الحوار  المفتوح الذي أجراه موقع مدد لعدة  أيام

 
 
من 24/9/2009حتى 1/10/2009
مدد يحاور الناقد الدكتور حاتم الصكر
بانتظار مداخلاتكم وأسئلتكم
ومن خارج موقع مدد أيضا
http://mdaad.com/vb/showthread.php?t=13980
http://mdaad.com/vb/showthread.php?p=140579#post140579
……………………………………………….
اهلا بالدكتور حاتم الذي شرفنا بحضوره بيننا ويشرفنا التحاور معه
تاريخ حافل بالابداع والانتاج والنجاحات وجدير بكل اهتمام وانتباه
ارجو ان اعود باسئلة تليق بمراقي فكرك
 
راضية الشهابي
مشرفة قسم الشعر
………………………………………………………………………………..
الاستاذ والمبدع المتعدد حاتم الصكر
حللت أهلا ونزلت سهلا بيننا..
لي عودة للحوار
ابراهيم القهوايجي
…………………………………………………………………………………
مرحبا بفرح المدد والأدب المعبّر عن قيمة الحياة
حللت أهلاً ونزلت سهلاً يا ابن الأدب
مرحباً بكَ دكتور حاتم
شرفنا حضورك ولقاءك في رحاب المدد
سنلتقي حتماً بما يليقُ بك دكتور
مرحباً بك في مدد
إحترامي
 
 


أنَا أرضُكَ
فازرَعني كمَا تَشاءْ ..!
م . س


منيرة سعد
 
………………………………………………………………………………..
 
أخي العزيز الأستاذ الدكتور حاتم الصكر
أحييك وأهنئك على ما أنجزته من أعمال إبداعية،
بعد أن فرقتنا الأوطان،
وأتمنى لك اطراد التوفيق.
وكل عام وأنت مطمئن سعيد.
 د. مقداد رحيم
 

طـَـلـْــــع الـنـخـيـل
http://www.migdad.com

 
 
 
………………………………………………………………………………..
أحييك
أهلا وسهلا بك معنا
دكتور حاتم الصكر
سؤالي هو :
مالذي قادك إلى عالم النقد الأدبي ؟
مودتي
 
 

فاصلة تاهت في الريح

 
فاطمة الحكمي
………………………………………………………………………………..
 
 
أخوة مدد الأعزاء ، أصدقائي
دعوني أولا أحيي كل الزملاء والزميلات الذين تكرموا بالترحيب بي  وإثارة الأسئلة ذات البعد المعرفي العميق.
تحية لدكتور مقداد ..نحن تحت نجوم متعددة ..تشظينا كِسَرا ومِزَقا ولكن يكفي أن سماء واحدة تظلنا وذاكرة واحدة تجمعنا .
دمتَ بهيا مبدعا.
شكرا للشاعرة راضية التي لا أرى في ما قرأت لها متناثرا أي رضى!!تلك هي الشاعرة ، بينها والعالم شرخ وهوّة هما القصيدة.
شكرا للعزيز إبراهيم القهوايجي وبانتظار مساهمته مع الاعتزاز والتقدير ،سأتخيل النسر يحاور الصقر ولكن بالمودة والمحبة دائما !!
شكرا للعزيزة منيره سعد وبانتظار الحوار الذي أتمناه وأنتظره بشغف.
أرجو أن تتحملوا بعض مداعباتي فأنا لست متجهما جادا دائما كما تظهرني الصورة التي اختارها أصدقائي المدديون للنشر في هذا الحوار،  أو الصورة النمطية المحفوظة في الوعي  عن الناقد أو الأكاديمي.
حاتم الصكر
1-
مرحبا دكتور حاتم الصكر
منذ لقائنا الأول في صنعاء وحديثنا وفي البال الكثير من الفرح والحب لكم
وأنت تسجل حضورا نقديا لافتا من فترة زمنية
وبعدة أبحاث وكتب ودراسات
كيف تقيم حركة النقد الحديث في عالمنا العربي ؟
وما رأيك في استخدام بعض النقاد للكثير من المصطلحات الغربية مع وجود بديل عربي لها ومع بديل أكثر اتساعا في معناه وحيويته , نجد البعض يصر على استخدام تلك المصطلحات ربما كنوع من الاستعراض ؟
تواجدك في صنعاء منذ مدة طويلة كاستاذ للنقد والادب في جامعتها , هل نستطيع أن نقول أنه هو المحرض لك على الكتابة عن التجربة الشعرية لشعراء قصيدة النثر هناك ؟ هل لقصيدة النثر اليمنية مايجعلها متميزة وذات خصوصية ؟
تحياتي لك
 – محمد خضر
 شاعر سعودي
 
الصديق الشاعر محمد خضر>
 
عطر لقائنا في مؤتمر الشعراء الشباب بصنعاء-الشباب أنتم طبعا!!- لا يزال يفعمنا بذكراكم الجميلة، أنت ورهط الشعراء والشاعرات الشبان، كما أتابع بمتعة إشراقاتك في الملاحق الثقافية والمجلات لا سيما الإتحاد الثقافي.
بصدد حركة النقد الحديث -وأنا ضعها بين قوسين، فثمة نشاط وتيارات نقدية ربما تشكل حركة في نهاية المطاف احتكاما إلى إنجازها وموقعها في مسيرة النقد العربي – أقول إنني متفائل من واقعها لكنني قلق على مستقبلها، بمعنى أن المنجز الراهن طيب ، سواء على مستوى نظرية الأدب ورصد وفرز الأنواع الأدبية والأجناس وتحليل النصوص ودراسة الشعريات في السرد والشعر وقراءة التراث ومتابعة المنجز الإبداعي،
لكن سؤالي هو عن المستقبل، هل سيحل النقد الثقافي محل النقد النصي فتتهمش النصوص ثانية ويعود الكلام على الثقافة والمجتمع والظواهر لا مفرداتها؟
أم ستتغلب مناهج القراءة والتقبل وجماليات الإستقبال المشروطة بدراسات ظاهراتية واستاتيكية –أقول علم جمالية كي لا تزعل أنت من المصطلح الأجنبي!!- وهل سيتأهل القارئ عندنا للتقبل الجمالي ويتغير أفقه باتجاه النصوص وتتلاقى النصوص بأفق محيطي تضخ له التقنية شتى المقترحات التي ليس آخرها بدعتكم أيها الشعراء بخصوص القصيدة الرقمية أو النص التفاعلي المكتوب والمنشور على الحاسوب وبوفق الوسائط المتاحة فيه؟.
أما استخدام المصطلح الأجنبي فأنت أدرى بأن النقاد القدامى حين ترجموا بويطيقا أرسطو مثلا أسموها فن الشعر خطا ،وصارت تعني الشاعرية بينما هي تشير إلى الشعرية كنظام وانتظام نسقي وفق قوانين النوع الأدبي الذي يندرج تحته النص.
البلبلة إذن حاصلة حتى في الترجمة والتعريب أحيانا.
في ظني أن  لاستخدام المصطلح غايتين: مفاهيمية أي البحث عن مساو ومعادل مفهومي للمصطلح يفي بالغرض منه، واستخدام استعراضي  ورطانة لك الحق في الاعتراض عليه.
أذكر هنا طرفة ، فبعض الزملاء النقاد وفي هبة المصطلحات كانوا  يكتبون مثلا ( المنظور السايكوبلوجي النفسي!!أو السوسيولوجي الإجتماعي ) خالطين الأصل بالترجمة.
وللمفكر محمد مفتاح تشخيص مبكر لعلّة ٍ مصطلحية جاءت أيام الافتتان بالبنيوية  حيث تحدث عن تكثير المصطلح بالتفريعات والمترادفات لا سيما لدى زملائنا السرديين.
اليوم صار للمصطلح علم خاص فيه اشتراطات لغوية اشتقاقية ومستوى مفاهيمي ونقدي ومن الواجب إدخاله في الدراسة الأدبية والنقدية كحل للمشكلة الإصطلاحية التي تأتي أحيانا بسبب اختلاف النظر إلى الشيء المصطلح عليه،كالحال في مصطلح قصيدة النثر الذي لم يرتح له حتى الفرنسيون وهم مبتدعو  تلك القصيدة.
وها قد وصلنا إلى قصيدة النثر- الوجع الأبدي في المقترحات التحديثية والخارجة على النواميس والأعراف الملعونة بكل اللغاتّ!!
نعم كان لوجودي قرابة أربعة عشر عاما باليمن اثر في تأليف كتاب ومختارات لشعراء وشاعرات قصيدة النثر .
كنت أراقب تحولات النص الشعري هناك منذ منتصف التسعينيات، ووجدت أن من واجبي التنويري أن أسهم في المشاغبة والتحريض مع زملائي وأصدقائي لمراجعة البنية الإجتماعية ومسايرة العصر  فوجدت قصيدة النثر أكثر المناسبات صلاحية للاحتكاك والتحريك، ثم بعد ذلك ولتدريسي مادة  الأدب والمرأة لسنوات  في مركز دراسات المرأة بالجامعة ألفت كتابا بدراسة ومختارات عن أدب وكتابة المرأة بالدافع نفسه،وكي لا تجدني مثقفا ظرفيا أو بيئيا لأن مدار مشروعي المتواضع ثقافيا عربي وإنساني، فإنني أذكر ما كتبت عن أدب الأردن الحديث وكنت بلا فخر وادعاء وراء أول ملف عن القصيدة الجديدة في السعودية نشرته في مجلة الأقلام ببغداد أيام عملي فيها في الثمانينيات وكانت أول طلوع للأصوات التحديثية في المملكة على المستوى العربي بشهادة الأصدقاء الشعراء أنفسهم وكذلك ما كتبت عن تجربة مجلة شعر وشعرائها لاسيما أنسي الحاج والماغوط وكذلك ما كتبت ولا أزال عن قصيدة النثر العراقية التي أسهمت في جدلها وذرائعها منذ منتصف السبعينيات.وأتابع نصوصها داخل العراق وخارجه.
أعود لتساؤلك عزيزي محمد عن خصوصية وتميز قصيدة النثر اليمنية فأقول هي كغيرها من نصوص الحداثة العربية ذات مناخات مختلفة، فما كتبه محمد حسين هيثم وعبدالودود سيف ونبيلة الزبير وشوقي شفيق  والرازحي ليس ذات المناخ الذي يشيعه نصوص محمد الشيباني وهدى أبلان وابتسام المتوكل وأحمد الزراعي وعلي المقري وأحمد السلامي ، وهو ليس مناخ الجيل القائم كمحمد اللوزي وسوسن العريقي ونبيل سبيع   وليلى ألهان  وميسون الإرياني وجميل حاجب وعمار النجار وطه الجند ونادية مرعي…هذا للتمثيل الجيلي والرؤية المتغيرة فحسب..مع وجود أسماء أخرى لها حضورها الأكيد في المشهد الشعري.
إذن فثمة تيارات ومناخات متعددة أما الميزة هنا فهي الكد والبحث والكفاحية التي تتميز بها تلك القصيدة التي لم يتم تقبلها بعد بشكل كامل .
حاتم الصكر
2
 
مرحبا كثيرا بك د. حاتم
مرحبا بذائقة ناقد مبدع ثري التجربة البحثية والتدريسية والنقدية على مستويي التنظير والتطبيق
وجودك بيننا يبهجنا ويحرض لهفة الاستزادة منك مباشرة
سؤالي :
بين التأليف والتدريس ماذا تتحدث تجربتك ؟
هذان المنفذان أوجدت فيهما طريقا لرسم خطك الشخصي ؟ أم كان هناك حوار لك بين الممكن وغير الممكن ..؟
هل تفضي لنا بهذا..؟
فأضيء لنا عن حاتم الناقد / المفكر/ اللغوي في مواجهاته مع ذاته في المجالين..
رسيل سعد
– شاعرة كويتية
.شكرا لك رسيل،أنا مبتهج فعلا لوجودي بينكم ولو بظل حصار الأسئلة والتساؤلات فهي حميمية أيضا  كمشاعركم ،
التدريس مهنة وعمل، لكنني ربما باستنفار طاقة التكيف في داخلي أو الحياة  لم أجعل منها روتينا مملا، فأنا مستمتع بالتدريس ، أحاور طلابي وأعيش نكوصا غريبا معهم فأتقمص أعمارهم ومستويات وعيهم ،  فلا تزعجني تساؤلاتهم وغرابة النصوص عنهم أحيانا..وأجتهد لأحببها لهم ، وعلاقتي الإنسانية بهم تنسيني الكد والتعب اليومي،فضلا عن أنني كمهتم بالقراءة ومستوياتها ومعيقاتها أستخلص من محاضراتي الكثير من قناعاتي والتفت لأشياء لم ألتفت إليها من قبل، سأعطيك مثلا، فقد كنت قارئ رواية مدمنا –بعد الشعر طبعا!!- ولكنني لم أهتم بنظام الرواية واتجاهاتها و نقدها وتحليلها إلا بعد أن قمت بتدريس مادة النثر الحديث في الآداب . انتبهت إلى ضرورة قراءتها كمتن وتحليلها. كانت تلك انتقالة من انحصار جهدي بالنقد الشعري إلى تحليل السرد، ثم انعطفت للاهتمام بالسيرة الذاتية والقصة القصيرة للسبب نفسه.
أنا لست مفكرا لغويا، انا كاتب وهذا أحب الأوصاف إليَّ ، اللغة يا رسيل تفكر بنا وتنفذ من خلالنا كخطاب بمعنى أننا نتكلم ونكتب ، ندوَن ولكن بلغة تكشف ما نضمر وتعطي للقارئ موقفنا ورؤيتنا، هذا مؤكد عليه في دراسات الجندر فحين نتكلم عن حريم نكون في صف اجتماعي معين له أنساقه و سياقاته كمنظومة فكرية تهين المرأة وتؤكد التخلف، ولذا أواجه نفسي باللغة وأتفحصها وألتفت إلى مرامي الألفاظ، فكرت مرة مع طلابي : لماذا قال شوقي شيعت أحلامي ولم يقل ودعت أو فارقت –والوزن يتيح ذلك- التشييع وداع بلا عودة. اللغة كشفت فكر شوقي الذي كان شيخا حين كتب زحلة.
ومثل هذا في نصوص الحداثة ، في احد كتبي حللت نصا قصيرا لأنسي الحاج عن فتاة تحلم أنها فراشة ثم لا تعود تعرف بعد اليقظة هل هي فراشة حلمت أنها فتاة أم أنها فتاة حلمت أنها فراشة، وكان السرد مهيمنا على النص القصير هذا،وكان للنص ظلال جنسية ونفسية ربما لم ترد حتى في قصد الشاعر.
هذا استطراد دون شك ولكن تجربة التعليم عضدت ميلي إلى القراءة ومستويات التقبل وتحليل النصوص ،الذي أشرت أنت له في ديباجة سؤالك وأسميتيه التنظير والتطبيق . شكرا لك رسيل.
حاتم الصكر
3
 
