاط الحلم بالواقع، وستكون الرابعة هي البياض المتروك بين البيتين 6 و 8 = تحوّلات وفترة زمنية، والخامسة هي الأبيات (8 ، 9 ، 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14) الدالة على التحوّل ودخول الفتى في المشهد الحلمي، والسادسة هي البيت (15) = حصول العاصفة أو اشتداد الريح، أمّا السابعة والأخيرة فهي الأبيات (16، 17، 18) وتمثّل النهاية([702]).
          وبعد أن يكمل الصكر صورة الهيأة التي تُقرأ على وفقها القصيدة يأتي على تحليل النص منطلقا من بنية عنوانه الذي وجده مثل ( ضوء مشرق لا عصا تقود الخطوات )([703])، ولأن عبارة العنوان مكوّنة من (ثلاث كلمات مكتوبة دون حروف عطف، ودون إضافة، أو تعريف. فالعلاقة بينها إذن دلاليّة ما دام التركيب النحوي أو العلاقة اللغويّة لا يتضح أمرهما. وهناك الفراغ المتروك عمدا بعد كل مفردة: فتاة    فراشة    فتاة )([704])، وهو ما يشير إلى فاصل زمني ينبّه إلى ما سيحصل من تحوّلات، فالبياض المتروك بين الكلمات كالسهم يشير إلى ( صلة الكلمة الأولى بالثانية، والثانية بالثالثة، وعلاقة الثالثة بالأولى ضمنيّا )([705])، وهو ما يمنح التأويل لفرضيّة التحوّلات([706]) قوّة كبيرة، أي التحوّل من (فتاة) إلى (فراشة). وبذا يتفطّن الصكر إلى مجموعة قرائن لسانيّة تدعم تصوراته كالتنكير في العنوان الذي يفيد تعميم الحالة، وصلة الفراشة بالفتاة ودلالة كلّ منهما على أنثى غير ذات ذكر([707]). ولأنّ الفراشة ذات محمول جنسي([708]) من جهة شكلها وانفراجها في وسط جسدها، ودلالتها على الحمق والجهل من جهة أخرى. فهذا يلبّي للشاعر ما يريد أن يقوله ( فالفتاة إذ تغادر وحدتها وتصبح فراشة (في الحلم) تقدّم لنا جاهلة بما كانت عليه وما صارت إليه. وهي بعد الفاصل الزمني (البياض) تتماهى في صورة الفراشة، لكنّ البياض اللاحق يهيّئ القارئ لعودة الفتاة إلى طبيعتها الأولى )([709]). وبعد أن ينتهي الصكر من عتبة النص الأولى ( العنوان ) يلتفت إلى العتبات الأخرى كالحواشي والهوامش ليستدلّ بها، فيجد النص مجرّدا منها .
     إذ يبدأ النص والفتاة نائمة، فالفعل (حلمت) الذي تبدأ به الجملة الشعريّة الأولى يشير إلى ما سبقه من نوم مختزل غير مذكور. لكن الجملة الثانية (وقامت) تبيّن ما يحصل لها من خذلان عند انتهاء حلمها، لأنّ الزمن الذي يفرضه متن الحكاية لا مبناها، هو زمن ينحدر من النوم الذي لم يذكر فكان تسلسله كالآتي: نوم ­­­­­­­­__   حلم __  قيام([710]).
    وبحسب الصكر فإنّ حلم الفتاة بأنّها فراشة عقب نومَها و توحّدها مع نفسها. وهي سرعان ما قامت، والقيام يحمل معنى الشدة والتهيُّؤ للشيء لتجد نفسها حرّة تطير بجناحي الفراشة دون أن تعرف إن كانت فتاة هي أم فراشة([711]). غير أنّ الصيغة التركيبية توحي بأنها كانت تعرف. أمّا الآن بعد أن (قامت) من حلمها فهي لم تعد تعرف حقيقتها، إنّها ( تتماهى في حلمها مع الفراشة حتى لا تدرك إن كانت فتاة حلمت بأنها فراشة أو أنّها فراشة تحلم بأنّها فتاة. وزمنيّة الماضي تقتصر على حلم الفتاة (حلمت)، أما المضارع فمختص بحلم الفراشة (تحلم)، وهذا يتكرر في كل حلم مسند إلى الفتاة أو الفراشة. فالأصل الماضي (القديم) هو الفتاة والتحوّل الحاضر هو صورة الفراشة )([712]). ثمّ يأتي البياض بعد هذه الجملة ليشير إلى زمن محذوف مسكوت عنه، وهو ما نجد أن الراوي المقحم منذ الآن على المشهد، يُخبرنا إياه.
      أمّا البياض فهو فترة زمنية تمارس فيها الفتاة – الفراشة حلمها لتأتي الجملة الخامسة التي يتغير فيها صوت السارد أو ضميره. ( فبعد أن كان في المقطع الأول هو الراوي الخارجي وضميره غير واضح لأنّه يسرد من الخارج (حلمت – قامت – لم تعد ..) يصبح في المقطع الثاني راويا عليما له حضور عن طريق ضمير المتكلم (يا أولادي) الذي ينبئ بوجهة نظر الراوي وإقصاء (أنا الشاعر) لصالح (أنا الشعر) الذي سيتولّد من النظرتين معا. وطريقة الرواية تشير إلى عودة الظلام (الهواء في الليل) كما تضيف إلى المشهد شخصية (صبي) وهو غير موجود في جمل المقطع الأول )([713]).
      شكوك الفتاة الحالمة قد تعدّى إلى الراوي بحسب الصكر فهو غير متيقّن من حقيقة الصبي الذي يشارك فتاة الحلم الركض([714]). فيشبّه الراوي الصبي والفتاة بفراشة تحلم أو فتى وصبي يحلمان، وهذا الشك يناظر الجملة الثالثة تماما مع فارق لغوي يبلبل القارئ ( فالفتاة والصبي يركضان كفراشة تحلم أو كـفتاة وصبي يحلمان أنهما فراشة، فهما جسد واحد مرة وجسدان مرة أخرى. والشاعر يريد أن يجعل لدخول الصبي إلى مشهد الحلم مدلول العنف والانهيار. فهنا ستنشأ علاقة آدميّة تعيد ما فعل الأب الأول مع الأم الأولى والخطيئة التي أنزلتهما من الجنة إلى الأرض عقابا لهما )([715]). وبذلك فالصبي والفتاة يفقدان حلمهما. عقابا للأنثى لأنها (الأصل الذي بدأ بالحلم، لذا تنتهي متمزّقة في الريح، فانتهى الحلم… وما كان هواء ليليّا في الجملة الخامسة أصبح ريحا تشتد على الهواء نفسه، وتعصف بالفتاة فتتمزّق في الخارج فراشة حلمها. لقد تحرّر الشاعر من مرجعه ولم يقل (احترقت) فراشة بسبب جهلها وطيشها وعماها، بل قال (تمزّقت) مضمّنا المعنى الجنسي الذي يحيل إليه اسم الفراشة وشكلها ومدلولها منذ البدء)([716]).وهكذا لم تجن الفتاة سوى التمزّق. فكما أنّ الحلم وهبها اللذة (داخل) نفسها ومن نفسها (كما تتولّد فراشة الجاحظ وتنخلق أو تنسلخ عن نفسها لا عن ذكر وأنثى) فإن الخارج قرنها بصبي وحلم مشترك واجهته العواصف المشتدّة في الريح فتمزّقت الفراشة… والزمن الماضي للحلم والمضارع للقيام منه. وثنائية النوم والحلم، الليل والنهار، الصبي والفتاة، الفراشة والفتاة، تشير كلّها إلى ما أراد الشاعر أن يبثّه عبر (أنا النص) من تخوّف وقلق وشك بالعلاقة بين الرجل والمرأة، والعلاقة بين الحلم والواقع، والحياة والمثل([717]). ولا بد أن نشير ونحن نختم قراءة الصكر هذه إلى مجموعة أمور حاولت هذه القراءة أن تستثمرها للخروج باكتشاف جديد لأهم الثنائيّات التي قام عليها النص، ولمجمل علاقاته الرمزيّة، فضلا عن فهم الدلالة المركزيّة بالنص، وكالآتي:
–  تنبّه الصكر إلى إفادة الشاعر من الأسطورة حول الحلم بجانب استدعاءات أخرى منها قصة الخلق – لقاء آدم وحواء واقترانهما – فمقطع الخلق الأول مكون من ستة أبيات كأنها تماثل أيام الخلق الستة التي خلق فيها الله العالم. كما أن لفظة (فتاة) و(فراشة) تتكرران ست مرات بينما لا يتكرر (الصبي) إلا ثلاث مرات. ( فالتجربة عناء والحياة أثقل من لحظة الميلاد لذا تستغرق ضعف فترة الخلق تماما (12بيتا) )([718]).
–  اعتماد الشاعر الجملة الشعرية الطويلة أغرى الناقد بمتابعة الارتباطات والتوسّعات، لا سيّما بدخول الراوي للقص وإكماله الحلم.
–   أسلوب السرد في المقطع الأخير (الجملة الشعرية – الخامسة) يعتمد على مفارقة القص وشيء من السخرية والخرافة، فهو أسلوب حكائي ذو علاقة بالخرافات وقصص السمر والتسلية، وقد أراد الشاعر أن يوصل إلى قارئه المعنى الأسطوري المتخفّي وراء ملفوظات النص، كما قرأ الصكر ذلك .
–  اللغة أدّت خدمات نصية مزدوجة: فهي ذات وظيفة دلاليّة كما ذهب إليه الناقد في تحليل الأزمنة النصيّة. وذات وظيفة فنيّة وجماليّة (أدائيّة وتقبليّة) مما سوّغ المجازفات والانحرافات الأسلوبيّة مثل (الهواء في الليل – واشتدّت الريح على الهواء). وهذا جزء من مهمَّة اللغة في نص القصيدة النثرية عامة([719]).
-على مستوى القراءة الجملية (أي تقسيم النص إلى جمل شعرية) يجد الصكر أنّ العنوان يمكن أن يجد حلة مهيأة أو مفتاحيّة لتطرح سؤالها عبر البياض مفترضة أن ثمّة فتاة أو فراشة فتاة. وهذا تمهيد للجملة التالية في المتن: حلمت فتاة أنها فراشة. ثمّة علاقة تناص – إذن- بين جملة العنوان وجُمل المتن. وبذا، يمكن القول: إنّ قراءات الصكر مثّلت في تطبيقاتها وإجراءاتها مثالا للقراءة الواعية المدركة للكثير من الإشكالات المعاصرة، وقد وضعت هذه القراءات تأسيساتها النقدية في منهج إجرائي يعمد الى القراءة الحيّة للنص الشعري باتجاه توظيف آليّات الكشف والتحليل التي تمنح النص النقدي الجديد قابلية المعيش وقابلية القراءة المحايثة والمغايرة في آن([720]) .
 
 
 
 
الخاتمة
 
 
 
 
– حاتم الصكر أحد وجوه المشهد الثقافي العربي والعراقي عشق المعرفة مبكّرا وتاق للمجهول في طفولته التي تجلّى في وعيه النقدي مكانُها الأول.
– تمدّدت اهتماماته واختياراته وتوسّعت من متابعة التحديث الشعري والمنافحة عنه إلى مسائل عديدة كالعناية بأدب الهوامش والسيرة الذاتيّة وتنويعاتها الممكنة، وانتهاء بنقد السرد العربي قديمه وحديثه، وبالنقد الفني التشكيلي.
-واكب الصكر لأكثر من ثلاثة عقود الدعوات الرامية إلى تحديث النقد العربي، وكان من المسهمين في صياغة مفاهيم وتصوّرات وإجراءات جديدة منفتحة على الآخر، واعية بحاضرها من غير تنكُّر للماضي، ممّا يمكن لهذه الدعوات وصياغاتها وإجراءاتها أن تشكّل خطابا لما تنطوي عليه من غايات ومقاصد ترمي إلى تغيير القناعات والمفاهيم والتصوّرات والإجراءات النقديّة السائدة.
-كان منجَز الصكر في نقد الشعر العربي الأكثرَ حفاوة بالإبداع الشعري ضمن المدوّنة النقديّة العراقيّة الحديثة أجمع، مثلما هو الأكثر حضورا وتأثيرا فيها منذ ثمانينيّات القرن الماضي ضمن جيل من النقّاد اصطفوا لتكريس النزعة النصوصيّة كردّ فعل على النقد المضموني المتّجه لإعلاء موضوعات النصوص، وعلى المنهج الحياتي المستمَد من أخبار تخصّ حياة الكاتب مرتَكزاً للحكم على نصوصه. وما كان لهذا التوجّه النصّي أن يحقق نجاحا ما لم يرتكز إلى مزاج ثقافي شكّلته مرجعيّات معرفيّة أسهمت في صياغته فكريّا، وإبداعيّا.
-تنوّعت مرجعيّات الصكر المعرفيّة وتعدّدت من غير أن تتّكل على مرجعيّة واحدة جاهزة النماذج، وهو ما جعل علاقة الصكر بالتراث النقدي والشعري أول روافد هذه المرجعيّات علاقة شفافة، وليست بالواهيّة.
-أمّا مرجعيّة الآخر فقد كانت تأسيسا معرفيّا لازما اقتضته رغبة تحويل اتجاه النقد الأدبي من مساره التقليدي المغلق إلى مسار معرفي منفتح في إطار دعوة الصكر ومجايليه من النقّاد العرب والعراقيين لتحقيق هذا التحويل عبر تقوية روابط النقد الأدبي العراقي بالأسس المعرفيّة والأصول الفكريّة والفلسفيّة الحديثة القادرة على مدّ الفكر النقدي بمفاهيم  وتصورات وإجراءات مغايرة، لكن من غير أن تصل هذه الدعوة درجة الانسلاخ الحضاري، إذ بقيت في إطار يحفظ لها خصوصيّتها المحليّة والقوميّة، ويهيء لها مستلزمات القوة لمحاورة الآخر وتكييف معارفه بما يلائم هذه الخصوصيّة.
– إنّ رغبة الحوار المتعدد الجسور مع الآخر أكّدت أصالة الغاية عند حاتم الصكر – فكريّا وإبداعيّا – بمراعاتها الشروط الذاتيّة، وتطلّعها – في آن – لآفاق مستقبل نقدي عربي مزدهر بانفتاحه على توصّلات الآخر وتوسّلاته العلميّة التي أشارت درجة تمثّلها المعرفي عند الناقد إلى وجود أربع مرجعيّات سوسيولوجيّة، وفلسفيّة، ولغويّة، ونفسيّة، اختلفت مديات حضورها في متنه النقدي فإذا كانت المرجعيّة السوسيولوجيّة بوصلة وجّهت الناقد في بداية مشواره النقدي، فإنّ المرجعيتين، الفلسفيّة واللغويّة، كانتا أشبه بالإطار العام أو الخلفيّة التي تحرّك توجّهات الناقد واختياراته، في حين كانت المرجعيّة النفسيّة أقل المرجعيّات حضورا أسوة ببقيّة النقّاد العراقيين في تمثّلهم المعرفي المحتشم لهذه المرجعيّة.
-في مفهومه للشعر وسّع الصكر من دائرة النصوص الشعريّة بتوسيعه مفهوم الشعر ذاته دون اكتراث لشرطي الوزن والقافية، فالشعر يوجد حيث يوجد أثره في النفوس، لا بانتمائه جنسا أدبيّا إلى أعراف وتقاليد وقيم فنيّة راسخة وثابتة، لتتعدّد  بذلك اختياراته النقديّة وصولا إلى عبارات الصوفيين وإشاراتهم التي درسها على أنّها شعر لما تتركه من الأثر الذي يعوّل عليه الناقد أكثر من تعويله على القصد مفترقا بذلك عن النظريّة السائدة التي كان عليها كثير من النقّاد .
-لم يحدد الصكر للشعر تعريفا، لكنه ظلّ مستثارا  بما ينهض به هذا الفن من هيأة وتشكّلات دلاليّة وفنيّة تجسّدها القصائد التي فرّق الصكر بينها وبين الشعر الذي عدّه خطابا له عناصره ورؤاه، أمّا القصيدة فهي مظهر نصّيٌّ متجلٍّ عن ذلك الخطاب، فيما آمن بإيقاع داخلي هو: ( إيقاع الفكرة ) تشتمل عليه قصيدة النثر خصوصا، وهو إيقاع يختلف عن إيقاع الشعر التقليدي .
-دعا الصكر إلى تخليص لغة الشعر العربي من النزعة الخطابيّة المتجسّدة في الإنشاد، وحاول تنقية هذه اللغة من كلّ ما علق بها من مظاهر واستخدامات جاهزة تجاوزها العصر انطلاقا من وعيه لقيمة الكلمة في مغامرة الشعر الحديث، ولدورها وأهميّتها في سياقها الشعري الذي توظّف فيه. ودافع عن التجديد في الشعر مؤمنا بحتميّته، بوصفه تجاوزا للقديم الذي استهلكت طاقته في قوالب موروثة لا تستوعب رؤيا الشاعر الحديث ومغامرته الحداثيّة القائمة على تغيّر الرؤيا؛ مركّزا بذلك على نماذج وأشكال شعريّة غيّرت طريقة الوعي بالشعر، والوعي بتلقّيه أيضا، أمّا هذه النماذج فهي شعر الرواد، وقصيدة النثر في مرحلتها الأولى، وفي الجيل الحالي من كتّابها لأنّ هذا الجيل شاهد حيّ على التحوّلات الجماليّة والفنيّة في القصيدة العربيّة، دون أن يعني هذا أنّ مفهوم الحداثة مرتبط عند الصكر بالزمنيّة، لأن حداثة الصكر هي حداثة لها اشتراطات فنيّة أكثر ممّا لها دلالة زمانيّة.
– لم يول الصكر اهتماما بمنهج نقدي ما على حساب آخر، ولم يغلّب منهجا على منهج وإنّما ترك الكلمة الفصل في ذلك إلى طبيعة النص الشعري تتحكم في الاختيار جانحا بذلك إلى تركيب منهجي متعدد الأبعاد كان هو الاقرب الى موقفه النقدي، وإلى هاجسه الشخصي وحسّه الإشكالي الخاص بالمنهج،  وقد صبّ هذا كلُّه في صالح رؤيته الحداثيّة واعتمادها مقياسا في حياة النص ونقده معا، وهي رؤية منطلقة من موقف نقدي يستبعد وجود خطوة منهجيّة أخيرة، لأن هذه الخطوة إن وُجدت فإنّها ستُقوْلب الرؤية وتحجّم النشاط وتقتل الفاعلية النقديّة.
-قراءات الصكر مثّلت في تطبيقاتها وإجراءاتها مثالا للقراءة الواعية المدركة للكثير من الإشكالات المعاصرة، ووضعت تأسيساته النقديّة في منهج إجرائي يعمد الى قراءة حيّة واعية للنص الشعري من خلال توظيف آليّات الكشف والتحليل التي تمنح نصّه النقدي جدّة ومغايرة في آن واحد.
-وهو، وإن بدأ في الفترة المبكرة من شغله انطباعيا يبحث عن تشكلّات الحياة والواقع والفكر في النص الأدبي بما يناسب تواضع أدواته ومحدوديتها آنذاك،  فقد عزّز رؤيته النصيّة ونزعته التحليليّة بما أتاحه اطلاعه على المنهج البنيوي أولا، ثم بانتقاله إلى ما تبنّته نظرية التلقي من دور القارئ في تشكيل وجود النص بالفعل بعد أن أوجده كاتبه بالقوة، وهو ما دعاه للذهاب في أقاصي النص وأبعاده وتناصاته من خلال ذاكرة قارئ محترف يسلّط على النص وعيه وذخيرته النقديّة الخاصّة.
 
 
 
قائمة
المصادر والمراجع
 
 
 
 
 
 
أوّلا / الكتب

  • إبراهيم الخطيب ( ترجمة ): نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط1، 1982م .
  • د. إبراهيم محمود خليل: النقد الأدبي من المحاكاة إلى التفكيك، دار المسيرة، عمان- الأردن، ط2 2007م .
  • ابن الرومي: ديوان ابن الرومي، شرح وتحقيق: عبد الأمير علي مهنّا، منشورات دار مكتبة الهلال، بيروت، ط2، 1998م
  • أحمد شوقي: ديوان الشوقيّـــــــات، شرحه وضبطه وقدّم لـــــه: علي العسيلي، منشورات الأعلمي، بيروت، ط1، 1998م، ج1.
  • أدونيس: زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ط2، 1978م .

*ــــــــــــــ: فاتحة لنهايات القرن ، دار العودة ، بيروت ، ط1 1980.

  • أمبرتو إيكو: الأثر المفتوح، ترجمة: عبد الرحمن بو علي، دار الحوار، اللاذقيّة – سوريا، ط2، 2001م .
  • ت. س إليوت: مقالات في النقد الأدبي، ترجمة لطيفة الزيات، مكتبة الإنجلو المصرية، د. ت .
  • تومبكنز: نقد استجابة القارئ، ترجمة: حسن ناظم، علي حاكم، مراجعة وتقديم: د. محمد جواد الموسوي، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة ، 1999م .
  • تيري إيغلتون: مقدمة في النظرية الأدبية، ترجمة: إبراهيم جاسم العلي، مراجعة: د. عاصم إسماعيل الياس، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، 1992م.
  • جابر عصفور: زمن الرواية، دار المدى للطباعة والنشر، دمشق، ط1، 1999م.
  • جاستون باشلار: جماليات المكان، ترجمة: غالب هلسا، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980م .
  • جان إيف تادييه: النقد الأدبي في القرن العشرين، ترجمة: منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط1، 1994م .
  • جان كوهن: بنية اللغة الشعريّة، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال، المغرب العربي، ط1، 1986م .
  • جبور عبد النور: المعجم الأدبي، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1984م .
  • حاتم الصكر: الأصابع في موقد الشعر، مقدمات مقترحة لقراءة القصيدة، دار الشؤون الثقافيّة العامة ، بغداد 1986م .

