نص الحوار حول كتابي (أقنعة السيرة وتجلياتها ) أجراه الشاعر خضير الزيدي لمجلة الشارقة الثقافية -العدد 13-نوفمبر 2017


 
 خضير الزيدي‏ — مع ‏‎Hatem Alsager‎‏.
 
آخر ما صدر للأستاذ الناقد حاتم الصكر كتابه الموسوم اقنعة السيرة وتجلياتها وبما أن الحديث مع هذه القامة النقدية ينفتح على أكثر من محور في خصوص السيرة الذاتية واهم الأسماء التي عرفها الأدب العربي المعاصر وما اشتراطات وآليات كتابة هذا النوع الادبي فقد شجعنا كتابه الصادر أخيرا عن دار أزمنة أن نتباحث معا في هذا الشأن ..هذا الحوار المنشور في مجلة الشارقة جزء من محاور متنوعة… سعيد بالتحاور معك أستاذي العزيز أبا هند ..وكل الحب والتقدير للإخوة الأعزاء في هيئة تحرير مجلة الشارقة الثقافية
—————— 
الناقد حاتم الصكر
الكتابة السيرذاتية تتطلب إعلاء الذات والتوجه إلى كينونتها الشخصية
حاوره : خضير الزيدي
آخر ما صدر للناقد العراقي حاتم الصكر كتابه أقنعة السيرة وتجلياتها حاملا بين طياته رؤية نقدية اعتمدها المؤلف وفقا لتحليل النصوص التي تخص جوانب السيرة الذاتية مثل ( كتاب الأيام لطه حسين .وسبعون لميخائل نعيمة .ورواية الخبز الحافي لمحمد شكري ) بالإضافة إلى السيرة الإبداعية لبعض المؤلفات مثل نوال السعداوي وغادة السمان وأخريات هذا الكتاب الصادر مؤخرا عن دار أزمنة عالج أهم المشكلات التي تواجه هذا الجنس الأدبي معتمدا على منهج اتبعه الصكر منذ زمن بعيد يقوم على أسس نظرية القراءة من جهة وعلى تطويرات فيليب لوجون فيما يخص طروحاته حيال مفاهيم السيرة الذاتية كميثاق قراءة بين الكاتب والقارئ.وبما أن ناقدنا من الأسماء التي تمتلك وعيا متقدما في عوالم النقد الثقافي والأدبي واستطاع أن يمد المكتبة النقدية العربية بإصدارات متنوعة منذ سبعينيات القرن المنصرم حتى إصداره الذي نتناول جوانب منه عبر هذا الحوار فقد ارتأينا أن نتباحث معه حيال أهمية هذا الإصدار وقيمته التنظيرية 
** بودي إن اعرف منك هل كتابة السيرة في التراث العربي يعد فنا إبداعيا قائما لوحده وما شروطه ؟
السيرة الذاتية من أضعف حلقات النوع الكتابي في التراث العربي .والأمثلة قليلة وغير مستجيبة لما نعرفه من مصطلح السيرة الذاتية ومفهومها.خذ مثلاً ما كتبه إبن خلدون عن حياته .هي صفحات سرد تاريخي عائلي غالباً ،ولا يضيء مناطق وعي ابن خلدون ،وتحديات حياته الفكرية ونتاجه الهائل الأهمية.الكتابة السيرذاتية تتطلب إعلاء الذات والتوجه إلى كينونتها الشخصية.فيما كان التراث المكتوب في غالبه يهتم بالجماعة أو الفرد ولكنْ داخل جماعته .وهذا يعيق أية كتابة سيرذاتية.
*** ماذا لو عدنا لقراءة يوميات طه حسين ومحمد شكري وعبد الله العروي وآخرين هل ثمة ما يكشف لنا من آليات تختلف من كاتب لأخر ؟ 
ما كتبه طه حسين في (الأيام) هو بداية لم تكتمل للأسف .فقد توقف طه حسين عن استكمال سيرته.وقد أثار الأسئلة والانتباه معاً لهذا الفن .وتلك فضلة الأيام كنص سيري أدبي في المقام الأول بلغته وأسلوب سرده. ومثله ميخائيل نعيمة في ( سبعون)…وربما كان محمد شكري متقدماً على كتّاب السيرة العرب بالصراحة والصدق المتوفريْن في نصه.وهما شرطان تقليديان لم يلتزم بهما كتاب السيرة العرب.فلا شيء عن فشلهم أو نقاط ضعفهم مثلاً في سيرهم المعلنة.وأعتقد أن السير اللاحقة رممت هذا النقص .والأمثلة كثيرة دون شك. 
* أجد أن كتابك الموسوم ( أقنعة السيرة وتجلياتها ) الصادر مؤخرا عن دار أزمنة يقتحم حقلاً ملغوماً في الكتابة العربية هو الكتابة السير ذاتية.هنا ألا يمكن للموهبة وحدها وهي ميزة أسلوبية أو نفسية غالباً أن تسعف أي كاتب.
لقد عكفت على غربلة عدة مدونات سيرية ،وقاربت صلتها بالرواية مثلاً، ما يتطلب اقتراباً من النصوص بمنهجية لا يمكن للموهبة وحدها أو الانطباع أن يحيطا بها.فهناك آليات سرد وموضع للسارد أو الكائن السيري كما أسميته.وهناك مشكلة زمن السيرة الذاتية وغير ذلك من معضلات كتابتها .وهي بحاجة لبحث وليس إطلالة انطباعية عابرة.
** بودي أن توضح لنا عن لزوم أهم الاشتراطات لجنس كتابة السيرة الذاتية .
يبدو لي أن ذلك يطول بالقياس لمقابلة حوارية كهذه.لكنني أشير فقط إلى التبدلات التي جرت على كتابة السيرة الذاتية .وأهمها تكثيف السرد ،والسفر الحر بين الأزمنة والأحداث، وعدم اشتراط التحدث فقط بضمير المتكلم(أنا) أو سواه من ضمائر العائدية للكاتب.ولا يزال الصدق والصراحة من الشروط العسيرة غير القابلة للتحقق أو التحقيق.ثمة إخفاء وتخفٍ وحذف وإضافة وتعديل في سرد السيرة الذاتية ،يجريها الكاتب واعياً أو غير واعٍ(كحالتي النسيان والتناسي).
