أسطورة رامبو وحقيقته

 
طفل الثمانية عشر عاما كما تسميه سوزان برنار في كتابها عن قصيدة النثر، الطائش العاصي المتمرد والذي- بحسب كامو – خان عبقريته قبل أن يقاسيها للنهاية هو موضوع قراءة جريئة ودقيقة يقوم بها الشاعر سامي مهدي للتاكد من حقيقة رامبو التي غلبت عليها اسطورته؛ فيسمي كتابه المثير للجدل والتأمل معا (آرتور رامبو:الحقيقة والأسطورة-قراءة مختلفة لسيرة رامبو وشعره وتفوهاته النظرية) ويعكس العنوان خطة الكتاب ومنهجه الذي يعد قلبا لليقين النقدي والتلقي حول منجز رامبو الشعري كمجدد في اللغة والشكل ،وحول سيرته كمتمرد جوال، وبصدد معتقده النظري أيضا حول الشاعر الرائي وقصيدة النثر. ولعل وصف القراءة بالمختلفة تعبير عن المغايرة التي يريدها الشاعر سامي مهدي للمألوف المستقر والشائع عن شاعرية رامبو وما دار حولها من محايثات سيرية مبالغ فيها دون شك ،يشجع عليها صغر سنه في بداياته الشعرية وفوضاه ومشاكساته وسيرته ،وثم صمته المبكر وانصرافه لمهن وتجوالات وأسفاربديلا عن إتمام مشروعه الشعري .
وليست مراجعة قضية رامبو هي الأولى في تاريخ مراجعات الشاعر سامي مهدي النقدية ؛فقبلها كانت له مراجعة مثيرة لشعر السياب وكونه شاعرا موهوبا محدود الثقافة ،وحول جبرا ابراهيم جبرا توصل سامي مهدي إلى أن جبرا روائي ثانوي وشاعر ثانوي ومترجم من طراز رفيع. بجانب آراء مخالفة في توفيق صايغ ،ومجلة شعر فكرة ومشروعا ،وفي جيل الستينيات . ونحن بحاجة لمثل هذه المصادمات مهما كان الاختلاف حول نتائجها وهو حق للجميع ،ولكن المراجعة دليل صحة فكرية وتنبه للحقائق دون ثوابت ومسلمات، وهذا اهم جزء في موضوع المراجعة حول رامبو التي استند فيها سامي مهدي إلى مدونات الشاعر وشهادات عنه وآراء نقدية فيه لمعاصريه أو من قرأه من بعد من الفرنسيين خاصة. ويشعر القارئ أن الكاتب شديد الصلة بموضوعه عبر هذا الاستقصاء الدقيق لمفردات حياة رامبو ولشعره وثقافته وتمحيص الأخبار ومدى منطقيتها .
ويذهب ظني إلى أن أهم أجزاء الكتاب هو الأوسط المتعلق بنصوصه ؛ فقد قام الكاتب بتتبعها منذ البواكير الموزونة، مرورا بتجاربه المختلطة، وصولا إلى قصائده النثرية، وفي كل مرحلة يقف متأملا ومقارنا وباحثا عن ىباء النص ومؤثراته ومزاياه بدءا باول نص له حتى آخر إصداراته.
والنتيجة التي يخرج بها الكاتب  والتي اجملها في المقدمة  هي أن ما نعرفه عن رامبو هي أسطورته التي صنعت لأسباب عدة وليست حقيقته التي يبغي الكتاب بيانها وهي  لا تقوم إلا بتفنيد الأسطورة ،لذا تقاسم الهدفان أجزاء الكتاب . واعتمد الكاتب منهج ديكارت في الشك الموصل لليقين فيعترف بأنه بدأ من الصفردون مسبقات يقول الكاتب بأنه (كان في شبابه ضحية تضليل متواتر) جعله يعجب باسطورة رامبو دون حقيقته رغم ما بينهما من بون شاسع. ولما عزم على البحث مجددا وانصرف لمصادر رامبو العربية والفرنسية والإنجليزية واجتهد في ترجمة النصوص أحيانا
لم  يجد( إلا ما يؤكد أن رامبو الذي نعرفه ليس سوى أسطورة تضافر على نسجها مؤرخوه وشرّاحه ومفسّروه ، ووشّاها الدارسون المتعجلون والمعجبون المأخوذون . أما حقيقة رامبو فهي شيء آخر طغى عليه نسيج الأسطورة حتى غطاه وأخفاه وحلَّ محله .)  ولكن الخطورة في مثل هذه المراجعات هو انهماكها في جمع الأدلة قسريا في بعض الأحيان والماوضع للتدليل على فرضياتها لا سيما في موضوع كالذي يعكف عليه الكتاب،تعوزه الأدلة المحكمة والشهادات الموثقة والحقائق كما سنرى.