*ــــــــــــــــــــ: أقوال النور – قراءات بصرية في التشكيل المعاصر- إصدارات دار الثقافة والإعلام، الشارقة 2010 م .
*ــــــــــــــــــ: انفجار الصمت ، الكتابة النسويّة في اليمن – دراسة ومختارات – مركز عبادي للدراسات والنشر،  صنعاء 2003م .
*ــــــــــــــــــ: البئر والعسل، قراءات معاصرة في نصوص تراثيّة، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد1992م،  ط2، القاهرة 1997م .
*ـــــــــــــــــــ: بريد بغداد، دائرة الثقافة والاعلام، حكومة الشارقة، اكتوبر 2012م .
*ـــــــــــــــــــ: ترويض النص، دراسة للتحليل النصي في النقد العربي المعاصر- إجراءات ومنهجيات – الهيأة المصرية العامة للكتاب،  القاهرة 1998م .
*ــــــــــــــــــ: حلم الفراشة، الإيقاع والخصائص النصية في قصيدة النثر، ط1، وزارة الثقافة، صنعاء 2004م ، ط2، دار أزمنة ،عمان 2010م .
*ــــــــــــــــــ: روفائيل بطّي وريادة النقد الشعري، دراسات ومختارات، كولونيا، ألمانيا 1995 م .
*ــــــــــــــــــ: الشعر والتوصيل، بعض مشكلات توصيل الشعر من خلال شبكة الاتصال المعاصر، الموسوعة الصغيرة، بغداد 1988م .
*ــــــــــــــــــــ: في غيبوبة الذكرى، دراسات في قصيدة الحداثة، كتاب مجلة دبي الثقافيّة، دبي 2009 م .
*ـــــــــــــــــــ: قصائد في الذاكرة، قراءات استعاديّة لنصوص شعريّة، كتاب مجلة دبي الثقافيّة، دبي 2011م.
*ـــــــــــــــــــ: قصيدة النثر في اليمن، أجيال و أصوات، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء2003م .
*ـــــــــــــــــــ: كتابة الذات، دراسات في وقائعيّة الشعر، دار الشروق، عمان 1994م.
*ـــــــــــــــــــ: ما لا تؤدّيه الصفة، المقتربات اللسانية والأسلوبيّة والشعرية، دار كتابات، بيروت 1993 م .
*ـــــــــــــــــــ: المرئي والمكتوب، دراسات في التشكيل العربي المعاصر، إصدارات دار الثقافة والإعلام، الشارقة 2007م .
*ــــــــــــــــــــ: مرايا نرسيس، الأنماط النوعيّة والتشكيلات البنائيّة لقصيدة السرد الحديثة، المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر، بيروت 1999م .
*ــــــــــــــــــــ: مواجهات الصوت القادم، دراسة في شعر السبعينات، منشورات الطليعة الأدبية، بغداد  1986م .

  • حسين الواد: مناهج الدراسات الأدبيّة، سراس للنشر، الطبعة التونسيّة 1985م .
  • حسين خمري: بنية الخطاب النقدي، دار الشؤون الثقافيّة، بغداد، ط1، 1990 م .
  • أ. د . حفناوي بعلي: قراءة في نصوص الحداثة وما بعدها، دروب للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2011م .
  • د. خالد سليكي: سؤال النص.. أسئلة القراءة، منشورات وزارة الثقافة المغربيّة، 2008م .
  • خيرة حمر العين: جدل الحداثة في نقد الشعر العربي، منشورات اتّحاد الكتّاب العرب، دمشق، ط1، 1997م .
  • ديفد ديتش: مناهج النقد الأدبي بين النظريّة والتطبيق، ترجمة: د. محمد يوسف نجم، مراجعة: د. إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت، 1967م.
  • د . رشيدة التريكي: الجماليّات وسؤال المعنى، ترجمة وتقديم: إبراهيم العمري، الدار المتوسطيّة للنشر، بيروت – تونس، ط1، 2009م .
  • روبرت دي بروجراند: النص والخطاب والإجراء، ترجمة: د. تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة،ط1 1997م.
  • روبرت سي هولب: نظريّة الاستقبال، مقدمة نظريّة، ترجمة: رعد عبد الجليل جواد، دار الحوار، حلب، ط1، 1992م.
  • رولان بارت: درس السيميولوجيا، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الرباط، ط2، 1986م .
  • رومان جاكوبسون: قضايا الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال، الدار البيضاء 1988.
  • ريتشاردز: مبادئ النقد الأدبي، ترجمة: مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1963م .
  • رينيه ويلك، أوستن وارين: نظرية الأدب، ترجمة: محي الدين صبحي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 1987م .
  • سارة ميلز: الخطاب، ترجمة: غريب إسكندر، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 2012م .
  • د. سامي عبابنة: اتّجاهات النقّاد العرب في قراءة النص الشعري الحديث، عالم الكتب الحديث، عمان، الأردن، ط2 2010م .
  • سامي مهدي: الموجة الصاخبة، شعر الستينات في العراق، دار الشؤون الثقافيّة، بغداد، 1994 م .
  • سعيد الغانمي: مئة عام من الفكر النقدي، الأصول الثقافيّة والمرجعيات الاتصالية للنقد الحديث في العراق، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1، 2001م .
  • سعيد علوش: معجم المصطلحات الأدبيّة المعاصرة، عرض وتقديم وترجمة، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1985.
  • سلام عبّود: ثقافة العنف في العراق، منشورات الجمل، كولونيا ألمانيا ط1 2002 .
  • سماح رافع محمد: الفينومينولوجيا عند هوسرل، دراسة نقديّة في التجديد الفلسفي المعاصر، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد ،1991م .
  • السيد يسين: التحليل الاجتماعي للأدب، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1992م.
  • د. شجاع العاني: قراءات في الأدب والنقد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1999م.
  • د. شكري عزيز ماضي: من إشكاليّات النقد العربي الجديد، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1997م.
  • صلاح فضل: منهج الواقعيّة في الإبداع الأدبي، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1980 م .
  • د. ضياء خضير: ثنائيّات مقارنة، أبحاث ودراسات في الأدب المقارن، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، ط3، 2013م .
  • د. عباس ثابت حمود: الشعر العراقي في معايير النقد الأكاديمي العربي، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، ط1، 2010م .
  • عبد الرحمن البرقوقي: شرح ديوان المتنبّي، بيروت، دار الفكر، ط1، 2002م.
  • عبد السلام بنعبد العالي: أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مجاوزة الميتافيزيقا، دار توبقال، المغرب 1988م
  • د. عبد العظيم السلطاني: نازك الملائكة بين الكتابيّة وتأنيث القصيدة، دار الشؤون الثقافيّة، بغداد، ط1، 2010م .
  • د. عبد الله إبراهيم: الثقافة العربيّة والمرجعيّات المستعارة، الدار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2010م .
  • د. عبد الله أبو هيف: النقد العربي الجديد في القصّة والروايّة والسرد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000م .
  • عبد الله بن إسماعيل السماعيل: الغذّامي الناقد، قراءات في مشروع الغذّامي النقدي ( تحرير وتقديم ) كتاب الرياض، العدد97- 98 ديسمبر 2001م- يناير 2002م، مؤسسة اليمامة الصحفيّة، الرياض .
  • د. عبد الله الغذامي: ثقافة الأسئلة، مقالة في النقد والنظرية، دار سعاد الصباح ، الكويت، ط2، 1993م.

*ـــــــــــــــــــ: النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط3، 2005م .

  • عبد العزيز جسوس: إشكاليّة الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر، مطبعة الداوديات، مراكش، ط1 2007 م.
  • عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، تصحيح: محمد عبدة، ومحمد الشنقيطي، دار المعرفة، بيروت، 197م .
  • د. عبد الوهاب شعلان: المنهج الاجتماعي وتحوّلاته، من سلطة الأيديولوجيا إلى فضاء النص، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، ط1، 2008م .
  • عزّ الدين إسماعيل: الأسس الجماليّة في النقد العربي، عرض وتفسير ومقارنة، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، ط3، 1986م .
  • عزّ الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، دار العودة، بيروت، ط4، 1981م .
  • د. علي جواد الطاهر: مقدمة في النقد الأدبي، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، ط1 ، 1979م .
  • د. علي داخل فرج: محاكمة الخنثى، قصيدة النثر في الخطاب النقدي العراقي، دار الفراهيدي للنشر والتوزيع، بغداد، ط1 ، 2011م .
  • د. علي الشرع: لغة الشعر العربي المعاصر في النقد العربي الحديث، منشورات جامعة اليرموك، الأردن، 1991م .
  • علي الطائي: الشعر والمناهج النقديّة الحديثة (إعداد) بحوث مهرجان المربد الشعري الثالث عشر 1997م، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، 1998م .
  • د. عمر أحمد بو قرورة: فوضى الإبدال في النقد الأدبي المعاصر، بحث في الواقع والآفاق، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، ط1، 2012م .
  • عمر أوكان: النص أو مغامرة الكتابة لدى بارت، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء – المغرب، 1991م.
  • د عناد غزوان: نقد الشعر في العراق بين التأثريّة والمنهجيّة ( رؤية في تطوّر النص النقدي ) دار الشؤون الثقافيّة، بغداد، ط1، 1999م
  • فاضل ثامر: شعر الحداثة، من بنية التماسك إلى فضاء التشظّي، دار المدى، دمشق، ط1، 2012م .

*ــــــــــــــــــ: اللغة الثانيّة، في إشكاليّة المنهج والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث، المركز الثقافي العربي، ط1، 1994م.

  • فخري صالح (ترجمة وتحرير): النقد والمجتمع ( حوارات مع: رولان بـــارت، بول دي مان، جاك دريدا، نورثروب فراي، إدوارد سعيد، جوليا كريستيـــــــفا تيري إيجلتون) دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، ط1، 2004م .
  • كارلوني وفيللو: النقد الأدبي، ترجمة: كيتي سالم، منشورات عويدات، بيروت – باريس، ط2، 1984م.
  • كمال خير بك : حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، دار الفكر، بيروت، ط2، 1982م.
  • ماجد الجعافرة وأمجد طلافحة: كتاب المرجعيّـــــات في النقد والأدب واللغة ( إشراف وتحرير ) مؤتمر النقد الدولي الثالث عشر 27 ـــــ 29 تموز 2010 م، عالم الكتب الحديث، عمان- الأردن ط1 ، 2011 م، ج2 .
  • مارك جيمنيز: الجماليّة المعاصرة، الاتجاهات والرهانات، ترجمة: د. كمال بو منير، منشورات ضفاف، بيروت – لبنان، ط1، 2012م .
  • محسن أطيمش: دير الملاك، دراسة نقديّة للظواهر الفنيّة في الشعر العراقي المعاصر، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982 .
  • د. مرشد الزبيدي: اتجاهات نقد الشعر في العراق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999م .
  • محمّد دكروب: تساؤلات أمام الحداثة والواقعيّة في النقد العربي، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1 ، 2001 م.
  • محمّد الدغمومي: نقد النقد وتنظير النقد العربي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة،،الرباط، ط1، 1999م .
  • محمد عزام: المنهج الموضوعي في النقد الأدبي، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، ط1، دمشق 1999م .
  • محمّد غازي الأخرس: خريف المثقف في العراق، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، ط1 2011م.
  • محمّد لطفي اليوسفي (إعداد وتقديم): البيانات، دار سراس للنشر، تونس، 1995م
  • محمّد مفتاح وأحمد بو حسن ( تنسيق) المفاهيم: تكوّنها وسيرورتها، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2000م.
  • محمّد مفتاح: النص من القراءة إلى التنظير، شركة المدارس للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2000م .
  • محمّد مكيّة: بغداد، دار الورّاق، لندن، ط2، 2009م .
  • محمّد النويهي: شخصيّة بشار، دار الفكر، بيروت، 1970م .

*ـــــــــــــــــــــ: نفسيّة أبي نواس، دار الفكر، بيروت، د.ت .

  • د. محمود الربيعي: في نقد الشعر، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، د. ت .
  • د. محمود عباس عبد الواحد: قراءة النص وجماليات التلقي بين المذاهب النقديّة الحديثة وتراثنا النقدي- دراسة مقارنة- دار الفكر العربي، بيروت، د.ت .
  • د. محمود نسيم: فجوة الحداثة العربيّة، إصدارات أكاديميّة الفنون، القاهرة، (د.ط) 2005م.
  • نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، بيروت، ط6، 1981م
  • نجم عبد الله كاظم: أيقونات الوهم، الناقد العربي وإشكاليّات النقد الحديث، دار الشروق، ط1، 2011م.
  • هانز. جيورج جادامر: تجلّي الجميل ومقالات أخرى، تحرير: روبرت برناسكوني، ترجمة ودراسة وشرح: د. سعيد توفيق، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 1997م.
  • د. يحيى عارف الكبيسي: المقولات والتمثّلات والأوهام، دراسة في النقد العربي الحديث، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، ط1، 2009م .
  • يوسف ميخائيل أسعد: سيكلوجيّة الإبداع في الفن والأدب، الهيأة المصريّة العامة للكتاب، 1986م .

ثانيا /  الأطاريح والرسائل الجامعيّة

  • أحمد عدنان حمدي الوتّار: الخطاب النقدي عند عبد العزيز حمودة، دراسة في المنهج والنظرية، أطروحة دكتوراه بإشراف د. بشرى حمدي البستاني، مقدّمة إلى كليّة الآداب، جامعة الموصل، 2006م.
  • حسين عبّود حميد الهلالي: المناهج النقديّة في نقد الشعر العراقي الحديث، عرض نظري ونماذج تطبيقيّة، أطروحة دكتوراه بإشراف د. داوود سلوم، كليّة الآداب- جامعة بغداد، 1991م.
  • خليل شيرزاد علي السوره ميري: الشّعراء النقّاد، تطوّر الرؤيا في الخطاب النقدي العراقي الحديث، الشعراء الستينيّون أنموذجاً، أطروحة دكتوراه بإشراف د. علي عبد الرزاق السامرائي، جامعة بغداد، كلية التربيّة ( ابن رشد ) 2009م.
  • زهراء خالد: عنونة الكتب النقدية عند حاتم الصكر، دراسة تحليلية، رسالة ماجستير، بإشراف د. أحمد الجار الله، كليّة التربية، جامعة الموصل، 2012م.
  • صالح زامل حسين: مناهج النقد الأدبي في العراق، من 1980-2005 أطروحة دكتوراه بإشراف د. عربية توفيق لازم، مقدمة إلى كليّة الآداب، جامعة بغداد، 2008م .
  • محمود جابر عباس الجنابي: حركة نقد الشعر العربي في العراق 1968-1980، رسالة ماجستير مطبوعة على الآلة الكاتبة، كلية الآداب، جامعة صلاح الدين، 1989م .
  • ورقاء يحيى قاسم حياوي المعاضيدي: الخطاب النقدي عند مصطفى ناصف، كتاب بعد الحداثة، أنموذجاً، أطروحة دكتوراه بإشراف د. بشرى حمدي البستاني، مقدّمة إلى كليّة الآداب، جامعة الموصل، 2006م.

ثالثا / الدوريات

  • أدونيس: في قصيدة النثر، مجلة شعر العدد الرابع عشر، السنة الرابعة ربيع 1960م .
  • أكتوفيو باث: الشعر والقصيدة، مجلة الفكر العربي المعاصر ( بتصرّف) العدد13 لعام 1981م.
  • باسم سليمان: الحداثة ليست ذكرى، بل حياة، جريدة الثورة السوريّة، دمشق بتاريخ، 30-12-2009م .
  • حاتم الصكر: الأنساق الثلاثيّة في التجربة النقديّة الحديثة، نقد النقد والأصوات الشعريّة في منظور المقالح النقدي، جريدة الثقافيّة الصنعانيّة، العدد 344 بتاريخ 6/7/2006م.

*ـــــــــــــــــ: البنيويّون، جريدة الجمهوريّة، بغداد، بتاريخ 26/1/1984.
*ـــــــــــــــــ: تحديث النقد الشعري، جريدة الجمهورية، بغداد، بتاريخ 23/11/1988م.
*ـــــــــــــــــ: تجاذبات المركز والأطراف.. جدل المتون والهوامش، مجلة دبي الثقافية، أكتوبر- تشرين الأول،2011م .
*ــــــــــــــــ: تقريظ للطبيعة، ذاتيّة الخلق الروحي، مجلة آفاق عربيّة، بغداد، العدد 4، 1987م .
*ـــــــــــــــــ: تمثيلات الخارج بوعي الداخل، مجلة نزوى، مسقط، العدد السابع عشر، يناير 1999م.
*ـــــــــــــــــ: الجواهري، جدل حي وشعرية متجددة  جريدة (الزمان) البغداديّة، العدد 2756، بتاريخ 26/7/2006م .
*ــــــــــــــــــ: الحبّ الغالب والحبّ المغلوب، جريدة الزمان البغداديّة، بتاريخ 19- 3- 2007م .
*ــــــــــــــــــ: حداثة التراث، تراث الحداثة، الموضوعيّة والعضويّة، درّة الأعشى، مجلة الأقلام ، العدد ،6 ،7 ، 8 لسنة 1994م .
*ــــــــــــــــ: الحداثة والتراث، التهام النقيض، جريدة القدس العربي، لندن، بتاريخ 18/7/ 1993م .
*ــــــــــــــــ: السيرة الذاتيّة النسويّة، البوح والترميز القهري، مجلة فصول، العدد 63، القاهرة، شتاء ربيع 2004م .
*ـــــــــــــــــــ: شعر مسكون بالحلم والدهشة، مجلة الأقلام، العدد 8 السنة التاسعة عشرة، آب 1984م.
*ــــــــــــــــــــ: ضد التقليد، مجلة دبي الثقافية، عدد كانون الأول، ديسمبر 2010 م .
*ــــــــــــــــــــ: ظلام الضياء، البردوني في قراءة نصيّة، مجلة العربي الكويتيّة، ملف عبد الله البردوني، العدد621، أغسطس2010م.
*ـــــــــــــــــــــ: قصيدة النثر والاحتمالات المؤجلة، مجلة الأديب المعاصر، بغداد، العدد (41) كانون الثاني، 1990م.
*ــــــــــــــــــــــ: قصيدة النثر والشعر السائد، جريدة الثورة، بغداد، بتاريخ 9/6/1982م.
*ــــــــــــــــــــــ: قصيدة النثر والشعريّة العربيّة الجديدة، من اشتراطات القصد إلى قراءة الأثر، مجلة فصول  المجلد 15، العدد 3 خريف 1996م.
*ــــــــــــــــــــــ: القول بالشعر والقول بالنثر، مجلة غيمان، صنعاء، العدد1 شتاء 2007م
*ــــــــــــــــــــــ: محمد الماغوط، دراما الحلم والحريّة، مجلة الكلمة النجفيّة، العدد الرابع، السنة السادسة، تموز، 1974م.
*ــــــــــــــــــــــ:المكبوت الأنثوي في الملفوظ الشعري، نازك الملائكة، مرآة الأنثى، مجلة آفاق عربية، بغداد، عدد  شباط 2/ 1993م.
*ـــــــــــــــــــــــ: الممارسة النقديّة من النص إلى القارئ، مدخل أوّلي عن بعض موجّهات القراءة، مجلة الأقلام، العدد11-12 ، 1993م.
*ــــــــــــــــــــــــ: المنهج تحديّا.. المنهج اختيارا، مجلة الأقلام، العدد الخامس السنة21،1986م.
*ـــــــــــــــــــــــ: النشوة والندم أو قصة الخليقة الشعريّة، مجلة الأقلام، العدد8 آب 1986م.

  • ـسعيد الغانمي: المعنى والكلمات، الموسوعة الصغيرة(316) دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، 1989م.
  • شجاع العاني: النص في النقد الأدبي الحديث في العراق، مجلة الأقلام، بغداد، 11-12، 1989م.
  • شكري عزيز ماضي: الخطاب النقدي وإشكالية العلاقة بين الذات والآخر، مجلة الموقف الثقافي, العدد 9، 1997م .
  • عبد الرحمن محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، العوامل والمظاهر وآليّات التأويل، سلسلة عالم المعرفة 279 ، الكويت، مارس 2002م.
  • د. عبد العزيز حمودة: المرايا المحدّبة، من البنيوية إلى التفكيك، عالم المعرفة، عدد232، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، أبريل 1998م .
  • عبد الكافي الرحبي: حاتم الصكر، الناقد الإنسان، صحيفة التجمّع الصنعانية، بتاريخ 12/ أبريل 2011 م .
  • علي حسن الفوّاز: وظائفـيــّة النــاقــد الاجرائي، جريدة الزمان، العدد 2235 بتاريخ 10 / 10/2005م .
  • علي محمّد ياسين: حاتم الصكر قارئا للنص الشعري، صيحة الجرار في كتاب البئر والعسل مثالا، مجلة كليّة العلوم الإسلاميّة، جامعة كربلاء، السنة الثانية، العدد الثالث، آذار،2011م .
  • أ.د محمد صابر عبيد وفرج ياسين: صوت الناقد الحديث، هوية المنهج ومنهج الهوية، مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانيّة، المجلد(14) العدد(3) نيسان، 2007م.
  • د. محمد عيسى: القراءة النفسيّة للنص الأدبي العربي، مجلة جامعة دمشق، المجلد19 العدد(1-2) 2003م.

رابعا / مقالات ودراسات منشورة بالمواقع الألكترونيّة
أ- الموقع الألكتروني الشخصي للناقد د. حاتم الصكر  www.halsager.com

  • حاتم الصكر: احتفاءً بالشعر.