أحييك
أهلا وسهلا بك معنا
دكتور حاتم الصكر
سؤالي هو :
ماالذي قادك إلى عالم النقد الأدبي ؟
مودتي
 – فاطمة الحكمي
 شاعرة سعودية
……………………………………………………………………………………
. شكرا فاطمة، في النقد هذا السؤال متاح لكنكم –الشعراء- معفوون منه!!، فالانقياد للشعر قدريٌّ ومحتوم ، بينما في النقد أو الكتابة كما أحب تسميتها  ثمة اختيار أكثر مساحة وقصدية، كنت في شبابي المبكر وأيام الجامعة الأولى مكتفيا بكتابة الشعر، ولكن دفعني للنقد احتدام الصراع والسؤال حول حداثة الشعر التي انحزت لها مبكرا أيضا –لم أكتب ما يسمى  العمود رغم افتتاني بالمتنبي والمعري وقبلهما بأبي تمام، ومحبتي للجواهري وجزء من شوقي وجبران والشابي-.
وبدافع السؤال وحمى الحِجاج  والمعركة التحديثية والبحث عن مستندات نظرية رحت ألقي نفسي في التنظير والقراءة النقدية، ولا سيما نقد النصوص وتأويلها ومحاكمة شعريتها ورؤاها و شجعنا على ذلك أيضا تقليد جميل أرسته  مجلة الآداب أيام ازدهارها الستيني حيث  خصصت بابا شهريا على مدى أعدادها لقراءة قصائد العدد الماضي، أفكر الآن كيف تأتّى للآداب هذه المقدرة بتأمين النصوص لناقد في قطر آخر ترسلها إليه من بيروت حيث لا إيميلات ولا هم يبرقون!!ثم تنشر النقد بعد عدد ، فنرى الجدل والاختلاف والرضى والثناء..ونتعلم أمثولات في النقد التطبيقي ذات قيمة غالبا.
تلك عوامل دفعتني أو حرّكت رغبة القراءة والكتابة داخلي موازية للشعر الذي بدأ كالابن الأكبر يبتعد ولكنه لا يغيب.
حاتم الصكر
………………………………………………………………………………..
أولا أشكر مدد على هذه الاستضافة الأكثر من رائعة لناقد أحرص على قراءة منتجه النقدي المتميز فعلا. وكذلك الشكر للناقد حاتم الصكر على حضوره هنا.
حضرة الناقد المبدع د. حاتم الصكر
لك أجمل التحايا واطيبها
فرصة جميلة هي التي جمعتنا الان كنت ارغب باستمرار ان اراسلك لابعث بمحبتي لكَ ايّها المبدع ،ان سمحت لي ببعض اسئلة اود توجييها اليك
– ماهي الأسباب برأيك لموجة النقد الصحفي السريع الذي نشاهده يملأ الصفحات الثقافية بطريقة (أكتب عني لأكتبَ عنك) حتى نلاحظ بين فترة واخرى ان الكتابات لا تتجاوز مدح وعرض صحفي سريع كأنه ترويج لهذه المجاميع او القصائد . وما تأثير هذه الظاهرة الموجودة والتي ألاحظها بكثرة هنا في العراق .
– شاع مؤخرا مصطلح( الثقافة الرقمية) أو مذهب الواقعية الرقمية والنص الرقمي..الخ وفور بروز تجارب جادة في هذا المجال قفزت أخرى لترتدي هذه التسمية لا شيء يربطها بالمذهب سوى انها كتبت حاسوبيا مع بعض المؤثرات الصوتية والصورية لكنها نصوص كأي نص في مضوعاته الورقية القديمة . فهل برأيك كل ما يكتب الكترونيا ينتمي إلى عالم الكتابة الرقمية ام انه لابد ان تدور أحداثه أو يأخذ موضوعه من التقنيات والفضاء الرقميّ
وسؤال أخير لي .ما رأيك بالمنتج الشعري لشعراء ظهروا بعد 2003 في العراق أو جيل ما بعد التغيير كيف تنظر لهذه التجارب .
أتمنى ألا أكون قد أكثرت من الأسئلة أيها العزيز
مع محبتي الصادقة
صادق مجبل
الناصرية
أخي صادق>
شكرا لك أيها الأوري الجميل سليل جلجامش وساكن أرض سومر العذبة بماضيها و بحاضر فنها وأدبها  وناسها.
1-  النقد الصحفي تقليد حيوي سبقتنا إليه صحافة العالم وآدابه . هو يستفيد من جماهيرية الصحافة لبث الوعي النقدي. وهنالك أعمدة ثابتة لكتّاب من نقاد الصحافة لها أثر في الحركة الثقافية والنقدية. وقد دأبنا أن نمثّل غالبا بطه حسين مثلا ،وحديث الأربعاء الذي كان يبثه بالراديو وينشره في الصحف ،ثم عاد ليكون من أخطر كتب الأدب في حينه .
فضلا عن السجالات المدوية والمفيدة حول التحديث والنصوص الجديدة وقضايا الأدب في الصحافة المعاصرة.
ولكن ككل مرفق ثقافي يتسلل إلى الصحافة- أو إلى  الإعلام لأن الإذاعات والفضائيات لها أيضا مشتغلون بالعروض والنقد والمحاورة –  فيتحول النقد عروضا سقيمة تؤخذ غالبا من الملخصات ، وهذا ما لاحظته شخصيا في الندوات التي حضرتها وعرضتها الصحافة بعجالة ومن ملخصات لا تفي بالغرض، أما النقد المكتوب في الصحافة  فيخضع لطبيعة المطبوع ويتكيف معه شكلا ومضمونان ولا يكيف المطبوع للرأي النقدي.
علينا أولا ألا نطالب النقد الصحفي –إذا اتفقنا على ضرورته ومشروعيته  – بأن يقدم أبحاثا نظرية متخصصة ومعمقة ، فالطبيعة الجماهيرية للصحافة والإعلام تقتضي التبسيط ، ولكن ليس على حساب المادة ذاتها أو لتسطيح النقد ، ثم نصل إلى إشارتك التي هي في جوهرها شكوى عرضها شعراء وكتاب من أجيال سبقت  جيلكم ، ويبدو أنها مستمرة للأسف ، تتعلق بأخلاقيات العمل أو ما دعوته أنت الترويج (واكتب عني فأكتب عنك)، وأزيد على ما قلته : اكتب عني كما أريد، لأني شخصيا وجدت شعراء أجلهم وأتابع شعرهم يعترضون ويردون على فهمي أو تحليلي لنص من نصوصهم  ، عارضين قصدهم هم ،والذي لم يعد له في النقد الحديث إلزام أو إرغام للقارئ.
أنت مصيب أخي صادق حين خصصت العلة الاجتماعية السلبية هذه بما أسميته النقد الصحفي السريع الذي لا يتجاوز المدح والعرض الصريح.
وتلك مسؤولية الكتاب والصحافة والإعلام معا.
وهي بالمناسبة علة عربية بامتياز تجدها مما يوحد عرب اليوم!! ولا تقتصر على صحافة العراق وإعلامه .
2- أصل الآن إلى تساؤلك الجوهري حول الرقمنة والقصيدة الرقمية –وكذلك الرسم الكومبيوتري والسينما الرقمية- وهي مدار اهتمامي مؤخرا لسببين: تجربة صديقي الشاعر والأكاديمي مشتاق معن عباس في قصائده الرقمية التي درسها باحثون جادون في عدد من مجلة الآطام التي يصدرها النادي الأدبي بالمدينة المنورة  وناقشتها في عمودي استطرادات في ثقافي الاتحاد، والمناسبة أو السبب الثاني هو مهرجان فلك الفسيفساء الذي أقامته إدارة الثقافة والإعلام بالشارقة و عقدت أعماله مطلع شهر أيلول –سبتمبر –وتنوعت بين الخط العربي والتصوير الفوتغرافي واللوحات والأعمال التشكيلية الحروفية، وساهمتُ في الندوة الموازية حول الحقيقة والمجاز –مستقبل الحروفية- وما عُرض فيها من الباحثين من زملائي بصدد ما يقدمه الكومبيوتر للخط ،وما يسلبه من مزاياه، وما يتوجب عمله إزاء ذلك خطيا وحروفيا .
وأثرت موضوع الرقمنة وإهمال التقاليد الكتابية شيئا فشيئا ، وتساءلت عن إمكان أن تحل الآلة بوسائطها المتعددة محل اليد وإبداعاتها.
هنا نستذكر قولا لناقد غربي يمثل باختراع السيارة الذي لم يلغ الدراجة كواسطة نقل ،ولكن بعد تكيفها لتلائم الحياة الجديدة، وذلك يعني بقاء القصيدة الورقية وتقاليد قراءتها وأعتقد أن القصيدة الرقمية لم تفعل –كما لاحظت أنت بذكاء- أكثر من تحوير البصري والمكتوب ليغدو منتجا بإشارات رقمية( اضغط هنا لتسمع موسيقى أو ترى لوحة مصاحبة أو صوتا) مثلا.
في أيام الستينيات البهية بجنونها وفنونها وفنون جنونها!دعا زملاء من جماعة كركوك لقصيدة آلية أو أوتوماتيكية مسايرة للوصفة السوريالية والكتابة بين الحلم واليقظة أو بتأثير المخدر.
ولكن ما كانت تلك إلا مغامرة وانعكاسا للرغبة في التمرد والتغيير.
الكتابة الشعرية إنسانية وليس لها مستقبل إلا بحميمية إنسانيتها وأي تغريب تقني لها لا يلغي أصلها البشري.
3- الجيل الراهن الشاهد على التحولات الفنية والجمالية أتابعه بمحبة حقيقية ورهان، فأنا ما زلت أرى الحداثة  في تجارب الجيل الأكثر شبابا رغم ما ينتاب تجاربه من تقليدية وما أسميه الامتثال للظاهرة ومسايرة الموضة التي يظن أنها تجسيد للحداثة.
وأرى أنها –أي التجارب- تعد بالكثير رغم أنها تعيش اليوم ما أدعوه حرج السؤال وخانق الاختيار ، ولكنها بإزاء الصلة بالأجيال واختبار الأشكال والرؤى ستجد طريقها الصحيح.
الشعرية العراقية التي تسأل عنها والشعرية العربية عموما  كالبطن الولاّدة لا تكف عن الإنجاب والنمو. لربما كان جوابي هذا عاما تعوزه البيانات والمستندات النصية، ولكن ليس هذا كما تعلم مجالها .
أشكرك  وأحييك وأشاطرك همومك وتساؤلاتك المعرفية المعمقة.
حاتم الصكر
………………………………………………………………………………..
مرحبا دكتور حاتم الصكر
أحييك في موقع مدد
وأتمنى أن نوفق في طرح مايفيدنا جميعا معك
مارأيك في أطروحات عبدالله الغذامي الأخيرة في كتابه القبيلة والقبائلية وهل ترى أنها تنافي مشروعه في النقد الثقافي الكتاب الأكثر جدلا لديه ؟
هناك حلقات مفقودة في الحوار بين الحداثي والتقليدي وبين أنماط أخرى من الأدب والفن ترى كيف نحل هذه الاشكالية ؟
ماذا يحتاج المشهد الأدبي العربي برأيك ؟
تقديري وشكرا لمدد لإتاحته فرصة اللقاء معك
أحمد المسلم –
لندن
 