لقد أدرك الفرنسيون أنفسهم بعض هذا الفرق بين حقيقة رامبو واسطورته التي لم يصنعها عن نفسه بل صنعتها قراءات النقاد والصحافة وكتاب سيرته . لكن ما بدا في الكتاب هو محاكمة رامبو بناء على ظن أو مبالغات سواه. وهذا ارباك منهجي كبير في ظني عانت منه حيثيات المراجعة ولس هدفها او منهجها. فما يرفضه سامي مهدي مثلا من تهويل حول اسرة رامبو ويسخر من الاهتمام بأقاربه وأصدقائه يذهب إلى تحليل شخصية أمه وعلاقتها برامبو وطريقتها في تربيته وكذلك ما تقوله عنه أخته ايزابيلا وأصدقاؤه المقربون. كما يأخذ شهادات  وأدلة من مصادر وشهود شكك في مواضع سابقة بصدق و دقة ما ينقلون عن رامبو.وإذا تفحصنا مثلث اهتمامات الكتاب لوجدنا ان الحديث عن تفوهاته النظري مقحم لأنه لم يصرح بمشروع شعري مكتمل التفاصيل ولم ينسب له احد صفة المنظر او الكاتب.
واعتمد الكاتب منهج ديكارت في الشك الموصل لليقين ؛فبدأ من الصفردون مسبقات .لقد (كان في شبابه ضحية تضليل متواتر) جعله يعجب بأسطورة رامبو دون حقيقته. ولما عزم على البحث مجددا وانصرف لمصادر رامبو العربية والفرنسية والإنجليزية و ترجمة النصوص أحيانا ،لم  يجد( إلا ما يؤكد أن رامبو الذي نعرفه ليس سوى أسطورة تضافر على نسجها مؤرخوه وشرّاحه ومفسّروه.. أما حقيقة رامبو فهي شيء آخر طغى عليه نسيج الأسطورة حتى غطاه وأخفاه وحلَّ محله .)  ولكن الخطورة في مثل هذه المراجعات هو انهماكها في جمع الأدلة قسريا في بعض المواضع للتدليل على فرضياتها لا سيما في موضوع كالذي يعكف عليه الكتاب،تعوزه الأدلة المحكمة والشهادات الموثقة .
فحين يرفض سامي مهدي مثلا التهويل حول اسرة رامبو و أقاربه وأصدقائه يذهب إلى تحليل شخصية أمه وعلاقتها برامبو وطريقتها في تربيته و ما تقوله عنه أخته ايزابيلا وأصدقاؤه. كما يأخذ شهادات  وأدلة من مصادر وشهود شكك في مواضع سابقة بصدق ما ينقلون عن رامبو.وإذا تفحصنا مثلث اهتمامات الكتاب لوجدنا ان الحديث عن تفوهاته النظري مقحم لأنه لم يصرح بمشروع شعري مكتمل التفاصيل ولم ينسب له احد صفة المنظّر او الكاتب.وإذا كان صمته نتيجة فشله  وتجاهل معاصريه كما يرى الكاتب فمن خلق اسطورته إذن؟وإذا كانت لنصوصه مؤثرات متنوعة كالرسوم والحفريات والأشعاروالروايات فكيف تكون ثقافته بسيطة (كاي شاب صغير؟) وكيف يكشف الكتاب سرقاته من الآخرين؟ و قد تعقب الكاتب  رحلاته واسفاره فكيف يرى أنه ليس مشاء؟ وكيف يغوي شاعرا أكبر منه كفرلين ؟ ولن نكون أخيرا على يقين بأن رامبو كان (نظّاما مقلدا منتحلا) رغم موافقتنا على جانب الأسطورة في حياته كما جلاها بدقة وصبر ومنطق متبصر كتاب الشاعر والباحث والمترجم سامي مهدي.
 
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*