فن الشعر

 
 
فن الشعر
كتاب أرسطو طاليس بويطيقا أو(فن الشعر) كما شاعت ترجمة عنوانه الخاطئة للعربية ،يثير الكثير من الأفكار التي تحف به كمدوّنة نقدية مبكرة (أكثر من  ثلاثة قرون قبل الميلاد) امتلكت الخلود عبر العصور حتى وصلتنا ،وفي مادته التي تجتذب الشعراء والمسرحيين والنقاد في آن واحد ، فتتحقق بذلك وحدة الفنون وتقتسم الاهتمام الجمالي والفني كما أراده أرسطو ،وفي نظرية المحاكاة بشكل خاص، حيث رأى أرسطو أن ( أنواع الشعر مهما اختلفت ليست إلا طرائق للمحاكاة. بل إن المحاكاة عامل مشترك بين الشعر والفنون الجميلة الأخرى.)
هذا الكتاب المتداول حتى يومنا والذي تصدر طبعات متلاحقة وترجمات متعددة له ويدرسه الطلبة والباحثون رغم تقدم زمنه ،مثال نادر في التأليف ؛لأن الاجزاء التي وصلت منه تبدو كخلاصات مكثفة أو أفكار موجزة لغرض التوسيع والاستطراد ، مع ملاحظة أن الباحثين يعتقدون بوجود جزء مفقود بحجم الكتاب المتداول.فكيف توفرت تلك المزايا كلها لكتاب قديم، اجتهد العرب بترجمات قديمة ومعاصرة لفهمه وتقريب مصطلحاته ومفاهيمه؟ العمق الفلسفي للكتاب يأتي من مكانة أرسطو في الفكر الفلسفي الإنساني ، وذلك يجعل أفكاره ومقترحاته ذات أهمية خاصة.فهو يتسلسل منطقيا ليضع ضوابط – بعضها صارم وغير ممكن التطبيق – لكل فن من فنون الشعر السائدة في عصره ،وهي ما يمكن وصفها بالشعرية ،أو طرق انتظام الجنس الشعري بأنواعه التي يصنفها في: الشعر الملحمي، والكوميدي، والتراجيدي والديثرمبي، ويغفل الشعر الغنائي. المترجمون العرب القدامى لم يترجموا الجزء الخاص بالملحمة ،لأنها في وصفهم تقوم على أكاذيب وخرافات ،بل ذهب بعضهم متصرفا في الترجمة لحد التمثيل بأشعار عربية للقواعد والنظم المكوّنة للشعر ، مهملين امثلة أرسطو .و في قراءة ترجمة حديثة للكتاب ثمة ما يوجب التوقف ، كحديث أرسطو عن المحاكاة التي شاع فهم خاطئ ومبتسر لها ؛فقرنوها بالتقليد والمحاكاة الحَرْفية التي لا مكان  فيها للخيال أو تغيير سير الواقعة وتسلسل أحداثها.فهو يرى ان المحاكاة تختلف باختلاف مادتها،أو موضوعها،أو طريقتها. وبهذا تستقل الفنون عن بعضها رغم توحد جمالياتها المشتركة.ويتوسع أرسطو قليلا حين يذكر أنواع الدراما، وأبرزها التراجيديا التي يرى انها محاكاة لفعل جاد تام في ذاته، ولهذا أسماها المترجمون العرب القدامى(المديح).
أما الكوميديا فقد غدت عندهم ( الهجاء) .لكن المحاكاة ليست ارتهانا بما هو كائن وصالح ليحاكيه الشاعر،وإنما تشمل أيضا ما يمكن أن يكون أو يحدث ،أو مايجب أن يكون. ويتمم ذلك التصور المتطور للمحاكاة وتوسيع الخيال فيها  بالقول إن مهمة الشاعر ليست رواية ماوقع فعلا بل ما يمكن أن يقع.كما يحدد عنصري التحول-الذي يغير مجرى الفعل إلى عكس اتجاهه- والتعرف – الذي يعني التغير أو الانتقال من الجهل إلى المعرفة – وتجسيد هذين المصطلحين في اختيار الحبكات بأنواعها التي يحصرها أرسطو، ويضع لها قواعد وتفاصيل فنية مجدية.ولقد تعرض فكر أرسطو النظري أيضا ً لفهم مغلوط ليس للمحاكاة فحسب ، وإنما للوحدات التي وضعها للعمل الدرامي ، ورآى أنها لا بد أن تتوفر ليغدو العمل فناً جميلا ً.ولعل كتاب فن الشعر تقديم مبكر لإمكان وجود السرد في الشعر عامة ،وليس لأن المسرح كان في عصره شعرياً  ولم يتحررالشعر بعد من أعراف العرض المسرحي وقوانينه. وستكون لاستباقات أرسطو النقدية مكانة خاصة في الفكر المسرحي في شتى العصور رغم التطور الذي أضفته النظريات الفنية الحديثة على المسرح ، ورغم انفصال الشعر عن المسرح وتنوع أشكاله وأنواعه.أما مناقشته للغة الشعر وتمثيلاته فهي صورة أخرى لتقدم منظوره النقدي ، فاللغة الشعرية عنده تقوم على التحويل بأشكاله من نوع إلى آخر، ويتم نظريته بالتمثيل لتحويلات المعنى وما يتحقق من خلالها من صور شعرية ومجازات نذكر منها فرضيته القياسية(كالقول
عن الشيخوخةعشية الحياة.. كما أن العشية هي شيخوخة النهار.. أو مغرب الحياة)
 هكذا يتضح بالقراءة الاستعادية ل(فن الشعر) إمكان صلاحية كثير من توصلاته وأفكاره ونظرياته لكل عصر وكل فن.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*