عن مرافىء المدن البعيدة شعر/حاتم محمد الصكر -عرض حميد حسن جعفر

من صفحة الصديق الشا عر حميد حسن جعفر على الفيسبوك
عرض /حميد حسن جعفر
جريدة ::التآخي /الصفحة الثالثة 21/9/74
الصورة للشاعر  حميد حسن جعفر
أن أكثر الأشياء التي تثير قاريء ديوان الشاعر حاتم محمد صكر –مرافيء المدن البعيدة -و الذي يضم قصائد كتبت في الفترة الزمنية الممتدة ما بين عام (1961–1974 )أن معظم قصائد الديوان تكاد تكون مقطوعة الصلة بفترة الستينات التي بات فيها السعر في حالة مخاض قاسية باحثا عن منفذ له من بين ركام التراكيب السريانية و التلاعب بالألفاظ و انحصاره ضمن مواقع السام و الضجر و الغثيان !هذه الفترة التي كبلت الشعر بأدوات خلفتها حالات أحلام اليقظة و الكتابة في حالة غياب الوعي عن طريق و تناول المخدرات !غارقا حتى آخر ابتكاراته في هلوسة لغوية و فكرية ،فظل معظم الشعر مسلوبا من مضامينه الثورية التي تبحث عن الانسان الذي يغرس قدميه في الأرض غير مبارح إياها إلى عوالم الضياع !و كذلك ظهرت الإشكال المفرطة بالهروب من الواقع والتي لم تستطع رغم البهرجة الحرفية و المساحيق اللفظية من أن تنبت تحت أمطار الإنسان الذي يعيش على خارطة هذا الوطن ،غير قادرة على تقديم الكشوفات المستقبلية !و ربط القاريء بواقعه ،و نتيجة للانفصال الذي كان يعيشه أغلب الشعراء بين ما يقراؤنه وما يكتبون لعدم وضوح الرؤية الفكرية !راحت هذه الأغلبية ترسم عوالم من الانتظار الممل !رافض هذا العصر جاعلة من نفسها أنبياء يقدمون ممارساتهم على شكل قصائد فضفاضة تصلح لكل الموجات التي تبشر بالنفي الداخلي للإنسان المعاصر و تدعو للعزلة لأن هذا العصر –حسب رؤيتهم –لا يستحق الحياة ،فكل شيء في قرننا العشرين خواء و فراغ ،كأنهم لم يقرأ ولم الشاعر الإنساني العظيم –ناظم حكمت –في قصيدته –حول القرن العشرين –حين يقول ::
–انا لم أندم يوما لكوني أتيت لهذا العصر باكرا
أنني من القرن العشرين
وان فخور بذلك
حسبي أن أكون من القرن العشرين
و مع الرجال الذين انا منهم
وان أقاتل في سبيل عالم جديد —
فلا غرابة في أن نرى الشاعر مبتعدا عن هذه الموجة التي عاشها الشعراء في حالة قلق و إحباطات نفسية و فكرية !
فالشاعر يحدد رؤيته في أول قصائد المجموعة ففي قصيدة –عن الشعر –نقرأ له
حين يكون الشعر
نبوءة العراف -في كتب الخرافة -تعويذة للسحر –أو نزوة بلا ثمن -في عالم تهوى به النجوم –مكسورة جريحة –و البسمة الذبيحة –تذوي على الشفاه –نموت في أسى و صمت –و الشعر ظلمة و موت!
نراه يقدم تعريفا بسيطا من أنه –ظلمة و موت — أن كان الشعر عالما للجزع و الحزن أو أداة للمشعوذين و السحرة في زمن تساقطت نجومه و غرق في بحر الليل ،و لكننا في المقطع الثاني من القصيدة يحدد الصفة الاخري من عالم الشعر الذي جب أن يكون فيها
–حيث يكون الشعر –عصا ألكسيح أو يد الغريق —أو لقمة البائس أو رداء –و اذرعا تطلع في الدجى الصباح –و بسمة خضراء تملأ الشفاه –فالشعر دفقة الحياة ،،
فإذا ما قرانا -عن الشعر و عبرنا بنظرنا إلى العالم الذي يريدان يبنيه الشاعر بعيدا عن اللف و الدوران و افتعال الفوضى و احتلال مواقع غيره !والذي يهبط بالقصيدة أكثر مما يصعدها ،عرفنا سبب ابتعاده عن البحث عن الأشكال التي لا تمنح الشعر سوى هوة واسعة مبعدة اياه عن ألجماهير! ضمانة على القصيدة حتى ب –عصا ألكسيح والذي يد الغريق —
ولذا نرى أن أغلب القصائد لها صلتها القوية بفترة النصف الأول من الستينات ،تحتفظ بصفاء العبارة و طراوة اللغة وقد تشطح بعض القصائد إلى شيء من الغنائية الجميلة
و تتجاذب قصائد الديوان ثلاثة مدارات رئيسة هي السفر و الحلم اللذان يتحدان ليكونا الدرب الموصل الى المدار الثالث إلى المدينة التي يبحث عنها ،أنه يبحث عن مدينة الأرض لا –يوتوبيا –غربية تصممها تحركات اللاوعي !