*ــــــــــــــ: أربعة عقود مرّت على غياب صاحب ( أنشودة المطر).. مزيد من الأسئلة الإشكالية حول شعر السياب.
*ــــــــــــــــ: أشخاص الترك .
*ــــــــــــــــ: الأفق الأدونيسي، أدباء نوبل، زمن مستقطع للرواية.
*ـــــــــــــــــ: الذي أخلص للنقد متجاوزا أسوار الأكاديمية، مساهمة في تكريم الدكتور عبد الرضا علي.
*ــــــــــــــــــ: انزياحات الربيعي في احتدام الوقائع.
*ــــــــــــــــــ: الأوائل والأواخر.
*ــــــــــــــــــ: أية شمس، أي شجر، وأين البيت؟
*ــــــــــــــــــ: بعض مشكلات توصيل الشعر.
*ــــــــــــــــــ: حطام الأميرات.
*ــــــــــــــــــ: حقّ التأويل وحدوده.
*ــــــــــــــــــ: سؤال قديم جديد، الناقد هو المتلقي
*ــــــــــــــــــ: سيرة ذاتيّة.
*ـــــــــــــــــــ: الصورة البصرية الجديدة، مأزق المتشابه في الفن الراهن.
*ــــــــــــــــــ: صورة صندوق .
*ـــــــــــــــــ: في جدوى القراءة الاستعاديّة، مقترح
*ـــــــــــــــــ: قراءة المقترح الأدونيسي، الشيفرة والدال السير ذاتي.
*ــــــــــــــــ: قصيدة الشعر
*ــــــــــــــــ: القصيدة في بيت الذاكرة  .
*ـــــــــــــــ: متلقّي النص وساعي البريد.
*ـــــــــــــــ: مع الماغوط، الرازحي، تحريم الشطرنج ووجوه المقرمي الرصاصيّة
*ــــــــــــــــ: مع غراس ومترجميه، عناد غزوان، عزلة القانط.
*ـــــــــــــــــ: مع والت ويتمان، أغنية نفسي.
*ــــــــــــــــ: من التنبؤ إلى التأمل…الخيال العلمي واليوتوبيات المضادة.
*ـــــــــــــــــ: من جمهور الشعر الى متلقي القصيدة .
*ــــــــــــــــــ: موضع التعجّب.
*ــــــــــــــــــ: النقد في فضاء التشكيك والإقصاء المعرفي.
*ـــــــــــــــــ: هل ينبغي إحراق ألف ليلة وليلة؟
ب – مواقع أخرى

  • http://www.anaweeen.net/ind أحمد زين: العراقي حاتم الصكر يضيء الوجه الآخر للأدب اليمني الجديد مجلة عناوين ثقافيّة .
  • http://www.alittihad.ae/detail حاتم الصكر: مقال ثنائيات الاتّباع والإبداع في الثابت والمتحول لأدونيس، موقع مجلة اتّحاد الكتّاب المغاربة
  • ـ حاتم الصكر: الرؤية الاجتماعية في قصص زيد مطيع دماج تطبيق نقدي على قصة (المجنون)، دمّاج نت http://www.dammaj.net/index.html
  • www.nabanews.net/2009/.htm ميسون الأرياني: هكذا رحل الصكر عن اليمن

خامسا / حـــــــــــوارات ومقابـــــــــلات
أ-حوارات منشورة بالدوريات

  • حاتم الصكر: الأجناس الأدبية لا تتصارع وهذا سبب رفضي لمقولة (زمن الرواية) حوار أجراه: خالد بيومي، جريدة روز اليوسف المصرية في 23/7/2013م
  • حاتم الصكر: الستينيات أزهى مراحل الثقافة العراقية، حوار أجراه أحمد الواصل، جريدة الرياض السعوديّة، ثقافة الخميس،3 نوفمبر،2011م .
  • صواب المنهج يلبّي حاجة الرؤية الحداثيّة، حوار أجراه : علي محمد ياسين مع حاتم الصكر، جريدة الزمان، العدد3856في 27 آذار 2011.
  • حاتم الصكر: قدر الشعر والفنون الأخرى أنها نخبوية، حوار أجراه: عدنان الهلالي، الملحق الثقافي جريدة السفير، بيروت، الخميس 21/6/2012م.
  • حاتم الصكر: الكتابة اللامنهجيّة تعليق على النص وشرح له، حوار أجرته معه: مجلة الف باء، بغداد، العدد 1106 في 6/12/1989م.
  • لقاء مع حاتم الصكر، أجراه : خالد الهروجي، مجلة المجلة، لندن، 2002م.
  • حاتم الصكر: الناقد لم يعدْ قاضيا، والنصوص تأكيد للطاقة المجازية للغة، حوار أجرته معه خلود الفلاح، جريدة العرب، لندن، الأربعاء 14/10/2007م.
  • حاتم الصكر: النقد يضيء ويعدل مناظير القراءة وليس خادماً أو تابعاً للنصوص، حوار أجراه محمد الحمامصي، جريدة السفير، العدد10894 بتاريخ 11/1/2008م.
  • الناقد حاتم الصكر يجد متعة في الرحلة النقديّة المعاكسة، حوار أجراه الشاعر: عبد الرزاق الربيعي، جريدة الزمان العدد 1544 في 30/6/2003م.
  • وجها لوجه،حاتم الصكر والشاعر علي المقري، مجلة العربي الكويتيّة، اكتوبر2008م.
  • حوار مع الناقد حاتم الصكر، أجراه: أحمد المصلح، مجلة عمان، الأردن، العدد 47، لسنة 1999م.

ب- حوارات منشورة في المواقع الألكترونيّة

  • إجابات تنتظر المساءلة، حوار مع الصكر أجرته: عبير يونس، لصفحة (ثقافة) جريدة البيان ، دبي، شتاء 2007 م http://www.albayan.
  • حاتم الصكر: الأدب الصهيوني يجب أن يدرّس واغتيال المثقفين العراقيين إرهاب فكري، حوار أجراه: محمد السيد، وكالة أنباء الشعر، اليمن http://www.alapn.com/index
  • حاتم الصكر: الوزن ليس مقترحا نهائيا لكتابة القصيدة.. والشعرية العراقية خصبة ولود، حوار أجراه: عمر عناز لوكالة أنباء الشعر بتاريخ 24/4/2012م. ttp://www.alapn.com/index
  • حاتم الصكر: ردم الهوّة بين الثقافتين العربية والكرديّة في العراق يقع على مسؤوليّة مثقفي القوميتين، حوار أجراه سردار زنكنة لوكالة أنباء كوردستان، http://www.aknews.com/ar
  • حاتم الصكر: ليس في كتابة الشعر نصائح ولا تعاليم، حوار أجرته منى كريم عبر الأنترنت، منشور على موقع إيلاف http://www.elaph.com
  • الشعر يفاجئ ويتحدى معجزة الأحياء والقيامة، حوار أجراه:

الشاعر حميد العقابي مع حاتم الصكر مجلة نصوص اللكترونيّة  www.nossos.net/2006/index-

  • موقع ملتقى مدد يحاور حاتم الصكر http://mdaad.com/vp
  • حوار مع حاتم الصكر، أجراه: سردار زنكنة ، كانون الثاني 2009 م  موقع الكاتب العراقي. http://iraqiwriter.com/iraqiwriter
  • حاتم الصكر: قصيدة النثر لا تحتاج الى فرمان من مسابقة أمير الشعراء، حوار أجراه ياسر العرامي لصحيفة الهدهد الألكترونيّة hdhod.com

ج – مقابلات وحوارات شخصيّة

  • مقابلة شخصيّة أجراها الباحث مع د. محمد صابر عبيد بتاريخ 11/9/2011م.
  • حوار شخصي أجراه الباحث مع د. حاتم الصكر عبر البريد الألكتروني بتاريخ 1/12 /2011م .

 
([1]) للاستزادة بالحديث عن صعوبة تحديد مدلولات الخطاب ينظر، مثلا، سارة ميلز: الخطاب، ترجمة: غريب إسكندر، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1 ، 2012م، ص 46 وما بعدها .
([2]) للوقوف على ذلك ينظر مثلا :

  • أحمد عدنان حمدي الوتّار: الخطاب النقدي عند عبد العزيز حمودة، دراسة في المنهج والنظرية، أطروحة دكتوراه مقدّمة إلى كليّة الآداب، جامعة الموصل، 2006م، ص7 وما بعدها .
  • ورقاء يحيى قاسم حياوي المعاضيدي: الخطاب النقدي عند مصطفى ناصف، كتاب بعد الحداثة، أنموذجاً، أطروحة دكتوراه مقدّمة إلى كليّة الآداب، جامعة الموصل، 2006م ، ص11 وما بعدها .

([3]) ينظر، روبرت دي بروجراند: النص والخطاب والإجراء، ترجمة د. تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة،ط1 1997م، ص6 .
([4]) ينظر، عبد الله إبراهيم: الثقافة العربيّة والمرجعيات المستعارة، الدار العربيّة للعلوم- ناشرون، بيروت، ط1، 2010م، ص 142.
([5]) د. شكري عزيز الماضي: الخطاب النقدي وإشكالية العلاقة بين الذات والآخر، مصدر سابق، ص 16.  
([6]) ينظر، محمود أمين العالم: الجذور المعرفيّة والفلسفيّة للنقد الأدبي العربي الحديث والمعاصر ضمن كتاب الفلسفة العربيّة المعاصرة ( مواقف ودراسات ) بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الذي نظّمته الجامعة الأردنيّـة، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1988م، ص75ٍ .
([7]) ينظر، مثلا، مقدمة كتابه ما لا تؤديه الصفة، مصدر سابق، وينظر، أيضا، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([8]) ينظر، مثلا، مقاله: النقد في فضاء التشكيك والإقصاء المعرفي، الموقع الشخصي، مصدر سابق .
([9]) ينظر، المصدر نفسه.
([10])  د. محمد صابر عبيد: مقابلة شخصيّة أجراها الباحث معه بتاريخ 11/9/2011م.
([11]) ينظر، حاتم الصكر: حداثة التراث، تراث الحداثة، الموضوعيّة والعضويّة، درة الأعشى ، مجلة الأقلام ، العدد ،6 ،7 ، 8 لسنة 1994 ، ص43 .
([12]) نفسه، والصفحة نفسها .
([13])حداثة التراث، تراث الحداثة، مصدر سابق، ص42 .
([14]) حاتم الصكر: الحداثة والتراث، التهام النقيض، جريدة القدس العربي، لندن، بتاريخ 18/7/ 1993م .
([15]) حداثة التراث، تراث الحداثة، مصدر سابق، ص43 .
([16]) حاتم الصكر: الأصابع في موقد الشعر، دار الشؤون الثقافيّة، بغداد ، ط1 1986 ، ص8 .
([17]) ينظر، نفسه، ص9 .
([18]) ينظر تفصيلات ذلك في كتابه، البئر والعسل، ص11 وما بعدها .
([19]) د. نادية هناوي سعدون الكعبي: مرجعيات الناقد البنيوي في العراق (الملامح والموجّهات ) ضمن كتاب: المرجعيات في النقد والأدب واللغة، مؤتمر النقد الدولي الثالث عشر 27 ـ 29 تموز 2010م، إشراف وتحرير: ماجد الجعافرة وأمجد طلافحة، عالم الكتب الحديث، عمان – الأردن ط1، 2011 م ، ج2 ، ص 141.
([20]) ينظر، د. نادية هناوي سعدون الكعبي: مرجعيات الناقد البنيوي في العراق،  مصدر سابق، ص 140.
([21]) المصدر نفسه، ص141.
([22]) هناك أدلّة كثيرة في خطاب الصكر النقدي على اهتمامه بالتنظير إذا دعته ضرورة لذلك، فالناقد  يذهب – مثلا – من خلال تمهيده الذي يهيء فيه لرسالته للماجستير التي نشرت عبر كتابه (ترويض النص 1998) إلى أن التحليل لا يعني إقصاء التصوّر النظري أو إغفاله؛  فغياب النظرية يجعل التحليل مرتجلاً وخالياً من الهدف النقدي، ثم لا يلبث أن يعقد بعد ذلك فصلا كاملا يحدد فيه الضوابط النظريّة لعمليّة تحليل النصوص والأصول المعرفيّة لتلك الضوابط… ينظر، حاتم الصكر: ترويض النص، دراسة للتحليل النصي في النقد المعاصر- إجراءات ومنهجيّات – الهيأة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1998، ص 7 وما بعدها، وينظر ااأيضا، ص27 وما بعدها من المصدر نفسه.
أيضا ، ص 37 وما بعدها من المصدر نفسه، ويفعل الصكر الأمر ذاته في أطروحته للدكتوراه التي تقصّى فيها التمظهرات السرديّة في القصيدة العربيّة الحديثة عبر أنواع من تشكّلات وأنماط نوعيّة بعضها جديد على الكتابة الشعريّة العربيّة كقصيدة المرايا وقصيدة السيرة، وقد نشرت فيما بعد بعنوان ( مرايا نرسيس – الأنماط النوعيّة والتشكيلات البنائيّة لقصيدة السرد الحديثة) مقدِّما لها بمدخل نظري مطوّل حول القص في الشعر العربي القديم وبدايات النزوع السردي، وإمكانات توسّع الشكل الشعري لآليّات السرد وعناصره انطلاقا من فرضيّة توسّع الأجناس والأنواع الأدبيّة وانفتاحها، ينظر، مرايا نرسيس، مصدر سابق، ص 15 وما بعدها .
([23]) ينظر، الناقد حاتم الصكر يجد متعة في الرحلة النقديّة المعاكسة، حوار أجراه الشاعر: عبد الرزاق الربيعي، جريدة الزمان العدد 1544 في 30/6/2003م.
([24]) ما لا تؤديه الصفة، مصدر سابق، ص133.
([25]) ما لا تؤديه الصفة، مصدر سابق، ص133
([26]) ينظر، نفسه، ص140 .
(1) نفسه، ص 6.
([28]) وجها لوجه، حاتم الصكر والشاعر علي المقري، مجلة العربي الكويتيّة، اكتوبر2008م، ص48.
([29]) للوقوف على الأسباب الداعية إلى عجز النقد العربي القديم برأي الصكر عن مواكبة الحياة الأدبيّة المعاصرة ينظر مقاله: المنهج تحديّا.. المنهج اختيارا، مجلة الأقلام،العدد5، السنة21،1986م، ص66وما بعدها .
([30]) ينظر، الناقد حاتم الصكر يجد متعة في الرحلة النقديّة المعاكسة ، مصدر سابق .
([31]) ينظر، ما لا تؤديه الصفة، ص6.
([32]) ينظر، حاتم الصكر: الحداثة والتراث، التهام النقيض، مصدر سابق .
([33]) د. شجاع العاني: قراءات في الأدب والنقد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1999م،ص233 .
([34]) ينظر مثلا، الأصابع في موقد الشعر، ص59 وما بعدها، وينظر، أيضا، ص 69 وما بعدها .
([35]) ينظر، مواجهات الصوت القادم ص121، إذ يقترح الناقد على نص الشاعر صاحب الشاهر إبدال كلمة (يتبنّى) بكلمة أخرى أكثر انسجاما وسياق المقطع الشعري الذي وردت فيه.
([36]) ينظر، مواجهات الصوت القادم ، ص79-80 .
([37]) نفسه، ص 10 .
([38]) ينظر، حاتم الصكر: الشعر والتوصيل، مصدر سابق، ص55 .
([39]).نفسه، ص55 .
(([40] نفسه ، ص 56 .
([41]) ينظر، نفسه، ص 58 وما بعدها.
([42]) الأصابع في موقد الشعر ، ص36 .
([43]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص 37 وما بعدها.  
([44]) من الممكن أن نعدّ  أطروحة حاتم الصكر للدكتوراه والمطبوعة بعنوان ( مرايا نرسيس الأنماط النوعيّة والتشكيلات البنائيّة لقصيدة السرد الحديثة) وكذلك كتابه ( في غيبوبة الذكرى ) تتويجا لهذا الجهد الذي ابتدأه في كتابه ما لا تؤديه الصفة . 
([45]) نقلا عن عبد السلام بنعبد العالي: أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مجاوزة الميتافيزيقا، دار توبقال، المغرب  1988م، ص108 .
([46]) ربما لا يسمح لنا المجال هنا للحديث عن القطيعة بمعناها ( الإبستيمولوجي)، وذلك لأن هناك استمرارية واضحة الانتشار ظلت حاضرة في مساهمات حاتم الصكر النقديّة -رغم تسخير منجزات الآخر-  وهي استمراريّة مذكّرة بالأصول والثوابت والهوية، وما الى ذلك من الحيثيّات الجوهريّة التي تؤطّر آليّة عمله النقدي الذي يتحدّث عن حضور الجرجاني ناقدا بالدرجة نفسها التي يتحدّث فيها عن المتنبي شاعرا؛ تشكّل نصوصه مَعْلَما بارزا في جغرافية النصوص العربيّة الحديثة، كما هو الحال لنصوص كتّاب آخرين ومفكرين معروفين كالنفرّي وابن المقفّع والجاحظ وابن عربي وغيرهم، من الشخصيات التراثيّة التي أخذت حيّزا ملحوظا في الاهتمام النقدي والفكري في مجمل خطابه النقدي في شقّه التطبيقيٍ.
([47]) حاتم الصكر حوار شخصي مع الباحث بتاريخ 1/12 /2011م .
([48]) ما لا تؤدّيه الصفة، مصدر سابق، ص 7
([49]) ينظر، مقدمة كتابه ما لا تؤديه الصفة، وقد كانت بعض فصول كتابه هذا عبارة عن مجموعة حوارات معرفيّة مع منهجيّات الآخر وطرائقه في قراءة النصوص وتحليلها.
([50]) ينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق
([51]) ما لا تؤديه الصفة ، ص5 .
([52]) ، ينظر، محمد الدغمومي : نقد النقد وتنظير النقد العربي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة، الرباط، ط 1، 1999م، ص91 .
([53]) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها .
([54]) نفسه .
([55]) ينظر، د. شكري عزيز ماضي: من إشكاليّات النقد العربي الجديد، مصدر سابق ، ص47. .
 