. شكرا أخي أحمد على تحيتك وأنت موفق في إثارة السؤال حول راهن النقد الثقافي الذي يمثله جهد الدكتور الغذامي.
وكانت لي وقفة في مناسبة تحية الغذامي في ( كتاب الرياض) أسميتها الشبيه المختلف استنادا إلى واحد من كتب الدكتور الغذامي، وهكذا أراه قائما في فكره النقدي على الاختلاف ، وقد استحوذت على وعيه النقدي في السنوات الأخيرة مسألتا النسق والذكورية لدرجة صار أي جدل معه يرد بأن الخصم ذكوري ونسقي- لاحظ نقاشه مع أدونيس مثلا- ورده حين سُئل عن تغيير منظوره بحدة في حديثه عن المتنبي قائلا ما معناه أنكم ذكوريون تريدون بقاء الرجل عند كلمته لا يغيرها ، والمسألة ابعد من ذلك في الحقيقة.
إذن وصلت جهود الغذامي بعد طلاقه النقد الأدبي وتعقب النصوص إلى ظواهر ثقافية اجتماعية لفت نظري في معالجتها استناده- وهو النصي القديم  والحداثي- إلى الأخبار والتفوهات والحالات المنعزلة النادرة ، فصارت للحداثة( حكاية) في أحد كتبه وراح يعالج ظاهرة الصورة والتلفزيون عبر عنوان واعد هو ثقافة الأسئلة.
هو على حق غالبا في فحص الجسم الثقافي العربي وحك واختبار حداثته الملصقة والمفتعلة وبيان تأخره وتقليديته ، ولكن كيف نقبل تعليله لصعود التعصب القبلي بأنه جزء من هويات ما بعد الحداثة –في كتابه الأخير الذي سألت عنه أخي أحمد-  فذلك معناه أن مجتمعاتنا عاشت فترة الحداثة ثم انتقلت إلى ما بعدها كالمجتمعات الغربية، وهذه مصادرة خطيرة على المطلوب، ونسف لما شخّصه الغذامي نفسه سابقا. بل وجد بالتحليل أن  في عقل أكثر الحداثيين  غلوا وفي وشعورهم ارتكاسات تقليدية محافظة.
هذه مسالة . وأخرى تحصلت عندي منذ تابعت الكتاب بشكل مقالات في جريدة الرياض، وهي مشروعية ومنطلق التفريق بين القبيلة والقبائلية ،فتكون الأولى أي القبيلة تعبير محايد والقبائلية غير محايد ،ثم تصبح الأسرة قبيلة مصغرة ..والمدينة دولة القبيلة.. والقبيلة دولة من لا دولة له!
إن ما أوصل الغذامي لذلك الاستنتاج هو هاجس النقد الثقافي ورغبته في رصد ظواهر اجتماعية ذات بعد ثقافي ،تعوذض غياب النصوص وتجاهلها . هنا صارت العودة للأخبار والتفوهات وأحاديث الأصدقاء والحالات الفردية مستندات بدل النصوص المقصاة لحمولتها الأدبية التي شن عليها الغذامي هجومه الأسبق، و أنكر حصر جهد الناقد فيها-.
القبيلة خلية اجتماعية ذات سياقات يجدر بنا  ترصدها خارج الكليات التي أوصلها لنا الكتاب والذي ذكَرنا بالأطروحة الخلدونية حول القبيلة  والعصبية والدولة ،وتشخيص ابن خلدون لعزلة العرب  وتعذر تحضرهم. لكن الرجل أورد حججا جغرافية تؤكدها النظريات الحديثة التي تؤكد على فك المركز لصالح الأطراف ، وتحسين الهوامش وربطها بالمراكز بطرق المواصلات والمخالطة كما أراد ابن خلدون تماما.
أعتقد أن السبب وراء النكوص إلى وحدة القبيلة والتفاخر بها من جديد  هو الذي أدرجه الغذامي في المقدمة ولم يتابعه كثيرا ،حيث انشغل بهويات ما بعد الحداثة، أعني  فشل المشروعات والبرامج الثورية يسارية وقومية
وتراجعها. ولكن لنلاحظ أن الأمر استمرار للفشل وليس ظرفيا. أي أن تلك المشروعات لم تنجح يوما لتقيم مجتمعات ذات ثقافات حضرية لتقطع الطريق على الاستنجاد بالقبيلة والعودة إليها ؛ فكأنها أفلحت يوما ما في مشروعها ثم تراجعت ،وأنا استخدم مصطلح الفشل لأسباب ليس هنا مجال سردها. لكن غياب الحرية والعدل تجعل تلك العودة لخلية لقبيلة واردة؛ لأن الأنظمة في شتى مظاهرها من حرية الرأي حتى استخدام الطريق تصبح حكرا ،وتنبذ الفرد الذي يبحث عن سند يراه ملخّصا ومرمّزا في القبيلة التي تتمدد كظاهرة قبلية تعصبية حتى في الأدب والفن، ولا تستطيع العولمة ذاتها التخفيف من غلوائها.
ذلك جزء مما أسميته في مناقشتك( الحلقة المفقودة بين الحداثي والتقليدي9 وأنماط وأنواع فنية وأدبية أخرى، لأن العزلة والقبلية ينسحبان نقابيا على النوع؛ فترى الخصومات الثنائية(نقاد/  شعراء .أو: رواية /شعر).
أما ما يحتاجه المشهد الأدبي العربي فهو جزء من حاجة الثقافة العربية : الحرية والتحضر والعدل وتكافؤ الفرص وتأهيل المتلقين لموازاة المنجز والصلة الصحية بين المبدعين، وإحياء تقاليد القراءة الحقة والجدل الحي والالتفات إلى المنجز لا ما يحف به من خارج.
حاتم الصكر
—————————————————————
ومن الشاعرمحمد محمود الزواوي هذه المداخلة
برفسيور حاتم الصكر ، حسب وردة آخر الطريق ..
عرّاب الكتابة الجديدة ، وحادي مسيرة الشباب وهم يجربون أصواتهم في المسافات
المتفهّم عذاباته في المرايا كلها
المتعدد حتى في ملامحه الأولى!
المتكاثر من وقيد الغربات وشفرات الطلسم في الجرح
والباحث في أودية سبأ عن مخرج للهدهد الغريب
الباسق في جبال مكممة بالتواعي على الأفق
المعاند لكل فيزياء خربة لا تقر بسقوط الحبال
العاشق هناك في مواسم تهامة لنايات الرعاة
والقارئ طعنات المجاذيب من الوله
ميثاقه كبابلي ترمّز بالحب وهو يتمرأى في كل الموجودات التي تسمى يمن
…..
أولاً أهلاً ، كلهفة على رمح ، وكيف هي صنعاء المكابدات وصراع النون الأولى مع المكتوبين بطينات العرق ومدية الحروف وماهيات الأنوية التي تُطحن وتَطحن ذاتها بكل جوع ؟
ثانياً كيف تخلص لعبرتك في كتاب هو لشخص آخر ممدد دون حراك إلا بالرؤيا؟
وكيف تطعن طعنتك الجميلة في سواد النص ليدمى الرائي فيك حتى وأنت خارج أدواتك كأستاذ ومراقب للمحتوى في الصفحات ؟
ثالثاً أحبك حين تساوم جماليات صغيرة ، علّها تبزغ عند حضور آخر في محاولة أخرى فهل تشعر أنك تشدها أم تأمل لها ؟
رابعاً هل تعتقد أنّ كل المغيبين في تلك اليمن قسراً وقهراً وتوازنات المنطق وتكاليف الخبز ومهاوي الروح من أمثلة كثيرة لا يبدأها ” مختار الضبيري” في انتحاره الأخير ولا ينهيها شاعر يقرر بيع حواسه للمحيط سيستمرون هكذا باسم السحل حتى الفوات ؟؟!!
خامساً هل تعتقد بافتراض قيمة رؤيوية أعلى للقارئ أكثر من المؤلف ؟ أم ترى ذلك الممنتج أمامك في غلاف كاسراً وكاسحاً حتى في اللمس ؟
سادساً احترامي لك كمثقف نوعي يعلي من شأن العثرة في تجويد كل الخطوات يعطيك أملاً واعداً كعامل فني في روح العمل فهل تجد نفسك في النص آمراً أم محايدا للأنكسار ؟
سابعاً ها هو قلبي أمامك بحيلة صغيرة ابتكرها كالحب لوضع عناق افتراضي في عالم افتراضي لأقول لك أيها الجميل
قد نكبر في كل هذا التلاقح الأعمى للصفات ..
ثامناً ما هو موقفك لكل هالات التمجيد وتصنيم اليقين الواحد في الرموز الواقفة التي بقيت أمام كتبها الممغنطة بالمجد والإرث المستديم مصدقة نهاية الأبتكار دون اعتبار أنها جزء من نسيج قد يصبح أكثر فتنة في قادمين ؟!
تاسعاً تلويحة عميقة من عزلتي بحجم النورانيات المشتتة في كل توق أرضي للخلاص والتناظر مع عين ترمش بالوجود ، فهل تحب العزلة في كتاب ؟
عاشراً حين تغيم روحك وأنت العراقي المتنكب في حوافر الطريق هل تفرضها كمثال في قصيدة حرة من التباريح أم تشرح مصائد الله للعارفين ؟
ثم بعد الحادي عشر هل تصمت كثيرا مع أنّ أوراقك تهدر في صميم اللحظات مشعلة كل سريرة في قامتك كفنان ؟
ثم ما هو شكل صمتك ؟ حين تتذكر غربتك في مفازة اللاوطن وبعد بصمة القلم وتشريح سواد اللغة الى أقانيم ؟
ثم ماهو الأنسان برأيك ؟ نثار من العلائق ؟ أم وجيب من الأرساليات البعيدة ؟ أم نقطة سابحة في تخوم ؟ أم هرم اشتغالي من الأحتكاك والمبارزة للعبة تسمى حياة ؟ أم هشيم معلن في كل وقت على ناصية النفس والجسد ؟
أم تراه الأكثر التباساً بعورات المأزق وتنكيلاً ببوار المادة وفيضها الأساس ؟ أم تراه ذلك المحاصر دوماً بين كل الفرص والفرضيات ؟؟ أين تراه بعد تأملك لمشوار طويل في قشرة الحياة وجوهرها ؟؟
ثم اعذرني يا أبتِ على هذياني ، فلي كآبتي التي لا أفرضها إلا للوضوح ، ولا أنشرها إلا لأنها غير مستقرة في فواغ التجاويف
تحية لك من التلاسن بين زهرة وحقل ، وتحية من التعاشق بين حصاة وطفرة خلاء ، وتحية من قلبي الذي يدوي بلا تقاسيم ..
هذه تحية أولى وسأعود ربما لأناكف بلا بصيرة سوى الشفافية ..
فلطالما تشاهقت يا حاتم عن هيأوية ما يؤخذ من نقد أقصد تسريح البلاغة عن لحمنا وأنت المفترس أكباد النقاط الصغيرة بكل دم معك يكون للنص تشاكيل أبهى
أحمّلك السلام لكل عاشق وكافر في اليمن.
محمد محمود الزواوي-
شاعر يمني مقيم في السعودية
 
أخي الشاعر محمد>>>>>>>>>>>…….
أمتعتني قصيدتك ، أنت شاعر حتى النخاع ، هذا ما وجدته في ديوانك وما رايته الىن في مداخلتك المترددة بين الشعر والسؤال، أنت تذكرني بجمع الشعراء الملعونين :
من فتحي أبو النصر حتى محيي الدين جرمة ،عليَّ أن التقط جمرات سؤالك من ثنايا لوحتك الشعرية هذه، فتبينت وسط انتشائي بتداعياتك سؤالك عن عبرتي بكتاب الآخر، وهي مشكلة الكتابة على الكتابة، نحن نرى أنفسنا في نصوصكم كثيرا وتقولون ما نود قوله. إنني بحسب جبران أتعقب ما يقال بآلاف الألسنة، وعن وحدتي في كتاب أرى أن تلك اللسنة تتكلم في الكتاب . كان بورخس يحس بعماه المتأخر مواضع الكتب في رفوف مكتبة بوينس ايرس ويتأكد كل صباح أنه يحيى، والمعري يتلمس الكتاب ليقرأ مصيره في ملمسه. الكتاب كون ورفقتي له قديمة ، على بساط فقر بضاحية ببغداد ، ظهيرة حمراء من قيظها ممددا بيدي كتاب وسط أجساد عائلة كبيرة يضيق بها المكان، ليلات وحشة وبرد وغربة ، الرفوف والمكتبة التي قلت عنها في قصيدة أنها كالسفينة حين يدهمها الخطر ، وكثيرا ما أتحسس إهداءات الموتى على أغلفة كتبهم فأحزن لغيابهم ثم أبتهج لأنهم باقون هنا في سكنهم السرمدي: الورق.
وحدتي عجيبة يا محمد، كثيرا ما أرى زجاج الهشيم المتكسر الذي أسمه العراق ويرن في الذاكرة شجنا وحزنا ثم أرى جراحي بين أصابعي ودم أهلي المباح، تعلم ويعلم الاصجقاء أن ابني مغيب بالاختطاف منذ ثلاثة أعزوام دون ذنب إلا اسم المدينة التي ولد فيها على صفحة جوازه!!
ومع ذلك ثمة كما يقول درويش على الأرض ما يستحق الحياة: شعرك والحب والحياة ذاتها وأحفادي الذين يكبرون أملا وحلما. وبذا أرد على الظلاميين خاطفي ابني وقتلة الحياة.
أنا مدين للكتابة بالتغلب على ألمي. لقد انفطرت وانشرخت ولم أنكم لأيام لكن الكتابة بنصيحة أصدقائي والطبيب كانت ملاذي ومنقذي وبها انتصرت عليهم .
وبهذه الكتابة يعيش أصدقاؤك الذين سألتني عنهم حتى من استسلم منهم للجنون والانتحار؛ ففي الروح تعشش بذرة الكتابة وبيضة الوعي التي تفقس أحلاما وأوهاما ومشاعر.
الإنسان وهذه  واحدة من شظايا تساؤلاتك-قصيدتك- هو المتكيف الأعظم ، سارق النار والمتجدد دوما ، الملول المكتشف في فضوله وسأمه ما هو أرقى دوما ، ضاق بالأرض فنزل لأعماق البحر وصعد إلى الكواكب وروّض الجبال وأنت ابنها في سماره وكوكبان وردفان وغيرها ليعيش عليها ويزرع ويحب وينجب ويكتب ويفرح ويبكي..
هذا هو الإنسان وأنا مؤمن به ..بجوهره الأنقى لا عرضه الشرير المسيطر اليوم عل النفوس والذي يتمثل بالجلاد  والسفاح والإرهابي غائل الحياة والمتفنن في قمعها  وقتلها من درء الوجوه حتى حجب الكلمة و الحب والأغنية والنور.
أنا أيضا لي عودة لانثيالاتك .
داخلك شاعر أكبر من قصائده وكلماته متفجر بالسؤال –الطريق إلى الكشف والمعرفة والنور.
أحييك بما يليق به شعرك وشخصك وإنسانيتك أيها العزيز.
حاتم الصكر
 