السفر
)مسافرا في الحلم و الأشعار
لواحة يصنعها الإنسان
يتخذ السفر الذي يرسمه الشاعر طرقا تغوص في باطن الأرض !ففي القصيدة التي تحمل عنوان –أخبار الشتاء و الصيف –نحس بأن القصيدة ستتخذ من التنقل و السفر عالما لها !لكي تتمكن من توصيل ما تريد أن تقوله !فيبدأ المقطع الأول منها ب –عدنا من إلينا الصيفية -و ليبدأ المقطع الثاني ب –كانت رحلتنا الشتوية –و المقطع الثالث ب –و يقول الراوي :أن الجمع الالعاب من صلب المهزومين -يعاين إرث قريش –!
ففي هذه القصيدة التي يزاوج فيها الشاعر بين الماضي و الحاضر !رحلة الشتاء بحرب تشرين !و رحلة الصيف بحرب حزيران تلتقي الرحلتان /الحربان في النهاية مكونتين في مخاضهما العسير جيلا يحمل فوق كتفيه عذابات الماضي و كشوفات المستقبل ،نازعا عنه إرث المهزومين و ثياب الخيبة ،طارحا فوق جسد يوميات الزمن الذي سيقف إلى جانبه !
وفي قصيدة –صيحات في جهات الأرض الأربع –وضمن المقطع الثالث -رحلة الفلسطيني التائه –إلى –خليل سلامه –وضمن الذي عل منه الشاعر رمزا لجيله، الذي طرد من أرضه و نزع منه تاريخه و الذي راح يتنقل عبر المطارات حاضنا هموم الملايين من أبناء شعبه ،حاملا –حقيبة كبيرة -و–معطفا أنيق –و بسمة مكابرة —
نرى هذا الإنسان المحمل بأعباء الآخرين يحس بأن العالم ينمو بين يديه اذا ما سار فوق الشوك عاريا –حيث تلتصق القدمان بالأرض ،نراه يحس بأن عالمه من دون –سلك شائك –أحس أن رحلة كبيرة –تعيش بانتظاره -أحس أن خلفها مصيره —
و يسافر الشاعر في قصيدة –موشحات عراقية –في ظل سارية لمركب غريق –حيث —ترفعه أنامل الإنسان –و ضفاف الأنهار –غائصا في لجة الجرح حيث يكون –الصبح علامة الطريق —مادا اذرعه عبر مفازات المياه رائيا وجهه و ملامحه –على ثياب عامل فقير –هذا العامل الذي يترك أهله من أجل لقمة العيش والذي يحلم بالعودة و اللقاء كما –يحلم المساء بالشموع –ولكن نراه بعيدا عوالم رح و الاهل حتى في أحلامه التي لم تضمر له سوى رطوبة الدموع ،فلذا نرى الشاعر يرسم لنا صورة هذا العامل /الإنسان الذي لا يمتلك سوى إنسانيته والذي تلف في كريتر –الشوارع و صخرها الصلد –و بحرها الذي يموج بالنيران —
هذا العامل الذي يحلم بواحة ليس فيها جشع الآخرين أنها -واحة يصنعها الإنسان –مانحا إياها عرقه و أعصابه ،
و يستمر الشاعر في سفره !ففي قصيدة –اغنية الطير الاخرس –نراه –عبر الومض ممزقة الحدود و واضعا على صدره أحلام –اغنية نارية –منتظرا فرصة العبور الضفة الأخرى !فعليه أن يسبق الملوك و اللصوص –رأسما على علامات سفره –أطفالا ثوار و فقراء–و اجسادا –بلا وشاح تبحث عن عبور –حيث آلاكف لا تمتليء -بالجراح –ولا تتكسر –آنية الزهور –حيث تنتهي –أبحر الديجور –حيث تأتي أصبع ل –تشعل المصباح —
و تأتي نهاية المطاف –غدا ستنطوي المسافة –نلمس الضفاف –لكي تنتهي الخطوات التي تغور –بطوفان الرمل و –تشرد السنين –و–لوعة التذكار —
فماذا يحمل المسافر غير لهفة الوصول إلى اليابسة بعد أن –مل الأسفار –التي كأنه فيها غريبا ك–ارجل السياح –يملأ مسافته الزمنية التوق لبيداء الذكرى التي ترك عندها الشاعر جرحه –زورقا حيران في موج الفراق —
***********
*************
الحلم
(قد يحلم الغائب بالرجوع
و يحلم المساء بالشموع
وانت ماذا تضمر الاحلام لوجهك الذي لم يعرف الفرح
سوى الفرح )
 
التعليقات
Hatem Alsager كالعادة تأخذنا صديقي العتيد حميد بذاكرتك الحية ﻻيام الشعر وواسط وقراءلتنا واحﻻمنا التي صارت اوهاما.شكرا ﻻستذكارك وذائقتك ووفائك.
