قصيدة نثر لكل شاعر!

 
 
 
 
قليلة العدد تلك الكتب المترجمة التي تتحدث عن قصيدة النثر لا سيما في اللغات الأخرى غير لغة منشئها أي فرنسا التي ينسب لها الجميع أمومة قصيدة النثر وحضانتها. وهو اعتقاد يسود أوساط  المهتمين بكتابتها  ودراستها من غير الفرنسيين.والآن يقدم لنا الشاعر والمترجم المصري محمد عيد ابراهيم  ترجمة عن الإنجليزية لكتاب (مقدمة لقصيدة النثر-أنماط ونماذج) المنشور عام  2009 وهو ذو أهمية في التعريف بأنماط قصيدة النثر وأسلوب كتابتها  من وجهة نظر الكتاب  الغربيين ، معززا بنماذج كثيرة لكل نمط تمكن محررا الكتاب( بريان كليمنس وجيمي دونام) من استقرائه عبر معاينة نصوص لشعراء من بلدان عدة.الاجتهاد حاضر هنا لحصر الأنماط أو الأنواع التي يقترح المحرران تثبيتها كتوصيف لبنية النصوص المختارة: نصوص يحضر من خلالها بورخيس ونيرودا وجنسبرغ وماكس جاكوب وميسترال وبونج وغيرهم  من مشاهير الشعراء بجانب شعراء من قارات العالم سنجد بينهم عربياً واحداً هو أمجد ناصر الشاعر الأردني المقيم في بريطانيا .الكتاب يؤشر لأكثر من دلالة ؛ فهاهم الغربيون يتحدثون عن قصيدة النثر كمنتوج مستورد ،ويحيلون التأثيرات ويسمون المرجعيات على وفق ذلك التصور. وهو عين ما يحصل في قراءاتنا العربية لقصيدة النثر. في مقدمة الكتاب الموجزة التي تسبق عملية التنميط وإيراد النماذج ، نتعرف على ما لقيته قصيدة النثر في أمريكا مثلا عند الشروع بتداولها ، وهذا من المشترك بيننا على مستوى الكتابة والتلقي معا، وهو ما يتوقف عنده المحرران ليردا ذلك إلى استعصاء تصور وجود الشعر في النثر ، أو النثر في القصيدة.وهو المأزق الذي تنبه إليه التسمية ، كما أن ثمة تجنباً واضحا للخوض في شعرية قصيدة النثر أي نظمها وآليات كتابتها وإيقاعها خاصة، فظلت  من الأمور التي يصارح المحرران القارئ بأنها ليست محسومة أو مستقرة. وهذا يبرر الحديث عنها عبر ( مقدمة) فحسب كما ينبئ العنوان. وتحاول المقدمة تأصيل قصيدة النثر تاريخيا ؛فتعيد جذورها إلى نماذج دينية وصلوات يمكن عدها من الشعر المنثور، ويعضدها (جاسبار الليل) لبرتران الصادر عام 1842 بانتظار صدور ديوان (سأم باريس)  لبودليرعام 1862الذي بدأت معه تقاليد فنية وجمالية لهذا النوع الشعري الذي يرى المحرران – كما حصل  في النقد الشعري عندنا- أنه لا يُحد أو ينحصر في وصف ؛ لذا يقرران قاعدة مرنة وزئبقية في الواقع بقولهما إن هناك أنماطاً لقصيدة النثر بقدر ممارسي كتابتها.وهذا هو مصدر تميزها وصعوبتها في آن واحد تلقيا وكتابة.  فهي  ليست بنية ،والكلام عن أنماطها هو الحل كما يرى المحرران اللذان يتحفظان بالقول إن تلك الأنماط لا تحيط بها- وهذا يعزز رأيا مبكرا لنا بأن كتابتها مسؤولية ذاتية للشاعر نفسه- وإيقاعها لا يدرك أو يحاط به.هكذا يظل الحديث متاحاً عن (احتمالاتها) .ذلك سوف يسر خصومها ويقوي منافحتهم عن (الشعر) الذي لا يرونه في قصيدة النثر.لكنه يعمق البحث عن دلالاتها وإيقاعاتها.يزخر الكتاب بالنماذج لكل نمط مقترح.لكننا نلاحظ أن الأنماط مقسمة بشكل متباين  على اساس ايقاعي أو شكلي-الومضة- او موضوعاتي او بلاغي- كالمجاز والتكرار.
ويمكن استبدال أي  نص بوضع القصيدة المختارة في نمط آخر.فالحدود غير واضحة تماما.وكثيرا ما تتداخل الأنماط التي سنعدها هنا للتذكير بالمقترح ورؤية التداخل: كقصائد الحكاية والمأثور والخرافة  والصورة والموضوع والمجاز والتكرار والمناجاة والحوارية والومضة والإنشائية والتأمل، وقصائد القائمة أو التداعي الحر والتصوير الرمزي السوريالي والتنميق الخطابي وقصيدة الرسالة والتنويع الموضوعي والقصيدة السياقية وقصيدة البيت الحر. القصيدة الهجين تستوقفنا لما فيها من تداخل نوعي تمتزج فيه الاستعارة من عدة فنون متقاربة، وكذلك قصيدة النثر التي تتحدث عن نفسها في وضع ميتا-شعري يقارب نوعه ويحكي عنه داخل النص.ولا تستطيع الترجمة رغم جهد المترجم المستوعب لمادته كونه شاعر قصيدة نثر أصلا أن تحيط أحيانا بهدف المختارات وفحوى الأنماط ،كالحديث عن قصيدة النظائر البنيوية أوالقصيدة السياقية.ولكن الكتاب يعد بحق إضافة مهمة لمكتبة الدراسات الخاصة بشعرية قصيدة النثر ومشكلاتها الفنية والجمالية.
 
 
 
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*