 
……………………………………………………………………….
صادق مجبل
الناصرية
حضرة الناقـد المبدع د. حاتم الصكر المحترم
افرحتني والله باجاباتك الوافية ، مما دفعني لاسأل وفتح شهيتي لهذا الحوار الجميل
سؤالي عن الشعر هذه المرة ، كيف تنظر الى قصيدة النثر عربياً لماذا لاتزال غير مصرح بشرعيتها ف يالكثير من البلدان والمؤسسات وهي طبعا ليست بحاجة ليقر البعض بشرعيتها ، لكن سؤالي بالتحديد لماذا لازالت الكثير من الجوائز تحصد مراكزها قصائد العمود والتفعيلة هل المشكلة في قصائد النثر المقدمة ام في قصيدة النثر بشكل عام او بهذه المؤسسات التي تنظم هذه الجوائز . ، وعلى هامش هذا السؤال ايضا هل برأك لازال الايقاع قادرا على توليد اشكال اخرى بعد تجربة محمود درويش ؟
* في برامج تلفزيونية ومهرجانات ايضا كرست الطريقة المنبرية في القاء القصائد وايضا عبر منابر ثقافية كالمجلات ظهرت قصائد عمود او (قصيدة الشطرين) ببعض التغيرات تحت مسمّى قصيدة العمود الحديثة مع اهمية بعض هذه التجارب ،لكن برأيك كناقد ومتابع لحركة الشعر العربيّ هل ان قصيدة العمود عادت قادرة لاستيعاب مواضيع الحداثة هل هي سلفية جديدة في الشِعر ام انها تنطلق من الكمية المستمرة من الكتابات التي تظهر على انها قصائد نثر اي -اقصد الشطرين- اتت كردة فعل ؟
*مارأيك بقصيدة الومضة او الفكرة او الفلاش كما يسميها احد الاصدقاء في سوريا ولكي اقربها اكثر قصائد عربية تشبه الهايكو هل تراها شكلا من اشكال قصيدة النثر ام انها اقرب الى الفكر منها الى الشعر .
* سابتعد عن الشعر واشكاله وهذه التساؤلات التي تشغلني دائما وابحث عن اجابة لها وها انا اليوم احصل على فرصة طرحها على ناقد كبير واثق به كثيرا لذلك قد اعود لاسأل مرة اخرى .
وسؤالي الاخير عن وضع عربي .عن مصادرة انسي الحاج في مصر قبل ايام وقبله الدعوة ضد احمد ع حجازي ومثلها مهاجمة الشاعر العراقي احمد عبد الحسين في بعض المساجد ومنع ادونيس من زيارة هذه الدولة او تلك ووو .كيف ترى وضع المثقف العربي في ظل سلطة السياسيّ الاعمى والديني الجاهل ؟
أتمنى ألا أكون قد أطلت عليك أيها المبدع العزيز .
مـع كل الشكر والامتنان
صادق مجبل
 
العزيز صادق
أيضا سأبدأ معك من الأخير.
بصبري القليل ومعرفتي الأقل.
الرقابات أنواع وأخطرها رقابة الجماعة التي تبدو ملكية أحيانا أكثر من الملك. أي أنها تنوب عن الرقيب السلطوي وتترافع باسمه وتصادر وتقمع.
هذا ما جرى لوليمة لأعشاب البحر مثلا ولرواية محمد عبدالولي ولأولاد حارتنا ..فقد أجيزت وصدرت لكن الهيئة الإجتماعية –الكائن الشبحي غير المرئي، المتخفي في المقدس والموروث والأخلاقي هي التي منعتها واهدرت دم كتابها. بالمناسبة كان أسلافنا أكثر جرأة وقبولا : اقرأ نوادر الجاحظ وخلق الإنسان لابن الجوزي –الفقيه وكتب الإيروتيكيا التي كتبها زهاد وقرأها العامة بلا حرج.. فضلا عن ألف ليلة وليلة التي راقب حكاياتها عرب القرن العشرين وقصقصوها، بينما قبلها قراء القرون الأولى! ياللمفارقة!
مؤخرا قبل أسابيع كتبت في ثقافي الاتحاد عن رقابات ما بعد الموت فقد قرات أن ناشرا بريطانيا حذف من قائمة المبيعات على الانترنيت روايتي جورج أورويل مزرعة الحيوان و 1984 لما فيهما من نقد للهيئة الاجتماعية بصفتها الرسمية. ووجدت أن الرقيب يفترض هيمنته حتى على الموتى ونصوصهم. وكان في الوقت نفسه مؤتمر في القاهرة حضره بعض ضحايا الرقابة العربية ممن قدموا لمحاكمات وأدينوا أو صودرت كتبهم – وكتبهن-لأن بينهم كاتبات أيضا.
الأمثلة التي ذكرتها أنت تدعو للتأمل أيضا، صار الفقيه قارئ أدب ومفسر نيات وأعمال، له الحق في المصادرة والمنع والتكفير.
تذكر أن المعتدي على نجيب محفوظ قال في محاكمته إنه لم يقرأ أولاد حارتنا .ولكن شيخه أفتى بتكفير كاتبها، وفي الختام  صرح بأنه غير نادم على فعلته.. بهذه العقلية القطيعية يتصدون للأعمال الإبداعية حاذفين فضاءاتها المجازية وطاقاتها التخييلية ليماثلوها  بالواقع.. فيشرعون سيوفهم الصدئة.
كل واقعة ثقافية عندهم هي تطابق مكتوب مع الواقع. لذا يمثلون للأسماء بالأشياء والأشياء بالاسم طوطميا، كما كان الإنسان الأول يخاف إذا ذكر الحيوان أمامه لأن اسمه هو جسده.
– قصيدة النثر لا تنتظر الشرعية والمشروعية بقرار كما لمحت في حوارك. هي بنية فنية ذات بعد جمالي تتهيأ لها ظروف التلقي فتصبح جزءا من نوع شعري مقروء بهذا الوصف.
بهذا المعنى أجد أن حالها على مستوى التقبل مشوشا لكنه مستقر. هي بحاجة لسند نقدي أقوى يقرب ويقارب طبيعتها الإيقاعية المختلفة والمخالفة ولغتها وصورها وعناصر بنائها عامة.

  • – قصيدة الومضة ميراث ضد الثرثرة والتطويل ومجاراة للقصة القصيرة جدا والهايكو وربما التوقيعات العباسية بشكل ما-إيجازها وبلاغتها وسجعها- ولكنها تشير إلى تعدد الإمكانات لقصيدة الحداثة. .
  • ثمة قصائد مطولة تعتاش من السرد وبجانبها هذه الكثافة اللغوية والصورية في قصيدة الومضة-يسميها محمود البريكان بللورات احتكاما إلى تشظيها واكتمالها مكتفية بنفسها كالبللور، كل شظية منه لها المزايا نفسها والطبيعة البللورية ذاتها.
  • هي قصيدة جملة شعرية ، مقتصدة تعتمد الضربة والمفارقة. وهذا مطلب عسير في عالم يثرثر من حولنا.
  • والإيقاعات فضاء مفتوح يتعدل بتعدل ظروف التلقي وحاجات القول ولا حدود لها لذا قد نفاجـأ بجديد أو انقراض قديم ترسخ وساد زمنا: أين الموشح مثلا؟ والمعارضات الشعرية؟
  • – الإلقاء والمنبرية ردة شفاهية خطيرة فنيا تشير إلى تدهور الذائقة وتسمم نهر الشعر بالعكر من المياه التي حسبنا أن مياها غيرها جرت في مجراه.
  • تلبي إحباطا عاما وتراجعا في الحياة العربية كلها : أوطان محتلة ، وعدل مفقود ،وحرية غائبة مغيبة ، ودكتاتوريات كالأشنات ملتصقة بجسد الحياة ،وموانع ورقابات  وتأشيرات وحدود وفقر..
  • هنا تصعد الظواهر المحايثة ومنها المنابر والخطابات المنبرية ذات التوجه الموهوم بالجماهيرية التي ينأى عنها الشعر مستبدلا الجمهور كجوقة بالمتلقي كذات قارئة.
  • لا علاقة في ظني لرداءة بعض نصوص الحداثة نثرا ووزنا بالصعود الطحلبي للمنبريات والمباشرة فالضعف والادعاء موجودان حتى في أكثر النصوص والأنواع كلاسيكية . هي ردة تناسب التقهقر في الزمن العربي كله، وهي عرض زائل ستنفد صلاحية نصوصه بنفاد الظرف كما جرى مع العنتريات السابقة والتي على رأي نزار قباني : عنتريات ما قتلت ذبابة .
  • ولا تغرّنك أو تحبطك ما تنال نصوص المنبر وسلفيتها الفنية ومخادعتها النغمية للجمهور من جوائز. جائزة القصيدة الكبرى ما تضيف لهذا العالم وما تساعد به الإنسان كي يحيى.

……………………………………………..
أحييكم أيها الأعزاء ولساني عاجز-اللغة مرة أخرى!!- عن البيان

  • كما أحس وأرغب.

حاتم الصكر
 
………………………………………………………………………………………………………………………… علي الشاهين
الاستاذ الصديق الناقد حاتم الصكر سلام مورّد بهي ّ فياض
أنها لسنوات بامتداد العمر تلك التي حملت معرفتي بك ,أو هي معرفة جيلنا الذي اندرج يومها تحت تسمية ربما تفتقر الى الدقّة (الثمانينيون) وما اعسر أن تحصر مويجات الماء بأرقام السنوات ولكن هكذا شاءت ظروف التقسيمات التي صبغت من قبلنا بالستينيين والسبعيينين ومن ثم جاءت تسمية مابعد التغيير, أقول أنني أحمل في ذاكرتي حضورك المورق والجاد ومتابعتي لما كنت تسطره في الصحافة ودوريات الأدب في وقت كان دخان الحروب يغلف عموم المشهد, وكان لقاءا عابرا بيننا في مجلة أفاق عربية كنت يومها أدفع الى مسابقة مجموعات الشعر مجموعتي التي تحمل عنوان (كثبان الماء) … ذكريات هذا بعضها قبل أن تلف بنا عجلة الأغتراب لتحضننا المنافي ومهاجر الروح , بقيت أنت بشخصك صورة للزمن النبيل على مرارته في وقت تقلبت الموازين وعمّ الخراب الفكر والحياة .
أبدا بحواري معك حول ظاهرة أكتسحت أفقنا الحالي ولم تترك منفذا مستعصيا ألا وهو شيوع ثقافة النت بعد ان انحسرت أنواع أخرى داهمها الطوفان الرقمي , كانت المنافذ الأخرى تسمح بالنشر وفق معايير صارمة ذات نفاذية إنتقائية وأصبح هذا اليوم من احاديث مضت بعد ان امتلأ النت بكتاب لايحسنون القراءة والاكثر غرابة ان تنفلت المقاييس لتشيع أنماط لاتمت للون ولا لجنس بصلة ,أين يجد ألأديب نفسه ؟؟ هل نغمض العين لقبول فوضى النصوص وفوضى الأنماط تحت مسميات لاتطابق واقعا ؟ إن كان هذا هو الحل فإلى أين سينتهي المطاف ؟ أنني أجد عالما من التداعي ألى التلاشي يصبح من معالم واقع صار حقيقة , والسؤال أين يقف الناقد لتشخيص الأجدى , لكي لا تضيع مؤشرات التغيير نحو الأحسن؟
سؤال يفتح بابا لأسئلة  أخرى
دمت روحا أصيلا                                                                          علي الشاهين
 
 
أخي  علي
جميل أن تظل في الذاكرة تلك الكِسر المضيئة من حياتنا المخربة: لقاءنا ببغداد العابر كطيف. ثم تجدد المعرفة بالحوار :
أشاركك القلق من تحويل ما هو حضاري إلى خدمة الجهل، قبل الشعر الردئ والابتذال اتخذ الإرهابيون من النت موضع نشر لسواد أفكارهم ومشاريعهم المعادية للحياة. هذا استخدام جاهل للتقنية، ارتداد بالحضارة لخدمة التخلف. وهو طبع عربي مميز للأسف.فكيف نرد ذباب الرداءة عن طبق الشعر؟
ما أسميته فوضى هي جزء من مشروعات ما بعد الحداثة وجماهيرية الفنون والآداب، وردّة  فعل متطرفة على نخبوية الحداثة.
حين قلت في مقالة لي إن قدر الشعر أن يكون نخبويا ،تلقى بعض الزملاء الاجتماعيين –الذين يربطون الشعر بالمجتمع والجماعة انعكاسيا وقبليا- ذلك الرأي برفض قاطع.
للنقاد دورهم دون شك ولكنهم اليوم قراء كالقراء ورضوا بالمكانة التي تقربهم من النصوص وتبعدهم من الفعل الثقافي المؤثر. ولكن تلك الذرائع لا تخفف من مسؤوليتهم حتما.
الدلائل كلها في علم القراءة وجمالياتها تشير إلى أفق القارئ  وذخيرة قراءته التي لا يرثها كسمات جسده وعلاماته .. بل يحصل عليها بالكد الذي يعيقه الجهل والتخلف والغيبيات.
ظواهر مرضية تلك التي نوهت لها في حوارك ، المعايير الشللية والإقصاء والمحسوبية والتعصب ، لكنني أرى في ذلك كله عوامل ظرفية. كثير منا بدأ عصاميا بلا سند، نكتب ونعيش نصوصنا .وكثير تلقوا مكافأة الفرح ولو متأخرا. في أقصى منتبذاتهم ومغترباتهم وقراهم بعيدا عن الضجيج.. كتبوا ونشروا وانتشروا.
ثمة وهج يظل في الموقد ، وتذرو الرياح الرماد بعيدا في النهاية.
لنجعل الغربة مناخا لبناء وطن رمزي داخلنا ، نبكي فيه ونفرح، نتذكر وننسى،  نولد ونموت ونحيى ونموت….
حاتم الصكر
………………………………………………………………………………..
 
