رفائيل بطي :من مضيق التقليد إلى فضاء الإطلاق


حفزني على نشر بعض المقالات النقدية للكاتب العراقي رفائيل بطي(1901-الموصل-1956بغداد)  وتقديمها بدراسة موسعة في كتاب صدر عام1995  ما قرأت عنه بصفته صحفيا فقط ومقاليا أحيانا، وإقصاء جهوده النقدية المبكرة سواء في كتابه (سحر الشعر)1922أو في أعداد مجلته الأدبية(الحرية) التي صدرت عام 1924 ومقالاته في سواها من الدوريات حين توقفت بعد عشرين عددا..تلك التواريخ كافية للتدليل على ريادته للنقد الشعري في العراق، احتكاما إلى ما أثار من قضايا نقدية حول الشعر خاصة والأدب عامة.وثمة محرك آخر لجمعي تلك المقالات هو الانتباه إلى ما رافق دعوة بطي للأدب العصري والشعر الطلق والحياة الجديدة والأدب المتحول والشعر المنثورفي الربع الأول من القرن الماضي من دعوات لتحريرالأدب من الجمود في الموضوعات والأساليب، تمثلت بما نشره جرجي زيدان في الهلال، ومقدمة خليل مطران لديوانه ،وأدبيات أمين الريحاني، والديوان للمازني والعقاد،  وكتابات جبران وميخائيل نعيمة ،وبيان الرابطة القلمية في المهجر، ومقدمة الزهاوي لديوانه.لكنني لاحظت إغفال جهود رفائيل بطي تماما من الكتب المدرسية والأبحاث التي تؤرخ للتجديد والتحديث ، رغم أن جرأته واضحة في ماكتب من دراسات في الفترة ذاتها.وتعدى اهتمامه النقدي حدود بلده؛ فكتب عما أسماه موجات الأدب الحديث في الشام ومصر.كما تناول بالنقد أعمالا سردية بجانب اهتمامه الرئيس بالشعر. ويسري غبن بطي في كتابات مؤرخي التجديد في البلاد العربية ،فلم يتوقفوا عند جهود بطي وآرائه التي لم يتراجع عنها كما فعل سواه من الإحيائيين كالعقاد، بل ظل يدعو لتحرير الأدب وإطلاق الشعر من قيوده النغمية وموضوعاته التقليدية، فنراه يقدم ديوان السياب الأول أزهار ذابلة 1947 مراهنا على موهبته ،مدركا ما في شعره من (لون جديد) ونزعة (عصرية) راجياً (أن يمعن في جرأته في هذا المسلك المجدد،لعله يوفق إلى أثر في شعر اليوم ، فالشكوى صارخة على أن الشعر العربي قد احتفظ بجموده في الطريقة مدة أطول مما كان ينتظر من النهضة الحديثة). وما يبرر دراسة بطي ناقدا تكامل رؤيته وبرنامجه الفكري، فهو  يدعو إلى تحرير المرأة وتعليمها ،كما يطلب التجديد في الشعر ويعلن شعاره وهوالخروج من مضيق التقليد إلى فضاء الإطلاق، الذي يعني عنده التحرر من القوالب والصيغ المستهلكة، ودعوته نظريا للشعر المنثور وكتابته أيضا ، كما يدافع عن حق المرأة في العمل والمساواة ، ويرد على متعصبي الطوائف الدينية والمذهبية ، ويرفض الكتابة بالعامية . في إحدى خطبه عام 1926 يخير مستمعيه بين ( الحياة الحقة ومماشاة التطور أو الموت المحتم.وليس هناك من سبيل وسط بين الموت والحياة) كما يؤكد على الصلة الصحيحة بالغرب وفنونه وعلومه التي يراها ضرورية كإصلاح التعليم وتحرير الصحافة وحرية القول. وإذا كان بطي قد عمل لفترة وزيرا  لشؤون الصحافة فإنه ظل يدعو إلى التجديد والعصرية في الأدب والحياة .وبهذا استحق أن يوضع ضمن مسار التحديث ومصادره الأولى.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*