قصيدة النثر غيرت مجرى الكتابة الشعرية-حوار أجراه الأستاذ عذاب الركابي-مجلة دبي الثقافية

 
 
                        مجلة دبي الثقافية عدد شهر يونيو حزيران– 2014
ص96-99
 
 
 
 
 حوار مع الناقد العراقيّ
                                    د. حاتم الصكَر
                                                     حاورهُ – عِذاب الركابيّ
 
قرأته مبكرا شاعرا متفردا في أسلوبه، وإيحائه ،ومذ سكنت هواجس القصيدة أنهار أصابعي، ونغمت لي قريحتي، وهذبت وؤاي، دلتني عواصفها عليه ناقدا فذاً،ووجدتني  أمام ناقد كبير،أستاذ لم يرتدِ عباءة الأكاديمية التي توحي لعديد القراء والمبدعين أنها قيد ،لأنه ينظر إلى الإبداع فعل تحرر، ولهذا وجدتني أتابعه ،بل أسير رؤاه النقدية الهادفة.
د.حاتم الصكر يكتب بشفايفة عالية،وذبذبات حروف ساحرة جذابة،هي من آثار الخشوع في محراب القصيدة  معشوقته ودليله، ونبض ثقافة جادة،محكمة ،بسيط حتى العمق،لا يتعالى ولا يتعقرولا يميل في دراساته إلى الصيغ المركبة الغامضة المزروعة بألغام المصطلحات الأجنبية والبلاغات الخاوية،لأنه يربض في إيقاع نص مستفز،يجده مرآة واقع معيش،أو تجسيداً لحالة عشق صوفي.ولأن النقد لديه إبداعٌ قبل كل شيء أيضاً.الكتابة النقدية في تصوره رحلة إبداع جاد وهو المحصّن  بثقافة عالية،منحته كل هذا الحضور المشرف ليكون على رأس قائمة طويلة من نقادنا الكبار..لا يجامل ابداً لأنه يدرك جيداً بثقافة الناقد ، وحسّ الشاعر المرهف، مهمةَ النقد الذي أسهم  في (تحديث الكتابة الشعرية والنقدية )على حد قوله.يقرأ بكل جسده؛لأن القراءة المنشئة إعادة كتابة وإبداع للنص.والقراءة لديه حلم متلوبيقظة .وهذه القراءة مصحوبة برؤية).ولهذا عندما ينتصر لنص شعري ،يعلن بجرأة الناقد الفذ،وصفاء رؤاه أنه عدو النصوص الركيكة التي تحسب ظلماً على هذا الفن.وإذا ما لاحظ  القارئ المتابع أن أغلب كتبه ومؤلفاته النقدية ،تهتم بكيمياء القصيدة ، وعواصف أخيلتٍها المبتكرة، لا بد أن نتذكر بأن له نظراته النقدية المهمة في السرد العربي أيضاً. لديه الكثير مما يقوله في هذا الحوار الهادئ.ومما تعجز هذه المقدمة المتواضعة عن الحديث عنه.
1:  إنّ النقد الأدبي إبداع .. وهذا الإبداع يقومُ على الذائقة ، وأيّ محاولة لجعلهِ علما ً بالمعنى المقنّن المحكم سوف تمسحهُ وتشوهه ..) ما رأيك بهذهِ العبارة ؟ ماذا تضيف لها ؟ أيهما الحكم الفيصل في كتابتك النقدية الذائقة أمْ المخزون الثقافي ؟
 
