يامريم لسنان أنطون

 
 
برواية سنان أنطون (يا مريم-بغداد 2012) يضاف لمكتبة السرد الهامشي أو قص
 المهمشين عمل مهم  لتصديه لموضوع  مواطَنة الأقليات في وطنهم  ومعاناتهم بسبب التطرف والإلغاء ، ومحنتهم بين التشبث بأوطان عاشوا فيها ورافقوا حضاراتها وحاضرها،و بين هجرانها لأنها صارت طاردة لوجودهم وضاقت بهم أرضها،لا سيما  حين تنشب الأزمات أو تتعرض بلدانهم لتحولات كبرى، فتمسّ حرياتهم الدينية وشخصياتهم أو هوياتهم على وجه التحديد.
يوم واحد  فقط تدورفيه أحداث الرواية وبفصول يتغير ساردها ،لكنها تلتم حول حبكتها ؛ فيكمل بعضها بعضا.الشخوص عائلة من مسيحيي العراق تهرب  مهجرةً لتلوذ بقريب لها تشاركه وحدته بعد تقاعده من الوظيفة التي كانت له فيها قصة حب وصداقات معتقة تخفف من اختناق العمل بالشكوى والشعور بالظلم والخوف من غد مجهول، وستكون حادثة اقتحام الإرهابيين لكنيسة النجاة ببغداد عام  2010 وقتلهم عدة مصلين وجرح آخرين ،هي الخاتمة التي تنتهي عندها حدود تفاؤل يوسف –شخصية الرواية الأساسية- ويصبح موته في التفجير جوابا سرديا على قناعته بألا يهاجر ،لأنه يخالف الشابة مها التي تشهد واقعة الكنيسة، وتتأخر في الاعتذار له عن اتهامها له بأنه يعيش في الماضي، فكأن الرسالة المبتغاة  من حسم الخلاف لصالح مها، وسقوط رهان يوسف بموته ضحية اعتداء التكفيريين ما هي إلا تصويت للهجرة وعدم إمكان التعايش.وتكشف الخاتمة عن التوافق أو التزامن بين حدث سردي هو زيارة الكنيسة الأسبوعية للصلاة واستمرار خلاف مها ويوسف، وبين النهاية الخارجية وهي حادثة تفجير الكنيسة وقتل المصلين .والتنويه في الخاتمة  بأن الشخصيات والنص هي(من نسج الخيال) تأكيد على الدمج بين الواقعتين ::النصية والخارجية.لكن ما قدمه سنان أنطون في عمله هذا لا يعتاش على تلك  النهاية الدراماتيكية ، بقدر حرصه على تمثيل المصائر بعنف وقسوة ،هما من مفردات التعامل مع الأقليات في جو متوتر وملتبس كالذي يعيشه العراق.
ولتأكيد عراقية المسيحيين وانتمائهم يستخدم  الكاتب العامية الموصلية للحوار بين الشخصيات، كون الأسرة تنحدر من إحدى مدن الموصل المسيحية قبل تهجيرهم القسري.  الخال الذي تخطفه عصابة مسلحة وتقتله حتى بعد تسلمها فدية ضخمة ،  وتهجير العائلة من سكنها. يخسر الاب تجارته وبيته ، مها تفقد جنينها الأول بعد تفجير سيارة في باب بيتها.كل شيء معد لتمثيل القسوة والعنف، حتى الرواية ذاتها اتسمت بذلك ، فجمعت  بمسحة ميلو درامية عدة مآس في يوم عراقي طويل ومتعب، برغم لغتها الهادئة والمنشغلة بالتفاصيل، وبسلاسة الانتقال من حدث لآخر عبر ساعات ذلك اليوم الدامي،وبرغم عذوبة الاسترجاعات الثرية من ذاكرة الشخصيات وحيواتهم، وما تميزت به من محلية وشاعرية.لقد اتسمت الرواية بالعكوف على جانب رمزي يخفف من حرارة واقعيتها ومناخ القسوة التي تسربت من الشخصيات والوقائع إلى افعال السرد وتحكمت في المصائر ، ومن هذه الرمزية عنونة الرواية(يا مريم) وهي العبارة الأخيرة التي يلفظها يوسف قبل موته في تفجير كنيسة سيدة النجاة، ولعبارته تلك مدلولها السياقي كون يوسف لم يتصف بالإيمان الكامل ،وذهابه للكنيسة شيء روتيني، لكنه لحظة الموت يستنجد بمريم التي حور الكاتب الآية التي تذكر فيها لتصبح( هزي جذع هذه اللحظة/تُساقط عليك/موتا سخيا) ومذيلة بعبارة(مريم عراقية) فانتقل عناء مريم وصبرها إلى حاضر تعيشه مريم أخرى .
كل أحداث الرواية تنتهي بتزكية الرسالة ذات المقدمتين والنتيجة الواحدة: 1-مهمشون دينيا يحاولون التعايش فيقتلون كما مثَّلهم اقتباس الكاتب في الصفحة الاولى من إنجيل يوحنا( جاء إلى أهل بيته،فما قبله أهل بيته.) 2- ليس لهؤلاء من مصير سوى الموت في الداخل أو الهجرة إلى بلدان أخرى تؤويهم وتوفر لهم الحماية. والنتيجة الوحيدة سرديا هي الهجرة أو موت من يظل مراهنا على التسامح القادم أو استرجاع العيش المشترك الذي اقتسمه العراقيون بشتى أطيافهم قرونا .ولكن لا شيء يقود لذلك فحتى العقلية السائدة تعكس الرفض والنبذ كما يحصل لمها من زملائها في كلية الطب وليس من الإرهابيين وحدهم.
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*