 
([56]) ينظر، عملية القراءة من مقترب ظاهراتي، ضمن كتاب نقد استجابة القارئ تحرير: تومبكنز، ترجمة: حسن ناظم، علي حاكم، مراجعة وتقديم : د. محمد جواد الموسوي، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة ، 1999م، ص 113. 
([57]) ينظر، سماح رافع محمد : الفينومينولوجيا عند هوسرل – دراسة نقديّة في التجديد الفلسفي المعاصر- دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد ،1991م، ص 92
([58]) د. ضياء خضير: ثنائيّات مقارنة، أبحاث ودراسات في الأدب المقارن، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، ط3، 2013م، ص15 .
([59]) للاستزادة بذلك ينظر، روبرت سي هولب: نظريّة الاستقبال، مقدمة نظريّة، ترجمة: رعد عبد الجليل جواد، دار الحوار، حلب، ط1، 1992م، ص 18وما بعدها .
* الظاهراتيّة: نظرية تقصر المعرفة على الظاهرات فقط، وتقول: إنّها هي وحدها الحقائق، وتعود الظاهراتيّة إلى هوسرل مقترحة الاهتمام بالكيفيّة التي ينجز بها العمل وفقا لوصف البنيات التي تصف الخاصيّات التي تمتلكها الموضوعات عند ظهورها وليس وفقا للتكوين الطبيعي (الفيزياوي) لتلك الموضوعات، ويستفيد التحليل الأدبي من الظاهراتيّة، بما تلحّ عليه من مقصديّة وحدس في الانتاج، وقد لعبت الظاهراتية دورا خاصّا في التأويل الأدبي، ينظر للاستزادة، هتشنسون: معجم الأفكار والأعلام، ترجمة: خالد أرشد الجيوسي، مراجعة : رانية نادر، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2007م ص 299. وينظر، سعيد علوش: معجم المصطلحات الأدبيّة المعاصرة، عرض وتقديم وترجمة، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1985، ص142.
*القراءة:  هي فك (كود) الخبر المكتوب ، وتأويل نصّ أدبي ما ، أو هي تشغيل مجموعة معيّنة من عمليات التحليل، وتطبيقها على نص مُعطى، وتقدّم القراءة نفسها كإنتاج مقابل للوصف أو الشرح الكلاسيكي للنص الادبي، إنها قراءة لاشتغال النص، أي للعمليات التي تؤسسه نصّا أدبيّا، ينظر، سعيد علّوش: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، مصدر سابق، ص175.
*كونستانس: هي الجامعة الألمانيّة التي درّس بها كلّ من ياوس وآيزر، وقد كانت بؤرة نظريّة التلقّي، وكان كثير من المنخرطين في هذه الحركة النقديّة ينتمون إلى هذه الجامعة، سواء أكانوا أساتذة أم خريجين أم مشاركين في الندوات والمؤتمرات العلميّة التي تعقدها الجامعة بشكل دوري.
([60]) ينظر، ترويض النص، ص 36 وما بعدها إذ يقدّم الناقد عرضا وافيا لنظرية النص في المدارس والاتجاهات المختلفة مجملا الصفات العامة للنص في ص 42  بالآتي: أ- النص بنية ب- مركبة العناصر ج- موحّدة، بمعنى منضمّة إلى بعضها د- كليّة يتكامل بعضها مع بعض هـ- متجانسة ومتسّقة ضمن نظام توزيعي خاص تتكفّل القراءة والتحليل بكشفه و- ذات أفق دلالي تؤدّي إليه المستويات المتعددة للبنية …. .
([61]) يذكر الصكر في هذا الخصوص أنّه يقوم أثناء قراءته لبعض النصوص الجديرة بالقراءة بـ ( مسح نصّي ) لمتابعة الدلالات المحتملة، وقد سببت له مثل هذه النصوص الأدبيّة عناء طويلا وكدّا ذهنيّا ربّما استمرّ سنوات طويلة، ممّا يدلل على أنّ الصكر كان يعاني معاناة كمعاناة المبدع في تلقّيه لبعض النصوص الإبداعّة وفي إعادة إنتاجه لها ….ينظر للاستزادة بذلك : قراءته لقصيدة ( صيحة الجرار ) للشاعر حسب الشيخ جعفر في كتابه البئر والعسل، ص 135  وما بعدها …
([62]) ينظر، ترويض النص، ص 146 وما بعدها .
([63]) ينظر، د. محمود عباس عبد الواحد: قراءة النص وجماليات التلقي بين المذاهب النقديّة الحديثة وتراثنا النقدي- دراسة مقارنة- دار الفكر العربي، بيروت، د.ت ، ص 17- 18 .
([64]) ترويض النص ، ص7 .
([65])هانز. جيورج جادامر: تجلّي الجميل ومقالات أخرى، تحرير روبرت برناسكوني، ترجمة ودراسة وشرح: د. سعيد توفيق، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 1997م، ص12.
([66])حاتم الصكر: قصيدة النثر والشعريّة العربيّة الجديدة، من اشتراطات القصد إلى قراءة الأثر، مجلة فصول  المجلد 15، العدد 3خريف 1996م، ج2،ص78.
([67]) للاستزادة بذلك ينظر مثلا، كتابة الذات، ص 7وما بعدها، وينظر، كتابه: في غيبوبة الذكرى، ص109 وما بعدها.
([68]) ترويض النص، ص 52 .
([69]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، إذ يجد الصكر ذلك النص الباعث على اللذة والدهشة كافيا ( لخلق الشعور بـ (القلق) عند القراءة والارتباك لدى القارئ في افتراض قراءة متفاعلة مع النص، لعلّها هي القراءة التي يسعى نقاد الشعر اليوم لإنجازها ليعيدوا للنص وجوده الافتراضي وهيأته الممكنة التي لا تتحقق إلا بتسليط قوة التأويل على المقروء والغوص في طياته أو طبقاته الكامنة وراء سطحه) ص 186. ويظهر أثر رولان بارت الذي يحيل عليه الناقد إحالات حذرة ابتداء من كتابه الأول (الأصابع في موقد الشعر) لاسيما فيما يتعلّق بموضوع ( لذة القراءة ) ، وربّما يقف المحمول الإيروتيكي للذة عند بارت سببا في ذلك الحذر، إذ إننا سنجد قدرا من الحريّة – فيما بعد – وتزايدا لافتا لإحالاته على (بارت) في دراساته التالية كـ(ترويض النص) مثلا…
وقد ارتبط مفهوم اللذة بـ(بارت ) وعرف به وإن كانت مفاهيمها قديمة ترجع إلى (الأبيقوريّة) وإلى ( ديدرو) وإلى (فرويد) وغيرهم، وكان رولان بارت يبدي إعجابه الشديد بـ( بريخت ) الذي عرّفه بها إلى جانب (باشلار) …للاستزادة بذلك، ينظر، عمر أوكان : النص أو مغامرة الكتابة لدى بارت، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء – المغرب، 1991م، ص41 .
([70])  للاستزادة في ذلك ينظر، مثلا، قراءته لنص أنسي الحاج: فتاة فراشة فتاة، في كتابه: حلم الفراشة، ص 64وما بعدها، وينظر أيضا قراءته لنص محمد الماغوط: أغنية لباب توما، ص 45وما بعدها، وينظر قراءته لقصيدة خطة القصيرة لأنسي الحاج في المصدر نفسه، ص48 وما بعدها.
([71])  ينظر، أمبرتو إيكو: الأثر المفتوح، ترجمة : عبد الرحمن بو علي، دار الحوار، اللاذقيّة – سوريا، ط2، 2001م، ص 38 وما بعدها .
([72]) ينظر، كتابة الذات، ص 312 .
([73]) ينظر، المصد نفسه، ص 311 وما بعدها، حيث يقرأ الصكر قصيدة الشاعر سامي مهدي ( حنجرة طريّة) انطلاقا من بنية عنوانها بالرغم من تصريح الشاعر وإعلانه عنه بأنّه: (عنوان بريء وبلا نوايا) لكن الناقد وجد فيه مفتاحا تأويليا  بعد أن صمت عنه النص، ونفى دوره وقيمتَه مبدعُ النص ذاتُه، في حين أمسك الناقد بتلابيبه آخذا بنظر الاعتبار كونه عنوانا للديوان لا للقصيدة فحسب، مرجّحا أن قصد الشاعر يتخفّى لا شعوريا وراء تسمية الديوان كلّه بـ( حنجرة طريّة) قارئا النص وفق هذا الموجّه بعد استجماع المبررات والقرائن التي تدعم قراءته، بالرغم من موقف الشاعر صاحب النص الذي يسير في اتجاه آخر غير ما رآه الناقد.
([74]) البئر والعسل، ص 9 .
([75]) ينظر، حلم الفراشة، ص 64وما بعدها حيث يقرأ الصكر نص ( فتاة فراشة فتاة) لأنسي الحاج ضافرا منه بظلال جنسيّة ونفسيّة عديدة، ربما لم تدر حتى في خلد الشاعر ذاته .
([76]) ينظر، هل ينبغي إحراق ألف ليلة وليلة؟ الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق . وينظر أيضا، من التنبؤ إلى التأمل…الخيال العلمي واليوتوبيات المضادة، المصدر نفسه. وينظر، مع الماغوط، الرازحي: تحريم الشطرنج ووجوه المقرمي الرصاصيّة، المصدر نفسه .
([77]) ينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق
([78]) ينظر، مقاله: سؤال قديم جديد، الناقد هو المتلقي؟ الموقع الشخصي، مصدر سابق .
([79]) ينظر، مقدمة كتابه: كتابة الذات، ص 10 وما بعدها، وينظر، مقاله: الممارسة النقديّة من النص إلى القارئ، مدخل أوّلي عن بعض موجّهات القراءة، مجلة الأقلام، مصدر سابق، ص 49 . وينظر، مقاله: سؤال قديم جديد، الناقد هو المتلقي؟ الموقع الشخصي، مصدر سابق .
([80]) ينظر، مقدمة كتابه: كتابة الذات، ص 8 ، وينظر، حاتم الصكر: الممارسة النقديّة من النص إلى القارئ، مدخل أوّلي عن بعض موجّهات القراءة، مجلة الأقلام، العدد11-12   1993م، ص 49 .
([81]) ينظر، ترويض النص، ص31.
([82]) ينظر، حاتم الصكر: متلقّي النص وساعي البريد، الموقع الشخصي، مصدر سابق
([83]) ينظر، د. خليل شيرزاد علي السوره ميري: الشّعراء النقّاد، تطوّر الرؤيا في الخطاب النقدي العراقي الحديث، الشعراء الستينيّون أنموذجاً، أطروحة دكتوراه، جامعة بغداد، كلية التربيّة، 2009م، ص 131 .
([84])  للوقوف على ذلك، ينظر، فصول كتابه ( البئر والعسل ) إذ تجاوزت  قراءاته الموجودة في هذا الكتاب شرح النص أو تفسيره لتصير تأويلا، وصرفا لما يحتمله الكلام من المعاني والدلالات، متجاوزة المؤلف ومراده أو المعنى واحتمالاته، لتكون في النهاية تفكيكا للبنى والآليّات التي أسهمت في تشكيل النص المقروء وإنتاج المعنى، أي أن القراءة في هذا الكتاب تجاوزت ما تدلّ عليه بنى النص ولغته، ومقصود المؤلف ومراده فشرعت في النص مفكّكة ومركّبة لتخرج بدلالات تتجاوز آليّات النص ولغته ومؤلفه. ومن هنا كانت الكتابة الناتجة عن القراءة إبداعا، لأنّها ترى أنّ لها الحريّة في استنطاق الصّمت والمسكوت عنه (دراسته المعنونة: الكأس والنص، ص 12 وما بعدها ) ولها الأهليّة والقدرة في الإحالة على المرجعيّات ( دراسته الموسومة: الراعي والجرّة،  الحكاية منظومة، ص 133 وما بعدها ) وسوى ذلك. فالكتابة / القراءة  على هذا النحو فتح مستمر لسجّلات الكتابة الأولى ( الإبداعيّة )، لا على سبيل التّعرية والانتقاد، وإنّما على سبيل الإثراء والتكميل إذ إنّ القراءة ليست مجرّد بحث عن معنى ما داخل النص، وإنّما هي مجال مفتوح لما يمكن أن يضيفه القارئ للنص ممّا لم يكن متضمّنا فيه .
([85])علي حسن الفواز، وظائفـيــّة النــاقــد الاجرائي، جريدة الزمان،  العدد 2235 ، بتاريخ 10 / 10/2005      
([86]) للوقوف على ذلك ، ينظر، مثلا مجموعة من قراءاته الحرّة التي تضمّنها كتابه: البئر والعسل، ص 13 وما بعدها .
([87]) ينظر، صواب المنهج يلبّي حاجة الرؤية الحداثيّة، مصدر سابق .
([88]) ينظر، علي محمد ياسين: حاتم الصكر قارئا للنص الشعري، صيحة الجرار في كتاب البئر والعسل مثالا، مجلة كلية العلوم الإسلاميّة، جامعة كربلاء، السنة الثانية، العدد الثالث، آذار،2011م، ص324.
([89]) ينظر ص  16من التمهيد .
([90]) ينظر، حواره مع مجلة اليمامة السعوديّة، مصدر سابق .
([91]) د . رشيدة التريكي: الجماليّات وسؤال المعنى، ترجمة وتقديم: إبراهيم العمري، الدار المتوسطيّة للنشر، بيروت – تونس، ط1، 2009م، ص 11 .
([92])ينظر، ما لا تؤديه الصفة، ص 21.
([93]) ينظر، عبد العزيز جسوس: إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر، مطبعة الداوديات، مراكش، ط1 2007 م ص 87.
([94]) المصدر نفسه ، ص 83 .
([95]) ينظر، عبد العزيز جسوس: إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر، مصدر سابق، ص 86- 87 .
([96]) ينظر، د. إبراهيم محمود خليل: النقد الأدبي من المحاكاة إلى التفكيك، دار المسيرة، عمان- الأردن، ط2 2007م، ص98 .
([97]) ينظر، د. سامي عبابنة: اتجاهات النقاد العرب في قراءة النص الشعري الحديث، عالم الكتب الحديث، عمان، الاردن، ط2،2010م ص195
([98]) ينظر، صواب المنهج يلبي حاجة الرؤية الحداثيّة، حواره بجريدة الزمان، مصدر سابق .
([99]) ينظر، د. شجاع العاني، قراءات في الأدب والنقد، مصدر سابق، ص236 .   
([100]) سعى جاكوبسون ضمن اهتماماته العامة إلى وضع أسس علميّة للأدب من خلال الكشف عن خصوصيّة اللغة الأدبيّة في نظريّته المعروفة عن التواصل التي ركّز فيها على الوظيفة الشعريّة بوصفها الميزة الأساسيّة للغة الأدبيّة، للوقوف على ذلك، ينظر، رومان جاكوبسون: قضايا الشعريّة، ترجمة: محمّد الولي ومبارك حنون، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1988م، ص27-33، حيث ترد الخطاطة كما وضّحها المؤلف مع شروح وافية حول وظائفها .
([101]) الشعر والتوصيل، مصدر سابق، ص7.
([102]) نفسه، والصفحة نفسها .
([103]) ينظر، الشعر والتوصيل، ص 7 .
([104]) نفسه، ص 52- 53 .
([105]) أ. د . حفناوي بعلي : قراءة في نصوص الحداثة وما بعدها، دروب للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2011م، ص 69.
([106]) ما لا تؤديه الصفة، ص 107.
([107]) نفسه، ص 107 – 109.
([108]) سبقنا في الإشارة إلى ذلك محمد دكروب في كتابه: تساؤلات أمام الحداثة والواقعيّة في النقد العربي، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1 ، 2001 م، ص 15 .
([109]) ينظر، ما لا تؤدّيه الصفة، ص 109 .
([110])  ينظر، نفسه، ص112، وما بعدها، إذ يحيل الناقد حاتم الصكر- مثلا – على الاعتراضات الساذجة التي جوبهت بها قصيدة أخرى لمحمود درويش هي ( عابرون في كلام عابر) من قبل أدباء صهاينة عابوا ارتكازها على ضمير المتكلمين وعدّوه علامة على الشعر القومي الرديء وافتراقا عن ( أنا ) الشاعر التي تخلق القصيدة، وهي لا غنى للشعر عنها.
([111]) ينظر الشهادة الشخصيّة التي يقدمها حاتم الصكر للباحث مرشد الزبيدي: اتجاهات نقد الشعر، مصدر سابق، ص61 .
([112]) ديفد ديتش : مناهج النقد الأدبي بين النظريّة والتطبيق، ترجمة: د. محمد يوسف نجم، مراجعة: د. إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت، 1967م، ص 599.
([113]) ينظر، مثلا، تحليليه لقصيدة (غياب الشاشة ) لمحمود البريكان اعتمادا على ثنائية الماضي/ الحاضر، في غيبوبة الذكرى، ص 189 وما بعدها، واعتماده على ثنائيّة الفضائي والأرضي في قراءته لدلالة عنوان ديوان سامي مهدي ( حنجرة طرية ) في مبحثه: حنجرة طريّة لسامي مهدي، تقاطعات النسق والسياق، ضمن كتابه: كتابة الذات، ص 311 وما بعدها، فضلا عن اعتماده على ثنائيّة الصحو والحلم في تحليله لنص أنسي الحاج الموسوم ( فتاة فراشة فتاة ) ضمن كتابه حلم الفراشة ص 65 وما بعدها .
([114]) ينظر مثلا ، دراسته: ظلام الضياء، البردوني في قراءة نصيّة، مجلة العربي الكويتيّة، ملف عبد الله البردوني، العدد621، أغسطس2010م، ص110 وما بعدها .
([115]) للاستزادة بذلك ينظر تحليله للبنية السردية في مطوّلات السياب الشعريّة ضمن كتابه: مرايا نرسيس، ص 202 وما بعدها . إذ يفصّل الناقد حاتم الصكر في صلة المتن بالمبنى الحكائي في قصيدة ( المومس العمياء ) منتهيا إلى أن المتن الحكائي أو الكيان التاريخي لقصة امرأة عربية الأصل اسمها ( سليمة = المومس العمياء ) قد فقدت ابنتها الصغيرة وبصرها في المبغى الذي يعرض عنها الزبائن فيه لأنها بلغت سن الأربعين، إنّ هذه الخلاصة المركّزة لما في المتن المروي ستخضع لضرورات المبنى الحكائي وحيله الفنيّة التي نصبها السيّاب حينما حوّل الحكاية ببعدها الواقعي إلى مبنى قصصي فنّي ( ورقي ) وهنا يفيد الصكر مما نوّه إليه الشكلانيون الروس ثمّ رولان بارت من بعدهم في كتابه ( درس السيميولوجيا ) حينما ذهب إلى أن الشخصيّة في القص إنّما تتألف فقط من الجمل التي تصفها والتي وضعها المؤلف على لسانها، وهي بالنتيجة ليست إلّا شخصيّة من ورق أو كائنا من ورق إن صحّ التعبير، وهو ما يقود إلى محصلة كون الحياة ليست مصدر الحكايات وأصلها، وإنّما هي حكاية أخرى تنافس العمل والأثر، أي أنّ هناك انعكاسا للأثر على الحياة، لا العكس من ذلك…ينظر للاستزادة بذلك، رولان بارت: درس السيميولوجيا، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الرباط، ط2، 1986م ، ص 64.
([116]) ينظر للاستزادة ، مرايا نرسيس لاسيّما في بابيه الأول والثاني، ص 71 وما بعدها، ص 179 وما بعدها .
([117]) ينظر، علي محمد ياسين: حاتم الصكر قارئا للنص الشعري، مصدر سابق ص 332.
([118])  ما لا تؤدّيه الصفة ، ص23.
([119]) ينظر، نفسه، ص18.
([120]) ينظر، حاتم الصكر: حلم الفراشة- الإيقاع والخصائص النصية في قصيدة النثر- دار أزمنة، عمان، ط2  2010 م، ص68 وما بعدها، وينظر، تحليله لقصيدة مالك بن الريب، ما لا تؤديه الصفة، ص24 وما بعدها.
([121]) ينظر، ما لا تؤدّيه الصفة، ص12 .
([122]) ينظر، حاتم الصكر : صياغة الألم، استنتاجات أسلوبيّة من ديوان (كزهر اللوز أو أبعد) جريدة القدس العربي اللندنيّة، الملحق الخاص بمحمود درويش، بتاريخ 20/9/2008م .
([123])ينظر، محمد الماغوط: دراما الحلم والرعب والحرية في كتابه قصائد في الذاكرة، ص 109 وما بعدها.
([124]) ينظر، دراسته لقصيدة نازك الملائكة(أنا) في كتابه : كتابة الذات، ص247 وما بعدها .
([125]) ينظر، دراسته ( الأسلوبيّة وطاقات النص، علميّة الأسلوب وأسلوبيّة التقبّل) ضمن كتابه: ما لا تؤدّيه الصفة، ص8 وما بعدها .
([126])ينظر، ما لا تؤدّيه الصفة، ص11 .
([127]) نفسه، ص13 .
([128]) نفسه، ص14 .
([129]) ينظر، المنهج تحديّا، المنهج اختيارا، مصدر سابق، ص68 .
([130]) للاستزادة بهذا الموضوع ينظر مثلا، د. عباس ثابت حمود: الشعر العراقي في معايير النقد الأكاديمي العربي، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، ط1، 2010م، ص46وما بعدها… إذ لا يرد فيه للمنهج البنيوي وآلياته ذكر بين المناهج والأليّات التي وُظّفت لقراءة النص الشعري وتحليله في اتجاهات النقّاد ومناهجهم في العراق قبل ثمانينيّات القرن الماضي، والتي يستعرضها هذا الكتاب الذي كان أطروحة دكتوراه بالأصل.
([131]) ينظر، فاضل ثامر: اللغة الثانيّة، في إشكاليّة المنهج والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث، المركز الثقافي العربي، ط1، 1994م، ص 82 .
([132]) ينظر، حوار مع حاتم الصكر، أجراه سردار زنكنة، مصدر سابق، وينظر أيضا، حاتم الصكر: الستينيات أزهى مراحل الثقافة العراقية، حوار أجراه أحمد الواصل، جريدة الرياض السعوديّة، ثقافة الخميس،3 نوفمبر،2011م .
([133]) ينظر، سامي مهدي: الموجة الصاخبة، مصدر سابق، ص361.
([134]) ينظر، مقال حاتم الصكر : أية شمس ، مصدر سابق .
([135]) للوقوف على ذلك ينظر سعيد الغانمي: مئة عام من الفكر النقدي، الأصول الثقافيّة والمرجعيات الاتصالية للنقد الحديث في العراق، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1، 2001م، ص217 وما بعدها .
([136]) ينظر، السيد يسين: التحليل الاجتماعي للأدب، مكتبة مدبولي، القاهرة،  1992م، ص 9 .
([137]) ينظر، صلاح فضل: منهج الواقعيّة في الإبداع الأدبي، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1980، ص101.
([138]) ينظر، مواجهات الصوت القادم، ص 22.
([139]) المصدر نفسه ، ص26 .
([140]) ينظر، نفسه، ص 148 والناقد هنا يعلي من شأن قصيدة كمال سبتي، ظلّ وردة البحر، في حين يقلل من شأن قصيدة ليث الصندوق ص222 .
([141]) حاتم الصكر: في غيبوبة الذكرى-دراسات في قصيدة الحداثة-  كتاب دبي الثقافية، ديسمبر 2009م ص15-16 .
([142]) ينظر، مواجهات الصوت القادم، ص 194.
([143]) للوقوف على أبعاد النزعة الحرفيّة المتشدّدة عند هؤلاء النقّاد ينظر، مثلا، د. عبد الوهاب شعلان: المنهج الاجتماعي وتحوّلاته، من سلطة الأيديولوجيا إلى فضاء النص، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، ط1، 2008م، ص 129 وما بعدها .