أتفق مع الرأي القائل بأن النقد أدب في المقام الأول ،ومحاولة جعله علما كما تشير في سؤالك وربما تعني الاتجاه البنيوي المدرسي المغلق، أو الأسلوبية الإحصائية مثلافلا تصح غالبا ،ولا توازي أدبية النصوص في النقد الأدبي خاصة.وتقف عاجزة عن جلاء أبنية النص الشاملة ومستوياته البنائية وإيقاعاته ودلالاته ولغته. لكن الذائقة لم تعد حكما وحيدا.ربما كان ذلك ممكنا لمرحلة محددة  بسبب الانطباعية  المهيمنة قبل الثورة المنهجية في النقد منذ الستينيات. الذائقة تحرك أحيانا باتجاه نص ما ولكنها سرعان ما تأخذ سمتا منهجيا وتطلب تعليلا لتذوق هذا النص أو ذاك. وهذا ما يحصل معي في كتاباتي النقدية. فثمة خطوات تتراتب بلا تخطيط؛ لأنها من طبيعة الكتابة ذاتها ،كالانجذاب نحو نص ما وتحليل مستوياته وكشف أبنيته ودلالاته. إذ لم يعد الخطاب النقدي ولا القارئ يقبلان بالحكم القيمي المجرد من التعليل والتحليل.
2: يقولُ جان بول سارتر : ” إنّ جميع أشكال الإبداع الأصلية هي منحة إلى المستقبل ” .. لماذا الشعرُ هوَ دائماً الأقرب إليك ؟ هلْ تصغي للعمل الإبداعي شعرياً ؟ أم السبب أنكَ بدأتَ حياتك الأدبية شاعراً ؟ حدّثني !!

  • اغلب الكتاب العرب بدأوا شعراء.ليست تلك تهمة لننفيها ولا امتيازا لنتمسك به.الخبرة بالنوع كما يقر علماء القراءة ونقاد التقبل ضرورية كذخيرة للقراءة النقدية خاصة.تلك الخبرة تعززها التجربة الشعرية.وهذا ما أفدت منه حين أوقفت جهدي على الكتابة النقدية.ولكن ظل الشعر هو الأقرب لاهتماماتي مع ميل للأنواع الأخرى في السنوات الأخيرة بسبب العمل الاكاديمي والاحتكاك بنصوص وأنواع غير شعرية؛ فساهمت في بحوث وملتقيات حول السرد ،إضافة لاهتمامي بالصورة البصرية وجمالياتها في التشكيل خاصة .

3: تعجبني عبارة الناقد تين :” إنّ الأدب كيمياء وميكانيك” .. على أيّ شيء تقوم كيمياء النقد الحقيقي والجاد ؟؟

  • كيمياء الأدب هي لغته.النصوص تقول ما تقول بدافع تلك الكيمياء الخاصة بالعمل.وهذا ما يرد صراحة في شهادات الشعراء والكتاب أنفسهم.معرفتنا نحن القراء العامين والمختصين تسعفنا في اكتشاف تلك الكيمياء والعناصر التي ينبني النص الأدبي من اتحادها أوانصهارها وتأملها، وصلتها ببعضها.بجانب أثرها في التقبل ومديات تأويلها المتاحة لاكتشاف ما وراء العمل.تلك تجربة مررنا بها ونحن نقرأ التراث الصوفي مثلا ،أوقصائد فكرية وعقلانية للمعري ،أو حكمية للمتنبي، أورمزية للسياب ،أو إيقاعية جديدة كقصائد النثر..