 
 
 

رد: مدد يحاور الناقد الدكتور حاتم الصكر
 
 
محمد محمود الزراري

برفيسور حاتم الصكر :
صباح الريحان والكادي ، وهمهة المريدين ، صباح النيولفر ولمبة النيون الشابعة من السهر صباح القلوب وهي تفتح
وصرير الأماكن وهي تبدأ في نظرة القلب
هل تمارس على نفسك النقد دون حدود ذاتية بينك وبين ماترى ؟
هل تحن كطائر الى ريشة كبيرة في أرض ما، تعيدك من خارج المعقول الى قش مطروح أسفل شجرة تتصورها ؟
يماثل رولان بارت تواشجه مع طرف خفي مفتوح ليرفع من سقف تأويلاته في حدث أو فعل أو أنفاس مقطورة يحركها اختلاف بنيوي عارض في التوقع هل تسمي عملية البحث عن الدهشة أفق ؟ أم مجرد حساب بياني يعطيك ماهية الرصد ؟ أم أنّ حدوثك هو مهارة تفعلها منفردة حتى أمام باب مغلق ؟؟؟
هل سيذهب النقد برأيك الى ما هو أعمق من الفكرة باعتبارها شيء ملقى في كل صوب ؟
أم هناك مهمة أفضل من حراثة النص ؟
أوسكار وايلد وعلاّته التحليلية لللنوازع ـ خير وشرـ الى ماذا تأخذك؟ وهل الفتح هو اعادة المكنون من السر أم تأجيل دائم للمساحة كي تبقى على أي مفترق ؟؟
هل تود أن تقتل النص يوماً بأي نظرة مجازية لانجاز فردانية الكائن الذي تكلم وقال وحرك أصابعه كموجز لفظي الى النهاية ؟
هل سنشاهد الشعر يتحرك ويسقط ويضحك ويرفع الأثقال ويضرب الضفاف ويهدم أسوار التموضع ويبيع الماء في الأسواق ؟ هل سنشاهده يوما يفتح العربات ويوطّـن اللاجئين في الخيام ويشرب من الغريزة عصير العنب ونكتار المنطق ؟ كما نشاهد الفيزياء والحركات والفلسفات وكل علوم الأرشيف العامة ؟
هل الشعر هو مجرد سعفة حضارية كالمعابد ؟
أم هو تنظيم مدني يرجو التأنق أم هو المنجز المنثور من قمم الروح على السفوح
أم هو برأيك اجتماع حيوي للفيض والشروق أم تراه يتعدى الماهيات ويلغي الفرضيات في كل وجوبه بين النمش والأخاديد ؟؟
ثم أين هو الشعر بنظرك ؟ أين يوجد أين يفوح أين يولد أين ينتشر أين يحيا وأين يكون اذا اقتصرنا على خارطة معرفية لا ترصده ؟؟
هل تعتقد أن السعادة هي محيط ضد البؤس والتلف والأنصهار أم العكس ؟؟
هل يحزنك طلابك وتلاميذك محدودي البؤرة والمسافة القانعين في الشكلانية بين الحفظ والألقاء ؟
هل تتألم وأنت تسير عكس السير في أي فهم في هذا العالم ؟؟
درجاتك العلمية هل تحدد لك مستويات الحلم ؟ أم أنك تحلم بالخروج ، الخروج وحده الى برية الحلم فلا أطول من صفصافة ولا أعمق من بئر ؟؟
هل شعرت بالعجز مع اللغة في كل درجاتها الخفيضة التي لا تُسمع ولا تتحرك ؟ أم أنك تطال كل هسهساتها على تعبير رولان بارت فتتمكن من احياء اتجاه واشارة فيها ؟؟
كيف تستشرف المشهد الثقافي اليمني عامة؟
والشعر خاصة اذا علمنا أن هناك فتحي أبو النصر وأحمد السلامي ومحمد الشيباني ووضاح الحريري ونبيلة الزبير والتركي والرراحل الربيع وآخرون .. هم علامات فارقة بلا حد للأفق ؟؟؟
ثم هل يمثل المشهد الثقافي اليمني اضافة نوعية الى المشهد العربي أم هناك فاصل ابداعي يلزمه التقادم حتى نتكلم بـ 28 حرفاً مؤثرة ؟؟
أخيراً
أريد أن أموت دون فضائل ولا اشكالات تذكارية ، فقط بخطوة واحدة من الطريق فبم تنصحني ؟
ــ اذا كان الغد من حياتي سأسألك عن المشهد العراقي آلهةً وجنوداً وأضابيرفتحمل هذرنا فلقد وقعت بيننا يا حاتم وتلاطمت الأرجاء
محمد محمود

انني الحزين أيضاً ، وأيضاً ..

………………………………………………………………………………..
1-
أخي محمد
من آخر تساؤلاتك سأبدأ.
تسأل عن الموت..ثعلب القرى كما أسماه السياب … يختار دجاجه من قطيع كبير هكذا في غفلة …أو هو الماشي بلا قدم كما وصفه المتنبي.كان هذا الكوفي الجوال يشمت من الممدوحين لأن الموت والحب لا يقدرون عليه فهوى العيون كما يقول لا يتقى بالرماح والسهام…والموت أيضا هو ضرب من القتل لا رادّ له..
ولكن من القائل إننا لا نموت من الموت بل من الحياة؟
هو ليس جلجامش قطعا.
كم أتمنى لو تُدرّس هذه الملحمة العظيمة التي لا تَقدَم موضوعاتها ولا تهرم صورها.
حين مات أنكيدو صرخ جلجامش:متسائلا كيف يغدو ترابا هذا الخل والصاحب.لكن الجوهر في بكائه هو المقطع التالي: وأنا ؟ ألن أصبح مثله؟وهكذا أخذته خطاه إلى المياه العميقة ليسأل أوتونبشتم عن سر للخلود وجده في عشبة  تعيد الشيخ فتيا ،لكنها سرقت منه حالما طلع إلى البر.. وتلك قضية أخرى..
منذ أن قيلت تلك الحشرجات وفي وصف العالم السفلي حيث تنزل الأجساد وتحيى الأرواح كما يعتقد العراقيون القدامى- ألهذا كان العراقي بسبعة أرواح؟؟!- وموضوع الموت على لائحة الشعر وفي قلب القصيدة.
يفكر المسيح بموته ويقول لحوارييه على مائدة العشاء الأخير- ومنهم من سيسلمه قبل صياح الديك -: لحمي هو الخبز الذي تأكلون ، ودمي هو الخمر الذي تشربون..
أين تمضي حيواتنا وأوهامنا وأحلامنا؟ حين لا يظل من جسد ويختلط التراب بالتراب؟
كنت أسمع صوت طاسات الماء التي يغسلون بها جسد أبي ذات يوم من صيف 1993..قبل دفنه في مقبرة ذات اسم رمزي : وادي السلام..بقيت في الخارج ولم أر جسده وهو يغتسل للمرة الأخيرة..ولكن في صمتي وإنصاتي جاءني صوت قهقهات زبائن مطعم صغير يرتاده الحفارون والسائقون والزوار وهم يقبلون على الطعام بنهم بينما توأد على مبعدة أمتار منهم أجساد الموتى..كان ذلك جدل الموت والحياة : معادلة ، الإنسان وحده كان جديرا بالإمساك بطرفيها كي يستمر على هذا الكوكب.
الشعر امتص كثيرا من هواجس الموت ، وكان استمرار القصيدة في المؤجل من سنوات عمر الشاعر هو المائدة التي يتلهى بها الإنسان.
في كتابي( البئر والعسل) حللت قصة رمزية من كليلة ودمنة( يضرب بها المثل للإنسان) فكان مثل رجل نجا من خوف فيل هائج فلجأ إلى بئر فتدلّى فيها، ولما استقر تلفت فوجد أنه متعلق بغصنين كانا على سطح البئر، لكن في أصلهما جرذان أبيض وأسود يقرضان الغصنين، وحدق في الأسفل فإذا تنين فاتح فاه وثمة حيات أربع أخرجن رؤوسهن من أجحارهن، فأيقن بمصيره والتفت صوب كوارة نحل بقربه فراح يذوق حلاوة عسلها فشغلته تلك الحلاوة حتى سقط  في فم التنين وهلك.
أتكون القصيدة يا محمد هي عسلك احتكاما إلى تمثيل ابن المقفع الرمزي؟ تلك حكاية أخرى أيضا.
لكن لا نصيحة في الحب والشعر بل هي التجربة كما قال درويش في واحدة من أواخر قصائده( إلى شاعر شاب) ،وأضيف ولا  نصائح في الموت.
كلٌّ يموت موته .. ويتلهى بعسله منتظراً فم التنين بعد انقراض الغصنين : التنين الذي خشي ابن المقفع من تسميته: القدر.
أخذنا الموت من أسئلة الحياة.
–  نعم أمارس النقد على حياتي. وأردد دوما لقد خربت حياتي مبكرا وها هي خراب حيث حللت.
أحس أنني بحاجة لحياة أخرى، لكنني متأكد أنني سأخربها بالطريقة نفسها.
أحن كثيرا إلى مناخ الصبا ، متخففا من كل شيء..
وليست لدي قدرة رولان  بارت وصفاء حياته المتوحدة إلا من الأم  – لم يتزوج أو ينجب ومات مدهوسا عابرا الشارع  – كي أتأول مثله حتى ظلام  السينما و فسيفساء الأزياء وأنوار الصورة الفوتغرافية. لكنني أقارب حياتي بما ملكت يداي الواهنتان ، وأتأول مصيري في أشياء قريبة وبعيدة . وهنا يذهب النقد كفاعلية معرفية إلى ما هو أعمق من الظواهر والبنى الفوقية. ينقّب ويفترض في حفلة الشعر الوهمية ،ويشيع أوهامه وخطابه لتتلقفه القصائد.
أذهب مع أكتافيو باث إلى التفريق بين القصيدة والشعر.الشعر خطاب والقصيدة نص ، الشعر يراكم التقاليد ويحصّن نفسه دفاعا غريزيا  عنها ، والقصيدة تنشق عليه وتؤسس تقاليدها..وتنزاح منحرفة عن مساره .
لا أحب الشعر بل القصيدة..يحف بالشعر شفاهيته وإيقاعه الصادي وخطابه الكلي .

  • مع طلابي أعيش لحظات ملتبسة ، فيها مشاهد متنوعة أجدهم ضروريين بشغفهم ونهمهم وبغفلتهم عن النصوص وأحيى بشبابهم فتوة رمزية تحتاجها النصوص. الدرجة العلمية لا تسرني  . وهي جزء من الوظيفة المرتبطة بالعيش،لا أحب مناداتي بها تلك الدرجة التي ترمى خلف سور الجامعة وحيث تتلقفني فضاءات الحياة .
  • – اللغة لا وجود لها خارج وعينا . لو شُتمنا بالصينية أو استمعنا لغزل باليابانية ؟ سيان. فاللغة بناء عقلي رمزي. أفكر بها كثيرا فوق اشتغالها. هذا ما يدعونه ميتا لانكوج، اللغة مفكَّرا بها عند الاستخدام.
  • تلقف شعراء الحداثة ذلك وناوروا اللغة وفكروا بها وهي تشتغل.واستبدلوها فرضيا وتساءلوا عن إمكانات القول بها وهم ينشئون نصوصهم.
  • – يبقى المشهد الشعري اليمني، أظن أنني داخله ولا قدرة لي على تلخيصه إلا بالابتعاد عنه قليلا، لكنه شهد ولادات كثيرة فيه وهو بحاجة لوفيات وميتات كثيرة وانقراض مقولات وخطابات.هو إضافة دون شك للمشهد الشعري العربي ولكن شأن الأقاصي بحاجة هو للتمركز. كان لقاء الشعراء الشباب مرتين بصنعاء ومواقع الكترونية كثيرة لشباب يمنيين وصحافة منقطعة الإصدار ومساهمات فاعلة عربيا هي جزء من حيوية المشهد الذي يظل بحاجة لضخ الدم عنيفا في جسده.
  • محمد: لا تكف عن السؤال ولا ترد أو تقمع فضول نفسك عن الحياة ورديفها =الموت.
  • كيف أقول لك ما يعاش؟ وكيف أعيش ما يقال؟
  • وما السعادة؟ قبلة أم قصيدة؟قبلة وقصيدة؟
  • تلك مسألة فيها أكثر من نظر..

حاتم الصكر
…………………………………………………………………………
مرحبا دكتور حاتم الصكر
الحوار هنا ممتع معكم وثري وهي فرصة لنا جميعا ً
هناك خلل في العلاقة بين الثقافة والمجتمع العربي خصوصا مع تلك الثقافة السائدة
برأيك ماهو تأثير هذا الخلل على الانسان العربي اليوم ؟
من جهة أخرى هل ترى أن الإبداع العربي تفوق على النقد العربي ؟ هل صار المبدع يقف جنبا إلى جنب مع الناقد في قراءته للظواهر الاجتماعية والسياسية وغيرها
تحياتي دكتور حاتم
الشاعر محمد خضر
 عزيزي الشاعر محمد خضر
شكرا على كتابتك ثانية ومساهمتك في تجدد الحوار.

  • الخلل الذي تشير له بين الثقافة والمجتمع حاصل في تاريخنا وليس في حاضرنا فحسب. التحولات المجتمعية تأتي غالبا دون نضوج ظروفها الموضوعية من الجاهلية حتى الحداثة .بمعنى أن قرارات فوقية تنقل الجماعة من.. إلى ، فتتصارع دوما ثقافتان ، ثم تفرز كل مرحلة ثقافتها ، يختلط الأمر دينيا وجغرافيا وعصريا فتغدو الثقافة عربية-إسلامية ، ثم ريفية مدينية ، لأن فكرة الدولة أصلا لم تكن مكتملة واقعيا،ثم عربية متوسطية، عربية مختلطة بأعراق المغرب العربي وأقليات العراق وفسيفساء لبنان إلى آخر ذلك. كأننا نتحدث عن ثقافات لا ثقافة واحدة، فوق ذلك كان التحول يجري بمعزل عن الواقع غالبا إلا في المفاصل الكبرى.في أوربا تحصل فترة( حكم الكنيسة مثلا في العصور الوسطى) ثم يتم التحول مرة واحدة وكلياً صوب عصر الأنوار أو النهضة.

