حلم حقيقي

 
 
     تدورأحداث رواية (حلم حقيقي)للقاص والروائي  محمود الريماوي في دكّا عاصمة بنغلادش،ويستمد الثيمة الرئيسة  لها من واقعة طبية غامضة تحدث هناك عام 2009 ويكشفها مدوّن شاب يعين الصحفي المهتم بالقضية والشخصية الاساسية في العمل(مينو) فينشر  في تحقيق صحفي خفايا الجريمة التي تودي بحياة عشرات المرضى الذين تؤخذ أعضاء من أجسادهم لصالح بعثة طبية أوربية تعمل على تجربة تلك الأجزاء البشرية لغرض إطالة العمر الممكنة للبشر، وهو ما سيكون مولّدا لعنوان الرواية .فالحلم الحقيقي هو عنوان بيان للرابطة الحرة لتقرير المصير الفردي ،وهي تقوم بالتبشير لتبادلية الأعضاء البشرية وبيعها أو شرائها أو التبرع بها ، وربما باستغفال المرضى وأخذِ أجزاء منهم دون علمهم.المدون الشاب مشتاق يكشف ذلك لمينو فيترك  النشرأثرا كبيرا في المجتمع لما يحصل.لكن المثير للتساؤل هنا هو الجديد الذي قدمته الرواية باتخاذها بنغلادش مكانا للأحداث وأفعال السرد ،لا سيما وأن المكان أوالفضاء السردي عموما  في الكتابة العربية لا يتناول تلك الموضوعات عبر شخصيات بلدانها بل من خلال وجود شخصية عربية فيها.وما يقدمه الريماوي يتم من خلال الأفراد وذواتهم وسياق حياتهم ، و ليس تسجيلا للحادثة رغم وجود راويهِ الخارجي الذي يطل مثلنا على تطورات الواقعة وتفاعلاتها الجانبية .ويبدو لي أن الريماوي يعرض للقارئ معرفته بالمكان وثقافته بشكل دقيق وقدرته على تمثيله.لكن اتجاه السرد  بعد الأقسام الأولى ياخذ منحى إنسانيا تحتل فيه أفعال السرد المقام الاول ، بينما يظل المكان إطارا ًللسرد .وتلك ميزة أخرى للعمل الذي يوجه القارئ لتسلم حبكة استثنائية باختيار المكان القصي هذا مسرحا للحدث. يهدي الريماوي عمله (إلى  بريق الفطنة والأمل في عيون أطفال دكّا، وإلى الألوان القشيبة والبهيجة التي تزين الحافلات والعربات ..) وقد ساعدت خطية السرد أي نمو الحدث تصاعديا من البداية حتى النهاية ،واختيار الكاتب اسلوبا مباشرا لعرض التفاصيل، في تلك الألفة التي تشيع في الرواية وتناسب موضوعها الإنساني.كما  افلح الكاتب  في رصد الطبائع وجعل تعارضاتها التقليدية(بانتمائها لدلالات الخير والشر) مادة تزيد  تعلق القارئ بتفاصيل العمل الكثيرة .حيث ينكشف ضعف رحيم  ومساعدته للبعثة الطبية في تزوير تقارير المختبر وإجراءات التحليلات الطبية للمرضى-ضحايا فكرة الحلم باقتراض سنوات إضافية ممن ليس بحاجة لها لسبب أو لآخر.و كذلك فشل زواجه  الذي تحف به المصلحة والوجاهة.كما تنتهي قصة حب مينو وشيفالي برفضها الزواج  لاختلاف الدين بينهما .وهذا تفريع آخر لاهتمامات الرواية واشتغالها في فضاء بنغلادش التي لا يبدو الحلم فيها ممكنا إلا بانتظار  تلك الوعود بإطالة أعمار البشر على حساب تعاسة بائعيها وعوزهم وخوفهم من تنين الخواء كما يسميه المدوّن. وبهذا الاقتراب من حياة الناس ورصد  دواخلهم ومعاناتهم يثير محمود الريماوي أسئلة انفتاح الخيال خارج المكان المألوف وعناصره، وباتجاه المستقبل أيضا وبرؤية حسية تقترب من التصوير السينمائي الواقعي او الموثق.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*