([144]) ينظر، حاتم الصكر: كتابة الذات، دراسات في وقائعية الشعر، دار الشروق، عمان، ط1 1994م، ص 21 .
([145]) ينظر، نفسه، ص 17وما بعدها، إذ يسجّل الناقد مؤاخذاته على الشاعر الزهاوي بعد أن يحلل إحدى قصائده التي أراد أن يبثّ عبرها ضيقه بأهل بغداد – آنذاك- فلم يجد إلا قناع النبي (نوح) كما وردت قصته في القرآن الكريم حين أنذر قومه من الطوفان فوقع تحت ضغط هذه الواقعة الخارجيّة ( قصة نوح مع قومه ) محاولا إخراجها من متوالية الحياة التي دارت فيها إلا أنه جاء بها عبر مرجع أو مصدر أشد تسلطا عليه، فلم ينج من إطار القصة كما وردت في القرآن الكريم، فكانت قصيدته لا تعدو ان تكون نظما مكرورا وتضمينا باردا لعدّة أبيات من سورة (نوح) بسبب عدم قدرة الشاعر على الانفلات من سطوة المرجع المحال عليه، ولعلّ الناقد بذلك يريد أن يثبت أنّ الزهاوي لم يُعِد إنتاج الواقع وَفق وسائط لغوية وتخييلية خاصة به بوصفه مبدعا، مما سيميّز نصّه  الشعري تاليا، ويرتفع به عن واقعه ومرجعه فيمنحه هويته كإبداع وفن .
([146]) ينظر مثلا دراسته المعنونة ( الذكرى تلاعب النسيان، عن محمود البريكان في عوالمه المتداخلة) في كتابه: كتابة الذات، ص 231وما بعدها.
([147]) ترويض النص، ص32 .
([148]) حاتم الصكر: قصائد في الذاكرة – قراءات استعاديّة لنصوص شعريّة – كتاب مجلة دبي الثقافيّة، دبي 2011 م، ص 10 .
([149]) ينظر، نفسه ، ص 13 وما بعدها ، وربما تفصح عنوانات المباحث النقديّة التي اختارها الصكر إلى ما ذهبنا إليه، مثلا: ص 13 وما بعدها نزار قباني : خبز وحشيش وقمر، مواجهة مبكرة بالسلاح الأبيض!  و ص 47 وما بعدها ، نازك : مرضت مصر بالكوليرا.. فتعافت القصيدة، و ص 77 وما بعدها، خليل حاوي: طلقة قطعت (الجسر) بين شرقين! إلخ .
([150]) للاستزادة بآليّة الرؤية الاجتماعيّة في تحليل العمل الفني ينظر، مثلا، جان إيف تادييه : النقد الأدبي في القرن العشرين، ترجمة :  منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط1، 1994م،  ص127وما بعدها .
([151]) للوقوف على طبيعة تلك المعالجات ينظر، حاتم الصكر: الرؤية الاجتماعية في قصص زيد مطيع دماج تطبيق نقدي على قصة (المجنون)، دمّاج نت http://www.dammaj.net/index.html، وينظر أيضا، الرهينة : التأويل والسرد، المصدر نفسه .
([152]) ينظر، ترويض النص، ص  152 .
([153]) هناك من يفرّق بين مصطلحي النقد النفسي والنقد النفساني على اعتبار أنّ الأول يواجه النص الأدبي بوصفه عالما مشتملا على العواطف والانفعالات والأخيلة وهي من صميم الأعمال الأدبيّة ومكمن نجاحها أو إخفاقها، ومن هنا وجب ملاحظتها والاهتمام بها عند الدراسة، ولذا فجذور النقد النفسي ليست جديدة إذ تعود إلى أرسطو مرورا بالعصور التي تلته وصولا إلى القرن التاسع عشر وتحديدا في ثلثه الأول مع ظهور سيجموند  فرويد ( 1833- 1939 ) الذي طوّر طرقه في التحليل النفسي بالاعتماد على اللاوعي والغريزة الجنسية مما هيّأ لذلك التحليل الدخول لعالم الفن والأدب محاولا تفسير الإبداع و النص الأدبي ذاته بوسائل علميّة تعتمد التحليل النفسي الفرويدي الجديد، مما أسهم ذلك – تاليا – بشيوع مصطلح النقد النفساني، ينظر للاستزادة بذلك، على سبيل المثال، د. علي جواد الطاهر: مقدمة في النقد الأدبي، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، ط1 ، 1979م، ص423 وما بعدها .
([154]) حسين الواد: مناهج الدراسات الأدبيّة، سراس للنشر، الطبعة التونسيّة 1985م، ص5 .
([155]) ينظر، عبد العزيز جسوس: إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر، مصدر سابق، ص49 .
([156]) ينظر، د. محمد عيسى: القراءة النفسيّة للنص الأدبي العربي، مجلة جامعة دمشق، المجلد19 العدد(1-2) 2003م، ص24 .
([157]) للاستزادة بذلك ينظر، مثلا، عبد العزيز جسوس: إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر، مصدر سابق، ص 43 وما بعدها .
([158]) ينظر، محمد النويهي: شخصية بشار، دار الفكر، بيروت، 1970م، ص 90.
([159]) للاستزادة بذلك ينظر، محمد النويهي: نفسية أبي نواس، دار الفكر، بيروت، ص 15 وما بعدها.
([160]) ينظر، عزّ الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، دار العودة، بيروت، ط4، 1981م، ص19 وما بعدها.
([161]) د. مرشد الزبيدي، اتجاهات نقد الشعر، مصدر سابق، ص 144.
([162]) ترويض النص، ص 145.
([163]) ينظر، يوسف ميخائيل أسعد : سيكلوجيّة الإبداع في الفن والأدب، الهيأة المصريّة العامة للكتاب، 1986م، ص 6 .
([164]) عبد الرحمن البرقوقي: شرح ديوان المتنبّي، بيروت، دار الفكر، ط1، 2002م، ج 1، ص 117 .
([165]) الأصابع في موقد الشعر، ص 234- 235 .
([166]) نفسه، ص242 .
([167])نفسه، والصفحة نفسها .
([168]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص ص  235، 240 .
([169]) ترويض النص، ص 147.
([170]) نفسه، ص 301.
([171]) بدر شاكر السيّاب: المجموعة الشعريّة الكاملة، دار المنتظر، بيروت، د.ت، ج2، ص 74.
([172]) الأصابع في موقد الشعر، ص 303 .
([173]) ينظر، نفسه، ص 302 .
([174]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 179 وما بعدها، وينظر، أيضا، قصائد في الذاكرة، ص 221 وما بعدها .
([175]) ينظر، كتابة الذات، ص 245 وما بعدها.
([176]) نفسه، ص248.
([177]) يقصد الصكر بالحروف الأربعة في الضمير ( أنا ) الهمزة والنون والألف، وهي الحروف التي يتشكل بها الضمير (أنا) فضلا عن الحرف الرابع الغائب والمفترض والموحى به، وهو ياء المتكلّم، فالأنا هي أناي عند التكلّم، وذلك ممّا يعمّق العائديّة إلى الذات المفردة ويكرّسها، ينظر، المصدر نفسه، ص251 .
([178]) ينظر، المصدر نفسه ، ص 263. وربما من الصعوبة بمكان أن نعطي صورة وافية بأسطر قليلة لقراءة الصكر لنص نازك ( أنا ) وقد انطلق الناقد من إيحاء رآه قويا وتمثّل بكون الشاعرة لا تقصد الاستخدام النحوي واللغوي للضمير ( أنا ) (عنوان النص) ، بل تستخدم أناها؛ بإزاء أنا العالم الخارجي وموضوعاته؛ وأنا النص وموجوداته المرمّزة شعريا، وتثير الأنا إضافة إلى مركزّيتها النصّية مسألة دلالة (الأنا) المسوّرة بالألف من جهتيها وكأنّه تكرار للأنا أو ترميز للابتداء به والانتهاء أيضا، وانبثاق العنوان بهذه الصيغة يشير لسانيا ودلاليّا إلى هيمنة الذات لا بمعنى تضخّمها إزاء العالم، وإنما بكونها مركز تسلّط داخل النص، لأنها تشير إلى الخيبة أيضا، كما يذهب الصكر الذي ينتهي إلى أن رحلة نازك في قصيدتها هذه شبيهة برحلة العروج صعودا وهبوطا، وهو  سند قوي يؤكّد انشغال نازك بمقولات الرومانسيّة وتكييفاتها العربيّة.
([179]) للاستزادة بذلك ينظر، د. عبد العظيم السلطاني: نازك الملائكة بين الكتابيّة وتأنيث القصيدة، دار الشؤون الثقافيّة، بغداد، ط1، 2010م، ص 52 وما بعدها .
([180]) حاتم الصكر : حقّ التأويل وحدوده، الموقع الشخصي الألكتروني، مصدر سابق .
([181]) للاستزادة بهذا الموضوع، ينظر، مثلا، سعيد الغانمي: مئة عام من الفكر النقدي، مصدر سابق، ص 147 وما بعدها .
([182]) ينظر، ما لاتؤدّيه الصفة، ص6 .
([183]) ينظر، عبد الله الغذامي: ثقافة الأسئلة، مقالة في النقد والنظرية، دار سعاد الصباح ، الكويت، ط2، 1993م، ص 22.
([184]) محمد مفتاح : النص من القراءة إلى التنظير، شركة المدارس للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2000م ، ص105 .
([185]) للاستزادة بذلك ينظر مقدمة كتابه: ما لا تؤدّيه الصفة، ومقاله: المنهج تحدّيا.. المنهج اختيارا، مصدر سابق، ص66وما بعدها. وينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([186]) ينظر، مقاله: النقد في فضاء التشكيك والإقصاء المعرفي، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق
([187]) ينظر، سعيد الغانمي: مائة عام من الفكر النقدي، مصدر سابق، ص183.
([188]) ينظر، نفسه، ص 220 وما بعدها.
([189]) ينظر، السيد يسين: التحليل الاجتماعي للأدب، مصدر سابق، ص24 .
([190]) محمد الدغمومي: نقد النقد وتنظير النقد العربي، مصدر سابق، ص40 .
([191]) المفهوم من ناحية ماهيّته – كما يحددّه محمد مفتاح- هو: وحدة صغيرة للتمثل الفكري، أو وحدة معرفيّة معبّر عنها بكلمة أو تعبير، وهي تحتوي على مجموعة من الأحداث والأشياء والعلائق، وهذه المجموعة تمتلك عناصر أو خصائص مشتركة، كما أن هناك تداخلا بين المفهوم وبين التصوّر والمقولة، وأن توظيف المفهوم يختلف باختلاف التصوّرات الانطولوجيّة والإبستيمولوجيّة والبيئة المعرفيّة، وأن هناك علاقة ما بين المفاهيم فلا نظريّة بدون مفاهيم متعالقة، ولا يمكن أن تكون هناك نظريّة بمفاهيم متنافرة…ينظر للاستزادة، محمد مفتاح : ما المفهوم؟ ضمن كتاب، المفاهيم، تكوّنها وسيرورتها، تنسيق : محمد مفتاح وأحمد بو حسن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2000م، ص 18 .
([192]) ينظر. محمد الدغمومي: نقد النقد وتنظير النقد العربي ، مصدر سابق، ص15.
([193]) ينظر،  المصدر نفسه، والصفحة نفسها .
(([194]ينظر، محمد مفتاح: ما المفهوم؟ ضمن كتاب، المفاهيم، تكوّنها وسيرورتها، مصدر سابق، ص 14 وما بعدها.
([195]) ينظر، محمد الدغمومي: المفاهيم النقديّة، ضمن كتاب: المفاهيم: تكوّنها وسيرورتها، مصدر سابق، ص108.
([196]) للاستزادة بذلك ينظر مثلا،  د. يحيى عارف الكبيسي: المقولات والتمثّلات والأوهام، دراسة في النقد العربي الحديث، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، ط1، 2009م، ص 190وما بعدها، وينظر، للاستزادة أيضا، د. عمر أحمد بو قرورة: فوضى الإبدال في النقد الأدبي المعاصر، بحث في الواقع والآفاق، عالم الكتب الحديث، إربد- الأردن، ط1، 2012م، ص 145 وما بعدها .
([197]) للاستزادة بذلك ينظر، د. عبد الله إبراهيم: الثقافة العربيّة والمرجعيات المستعارة، مصدر سابق، ص57 وما بعدها .
([198]) للوقوف على إشكالية تمثّل المقولات والمفاهيم النقديّة الغربيّة في النقد العربي الحديث ينظر، على سبيل المثال، د. يحيى عارف الكبيسي: المقولات والتمثّلات والأوهام، مصدر سابق، ص 187 وما بعدها .
([199]) ينظر، مثلا، مقاله: المنهج تحديا، المنهج اختيارا، مصدر سابق، ص73 وما بعدها، وينظر، أيضا، تحديث النقد الشعري، جريدة الجمهوريّة، مصدر سابق .وينظر، مقاله: البنيويّون، جريدة الجمهوريّة ، بغداد ، بتاريخ 26/1/1984.
([200]) المنهج تحدّيا، المنهج اختيارا، مصدر سابق، ص73.
([201]) ينظر، مقاله: البنيويّون، جريدة الجمهوريّة، مصدر سابق.
([202]) المنهج تحديّا، المنهج اختيارا، ص73 .
([203]) ينظر، حاتم الصكر: الناقد لم يعدْ قاضيا، والنصوص تأكيد للطاقة المجازية  للغة، حوار أجرته معه خلود الفلاح، جريدة العرب، لندن، بتاريخ 14/10/2007م .
([204]) حاتم الصكر : النقد يضيء ويعدل مناظير القراءة وليس خادماً أو تابعاً للنصوص، حوار أجراه محمد الحمامصي، جريدة السفير، العدد10894 بتاريخ 11/1/2008م .
([205]) ينظر المصدر السابق نفسه .
([206]) ينظر، مقدمة كتابه ترويض النص، ص 7 .
([207]) ينظر، فخري صالح (ترجمة وتحرير):  النقد والمجتمع ( حوارات مع، رولان بارت، بول دي مان، جاك دريدا، نورثروب فراي، إدوارد سعيد، جوليا كريستيفا، تيري إيجلتون) دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، ط1، 2004م، ص 189 .
([208]) ينظر، مقاله: البنيويون، جريدة الجمهورية، مصدر سابق.
([209]) ينظر، د. محمود الربيعي : في نقد الشعر، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، د . ت،  ص 6 .
([210]) للاستزادة بذلك ينظر، مثلا، ترويض النص، ص 27 وما بعدها .
([211]) للوقوف على مراجعات الناقد عبد الله الغذّامي على هؤلاء الشعراء ينظر، كتابه: النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – بيروت، ط3، 2005م، ص 93 وما بعدها .
([212]) ينظر، وجها لوجه، حاتم الصكر والشاعر علي المقري، مجلة العربي الكويتيّة، مصدر سابق، ص49 .
([213]) ينظر مقاله: عبد الله الغذّامي، الشبيه المختلف، ضمن كتاب: الغذّامي الناقد، قراءات في مشروع الغذّامي النقدي، تحرير وتقديم: د. عبد الله بن إسماعيل السماعيل، كتاب الرياض، العدد97- 98 ديسمبر 2001م- يناير 2002م، مؤسسة اليمامة الصحفيّة، الرياض، ص73 وما بعدها .
([214])مقاله: عبد الله الغذّامي، الشبيه المختلف، مصدر سابق، ص 85 .
([215])ينظر، مقاله: الأفق الأدونيسي، أدباء نوبل، زمن مستقطع للرواية، الموقع الشخصي ، مصدر سابق.
([216]) ينظر، صواب المنهج يلبّي حاجة الرؤيّة الحداثيّة، جريدة الزمان، مصدر سابق .
([217]) ينظر، خيرة حمر العين: جدل الحداثة في نقد الشعر العربي، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، دمشق، ط1،   1997م، ص10 ، وينظر للاستزادة، إبراهيم الحيدري: النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة، دار الساقي، بيروت، ط1، 2012م، ص، 141وما بعدها .
([218]) قصيدة النثر والشعريّة العربيّة الجديدة، مجلة فصول، مصدر سابق، ص74.
([219]) مرايا نرسيس، مصدر سابق، ص 18 .
([220]) د. عمران الكبيسي: حواريّة التنسيق بين نظريّات النقد الأدبي ومناهجه العلميّة في التطبيق، ضمن كتاب: الشعر والمناهج النقديّة الحديثة، بحوث مهرجان المربد الشعري الثالث عشر 1997م، إعداد: علي الطائي، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، 1998 م، ص163 .
([221]) ينظر، د. أحمد مطلوب : منطلقات نقديّة، في (ندوة اتجاهات النقد الأدبي الحديث في العراق) قسم اللغة العربية- كلية التربية- جامعة الموصل 1989، ص 2، نقلا عن د. شجاع العاني : قراءات في الأدب والنقد، مصدر سابق، ص 237.
([222]) ينظر، د شجاع العاني، قراءات في الأدب والنقد، مصدر سابق، ص232 .
([223]) ينظر، د عناد غزوان : نقد الشعر في العراق بين التأثريّة والمنهجيّة ( رؤية في تطوّر النص النقدي ) دار الشؤون الثقافيّة، بغداد، ط1، 1999م، ص 35 وما بعدها .
([224]) ينظر، د. حسين عبّود حميد الهلالي: المناهج النقديّة في نقد الشعر العراقي الحديث، عرض نظري ونماذج تطبيقيّة، أطروحة دكتوراه، كليّة الآداب- جامعة بغداد، 1991م، ص 263 .
([225]) ينظر، سعيد الغانمي : مئة عام من الفكر النقدي، مصدر سابق، ص 218 .
([226]) ينظر، د. عبد الله أبو هيف: النقد العربي الجديد في القصّة والروايّة والسرد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000م، ص 332 .
([227]) ينظر، د. مرشد الزبيدي : اتجاهات نقد الشعر، مصدر سابق، ص 56 وما بعدها .
([228]) نستثني من ذلك الدكتور محسن أطيمش الذي أدخل الصكر بصفته شاعرا في دراسته ( دير الملاك ) متابعا ديوانه الأول الموسوم: ( مرافئ المدن البعيدة ) راصدا ظواهره الفنيّة والإيقاعيّة فيما درس من شعر ستيني في العراق، للاستزادة، ينظر، محسن أطيمش: دير الملاك، دراسة نقديّة للظواهر الفنيّة في الشعر العراقي المعاصر، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982، ص 364وما بعدها
([229]) ينظر، الشعر يفاجئ ويتحدى معجزة الأحياء والقيامة، حوار أجراه الشاعر حميد العقابي مع  حاتم الصكر مجلة نصوص الألكترونيّة، مصدر سابق .
([230])  حاتم الصكر : مع والت ويتمان، أغنية نفسي، الموقع الألتروني الشخصي، مصدر سابق .
([231]) ينظر، حاتم الصكر: قصيدة النثر في اليمن – أجيال وأصوات – مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، ط1، 2003م، ص10 .
([232]) ينظر، حلم الفراشة، ص 36 .
([233]) للوقوف على رأي نازك الملائكة، ينظر، كتابها: قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، بيروت،ط6، 1981م ، ص158 .
([234]) حلم الفراشة، ص 179 .
([235]) نفسه، ص 117 .
([236]) للاستزادة بطبيعة هذه العلاقة، ينظر مثلا، حاتم الصكر: القول بالشعر والقول بالنثر، مجلة غيمان، صنعاء، العدد1 شتاء 2007م، ص 22 وما بعدها، وينظر، أيضا د. علي داخل فرج: محاكمة الخنثى، قصيدة النثر في الخطاب النقدي العراقي، دار الفراهيدي للنشر والتوزيع، بغداد، ط1 ، 2011م ، ص 15 وما بعدها .
([237]) حاتم الصكر في حوار مع الثورة الثقافي، صنعاء: المبدعون العرب لم ينتظروا اكتمال الشروط الموضوعية للحداثة، العدد 3287 في 21/4/2001م .
([238]) ينظر، المصدر نفسه .
([239]) ينظر، البئر والعسل، ص 95 .
([240]) ينظر، حواره: النقد يضيء ويعدّل مناظير القراءة، مصدر سابق .
([241]) نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر، مصدر سابق، ص142 .
([242]) في غيبوبة الذكرى، ص 114 .
([243]) نفسه، ص 116.
([244]) نفسه، ص 117.
([245])ينظر، نفسه، ص117 .
([246]) ينظر، نفسه ، ص119 .
([247]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 119 .  
([248]) للوقوف على بعض تلك الآراء، ينظر، مارك جيمنيز: الجماليّة المعاصرة، الاتجاهات والرهانات، ترجمة: د. كمال بو منير، منشورات ضفاف، بيروت – لبنان، ط1 2012م، ص114 وما بعدها.
([249]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص120 .
([250]) كتابة الذات، ص 270 .
([251]) للاستزادة بذلك ينظر، مثلا، تحليله لمجموعة من هذه النصوص في كتابيه : حلم الفراشة، ص 42 وما بعدها .
([252]) جاكوبسون: قضايا الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال، الدار البيضاء 1988، ص19 .
([253]) ينظر، رينيه ويلك، أوستن وارين: نظرية الأدب، ترجمة: محي الدين صبحي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 1987م، ص24 ..
([254]) ينظر، على سبيل المثال، تحليله لقصيدة اللقاء، لسامي مهدي في كتابه: الأصابع في موقد الشعر، ص 361 وما بعدها، إذ كان الناقد معنيا بالبعد الدلالي في القصيدة، وهو ما دعاه للالتفاف على المعنى مفترضا أنّ الطرف الآخر المخاطب من اللقاء الجاري عبر الهاتف هو الوجه القديم للشاعر ذاته قبل أن يتعب ويهرم..
*-  تعرّف المهيمنة بأنّها عنصر بؤري للأثر الأدبي، أي أنها تحكم وتحدد وتغيّر العناصر الأخرى، كما تضمن المهيمنة تلاحم البنية… للاستزادة، ينظر، نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة : ابراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت ، ط1 1982م، ص81.
([255]) ينظر، حلم الفراشة، ص 178- 179 .
([256]) ينظر، ما لا تؤدّيه الصفة، ص32 .
([257]) نفسه، ص31 .
([258]) للاستزادة، ينظر مبحثه: الشعرية العربيّة من القصد إلى الأثر، حلم الفراشة، ص177 وما بعدها.
([259]) يتردد هذا المصطلح في كتاب (حلم الفراشة) مثلا، أكثر من 25 مرّة، وفي كتاب (المرئي والمكتوب) أكثر من 20 مرّة، وفي كتاب (البئر والعسل) 15 مرّة، وفي كتاب (في غيبوبة الذكرى) 6 مرّات.
([260]) ينظر، ترويض النص، ص 227، وينظر، أيضا، مقاله عن شعر يوسف الصائغ: الحب الغالب والحب المغلوب، جريدة الزمان، بتاريخ 19- 3- 2007م .
