حاتم الصكَر التنوع النقدي وحداثة الكتابة. د.أسامة غالي

 

الدكتور أسامة غالي،وهو العاكف على مساءلة الخطاب الصوفي وأدبياته وسير أعلامه،والمفكر المسكون بالأسئلة ، والراصد للحداثة العراقية كما تجسد في مجلته كتاباته وفي تحريره لمجلة (الثقافة العراقية) ،يتوقف عند بعض كتبي،
ويؤشر التحولات والاهتمامات بدقة و باستذكار نبيل، له الشكر الوافر.
ولي أن اعتز بما كتب .
اشكره أيضا لأنه قرن ما كتب بالبورتريت الذي رسمه وأبدع الفنان الراحل العزيز الدكتور عاصم فرمان.تخطيط الراحل الكبير  الفنان د. عاصم فرمان

 

 

11 س 
حاتم الصكر
التنوع النقديّ وحداثة الكتابة
—————–
في الثقافة العراقيّة، في حداثتها الفنيّة والأدبيّة، ظهر فنانون ومبدعون، وتشكّل في ضوءٍ من هذا توصيف الريادة، ثم توالت أسماء مهمة شكّلت ما يعرف بالأجيال، الخمسينيين، والستينيين، وما بينهما. وبعيداً عن هذه التوصيفات والمحددات وإشكاليتهما، رافق النقدُ هذه الاشتغالات، وتابعها معرّفاً بها، محدداً مدى استجابتها لأسئلة التحديث، متخذاً منها طريقاً في تدشين مناهج نقد مجاورة، ورؤى مبتكرة، وأساليب جديدة. وكانَ من بين هولاء نهاد التكرلي، ونقاد آخرون زاولوا ضروباً أخرى من النقد. ومضى النقد العراقيّ خطوةً في الطريق إلى الحداثة، نظير الفن، والسرد، والشعر، غير أن أغلب النقاد كانوا يشتغلون في إطار واحد، الأدب بتنويعاته، أو الفن، التشكيل والمسرح بخاصةٍ، من دون أن يتجاوز اشتغالهم هذه المحددات، ناقداً أدبيّاً، ناقداً فنيّاً.
وكان جبرا إبراهيم جبرا استثنائياً في تجاوزه، فكتبَ عن الشعرِ والروايةِ والتشكيل، عن “المرايا والمسرح” لأدونيس مثالاً، و عن “النهايات” لعبد الرحمن منيف، وكتب عن أعمال الفنان إسماعيل الشيخلي، وكتبَ، أيضاً، عن مسرحيات غسان كنفاني، وإلى جوار نقده التطبيقيّ تجيء رؤاه النقديّة في مفهوم الأدب والفن بعامةٍ، وفي هذا كلّه لا ينحاز إلى شكلٍ دون آخر. فيكتبُ عن السياب رائد الشعر العراقيّ الجديد و عن الجواهري، إضافةً إلى مساهماته الإبداعيّة في الشعر والرواية والمسرحية والرسم، تيك التي تتخذ من أسئلة الحداثة اشتغالاتٍ مختلفة، ولا يعدمُ اسهامه في الترجمةِ، أيضاً، الذي شكّل ملمحاً مهماً من ملامح سيرة جبرا الإبداعيّة.
هذا التنوع النقديّ وحداثة الكتابة يتجليان في الثقافةِ العراقيّة بشكلٍ واضحٍ مع الفلسطينيّ العراقيّ جبرا ابراهيم جبرا، ثم مع الدكتور حاتم الصكر.
قرأتُ الدكتور الصكر فيما كتبَ من نقد أدبيّ في مجلاتٍ عراقيّة وعربيّة، كـ “الأقلام”، و “آفاق عربيّة”،و “الطليعة الأدبيّة”، و”الأديب المعاصر”، ومجلات أخرى، ثم عربياً في مجلة “دبيّ الثقافيّة”، كانَ عموده الثابت “فكر”.