الجسم الثقافي العربي يتمترس بقيم وتقاليد وعادات وقوانين يتم تداولها لتصبح ميراثا يصعب اختراقه ، ولذا يتصاغر دور المثقف ولا يجد صدى.
اليوم لا أرى للمثقف وجودا فاعلا ، ولا أسمع له صوتاً في واقعات مصيرية كبرى،.. تشيع في لغة السياسة مثلا  قناعات بأن المثقف لا يصلح للإدارة ، فيستولي على المؤسسات الثقافية من لا صلة لهم بها ، والمجتمع يعد ذلك كله بطرا ، يتجلى في بؤس المخصص للثقافة في ميزانيات الدول ، مع أن المثقفين العرب أدركوا أن من الضروري توسيع مفهوم الثقافة لتشمل منتجات وإبداعات الضمير الجمعي ؛ كالتراث الشعبي والآثار وماضي الجماعة وأمثالها وطرق عيشها :عمارةً وسكنا وطعاما وثيابا وتعليما .ذلك كله لم يخفف عزلة المثقف وثقافته عن المجتمع بمعناه الكتلوي أي بتكتل الجماعة واصطفافها، ودخلت اليوم مشكلة الهويات لمواجهة أي توسع أو تمدد ثقافي يستفيد من الآخر ويطعّم ثقافته.كما جرى في عصور الازدهار الثقافي في الماضي.
دوما يعمل المجتمع مصدات وموانع أمام الثقافة ،تحدثت مع العزيز صادق عن الرقابات التي يمثلها الجماعة كهيئة عرفية أقسى من الرقابة القانونية، ومثّلنا لها ، وهذا أحد ما يجري لكبح تقدم العمل الثقافي ،
في العقود الأولى من عمر التحديث كانت المسألة أيسر، صلة الثقافة بالمجتمع تعني تمثيله وتصويره وعرض مشكلاته وتثوير بؤره ، واليوم مطلوب من الجماعة قبول البرنامج الحداثي الشامل.وهذا ما عنيته بعدم نضج الظروف الموضوعية للتحديث.
الإنسان العربي في ما أرى إما ممتثلا للسائد كما أسميته أنت من ثقافة جمعية ، أو منصرف لثقافته في عزلة وخلف أسوار النخبة وثقافتها.
وتلك معضلة تستلزم من الدارسين الاجتماعيين والتربويين والسياسيين معاينة جادة.

  • لا أوافق على الشق الأول من تساؤلك بصدد مسألة التفوق أخي محمد، فالمباراة والموازنة غير واردة، أحيانا تنجز النصوص كشفا جماليا يرصده الناقد ويستخلص قواعده ومزاياه وصلته بالنوع، وأحيانا يتقدم النقد بطرح تجارب ورؤى لم يصل إليها النص بعد.

لكنهما يتعايشان لحاجة النقد للنص وحاجة النص للنقد.

  • أما دخول المبدع مناطق تنظيم الوعي خارج النص، ورصد ثقافة المجتمع والعصر، والمشاركة في معضلات خارج-نصية فهي أمر طيب، وسِمة لعضوية وحيوية وفاعلية المبدع ذاته.

  وأرى أن الكتاب والكاتبات العرب والعربيات دخلوا المعترك وأسهموا في رصد اللحظة المفصلية في تحولات مجتمعاتهم ،وقدموا تضحيات في هذا المجال ،ربما كان حديثنا عن الرقابة الاجتماعية والقانونية قد ضرب أمثلة لها.
  وعلى مستوى الفن نفسه كان  للمبدعين إسهامات ورؤى نوعية ذات أهمية،  فهم شهود من أهلها ، وحديثهم عن الفن وجماليات الكتابة شهادة على وعيهم المرافق للموهبة كضرورة ثقافية قائمة.
كنت أكتب أحيانا باتجاه فقر ثقافة كثير من التشكيليين العرب ذوي المواهب الكبرى؛ فهم لا يتحدثون عن فنهم والفن عموما إلا بتلعثم ينم عن انقطاعهم ثقافيا عما حولهم.
قليلا ما تراهم في ملتقى أو ندوة أدبية أو فنية أحيانا ، وقليلا ما تقرأ لهم رؤى وتنظيرات وشهادات في الفن.
اليوم أجد التقارب أشد، وشباب الفنانين وشيوخهم أيضا يشاركوننا التفكير في مستقبل الفن ومشكلاته وتداوله وجماليات تلقيه ومَراجِعه ومصادره ،كالعالمية والحروفية ومجالات تحديثه أسلوبيا.
الكتّاب العرب والكاتبات لهم إسهامات في مجال شعريات النوع الذي يكتبون نصوصهم فيه ، ويشاركوننا معضلات التلقي والاستجابة وتطوير قوانين النوع الأدبي ودلالاته ومنطلقاته.
وإذا كنا نتحدث عن تأهيل المتلقي ليواكب مستحدثات الفن والكتابة فمن الأجدر أن يتسلح المبدع أيضا -وقبل ذلك- بالعدة الثقافية الكفيلة بتقوية دم نصوصه وتعميق رؤاها .
أشكركم على إثارة هذه المساءلات الجادة.
متمنيا أن يكون لقاؤنا  نافعا بدرجة ما.
وشكرا  وافرا للزملاء والأصدقاء والزميلات في ملتقى مدد لتوفيرهم هذه الفرصة.
حاتم الصكر
 
 
 
………………………………………………………………………………………………………..
 
رد: مدد يحاور الناقد الدكتور حاتم الصكر
 
سيدي الرائع د.حاتم الصكر ،أتمنى الا تثقل عليك اسئلتنا ايّها العزيز .
كما اجدد شكري لكَ لاجاباتك على اسئلتي واسئلة الزملاء في مدد،
اقتباس:

والإيقاعات فضاء مفتوح يتعدل بتعدل ظروف التلقي وحاجات القول ولا حدود لها لذا قد نفاجـأ بجديد أو انقراض قديم ترسخ وساد زمنا: أين الموشح مثلا؟ والمعارضات الشعرية؟

الدكتور الفاضل ، الايقاع سبق العروض او الموسيقى الخارجية بالمقابل هناك موسيقى داخلية كما تُعرَف ودائما كنت اتساءل عنها واليوم اتت على بالي وانا اقرأ جوابك الجميل في هذا الحوار ، الموسيقى الداخلية هل هي ناتجة من ايقاع خفي من اختلاط تفاعيل هذا البحر او ذاك ام انها نظام يمكن اخضاعه لمعاييرٍ محددة كما في العَروض ،او هو سحر قصيدة النثر الذي احسه دائما في النصوص الدينية والتراثية القريبة من الايقاع ،.
2. في هذا الوقت الذي اتيحت فيه فرص النشر بشكل واسع اصبح كل من يجيد التعبير بلغة فصحى يكتبُ حتى اننا نقف في اليوم على عشرات النصوص التي لا تملك سوى جمل من قبيل (امضي في الطريق لاصل اليك ) وانام في الليل وتحرقني النار ويبللني الماء و…مقابل هذه الجمل هناك نصوص لاتُفهم-بصراحة- انا شخصيا لا افهمها وطالما كنت انظر الى افقتار ثقافتي وضعف مفاتيح التأويل لدي -وللان انا كذلك- لكن الكثير منها لا فهمه وطلبت من الاصدقاء ان يوضحوا لي فما كان منهم الا موافقة ماذهبت اليه من التعقيد الغير معقول للنص . هذه النصوص تحتل واجهة الصفحات الثقافية وكذلك المواقع الانترنيتية .برأيك هل ان الذائقة العامة للقراء من الشعراء والنقاد والمهتمين بالشعر والقراءة هي المُحكم ام ان هذه النصوص تشكل خطرا على الذائقة وبالتالي على الشِعر .
3 بعض ضياع الفوارق بين الاجناس وغيرها من الظواهر التي كُتب عنها بظهور النص الجامع او جنس الاجناس كيف يمكن تحديد المفهوم الحقيقي للنص المفتوح هل هو الانتقال بين القصة والشعر والمسرحية في نص واحد او اختلاط في اشكال شعرية ام انه يتمتع بخصائص معينة بامتلاكة لثقافات ينفتح عليها واساليب اخرى .بايجاز كيف لنا ان نميز النص المنفتوح في غمرة هذه الكتابات التي تُنشر تحت هذا المسمّى .
4. في بعض النصوص نلاحظ حشرا ظاهرا لبعض الاسماء او المصطلحات الصوفيّة وبعض المفردات اليومية -تكلفا- هل هي محاولة من قبل كُتاب هذه النصوص لاضفاء شيء من الحداثة .ام ان النص المنتمي الى فضاء الحداثة يمتلك جناحين من الفكر والجمال بتلقائية غير مربكة للقاريء ومقحمة على السياق .
5. هل لازالت قصيدة التفعيلة التي كتبها درويش ولازال يكتبها شوقي بزيع ومحمد علي شمس الدين وجودت فخر الدين وغيرهم قادرة على مواكبة الحداثة الشعرية خصوصا وانهم لم يغفلوا عن تقنيات القصيدة النثرية ويمتلكون موقفا موضوعيا تجاهها بعكس التفعيلة (التكفيرية) التي يتبناها اخرون . هل هناك مستقبل لهذا الشكل الشعريّ ام انها ستنفذ مساحتها مع الزمن في ظل ما توفره قصيدة النثر من مناخات تتسع لمضامين حديثة ؟
أتمنى ان اكون اكون خفيفا في اسئلتي ،
مع كل الشُكر والمحبّة .
صادق مجبل
 
 
 