([261]) ينظر، ترويض النص، ص 28، وينظر أيضا، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق.
([262]) موريس بورا : تراث الرمزيّة، نقلا عن عزّ الدين إسماعيل: الأسس الجماليّة في النقد العربي، عرض وتفسير ومقارنة، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، ط3، 1986م، ص344 .
([263]) ينظر، مثلا، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([264]) ينظر للوقوف على ذلك، أدونيس: زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ط2، 1978م، ص213 .
([265]) ينظر، ما لا تؤديه الصفة، ص27   .
([266]) صواب المنهج يلبّي حاجة الرؤية الحداثيّة، مصدر سابق .
([267]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص ص 31، 42.
([268]) ينظر، للاستزادة بذلك، من جمهور الشعر الى متلقي القصيدة، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق.
([269]) ينظر، الشعر والتوصيل، مصدر سابق، ص 8 وما بعدها .
([270]) نفسه، ص 52-53 .
([271]) ينظر، الشعر والتوصيل، ص 97 .
([272]) ينظر، خيرة حمر العين: جدل الحداثة في نقد الشعر العربي، مصدر سابق، ص 32 . وينظر، كارلوني وفيللو: النقد الأدبي، ترجمة: كيتي سالم، منشورات عويدات، بيروت – باريس، ط2، 1984م، ص 14 .
([273]) يكاد يكون الصكر من أكثر النقّاد العراقيين استخداما لمصطلح الجيل الشعري، إذ يتوافر هذا المصطلح في استخداماته ابتداء من كتابه الأول وانتهاء بكتبه الأخيرة، للوقوف على ذلك، ينظر مثلا كتابه: مواجهات الصوت القادم، ص ص، 5، 10، 24، 25، إلخ،   وينظر أيضا كتابه: حلم الفراشة، ص ص، 18، 19، 174،  186، إلخ .
([274]) للاستزادة بذلك ينظر مثلا، كتابه الأخير ( بريد بغداد ) الذي يخصص مجموعة كبيرة من مباحثه لقراءة تجارب شعريّة لشعراء شباب مغمورين مثل داليا رياض، وكولالة نوري، ص 103 وما بعدها، وفليحة حسن، ص 110 وما بعدها، وعباس السلامي، ص 123 وما بعدها، ونصير فليح، ص 129 وما بعدها، ويحيى البطاط، ص135 وما بعدها، إلخ، وينظر كذلك، قصيدة النثر في اليمن، ص70 وما بعدها، إذ يخصص جزءا من كتابه هذا لتحليل وقراءة المنجز النصّي اليماني في تسعينيّات القرن الماضي من خلال كتابات بعض الشعراء الشباب والشواعر الشابات.
([275]) الأصابع في موقد الشعر، ص65 .
([276]) ينظر، حلم الفراشة، ص27 .
([277]) حاتم الصكر : احتفاءً بالشعر، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق .
([278]) ينظر، حاتم الصكر: ردم الهوّة بين الثقافتين العربية والكرديّة في العراق يقع على مسؤوليّة مثقفي القوميتين، حوار أجراه سردار زنكنة لوكالة أنباء كوردستان، http://www.aknews.com/ar
([279]) ينظر، قصيدة الشعر، الموقع الشخصي، مصدر سابق .
([280]) ينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق . ومن الواجب التلميح هنا على أنّ ما يرمي إليه الصكر بتفضيله القصيدة على الشعر هو أمر متعلق برفض الصكر لكل ظواهر الاحتفالّ الانشادي الباحث عن الصدى الفوري عند المتلقي والموحّد بين لحظة الابداع ولحظة التلقي، للاستزادة بذلك ينظر، مبحثه الموسوم: الانشاد والتلقي، بعض المزايا الشفاهيّة في القصيدة العربيّة الحديثة ضمن كتابه: حلم الفراشة، ص 83 وما بعدها .
([281]) للوقوف على هذه القائمة، ينظر ص 10-11 من تمهيد البحث .
([282]) للوقوف على ذلك ينظر، أكتافيو باث: الشعر والقصيدة، مجلة الفكر العربي المعاصر ( بتصرّف) العدد13 لعام 1981م، ص 165- 168. وقد صرّح الصكر في هذه المتابعة في بعض مقالاته وحواراته.
([283]) ينظر، القول بالشعر والقول بالنثر، مجلة غيمان، مصدر سابق، ص 27.
([284])حاتم الصكر:  أربعة عقود مرّت على غياب صاحب ( أنشودة المطر )… مزيد من الأسئلة الإشكالية حول شعر السياب! الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق .
([285])  المصدر نفسه .
([286]) ينظر مثلا، مواجهات الصوت القادم، ص 25 وما يليها، إذ يبحث الناقد عن أبوّة القصيدة الستينيّة في العراق للقصيدة التالية لها، وقد وجد فيها الصكر أبوّة صارمة تمتلك قدرة البقاء رغم تغيّر ظروف الحياة وتغيّر وعي جيل الشعراء التالي لجيل الستينيّات، أي أن الصكر كان يبحث في كتابه المذكور عن أبوّة للقصيدة السبعينية وعن علاقاتها وارتباطاتها بقصيدة الجيل السابق لها، وعن درجة خضوعها وإذعانها لتلك القصيدة، أيضا، وينظر، أيضا قراءته  الموسومة: الراعي والجرّة، الحكاية منظومةً، البئر والعسل، ص 133 وما بعدها.  إذ يطارد الصكر في دراسته هذه أبوة نص مفرد للشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر محاولا إعادة هذا النص إلى أرومته الثقافيّة التي أثث الشاعر من خلالها بنيته النصيّة على مستويات متنوّعة ابتداء من العنوان وانتهاء بالمستوى الدلالي فيه .
([287]) للوقوف على ذلك ينظر، علي محمد ياسين: حاتم الصكر قارئا للنص الشعري، مصدر سابق، ص 324 وما بعدها .
([288]) ينظر مبحثه المعنون: مداخل مقترحة لقراءة شعر محمود درويش، وخصوصا الفقرة: التناص، آباء النص الدرويشي، ضمن كتابه: في غيبوبة الذكرى، ص129 وما بعدها .
([289]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 130 .
([290]) ينظر ، نفسه ، ص 127 .
([291]) ينظر، حلم الفراشة، ص 51 .
([292]) نفسه، ص 65 .
([293]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 138 وما بعدها .
([294]) ينظر، حاتم الصكر: تقريظ للطبيعة، تقريظ للطبيعة، ذاتيّة الخلق الروحي، مجلة آفاق عربيّة، العدد 4، 1987م، ص 160 .
([295]) للوقوف على ذلك ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 191 وما بعدها .
([296]) ينظر ، نفسه، ص ص ، 97 ، 195.
([297]) ينظر، نفسه، ص 197 .
([298]) للاستزادة بذلك ينظر، عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، تصحيح: محمد عبدة ومحمد الشنقيطي، دار المعرفة، بيروت، 1978م، ص 59 وما بعدها .
([299]) للاستزادة بذلك ينظر مبحثه (القصيدة السياسيّة والقصيدة الوطنيّة – جدل السياسي والشعري- ) ضمن كتابه في غيبوبة الذكرى، ص 79 وما بعدها .
([300]) نفسه، ص82 .
([301]) في غيبوبة الذكرى، ص 35 .
([302])  نفسه، ص 85 .
([303]) نفسه، ص 94 .
([304]) ينظر، ترويض النص، ص6 .
([305]) د. علي الشرع: لغة الشعر العربي المعاصر في النقد العربي الحديث، منشورات جامعة اليرموك، الأردن، 1991م، ص 22 .
([306]) للاستزادة بذلك ينظر ، المصدر نفسه، ص 22 وما بعدها .
([307]) ينظر، كمال خير بك : حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، ط2، 1982م، ص130.
([308]) ينظر، د. خالد سليكي: سؤال النص.. أسئلة القراءة، منشورات وزارة الثقافة المغربيّة، 2008م، ص 58 .
([309]) ينظر، حلم الفراشة، ص 7 .
([310]) ينظر، نفسه، ص 77 .
([311]) ينظر، جان كوهن: بنية اللغة الشعريّة، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال، المغرب العربي، ط1، 1986م، ص 213 وما بعدها .
([312]) ينظر، حواره: الناقد لم يَعُدْ قاضيا والنصوص تأكيد للطاقة المجازيّة للغة، مصدر سابق . 
([313]) ينظر، كتابة الذات، ص 304 .
([314]) ينظر، كتابة الذات، ص129 .
([315]) ينظر، سعيد الغانمي: المعنى والكلمات، الموسوعة الصغيرة(316) دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، 1989م، ص 101.
([316]) ينظر، ديوان أحمد شوقي، الشوقيّات، شرحه وضبطه وقدّم له: علي العسيلي، منشورات الأعلمي، بيروت، ط1، 1998م، ج1، ص427 .
([317]) ينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([318]) ينظر، رينيه ويليك وأوستن وارين: نظرية الأدب، مصدر سابق، ص29 .
([319]) كتابة الذات، ص 305 .
([320]) حاتم الصكر لـ(الثورة الثقافي) صنعاء : المبدعون العرب لم ينتظروا اكتمال الشروط الموضوعية للحداثة، حوار، أجراه: محمد محمد ابراهيم
([321]) ينظر، كتابة الذات، ص 305 .
([322]) ينظر، مواجهات الصوت القادم ، ص 24وما بعدها .
([323]) ينظر على سبيل المثال: دراسته الموسومة بـ( سركون بولص نازلا من مركب نوح ) ضمن كتابه: في غيبوبة الذكرى، 231 وما بعدها، وينظر أيضا، دراسته: على بعد ذئب، محمد حسين هيثم، المصدر نفسه، ص 235 وما بعدها .
([324]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 30 .
([325]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، مصدر سابق، ص 43 .
([326]) ينظر، نفسه، ص 112 .
([327]) ينظر، قصائد في الذاكرة، مصدر سابق، ص 81 .
([328]) حاتم الصكر: تمثيلات الخارج بوعي الداخل، مجلة نزوى ، العدد السابع عشر، يناير 1999م، ص121 .
([329]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 94،  وينظر، حلم الفراشة، ص 31 .
([330]) حلم الفراشة، ص 23 .
([331]) يجعل الصكر من موضوعة الإيقاع كدليل لاهتمامه بها عنوانا لكتابه: (حلم الفراشة، الإيقاع والخصائص النصيّة في قصيدة النثر) ويبحث هذه الموضوعة ضمن فصل خاص من فصول كتابه هذا تحت عنوان: (الإيقاع والإيقاع الداخلي في قصيدة النثر خاصّة ) ص 23 وما بعدها .
([332]) ينظر، حاتم الصكر: عمائر الواسطي، من المكتوب إلى المرسوم، العمارة الإسلامية وانعكاساتها على الفنون التشكيلية، الموقع الألكتروني، مصدر سابق، وينظر أيضا، حلم الفراشة، ص 30 .
([333]) ينظر، حلم الفراشة، ص 30 .
([334]) ما لا تؤدّيه الصفة، ص29 .
([335]) نفسه، ص37 .
([336]) ينظر، حلم الفراشة، ص31 وما بعدها .
([337]) ينظر، نفسه، ص28 .
([338]) نفسه، ص 25 .
([339]) ينظر، نفسه، 25.
([340]) ينظر، نفسه، ص26 .
([341]) للاستزادة بذلك ينظر، كتابه: حلم الفراشة، الإيقاع الداخلي والخصائص النصيّة في قصيدة النثر، ص9 وما بعدها، ص 23 وما بعدها، ص57 وما بعدها، وينظر، أيضا، دراسته: قصيدة النثر في النقد العراقي المعاصر، مجلة الأقلام، العدد السادس، 1988م، ص45 وما بعدها، وينظر، قصيدة النثر والاحتمالات المؤجلة، مجلة الأديب المعاصر، العدد (41 ) كانون الثاني، 1990م، ص 110 وما بعدها.
([342]) ينظر، حلم الفراشة، ص25 .
([343])نفسه، ص61.
([344]) نفسه، ص32 .
([345]) للاستزادة بذلك ينظر، المصدر السابق، ص 27 وما بعدها .
([346]) قد سبقنا في الإشارة إلى ذلك د. علي داخل فرج في كتابه: محاكمة الخنثى، ص 128 وما بعدها .
([347]) حلم الفراشة، ص 43.
([348]) نفسه، والصفحة نفسها .
([349]) نفسه، ص 45 .
([350]) ينظر، نفسه، ص 47 وما بعدها .
([351]) ينظر، نفسه، ص 50 وما بعدها .
([352]) ينظر، نفسه، ص47 .
([353]) للوقوف على ذلك ينظر، رتشاردز: مبادئ النقد الأدبي، ترجمة: مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1963م، ص 197.
([354]) ما لا تؤدّيه الصفة، ص 32 .
([355]) أدونيس: في قصيدة النثر، مجلة شعر العدد الرابع عشر، السنة الرابعة ربيع 1960م، ص75 .
([356]) ينظر، حلم الفراشة، ص 77 .
([357]) ينظر، نفسه، ص 61 .
([358]) ينظر، حلم الفراشة، ص 61.          
([359]) نفسه، ص 40 .
([360])نفسه .
([361]) ينظر، قراءات استعادية، ص 24.
([362]) ينظر حلم الفراشة، ص40- 41.
( [363]) ينظر، د. محسن إطيمش: دير الملاك، مصدر سابق، ص 243 .
([364]) الأصابع في موقد الشعر، ص 70 .
([365]) ينظر، البئر والعسل، ص 166، وينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص71 .
([366]) ينظر للاستزادة، الأصابع في موقد الشعر، ص 36 وما بعدها .
([367]) ينظر، المصدر نفسه، ص69 .
([368]) ينظر، مقاله: الحب الغالب والحب المغلوب، مصدر سابق .
([369]) للاستزادة بذلك ينظر، بريد بغداد، ص 96 وما بعدها، حيث يدرس الناقد إحدى قصائد الشاعرة العراقيّة سهام جبار ( في قارب الطوفان ) ضمن ديوانها(قديما مثل هيباشيا ) فيؤكّد توافره على صور شعريّة تتكرر وتتآزر فيما بينها لترسم أوجاع شاعرة، مجدها الوحيد أنها أحاطت بالألم وصنعت له ذكرى…كما يقول.
([370]) ينظر، دراسته: التنوّع والاختلاف في شعر ما بعد الستينات، ضمن كتابه: بريد بغداد، ص 9، وما بعدها، وينظر، أيضا، مقاله: انزياحات الربيعي في احتدام الوقائع، الموقع الشخصي، مصدر سابق . 
([371]) ينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([372]) ينظر، مثلا، مقاله: الصورة البصريّة الجديدة، النمطيّة والمحددات، ضمن كتابه: أقوال النور، ص 44 وما بعدها، وينظر، أيضا، مقالاته: حصارات بصريّة تُعدي متلقّيها، والعين تسمع دفق الحياة، والصورة البصريّة الجديدة، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق .
([373]) ينظر، حواره:  النقد يضيء ويعدّل مناظير القراءة، وليس خادماً أو تابعاً للنصوص، مصدر سابق .
([374]) ابن الرومي: ديوان ابن الرومي، شرح وتحقيق: عبد الأمير علي مهنّا، منشورات دار مكتبة الهلال، بيروت، ط2، 1998م، ج3، ص 197-198 .
([375]) ينظر، البئر والعسل، ص 225.
([376]) بدر شاكر السيّاب: المجموعة الشعريّة الكاملة، مصدر سابق، ج1، ص 223   .
([377]) ينظر، البئر والعسل، ص 226 .
([378]) نفسه، والصفحة نفسها .
([379]) ينظر، قصيدة النثر في اليمن، أجيال وأصوات، مصدر سابق، ص33 .
([380]) ينظر، نفسه، والصفحة نفسها .
([381]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص 70 .
([382]) نفسه، والصفحة نفسها .
([383]) بريد بغداد، ص 26 .
([384]) ينظر، نفسه، ص 26 .
([385]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص74 .
([386]) نفسه، ص 74- 75 .
([387]) ينظر، فاضل ثامر: شعر الحداثة، من بنية التماسك إلى فضاء التشظّي، دار المدى، دمشق، ط1، 2012م، ص 16 وما بعدها .
([388]) ينظر، مثلا، حواره: قصيدة النثر لا تحتاج إلى فرمان، مصدر سابق، وينظر، أيضا، مقاله: ثنائيات الاتّباع والإبداع في الثابت والمتحول لأدونيس، موقع مجلة اتّحاد الكتّاب المغاربة… http://www.alittihad.ae/detail
([389]) ينظر، حاتم الصكر: الوزن ليس مقترحا نهائيا لكتابة القصيدة.. والشعرية العراقية خصبة ولود، حوار أجراه: عمر عناز لوكالة أنباء الشعر بتاريخ 24/4/2012م.  ttp://www.alapn.com/index
([390]) ينظر، مرايا نرسيس، ص 8، وينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 30 .
([391])  للوقوف على أوهام الحداثة كما شخّصها أدونيس ينظر، أدونيس: بيان الحداثة، مؤرخ في 1979، والنص كاملا في كتاب: البيانات، تقديم: محمد لطفي اليوسفي، سراس للنشر، تونس1995، ص22 وما بعدها.
([392]) ينظر، أقوال النور، ص 41 .
([393]) ينظر، حلم الفراشة، ص9 .
([394]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص15 .
([395]) ينظر،  أربعة عقود مرّت على غياب صاحب (أنشودة المطر)… مزيد من الأسئلة الإشكالية حول شعر السيّاب! الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق.
([396])  المصدر نفسه .
([397]) ينظر، مقاله: ضد التقليد، مجلة دبي الثقافية، عدد كانون الأول، ديسمبر 2010، ص74 .
([398]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 20 .
([399]) باسم سليمان: الحداثة ليست ذكرى بل حياة، جريدة الثورة، دمشق،  بتاريخ 30-12-2009 م . 
(([400] ينظر، حلم الفراشة، ص 9.
([401]) ينظر، د. محمود نسيم: فجوة الحداثة العربيّة ، إصدارات أكاديميّة الفنون، القاهرة، 2005م، ص 124 .
([402]) في غيبوبة الذكرى، ص16 .
([403]) مقاله: الأوائل والأواخر، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق .
([404]) نفسه .
([405]) ينظر، نفسه .
([406]) ينظر، حواره: الوزن ليس مقترحا نهائيا لكتابة القصيدة.. والشعرية العراقية خصبة ولود، أجراه: عمر عناز، مصدر سابق.      
([407]) للاسنزادة بذلك، ينظر، ترويض النص، ص 41 وما يعدها .
([408]) للوقوف على ذلك ينظر مقاله: الأنساق الثلاثية في التجربة النقدية الحديثة، نقد النقد والأصوات الشعرية في منظورالمقالح النقدي، جريدة الثقافيّة الصنعانيّة، العدد 344 بتاريخ 6/7/2006م ، وينظر، مقاله: الذي أخلص للنقد متجاوزا أسوار الأكاديمية، مساهمة في تكريم الدكتور عبد الرضا علي، ومقاله: قراءة المقترح الأدونيسي، الشيفرة والدال السير ذاتي أنموذجا، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق.، وينظر، أيضا، مقاله: ثنائيات الاتّباع والإبداع في الثابت والمتحول لأدونيس، مصدر سابق .
([409]) ينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([410]) ينظر، المصدر السابق نفسه.
([411]) ينظر، حاتم الصكر: الشعر الحديث والتراث، مرحلة ما بعد الرواد ، ضمن كتاب: الشعر ومتغيرات المرحلة، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد ، 1986 م، ص 17 .
([412]) ينظر، مارك جيمينيز: الجماليّة المعاصرة، مصدر سابق،  ص101.
([413]) ينظر، نفسه، ص 102 .
([414]) ينظر، أقوال النور، ص 40 .
([415]) ينظر، نفسه، ص 59 .
([416]) ينظر، نفسه، ص 64 .
([417]) حاتم الصكر: الجواهري، جدل حيٌّ وشعريّة متجدّدة، جريدة ( الزمان ) البغداديّة، العدد 2756، بتاريخ 26/7/2006م .
([418]) ينظر، حاتم الصكر: الشعر الحديث والتراث، مصدر سابق15 .
([419]) نفسه، ص10-11 .
([420]) ينظر : نفسه ، ص 14 .
([421]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 99 .
([422]) الشعر والتوصيل، مصدر سابق، ص28-29 .
([423]) حاتم الصكر: الشعر وتغيرات المرحلة ، مصدر سابق ، ص 14- 15 .
([424]) للاستزادة بذلك ينظر، ت. س إليوت: مقالات في النقد الأدبي ، ترجمة لطيفة الزيات ، مكتبة الإنجلو المصرية ، د.ت ، ص 9 ومابعدها .
([425]) ينظر حاتم الصكر: الشعر وتغيرات المرحلة، ص 11 .
([426]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص 197 .
([427]) للوقوف على ذلك ينظر: أدونيس، فاتحة لنهايات القرن، دار العودة، بيروت، ط1، 1980م، ص 86.
([428]) حاتم الصكر: مرايا نرسيس ، ص 221 .
([429]) ينظر، حلم الفراشة، ص12.
([430]) ينظر، نفسه، ص 33 .
([431]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص 23 .
([432]) ينظر، حلم الفراشة، ص 13 .
([433]) ينظر، نفسه، ص 20 .
([434]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص23 .
([435]) ينظر، نفسه، ص24 .
([436]) نفسه، ص22 .
([437]) ينظر، حاتم الصكر: قصيدة النثر والشعر السائد، جريدة الثورة، بغداد، بتاريخ 9/6/1982م.
([438]) ينظر، في غيبوبة الذكرى، ص25 .
([439]) ينظر، نفسه، ص 23 .
([440]) ما لا تؤدّيه الصفة، ص 33 .
([441]) ينظر، نفسه، والصفحة نفسها .
([442]) ينظر، الشعر والتوصيل، ص22-23 .
([443]) للوقوف على هذه الأسباب، ينظر مثلا، عبد الرحمن محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، العوامل والمظاهر وآليّات التأويل،سلسلة عالم المعرفة ( 279 ) الكويت، مارس، 2002م، ص 177 وما بعدها .
([444]) حلم الفراشة، ص 101 .
([445]) ينظر، أ. د محمد صابر عبيد وفرج ياسين: صوت الناقد الحديث، هوية المنهج ومنهج الهوية، مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانيّة، المجلد (14) العدد (3) نيسان، 2007م، ص 115
 
