يوتوبيا الواقع-دراسة الشهيد كامل شياع

 
دراسة المفكر الشهيد كامل شياع عن اليوتوبيا  والمقدمة لإحدى الجامعات البلجيكية  لنيل الماجستير في الفلسفة تتيح الاطلاع على مشهد بانورامي للتفكير باليوتوبيا وتفسيرها فلسفيا بكونها خيالا اجتماعيا له صلة بالثقافة .وذلك ما يجعل فحص العلاقة بين اليوتوبيا والواقع ممكنة وضرورية ، كما يصرح المؤلف في مقدمة كتابه الذي ظهر بعد اغتياله بعملية إجرامية إرهابية في بغداد التي عاد إليها من مغتربه الأوربي ليسهم في بناء ثقافة وطنه .الترجمة التي قام بها الشاعر سهيل نجم وراجعها الدكتور صلاح نيازي ارتقت إلى جهد الشهيد كامل وأوصلت بحثه بشكل سلس ورفيع تتوافق أسلوبيا مع منهجية الكاتب وخطة بحثه.
كيف يمكن أن تكون الصلة بين اليوتوبيا التي هي مدينة الخيال الفاضلة والواقع المرفوض في الفكر اليوتوبي كله ؟يجيب الكاتب بالقول (إن الصلة الوثيقة بين اليوتوبيا والواقع،تفترض أن ما من يوتوبيا ممكنة من دون وجود الشروط غير المتكاملة في الواقع ، فهي تربط نفسها بالواقع من خلال التقدم إليه على أنها بديل) لكن الباحث لا يريد أن يزكي اليوتوبيا كأحد حلول البشرية لتغيير المجتمعات بل يعترف بوجود نقائص تتركز في مثالية اليوتوبيا والسؤال حول إمكان تطبيقها واقعيا.ولهذا يلجأ للعرض التاريخي وما طرحه الفلاسفة حول المدن الفاضلة من خلال الفكر الغربي دون الإشارة لمدن العرب الفاضلة كعمل الفارابي وبعض إشارات ابن خلدون.ولعل السياق التاريخي لفكرة اليوتوبيا يبدو مكتملا كخطاب وإجراءات لما أسسه حوله أفلاطون وأرسطو من بعد وصولا إلى يوتوبيا توماس مور التي أشار الكاتب مفصلا إلى عناصرها وحيثياتها . ولما كانت اليوتوبيا مقترحا مستقبليا ،وتعود في جذرها اليوناني إلى اللامكان حرفيا؛ فهي متعالية عن الواقع الذي ترفضه وتقترح البدائل له. وهذا ما تؤكده دراسة المؤلف لجمهورية أفلاطون كيوتوبيا فلسفية ،ويوتوبيا موركمقترح نهضوي يتعارض بروحانيته مع مقترح سان سيمون لمدينة مستقبلية يحكمها الصناعيون في مجتمع صناعي ، ولكن لليوتوبيا معنى آخر يتحكم في الفكر والخيال معا ،هو أنها المكان المفضل أو الافضل؛ ولهذا تنشأ تعارضاتها مع المكان القائم ومفرداته، وتتجسد في اقتراح جزر بعيدة مثلا على مستوى المكان، بينما ترتبط بالمستقبل من الوجهة الزمنية .أين موقع الواقع إذن في التأمل اليوتوبي الذي يلاحقه المؤلف، ويقف عند أبرز منظريه من الفلاسفة وهو بلوخ ؟ إنه حاضر في  البعد النقدي لليوتوبيا ،وعلاقة الحضور والغياب التي تحل البدائل لما هو واقع. ولقد جرت تطويرات لليوتوبيا لم يشر لها الباحث كمقترح فوكو حول الهتروتوبيا التي تعلي المكان الواقعي وزمنيته المعاصرة ليغدو بديلا للمكان الشائع والمشترك في نزوع إنساني للعزلة، لذا يسمي فوكو بعض تلك الأمكنة التي طورها الإنسان ؛لتغدو أمكنته الفاضلة داخل الواقع وليس في اللامكان ،كالفندق والمسرح وسواها من الأمكنة البديلة.أخيرا : هل كانت عودة كامل شياع لوطنه ثم موته أمثولة للصلة بين اليوتوبيا ونقيضها المحبط للأمل والمعطل للخيال؟
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*