 العزيز الشاعر  صادق مجبل
 هذه فرصة طيبة لنراجع قناعاتنا ونتحدث بوضوح ونختبر حدوسنا، كل توصلاتنا حدوس لا تلزم سوانا. هذا جانب من مأزق الحداثة ومظاهرها النصية، ومناسباتها الفنية والجمالية : لوحة ، مسرحية ، قصيدة، سرد ، صورة ..
1-أنت تثير مشكلات جمالية غاية في الأهمية ، تساؤلك وأفكارك عن  الموسيقى الداخلية (في الخطاب الشعري والنقدي القديم )، والإيقاع ( في خطاب الحداثة ونصوصها  ) يُظهر انحيازك –وأنا معك- لهذه الإيقاعية التي تحيط بالنص وتتخلله بلا نسق ثابت أو تكراري هو جزء من هوية النص التقليد- هذا أيضا في الفن : لاحظ التكرارية في الأرابسيك أو الرقش العربي على  السقوف والجدران، فهو يقوم على تكرار الزخرف وتتابع أشكاله الهندسية بتوافق غريب لا يقبل الخرق، أي أن الجمالية تقوم على  الانسجام فقط، هذا سيحصل في الموسيقى ، والأزياء وترتيب الأثاث والعمارة وتفاصيل حياتية كثيرة تؤكد الروح النسقية المشار إليها.
 كذلك الأمر في الشعر التقليدي- وأنا أدعوه كذلك من باب الوصف فقط لا الحكم عليه – فأعني بالتقليدية الامتثال لتقاليد فنية ثابتة ومستقرة أو قارّة بتعبير زملائنا المغاربيين.
لما كان العالم عدداً ونغماً كما يرى الفلاسفة؛ فالتناظر مطلوب في الفن الذي هو انعكاس وتصور للعالم: ثمة شطرين يمثلان توافق القيم والماديات: ليل/ نهار،ظل/ضوء، خير/ شر، موت /حياة ، رجل / امرأة ،نور / ظلام، وهكذا…..فضلا عن أن الشطرين يغلقان القول الشعري كقوسين ، ويمنحان الحالة الإلقائية  والسياق الشفاهي إشارة سمعية: تلك حدود البيت انتهت فاستعد لتسلم تاليه .
هذه العدوى ستتسرب للنثر المبكر، فالتناظر الفقري والجملي والتوازن في عدد كلمات الجمل وختامها بالسجع ،هما تمثيل للشعر في جسد النثر: التشطير والتقفية..
في الشعر تعمل التفعيلات على خلق موسيقى خاصة ناتجة عن طول التفعيلات وتقارب أو تباعد الحركات والسكنات ،هنا ولكسر التناظر يلجا الشعراء إلى تحريك موسيقى البحر بالجوازات : بالزحافات والعلل بل بالخروج التام على التفاعيل:لاحظ أن هناك معلقة كاملة قيل إن وزنها مختل( أقفر من أهله ملحوبُ..) فهل يعقل ذلك ؟ والوزن كما هو مقرر –وأنت أشرت لذلك – كان قبل العروض كعلم؟
في البحر الخفيف تجد التدوير وضمور الشطرين لصالح البيت غالبا بسبب التفعيلات،كما أن لبعض البحور أكثر من صورة ، المتقارب والمتدارك –بتحريك بسيط،والمتدارك والخبب  مثلا (فعلن / فاعلن) ، وقد كتب أدونيس مازجا البحرين المتقارب والمتدارك ن حتى ظن البعض أنٍ ( هذا هو اسمي ) قصيدة نثر.. وللسياب محاولات غير مكتملة في المزج بين البحور أيضا.
وإذا كان  ممكنا بمعيارية ما الخروج  من الوزن- الموسيقى الخارجية وما يتداعى عنها من موسيقى داخلية بالتكرار والقوافي – في الخطاب الشعري التقليدي ، فإن المعيارية غير ممكنة في الإيقاع الذي تنطوي عليه قصيدة النثر التي تمتح من السرد والتشخيص والتعارضات والتوافقات والتناصات والأفكار إيقاعاتها  غير القابلة للحصر،
وكنت في وقت مبكر-النصف الثاني من الثمانينيات –قدمت دراسة لحلقة المربد النقدية حول الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر نشرتها من بعد في كتابيَّ :ما لا تؤديه الصفة ، وحلم الفراشة.. مستفيدا بصدد اللا تعين الإيقاعي وتغيره بجواب اسحق الموصلي حين سأله الخليفة عن صفة النغم، فقال له : إن من الأشياء أشياء تحيط  بها المعرفة ولا تدركها الصفة. فيظل الإيقاع معروفا بالقراءة وغير محدد بوصف.
هنا صعوبة قصيدة النثر ومهمة شاعرها الأصعب: أن تتولد إيقاعات مبتدعة غير قائمة على نسق أو نمط.
2- أضحكتني أمثلتك للشعر الردئ : أنام في الليل وتحرقني النار…..،وهو يماثل النظم في العمود: كأننا والماء من حولنا…..، في الشعر الموهوم بانتسابه للحداثة بمجرد إطلاقه أستذكر أوهام الحداثة كما سماها أدونيس في بيان الحداثة.وهي مغالطات خلقتها التصورات القاصرة عن النثر في الشعر أو الحداثة في الكتابة الجديدة ، ومن أخطرها تصور أن كل ما ليس موزونا شعر منثور أو قصيدة نثر.. ثم شجع عليها انفتاج مجالات النشر دون تدقيق في اكتمال النصوص فنيا، لا سيما في المواقع الشبكية –على الإنترنيت – وفتح الباب للمحاولات التي يستسهل أصحابها الكتابة واشتراطات النشر، والمجاملات الاجتماعية لبعض محرري صفحات الثقافة .
فضلا عن سيولة وميوعة عاطفية وسذاجة تصويرية ذات رس رومانسي سطحي..فهذا كلام عن إنسان ينام في الليل ويبلله الماء وتحرقه النار..وما إلى ذلك من تداعيات لا تخلق وجودا لغويا لنص ذاتي  مهموم بحالة أو شعور أو إدراك أو انفعال أو عاطفة  – وهي محركات كبرى للكتابة -.
لكنك فجأة أدرت هجومك على نصوص غامضة.زعمت –وأنا اشك في وصف حالتك بناء على وعيك المعبر عنه شعريا ومعرفيا رغم فتوتك-أنك لم تفهمها.
الفهم عزيزي صادق خطوة من خطوات التأويل ، وهي خطوة مهمة للاتصال بالنصوص ومن معضلات القراءة، ويترتب عليها مشكل جمالي حول الغامض والواضح وما بينهما من شفافية ، وما وراءهما من تعقيد فارغ والتباسات لغوية وهذيانات.
أنا معك ثمة نصوص تبني باروكات لغوية وصورية وتداعيات، ولكن لا وجهة فيها ولا خطة يتبعها القارئ ليكتشف ويتعرف ثم ليتأول .. باروكات لإخفاء ولا التصحر في النصوص وسقمها.
هذا ليس مرهونا بفهمنا نحن بل ببناء النص نفسه بصورة ملتبسة.
ثم لنتصارح : شاعر وقارئ، ماذا نريد ( فهمه ) من نص شعري أكثر مما توحيه الموسيقى العذبة التي تقول وتهزنا بلا كلام ؟
أنعود للمعنى وما يساويه هذا القول وما يدل عليه ؟ كما يواجه الجمهور الرسامين عادة: ماذا تعنون بهذا أو ذاك من تشكلات اللوحة؟
أنت لست بهذه البساطة ، وأشهد أن تساؤلك لا يحيل لذلك ، ولكن التباسات الغامض والواضح تصب أخيرا في طرد العمق والخصوصية عن النص الشعري، وتعيده إلى المعنى المباشر والمتحصل جزئيا بما يقول لا بما يوحي به.
3- النص المفتوح ظل وعداً. هنا تفوق التنظير على الإنجاز. انهمك النقاد في وصف انفتاح الأجناس والأنواع واستفادتها من بعضها ، ثم لم نجد نصا تقوى فيه الصلة لينفرد عن مفردات النوع الذي انبثق منه.
ربما كانت نصوص السيرة الذاتية تخضع لعقد قراءة أو ميثاق سير-ذاتي يرهن النص بالرواية والمقال والتعليق والتذكر ، ولكن شعريتها تظل في مركز الحكي عن الذات بنفسها.
الأنواع امتصت التأثر والانفتاح بصورة أكثر عمقا: السينما في الرواية ، والقصة في الشعر والشعر في القصة، واللوحة في الوصف، والمشهدية في السرد………….
أما النصوص فظل المركز النوعي يجذبها ، وتقترض من سواها لصالحه.
4- أدبيات الصوفية جذبت الشعراء والكتاب حتى القادمين من حاضنات علمانية ويسارية.
احتشد الشعر الستيني والمنشور من شعر الأجيال الأقدم في فضاء الستينيات برموز الصوفية من المريدين وبحالاتهم ومواجدهم ، فتجاور جيفارا والحلاج ، وسقراط والبسطامي..في نص واحد.
اللجوء لأدبيات التصوف هي واحدة من مقترحات الخروج بالقصيدة الحديثة من المباشرة إلى الرمز.ولكن سرعان ما نال المسألة تكلف وتقليد وصارت موضة .لكني أراها تخف في شعر الشباب اليوم ربما لابتعاد التصوف كأحد المراجع الثقافية الضاغطة على وعي الشاعر.
أنا أفهم تصوف شاكر حسن ال سعيد في مراحله التشكيلية الوسطى والأخيرة بعد مرحلة الجدران والمحيط، فهو متماه في تصوفه  الاعتقادي=الحياتي ولوحته المتقشفة المعبرة عن عالمه ذاك.
لكني أتساءل عن حقيقة اقتراض التصوف لشاعر دنيوي قد يجد تعليلا لذلك بالقراءة لا التجربة، ولكن كيف  نبرر صيرورة ذلك منهجا وأسلوبا لازما طوال التجربة الشعرية؟.
5-
أنا رغم انحيازي جماليا وفنيا لقصيدة النثر كنوع شعري حداثي، أؤمن أن الحرية تقتضي ألا يقصر أو يجبر شاعر نفسه على كتابة بأسلوب واحد، فلربما تقتضي مقامات القول وتكتيكاته  تغييرا وتحولا أسلوبيا، بل نوعيا أحيانا- لجوء الشعراء مؤخرا لكتابة الرواية بشكل لافت – وذلك لا يبرر التناقضات: عمود/ نثر مثلا، ولكن الوزنية غير المنضبطة بمعيار صارم(نموذج شعر البريكان وسعدي) الممهد للنثر في رأيي ، وكثير من قصائد درويش وتخلص شعراء الحداثة – والوزنيون منهم –من التقفية والنغم الفاقع عالي الصوت- هي مؤشرات على تغير الحساسية الشعرية صوب تهدئة هيجانات اللغة والوزن لصالح الفكرة.
صار مؤاخاة الوزن والنثر مألوفا في كتابات التفعيليين- لعبدالعزيز  المقالح ثلاثة كتب شعرية يزاوج  في كل قصائدها بين الوزن في مقطع والنثر في ثان، ولسعدي تضمينات مماثلة ويقترب درويش في قصائده الأخيرة من النثر كثيرا.
في قصائد الشعراء الذين ذكرتهم في مناقشتك أمثلة أيضا على تهدئة الموسيقى لصالح الفكرة والصورة وحداثة اللغة وهجر المحارق الموسيقية الخارجية كالقافية..وصرامة الوزن وسنتمتريته، ونسق الشطر الشعري .. والاقتراب من نصوص القصيدة النثرية بإيقاعاتها العامة.
شكرا لك لأنك أثرت هذه الملاحظات وسرد هذه القناعات المعروضة للمراجعة والتيقن.
حاتم الصكر
……………………………………………………………………………..
 
 
 
 
………………………………………………………………………………..
 
الاستاذ المنير حاتم الصكر
اعود مرة اخرى لا كمحاور فقط بل لأيضا كقارئ متابع للردود والردود عليها , لأثير حلقة من النقاش بشكل لايقود الى جدلية النقاش اكثر من الرغبة بالخلوص الى ثوابت في عالم لايعترف بالثوابت لكن على سبيل المجاز لا الجزم.
تحدثت في ما سبقت عن غياب او تغييب الجنس الادبي لا عن صيرورة عمادها الوعي الايجابي والأرتقاء بنية ومعنى ,لكن بغيبوبة ذوقية ومعرفية أسهم في إيجادها بشكل أو أخر الطوفان الرقمي إضافة الى المعادل الموضوعي المؤلف والناقد حيث ساهم هذا التراخي او الارتباك بظهور طوابير من عاطلي الأدب ومتلبسي وهم الكتابة ,لنجد شكلا من ثقافة النسخ والمسخ, وكما أسلفت بتعلقيك على ماذكرته سابقا ان العماد الاساس في الحكم يبقى دائما محتكما للتميز والإجادة رغم فوضى الرداءة, وهذا صواب بعينه لكن لايخلو من إشكاليات غاية في التعقيد أبرزها ان ليس ثمة اتفاق حتى على جنس القصيدة العربية في نموها بهذا الأمد من الوقت فما عادت قصيدة البيتين صالحة للأستعمال على رأي طيف واسع من شعراء ونقاد , كما ان قصيدة التفعيلة صارت أرثا بعد ان كانت حاضرا ورجح غياب شاعر التفعيلة بما لا يترك شكا لأعلان وفاته قريبا, ويبدو كاتب قصيدة النثر هو الأبن الوحيد على الأقل لدى نخبة من النقاد والشعراء _تجاوزا_ بكلمة شعراء مادامت كلمة شعر المعهودة لم تعد تحمل خصائص الأرثية من وزن وقافية الخ.. ولا ندري مايسمى كاتب قصيدة النثر على الأصح بعد ان تملص شكل قصيدة النثر من تلك الأثواب .لكن هل قصيدة النثر هي معرف ثابت يمكن وضع تعريفه بلا اختلاف ؟ الجواب الاقرب هو النفي , فما زالت قصيدة النثر (وانا أضع نفسي كواحد من كتباها لما يزيد عن عشرين عاما) دون مرجعية محددة ولا جذور ثابتة , لقد أسهم الأندفاع غير الحصيف وراء النصوص الشعرية الأجنبية المترجمة بسبب عدم معرفة أغلبية من الشعراء بلغات اخرى, وعجز مترجمي الشعر عن إدراك كنه البناء الشعري للغة المنقول إليها وهي العربية بهذا الوضع الى شيوع نصوص لاتمت بصلة للأصل الأجنبي ولا للتركيب العربي , والأمرّ من هذا أن يطغى هذا الشكل من الكتابة بصفته نمطا جديدا من البناء الشعري بينما يسود غياب شبه كامل انه هذه جثث قصائد وليست قصائد , أن قصيدة النثر في ما أراه لابد لها أن تضرب عميقا بثقافة اللغة المكتوبة بها وتكون وثيقة الصلة بمتلقيها من أبناء اللغة حتى تؤسس صلة حميمة ولا تشهد هذه القطيعة القاتلة التي تكاد تطيح بكل ما حولها , فأين يقف الناقد اليوم وهو كما قدمت _ أيها الصديق النبيل _ صار قارئا مثقفا , وكيف له ان يقود مسيرة الشعر الى الغاية الأصح ؟؟
محبتي الوافرة.
علي الشاهين
رد
الأخ علي
مرحبا بك ثانية شاعرا ومحاورا وقارئا لماحا
أنا أفهم حرصك على مزايا النوع الأدبي ومنطلقك في ذلك وهو ما يبنه قولك بصدد( النسخ والمسخ والغيبوبة الذوقية والمعرفية  والطوفان الرقمي والفوضى والإرباك…) وسوى ذلك مما يرص سلبيا في مسيرة التحديث، ولكن يبدو ألا خيار لنا: أن تفتح نافذتك فليس بمقدورك انتقاء الريح التي تدخل منها إليك. لكن وعيك هو من يرتب اختيارك على مستوى الذات والجماعة.
هذا هو مصدر عدم تخوفي من القائمة السلبية حتى  بالإضافة إلى ذكرته أنت ، كالامتثال لمراجع متشابهة، وشيوع التقليد في لب المشروع الحداثي ، وعدم قلقي من بلبلة مفهوم القصيدة الحديثة ، وأي الأشكال أجدر بذلك لبوصف.
أنت لاحظت مصيبا ما هو غائب في حاضر قصيدة النثر: المرجعية والجذور مع الوصف الملحق بهما.
ولكن ألا ترى اخي علي أن البحث عن جذور ومرجعية لقصيدة النثر هو جزء من زحف المفاهيم الاجتماعية : شجرة العائلة والتأصيل ومعرفة الظهر السابع أو العاشر للفرد؟
وحتى النخيل والخيل والمفردات العادية يؤرخ لها بسلالة كي تؤصل.
هذا الهاجس سقط في فخه شعراء ومنظرو الحداثة أنفسهم ، فراحوا يبحثون بتمحك أحيانا عن آباء لقصيدة الحداثة ، عن جذور لقصيدة النثر، عن التماعات سبقت الشعر الحرن ووصل الأمر بمقارنات طريفة: السوريالية والصوفية لدةى ادونيس ، شعر البند والشعر الحر لدى نازك الملائكة، قصيدة النثر والأدبيات الصوفية لدى الكثيرين وهكذا..
دعنا نأخذ من قوانين النوع نفسه مراجع وجذورا وأصولا ولا نتهم النوع بالهجنة كمخلوق بلا أبن أو نبحث له عن جذور .
تحرزي وتحفظي على المرجع وضرورة تسميته تنسحب على المرجع الأجنبي الذي أدخلنا في رطانة سميتها أنت ووصفتها وكأنها أضاعت المشيتين! فلا التركيب عربي ولا له صلة بالأصل الأجنبي، ولكن هل ينفي ذلك الإفادة من الشعر الأجنبي في التحديث سواء لدى رواد الحداثة الأولى-جيل السياب ، أو التالين لهم –جماعة شعر، وأغلبهم قادم دراسيا من حاضنة فرانكفونية أو انكلوسكسونية  ظهر أثرها في تجاربهم ؟
المرجع يتبدل ويمكن لنا نحن القراء ملاحظة ذلك ، الآن يتربع مثلا وديع سعادة مؤثرا في تجارب الشباب بينما تراجع أثر سواه من سابقيه المؤثرين في سابقي شعراء الحداثة الشباب.
أخيرا أصل إلى تساؤلك : أين يقف الناقد اليوم؟أنا أرى أنه بحكم موقفه وموقعه الوصفي كقارئ خاص يرصد ويستخلص ويجمع الظواهر ليشتق منها ما يجري من تبدلات الذائقة والتكوين والتعبير واللغة وما ينعكس منها على القارئ وقراءته وأحكامه بصدد صلة النصوص بالنوع وما يترسب تحت بنيتها الظاهرة من مشغّلات. ضمنا سيكشف التقليد والاحتذاء غير الواعي  ونبذ الحداثة حتى في إهابها وتحت لافتتها.
كثير مما زعمت هو طموح ومسؤولية وافتراض قد لا تتوفر كلها في خطابنا النقدي المأزوم شأن سواه من خطابات حياتنا العربية الملتبسة.
أشكرك، وأغتنم معرفتك المتجددة لرجاء دوامها.
حاتم الصكر
 