4:هناك اتهام من بعض المبدعين للنقد .. ويشكون من غيابه أو عدم وجود حركة نقدية جادة مواكبة لهذا التفجّر الإبداعي .. أهو تقصير من النقد فعلاً أمْ من المبدعين أنفسهم ؟ ماذا تقترح لإبداعٍ جادٍ مُستفِز للقاريء والناقد معاً ؟؟
الاشتغالات النقدية متنوعة.فيها جانب تنظيري وآخر يتناول تاريخية الاجناس والأنواع الأدبية وبعضها ينصرف إلى المقايسة والمقارنة واستكشاف المؤثرات بالتناص مثلا.وهناك النقد التطبيقي التحليلي والمراجعات التي تتيحها القراءة.لكن الناقد غير مسؤول عن رصد (كل) ما يصدر أو ينشر.هناك مثل مؤداه أنك بدل أن تنصرف لوصف (كل) أشجار الغابة ، يمكنك أن تحللل نماذج منها ؛فينطبق عليها الوصف .النقد مهّد كثيرا لتحديث الكتابة الشعرية والسردية ،وقرّب النصوص الحديثة من القارئ. وإذا كان لا يلامس النصوص كلها ؛فلا يعني ذاك أنه مقصر أو مترفع.
نعم.ربما كانت ثمة عيوب في الخطاب النقدي المهتم بالأعلام دون الشباب مثلا أو بالتراث دون المعاصر  ،لكنه لا يعمم أو يصبح تهمة كافية لإدانة النقد كفعل قراءة .الضيق بالنقد ونفي دوره لا تدل إلا على ضيق الأفق والدكتاتورية، والنزعة الذاتية المفرطة التي ترى النص فوق كل نقد أو مراجعة.
5: من خلال متابعة دقيقة لكتاباتك النقدية يجد القاريء اهتمامك بكيمياء النص الشعري .. بالتشكيل.. بلغة اللغة .. وخيال الخيال .. وبلاغة البلاغة ..
ألهذا الحد تثيرك لغة الشعر .. ومواكب الخيال المبتكر واللغة الجديدة الصاخبة ؟؟ أيّ جمالٍ هذا الذي يسحركَ ؟
لم يكن العرب مبالغين حين نسبوا الشعر لوادي عبقر ووصلوه بملهمين افتراضيين أسموهم بسبب قصور الدراسة النفسية المعمقة آنذاك بشياطين الشعر ،وربطوا كل شاعر بواحد مسمّى كملهِم له. الجملة الشعرية شيء يقال بلغتنا ولكن بانتظام خاص وبناء مقصود يهب الشعر هذا التفرد.ولما كان العمل ٍكيميائيا كما تعيد في سؤالك هذا أيضا ، فالمركّب الشعري أي القصيدة بحاجة لتحليل وإعادة تعرف على العناصر المكونة لها. والتحليل بالمناسبة هو مصطلح مستعار من الكيمياء والمختبر النفسي ثم  استخدم لوصف جانب من نشاط النقد والقراءة. المخيلة والذاكرة والصورة والجملة المركبة من ذلك كله بإيقاع خاص هو ما يجعل النص قريبا مني، أو أكون قريبا منه.في الآونة الاخيرة من اشتغالي على النصوص لا سيما في كتابيَّ (في غيبوبة الذكرى) و(قصائد في الذاكرة)حاولت تطوير منظوري للتحليل النصي الذي بدأته في أول كتبي (الأصابع في موقد الشعر) وواصلته في(حلم الفراشةحول قصيدة النثر) .صرت أهتم بسياقات انتاج النص المحيطة به وأثره ،  وما أضافت له القراءات في حينه. سواء أكانت قصيدة موزونة مقفاة للجواهري وهي سخريته السياسية في (تنويمة الجياع) ،أو موزونة حرة كما في سوق القرية للبياتي ،أو نثرا كقصيدة  حانة الكلب لسركون بولص وسواها لعبدالصبور ونزار وأدونيس ودنقل والبريكان وعباس بيضون وطالب عبدالعزيز وهم  وسواهم من أجيال مختلفة وبلدان متنوعة.وبكيفيات نصية متعددة
 
6:مَنْ مِنَ الشعراء العرب مازال يستفزك .. ويثيرك .. وتتابع كلّ خطوة مطرٍ مموسقة لأعماله الشعرية ؟؟ كيف ترى ما يكتب من شعر حداثوي الآآن ؟؟

  • الذرى الشعرية المتبقية أرصدها وأرى من خلالها كيف يتكيف الملفوظ الشعري مع الزمن والعصر والثقافة وتبدل المرجعيات.وفي الشعر الوسيط لأجيال ما زالت تنتج وتتطور أراقب مدى امتصاص النصوص للمتغير الثقافي والمعرفي والاجتماعي . وفي نصوص الشباب أرصد مدى تمدد الأثر وتغير الاتجاه الموضوعي واللغوي والإيقاعي.أنا أقرأ ادونيس بحماسة حتى في مشروعاته الكبيرة المتنوعة الأسلوب مثل عمله (الكتاب)عن المتنبي .ودرويش حتى آخر كتبه الشعرية (لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي)،ومدى استثماره لجمالية العبارة والخيال الموظف لحقائق وقضايا أرضية معاصرة بلا مباشرة أو هتاف.تحولات الشعرية العراقية عبر الشباب الذين أتابع اعمالهم وكتبت عن بعضها في آخر كتبي (بريد بغداد).