 
سميع داود عزيزي الشاعر الناقد حميد حسن جعفر .كرا لما طرحته من افكار ووجهات نظر نقدية حول مجموعة..مرافئ المدن البعيدة…للشاعر والناقد المميز حاتم محمد صكر وأنا!! اتفق معك حسب ما فهمت من كلامك بان الادب رسالة انسانية وهو خطاب معبأ بهموم الناس وتطلعاتهم بعيدا عن الحذلقات اللغوية والبهرجة اللفظية التي تبعد النص عن قدرته في الكشف وفي تقديم رؤية فكرية تساعد على التجاوز ..لقد قدمت مجموعةالشاعر حاتم الصكر..مرافئ المدن البعيدة..نماذج تمتاز بالبساطة الجميلة والتي لم تسقط في المباشرة الفجة او السائد المستهلك الى جانب ما اشتملت عليه من افكار مضيئة ..تحياتي لك اخي حميد وانت تلقي الاضواء على شعراء وادباء واسط وهذه مهمة ليست سهلة بوركت ..لك اعجابي
القسم الثاني
و يبدأ حلم الشاعر بالرجوع إلى النبع ، زارعا للفتيات أرصفة الدروب !فيرسم لنفسه المغتربة و للعامل المهاجر واقعهما المشترك، حيث يفتقد هذا الواقع حتى الحلم المباح لكل إنسان !و الاثنان يواجهان نفس الغربة ،فما زالت الأشعار تهجر قائلها و قدماه تطوفان به الفلاة انه الم البعد ،حيث لا شيء غير أوجه السياح و الحقائب المقفلة و الرياح تلطم جبهات الشوارع
لتزرع البوار و لتضع جسده بين خطوات الغرباء لتلقيه–كغريب –ايضا ،–في البرية –لابسا عداب الصمت–حالما بالشعر —
هذا العصابات لم يكن سوى –سيف ديموقليدس –الذي ما أن يحاول الشاعر المرور من تحته حتى يهبط على رقبته !
إنه الأنتظار الذي يريد الشاعر أن يتخطاه، حيث يأتي –طالعا جوف ماضيه–و يخطو العتبة –لكي يرسم أحلامه التي تحمل تحت كلماتها طقوس الثورة ،و تضع إشارات الخلق الجديد عند منعطفات الدروب و الطرق المحفورة وسط الخرائط الجديدة !التي يضمها الشاعر للتضاريس الأرضية والتي يتعرف الشاعر بواسطتها على أحزان الشهداء البكر و يمسح الجراح
و يستمع إلى وصاياهم!