 
 
 
([446]) كان ميلنا لمصطلح الإجراء دون مصطلح التطبيق مثلا، لأنّ المصطلح الأول فيه عموميّة قد لا نجدها في الثاني، فضلا عن إنّ الصكر الناقد استعمل مصطلح الإجراء بوصفه تعبيرا عن وجهة نظر نقديّة حديثة ترى التحليل النقدي الميدان الأنسب لاختبار تصوّرات الرؤية المنهجيّة، ولذا عدّ حاتم الصكر الإجراء مظهرا من مظاهر الانتقال بالنقد من التجريد النظري إلى التطبيق والممارسة النقديّة… للوقوف على ذلك، ينظر، كتابه:  ترويض النص، مصدر سابق، ص 5 وما بعدها .
([447]) ينظر، مثلا مقدمة كتابه: ترويض النص، ومقالاته: النقد في فضاء التشكيك والإقصاء المعرفي، و في تجربة النقد الأدبي المعاصر في اليمن، والأنساق الثلاثية في التجربة النقدية الحديثة-نقد النقد والأصوات الشعرية في منظور المقالح النقدي، جريدة الثقافيّة الصنعانيّة، مصدر سابق .
([448])  حوار مع حاتم الصكر، أجراه الأديب سردار زنكنه: موقع الكاتب العربي، مصدر سابق .
([449]) ينظر، مقدمة كتابه: ما لا تؤدّيه الصفة، ص 5 وما بعدها، وينظر، حواره: صواب المنهج يلبّي حاجة الرؤية الحداثيّة، مصدر سابق، وينظر، أيضا، حواره: إجابات تنتظر المساءلة، مصدر سابق، وينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([450]) ينظر، مقاله: متلقي النص وساعي البريد، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق .
([451])حوار مع حاتم الصكر، أجراه الأديب سردار زنكنه: موقع الكاتب العربي، مصدر سابق .
([452]) حوار مع الناقد حاتم الصكر، أجراه: أحمد المصلح، مجلة عمان، الأردن، العدد 47، لسنة 1999م، ص46.
([453]) للوقوف على أبعاد هذه العنونة وأسرارها ينظر، زهراء خالد: عنونة الكتب النقديّة عند حاتم الصكر، مصدر سابق، ص 25 وما بعدها .
([454]) ترويض النص، ص 5 .
([455]) ينظر، حواره: الناقد لم يَعُدْ قاضيا والنصوص تأكيد للطاقة المجازيّة للغة، مصدر سابق
([456]) ينظر، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق، وينظر، إجابات تنتظر المساءلة، حوار أجرته: عبير يونس، مصدر سابق .
([457]) للوقوف على ذلك ينظر، مثلا، مواجهات الصوت القادم، ص ص 38، 51،83 وينظر أيضا المصدر نفسه إذ يقول الصكر في ص 222، عن قصيدة الشاعر ليث الصندوق ( وجوه للحب ) أنّه لم يستطع موافقة الشاعر على استعادة صورة طفولة ليث من خلال الحنين إلى كفّ الأب التي كانت تضربه حينما كان صغيرا، ولعلّه من الواضح هنا أن كلام الصكر يحمل انتقادا ضمنيا قد يكون الهدف منه تصويب فكرة، أو حالة شعريّة ما …
وينظر أيضا، الأصابع في موقد الشعر، ص 370، إذ يقول الصكر عندما ينتهي من تحليل إحدى قصائد سامي مهدي ( اللقاء ): وربّما كان لاستخدام الشاعر لكلمتي ( تترى ) و ( مرآب ) بعض الإخلال بالجو النفسي الذي يشيعه الوزن وإلحاح الأسئلة… فالكلمتان لهما وقع خاص قد يبدو غريبا عن الجو الأليف الذي تحلّق فيه القصيدة حتى تصلنا .
([458]) ينظر، تقديمه لقراءة نص نازك الملائكة ( أنا ) في كتابه: كتابة الذات وموقفه النقدي السلبي من قيمة هذا النص في مستواه الفنّي بالرغم من اتّخاذه عيّنة للدراسة، ص 247 .
([459]) النقد في فضاء التشكيك والإقصاء المعرفي، مصدر سابق .
([460]) ينظر، مقدمة كتابه: الاصابع في موقد الشعر، ص 6 وما بعدها، وينظر أيضا، حواره: صواب المنهج يلبّي حاجة الرؤية الحداثيّة، مصدر سابق.
([461]) ينظر، مقاله: متلقي النص وساعي البريد، مصدر سابق .ٍ
([462]) ينظر، مثلا رفض الصكر في كتابه مرايا نرسيس، ص 192 لبعض التفسيرات التي قدمها بعض الدارسين لقصيدة ( حفار القبور) للسياب كيوسف اليوسف في ذهابه إلى أن حفار القبور ما هو إلّا السيّاب نفسه وهو يحمل نزعة تدمير العالم، وكإحسان عباس حيث جعل إحساس السيّاب بالضياع في شوارع بغداد، وإخفاقه بالحب، ونقمته على أبيه (الحفار القديم )  الذي دفن أمّه، وعلى نفسه مجالا ولدت فيه قصيدة ( حفار القبور ) ليتلذذ الشاعر بتعذيب نفسه المتهالكة، في حين يجد حاتم الصكر في التفسيرين تمحّلا متكلّفا وامتثالا لرؤى مسبقة عن حياة الشاعر، وإهمالا لسياق أشد أثرا هو إنتماء السياب السياسي للحركة الشيوعيّة التي كان ( السلام أمل الشعوب ) أبرز شعاراتها عند كتابته هذه القصيدة عام 1954م،  ولعلّ رغبة السياب في عدم الإفصاح عن ميوله السلاميّة  بشكل مباشر تفرضها غنائيّة القصيدة بشكلها المقترح آنذاك، لذا جنح الشاعر إلى اصطناع هذا الشكل من السرد القصصي الذي لا يهب وجوده كاملا لبناء القصة الفنيّة المكتملة من حيث عناصرها الأساسيّة، ولا يبتعد عن اشتراطات الغنائيّة السائدة، ولا سيّما في هيمنة أنا الشاعر، وهذا دليل رفض الصكر للتعليلات الخارجيّة إن لم يسمح بها النص، وأخذه بما يعكسه النص منها .
([463]) الأصابع في موقد الشعر، ص 7 .
([464]) ينظر، مقاله عن جبرا: حطام الأميرات، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق .
([465]) ينظر، ترويض النص، ص 9 .
([466]) ينظر، نفسه، والصفحة نفسها .
([467]) ينظر، مقاله عن عناد غزوان: مع غراس ومُترجميه، عناد غزوان، عزلة القانط، الموقع الألكتروني الشخصّي، مصدر سابق .
([468]) ينظر، مقاله عن لؤلؤة: موضع التعجب، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق .ٍ
([469]) ينظر، أ.د حفناوي بعلي: قراءة في نصوص الحداثة وما بعد الحداثة، مصدر سابق، ص 66 .
([470]) ينظر، محمد عزام: المنهج الموضوعي في النقد الأدبي، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، ط1، دمشق 1999، ص 16.
([471])  نفسه، والصفحة نفسها .
([472]) عبد العزيز حمودة: المرايا المحدّبة، مصدر سابق، ص 133 .
([473]) للوقوف على مبادئ النقد الجديد وأفكاره، ينظر مثلا، أ. د حفناوي بعلي: قراءة في نصوص الحداثة وما بعد الحداثة، مصدر سابق، ص 67 وما بعدها .
([474]) ينظر، ترويض  النص، ص31  .
([475]) ينظر، مواجهات الصوت القادم، ص48 .
([476]) ينظر ترويض النص، ص 81 .
([477]) ينظر، نفسه، ص 81- 82 .
([478]) ينظر، نفسه، ص 81 ، وينظر أيضا، ص 84 من المصدر نفسه إذ يجعل الصكر من الناقد علي جواد الطاهر في تحليله لأحد نصوص الجواهري في مقالة عنوانها: لغة الثياب.. عرفتها، مثالا للناقد الذي يستثمر حريّة دخوله للنص اعتمادا على انطباع أثر النص الشعري على صفحة وجدانه أولا، ثمّ محاولة تعليل أثر هذه الاستجابة ثانيا .
([479]) مارك جيمينيز: الجماليّات المعاصرة، مصدر سابق، ص 110 .
([480]) ينظر، حاتم الصكر: الكتابة اللامنهجيّة تعليق على النص وشرح له، حوار أجرته معه: مجلة الف باء، بغداد، العدد 1106في 6/12/1989م، ص 50 .
([481]) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها .
([482]) ينظر، مثلا، مقاله: مع الماغوط، الرازحي، تحريم الشطرنج ووجوه المقرمي الرصاصيّة، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق، وينظر، مقاله: هل ينبغي إحراق ألف ليلة وليلة، المصدر نفسه .
([483]) ينظر، كتابة الذات، ص 16
([484]) ينظر تعليقه على وجود خبر صحفي يفيد بأن شخصا قتل مومسا عمياء ومزق جسدها، ومدى تأثير ذلك على تلقّيه لنص السيّاب الموسوم: ( المومس العمياء ) للتشابه بين الحالتين الواقعيّة والفنيّة .
([485]) ينظر، ترويض النص، ص43 .
([486]) نفسه، ص 33 .
([487]) مقابلته مع مجلة: حرّاس الوطن، مصدر سابق .
([488]) يرى الصكر أن الموجّهات تفهم عادة على أنّها أغلفة خارجية، وما دام الغلاف الخارجي في المصنوعات والمستهلكات اليومية ليس إلا قشرة تزعج أحيانا المتناول النهم المتعجّل، وهو فهم لا ينسجم مع طبيعة الموجّهات، إذ أنها تطوير لمفهوم إطار القراءة أو ما يحفّ بها لتقود إلى عمق النص كخطوة أولى للتعرف على البؤرة أو المولّد , المركز الذي يقوم بتشغيل النص ومدّ جزئيّاته إلى الأطراف بأشكال فنيّة غير متسقة برتابة ، مما يجعل مهمّة القارئ – ولعلّها مصدر متعته أيضا- تتركز في استقصاء حركة البؤرة وتوزّعها إلى الأطراف، وذلك ما لا يمكن أن توفّره الأطر  المتوقفة عند العصر أو الغرض، وما إلى ذلك… ينظر للاستزادة، مجلة الأقلام، العدد  11-12، سنة 1993 ص 50 .
([489]) نفسه، والصفحة نفسها .
([490]) ينظر مثلا مقاله: المكبوت الأنثوي في الملفوظ الشعري، نازك الملائكة، مرآة الأنثى، مجلة آفاق عربية، بغداد عدد 2/  1993م، ص 125 وما بعدها، حيث ذهب حاتم الصكر إلى أن التمرد على الشكل الشعري التقليدي الذي يعدّ شكلاً من أشكال الموروث الذكوري، واندماج الشاعرة العربيّة المعاصرة في حركات التحديث وتجديد الشعر العربي يعدّ فعلاً أنثوياً ضد تسلط القيم الفنيّة الرجوليّة والذكوريّة على يدي نازك الملائكة، وينظر، أيضا، مقاله: النقد في فضاء التشكيك والإقصاء المعرفي، الموقع الشخصي، مصدر سابق .
([491]) في غيبوبة الذكرى، ص 15 .
([492]) ينظر، مثلا، قراءته الموسومة: قصيدة القراءة وشعر الجمهور، أعراف تلقٍ وشعريات متغيرة، ضمن كتابه: في غيبوبة الذكرى، ص 111 وما بعدها .
([493]) ينظر، مقاله: النقد في فضاء التشكيك والإقصاء المعرفي، الموقع الألكتروني، مصدر سابق .
([494]) ينظر، مثلا، مقاله: شعراء ما بعد الستينات، التواصل والانقطاع، ضمن كتابه: مواجهات الصوت القادم ص 29 ، إذ يشير الصكر إلى أنّ زمن كتابة هذا المقال تعود إلى العام 1974م، في حين لا توجد إشارة إلى ما قبل هذا العام في كتاب الأصابع في موقد الشعر .
([495]) ينظر، مواجهات الصوت القادم، ص 9 .
([496]) ينظر، مثلا، ص 71 من المصدر نفسه حيث يعلّق الصكر على إحدى قصائد عدنان الصائغ التي يرد بها  فيها ذكر اسم أحد أصدقاء الشاعر بالقول: ( هذا أحد أصدقاء الشاعر، وسواه كثير ممّن دخلوا قصائده فأدخلوا إليها عراقيّتهم وإلفتهم ودفأهم وصفاء سريرتهم وصمودهم الرائع… ) وربّما يبدو لنا الانطباع واضحا في هذا التعليق الذي يحاول فيه الناقد متابعة هذه القصيدة، وكذلك يفعل أيضا في ص 158 حين يصف إحدى قصائد جواد الحطاب فيأخذ بوصف الشاعر بمجموعة أوصاف ليست لها علاقة بقصيدته، إذ يقول عنه: ( إنّه شاعر عائلته الفقراء، وهو مثلهم في رقّة الزهر وصلابة الماس …) .
([497]) مواجهات الصوت القادم، ص 24-25 .
([498]) ينظر، حواره: ردم الهوة بين الثقافتين، مصدر سابق .
([499]) ينظر، مواجهات الصوت القادم، ص21 .
([500])ينظر، نفسه، ص 36 وما بعدها .
([501]) ينظر، مواجهات الصوت القادم، ص201 .
([502]) ينظر، نفسه، ص17 .
([503]) علي حسن الفوّاز، وظائفية الناقد الإجرائي، جريدة الزمان، مصدر سابق .
([504]) الأصابع في موقد الشعر، ص 7 .
([505]) نفسه، ص7 .
([506])  الأصابع في موقد الشعر، ص8 .
([507]) للوقوف على  تحليلات الصكر النصيّة في هذا الكتاب، ينظر مثلا، تحليله لقصيدة محمود درويش القصيرة ( موسيقى عربيّة ) ص 312 وما بعدها، إذ يحصي الصكر اثني عشر انفعالا شعريّا تجسدها أجوبة الشرط بعد الأداة ( كلّما ) المسبوقة باستفهام إنكاري( أكلّما شرّدت عيناي شرّدني… ) والشاعر – كما يذهب الصكر الناقد – يعلم الإجابة لكن يريد قولها دون سواها، ممّا يتّضح أن أمنية درويش المحوّرة عن أمنية تميم بن مقبل، هي أمنية مصدّرة بـ ( ليت ) على أمل التحقّق ، في حين أنّ أمنية تميم كانت مستحيلة التحقّق، أي ممتنعة لامتناع شرطها، فالحوادث لا تنبو عن الفتى لأن إمكان تحوّله حجرا أمر مستحيل ممتنع، لذا كان تميم معنيّا بالجانب السلبي من مبررات أمنيته، أمّا درويش فقد ساق مبررات مناقضة تستحق معها الحياة أن تعاش بإنسانيّة كاملة، إذ نجد رموز كثيرة في قصيدته تحيل دلالتها إلى الحياة وعنفوانها، كالعصفورة: ( أكلّما خمشت عصفورة أفقا ) التي ترمز للحياة برقّتها وقوّتها، وكالتماع الغيتارة مثلا، وعثور الأنثى على أنوثتها إلخ، لكن كل تلك المبررات لا تجعل الشاعر يقوى على الاختيار بسبب فلسطينيته وخصوصيّاتها، وإنما هو يقترح أمنيته على القارئ لينبّهه إلى غياب العدالة في تلك المعادلة الظالمة التي تجعل الفتى يودُّ لو أنّه حجرُ!
([508]) الأصابع في موقد الشعر، ص379، وللوقوف على الاستجابة للشرط الأيديولوجي في هذه القراءة ينظر ص 371 وما بعدها من المصدر نفسه .
([509]) ينظر، مثلا، المصدر نفسه، ص55 وما بعدها حيث يثور الناقد منفعلا وهو يتحدّث عن الذاكرة المشوشة في الشعر الحديث، فيقول: ( أي مدلول، مثلا، لعربات تعود بلا جياد، في قصيدة شاعر ولد وقد امتلأت شوارع مدينته بالسيارات …) دون أن يبحث عن المبررات الفنيّة والتعبيرية التي دعت الشاعر كي يقول:
حملت العربة
بالأنقاض … بذاكرة خربة
وانطلقت بي
بجوادين جريحين
بحوذي يتهدّم ..، بالريح…  إلخ
([510]) للاستزادة ينظر، المصدر نفسه، ص 178 وما بعدها.
([511]) كانت نسبة النصوص الحديثة المدروسة في كتاب ( الأصابع في موقد الشعر ) قياسا بالنصوص الشعريّة الكلاسيكية بمستوى الضعف تقريبا، إذ تناول الصكر في القسم التطبيقي الذي أطلق عليه: ( في الموقد ) ثمانية عشر نصّا شعريا، خمسة منها تراثيّة قديمة، وثلاثة نصوص تنتمي إلى مرحلة الإحياء وما بعدها، ومسرحيّة شعريّة واحدة، ونص شعري مترجم لكافافيس، وثمانية نصوص توزّعت بين السيّاب، ومحمود درويش، وأمل دنقل، ونزار قباني، وحسب الشيخ جعفر، وسامي مهدي، وحميد سعيد، وياسين طه حافظ..
([512]) الشعر والتوصيل، ص 97 .
([513]) البئر والعسل، ص 7.
وقد كانت معالجة الصكر في أغلب فصول الكتاب تعتمد علي منهج التأويل الذي يبحث عمّا وراء بنية سطح النص، أو فيما يظهر منه في القراءة الأولى، فيذهب الناقد بعد ذلك إلي بواطن عديدة يتيحها التأويل لاستظهار ما غاب في النصوص من متون، وعلى هذا المستوي من التحليل استثمر الصكر العنونة في الكتاب بما فيها  العنونة الداخليّة، وقد استند إلى حجج لسانيّة في النص نفسه عند تأويله، كقراءته: ( الحكمة الرعناء، حول القدرة التواصليّة في الجنون ) ص 91 وما بعدها، إذ يتناول أخبار بعض مجانين التراث وأشعارهم وأقوالهم فيصل إلى أن الجنون ليس قسيم العقل، وإنما هو قسيم المنطق السائد، أي أنّ المجنون الذي سئل عن سبب لبسه القلادة فقال: لكي لا أضلّ عن نفسي، ففعلت ذلك لأعرفها به، سيكون في منطقه عقل الآخرين وليس في منطقة اللاعقل التي توصف بها أفعال المجانين في العادة، لأنّ كلامهم يحتمل التأويل كأداء، فللجنون منطقه الذي تفصح عنه نصوصه التي يجب أن تفحص بمنطقها هي، حيث لا شأن للمألوف في تقويم صدقها أو كذبها لأنها تقترح نظاماً آخر للتعبير حريّا بالتأمل بوصفه وسيلة أخرى للتوصيل.
([514])البئر والعسل، ص8 .
([515])نفسه، ص 8  .
([516])نفسه، والصفحة نفسها. 
([517]) ينظر، روبرت سي هولب: نظريّة الاستقبال، مصدر سابق، ص 118 .
([518]) بشير حاجم: اشتغالية المناهج النقدية لدى حاتم الصكر، محاضرة على قاعة فؤاد التكرلي في مقر جمعية الثقافة للجميع، بغداد، بتاريخ 11/3/ 2011م .
([519]) ينظر، مقدمة كتابه: ما لا تؤدّيه الصفة، ص 5 وما بعدها .
([520]) ينظر، نفسه، ص5.
([521]) ينظر،. نفسه، والصفحة نفسها
([522]) ينظر، المنهج تحديا .. المنهج اختيارا، مصدر سابق، ص 68 .
([523]) ما لا تؤدّيه الصفة، ص 9 .
([524]) نفسه، ص5 .
([525]) نفسه، والصفحة نفسها.
([526]) ينظر، نفسه.
([527]) كتابة الذات، ص 10 .   
([528]) نفسه، ص 10 .
([529]) ينظر، نفسه، ص 13 .
([530]) ينظر، نفسه، ص 23 .
([531]) ينظر، نفسه، ص 45 .
([532]) ينظر، مثلا قراءته لبلاغة التكرار وشعريته في قصيدة محمود درويش( هنا تنتهي رحلة الطير ) ووقوفه عند دور الوظائف التي يهبها النص الحديث المنفتح للتكرار بأنماطه المختلفة على المستوى الشعري والبلاغي التصويري، وكما استثمرها النص المذكور المنبني على اطّراد التكرار وتتابعه ليؤدي وظيفة بلاغيّة تخدم فكرة القصيدة القائمة – أصلا- على التكرار، وهو تكرار يخدم فكرة استمرار الحياة وقانونها الأزلي ( المتكرر أيضا )، وهو ما يريد الشاعر محمود درويش إبلاغه، فوجد الإطار الشعري المناسب له من خلال الوظيفة التي يؤدّيها في النص الذي جعل الحياة أو الرحلة من منظوره ذات أفق محدد بأجل، وإذ تنتهي هذه الرحلة سينفتح أفق لطيور جديدة ولرحلات جديدة كي تواصل الحياة نواميسها .للاستزادة، ص 87 وما بعدها .
([533]) للوقوف على ذلك ينظر، مثلا دراسته المعنونة: صياغات أدونيس النهائيّة، ص 267 وما بعدها، حيث يتابع الصكر التغييرات التي يجريها أدونيس على أعماله الشعريّة من طبعة إلى أخرى تأكيدا لنزعته الحداثيّة، وهو ما يمنح نصوص أدونيس تحولا دلاليا جديدا يراه الصكر جديرا بالمتابعة والاستقصاء…
وينظر، أيضا دراسته الموسومة: السندباد البحري، والسندباد الشعري، شظايا أسطورية، ص 47 وما بعدها، حيث يستقصي الصكر الصورة الأسطورية لنموذج السندباد وتحولاتها من المستوى الواقعي إلى المستوى الشعري، وكما تعامل مع ذلك  شعراء الحداثة العرب بوصف السندباد نموذجا للبطولة، أو للانسحاق، أو للمنفى، أو للخيبة، أو للقلق ….إلخ .
([534]) ينظر، مثلا وقوفه على الوظائف ( ما بعد النصيّة ) التي تؤديها مجموعة الإشارات، وصورة اللوحة التي رسمها جواد سليم على غلاف ديوان الشاعر حسين مردان ( قصائد عارية ) وأثرها في تداولية النص ووصوله للقارئ، وذلك ضمن مبحثه المعنون: ترويض أنكيدو، لوحة غلاف، ص 38 وما بعدها من كتابة الذات.
([535]) ينظر، كتابة الذات، ص 10 .
([536]) ينظر، نفسه، ص 7 .
([537])نفسه ، ص5 .
([538])ترويض النص ، ص7 .
([539]) علي حسن الفوّاز، وظائفيّة الناقد الإجرائي، مصدر سابق .
([540]) ينظر، نفسه .
([541]) ينظر، نفسه .
([542]) ترويض النص، ص 27 .
([543]) ينظر، المصدر نفسه، ص8 .
([544]) ينظر، تيري إيغلتون: مقدمة في النظرية الأدبية، ترجمة: إبراهيم جاسم العلي، مراجعة: د. عاصم إسماعيل الياس، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، 1992م، ص 234 .
([545]) بشير حاجم: تصاعديّة القراءة في نقديّة حاتم الصكر
([546]) ينظر، صالح زامل حسين: مناهج النقد الأدبي في العراق، من 1980-2005، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كليّة الآداب، جامعة بغداد، 2008م،       ص 240 .
([547])  المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
([548]) ترويض النص، ص 40 .
([549]) مرايا نرسيس، ص5.
([550]) ينظر،  دراسته لمطوّلة السيّاب ضمن كتابه: مرايا نرسيس، ص 198 وما بعدها .
([551]) ينظر، مرايا نرسيس، ص78.
([552]) للاستزادة، ينظر نفسه، ص 105 وما بعدها .
([553]) للوقوف على ذلك ينظر، المصدر نفسه، ص 159 وما بعدها .
([554]) للاستزادة ينظر، نفسه، ص 184 وما بعدها .
([555]) ينظر، نفسه، ص 219 وما بعدها .
([556]) للاستزادة ينظر، نفسه، ص 258 وما بعدها .
([557]) نفسه، ص  6 .
([558])  نفسه، ص 7 .
([559]) النرجسيّة: حالةُ من يعشق نفسه، وبخاصة جمال وجهه، واشتقت اللفظة من ( نرسيس ) وهو شخصيّة أسطوريّة ورد ذكرها في الميثولوجيا اليونانيّة التي أشارت إلى أنّ نرسيس كان بارع الجمال، وقد وصل يوما إلى قرب ينبوع فرآى في الماء صورة وجهه فأعجب بها واستغرق في نشوة داخليّة تائقا في غيبوبته إلى التملّي من ذاته الأخرى، غير أنّه عجز عن تحقيق رغبته فانضنى ألما حتى مات، وتحوّل إلى زهرة من نرجس… ينظر، جبور عبد النور: المعجم الأدبي، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1984م، ص 279 .
([560]) للوقوف على ذلك ينظر الباب الثاني الموسوم: قصائد السرد الذاتي، من مرايا نرسيس، ص71 وما بعدها .
([561]) للوقوف على ذلك ينظر، نفسه، ص 140 وما بعدها .
([562]) يبدأ حاتم الصكر مقدمة كتابه ( حلم الفراشة ) بالقول: في قصيدة من الشعر الصيني القديم، تستيقظ المرأة الحالمة فلا تعلم إن كانت فراشة حلمت أنها امرأة، أم امرأة حلمت أنها فراشة. وهكذا تتماهى المرأة بالفراشة، فتغدوان كائناً واحداً، بحلم مشترك. حيث أنه يعقد بين الشعر وقصيدة النثر وشيجة حلمية شبيهة بذلك أيضاً. حيث لا ندري هل أصبح الشعر نثراً أم النثر هو الذي حلم أنه صار في القصيدة شعراً؟ وهو ما جعله يختار هذا العنوان تحديدا لكتابه المذكور… ينظر، حلم الفراشة، ص 7 .
([563]) ينظر، ما لا تؤدّيه الصفة، ص 27 وما بعدها، حيث ينشر الصكر دراساته الأولى عن قصيدة النثر ضمن سلسلة كتبه من خلال بحثه الموسوم: حول الإيقاع والإيقاع الداخلي في قصيدة النثر .
([564]) ينظر، حلم الفراشة، ص 8 .
([565]) للوقوف على ذلك ينظر، مثلا، تحليله إحدى مخاطبات النفري اعتمادا على انتظام الضمائر في المخاطبة على نسق من التعاقب المقصود لإحداث التغيير المعنوي في النص المذكور، ص 42 وما بعدها من المصدر نفسه .
([566]) ينظر، للوقوف على ذلك قراءته لقصيدة أنسي الحاج ( فتاة فراشة فتاة ) ص 65 وما بعدها من المصدر نفسه .
([567]) ينظر للوقوف على ذلك قراءته لقصيدة محمد الماغوط ( أغنية لباب توما ) ص47 وما بعدها من المصدر نفسه .
([568]) نفسه، ص83.
([569]) في غيبوبة الذكرى، ص 16 .
([570]) نفسه، ص 16 .
(([571]في غيبوبة الذكرى ، ص 17 .
([572]) ينظر ، نفسه، ص 15 .
([573]) حاتم الصكر: في جدوى القراءة الاستعاديّة، مقترح، الموقع الألكتروني الشخصي، مصدر سابق.
([574]) المصدر السابق نفسه .
([575]) قصائد في الذاكرة، ص 10 .
([576]) قصائد في الذاكرة، ص 10 .
([577]) نفسه، ص 11 .
([578]) صالح زامل حسين: مناهج النقد الأدبي في العراق، مصدر سابق، ص 14 .
([579]) ينظر للاستزادة، مثلا، سعيد الغانمي، مئة عام من الفكر النقدي، ص 203 وما بعدها .
([580]) ينظر، مثلا مقاله: التنوّع والاختلاف في شعر ما بعد الستينات، ضمن كتابه: بريد بغداد، مصدر سابق، ص 9 وما بعدها ، وينظر، مرايا نرسيس، ص 181، وينظر أيضا، موقع مدد يحاور حاتم الصكر، مصدر سابق .
([581]) للوقوف على دراسات الصكر المتعلّقة بإشكاليّة المنهج، ينظر مثلا:
كتابه: ترويض النص بفصوله الثلاث، ص27 وما بعدها .