رد: مدد يحاور الناقد الدكتور حاتم الصكر
 
شُكري دائم لكَ ايّها الدكتور الفاضل ، اتمنى الا تأخذ اسئلتنا من وقتك الكثير ،نحن نتنور بهذه الاراء فما احوجنا اليها .انا اشعر بسعادة بهذه الاجوبة من ناقد انا على ثقة تامة به ومهتم بالجيل الجديد غيرت الكثير من نظرتي لصورة الناقد الاكاديمي ،فشكرا لكل هذا التواضع وهذه الروح الانسانية الجميلة لناقد مهم تابع تحولات حركة الابداع العربي.
1
اقتباس:

لكن الوزنية غير المنضبطة بمعيار صارم(نموذج شعر البريكان وسعدي) الممهد للنثر في رأيي

هل ترى ان قصيدة النثر العربية كانت بتمهيد شعراء تفعيلة استطاعوا ان يخففوا من صرامة الايقاع او (القرقعة)بتعبير محمود درويش حيث تجارب سعدي يوسف ومحمود البريكان وكذلك د.عبد العزيز المقالح وايضا شاعر فلسطيني قرأت له مؤخرا اسمه غسان زقطان وغيرهم استطاعت برأيك ان تنتقل تدريجيا من نموذج موزون الى اخر نثري انحيازا للفكرة فهل هذا تأكيد منها على انها لا تهتم بالشكل الشعريّ ،وايضا دليل على قدرة النثر على الاستيعاب اكثر عندما تضيق القوالب ومنها التفعلية .
2 شخصيا اعتقد بان الشاعر النجم لدى العرب انتهى وشُيع مع جنازة درويش وهذا ما نشرته في مقال بجريدة الصباح العراقية ،لكن فاجأني رد لاحد الكتاب وصلني بالبريد الالكتروني يناقش فقرات المقال قائلا بان هناك فعاليات لازالت تحاول اعادة الشعر الى المجتمع -طبعا يقصد مسابقات الشعر التفلزيونية – والتي تكرس النظمبرأيي- اكثر من الشعر في استعادة اشكال القصيدة الغابرة والمباشرة التي تجلب انتباه الجمهور والالقاء الخطابي الذي يكسبهم تصفيق حار جدا! برأيك دكتور هل ان الزمن مازال ينتظر شاعر نجم او أمير شعراء وماشابه من التسميات في ظل محاولات بعض المؤسسات الثقافية العربية تكريس انماط شعرية وبالمقابل محاولات بعض الشعراء تقليد محمود درويش في الالقاء والحضور ؟
3 . فهمت جوابك حول النص المفتوح والذي اقنعني وايضا اعجبني ، كيف تنظر الى اجناس غير الشعر كتبها شعراء فسليم بركات مبدع في الرواية وسعدي يوسف كذلك وغيرهم ،هل ان الرواية عربيا تحتل مكانة كانت غائبة لانقول اصبحت ديوان العرب وماشابه من التسميات التي اطلعتُ عليها في مقالات كثيرة ،كيف تنظر الى شعراء ابدعوا في تجارب سردية مستقلة كتبها شعراء اضافة الى ان السرد دخل لبعض النصوص الشعرية ولم يخل بقيمتها الشعرية طبعا.
4 . هناك كتابة نسائية في الوطن العربية قليلة بعضها يحتاج -تشريع – من قبل السلطة الذكورية ليؤكد حضوره في واقعنا الثقافي مع أني لا اريد تصنيف الادب الى نسائي ورجالي، كيف تنظر الى الادب المكتوب من قبل المرأة العربية هل لازال تعبيرا عن سلطات القمع الاجتماعي المتواصل في امتنا .هل تمتلك هذه النماذج الوعي المطلوب لتأكيد هذا الحضور النسويّ في الادب .
5. طرحت على حضرتك سؤال في بداية مشاركتي بهذا الحوار الشيق والمفيد حول جيل شعريّ جديد في العراق واسعدت بجوابك الذي اريد الدخول الى جزئياته
اقتباس:

وأرى أنها –أي التجارب- تعد بالكثير رغم أنها تعيش اليوم ما أدعوه حرج السؤال وخانق الاختيار

كيف تنظر لمستقبل هذه التجارب في ظل هذا الانتشار الكمي الذي تطرقنا اليه في سؤال سابق ،كيف تؤكد هذه التجارب حضورها اعني الحضور العفوي غير المفتعل اعلامياً ، هل انت قلق عليها؟ ماهي النقاط التي يجب ان تتجاوزها او الا تقع فيها . وكيف تستطيع -هذه التجارب -الخروج من حرج السؤال ؟
من الفرص الجميلة في حياتي هذا الحوار والله اسعدتني جدا دكتور فلكَ مني كُل الحب والمودة والتقدير والاحترام
صادق مجبل
العزيز صادق
مزيد من النقاش.لا ضير فصوتك ضروري لنرى نحن ما يفكر به جيلك ، وما يسيطر عليك كذات شاعرة  ،وسأفصل إجاباتي  كما تسلسلت تساؤلاتك.

  • نعم ؛ بعض تجارب الوزنيين تمهد لإيقاع هادئ متخفف من التقفية والموسيقى التفعيلية . ويمكن لك أن تسمي شعراء كثراً يؤكدون هذا المنحى ،الانتقال ممكن إذن صوب النثر بهدوء ورصانة ودون شعارات ولافتات.

النثر هو المتوسع هنا ،وهو الذي يستوعب الروح الوزنية ، وينعكس على النصوص.

  • أشاركك القول بأن زمن الشاعر النجم قد انتهى ن وقد بسطت أسبابي في لقاء أجرته معي الأهرام العربي منذ عامين واختارت العبارة نفسها: عن انتهاء زمن الشاعر النجم  عنوانا رئيسا للمقابلة –وهي مؤرشفة في موقع الأهرام وفي موقعي الشخصي أيضا.

يبدو أننا متفقان تماما .ويهمني أن أعرض أبرز أسبابي، ويتعلق بتغير الحساسيات الشعرية وديمقراطية الشعر نفسهن فقد أصبح للشعر سطح متسع لذرى كثيرة وتعددت أوجه القول فلم يعد بالإمكان لشاعر واحد مهما اشتد بريقه ولمعان نجمه ان يستوفيها كلها . دوما ثمة مناخات مجاورة له تبعث نورها أيضا ، ويتجه إليها القراء.
طبيعي بعد ذلك أن تتراجع التقاليد المصاحبة للشاعر النجم كبراعة الإلقاء والتأثير الفوري والمؤقت في المستمعين.. وتقليد النجم حتى في قصة شعره وطريقته في الإشارة والكلام الإنشاد.

  • إنكباب الشعراء على كتابة الرواية مؤخرا لا أستخلص منه صعود الرواية كجنس وتراجع الشعر، كما فعل الدكتور جابر عصفور في أطروحته حول زمن الرواية.

أرى العكس أرى  أن هذه الحماسة لكتابة الرواية أو القص من طرف الشعراء هي من المحصول الذي جنته الكتابة حين استضاف الشعر النثر في القصيدة والسرد أيضا.ودليل إمكان مؤاخاة النثر والشعر داخل المص وفي الفاعلية الثقافية عامة .
لاحظ أيضا أن الغرب لا يحفل بذلك ، فيقبل غونتر غراس روائيا وشاعرا وكذلك بورخيس ، ويقبل لوركا شاعرا ومسرحيا .

  • بصدد الكتابة النسوية –وأنا اميل لهذا الاشتقاق مفرقا بين النسوية كوعي بالنوع والتعبير عنه ، والنسائية كوصف عام لأية كتابة من طرف المرأة حتى بغياب وعيها بنوعها ومشكلاتها وإرادتها ، رافضا مصطلح الأنثوية لما فيه من ظلال ذكورية في وصف المرأة كزوج تقليدي مع الذكر ولما في من أبوية أيضا وتصوير لضعف متخيل في شخصية المرأة – أقول إنني أخالفك القول وأصنف الأدب نسويا ورجاليا !محتكما إلى الإكراهات والضغوط والمعاناة الحافة بوجود المرأة والمحددة لدورها الاجتماعي ووعيها بالنوع لا الجنس فقط.

لا شك أن نصوص المرأة تتفاوت بتفاوت وعي الكاتبة النوعي   وما يقع عليها من كبت وقمع  ،ومقدرتها الفنية على تمثيل ذلك في نصوصها.
5-
احاول هذه الأيام عبر نصوص كثيرة وصلتني من العراق لمناسبة نقدية أن أستجمع المشهد المستقبلي رغم اطلاعي على نماذج منه متفرقة في دواوين ونشريات صحفية والكترونية.
تصوري الأول هو أن رهان التحديث الذي كان قدر الشعر العراقي منذ العصر العباسي مستمر ويتأكد نصيا وكذلك تنوع المراجع وتبدلها وتبدل النظر إلى اللغة الإيقاع وقبل ذلك على الموضوع ومكانته في النص.
تظل مهمة الجيل المستقبلي أن يعبر بنصوصه خانق التقليد والنمذجة وتوهم الحداثة.. وفي هذا السبيل لا نصيحة كما لا نبوءة عن المستقبل.
القصيدة كالزلزال لا تدري أين تسير ومتى تطلع ، لا مستقبل متخيل لها إلا ما تغزله خيوطها بصبر وإصرار معا.
أحييك وأسألك الاتصال دوما .
حاتم الصكر
……………………………………………………………………….
 
الناقد المبدع د/ حاتم الصكر
مبتهجون بحضورك الجميل وطرحك المتنوّر
نتابعك بشغف في أكثر من جهة
ومقالك في دبي الثقافية يسجّل حضورا لافتا
سيدي00
بصفتك واحد من عرابي قصيدة النثر
كيف ترى مقولة عبد القادر الجنابي عن قصيدة النثر
( لكن الشيءَ المؤكد هو انها نقيض قصيدة النثر العربية السائدة التي لا تلبي مطلبا واحدا مما أتفق جل النقاد عليه، )
ويقول خزعل الماجدي ( ربما، بسبب نثرية الاثنين (قصيدة النثر والنص المفتوح) لا يفرق الكثيرون بينهما وربما لأسباب أخرى منها الاستهانة بأجناسية الاثنين معاً وعدم الاعتراف بهما أحيانا. )
كيف ترى ذلك الالتباس؟
وهل حقا هناك قصائد نثر عربية وليست قصيدة واحدة
بمعنى أن قصيدة سركون غير قصيدة بسام حجار
وقصيدة أمجد ناصر غير قصيدة عماد أبوصالح؟ وهل شاعر يشكل مدرسة؟
وكيف ترى المشهد في السعودية مع ذكرأسماء كما عهدتك تطبيقيا ولست تنظيريا فقط
دمت متألقا00
مودتي
إبراهيم زولي
 
رد
أخي الشاعر إبراهيم
مرحبا بك. وسأجيبك بما ظل من قواي التي استنفدتها تساؤلات المدديين العميقة والممتعة، ومنها تساؤلاتك،
أرى فعلا أن ثمة قصائد نثر عربية لا قصيدة ، وهو تصويت لصالحها ،فقد نضجت لحد تعدد مناخاتها : قصيدة لغوية وأخرى سردية وثالثة  إيقاعية بالاحتكام إلى المهيمنة الغالبة عليها.. وذلك يتسع ليضم قصيدة النص رغم أنني تساءلت عن هويتها ووجودها في فقرة سابقة من حوارنا هذا.
ولكن ذلك لا يبيح لنا أن نعد كل شاعر مدرسة، بل نعني أن النصوص تتكتل في مناخ قادم من مؤثر ومرجع وشعرية ، وتتنوع لتتعدد أساليبها وأنساقها.
أما تساؤلك المتعلق بالقصيدة الحديثة في السعودية فقد بسطت رأيي في إجابتي للعزيز الشاعر محمد خضر في اليوم الأول من حوارنا المددي هذا.. وتجاوزت التنظير للتطبيق عبر أسماء وتجارب ، لكن ذكرها كان محدودا بسبب اعتمادي على تداعيات وذاكرة لا على متون حاضرة أمامي لكوني لست في موضع الدارس هنا.
أشكرك على مساهمتك وإضافاتك الجوهرية.
حاتم الصكر
 
أسرة مدد إدارة وأعضاء وإشراف
تشكر الناقد الكبير الأستاذ حاتم الصكر
على هذا الحوار المختلف والجميل
على هذه الرؤى الجديدة وعلى محاورته لنا وعضويته الدائمة معنا في ملتقى مدد
يتبقى أن نطرح المزيد من مقالات وابحاث وجديد الدكتور حاتم الصكر هنا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*