و يحس الشاعر بأن –حزنه المتجدد كل مساء –أصبح –شاهدة للحب الاخرس –وطقوسا للحلم المقتول -و بسمات الشهداء –فلذلك نراه يستحضر أقرب الوجوه إليه -وجه أمه الذي يحمل –دفء عباءتهاالرحيمة –صارخا –بردان يا أمي —
فالبحر يحتضر و الجزر يعلن استمراريته و –من يمنح العطشان قطرة –ومن يرد على جسده –أطراف الغطاء –إذا ما غرق بحلمه الليلي —
فإذا ما هده التعب و الانتظار و الحنين إلى الوجه الذي يريده أولا دون أن يمنحه اية لمسة –
و سيبقى الشاعر –شاعرا يقتات من ذكرى خيال بين كفيه تموت الذكريات –دون موت –متذكرا ملامح الصديقة التي بعث ب –الرسالة الأولى –اليها طالبا منها أن تخطو إليه –قبل أن يخطو الفراق –سالبا حلمي طريقه —
انه يخاف من أن يذهب عنه حتى الحلم ،فليس لديه من ممتلكات سواه ،أنه مملكة الغريب و عالم المهاجر ،أنه السلاح الذي يقاوم به جفاف الفرح و عذاب الروح ،
************
************
المدينة
(مطوقا بالسعر و الغربة
مرتميا في أذرع الطريق
يسأل عن مدينة بعيدة
ووجه يوسف الغريق
في الجب و،،،،الرهبة )
في البحث عن المدينة التي تضم تحت ترابها الشهداء و فوقها الفقراء يرسم الشاعر المدار الثالث! بعد أن تتحد الضفتان (ضفة الحلم و ضفة السفر )فتراه يحمل تخطيطاته المضيئة عن المدينة !فهي تارة صنعاء التي تبدو –دانية مثل سراب الرمضاء –و التي يحلم فيها –بالخبر اليمني و سحر القاة –المدينة التي تحدت الجرذان و –جراد الصحراء –أنها صنعاء القديمة، و تارة ترتسم أمامنا صنعاء الجديدة التي –تنفض عن ريشها الطل مثل حمامة –والتي تقف شامخة تتحدى –المدار المحنط –والتي –طيور الخرافة –ممزقة ورق الفال –شاعلة النار في –شرفات جناح الحريم –الاماء-
أنها صنعاء التي –تطوي سهول تهامة –ناشرة أجنحتها على جبال البحر الأحمر ،غارسة قدميها وسط مفازات الرمل ،عالنة عن وجهها الذي يحلم به أبناؤها الفقراء إلا من انسانيتهم، !ليقرءوا فيها –العلامة –والتي تظل تشدو و تشدو، ،و حتى القيامة —
أن صنعاء في قصيدة –أبواب صنعاء تدفها الرياح –ليست إلا شريعة أو نموذج للمدن العربية الأخرى ،!فنرى الشاعر ينتقل عبر صنعاء إلى دمشق –ابي تمام –ولكن إياك أن تدع الياس يغريك بالذهاب معه !أو تدعه يسكنك ،فسياتي –شيء كخطفة الومض –ينبيء أن عالما جديدا –يحبو على الأرض —
وتظل في ذاكرة الشاعر بقايا اغنية شعبية عذبة حيث تقول الأغنية (كل شيء معقول –كل شيء مقبول –إلا فراقك يا عدن )انها تقطع علينا كل خطوط الرجعة أو الهرب من المدينة، بل إن كل شيء طبيعي وفي مكانه إلا الفراق ،
ألم يكن الفراق وما زال هو الموت ،وأن أم يكن السريع فهو البطيء ،إنها الجذر الذي يمد الشجرة بالماء أنها الأوراق التي تمد الشجرة بالهواء أنها العالم فيا –أيتها الرياح –من يحمل الغريب للوطن –فهو ما زال باحثا عن شواطيء تحمل رائحة العشب و الأجساد –يسأل عن مدينة بعيدة –دافعا بانيت إلى كل الجهات حاضنا بها الصدور التي تبحث معه عن المدينة !،
(مسافرا
في الحلم و الأشعار
لواحة يصنعها الإنسان )
وان لم يستطع الشاعر أن يضع أمامنا كل خرائط مدنه التي يبحث عنها و التي وضع معظمها أمامنا ،فإن أغلب القصائد كانت تمتلك الحق في أن تبقى في مخيلة القاريء ملامح من مدن المستقبل! مدن الإنسان !لتجعله، يشارك الشاعر في بحثه عن المدينة ، و كان الشاعر أحس بهذه الحالة ،لذلك نراه يقدم المجموعة بابيات من قصيدة اشعار ليلة 9-11 – للشاعر ناظم حكمت –و التي يقول فيها
(أجمل البحار ذلك الذي لم نذهب إليه بعد
و اجمل الأطفال من لم يكبر بعد
و اجمل أيامنا تلك التي لم نعشها بعد
و اجمل ما أريد قوله ما لم أقله بعد )
ولأن الشاعر لا يريد أن يمنحنا كل شيء !فسنظل نحمل و اياه طموحاتنا دو نحلم باكتشاف الطرق المؤدية إلى المدن –الحلم

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*