7: يرى بعض النقاد أن هذا الزمن ( زمن الرواية) وليسَ زمن الشعر ما رأيك ؟ ما أسباب نفور دور النشر من الأعمال الشعرية ؟ أهو عيب في الشعر أم في الشعراء ؟ وإذا كان الإبداع أزمان ، كما يرى البعض ، فهل من السهولة أن يتنازل أيّ فن إبداعي عن زمنهِ ؟؟

  • ربما كنت من أوائل الذين تصدوا للمقولة والرد عليها في أكثر من مناسبة كان آخرها قراءتي الاستعادية لكتاب جابر عصفور (زمن الرواية) قبل عامين. ٍواعتبرت تلك الدعوة (انقلابا )على تراتب الأجناس الأدبية، و(استبدالا قسريا للشعر) الذي لا يمكن زحزحة مكانته للأسباب التي ساقها الدكتور جابر عصفور.كثير من أدلته على أن هذا هو زمن الرواية تستند إلى التداولية أي النُسخ المباعة والجوائز.أما الأسباب الفنية والمعرفية، مثل قدرة الرواية على التغيير الثوري أو ملاحقة التغيرات الاجتماعية فهي اشياء لم يثبت لها دليل . ولا يزال للشعر أثره وخطره.ربما كان الزمن زمن تداخل الأجناس والأنواع بسبب توسيع مفاهيم النص والتخفف من الاشتراطات التقليدية .وهذا ما شجع كثير من الشعراء على كتابة الرواية في ما أسميته بمقالة لي بأنه موسم الهجرة إلى الرواية. وربطت ذلك بحدّة اللحظة التي يمر يها الوعي العربي والثقافة العربية . والشعر يراقب ذلك ولا يتسع له كما الرواية.هي لحظة آنية لا يمكن أن نسيّد فيها فنا على آخر.

8: أنت َ ناقد كبير ورابض بحبّ في إيقاع ( قصيدة النثر) .. هذا المولود المحارب من قبل ديناصورات الثقافة !! قلْ لي أهو مزعج لهذا الحدّ ؟ أهو يضايق أحداً ؟ حينما يعطي الشاعر الكلماتِ حرية المبادرة ، كما أوصى العبقري مالارميه هل يصبح مذنباً ؟ وسط هذا الضجيج الإعلامي والحملات حتى من كبار الشعراء .. كيف ترى مستقبل قصيدة النثر العربية ؟ وماذا لقرائح وأصابع الشعراء لكي يصبح هذا الفنّ أكثر إثارة .. وإزعاجاً ؟؟

  • الجسم الشعري العربي كثيف ومتين ومتحصن بقوة موروثه وكذلك بشعبيته وحلوله في الذاكرة عبر الاجيال.ليس كالعرب من لهم هذا التراث الشعري الكبير والمتنوع والمتصل وذو الأثر في الوجدان العام.هنا تتحصن الأنواع بقوانينها وترفض الذاكرة الجمعية أي تغيير لها أو مغايرة نموذجها ؛لأنها مكتملة لديه، وقوانينها وأعرافها هي النموذج.فكيف تغامر أنت مثلا بكتابة نص لا يمتثل لما وقر واستقر في تصور القارئ للشعر وللقصيدة؟.نحن نفصل لأجل تقبل مواليد القصائد المستحدثة الأساليب بين الشعر كخطاب عام له تقاليده ولغته وميراثه وبين القصيدة التي قد لا تنتمي له بكل الجينات التي في جسده لحظة كتابتها .ثمة تعديلات جينية حتى على البشر .وهذا اول مبررات المنافحة عن قصيدة النثر.لكنني كما وضحت الآن أفهم طبيعة ومحركات الصد والرفض لهذا النوع الشعري الجديد المتخلي عن اشتراطات ذات هيبة وتاريخ في خلايا الجسد الشعري.لاحظ أن قصائد معينة غيرت مجرى الكتابة الشعرية: نازك والسياب في الشعر(الحر) ونصوص مجلة شعر بالنسبة لقصيدة النثر.وأضع بالاعتبار عذراً تلمسته لرافضي قصيدة النثر كشكل شعري هو تلك النصوص غير المكتملة والمتعجلة والمختلة فنيا ،ومدعية الانتماء لقصيدة النثر، وهي كثيرة للأسف.لقد نشأ تقليد جديد في كتابة قصيدة النثر صار يزعج القراءة ويحرج الحماسة لقصيدة النثر ذاتها.لكن هذا ليس مبررا لرفضها ووصفها بأنها القصيدة الخرساء كما فعل الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي..ٍٍ