نبهني إلى ما يكتبُ تنوعُه في النقد، عن الشعر وما يجاوره، وعن الفنِ وما يتصل به، وعن قضايا ثقافيّة شديدة الأهمية. والحداثة في الكتابة هي الأخرى كانت تحفز الرغبة بالمتابعة، وهي تفتحُ آفاقاً جديدة، فقد قرأتُ، مرّةً، له دراسةً عن عبد القاهر الجرجاني، اتفقَ أن أتعرّف أكثر إلى هذا التنوعِ، و الصلةِ مع القديمِ في كتابات الدكتور الصكر، وهي صلة تقوم على المساءلة، وعلى رصدِ الجذورِ الأولى في المدوّنة النقديّة القدمى ومتابعتها، وفي كتبه، طبعاً، تعرفتُ إلى الحساسيةِ النقديّة الجديدة بشكلٍ أوسع، وفي متابعته المتواصلة للنتاجات الأدبيّة والفنيّة المعاصرة؛ إذ يكتب عن، السبعينيين، والثمانينيين، والتسعينيين، وما جاء فيما بعد، في الشعر، بحثاً عن صوتٍ آخر، وعن حداثة في الرؤيا والبناء والمعالجة بمعزل عن قرار الشكل، و بلاغة الايقاع. وفي التشكيل عن أساليب أكثر ابتكاراً.
إنّ التنوع النقديّ في تجربة الصكر لا ينبجس عن تنوع الاشتغال حسب، بل ينبجس، بشكلٍ رئيس، عن الوعي بتجاوز الفواصل بين الفنون والآداب، وهو وعي ثقافيّ قبل أن يكون وعياً نقدياً. وإذا ما كان النقد، بوصفه وعياً، يتشكل في ضوء مكونات ثقافيّة، ترفده، وتعززه، وهي مكونات متنوعة، ثم تطبيقياً تقف إلى جواره بوصفها مرجعيات ثقافيّة.
وهذا التنوع أوضح فاعليات الحداثة واستجابة التحديث، الذي أدرك ضرورته الدكتور الصكر مبكراً، وواصل الكتابة في ضوءٍ منه، في “ذاكرة الشمعة” مثالاً. في الصفحة الأخيرة من مجلة “آفاق عربيّة”، إذ يقول: “هل يمكننا النظر إلى عالمنا من الشرفات والنوافذ؟ هل نكتفي بتلقي ما يحدث من تحولات دون تفاعل ودون فعل؟ إن الإقامة في العصر ليست انتماء أرضيّا إلى كوكب، ولا انتماء زمنياً إلى عصر. إنّها إسهام فاعل في صنع اتجاهاته وأفكاره، في الذهاب إلى قلبه لا المكوث في حواشيه أو هوامشه”.
وإذا ما كان قلب العصر يخفق بهذا التنوع، بتجاوز الفواصل بين الفنون والآداب من جهة، وبين الأنواع الأدبيّة من جهة ثانية، فمجاسّ هذا النبض ليسّ بوسعها سوى أن تكون متنوعة أيضاً، لتقترب منه وتتفاعل معه بشكلٍ حيوي، وهذا ما يبدو في اشتغالات حاتم الصكر، تنوعاً وتجاوزاً، سواء في إطار اشتغالاته العام، وهو يكتب عن الشعر بتنويعاته “مرايا نرسيس” مثالاً، أم عن السرد بتنويعاته، أو الفن بتمثلاته “أقوال النور”، ودراسات أخرى، منها: “جماليات النحت الشعبي” متخذاً من الفنان الفطري منعم فرات نموذجاً، وهي دراسة نُشرت في مجلة “الثقافة العراقيّة”.
يلفى في التنوع النقدي- عند حاتم الصكر – اشتغال على تجارب مختلفة، ولأجيال مختلفة، فإلى جوار جواد سليم يكتب عن صدام الجميلي، وإلى جوار الشاعر علي جعفر العلاق، مثالاً، يكتب عن باسم فرات، وتجارب شعرية أخرى تضمنها كتاب “بريد بغداد”. وفي هذا كلّه يفتح آفاقاً جديدة، آفاقاً يتداخل فيها ما هو شعري وما هو غير شعري، آفاقاً تتسع لجميع أشكال الإبداع والكتابة.
بهذا التوصيف للتنوع النقديّ وحداثة الكتابة عند الدكتور الصكر، تبدو، أيضاً، اشتراطات المزاولة النقديّة، بدءاً بالاختيارات، اختيار الأعمال أو النصوص التي يشتغل عليها، ثم الكتابة عنها، وهي اشتراطات داخليّة، أيّ اشتراطات تتصلُ بالأثر الفنيّ أو الأدبيّ، في موضوعاته وأساليبه، و مضامينه وأشكاله، وفي مدى استجابته للتحديث ورهان التجاوز، وابتعاده عن الاجترار لما هو تقليدي وسائد، أو بتعبير إليوت: ما يجعل الإبداع يقفُ بذاته وليس بما حوله.
————

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*