محمد غني نسخة معاصرة للنحّات القديم

 
 

بخط النحات محمد غني
لم يكن النحّات الراحل محمد غني حكمت ( بغداد 1929-2011) يقصد الاستنساخ البايولوجي الذي يعيد الجسد وتفاصيله بقوله (من المحتمل أن  اكون  نسخة أخرى لروح نحات سومري او آشوري أو بابلي ..) بل يعني  التناسخ أو الاستنساخ الروحي الذي يعيد مزايا المستنسَخ العاطفية و النفسية والأسلوبية .وهذا ما تؤكده أعماله النحتية التي تنتصب في شوارع بغداد وساحاتها ..الفنان العراقي عامة يجد في النحت تواصلا مع الميراث الرافديني الذي تشكل المنحوتات المتنوعة والجداريات قسطه الأكبر في مدن وحضارات مابين النهرين المتعاقبة التي ستواصل لاحقا تطوير النصوص النحتية وتنوع موادها التي هيمن عليها الطين المميز لحضارة العراق ، فوجد الفنان المعاصر مراجعه الأسلوبية فيها دون الشعور بالفراغ الذي يحسه الرسّام والقطيعة التي يعاني منها ،وهو ما وافقنا عليه الفنان نفسه في لقاء جمعنا به والصديقين سلمان كاصد واياد عبدالمجيد في أبو ظبي قبل عامين. لذا لم يكن محمد غني حكمت ولا جواد سليم أو خالد الرحّال واسماعيل فتاح ونداء كاظم وغيرهم من نحاتي العراق يفتقرون إلى المؤثرات المحلية ، وبالتالي لا  تتحداهم او تستفزهم أوتستلبهم المؤثرات النحتية الغربية رغم دراستهم في الخارج ،واطلاعهم على منجزات النحت الغربي الحديث. ولم يكن محمد غني استثناء في ذلك.لقد درس في إيطاليا لكنه لم يقع في التلصيق الأسلوبي أويكرر تجارب النحت الغربي الحديث والمعاصر ، بل ذهب إلى الموروث الشرقي  المتنوع ليُغني أسلوبه ويطوع مادتي الطين والبرونز لتشكيل موضوعات سردية من الكنوز الحكائية العربية و الأدب الموروث، نذكر هنا تمثال المتنبي المؤشر بيده بسعة وفخر إلى صدره ،وكانه يقول: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي  ..أو انا الثريا ،وأنا صخرة الوادي .. بينما توحي الحركة الدائرية غير المكتملة للجسد واشتمال العباءة عليه بقول المتنبي : على قلق كأن الريح تحتي.ولقد رأى نقاد فن كثيرون أن محمد غني ينحت السرد احتكاما إلى منجزه المأخوذ عن حكايات ألف ليلة وليلة ،كتمثال كهرمانة المتناص مرجعيا مع حكاية علي بابا والاربعين حرامي، وتمثال شهرزاد وشهريار المأخوذ عن الإطار الحكائي لليالي العربية أثناء  شروع شهرزاد بسرد حكاياتها على مسامع شهريار لتهدئة هيجاناته الدموية – لكني ارى انه بالمقابل يجعل النحت مجالا سرديا بتعاقب زمنه وتعيينات مكانه وتلاوين الزي والتعابير الخارجية والخطوط الجسدية ،كما في إبرازه لانبهار شهريار بحكي شهرزاد واسترخائه مسلوبا منفرج الساقين جالسا ،بينما تقف هي لا بكونها من رعيته بل متسلطة عليه من الأعلى بسحر حكاياتها ورشاقة جسدها .
وبهذه القراءة النحتية السردية للتراث استطاع محمد غني حكمت ان يؤسس لمدرسة نحتية مغايرة للتأثير الغربي المباشر ..بينما ترى في المؤثر المحلي موضوعا ومادة ً مرجعها الأول.ولا شك أن ما تركه الراحل محمد غني  سيكون حافزا لأجيال من النحاتين الموازنين بين الحداثة الاسلوبية واستيعاب التراث الفني لوطنهم عبر العصور .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*