9: يقولُ آرتور رامبو شاعر الحداثة الكبير في رسالتي الرائي :
لا مرتين راء ٍأحياناً ..لكنهُ مختنق بعتيق الأشكال“. مَنْ هو الشاعر الرائي العربي المختنق بعتيق الأشكال برأيك .. رغم جودة ماتركهُ للقراء !؟؟
 
لقد انتهى دور الشاعر الرائي ،ولهذا حكاية أخرى ؛فالسياقات الحياتية نقلت الشعر إلى قلب أحداث عصره ومشكلاته وأزماته .ولكن لا يمكن الجمع بين الرؤيا والأشكال العتيقة.أحيانا أحس عند قراءة الجواهري بأن نصه يقصر عن رؤياه ،فله رؤى متجاوزة للأشكال التي اتخذتها قصيدته .هو عندي آخر الشعراء العموديين الذين حرروا الشكل وأعطوه جماهيرية وسمتا حديثا ،وأقوم قراءته دوما بهذا الشعور.
10:” هناك لغة تتعدى الكلمات” – باولو كويلهو !
أيّ لغةٍ هذهِ ؟ كناقدٍ كيف تنظر إلى الأخطاء الإملائية والنحوية التي يقع فيها غالبية المبدعين ؟ هلْ تقف عندها أثناء تحليل النص ؟ أم تحرج ؟ هي موجودة فعلاً حتى عند كبار المبدعين .. يُبررها بعض النقاد على أنها مطبعية أنت ماذا تقول ؟

  • من المؤسف أن تقرأ في النصوص الشعرية حتى التقليدية أحيانا بعض ما رصدته في سؤالك.اللغة منظومة تفكير وتعبير لا يمكن الاستهانة بها كقواعد وأبنية خاصة. ولما كانت اللغة الشعرية تعلي الكلام وتظهر براعة اللغة وإمكانات التعبير المجازي بها ؛فهي أولى بالعناية .من الضروري ليس فقط مراعاة قواعدها لاسيما ما يتصل منها بالعبارة نفسها وفهمها وتأويلها ،ولكن استثمار جمالياتها وما فيها من متاح للخيال والتصوير والتأثير في القارئ.المسألة تتصل أحيانا بمؤهلات الشاعر وثقافته.وهذا اخطر من سواه ويستوجب الانتباه والعناية.

11: ( البنيوية) ( التفكيكية) و( السيميائية) مناهج نقدية هل تمتّ لبيئة نصوصنا المهمومة بصلةٍ ؟ كيف تبرر تطبيقها على نصوص تربتها العذاب ؟
كيف تنظر إلى موظة حشر المصطلحات الغربية في نقدنا الأدبي ؟أهو تعالي وإبراز عضلات نقدية ؟ إذا كان بعض النصوص غامضاً هلْ يجيء النقد غامضاً أيضاً ؟ حدّثني رعاك الله أيها الصديق العزيز !!

  • النقد الأدبي يتأثر بالمناهج دون شك ،ويعدّل من إجراءاته وآلياته وخططه على أساسها.كما يستعير الشاعر أشكالا غربية مثلا ويكتب بها شعرا عربيا ، يستفيد النقد من الثورات المنهجية ،ولكن بشرط تكييفها لتناسب نصوصنا وخصوصياتها.هنا لا أجد خوفا من الاتجاه للمنهجيات واستيعابها والإفادة منها في التطبيق والتحليل والدراسة.نعم ،هي لم تستند إلى نصوصنا في توصلاتها النظرية،ولكن هذا قد ينطبق على التراث النقدي أيضا؛ لكونه يشتق نظرياته وافتراضاته من نصوص اتنجت في غير عصرنا ،وإن كانت بلغتنا نفسها. ولا أخفيك، فثمة ميل أحيانا لدى بعض زملائنا للكتابة (عن) المنهج لا بالمنهج.أي تظل الدراسة تحوم في فضاء نظري وفوضى اصطلاحية وتكثير للمفاهيم بعيدا عن النصوص والظواهر .