*هل بالإمكان أن يكون التتابع الزمني من ضمن أساسيات كتابة هذا النوع ،وماذا عن مخيلة الكاتب إذا ما تلاعبت بفضاء الزمن 
المخيّلة حاضرة في إعادة تمثيل وقائع السيرة الذاتية وأحداثها.سرد الوقائع الشخصية وإطارها الزمني يمنح الخيال فرصة العمل لتقريب تلك الوقائع للقارئ.المخيلة هنا تعمل لتؤازر الذاكرة وتستثمر السرد لملء فراغات السيرة المسرودة.حالياً لا يشترط البدء كما في السير التقليدية من الولادة حتى لحظة الكتابة.صار بالإمكان البدء من أية نقطة في فضاء السيرة ،والعودة لسواها ماضياً أو حاضراً بتلازم تمنحه السياقات النصية الداخلية .
** وأنت تعيد قراءة السيرة الذاتية للكثير من كتابها هل توصلت عبر كتابك إلى ملامح قد تبدو فضائح لا تنسجم مع رؤية المتلقي وهنا أود أن أذكرك بما ذهبت إليه نوال السعداوي وهي تبين مواضع القبح عند زوجها .
الفضائحية تعد من بعض ما يوجه للكتابة السير ذاتية.ويستشهدون بما تضمنته سيرة جان جاك روسو أو اعترافاته كما يسميها.النقاد التقليديون يحاكمون نصوص السيرة الذاتية بالمقاييس القديمة التي تعد هذه الكتابة ذات دور تربوي في الأساس، لأنها تفترض أن كتابها مشهورون وناجحون في حقولهم وذلك يقتضي تقديم تجاربهم للقراء كي يستفيدوا منها ويتعلموا.في النقد الحديث لا يشترط أن يكون كاتب السيرة الذاتية مشهوراً أو علماً.وبالتالي سقط ذلك الدور التربوي الذي له مجالاته دون شك.
*** لكن بعض النصوص جوبهت بالاستنكار ..؟
نعم عربياً جوبهت بعض الكتابات بالإستنكار والحجب والمنع .ومن أشهرها الخبز الحافي لمحمد شكري .ولا غرابة في ذلك إذا ما عرفنا ما يحكم مجتمعاتنا من تقاليد وضوابط صارمة، وما يتحكم في القراءات من فهم سطحي لدور الكتابة وعلاقتها بالقيم والأخلاق.الكتابة السيرية نص أدبي.لذا فهو يتضمن ما تتيحه المخيلة والذاكرة ،ويندرج في سياق ثقافي لا معنى لتفسيره كمروق عن القيم ،أما ما ذكرتْه نوال السعداوي من تجارب بصدد زواجها، فيجب قراءته في سياق انتقاد نوال السعداوي للعقل الذكوري وهيمنته على الخطاب الاجتماعي.
** دعني أذكرك في موضوعة أخرى كانت لك إشارة في متن الكتاب تبين فيها خذلان القارئ لسيرة غادة السمان.هل بالإمكان أن تبين لنا طبيعة وأسباب خذلان القارئ ..؟
* كتبتُ تحديداً عن كتاب غادة السمان(القبيلة تستجوب القتيلة) وهو حوارات معها تحاول أن تغطي من خلالها فترات ومحطات ومفاصل من حياتها ،دون الالتزام بكونها سيرة ذاتية.فوصفتُها بأنها تهرِّب سيرتها عبر تلك الحوارات، رغم أنها تتعالى على السيرة الذاتية ،وتقلل من شأنها كفن مكتوب.كنت أتمنى لو أن غادة السمان قدمت – وهي ذات خبرة روائية – سيرتها مسرودةً بشكل صريح ومجنّس ومباشر، وليس عبر المحاورات والحوارات.ومرة أخرى لجأت غادة السمان لبديل عن السيرة حين نشرت رسائل غسان كنفاني لها.وهي مدونات تشي بوجود علاقة حب بينهما .ولكن العمل ظل ناقصاً ؛لأن غادة السمان خذلت الكتابة السيرة ثانيةً ولم تضع الرسائل في سياق حياتي واضح.وهذه إحدى إكراهات الترميز القهري غير الممتثل للبوح ،كما تتطلبه السيرة الذاتية.هنا يبدو الوجه الحقيقي لنموذج من النساء الثائرات لفظياً ونظرياً والمتراجعات عند الكتابة فنياً.
** حسنا عليّ أن أعود لعبارة واضحة وصريحة المعنى إذ تقول ان السيرة الذاتية من أكثر الأنواع الأدبية إثارة للبلبلة الاجناسية والهوية الأسلوبية ..هل أردت القول أنها فن هجين ؟ وهذا يعني إننا نقرأ نوعا غريبا لا نمسك له بتعريف معين. 
مصدر البلبلة الإجناسية متأتٍ من هجنة السيرة الذاتية ،فهي نص تتقاطع عنده معلومات التاريخ والوقائع الحياتية والأفكار، وفنياً يلتقي السرد بالنثر العادي والتعليق .لذا تُحرج السيرة أحياناً من يهتم بالتجنيس ونظرية الأدب وفنونه، والقراء بالضرورة.ونمثل لذلك الحرج بصلة الرواية بالسيرة مثلاً.فالرواية تقوم على مبدأ المماثلة أو المشابهة (بين العمل والخارج) فيما تقوم السيرة الذاتية على المطابقة(بين الكاتب ونصه).ولكن ذلك لا يعني أن السيرة عصية على التعين والملموسية النصية أو التعريف.فلها ثوابت واشتراطات تواطأ َعليها منظّروها وقراؤها.وتتجسد في نصوص السيرة الذاتية.مع ملاحظة أنني اقرأ السير الذاتية الأدبية ، لأن الكتابة السير ذاتية شهدتْ انفتاحاً على سيَر سياسيين وشعبويات لا تخضع لمعايير فن السيرة الذاتية .
+‏3‏
 