  • المنهج تحديّا المنهج اختيارا، مجلة الأقلام، مصدر مذكور سابقا.
  • الممارسة النقديّة من النص إلى القارئ، مجلة الأقلام، مصدر مذكور سابقا .
  • الأسلوبيّة وطاقات النص، علميّة الأسلوب وأسلوبيّة التقبّل، ضمن كتابه: ما لا تؤديه الصفة، ص 7 وما بعدها .
  • الأسلوبية وتحليل النصوص الأدبيّة، ص 17 وما بعدها من المصدر السابق نفسه.
  • في تجربة النقد الأدبي المعاصر في اليمن، مصدر سابق .
  • الأنساق الثلاثيّة في التجربة النقدية الحديثة، نقد النقد والأصوات الشعرية في منظور المقالح النقدي، مصدر سابق..

([582]) حاتم الصكر: الكتابة اللامنهجيّة تعليق على النص وشرح له، مصدر سابق، ص 50 .
([583]) ينظر، الأصابع في موقد الشعر، ص 7-8 .
([584]) لا يخرج الصكر كثيرا عن حدود  هذه القاعدة حتى في دراساته المتأخرة، إذ يدرس- على سبيل المثال –  نصا واحدا من نصوص الشابي هو (قال قلبي للإله) لكنه يعوّل على خصوصيّات الشابي وحياته العامة، فيجعله جسراً ثقافياً بين المغرب والمشرق، لأنه جاء في مطلع نهضة أدبيّة وشعريّة حاسمة، وفي مرحلة من البحث عن طرق جديدة في الفن والحياة، وهو- أي الشاعر الشابي – قد ألغى المسافات التي باعدت بين المشرق والمغرب ثقافياً واجتماعياً، وفي الفن حيث كانت أشعاره لوحات تجسد المنحى الرومانسي الذي انتشرت ظلاله في أدب العالم وفنونه المختلفة بعد صدمة الحرب الكونية الأولى وبشاعة آثارها المدمرة على البشر والطبيعة والحضارة الإنسانية، ومن الواضح أنّ هذه مجموعة أمور تقع خارج نسيج النص اللعوي.
وفي الجانب الآخر، أي النص يسجّل الصكر أن للشابي أدوات أسلوبية تترجم إحساسه وانتصاره للحياة في نصّه هذا. ومن أبرز تلك الأدوات: سهولة المفردات والتراكيب، وقصر الجمل الشعرية، وتوخي الموسيقى الهادئة والإيقاعات الأليفة وتنويع القوافي والأشطر الشعرية تحديثا وملاءمة لإيقاع عصر النهضة الأدبية الشاملة، ثم  يأخذ الصكر بتلقّف الإشارات التي تبعثها المفردات والصور والتراكيب والإيقاعات والدلالات دون تحجيم، ولا إخضاع لفترة أو مرحلة وسمت شعر الشاعر بميزة ما… إلخ، وهكذا ينوّع الصكر الناقد في إجرائه عند التطبيق بين النص وما حوله في قراءته هذه… ينظر للاستزادة، دراسته: قال قلبي للإله (في مئوية الشابي مغنّي الحياة.. ومدوّن أوجاعها) ضمن كتابه: في غيبوبة الذكرى، ص 165وما بعدها.                   
([585]) حاتم الصكر:  الأجناس الأدبية لا تتصارع وهذا سبب رفضي لمقولة (زمن الرواية) حوار أجراه: خالد بيومي، جريدة روز اليوسف المصرية في 23/7/2013م.
([586]) ينظر، المصدر السابق  نفسه .
([587]) ينظر، ديفد ديتش: مناهج النقد الأدبي بين النظريّة والتطبيق، ص 599- 600 .
([588]) ينظر، أحمد مطلوب: منطلقات نقديّة، في (ندوة اتجاهات النقد الأدبي الحديث في العراق) قسم اللغة العربية- كلية التربية- جامعة الموصل 1989، ص 2، نقلا عن د. شجاع العاني : قراءات في الأدب والنقد، مصدر سابق، ص 237.
([589]) ينظر، محمود جابر عباس: حركة نقد الشعر العربي في العراق 1968-1980، رسالة ماجستير مطبوعة على الالة الكاتبة، كلية الآداب، جامعة صلاح الدين، 1989م، ص 12 .
([590]) ينظر، شجاع العاني: النص في النقد الأدبي الحديث في العراق، مجلة الأقلام، بغداد، 11-12، 1989م، ص74 وما بعدها .
([591]) د. شجاع العاني، قراءات في الأدب والنقد، مصدر سابق، ص 234 .
([592]) د. حسين عبّود حميد الهلالي: المناهج النقديّة في نقد الشعر العراقي الحديث، عرض نظري ونماذج تطبيقيّة، أطروحة دكتوراه، مصدر سابق، ص 287  .
([593]) المصدر نفسه، والصفحة نفسها .
([594]) الدكتور عناد غزوان: نقد الشعر بين التأثّريّة والمنهجيّة، مصدر سابق، ص 35 .
([595]) ينظر، للوقوف على استخدام الصكر لمصطلح ( الما بين، أو الوسطى ) ترويض النص، ص 75 .
([596]) صالح زامل حسين: مناهج النقد الأدبي في العراق، مصدر سابق، ص 190 .
([597]) ينظر، نفسه، ص 232 .
([598]) نفسه، ص 233 .
([599]) ينظر، نفسه، من ص 232 – 241 .
([600]) زهراء خالد: عنونة الكتب النقديّة عند حاتم الصكر، مصدر سابق، ص23 .
([601]) ينظر على سبيل المثال، تحليله لقصيدة ( مأساة النرجس وملهاة الفضة ) لمحمود درويش ضمن كتابه: ما لا تؤدّيه الصفة، ص107 وما بعدها .
([602]) ينظر، ترويض النص، ص 147 .
([603]) الأصابع في موقد الشعر، ص 198 .
([604]) نفسه، ص198 .
([605]) للاستزادة بذلك ينظر، مبحثه الموسوم: شيء من ضجرات المتنبي واختياراته، المصدر السابق نفسه، ص 220 وما بعدها .
([606]) ينظر قراءته: شهادة من زمن الطوفان، المصدر نفسه، ص 350 وما بعدها .
([607]) ينظر، ترويض النص، ص 29 وما بعدها .
([608]) ينظر، نفسه، ص 147، وما بعدها .
([609]) ينظر، نفسه، ص 152 ، وما بعدها .
([610]) ينظر، نفسه، ص 156 وما بعدها .
([611]) ينظر، نفسه، ص 102 وما بعدها ، وينظر، أيضا، ص 149 وما بعدها .
([612]) ينظر، نفسه، ص89 وما بعدها .
([613]) ينظر، نفسه، ص 98 وما بعدها .
(([614] ينظر، نفسه، ص 105 وما بعدها .
([615]) ينظر، نفسه، ص 111 وما بعدها .
(([616] ينظر، نفسه، ص 117 وما بعدها .
([617]) ينظر مقابلة مع الناقد حاتم الصكر أجرتها معه: مجلة حرّاس الوطن بتاريخ، 14/8/1988م، نقلا عن د. حسين عبود الهلالي: المناهج النقديّة في نقد الشعر العراقي الحديث، ص 288 .
([618]) ينظر، المصدر السابق نفسه .
([619]) ينظر، مواجهات الصوت القادم، ص48 .
([620]) ينظر، ترويض النص، ص 28 .
([621]) ينظر، نفسه، ص 28-29  .
([622]) ينظر، المنهج تحدّيا.. المنهج اختيارا، مجلة الأقلام، مصدر سابق، ص 72 .
([623]) ينظر، مثلا، تحليله لقصيدة أنسي الحاج ( فتاة فراشة فتاة ) التي سنعرض لها، و دراسته لقصيدة سامي مهدي: حين تعلمنا الأسماء، فقد خرج من هذه الدراسة التي عنونها: أنشودة الندم أو قصّة الخليقة الشعريّة إلى أنّ النص المذكور قد أخذت فيه فكرة (الزوال) بعدا فلسفيّا تاريخيا اختلف عن قصائد الشاعر السابقة التي تطرقت إلى هذه الفكرة، إذ إن ما شدّ الشاعر في هذا النص إلى تأمل الزوال عبر اليوميات المباشرة التي حفل بها النص هو المصائر البشريّة بمعناها الكوني الأعمق.. بدءا من الخلق والاتصال وانتهاء بالتهدّم والندم، للاستزادة، ينظر، حاتم الصكر: النشوة والندم أو قصة الخليقة الشعريّة، مجلة الأقلام، العدد8 آب 1986م، ص 126 وما بعدها .
( ([624] حواره: النقد يضيء ويعدل مناظير القراءة، مصدر سابق
([625]) ينظر، ما لا تؤدّيه الصفة، ص 17 وما بعدها .
([626]) ينظر، نفسه، ص23 .
([627]) نفسه، والصفحة نفسها .
([628]) ما لا تؤدّيه الصفة ، ص24 .
([629]) نفسه، ص 24 .
([630]) ينظر، نفسه، ص 25 .
([631]) ينظر، نفسه، والصفحة نفسها .
([632]) ينظر، نفسه.
([633])ما لا تؤدّيه الصفة، ص25 .
([634]) ينظر، نفسه.
([635]) ينظر، نفسه، والصفحة نفسها.
([636]) ينظر، نفسه.
([637]) ينظر، مرايا نرسيس، ص 181 .
([638])نفسه ، ص 184 .
([639]) ينظر، نفسه، ص 185 .
([640]) نفسه، ص 193 – 194.
([641]) ينظر، نفسه ، ص  187 .
([642]) ينظر، نفسه ، ص 194- 195 .
([643]) ينظر، نفسه، ص 196 .
([644]) ينظر، نفسه، والصفحة نفسها .
([645]) مرايا نرسيس، ص 196  .
([646]) نفسه، والصفحة نفسها .
([647]) نفسه.
([648]) ينظر، نفسه ، ص 197 .
([649]) نفسه ، والصفحة نفسها.
([650]) ينظر نفسه، والصفحة نفسها .
([651]) نفسه، ص 198 .
([652])نفسه ، ص 198 .
([653]) نفسه، ص 198.
([654])نفسه، ص198.
([655]) بدر شاكر السيّاب: المجموعة الشعريّة الكاملة، مصدر سابق، ج 1، ص 266 .
([656]) ينظر، مرايا نرسيس، ص 199 .
([657]) ينظر، نفسه، والصفحة نفسها .
([658]) ينظر،. نفسه، ص199.
([659]) ينظر، نفسه، ص 200 .
([660]) ينظر، نفسه، ص 200- 201 .
([661]) نفسه،  ص 201 .
([662]) ينظر، ، ص 201 .
([663]) ينظر، مرايا نرسيس، ص 201.
([664]) ينظر، نفسه، ص 202 .
([665]) نفسه، ص 202.
([666]) ينظر، نفسه والصفحة نفسها .
([667])نفسه، ص 205 .
([668])  نفسه، والصفحة نفسها .
([669]) ينظر، نفسه.
([670]) نفسه .
([671]) ينظر، نفسه .
([672]) نفسه، ص 206 .
([673])  مرايا نرسيس ، ص 207 .
([674]) نفسه، والصفحة نفسها .
([675]) ينظر، نفسه .
([676]) ينظر، نفسه ، ص 208.
([677]) ينظر، نفسه، ص 208- 209 .
([678]) بدر شاكر السيّاب: المجموعة الشعريّة الكاملة، مصدر سابق، ج 1، ص 269 .
([679]) ينظر، مرايا نرسيس، ص 209 .
([680]) المصدر نفسه، والصفحة نفسها .
([681]) ينظر، نفسه .
([682]) مرايا نرسيس، ص 210 .
([683]) ينظر، نفسه،  والصفحة نفسها.
([684]) المصدر نفسه.
([685]) نفسه، ص 212 .
([686]) نفسه، والصفحة نفسها .
([687]) نفسه .
([688])مرايا نرسيس ، ص 212-213 .
([689]) نفسه، 213 .
([690]) نفسه، 214 .
([691]) ينظر، نفسه، ص 179 .
([692]) ينظر، حلم الفراشة، ص 64.
([693]) ينظر، أنسي الحاج: فتاة فراشة فتاة، مجلة شعر، العدد 33-34، بيروت، ص 29-30 .
([694]) ينظر، حلم الفراشة، ص 65 .
([695]) نفسه، والصفحة نفسها .
([696]) ينظر، نفسه، ص65 .
([697]) نفسه، والصفحة نفسها .
([698]) نفسه، ص66 .
([699]) نفسه .
([700]) حلم الفراشة، ص 67 .
([701]) نفسه، ص 68 .
([702]) ينظر، نفسه، ص68-69
([703]) نفسه، ص 70 .
([704]) نفسه، ص70 .
([705]) نفسه، والصفحة نفسها .
([706]) يحاول الصكر أن يدعم تأويله الذي يذهب إليه من دلالة التحوّل من فتاة انسلخت من وحدتها في الحلم لتغدو فراشة من خلال إيراده مجموعة شواهد من كتب التراث والمعاجم كقوله: (يقول الجاحظ: إن السلخ يصيب عامة الحيوان، والأسروع دويبة تنسلخ فتصير فراشة. كما أن الدعاميص قد تغدو حينا بلا أجنحة ثم تصير فراشاً وبعوضاً. ويقول: وربما ننزع الصمامة من رؤوس الآنية التي يكون فيها بعض الشراب فنجد هنالك من الفراش ما لم يكن عن ذكر ولا أنثى. وإنما ذلك لاستحالة بعض أجزاء الهواء وذلك الشراب إذ انضم عليه ذلك الوعاء. فقد يولد الناس من التعفين، الفراش وغير الفراش. وهذا خلق ينبني لنا عن أن تحوّلات الفتاة إلى فراشة وعودتها إلى صورتها البشرية استغرق زمناً ( يدلنا عليه البياض بين الكلمات) كما يساعدنا النص على الاهتداء إليه. وأن التحوّل إلى فراشة يجري بـجهل وضعف وسلخ، وهو ذو محمول جنسي توحيه أنوثة الفراشة شكلاً وبدافع اسمها المأخوذ من الفراش والافتراش، ولقرب مأخذه من النوم والحلم. كما سنرى أن الفتاة استعانت بوحدتها في تحوّلها كما تخلق الفراشة بالانسلاخ… ينظر، نفسه، ص 73 .
([707])ينظر،  نفسه، ص71 .
([708]) يشير الصكر إلى مجموعة قرائن تدلّ على المحمول الجنسي لكلمة فراشة، فالمرأة يقال لها فراش الرجل وإزاره ولحافه، وفي قوله تعالى: (وفرش مرفوعة) أٌريد بالفرش نساء أهل الجنة ذوات الفرش، وقيل للنساء فرش ومفارش لأن الرجال يفترشونهنّ للّذة، وكذلك الفرس يقال لها أفرشت إذا استأتت أي طلبت أن تؤتى، والمال المفترش: المغتصب قد انبسطت فيه الأيدي، وافترش عرض فلان أي استباحه بالوقيعة فيه. وحقيقته جعله لنفسه فراشا يطؤه، ويلازم معنى الافتراش: ضعف وصغر. فالفرش صغار الإبل، ويقال فراش للخفيف الطيّاشة من الرجال…. ينظر نفسه، ص 71-72
([709])حلم الفراشة، ص71 .
([710]) ينظر، نفسه ، ص 74 . إذ يعود الصكر مرّة أخرى للاحتكام للدليل اللساني فيقول في الصفحة ذاتها: (يفسر اللغويون الحلم بأنه ما يراه النائم في المنام (وهو شر غالباً) ومنه أضغاث أحلام ، بينما غلبت (الرؤيا) على الخير. وهكذا يفسر الحلم بـ الفراشة بأنه رؤية (عدو ضعيف مهين عظيم الكلام)، وقد يتراءى بصورة مموهة فراشة من ذهب يغشى سدرة المنتهى فيها روح الإنسان)
([711]) ينظر، نفسه، ص74 .
([712]) نفسه، والصفحة نفسها .
([713]) نفسه، ص74-75 .
([714]) ينظر، نفسه، ص75 .
([715]) نفسه .
([716])حلم الفراشة، ص75 .
([717]) ينظر، نفسه ، ص 75- 76 .
([718])نفسه، ص76 .
([719]) ينظر، نفسه ، ص77 .
([720]) ينظر، علي حسن الفوار، وظائفيّة الناقد الإجرائي، مصدر سابق .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*