12: ذكرَ لي شخصياً الصديق شاعر الحداثة الشعرية العربية الكبير الراحل عبد الوهاب البياتي في سهرةٍ جمعتنا في عمّان بغاليري الفينيق صيف 1996 أنه قرأ َ كتاباً كاملاً عنه لناقد ، لم يذكر اسمه ولم يفهم منه شيئاً ..  ماذا تقول ؟ هلْ مرّ بك مثل هذا الموقف ؟

  • سمعت ذلك من البياتي أيضا أكثر من مرة ،وقد قال شيئا في إحدى مقابلاته الصحفية قريبا مما قال لك ، لكنني أرد ذلك لعد رضاه عما تضمنت الدراسة أو بحسبان أنها قصرت عن جلاء مزاياه الفنية وبراعته.الخطاب النقدي الحديث يتهم كالشعر نفسهبأنه غامض.أنا أعيد ذلك لنقص في ثقافة القارئ لا سيما والنقد الحديث يستفيد من اللسانيات النصية والعلوم الإنسانية والتاويل.أما التغريب اللغوي واجترار المفاهيم والمصطلحات فأنا أوافقك في أنها تخلق لدى القارئ بلبلة أكيدة ،لا أرى لها جدوى في القراءة

13: ” إنّ الشعر لا يُنقد إلاّ شعراً ” !!
والنقد إبداع على إبداع .. ما رأيك بالشعراء والروائيين وكتاب القصّة الذين أصبحوا يمارسون النقد ؟ وحينما يكتب الشعراء عن بعضهم أهو إدانة للفراغ النقدي ؟ أمْ ماذا؟

  • ما دام النقد فعل قراءة مصحوبة برؤية تشغّل الخطاب النقدي ،فكل قارئ يمتلك الحق في ممارسة ذلك الفعل.الشاعر أقرب من سواه للمدونات النصية ويفترض أنه ذو حساسية عالية تجاه ما يقرأ شعرا.وهذا ينسحب على الكاتب ايضا.

14: هلْ تؤيد الكتابة الشعرية في النقد ؟

  • عذرا ،لم أفهم المقصود بالسؤال.لا يمكن كتابة النقد شعرا ولم يجر ذلك حتى في التراث حين كان الشعراء(ينظمون) مدونات في العلوم كالنحو والفقه وتاريخ الأمم ،ليٍسهل تدريسها للطلبة.

مَنْ ناقدك الأمثل عراقياً وعربياً وعالميا ً ؟

  • عراقيا وعربيا هم مجموعة وليسوا واحدا لذا سأصفهم بلا أسماء: إنهم أولئك الذين تابعا النتاج العراقي وقرأوا بعلمية وتجرد.هم من قارب النصوص برؤى حديثة ومنهجيات متنورة ،وهم من نعوّل عليهم في تطوير الخطاب النقدي وتحديثه. أما عالميا فإن كتابات نقاد جماليات الاستقبال وعلماء القراءة ونقاد التلقي تحظى باهتمامي أكثر من سواها.

: صدر لك عديد الكتب النقدية وآخرها : ( قصائد في الذاكرة)- دراسة و (بريد بغداد)..
ماذا ينتظر القاريء من دراساتك النقدية الجديدة ؟

  • أهتم حاليا بالسيرة الذاتية كفن كتابي مهمش لأسباب معروفة ،وأرصد تجلياتها وإمكاناتها النصية، ولدي كتاب في هذا الموضوع ٍمن زوايا عديدة: الكيفيات الممكنة ،وصلة السيرة الذاتية بالرواية والسيرة الشعرية والكتابة السيرية النسوية.. وما إلى ذلك.أشعر أيضا بأن قصيدة النثر التي كتبت عنها مبكرا ، بحاجة اليوم إلى مراجعة نقدية لرصد تياراتها ولغتها وإيقاعاتها ،وجديدها الموضوعي والبنائي، ومآزقها ومشكلاتها النصية كذلك.

 
                                         شكراً
                                       حاورهُ : عذاب الركابي
                                                   كاتب وشاعر
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*