Top of Form
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات
تعليقمشاركة
76‏‎Hameed Hassan Jaafer‎‏ و‏‎Ben Hammouda Ikarus Ikarus‎‏ و‏‏74‏ من الأشخاص الآخرين‏
التعليقات
Lutfiya Al-dulaimi تحياتي لكما – اخي العزيز ابي هند ولك عزيزي استاذ خضير
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

1

إزالة
رد Hatem Alsager · 2 ردان · ساعة واحدة
 
Zober Mahdad حوارات الزيدي دوما لطيفة موفقة
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

2

إزالة
رد خضير الزيدي · رد واحد
 
أحمد اللاوندي مبارك يا صديقي تستحق
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

2

إزالة
رد خضير الزيدي · رد واحد
 
كاظم حسوني مبارك توهج ابداعك وتواصل عطاءك صديقي استاذ خضير
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

2

إزالة
رد خضير الزيدي · رد واحد
 
Najah Al Madani شكرا لاضائتك استاذ الزيدي على ابداع كتابة السيرذاتية ..قرأت الحوار وتمنيت ان لا ينتهي لجمال ووعي سرديته .. شكرا جزيلا لك
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

2

إزالة
رد خضير الزيدي · رد واحد
 
الكاتب والفنان علي الدليمي مبارك لكم وبالتوفيق والنجاح المتواصل
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

2

إزالة
رد خضير الزيدي · رد واحد
 
Dhyaa Althamry إضاءة مهمة جدا بوركت ايها المبدع
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

1

إزالة
Hatem Alsager أسئلة الصديق الشاعر خضير الزيدي معرفية وعميقة تدل على استيعابه أطروحة الكتاب و تفهمه معضلات الكتابة السير ذاتية..حوار أعتز به ..شكرا وامتنانا للأستاذ الزيدي
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

3

إدارة
صدام الزيدي.. كم أنت رائع ومتألق ايها العزيز على القلب خضير الزيدي 
تحية بوسع الكون محبةً وتتلمذاً، لأستاذنا المبدع الناقد الكبير، د. Hatem Alsager
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

إزالة
Faisal Jassim حوار غاية في الاهمية عن كتابة السيرة وكتابها وكاتباتها مع ناقد ذي بصيرة نقدية معروفة
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

إزالة
اكتب تعليقًا…
 
 
 
Bottom of Form
(435) الدردشة
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*